آيات الأحكام

محمد بن علي الاسترابادي

آيات الأحكام

المؤلف:

محمد بن علي الاسترابادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة المعراجي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

به ، وقيل استشعار تقوى الله فيما أمر ونهى (١) وهو الأظهر وكأنه مآل ما تقدّم من الأقوال ، ومراد الكلبي بأنّه العفاف ، وقول الكشاف أنه الورع والخشية من الله ، ويحتمل رجوع ما قيل إنّه الايمان ، وأنّه الحياء ، وأنّه السمت الحسن أيضا إلى ذلك بوجه.

وقيل ما يقصد به التواضع لله تعالى وعبادته كالصوف والشعر والخشن من الثياب وعن زيد بن علىّ عليه‌السلام أنّه ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها ممّا يتّقى به في الحروب ، وقيل : مطلق اللباس الذي يتّقى من الضرر كالحرّ والبرد والجرح ، وفي الكنز تضعيفه بأنّ المتبادر من التقوى غير ذلك شرعا وعرفا.

ورفعه بالابتداء والخبر جملة (ذلِكَ خَيْرٌ) أو المفرد الذي هو خير ، وذلك صفة للمبتدإ كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير ، وذلك يراد به تعظيم لباس التقوى أو إشارة إلى مواراة السوءة فإنّه من التقوى ، تفضيلا له على نفس اللباس مطلقا كأنّه يريد أنّ الامتنان عليكم بهدايتكم لستر العورة والاحتراز من القبيح أقوى وأعظم.

وفي الكشاف أو إشارة إلى اللباس المواري للسوأة تفضيلا له على لباس الزينة وهو غير مناسب لما قدّمه من تفسير لباس التقوى بالورع ، وبناء الكلام عليه ، نعم يناسب قول من قال بأنّ لباس التقوى هو اللباس الأوّل أعيد إشارة إلى أنّ ستر العورة من التقوى وأنّه خير من التعرّي في الطواف.

وقيل لباس التقوى خبر مبتدأ محذوف أي وهو لباس التقوى ، ثمّ قيل : ذلك خير ، ويأتي عليه احتمالان : رجوع هو إلى اللباس الأوّل ، ورجوعه إلى مواراة السوءة ، فتأمل.

__________________

(١) قال المؤلف قده في الهامش : ومنه قيل :

إذ المرء لم يلبس ثيابا من التقى

تقلب عريانا وان كان كاسيا

فخير لباس المرء طاعة ربه

ولا خير فيمن كان لله عاصيا

انتهى ، وأقول : أنشده في القرطبي ٧ / ١٨٤.

١٦١

وفي قراءة ابن مسعود وابىّ «لباس التقوى خير» وذكره القرطبيّ عن الأعمش (١) وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب عطفا على لباسا وريشا.

وظاهر بعض مشايخنا (٢) أنّ الراجح حينئذ أن يراد لباس يتّقى به عن الحرّ والبرد والجرح والقتل ، وأنّ اللباس حينئذ ثلاثة أقسام قد امتنّ الله بها على عباده قال : وحينئذ في (ذلِكَ خَيْرٌ) تأمّل.

ويمكن كونه خيرا لأنه يحصل به الستر والحفظ عن الحرّ والبرد والجرح بخلافهما ، ويحتمل رجوعه إلى اللباس مطلقا انتهى وفيه أما أوّلا منع رجحان ذلك حينئذ ، فان إرادة ما أريد على الرفع احتمال واضح ، نعم هذا القول حينئذ أقرب منه على الرفع ، وثانيا منع لزوم كون اللباس حينئذ ثلاثة فإنه يحتمل اثنين على ما قدّمنا وواحدا كما صرّح به في الكنز.

وأيضا لا إشكال في (ذلِكَ خَيْرٌ) حينئذ لما قاله وغيره ، ورجوعه إلى اللباس مطلقا أو إنزاله كاف بأن يراد بخير أنّه خير كثير كما هو المحتمل مطلقا لا التفضّل كما هو المشهور ، مع احتماله كما لا يخفى.

(ذلِكَ) يعني إنزال اللباس مطلقا أو جميع ما تقدّم (مِنْ آياتِ اللهِ) الدالّة على فضله ورحمته على عباده ، وقيل من آيات الله الدالّة على وجوده بأنّ لذلك خالقا (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) فيعرفون عظيم النعمة فيه أو يتّعظون فيتورّعوا عن القبائح.

في الكشاف : هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد ، عقيب ذكر بدوّ السوءة ، وخصف الورق إظهارا للمنّة فيما خلق من اللباس ، ولما في العرى وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعارا بأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى انتهى واستطراد

__________________

(١) انظر القرطبي ج ٧ ص ١٨٥ وشواذ القرآن لابن خالويه ص ٤٣ وفيه نقل قراءة ولبوس التقوى أيضا وأما قراءة ولباس التقوى بنصب اللباس فهو مروي عن قراء المدينة والكسائي انظر المجمع ج ٢ ص ٤٠٨.

(٢) انظر زبدة البيان ص ٧٠ ط المرتضوي.

١٦٢

الاية ينافي ما تقدّم عن القاضي فتأمل فيه ، ويمكن الاتّحاد ، ولكنّه خلاف الظاهر وقول القاضي أنسب بمقصود الشرع ، ولهذا أكّده خصوصا وعموما كرّة بعد أخرى فقال :

(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) لا يوقعنّكم في فتنة وفضيحة بأن يدعوكم أن لا تتذكّروا بآيات الله ولا تتورّعوا عن القبائح ، فيخرجكم من محالّ فضل الله ومواضع رحمته ، فيسلبكم نعمة الله وستره عليكم ، ويحرمكم الجنّة ، أو لا يضلّنّكم عن الدين ولا يصرفنّكم عن الحقّ بأن يدعوكم إلى المعاصي الّتي تميل إليها نفوسكم فيحرمكم الجنّة ، أو لا يقنطنكم بأن لا تدخلوا الجنّة.

(كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) حال كونه (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) أو حال من أبويكم وإسناد النزع إليه للتسبّب فيه (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) يري كلّا منهما سوأته وسوأة الآخر ، قيل ليرى كلّ واحد سوءة الآخر ، وفيه نظر ، وفي ذلك إشارة إلى أنّ الشيطان لكمال عداوته كان قاصدا ذلك لمزيد الإهانة وفرط الفضيحة فيه ، فيمكن أن يكون إشارة إلى أنّ انكشاف العورة وإن كان فيما بين الزوجين لا يخلو من فضيحة وقبح فليتأمّل فيه.

(إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) جنوده من الشياطين ، عطف على مؤكّد هو وضمير «أنه» للشأن قصدا للتفخيم المناسب للمقام ، ويمكن كونه لإبليس ، وقرئ «قبيله» بالنصب (١) فهو إمّا عطف على اسم إنّ على أنه لإبليس ، أو يكون الواو بمعنى مع.

(مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) وذلك تعليل للنهي وتحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدوّ المراجى يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون ، فهو شديد المؤنة ، فالحذر كلّ الحذر منه.

في الكشاف : فيه دليل بين أنّ الجنّ لا يرون ، وأنّ إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم ، وأنّ دعوى رؤيتهم زور ومخرفة ، وفيه نظر ، وعن ابن عباس (٢) أنّ الله

__________________

(١) انظر شواذ القرآن ص ٤٣ وروح المعاني ج ٨ ص ٩١ عن اليزيدي.

(٢) المجمع ج ٣ ص ٤٠٩.

١٦٣

تعالى جعلهم يجرون من بنى آدم مجرى الدم ، وصدور بني آدم مساكن لهم.

(إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أي أعوانا لهم وسلّطناهم عليهم يزيدون في غيّهم عن الزجّاج ، وذلك بأن خلّي بينهم وبينهم لن يكفّ عنهم حتّى تولّوهم ، أو أطاعوهم فيما سوّلوا لهم من مخالفة الله كما في الجوامع.

وفي البيضاوي : بما أوجدنا بينهم من التناسب ، أو بارسالهم عليهم وتمكينهم من جذبهم وخذلانهم ، وحملهم على ما سوّلوا لهم ، وفيهما نظر ، ويمكن أن يقال بأن أوجدهم على ما بينهم من التناسب والتمكّن من التسويل ، ثمّ لم يكفّ عنهم ، ولا يبعد كونه مراد الجوامع ، فلا يجوز للمؤمن أن يأخذه وليا ؛ بل لا يكون حينئذ مؤمنا بل لا يجوز متابعته والميل إلى ما يدعو ، وقد يومئ إلى أنّ الفاسق ليس بمؤمن والله أعلم.

(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) هي ما تبالغ في القبح من الذنوب ، عن ابن عباس (١) ومجاهد هي هنا طوافهم بالبيت عراة ، وعن عطاء هو الشرك ، واللفظ مطلق والتقيد خلاف الظاهر.

(قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) أي إذا ما نهوا عنها وسئلوا ، اعتذروا واحتجّوا بأمرين : بتقليد الآباء ، والافتراء على الله ، وهو أقبح من الأوّل أو قالوا ذلك ترويجا لها أو تلبيسا وقيل هما جوابان لسؤالين مترتّبين (٢).

(قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) بشيء منها فكيف يكون أمركم بها أو آباءكم ، فاذا لا يجوز تقليدهم فيها ، وقيل هو ردّ للثاني وإعراض عن التقليد لظهور فساده (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) إنكار يتضمّن النهى عن الافتراء على الله ، بل عن الأعم من الافتراء تأمل.

__________________

(١) الدر المنثور ج ٣ ص ٧٧.

(٢) كأنه لما فعلوها قيل : لم فعلتم؟ فقالوا وجدنا عليها آباءنا ، فقيل : ومن أين أخذ آباؤكم فقالوا : الله أمرنا بها. كذا في هامش الأصل.

١٦٤

(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ)(١) بالعدل الوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في كلّ أمر ، فلا يأمر بخلافه من الإفراط أو التفريط في شيء ، فكيف بالفاحشة ، ففي الآية دليل على أنّ الله لا يأمر بالقبيح بل ولا بالمكروه وخلاف الاولى ، وأنه لا يفعل القبيح وأنّ الفعل في نفسه قبيح من غير أمر الشارع ، ونحوه كثير كقوله (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ). (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وغيره.

فقول الأشعريّ أنّ الحسن مجرّد قول الشارع افعل ، والقبيح مجرّد قوله لا تفعل ، واضح البطلان ؛ وعن الحسن إنّ الله بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى العرب وهم قدرية مجبرة يحملون ذنوبهم على الله ، وتصديقه قول الله عزوجل (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) وأما التقليد فقيل يدلّ على عدم جوازه. وأطلق ، وقال القاضي : يمنع التقليد إذا قام الدليل على خلافه ، لا مطلقا فافهم.

الثانية (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.)

[الأعراف ٣٠] أي خذوا بثيابكم الّتي تتزيّنون بها عند كلّ صلاة ، وروي (٢) عن الحسن بن عليّ عليه‌السلام أنه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّ الله جميل يحبّ الجمال فأتجمّل لربّي ، وقرأ الآية.

وقيل هو أمر بلبس الثياب في الصلاة والطواف ، وكانوا يطوفون عراة ، وقالوا : لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها ، وقيل : أخذ الزينة هو التمشّط عند كلّ صلاة ، كذا في الجوامع ، وعلى الأوّل اعتماد الكشاف أيضا ظاهرا إلّا أنّه قال : كلّما صلّيتم أو طفتم وكانوا يطوفون عراة.

وفي الكنز (٣) اتّفق المفسّرون على أنّ المراد به ستر العورة في الصلاة ، والمعالم

__________________

(١) قال ابن فارس في مقاييس اللغة ج ٥ ص ٨٥ القاف والسين والطاء أصل وصحيح يدل على معنيين متضادين والبناء واحد فالقسط العدل ويقال منه أقسط يقسط قال الله تعالى ان الله يحب المقسطين والقسط بفتح القاف الجور انتهى ما أردنا نقله وسرد الكلمة ابن الأنباري في الأضداد بالرقم ٢٦ ص ٥٨ ط كويت.

(٢) المجمع ج ٢ ص ٤١٢ والعياشي ج ٢ ص ١٤ والبرهان ج ٢ ص ١٠ ونور الثقلين ج ٢ ص ١٩.

(٣) كنز العرفان ج ١ ص ٩٥.

١٦٥

جعله قول أهل التفسير ، لكن قال لطواف أو صلاة ، وعليه اعتمد القاضي ساكتا عن غيره من الأقوال.

وما روي عن الحسن بن علىّ عليه‌السلام لا ينافي ذلك فان في التعبير بالزينة تنبيها على أنّ لبس الثياب مطلوب من حيث أنها زينة مطلقا ، وإن كان أقلّ الواجب ما يستر العورة ، فيحتمل قراءته عليه‌السلام الآية كذلك ، ويؤيده ما رواه مسلم والنسائي (١) في شأن النزول وهذا يؤيد حمل الريش في الآية المتقدّمة على الجمال والزينة ، واتّحاده مع اللباس الأوّل ، فذلك يؤيد هذا أيضا فيكون الإضافة على تقديره للعهد ، ثمّ على هذا لا يبعد فهم استحباب التمشّط كما في القول الثالث.

وفي التذكرة وسئل الرضا عليه‌السلام (٢) عن قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال من ذلك التمشّط عند كلّ صلاة ، بل الطيب كما في الرابع ، بل ما في الخامس ، قال شيخنا (٣) دام ظلّه : وقد فسّر بالمشط والسواك والخاتم والسجّادة والسبحة وعلى نحو ذلك ينبغي أن يحمل ما روي (٤) في الصحيح ـ ظاهرا ـ عن الصادق عليه‌السلام في الآية أنّه قال في العيدين والجمعة وإن كان أبعد.

(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا.)

روي أنّ بني عامر كانوا في أيّام حجّهم لا يأكلون الطعام ، إلّا قوتا ، ولا يأكلون دسما يعظّمون بذلك حجّهم ، فقال المسلمون فأنّا أحقّ أن نفعل ، فنزلت.

(كُلُوا وَاشْرَبُوا) أي من الطيّبات كما سيأتي التنبيه عليه (وَلا تُسْرِفُوا) بتعدّي

__________________

(١) راجع القرطبي ج ٧ ص ١٨٩ وانظر أيضا الدر المنثور ج ٣ ص ٧٨ أخرجه عن أبي أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس.

(٢) انظر البرهان ج ٢ ص ٩ وص ١٠.

(٣) انظر زبدة البيان ص ٧٢ ط المرتضوي.

(٤) انظر البرهان ج ٢ ص ٩ الحديث ١ وفيه أحاديث أخر أيضا بهذا المضمون فانظر ص ٩ وص ١٠ من الكتاب.

١٦٦

حدود الله مطلقا بتحريم حلال أو تحليل حرام ، أو غير ذلك ، أو في المأكل والمشرب والملبس ، فلا يجوز الأكل والشرب واللبس مما لا يحلّ ذلك منه ، ولا ينبغي أيضا ما لا يليق بحاله ، ولبس لباس التجمّل وقت النوم والخدمة ، ونحو ذلك ، كما بيّن وفصل في موضعه ، أو في الأكل والشرب واللبس وهو قريب من الثاني.

عن ابن عباس (١) كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطاتك خصلتان : سرف ومخيلة أو في الأكل والشرب إشارة إلى كراهة الإكثار أو تحريمه أو تحريم المؤدّي منه إلى الضرر ، ولهذا قيل جمع الله الطبّ في نصف آية.

(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).

قيل أي يبغضهم ، فينبغي حمل لا تسرفوا على فعل الحرام ، في تفسير البيضاوي : أي لا يرتضي فعلهم وفيه نظر.

وقد أكد ما تقدّم بقوله (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) الثياب وسائر ما يتجمّل به (الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) من النبات كالقطن والكتّان ، من الحيوان كالحرير والصوف من المعادن : كما يعمل منه الدروع وغيرها.

(وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) المستلذّات من المآكل والمشارب أو المباحات والاستفهام للإنكار ، ففي الآية دلالة واضحة على أنّ الأشياء المذكورة أو مطلقا لعدم الفرق على الإباحة دون الحرمة ، كما في غيرها كما صرّح الكشاف في قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أي لانتفاعكم بجميع ما خلق فيها ، بل هي وما فيها ، كما دلّ عليه العقل ، فاجتمع العقل والنقل على أنّ الأصل في الأشياء هو الإباحة فغيرها يحتاج إلى دليل فتأمّل.

(قُلْ هِيَ) أي الزينة والطيّبات من الرزق (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) الظرف متعلّق بآمنوا (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) حال عن المستتر في متعلّق للّذين ، ويوم القيمة ظرف لخالصة ، أي لا يشاركهم غيرهم فيها كما يشاركهم في الدنيا ، أو متعلّق

__________________

(١) ترى هذا المضمون مرويا عن ابن عباس في الدر المنثور ج ٣ ص ٧٩ بألفاظ مختلفة.

١٦٧

بمتعلّق للّذين أي هي حاصلة للّذين آمنوا في الحيوة الدنيا غير خالصة لهم ، خالصة لهم يوم القيمة ، قيل : ولم يقل ولغيرهم لينبّه على أنّها خلقت لهم بالأصالة ، وأنّ غيرهم تبع كقوله (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) وقرئ (١) خالصة بالرفع على أنها خبر بعد خبر.

(كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ثم أكّد عدم حرمة الأشياء بحصر المحرّمات حقيقة أو إضافة بقوله (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) ما تفاحش قبحه أي تزايد ، وقيل هو ما يتعلّق بالفروج (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) ظاهرها وخفيّها ، قيل ما ظهر طواف الرجال عراة نهارا ، وما بطن طواف النساء كذلك ليلا ، وقيل الزنا سرّا وعلانية.

(وَالْإِثْمَ) أي ما يوجب الإثم عامّ لكلّ ذنب ، فعمم بعد التخصيص ، وقيل شرب الخمر ، وقيل الذنب الذي لا حدّ فيه عن الضحّاك (وَالْبَغْيَ) الظلم والكبر أفرده للمبالغة (بِغَيْرِ الْحَقِّ) متعلّق بالبغي مؤكّد له معنى.

(وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي برهانا وحجّة ، وإفراده كذلك للمبالغة وفيه تهكّم بالمشركين ، حيث أشركوا بالله ما يستحيل منه الإتيان ببرهان لو أمكن ، بل ما لا يقدر على شيء أصلا فكيف على إنزال البرهان ، وتنبيه على حرمة اتّباع ما لم يدلّ عليه برهان.

ويمكن أن يفهم منه وجوب اتّباع البرهان ، لأنّ ترك مقتضى البرهان اتّباع لما لم يدلّ عليه برهان ، فافهم.

(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) بالإلحاد في صفاته ، والافتراء عليه ، وإسناد ما لم يصدر منه إليه ، ويقال منها أنّ الحكم في المسئلة كذا مع أنه ليس كذلك ، وأن الله يعلم كذا ولم يكن كذلك ، وقيل يدخل فيه الفتوى والقضاء بغير استحقاق ، ولا ريب في وجود محرمات غير المذكورات على بعض الأقوال ، فحينئذ «إنّما» على ذلك للتأكيد أو الحصر إضافيّ أو الآية مخصوصة بها ، فافهم.

__________________

(١) انظر المجمع ج ٢ ص ٤١٢.

١٦٨

المائدة (٤) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ الاية).

كأنّه بيان المستثنى في قوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) فمن المحرّمات المتلوّة الميتة ، ولعلّها ما فارقته الروح من الحيوان بغير تذكية شرعية ، وقيل يحتمل أن يكون المراد من الحيوان المأكول اللحم فيكون التحريم من الموت خاصّة كما هو ظاهر السياق ، وفيه منع لعدم منافاته أن يكون هناك جهة أخرى أيضا للحرمة ، مع إطلاق اللفظ أو عمومه.

ثمّ ظاهر ذلك مشعر بأن ما لم تحلّ فيه الحيوة منها لا يدخل في الحرمة ، ولهذا استثناه الأصحاب مؤيّدا بالإجماع على الظاهر والأخبار ، ولا في الميتة حقيقة ، فالاستثناء على التجوّز فافهم.

ثمّ لا ريب أنّ إسناد الحرمة إلى الذوات ليس حقيقة فلا بدّ من اعتبار ما به يصحّ ذلك ، ومع احتمال أمور وعدم أولويّة البعض ، الأولى ما يعمّ الجميع لئلّا يلزم الإجمال ، ولا الترجيح من غير مرجّح ، وهو هنا الانتفاع مطلقا ، وحينئذ فيدلّ على عدم جواز لبس جلد الميتة في الصلاة وغيرها دبغت أم لا (١) بل سائر الاستعمالات والانتفاعات كما تدلّ عليه الاخبار ، بل إجماع الأصحاب ظاهرا.

أمّا دلالة الآية على نجاسة الميتة فلا ، بل ربّما يقال المتبادر من تحريم الميتة هنا تحريم أكلها كما في الدم ولحم الخنزير ، كتبادر حلّه من قوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) فلا يستلزم محذورا ، ولا يدلّ على غيره من الانتفاعات فان ثبت فبغيرها ، تأمّل فيه وسيأتي البحث في التتمّة في الأطعمة إن شاء الله تعالى.

النحل (٥) (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ.)

الانعام الأزواج الثمانية ، وأكثر ما يقع على الإبل ، وانتصابها بمضمر يفسّره الظاهر ، أو بالعطف على الإنسان في قوله (خَلَقَ الْإِنْسانَ) و (خَلَقَها لَكُمْ) بيان ما خلق لأجله.

__________________

(١) انظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ من ص ٩٧ الى ص ١٠١.

١٦٩

الكشاف : أي ما خلقها إلّا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان.

الدفء اسم ما يدفأ به فيتّقى البرد ، وهو اللّباس المعمول من صوف أو وبر أو شعر وكأنّه يشمل الفراء ، وقرئ دف (١) بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الفاء.

(وَمَنافِعُ) هي نسلها ودرّها وظهورها وغير ذلك ، قيل إنّما عبّر عنها بالمنافع ليتناول عوضها. (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ما يؤكل منها كاللحوم والشحوم والألبان وغيرها وتقديم الظرف المؤذن بالاختصاص ، لأنّ الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم ، والأكل من غيرها من الدجاج والبطّ وصيد البرّ والبحر ، فكغير المعتدّ به وكالجاري مجرى التفكه ، ويحتمل : إنّ طعمتكم منها ، لأنكم تحرثون بالبقر ، فالحبّ والثمار الّتي تأكلونها منها ، وتكتسبون باكراء الإبل ، وتبتغون نتاجها وألبانها وجلودها.

ويمكن أن يقال ذلك باعتبار إفادة «من» التبعيض ، أو لعدم حلّ أكلها لحرمة بعضها ممّا يحرم من الذبيحة ، أو لعدم جواز أكل الكلّ ، وقطع جنسها ، أو باعتبار بعض ذلك مع آخر ممّا يمكن اعتباره معه فيه ، والله أعلم. وظاهر القاضي قوّة أن يكون التقديم للمحافظة على رؤس الآي فقط فافهم.

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) [النحل : ٨٠].

أي الله هو الذي جعل من جملة بيوتكم الّتي تسكنونها من الحجر والمدر والخيام والأخبية وغيرها سكنا ، والسكن فعل بمعنى مفعول ، وهو ما يسكن إليه وينقطع إليه من

__________________

(١) انظر روح المعاني ج ١٤ ص ٨٩ وص ٩٠ وفيه نقل قراءة دف بضم الفاء وشدها وتنوينها ودف بنقل الحركة والحذف بدون التشديد ودف بضم الفاء من غير همزة وهي محركة بحركتها ولم ينقل هذه القراءات ابن خالويه في شواذ القران وفي المقاييس ج ٢ ص ٢٨٧ الدال والفاء والهمزة أصل واحد يدل على خلاف البرد.

١٧٠

بيت أو ألف قاله الكشاف ، وقيل موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم كالبيوت المتّخذة من الحجر والمدر ، فالأوّل مفاد اللغة والثاني مفاد الآية. (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) كالقباب والأبنية المتّخذة من الأدم والأنطاع قال القاضي ويجوز أن يتناول المتّخذة من الوبر والصوف والشعر ، فإنّها من حيث أنها نابتة على جلودها يصدق عليها أنها من جلودها فليتأمل.

(تَسْتَخِفُّونَها) تجدونها خفيفة وقت ترحالكم رفعا ولمّا وزمّا ونقلا ، ووقت نزولكم وإقامتكم حلا ونصبا ، ويمكن أن يكون ذلك كلّه يوم الظعن أي السفر ونحوه أيّام الإقامة أي الحضر وإن قلّ فتأمل ، وقيل : الظاهر أنّ الأصواف تختصّ بالضائنة منها ، والأوبار بالإبل ، والأشعار بالمعز ، أو والبقر ، وفيه نظر ، والإضافة إلى ضمير الأنعام لأنّها من جملتها فلا يقدح لو ثبت شيء من ذلك والأثاث أنواع متاع البيت من الفرش والأكسية ، وقيل المال والمتاع ما يتجر به من سلعة أو ينتفع به مطلقا.

(إِلى حِينٍ) إلى أن تقضوا منه أوطاركم أو إلى حين مماتكم ، وزاد القاضي : إلى مدة من الزّمان ، فإنّها لصلابتها تبقى مدّة مديدة ، وفي مجمع البيان إلى يوم القيمة عن الحسن. وقيل إلى وقت الموت ، يحتمل أنه أراد به موت المالك أو موت الأنعام ، وقيل إلى وقت البلى والفناء ، وفيه إشارة إلى أنها فانية ، فلا ينبغي للعاقل أن يختارها انتهى.

وقيل الأوّل بعيد ويمكن أن يقال المراد انقضاء الدنيا وانقطاع الإنسان منها فليس ببعيد ، وفي الآية دلالة على جواز اتّخاذ الملابس والفرش وغيرها ، وأنواع انتفاع يمكن من أصوافها وأوبارها وإشعارها ، وجواز الصلاة فيها وعليها إلّا ما أخرجه الدليل من عدم جواز السجود ونحوه ، وطهارتها ولو من الميتة لإطلاق اللفظ ، إن قيل فكذا الجلد ، قيل فرق ، على أنّ الجلد من الميتة فتذكّر وتأمل.

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) أشياء تستظلّون بها في الحرّ والبرد كالأشجار والأبنية وغيرها ، أو ممّا خلق من المستظلّات ظلالا.

(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) جمع كنّ وهو ما يستكنّ به من البيوت

١٧١

المنحوتة في الجبال والغيران والكهوف.

(وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) هي القمصان والثياب من الكتّان والقطن والصوف وغيرها (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) أي والبرد وترك لدلالة الكلام عليه عرفا ، لجريان العادة بذكر الحرّ والبرد كذلك معا ، وشيوعه حتّى يفهم بالأوّل منهما الثاني أيضا ، فاكتفى به على أنّ البرد أولى بالحكم هنا لأنّ وقاية الثياب من البرد أظهر ، وقصد دفعه بها أكثر ، فيكون مرادا بالطريق الاولى.

وفي الكشاف : لم يذكر البرد لأنّ الوقاية من الحرّ أهمّ عندهم ، وقلّ ما يهمّ البرد لكونه يسيرا محتملا وقيل ما يقي من الحرّ يقي من البرد ، فدلّ ذكر الحر على البرد.

وقال شيخنا دام ظلّه (١) ترك البرد لأنّ ما يقيه يقيه ، واختار الحرّ على البرد ، لانّ المخاطبين أهل الحرّ ، وليس البرد إلّا قليلا ، فالحفظ عنه أهمّ عندهم وقيل إنّ الحر يقتل دون البرد ، ويحتمل أن يكون لأنّ البرد يمكن دفعه بشيء آخر مثل النّار والدّخول في البيوت ، وخصّه بالذكر اكتفاء بأحد الضدين ، أو لأنّ وقاية الحرّ كانت أهمّ عندهم.

(وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) شدّة الطعن والضرب في الحروب ، والسر بال عام يقع على ما كان من حديد وغيره ، والمراد هنا نحو الدروع والجواشن ، وفي الآية دلالة على إباحة هذه الأشياء عملا وانتفاعا خصوصا في الأغراض المذكورة بل استحبابها أو وجوبها ، وهو ظاهر.

(كَذلِكَ) كإتمام هذه النعم (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) تنظرون في نعمه الفائضة فتؤمنون به أو تنقادون لحكمه ، وقرئ تسلمون من السلامة أي تشكرون فتسلمون من العذاب ، أو تنظرون فيها فتسلمون من الشرك ، وقيل تسلمون من الجراح بلبس الدروع.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ. يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ

__________________

(١) زبدة البيان ٧٥ ط المرتضوي.

١٧٢

الْكافِرُونَ) يعرفون نعمه وأنّها منه ثمّ ينكرونها بعبادة غيره ، وقولهم إنّها بشفاعة آلهتنا أو باعراضهم عن شكرها ، وقيل نعمة الله نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل إنكارهم قولهم ورثناها من آبائنا.

وقيل قولهم لو لا فلان ما أصبت كذا ، لبعض نعم ، وإنّما لا يجوز التكلّم بنحو هذا إذا لم يكن باعتقاد [يعتقد] أنّها من الله ، وأنّه أجراها على يد فلان ، وجعله سببا في نيلها ، فيدلّ على تحريم هذا القول ، ويدلّ عليه بعض الاخبار أيضا فلا بدّ من الاحتياط والاجتناب.

البقرة [١١٤].

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ.)

روي عن الصادق عليه‌السلام (١) أنّ المراد بذلك قريش حين منعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دخول مكّة والمسجد الحرام ، وبه قال بعض المفسّرين وقال بعضهم إنّهم الروم غزوا بيت المقدس ، وسعوا في خرابه إلى أن أظهر الله المسلمين ، وقيل هو بختنصر وأصحابه غزوا النّصارى وخربوا بيت المقدس وأعانهم على ذلك جماعة من النصارى من أهل الرّوم ، فقيل بغضا ليهود ، وقيل من أجل قتلهم يحيى بن زكريّا هذا.

وقوله (أَنْ يُذْكَرَ) ثاني مفعول (مَنَعَ) ويجوز أن يحذف حرف الجرّ مع أن ، ويحتمل نصبه بكونه مفعولا بمعنى كراهية أن يذكر ، ولا يرد أنّه حينئذ يفيد تحريم المنع المعلّل المقيّد لا المطلق ، فيفهم جواز غير ذلك ، ولو في الجملة ، لأنه إنّما يفيد أن لا أشدّ منه في الظلم ، ولو مبالغة في الإفراط فيه ، فغاية ما يفهم منه أنّ المنع لا لذلك ليس بالغا هذا الحدّ ، اما الجواز فلا.

واعترض عليه الكنز (٢) بأنه لا بدّ لمنع من مفعولين ، والثاني لا يمكن أن

__________________

(١) المجمع ج ١ ص ١٨٩.

(٢) كنز العرفان ج ١ ص ١٠٥.

١٧٣

يقدّر غير الذكر ، لأنه هو الممنوع فكيف يجعل مفعولا له؟ وفيه نظر لجواز أن يقدّر من النّاس أو من قاصديه أو من ما وضعت له ، ونحو ذلك كما لا يخفى ، فلعلّه لا يريد أزيد من ذلك.

أما ما قيل من أنّ في جعل مساجد الله ممنوعا كما وقع في الاحتمال الأوّل مسامحة ، فيتوجّه القول بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، فكان الأصل متردّدى مساجد الله منها.

ففيه نظر لانّ المانع قد حال بينه وبين أن يذكر فيها ، وأيضا تقدير متردّدي وبناء يذكر للمفعول غير مناسب ، كما لا يخفى على الذوق السليم.

وفي مجمع البيان احتمال كون (أَنْ يُذْكَرَ) بدلا عن (مَساجِدَ اللهِ) بدل اشتمال كأنه يقول ليس أحد أظلم ممّن منع أن يذكر في مساجد الله اسمه ، وهو ظاهر من اشتمال الظرف على المظروف مثل قوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) فكأنّ (يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) يقوم مقام مفعولين ، أو يمنع لزوم مفعولين لمنع مطلقا فتأمل.

ثمّ قد يحمل إنكار وجود أظلم على المبالغة كما قد يشعر به كلام الكشاف حيث قال : هو حكم عامّ لجنس مساجد الله ، وأنّ مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم وكأنّه غير لازم ، وقد يفرق بين الثاني وبين الأوّل والثالث باحتمالهما ذلك لإطلاقهما وفيه أنّ المنع من الذكر لا يكون إلا كراهة له ، فتأمل.

وعموم الحكم بالنسبة إلى أيّ مسجد كان ، وأي ذكر قد يتأمل فيه أيضا قال الكشاف : فان قلت : فكيف قيل مساجد الله ، وإنّما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد؟ قلت : لا بأس بأن يجيء الحكم عاما وإن كان السبب خاصّا كما تقول لمن آذى صالحا واحدا «ومن أظلم ممّن آذى الصالحين» وكما قال تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) والمنزول فيه الأخنس بن شريق انتهى (١).

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ١٧٩.

١٧٤

وربما احتمل جمع المساجد هنا أن يكون إشارة إلى أنّ المنع وإن كان من واحد ، إلّا أنه كمنع الجميع كما في قتل النفس ، فيمكن اختصاصه بمثل المسجد الحرام ، أو بيت المقدس. لكن العموم أنسب بإطلاق اللفظ والله أعلم.

ويقرب منه الذكر ولا يبعد أن يراد به مطلق العبادة ، وينبغي أن يراد بمن منع العموم أيضا لأولئك المانعين بأعيانهم.

(وَسَعى) أي عمل (فِي خَرابِها) الكشاف : بانقطاع الذكر أو بتخريب البنيان وكأنه أراد به تفسير خرابها فالتخريب مصدر مجهول مضاف إلى المفعول ، قيل ونحوه قول القاضي بالهدم أو التعطيل فتأمل.

أما كونه تفسيرا للسعي في خرابها فموضع نظر ، لأنه أعمّ من ذلك ، اللهمّ إلّا أن يراد أو نحوهما ، فإن «في» إن كان للسببيّة فهو كلّ ما يعمل لخرابها ، وإن كان بمعنى إلى فكلّ ما ينتهى إلى خرابها ، أو كل ما يقصد به انتهاؤه إلى ذلك ، أما كونه للظرفية فبعده ممّا لا يخفى ، والخراب ضدّ العمران لم يأت بمعنى التخريب ، والمرجع في خرابها إلى العرف.

والآية تدلّ على تحريم السعي فيه ونفس تخريبها أظهر أفراده تحريما وقيل إنّه يفهم بطريق أولى ، وقد يجعل قوله (وَسَعى فِي خَرابِها) كالتعميم بعد التخصيص أو إيرادا لما تقدّم بعنوان آخر توضيحا لقبحه وبيانا لشدّته ومبالغة في التفضيح والتشنيع ، فيفيد أنّ المنع من الذكر سعى في خرابها.

وقد يشعر بأنّ في المنع تخريبا وفي الذكر تعميرا ، بل بأنّ المنع تخريب والذكر تعمير ، وفي بعض الروايات ما قد يؤيّده ، ولهذا قيل بوجوب شغلها بالذكر على الكفاية ، وإلّا لزم التعطيل ، قال في الكنز : فكلّ ما يعدّ تخريبا فهو حرام ، فمنه هدم جدرانها وأخذ فرشها وإطفاء السراج والإضواء فيها ، وشغلها بما ينافي العبادة وغير ذلك.

(أُولئِكَ) المانعون (ما كانَ) ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلّا خائفين على حال التهيّب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلا عن أن

١٧٥

يستولوا عليها ، ويلوها ، ويمنعوا المؤمنين منها ، والمعنى ما كان الحقّ والواجب إلّا ذلك ، لو لا ظلم الكفرة وعتوّهم.

وقيل : ما كان لهم في حكم الله يعني أنّ الله قد حكم وكتب في اللّوح المحفوظ أنّه ينصر المؤمنين ويقوّيهم حتّى لا يدخلوها إلّا خائفين ، كذا في الكشاف ، فيكون وعدا للمؤمنين بالنصرة واستخلاص المساجد منهم ، وقد أنجز سبحانه وعده.

أو ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلّا بخشية وخشوع فضلا عن أن يجترؤا على تخريبها ، فيستفاد استحباب دخولها بالخشوع والخضوع والخشية من الله تعالى كما هو حال العبد الواقف بين يدي سيّده كما قيل.

أو ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها بحسب حالهم من العتوّ والعصيان إلّا خائفين أن يصيبهم من الله عذاب أليم لاستحقاقهم منه ذلك كما قال سبحانه (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) فيمكن أن يكون التتمّة كالبيان لذلك ، وفيها وعد للمسلمين ، وقيل معناه النهي عن تمكينهم من الدّخول في المساجد.

(لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) قتل وسبى أو ذلّة بضرب الجزية ، وقيل : فتح مدائنهم قسطنطينيّة وروميّة وعمّوريّة كذا في الكشاف وزاد الجوامع تقيد الفتح بعند قيام المهديّ ، وقيل أي عذاب وهوان فيكون أعمّ ، وكأنّه لا بأس به والله أعلم وقد جعل بعض على القول الأوّل في شأن النزول النفي بدل الذلّ بضرب الجزية فتأمل (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) في نار جهنّم نعوذ بالله منه.

وروي (١) عن زيد بن على عن آبائه عليهم‌السلام أنّ المراد بالمساجد في الآية بقاع الأرض لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «جعلت لي الأرض مسجدا» فقيل ينافي ذلك قوله (وَسَعى فِي خَرابِها) وأجيب بأنه لا منافاة بأن يكون المراد الوعيد على خراب الأرض بالظلم والجور كقوله تعالى (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً).

وقيل وإن أمكن ذلك لكن كيف يصنع بقوله (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها) ومن هو في الأرض لا يقال دخلها إلّا مجازا ، والأصل عدمه ، وفيه أنّ المراد بقاع

__________________

(١) نور الثقلين ج ١ ص ٩٨ والمجمع ج ١ ص ١٩٠.

١٧٦

الأرض لا الأرض مطلقا ، بل الظاهر دخول شيء منها فيصحّ القول بلا خدشة ، لكن الرواية مرفوعة غير مشهورة ، ولا ريب في كونه خلاف الظاهر للاية ، فان الظاهر من مساجد الله لا أقلّ خلاف ذلك ، ومع ذلك ينافي ظاهر ما روي في شأن النزول فتفكّر.

التوبة [١٧] (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ).

أي ما كانوا أهل ذلك ولا جاز لهم ، أو ما صحّ ولا استقام لهم ، والمراد ليس لهم عمارة شيء من مساجد الله مطلقا ، فضلا عن المسجد الحرام ، وهو صدرها ومقدّمها ، وهذا أبلغ ، وقيل هو المراد كما هو الظاهر على قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب (١) «مسجد الله» لقوله تعالى فيما بعده (وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وإنّما جمع لأنّها قبلة المساجد كلّها وإمامها ، فعامره كعامر جميعها ، أو لأنّ كلّ بقعة منه مسجد.

(شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ.)

بإظهار كفرهم فإنّهم نصبوا أصنامهم حول البيت وطافوا حول البيت عراة وسجدوا لها كلّما طافوا شوطا ، وقيل : هو قولهم «لبّيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك تملكه وما ملك» عن الحسن ، لم يقولوا نحن كفّار ، ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر ، وقيل هي اعترافهم بملّة من ملل الكفار كالنصراني بأنّه نصرانيّ.

وروي أنه لمّا أسر العبّاس يوم بدر وبّخ علىّ عليه‌السلام العبّاس بقتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقطيعة الرحم ، فقال العبّاس : تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا ، فقال أولكم محاسن؟ قال : نعم ، إنّا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحجيج ، ونفكّ العاني : فنزلت (٢) ونصب شاهدين على الحال من الضمير في يعمروا.

(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ.)

من القربات من عمارة المساجد وغيرها ، وفي الكشاف والجوامع : الّتي هي العمارة والحجابة والسقاية وفكّ العناة ، ونحوه في تفسير القاضي فتأمل فيه.

__________________

(١) انظر تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ١٨٧ وص ١٨٨.

(٢) انظر مسالك الافهام ج ١ ص ١٨٨ والكشاف ج ٢ ص ٢٥٤.

١٧٧

والظاهر أنّ المراد أنّها وقعت باطلة وهو ظاهر القاضي وما في الكشاف يحتمل خلاف ذلك فتأمّل وفي الآية دلالة على بطلان أعمال الكفّار وعدم صحّة شيء منها ، ويمكن أن يفهم جواز منعهم من مثل العمارة ، وربّما قيل بأنّ فيه أمر بذلك فتدبر.

(وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ.)

(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ.)

الحصر المفهوم من إنّما إمّا إضافيّ بالنسبة إلى أولئك المشركين أو مطلق الكفرة ، فغير هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات من المسلمين في حكم المسكوت عنه ، فكأنّ هذه الأوصاف حينئذ لتفخيم شأن عمارة مساجد الله ، وتعظيم عاملها ، وأنه ينبغي أن يكون على هذه الأوصاف ، ولبيان مزيد بعد أولئك عن عملها ، ومزيد بيان بعدهم عن ذلك.

أو المراد عمارتها حق العمارة الّتي لا يوفّق لها إلّا هؤلاء الموصوفين باعتبار قوّة أيمانهم وكمال إخلاصهم ، كما قيل «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» وقد تقدّم في سبب النزول في الآية المتقدمة أنّ المنزول فيهم ذكروا ذلك على التفخيم والتعظيم فخرا ومباهاة ، فناسب مقام الردّ نفي أدناها أو جنسها عنهم وإثبات ما ادّعوا لأنفسهم أو أعظم منه لمقابليهم من المؤمنين ، أو المراد بالخشية التقوى في أبواب الدّين وأن لا يختار على رضا الله رضا غيره ، كما قال (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) فيمكن أن يراد على حدّ ما يستلزم اجتناب الكبائر ، فيوافق القول بأن فاعل الكبيرة غير مؤمن ، على اشتراط الايمان في قبول الأعمال فتأمل.

أو المراد أنه لا يستقيم ولا يصحّ عمارة مساجد الله من أحد على طريق الولاية عليها إلّا ممّن كان كذلك فان الظاهر أنّ أولئك المفتخرين أرادوا نحو ذلك ، وأنهم ولاة المسجد الحرام ، وأنهم عامرون على ذلك ، فيختصّ بالنبيّ والأئمّة الطّاهرين

١٧٨

صلوات الله عليهم.

على أنّ الظاهر من قوله (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) عدم سبق الفسق ، بل ولا ذنب ، فكيف الكفر ، والله أعلم ، وقيل إنّهم كانوا يخشون الأصنام ويرجونها ، فأريد نفي تلك الخشية.

(فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ.)

تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء وحسم لأطماعهم في الانتفاع بأعمالهم الّتي استعظموها وافتخروا بها وأمّلوا عاقبتها ، بأن الّذين آمنوا وضموا إلى إيمانهم العمل بالشرائع ، مع استشعار الخشية والتقوى اهتداؤهم دائر بين عسى ولعلّ ، فما بال المشركين يقطعون أنّهم مهتدون ونائلون عند الله الحسنى.

وفي هذا الكلام ونحوه لطف للمؤمنين في ترجيح الخشية ورفض الاغترار بالله كذا في الكشاف ، وإنّما كان لطفا في ترجيح الخشية مع أنّ عسى هنا لترجيح الاهتداء باعتبار أنّه لو لا رجحان الخشية على الرجاء كان ينبغي عند هذه الأعمال والاتّصاف بهذه الأوصاف القطع بالاهتداء.

اعلم أنّ عسى (١) يجوز أن يكون إشارة إلى حال المؤمنين ، وأنّهم مع ذلك في دعواهم للهداية وعدّ نفوسهم من المهتدين على هذا الحال ، فما بال الكفّار يقطعون لأنفسهم بالاهتداء.

ثمّ ذلك للمؤمنين إمّا أن يكون لرجحان الخشية وقوّتها أو على سبيل التأدّب والتواضع لجناب ربّهم ، أو نظرا منهم إلى مرتبة أعلى ودرجة أسنى ، أو إشارة إلى أنّ حالهم في الواقع على ذلك بالنظر إلى الأوصاف المذكورة أى رجحان ذلك في حقّهم فان مجرّد ذلك في كلّ مرتبة كان غير كاف في تمام الاهتداء والاختتام به ونيل ما عند الله من الدّرجات العالية.

نعم عسى أن يكون كذلك ولعلّ ، فلا ينبغي القطع لهم بمجرّد ذلك ، أو أنّ

__________________

(١) انظر تعاليقنا على هذا الجزء ص ٣٥ و ٣٦ في معنى عسى ولعل في القرآن.

١٧٩

ذلك من الله سبحانه وهو واقع إلّا أنّه أتى بعسى ونحوه لطفا بالعباد ، وتنبيها لهم على عدم القطع وعدم اليأس فليتأمل.

ثمّ في الآية من الحثّ على تعمير المساجد وتعظيم شأنه ما لا يخفى ، وقيل المراد العمارة المعروفة من بنائه ومرمّته عند الخراب أو إزالة ما تكره النفس منه مثل كنسها روي (١) أنّ من كنس مسجدا يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التّراب مقدار ما يذرّ في العين غفر الله له.

وتنويرها بالسّراج روي أنّ (٢) من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء ، وقيل : المراد شغلها بالعبادة مثل الصّلاة والذكر وتلاوة القرآن قيل : وصيانتها من أعمال الدنيا واللهو واللغط وعمل الصنائع ، وظاهر القاضي والكشاف والجوامع : القول بالجميع ، وقد تقدّم ما يقتضي ذلك في الجملة.

قالوا : ومن الذكر درس العلم ، قالا بل هو أجلّه وأفضله وكذا صيانتها من أحاديث الدّنيا فضلا عن فضول الحديث وفي الحديث (٣) «يأتي في آخر الزّمان ناس من أمّتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا ذكرهم الدّنيا وحبّ الدّنيا ، لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة».

وفيه أيضا (٤) : الحديث في المسجد تأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش وفي الصّحيح (٥) عن عليّ الحسين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سمعتموه ينشد

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ٣٢ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٣٤ من أبواب أحكام المساجد وقريب منه في الكشاف ج ٢ ص ٢٥٥.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أبواب أحكام المساجد وقريب منه في الكشاف ج ٢ ص ٢٥٤.

(٤) ترى مضمونه في مستدرك الوسائل ج ١ ص ٢٢٨ والكشاف ج ٢ ص ٢٥٤.

(٥) الباب ١٤ من أبواب أحكام المساجد من الوسائل.

١٨٠