آيات الأحكام

محمد بن علي الاسترابادي

آيات الأحكام

المؤلف:

محمد بن علي الاسترابادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة المعراجي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

النزاع يستدلّ عليه بذلك.

هذا مع ما قيل : إنّ هذا ليس بشيء لأنّ التسمية لغوية ، وكونها ركنا أو غير ركن شرعيّة ، والجزئية في الجملة معنى معروف لغة كافية فيها ، فيكون لذلك لا للركنية ، وإن كان فيه نظرا. وفي القاضي : سميت قرآنا لأنه ركن كما سميّت ركوعا وسجودا ، واستدلّ به على وجوب القراءة فيها ، ولا دليل فيه لجواز أن يكون التجوّز لكونها مندوبة فيها ، نعم لو فسّر بالقراءة في صلاة الفجر دلّ الأمر بإقامتها على الوجوب فيها نصا وفي غيرها قياسا انتهى.

وتوجيه الكلام في المقام في الاستدلال على الوجوب والركنيّة أن يقال : إنه قد أمر بالصلاة معبرا عنها بالقرآن باعتبار اشتمالها على القراءة ، فيلزم الأمر بالقراءة ضمنا ، فيكون واجبة وأيضا فيلزم عدم الإتيان بالمأمور به مع عدمها ، فلا يجزي ، ولا نريد بالركنية هنا إلّا هذا المقدار.

نعم لا يمتنع أن يثبت الاجزاء مع تركها سهوا بدليل ، لكن إذا لم يكن تعين ذلك ، وحينئذ فربما اتّضح كون التسمية لأنها ركن بمعنى أنّه لو لم يكن ركنا لما صحّ الأمر بإقامتها معبرا عنها بذلك ، لما قلنا ، لا لأنّ ظاهر اعتبار الاشتمال على طريق اللزوم في الواقع ، وإلّا لما صحّ تعلّق الأمر به على الوجه المفيد لركنيّة هذا وبعد التأمّل فيما قدّمنا لا يخفى مواضع النظر من هذا والله أعلم.

(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) في الكافي والتهذيب بإسنادهما عن إسحاق بن عمار (١) قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر؟

قال : مع طلوع الفجر إنّ الله تعالى يقول (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) يعني صلاة الفجر : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، فاذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرّتين أثبتته ملائكة الليل وملائكة النهار.

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ١٥٤ الباب ٢٨ من أبواب المواقيت المسلسل ٤٩٤٥ ط الإسلامية.

١٢١

وهذا صريح في أن كونه مشهودا مشروط بفعلها أول الوقت ، وإليه ذهب شيخنا المحقق لكنّ الرواية ضعيفة (١) السند وما فيها من دلالة الآية أيضا على ذلك إن قلنا به أمكن استفادة الوجوب من تعلّق الأمر بالمدلول ، فلا يتمّ حينئذ إلّا على القول بأنّ وقت الفضيلة وقت الاختيار ، اللهمّ إلّا أن يقال المراد أنّ مراعاة القرب لهذه النسبة أولى ، وفيه نظر لا يخفى.

في القاضي : مشهودا تشهده ملائكة الليل والنهار ، أو شواهد القدرة من تبديل الظلمة بالضياء والنوم الذي هو أخ الموت بالانتباه ، أو كثير من المصلّين أو من حقّه أن يشهده الجمّ الغفير ، وكذا في الكشاف إلّا «شواهد القدرة».

(وَمِنَ اللَّيْلِ) وعليك بعض الليل (فَتَهَجَّدْ بِهِ) التهجّد ترك الهجود أي النوم للصلاة ، ويقال أيضا في النوم تهجّد ، وعن المبرد (٢) التهجّد عند أهل اللغة

__________________

(١) قد بسطنا الكلام في كون إسحاق بن عمار موثوقا والحديث الذي هو في طريقه معتبر وان لم يوصف بالصحة في اصطلاح أهل الدراية في تعاليقنا على مسالك الافهام ج ٢ من ٢٤٥ الى ٢٤٨ فراجع نعم الراوي عنه هذا الحديث عبد الرحمن بن سالم ضعفه ابن الغضائري وسكت عن تضعيفه النجاشي فكونه في طريق الحديث يوهنه.

(٢) هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي أبو العباس المعروف بالمبرد نزيل بغداد صاحب كتاب الكامل وعدة كتب تنوف على أربعين امام العربية ببغداد في زمنه واحد أئمة الأدب والاخبار وكان بينه وبين ثعلب ما يكون بين المعاصرين من المنافرة فلذلك انشدوا.

نروح ونغدو لا تزاور بيننا

وليس بمضروب لنا عنه موعد

فأبداننا في بلدة والتقاؤنا

عسير كأنا ثعلب والمبرد

ثم المبرد كما قدمنا بكسر الراء لقب به لما سأله شيخه أبو عثمان المازني عن عويصة فأجاب بأحسن جواب برد غليله فقال له قم فأنت المبرد فحرفه الكوفيون ففتحوا الراء تهكما به والثمالي نسبة الى ثمالة وهو ثمالة بن أسلم بن كعب الأزدي قال عبد الصمد بن معدل :

سألنا عن ثمالة كل حي

فقال القائلون ومن ثمالة

فقلت محمد بن يزيد منهم

فقالوا زدتنا بهم جهالة

١٢٢

السهر للصلاة أو لذكر الله ، وضمير به إما للقرآن كما في القاضي أو لمن الليل بمعنى فيه (نافِلَةً لَكَ) عبادة زائدة لك على الصلاة ، وضع نافلة موضع تهجّدا ، لأنّ التهجد عبادة زائدة ، فكأنّ التهجّد والنافلة يجمعهما معنى واحد ، أو المعنى أنّ التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة فريضة عليك خاصة دون غيرك ، لأنه تطوّع لهم.

الكشاف : أو فضلة لك لاختصاص وجوبه بك. القاضي : روي أنّها فرضت عليه ولم تفرض على غيره ، فكانت فضيلة له ذكره ابن عباس ، وأشار (١) إليه أبو عبد الله عليه‌السلام كذا ذكره الراونديّ وقيل : معناه نافلة لك ولغيرك ، وخصّ بالخطاب لما في ذلك من صلاح الأمة في الاقتداء به ، ودعاء الخير إلى الاستنان بسنّته.

وفي المعالم إنّ صلاة الليل كانت واجبة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأمة لقوله (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) ثمّ نزل فصار الوجوب منسوخا في الأمة بالصلوات الخمس وبقي الاستحباب ، وبقي الوجوب في حق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذهب قوم إلى أنّ الوجوب صار منسوخا في حقّه كما في الأمة فصارت نافلة وهو قول قتادة ومجاهد ، لأنّ الله

__________________

فقال له المبرد خل قومي

فقومي معشر فيهم نذالة

والأكثرون على أن التهجد بمعنى الأضداد بمعنى النوم والسهر انظر ص ٥٠ من كتاب الأضداد لابن الأنباري ومسالك الافهام ج ١ ص ١٤٦.

وانظر ترجمة المبرد في بغية الوعاة ج ١ ص ٢٦٩ الرقم ٥٠٣ والأنساب ج ٣ ص ١٤٦ الرقم ٧٨٠ ونزهة الألباء ط بغداد ص ١٦٤ وآداب اللفة ج ٢ ص ١٨٦ والأعلام ج ٨ ص ١٥ وسمط اللئالى ص ٣٤٠ ولسان الميزان ج ٣ ص ٤٣٠ ووفيات الأعيان ط إيران ج ١ ص ٤٩٥ وتاريخ بغداد ج ٣ ص ٣٨٠ وأنبأه الرواة ج ٣ ص ٢٤١ الرقم ٧٣٥ وروضات الجنات ص ٦٧٠ وريحانة الأدب ج ٣ ص ٤٣٦ الرقم ٦٩٤ وطبقات القراء ج ٢ ص ٢٨٠ الرقم ٣٥٣٩ والفهرست لابن النديم ص ٩٣ واللباب ج ١ ص ١٩٧ والمزهر ج ٢ ص ٤٠٨ وص ٤١٩ والنجوم الزاهرة ج ٣ ص ١١٧ ومعجم الادباء ج ١٩ ص ١١١ الى ص ١٢٢ مات سنة ٢٨٥ أو ٢٨٦ وكان له تسع وسبعون سنه وقيل نيف على تسعين.

(١) انظر نور الثقلين ج ٣ ص ٢٠٤ الرقم ٣٨٢ والبرهان ج ٢ ص ٤٣٨ الرقم ٤ رويا الحديث عن ابى عبد الله من التهذيب.

١٢٣

تعالى قال (نافِلَةً لَكَ) ولم يقل عليك.

فان قيل : فما معنى التخصيص وهي زيادة في حق كافة المسلمين كما في حقه عليه‌السلام قيل : التخصيص من حيث إنّ نوافل العباد كفّارة لذنوبهم ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر ، فكانت نوافله لا تعمل في كفارة الذنوب ، فتبقى له زيادة في رفع الدرجات.

ثمّ بإسناده عن المغيرة بن شعبة (١) قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى انتفخت قدماه ، فقيل له أتتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال : أفلا أكون عبدا شكورا.

(مَقاماً مَحْمُوداً) نصب على الظرف إمّا بإضمار أي عسى أن يبعثك يوم القيمة فيقيمك مقاما محمودا ، أو بتضمّن يبعثك معنى يقيمك ، ويجوز أن يكون حالا بمعنى أن يبعثك ذا مقام محمود ، ومعنى المقام المحمود الذي يحمده القائم فيه ، وكلّ من رآه وعرفه ، وهو مطلق في كلّ ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات.

وقيل : المراد الشفاعة ، وهي نوع واحد ممّا يتناوله وعن ابن عباس مقاما يحمدك فيه الأوّلون والآخرون ، وتشرف فيه على جميع الخلائق : تسئل فتعطى ، وتشفع فتشفّع ، ليس أحد إلّا وهو تحت لوائك.

وعن أبي هريرة (٢) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي ، كذا في

__________________

(١) أخرجه الترمذي في باب الاجتهاد في الصلاة عن المغيرة بهذا اللفظ انظر تحفة الاحوذى ج ١ ص ٣١٨ مع شرحه الألفاظ المختلفة بطرق مختلفة أخرى ففي بعضها تورمت وفي بعض ترم بفتح المثناة وكسر الراء وفي بعضها تزلع بزاى وعين مهملة وفي بعض تفطر وفي بعض انشقت والمعنى واحد وانظر أيضا فتح الباري ج ٣ ص ٢٥٦ وص ٢٥٧ كتاب التهجد ففيه الألفاظ المختلفة بطرق مختلفة مع شرح كل.

(٢) الكشاف ج ٢ ص ٢٨٦ وفي الشاف الكاف تخريجه ومثله في الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٧ عن أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وانظر أيضا فتح القدير ج ٣ ص ٢٤٦ أخرجه عن أحمد والترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي.

١٢٤

الكشاف وفي القاضي : المشهور أنّه مقام الشفاعة.

هود (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ.)

(طَرَفَيِ النَّهارِ) غدوة وعشيّة ، والانتصاب على الظرف (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ)(١) ساعات منه قريبة من آخر النهار وهو جمع زلفة كظلم جمع ظلمة ، من أزلفه إذا قرّبه وازدلف إليه ، وصلاة الغدوة الفجر ، وصلاة العشيّة الظهر والعصر ، لأنّ ما بعد الزوال عشيّ ، وصلاة الزلف المغرب والعشاء : الكشاف ، وهو قول مجاهد والزجّاج ، وعن ابن عباس والحسن والجبائي أنّ طرفي النهار وقت صلاة الفجر والمغرب ، وهو مرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ثمّ بناء هذا القول ظاهرا على أنّ النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشفق ، أو أن بين الفجرين خارج فالنهار من طلوع الشمس إلى غروبها فتأمل.

وعلى كلّ حال فكأنّ ترك الظهر والعصر لظهور أنّهما صلاتا النهار.

قيل : والتقدير أقم الصلاة طرفي النهار مع الصلاتين المفروضتين ، وقيل : إنّهما ذكرا على التبع للطرف الأخير لأنّهما بعد الزوال ، فهما أقرب إليه ، وقد قال (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) ودلوكها زوالها.

وقيل وقت صلاة الفجر والعصر ، لأنّ طرف الشيء من الشيء ، وصلاة المغرب ليست من النهار ، وعلى كلّ تقدير دلالة الآية على توسعته لأوقات تلك الصلوات ظاهرة.

وقرئ «وزلفا» بضمتين (٢) وزلفا بسكون اللام ، وزلفى بوزن قربى ، فالزلف

__________________

(١) في المقاييس ج ٣ ص ٢١ الزاء واللام والفاء يدل على اندفاع وتقدم في القرب إلى شيء الى ان قال وسميت مزدلفة بمكة لاقتراب الناس الى منى بعد الإفاضة من عرفات الى ان قال واما الزلف من الليل فهي طوائف منه لان كل طائفة تقرب من الأخرى.

(٢) انظر المجمع ج ٣ ص ١٩٨ وفتح القريب ج ٢ ص ٥٠٧ وشواذ القرآن لابن خالويه ص ٦١ وروح المعاني ج ١٢ ص ١٤٠.

١٢٥

بالسكون نحو بسرة وبسر ، وبضمّتين نحو بسر في بسر ، والزلفى بمعنى الزلفة كما أنّ القربى بمعنى القربة ، وهو ما يقرب من آخر النهار من الليل ، وقيل (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) أي وأقم طاعات وصلوات تتقرّب بها إلى الله عزوجل في بعض الليل ، فيمكن أن يكون إشارة إلى صلاة الليل المشهورة ، وحينئذ ينبغي إدخال العشائين في صلاة طرفي النهار لكن في التوجيه تأمل.

(إِنَّ الْحَسَناتِ) قيل أى الصلوات الخمس لتقدم ذكرها (يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) فيه وجهان تكفير الذنوب بالطاعات أي العفو عن الذنوب بها ، وهو ظاهرها ، وظاهر غيرها من الآيات والاخبار في هذا الباب.

روى عن أبي حمزة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام في حديث طويل عن عليّ عليه‌السلام قال : سمعت حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أرجى آية في كتاب الله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) إلخ والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا انّ أحدكم ليقوم في وضوئه فيتساقط عن جوارحه الذنوب ، وإذا استقبل الله عزوجل بوجهه وقلبه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته امه ، فان أصابه شيء بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتّى عدّ الصلوات الخمس.

ثمّ قال يا على إنّما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم فما يظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثمّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرّات؟ أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي.

وفي الكشاف : تكفر الصغائر بالطاعات ، وفي الحديث (٢) إنّ الصلاة إلى الصلاة كفّارة ما بينهما ما اجتنب من الكبائر.

والثاني اللطف أي الطاعات موجبة لترك المعاصي بالخاصيّة أو بسبب لطفه تعالى كقوله (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ.)

__________________

(١) انظر المجمع ج ٣ ص ٢٠١ والعياشي ج ٢ ص ١٦١ والبرهان ج ٢ ص ٢٣٩ وكنز العرفان ج ١ ص ١٥٠.

(٢) انظر أبواب فضل الصلاة وانتظار الصلاة وتفسير هذه الآية من كتب الشيعة وأهل السنة ترى الأحاديث بهذا المضمون كثيرة.

١٢٦

في الكشاف : (١) قيل نزلت في أبي اليسر عمرو بن غزيّة الأنصاري كان يبيع التمر فأتته امرأة فأعجبته فقال لها إنّ في البيت أجود من هذا التمر ، فذهب بها إلى بيته فضمّها إلى نفسه وقبّلها ، فقالت : اتّق الله فتركها وندم ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره بما فعل ، فقال أنتظر أمر ربّي ، فلمّا صلّى صلاة العصر نزلت ، فقال نعم اذهب فإنّها كفّارة لما عملت.

وروي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : توضّأ وضوءا حسنا وصلّ ركعتين ، إنّ الحسنات يذهبن السيئات.

(ذلِكَ) إشارة إلى قوله (فَاسْتَقِمْ) وما بعده ، وقيل : إلى القرآن.

(ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) عظة للمتّعظين ، وقيل «ذلك» إشارة إلى إقامة الصلاة فإنّه سبب لذكر الله ، بل هو ذكر الله على أحسن وجه ، فيوجب ذكر الله له كما قال (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) فيفوز بفيض فضله وإحسانه ، وموجب لذهاب السيئات ، فينجى من أليم عذابه وشديد عقابه ، فهو أولى ما يذكره الذاكرون.

الرّوم (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) قيل أخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات ، وقيل سبحان الله مصدر بمعنى الأمر أي سبّحوا وربّما جعلا وجها واحدا وفي كلّ نظر ، والأظهر أنه تنزيه قصد به التنبيه والدلالة على أنّ ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزيهه واستحقاقه الحمد ممّن له تميز من أهل السموات والأرض ، فينبغي العمل بمقتضاه ، وعدم التقصير فيه.

وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لانّ آثار القدرة والعظمة فيهما أظهر ،

__________________

(١) الكشاف ج ٢ ص ٤٣٥ وفي الشاف الكاف تخريجه وفيه ان الصحيح أبو اليسر كعب ابن عمرو وما في الكشاف : عمرو بن غزية غلط وصاحب الكشاف تبع في ذلك الغلط الثعلبي وانظر ترجمة ابى اليسر كعب بن عمرو في تعاليقنا على مسالك الافهام ج ٢ من ص ٢٦١ الى ص ٢٦٣.

١٢٧

وتخصيص الحمد بالعشيّ الذي هو آخر النهار من عشي العين إذا نقص نورها ، والظهيرة الّتي هي وسطه لانّ تجدد النعم فيها أكثر ، فعشيا عطف على السموات محلّا للقرب والأظهر أن يكون قوله (وَعَشِيًّا) متصلا بقوله (حِينَ تُمْسُونَ) وقوله (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اعتراضا بينهما.

وقيل : أريد بالتسبيح الصلاة ، وقيل لابن عباس (١) هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ فقال نعم ، وتلا هذه الآية ، فالتسبيح حين تمسون صلاتا المغرب والعشاء ، وتصبحون صلاة الصبح وعشيّا صلاة العصر ، وتظهرون صلاة الظهر ، ولذلك زعم الحسن أنّ الآية مدنيّة ، لأنه كان يقول : كان الواجب بمكّة ركعتين في أي وقت اتّفقت وإنما فرضت الخمس بالمدينة ، والأكثر على أنّ الخمس إنّما فرضت بمكّة.

ويحتمل أن يراد بتسبيح المساء المغرب وبعشيّا العشاء ، وبتظهرون الظهرين ، وأن يراد بعشيّا المغرب والعشاء ، وبتمسون العصر ، وبتظهرون الظهر كالصبح بتصبحون.

قيل : ولم يأت بحين في عشيّا لعدم مجيء الفعل منه فليتأمل.

واعلم أنّه يقال : أمسى إذ دخل في المساء وكذا أصبح وأظهر ، فتقييد ذلك بحين يقتضي نوع اختصاص بأوّل الوقت ، فلا يبعد حمل الطلب فيه على الاستحباب كما نبّهنا في قولنا الأظهر.

وقيل يمكن أن يحتجّ بها من يجعل الوجوب مختصا بأوّل الوقت ، وفيه نظر من وجوه تظهر ممّا قدّمناه.

ثمّ لا يخفى أنّ الحمد كالتسبيح جاز أن يراد به الصلاة ، فيحتمل كون كليهما جميعا تنبيها على الصلوات الخمس ، وكون كل منفردا أيضا ، مع احتمال أن يجعل الأول إشارة إلى الفرائض والآخر إلى النوافل ووجه كل لا يخفى مع ما روى عن الصادق فيما قدمناه.

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ١٥٤ والكشاف ج ٣ ص ٤٧١ وفتح القدير ج ٣ ص ٢١٤ وروح المعاني ج ٢١ ص ٢.

١٢٨

وعنه عليه‌السلام : من (١) سرّه أن يكال له بالقفيز الأوفى ، فليقل (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) الآية.

وعنه عليه‌السلام (٢) : من قال حين يصبح (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) ـ الى قوله ـ (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أدرك ، ما فاته في يومه ، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليله ، وقرئ (٣) «حينا تمسون وحينا تصبحون» أي تمسون فيه وتصبحون فيه.

طه (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) اى الكفار من انك ساحر أو شاعر أو غير ذلك ، في المعالم نسختها آية القتال وفيه تأمل ـ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى.) (١٣٠)

المراد بالتسبيح إمّا ظاهره ، فيراد المداومة على التسبيح والتحميد في عموم الأوقات ، كما في الجوامع أو الأوقات المعيّنة أو الصلاة كما هو المشهور ، و (بِحَمْدِ رَبِّكَ) في موضع الحال أي وأنت حامد لربّك على أن وفّقك للتسبيح ، وأعانك عليه كما في الكشاف والجوامع أو على أعمّ من ذلك كما في ى وهو الأظهر.

ثمّ الأشهر أنّ تسبيح قبل طلوع الشمس صلاة الفجر ، وقبل غروبها الظهر والعصر ، لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار ، قبل غروبها.

(وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) أي وتعمد من ساعاته جمع إنى بالكسر والقصر وإناء بالفتح والمدّ يعني المغرب والعشاء وأطراف النهار تكرير لصلاتي الصبح والمغرب على إرادة الاختصاص كما في قوله (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) ومجيئه بلفظ الجمع لأمن الإلباس كقوله (صَغَتْ قُلُوبُكُما) وقول الشاعر «ظهراهما مثل ظهور الترسين» (٤)

__________________

(١) انظر قلائد الدرر ج ١ ص ١٠٤ نقله عن جوامع الجامع والكشاف.

(٢) رواه في قلائد الدرر ج ١ ص ١٠٤ عن غوالي اللئالى ورواه في فتح القدير أيضا ج ٤ ص ٢١٥.

(٣) انظر ص ١١٦ من شواذ القرآن لابن خالويه وروح المعاني للالوسى ج ٢١ ص ٢٦.

(٤) أنشده في الكشاف ج ٣ ص ٩٧ والترس حيوان نأتي الظهر.

١٢٩

ففيها دلالة على وجوب الصلوات الخمس وسعة أوقاتها وعدم اختصاصها بأوائل أوقاتها كما لا يخفى ، لكن مع نوع ضعف في المغرب باعتبار أطراف النهار لا في الصبح لتنصيص قبل على اعتبار قبليّة الطلوع ، مع أن كون مجموع ما قبل الطلوع طرفا واضح.

وقيل أطراف النهار إشارة إلى العصر تخصيصا لها ، لأنها الصلاة الوسطى. وربما كان جمع الأطراف باعتبار أن كل جزء من أوقاتها كأنه طرف ، وقد يؤيّده قراءة (وَأَطْرافَ النَّهارِ) بالكسر عطفا على آناء الليل فان الظاهر أنّ من للتبعيض لا بمعنى في ، ولا للابتداء ، وقيل إنه للابتداء وفيه تنبيه على أنّ ابتداء وقت العشائين من أوّل الليل ، وفيه نظر فان ذلك ليس لكون من للابتداء بل لشمول آناء اللّيل أوله مع ظاهر السياق.

ثمّ اعلم أنّ ظاهر اتّساع الوقت المفهوم اشتراك الصلاتين في جميع الوقت ، وأنّ وقت العشائين جميع الليل إلا أن يراد بمن آناء الليل بعض معين منه حملا على أنه كالإضافة للعهد.

وقيل قبل غروبها صلاة العصر وأطراف النهار هو الظهر ، لأن وقته الزوال ، وهو آخر النصف الأوّل من النهار ، وأوّل النصف الثاني ، وقيل المراد بآناء الليل صلاة العشاء ومن أطراف النهار صلاة الظهر والمغرب لأنّ الظهر في آخر الطرف الأوّل من النهار ، وأوّل الطرف الأخر فهو طرفان منه ، والطرف الثالث غروب الشمس فيها صلاة المغرب.

وقد يفهم من الكشاف (١) قول آخر : أن يكون آناء الليل العشاء ، وأطراف النهار المغرب والصبح أيضا ، لكن على طريق الاختصاص ، وكأنه بناء على كونها الوسطى ويحتمل آخر : أن يكون أطراف النهار كآناء الليل شاملا للمغرب والعشاء أيضا على طريق الاختصاص فتأمل هذا.

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٩٦ وفي كنز العرفان ١ ص ٧٧ مباحث مفيدة أطراف هذه الآية فراجع.

١٣٠

وقد احتمل أن يكون أطراف النهار باعتبار التطوّع في أجزائه فاما من دون فريضة أو معها ، كما نقل الطبرسيّ عن ابن عباس في آناء الليل أنها صلاة الليل كلّه فركعتي سنّة الفجر فيه وجهان ، ويحمل الأمر على معنييه أو الرجحان المطلق أو الاستحباب باعتبار جواز الترك بالاقتصار على الفريضة أو باختصاص الأمر بالنوافل فإنّ إطلاق السبحة وإرادة النافلة في رواياتنا شائعة.

وربما احتمل نحو ذلك في قوله قبل طلوع الشمس وقبل الغروب أيضا فتأمل.

و «لعلّ» للمخاطب (١) أي أفعل ما أمرت به في هذه الأوقات طمعا ورجاء أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ويسرّ قلبك ، وقرئ ترضى على بناء المفعول أي يرضيك ربّك ، وقيل أي يرضاك الله كما قال تعالى (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا).

ق (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ.) (٣٩)

فاصبر على ما يقول اليهود ويأتون به من الكفر والتشبيه ، وقيل : واصبر على ما يقول المشركون من إنكارهم البعث ، فان من قدر على خلق العالم قدر على بعثهم والانتقام منهم ، وقيل هي منسوخة بآية السيف ، وقيل : الصبر مأمور به في كلّ حال.

(بِحَمْدِ رَبِّكَ) حامدا ربك ، والتسبيح محمول على ظاهره أو على الصلاة أو عليهما ، فالصلاة قبل طلوع الشمس الفجر وقبل الغروب الظهر والعصر ، وقيل العصر (وَمِنَ اللَّيْلِ) العشاءان ، وقيل : التهجّد وأدبار السجود التسبيح في آثار الصلوات والسجود والركوع يعبر بهما عن الصلاة ، وقيل النوافل بعد المكتوبات.

وعن علىّ عليه‌السلام (٢) الركعتان بعد المغرب ، وفي الصحيح (٣) عن أبى جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) انظر تعاليقنا على هذا الكتاب ص ٣٥ أواخر آية الوضوء.

(٢) انظر نيل الأوطار ج ٣ ص ٥٩ أخرجه عن الديلمي في الفردوس وكذا في فيض القدير ج ٦ ص ١٦٧.

(٣) انظر الوسائل الباب ٣٠ من أبواب التعقيب ج ٤ ص ١٠٥٧ ط الإسلامية :

١٣١

أيضا وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلّى بعد المغرب قبل أن يتكلّم كتبت صلاته في علّيين ، ونحوه عن أبى عبد الله عليه‌السلام والظاهر أنّ المراد قبل أن يتكلّم بكلام أجنبيّ لا التعقيب كما فسّر في الصحيح (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

والأدبار جمع دبر وقرئ إدبار بكسر الهمزة (٢) من أدبرت الصلاة إذا انقضت وتمّت ، ومعناه وقت انقضاء السجود كقولهم أتيتك خفوق النجم ، ويقرب من الآية ما في الطور :

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ).

(اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) بإمهالهم وما يلحقك فيه من المشقّة والكلفة (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) مثل أي بحيث نراك ونكلأك وجمع العين لأنّ الضمير بلفظ الجماعة ألا ترى إلى قوله (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) وللدلالة على شدّة الحفظ بكثرة أسبابه ، وقرئ بأعينّا (٣) بالإدغام (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) قيل من أيّ مكان قمت ، وقيل : من منامك ، وقيل حين تقوم إلى الصلاة المفروضة ، فقل سبحانك اللهمّ وبحمدك ، وقيل حين تقوم من المجلس ، فقل سبحانك اللهمّ وبحمدك لا إله إلا أنت اغفر لي وتب علىّ. وقد روي (٤) مرفوعا أنّه كفارة المجلس ، وروى عن عليّ عليه‌السلام (٥) من أحبّ أن يكتال بالمكيال الأوفى فليكن آخر كلامه من مجلسه (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وقيل اذكر الله بلسانك

__________________

(١) التعبير في الحديث الثاني من الباب السابق ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلّى.

(٢) المجمع ج ٥ ص ١٤٨.

(٣) نقله الالوسى في روح المعاني ج ٢٧ ص ٣٤ عن ابى السمال.

(٤) انظر المجمع ج ٥ ص ١٧٠ وقلائد الدرر ج ١ ص ١٠٩ وزبدة البيان ص ٦١ وكنز العرفان ج ١ ص ٨٧ والدر المنثور ج ٦ ص ٣٠.

(٥) البحار ج ١٨ ص ٣٥ وقلائد الدرر ج ١ ص ١٠٩ ومثله في المجمع ج ٤ ص ٤٦٣ عن النبي (ص) مع تفاوت يسير في اللفظ.

١٣٢

حين تقوم إلى الصلاة إلى أن تدخل في الصلاة وقيل وصلّ بأمر ربّك حين تقوم من منامك ، وقيل الركعتان قبل صلاة الفجر.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) وقرئ أدبار النجوم (١) بفتح الهمزة أيضا أي أعقابها فقيل المراد الأمر بقول سبحان الله وبحمدك في هذه الأوقات وقيل يعني صلاة الليل ، وروى زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام في هذه الآية قالا : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقوم من الليل ثلاث مرّات فينظر في آفاق السماء فيقرء خمس آيات من آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ إلى ـ (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) ثمّ يفتتح صلاة الليل الخبر.

وقيل يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة ، وإدبار النجوم يعني الركعتين ، قبل صلاة الفجر ، وهو قول الأكثر وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام (٣) وذلك حين تدبر النجوم إلى حين يغيب بضوء الصبح ، وقيل يعني فريضة الصبح ، وقيل معنى الآية لا تغفل عن ذكر ربّك صباحا ومساء ، ونزّهه في جميع أحوالك ليلا ونهارا ، فإنه لا يغفل عنك وعن حفظك.

ويتصوّر في معنى الآية وجوه أخر منها : وصلّ حامدا ربّك شاكرا له على ما هداك ، أو حفظك ، أو عليهما ، أو مطلقا ، حين تقوم بأمر ربك لك بالصلوات المفروضات وتمتثله ، فيكون مخصوصا بالفرائض ، وقوله (وَمِنَ اللَّيْلِ) إشارة إلى النوافل اللّيليّة (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) إشارة إلى النوافل النهاريّة أو (حِينَ تَقُومُ) في خدمة ربك ، أو أمر ربك بالصلاة المفروضة ونوافلها ، ومن الليل لصلاة الليل وادبار النجوم لركعتي سنة الفجر ، باعتبار أنها قد تقع في الليل فتتبع صلاة الليل ، وقد تقع مرتبطا بفريضة

__________________

(١) شواذ القرآن لابن خالويه ص ١٤٦ ونقله الالوسى في روح المعاني عن سالم ابن ابى الجعد والمنهال وابن عمرو ويعقوب وفي المجمع نقله عن زيد عن يعقوب.

(٢) المجمع ج ٥ ص ١٧٠.

(٣) المجمع ج ٥ ص ١٧٠.

١٣٣

الفجر بعده قبلها فلا بأس بالإشارة إليها بخصوصها ، وبيان وقتها.

وربما احتمل أن يكون (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) إشارة إلى صلاة اللّيل مع ركعتي سنّة الفجر ، وإدبار النجوم إشارة إلى آخر وقت الجميع ، أو صلّ حامدا ربك على ما تقدم حين تقوم من منامك ، يعني بالنهار من الفرائض والسنن (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) يكون صلاة اللّيل من الفرائض وغيرها ، وإدبار النجوم مجموع ركعات الفجر من السنّة والفريضة.

أو حين تقوم من منامك يعني بالنهار إلى أن تنام باللّيل ، فيشمل جميع الفرائض وسننها والباقي لا يخفى ، وعلى كلّ تقدير يمكن استفادة شيء من الأحكام ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وعلى نسق هذه الآيات قوله تعالى في سورة المؤمن : [٥٥] (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ.)

واستغفر لذنبك ، تعبّد من الله تعالى له عليه‌السلام ليزيد في درجاته ، وتصير سنّة لأمّته ، وسبّح شاكرا ربّك بالعشيّ والأبكار ، قال الحسن : يعني صلاة العصر وصلاة الفجر ، وقال ابن عباس الصلوات الخمس كذا في المعالم.

وفي تفسير القاضي (١) واستغفر لذنبك ، وأقبل على أمر دينك ، وتدارك فرطاتك بترك الأولى ، والاهتمام بأمر العدى بالاستغفار ، فإنّه تعالى كافيك في النصر وإظهار الأمر (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) ودم على التسبيح والتحميد لربك وقيل صلّ لهذين الوقتين أو كان الواجب بمكّة ركعتان بكرة وركعتان عشيّة.

وفي الكشاف (٢) وأقبل على التقوى واستدراك الفرطات بالاستغفار ، ودم على عبادة ربّك ، والثناء عليه بالعشيّ والأبكار ، وقيل هي صلاتا العصر والفجر فليتأمل.

__________________

(١) البيضاوي ج ٤ ص ١١١ ط مصطفى محمد.

(٢) الكشاف ج ٤ ص ١٧٣.

١٣٤

تذنيب :

(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ.) (الحديد : ٢١)

قيل : يدلّ على أنّ المراد بالأمر الفور ، وذلك غير ظاهر ، فان إرادة استحباب المسارعة قريب كما هو ظاهر سياقه ، ويؤيّده دخول المستحبّات فيه ، فيدلّ على استحباب فعل العبادات أوّل وقتها كما هو المقرّر.

١٣٥

النوع الثاني في القبلة.

وفيها آيات :

الأول (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.) (البقرة : ١٤٢) (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) الخفاف الأحلام من الناس ، قيل هم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة ، وأنّهم لا يرون النسخ. عن ابن عباس ، إنّ قوما من اليهود قالوا يا محمّد ما ولّاك عن قبلتك ارجع إليها نتبعك ونؤمن بك ، وأرادوا بذلك فتنته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل : المنافقون لحرصهم على الطعن والاستهزاء ، وقيل المشركون قالوا رغب عن قبلة آبائه ثمّ رجع إليها ، والله ليرجعنّ إلى دينهم وقيل : يريد المنكرين لتغيير القبلة من هؤلاء جميعا.

(ما وَلَّاهُمْ) صرفهم (عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) يعني البيت المقدس ، القبلة كالجلسة في الأصل للحال الّتي عليها الإنسان من الاستقبال ، ثمّ صارت لما يستقبله في الصلاة ونحوها ، وفائدة الاخبار به قبل وقوعه كما هو صريح حرف الاستقبال أنّ مفاجاة المكروه أشدّ ، والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب ، إذا وقع ، لما يتقدمه من توطين النفس ، وأن يستعدّ للجواب ، فان الجواب العتيد قبل الحاجة إليه ، أقطع للخصم ، وأردّ لشغبه ، وقبل الرمي يراش السهم.

بل ربما كان علم الخصم بمعرفة ذلك منهم ، واستعدادهم للجواب رافعا لاهتمامه.

على أنه سبحانه ضمّن هذا الاخبار من حقارة الخصوم ، وسخافة عقولهم وكلامهم ما فيه تسلية عظيمة ، وعلّم الجواب المناسب وقارنه بألطاف عظيمة ، وفي كلّ ذلك تأييد وتعظيم له وللمسلمين ، وحفظ لهم من الاضطراب وملاقاة المكروه.

(قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) له الأرض والبلاد والعباد فيفعل فيها ما يشاء ويحكم ما يريد ، على مقتضى الحكمة ووفق المصلحة وانّما على العباد الانقياد والاتّباع

١٣٦

فبعد أمر الله بذلك لا يتوجه الإنكار وطلب العلّة والمصلحة فلا يبعد أن يكون المقول في الجواب هذا المقدار لا غير ، كما هو المناسب لترك تطويل الكلام مع السفهاء ، وعدم الاشتغال ببيان خصوص مصلحة مصلحة.

فما بعد هذا خطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تسلية له عن عدم إيمانهم وامتنانا عليه وعلى المؤمنين بهدايتهم لدين الإسلام ، أو بما هو مقتضى الحكمة والمصلحة ، وتأييدا وتنشيطا لهم ويجوز دخوله في الجواب كما هو ظاهرهم توبيخا لهم ، وتبكيتا على عدم هدايتهم والعناية بتحصيل استعدادها كما لا يخفى.

(يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو ما يقتضيه الحكمة ويستدعيه المصلحة قيل : من توجيههم تارة إلى بيت المقدس ، واخرى إلى الكعبة ، والأوّل مثل توجّههم في تلك الأزمنة إلى بيت المقدس وبعدها إلى الكعبة.

الثاني (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ.) (١٤٣) (الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) ليست صفة للقبلة ، بل ثاني مفعول جعل أي ما جعلنا القبلة بيت المقدس ، إلّا لامتحان الناس ، كأنه يعني أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وأنّ استقبالك بيت المقدس كان عارضا لغرض.

وقيل : يريد وما جعلنا القبلة الآن الّتي كنت عليها بمكّة أي الكعبة ، وما رددناك إليها إلّا امتحانا ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي بمكّة إلى الكعبة ، ثمّ أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألّفا لليهود ، ثمّ حوّل إلى الكعبة.

وهذا لم يثبت ، بل الثابت عندنا ما روي عن ابن عباس (١) أنّ قبلته بمكّة كانت بيت المقدس ، إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه ، فربما أمكن أن يراد ذلك باعتبار جعله الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، فكأنه كان قبلة له في الجملة ، ويمكن بوجه

__________________

(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٠٠ وانظر المجمع ففيه في تفسير الآية بيانات مفيدة لا يستغنى أحد عن الاطلاع عليها.

١٣٧

آخر أي ما جعلنا القبلة الّتي كنت مقبلا عليها أو حريصا عليها أو مديما على حبّها أن يجعل قبلة أو مصرّا أو نحو ذلك.

وهنا وجوه أخر منها إرادة التحويل إطلاقا للعامّ على الخاص ، ومنها تضمين الجعل معنى التحويل ، ومنها حذف الخبر أي منسوخة ، والكلّ ضعيف ، وأضعف منها ما في المعالم من جعلها من باب حذف المضاف أي ما جعلنا تحويل القبلة كما لا يخفى فعلى الأوّل الاخبار عن الجعل المنسوخ ، وعلى الباقي عن الجعل الناسخ.

(إِلَّا لِنَعْلَمَ) أي إلّا امتحانا للناس لنعلم من يتّبع الرسول ويثبت على الدين ممّن ينكص على عقبيه ، فعلى الأوّل يمكن أن يراد لنعلم ذلك عند كونها قبلة ، وأن يراد لنعلم الآن عند الصرف إلى الكعبة ذلك أو الأعمّ ولعلّه أولى.

فإن قيل : كيف يكون علمه تعالى غاية لهذا الجعل ، وهو لم يزل عالما؟ يقال في ذلك وجوه :

أحدها أنّ المراد فيه وفي أشباهه العلم الذي يتعلّق به الجزاء ، أي العلم به موجودا حاصلا.

ثانيها أنّ المراد لنميّز ، فوضع العلم موضع التميز ، وهو الذي يقتضيه قوله (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) كما لا يخفى كما قال تعالى (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) قال القاضي وتشهد له قراءة «ليعلم» على البناء للمفعول.

وثالثها أنّ المراد علم رسول الله والمؤمنين مع علمه ، فعلمه وإن كان أزليا لكن لا ريب في جواز عدم حصول علم الجميع إلّا بعد الجعل ، كما هو الواقع.

ورابعها أنّ المراد علم الرسول والمؤمنين ، وإنّما استند علمهم إلى ذاته لأنهم خواصه ، وأهل الزلفى لديه ، وهو قريب ممّا تقدّمه.

وخامسها أنّ المقتضي بالذات علم غيره من الرسول والمؤمنين ، أو والملائكة على ما قيل ، لكنّه ضمّهم إلى نفسه وعلمهم إلى علمه إشارة إلى أنهم من خواصه وأهل الزلفى لديه فليتأمل فيه.

وسادسها وهو التمثيل أي فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم ، فالعلم إمّا بمعنى

١٣٨

التمييز كما تقدّم ، أو بمعنى المعرفة ، إذ ليس له في الظاهر إلّا مفعول واحد هو «من» الموصولة.

ويجوز أن يكون من استفهاميّة واقعة موقع المبتدء ، ويتّبع موقع الخبر ، فيكون العلم من المتعدّي إلى مفعولين معلّقا عن الاستفهاميّة كقولك علمت أزيد في الدار أم عمرو ، و (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) حالا من فاعل يتبع ، أي مميزا عنه ، وبهذا يندفع ما قال أبو البقاء من أنّه لا يجوز كونها استفهاميّة لأنه يلزم التعليق ، ولا يبقى لقوله (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) متعلّق ، إذ لا معنى لتعلّقه بيتبع ، ولا وجه لتعلقه بنعلم ، لأنّ ما بعد الاستفهام لا يتعلّق بما قبله.

فان قيل لا قرينة على حذف مميزا ، قلنا بل فحوى الكلام ليس غيره ، على أنّه مشترك الإلزام ، إذ على تقدير الموصولية أيضا هو حال ممّن بمعنى متميزا.

فان قيل كيف يكون العلم بمعنى المعرفة ، والله تعالى لا يوصف بها؟ قلنا إن ثبت فلعلّه لشيوعها فيما يكون مسبوقا بالعدم ، وليس العلم الذي بمعنى المعرفة كذلك بل المراد به الإدراك الذي لا يتعدّى إلى مفعولين.

ثمّ قوله (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) قيل فيه قولان أحدهما أنّ المراد من يرتدّ عن الإسلام كما روي أنّ القبلة لما حوّلت ارتدّت قوم من المسلمين إلى اليهودية ، والآخر أنّ المراد به كلّ مقيم على كفره ، لأنّ جهة الاستقامة إقبال ، وخلافها إدبار ، ولذلك وصف الكافر بأنه أدبر واستكبر ، وقال (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) عن الحق ، وهنا وجه ثالث ، وهو ما يعمّ الجميع وهو غير بعيد فافهم.

(وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ).

إن هي المخفّفة الّتي يلزمها لام الفارقة بينها وبين النافية ، لا بينها وبين المشدّدة وعن سيبويه أن تأكيد يشبه اليمين ، ولذلك دخلت اللام في جوابها. وفي تفسير القاضي : وقال الكوفيّون هي النافية ، واللّام بمعنى إلّا ، والضمير لما دلّ عليه قوله (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) من الردّة والتحويل ويجوز أن يكون للقبلة.

١٣٩

(لَكَبِيرَةً) أي ثقيلة شاقّة إلّا على الّذين هداهم الله للثبات والبقاء على دينه ، والصدق في اتّباع الرسول ، وقرئ لكبيرة بالرفع (١) ، ووجهها أن تكون كان زائدة.

في الكشاف كما في قوله «وجيران لنا كانوا كرام» وفيه نظر ، ويحكى عن الحجّاج أنه قال للحسن ما رأيك في أبي تراب؟ فقرأ قوله (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) ثمّ قال : وعلىّ منهم وهو ابن عمّ رسول الله وختنه على ابنته ، وأقرب الناس إليه وأحبّهم.

(وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ)

اللام لام الجحود لتأكيد النفي ، ينتصب الفعل بعدها بتقدير أن ، والخطاب للمؤمنين تأييدا لهم وترغيبا في الثبات ، قيل أي ثباتكم على الايمان ورسوخكم فيه ، فلم تزلّوا ولم ترتابوا ، بل شكر صنيعكم وأعدّ لكم الثواب العظيم.

ويجوز أن يراد (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) بترك تحويلكم لعلمه أن تركه مفسدة وإضاعة لأيمانكم ، وقيل إيمانكم بالقبلة المنسوخة أو صلواتكم إليها ، وبه رواية عن الصادق عليه‌السلام.

وعن ابن عباس (٢) : لمّا حوّلت القبلة ، قال ناس : كيف أعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الاولى ، وكيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك؟ فأنزل الله.

إن قيل : كيف جاز عليهم الشكّ فيمن مضى من إخوانهم وأعمالهم ، فلم يدروا أنّهم كانوا على حقّ في صلاتهم إلى بيت المقدس؟ أجيب بأنّهم تمنّوا ذلك وأحبّوا

__________________

(١) انظر شواذ القرآن لابن خالويه ص ١٠ وقال انه اختيار اليزيدي ونقله في الكشاف أيضا عن اليزيدي وأنشد بيت الفرزدق وجيران لنا كانوا كرام وانظر البحث في قراءة لكبيرة بالنصب واختلاف البصريين والكوفيين كما أشار إليه المصنف في الإنصاف الرقم ٩٠ من ص ٦٤٠ الى ص ٦٤٣ فالبصريون على أن ان مخففة من الثقيلة واللام بعده لام التأكيد والكوفيون على أن ان نافية واللام بمعنى الا.

(٢) المجمع ج ١ ص ٢٢٥ :

١٤٠