الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مع الله في السماء

سعيد صلاح الفيومي

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مع الله في السماء

المؤلف:

سعيد صلاح الفيومي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة القدسي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٢

(كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١١٧) (آل عمران)

(فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ) (البقرة)

ثانيا : السحاب والمطر والبرق والرعد :

السحاب هو بخار الماء المتكثف فى طبقات الجو العليا إلى ارتفاع ١٨ كيلومتر ، كما يتكاثف الضباب فى الطبقات القريبة من الأرض ، وذلك لانخفاض درجة الحرارة ، وهناك عوامل تبريد أخرى مثل اختلاط الرياح الدافئة برياح باردة آتية من المناطق القطبية أو اصطدام الرياح بأعالى الجبال الشامخة ، فالجبال الشامخة مكثفات هائلة تكثف السحاب من الجو إذا حملته إليها الرياح فإذا اصطدمت الرياح بقمة الجبال أو مناطقه المرتفعة فإنها تبرد وذلك لبرودة الجبال.

ومن هنا كانت منابع الأنهار من الجبال وتشير الآية الكريمة إلى هذا الارتباط بين الجبال العالية ونزول المطر.

(وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) (٢٧) (المرسلات)

فالرواسى الشامخات هى الجبال فهذه الآية الكريمة تربط بين الجبال العالية وبين الماء العذب ، فالثلوج على قمم الجبال تغذى الأنهار بالماء ، ولن تنفذ الثلوج على قمم الجبال باستمرار ذوبان الثلج لأنها كما تسيل باستمرار تتجدد باستمرار حيث يتكثف بخار الماء الموجود فى الجو دائما ، والماء فى الآية يشمل الماء الناتج من الأمطار والماء المنحدر من شوامخ الجبال حيث أنه فى الحالتين ماء عذب فرات.

وهناك نوعان من السحب :

أ ـ السحب البساطية :

وهذه السحب تتكون بالنمو الأفقى وتشبه البساط ، وتشير إليها الآية الكريمة : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى

٦١

الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) (الروم)

أى أن الله سبحانه وتعالى يرسل الرياح فتؤدى إلى إظهار السحب التى يبسطها الله فى السماء ويجعلها قطعا ، والمقصود بالودق هو نقط الماء الكبيرة النامية التى تخرج من هذه السحب.

ب ـ السحب الركامية :

هذه السحب تتكون بالنمو الرأسى وتشبه الجبال ، وتمتد من قرب سطح الأرض حيث درجة الحرارة حوالى ٢٠ ٥ إلى أكثر من ١٥ كيلومتر رأسيا إلى أعالى طبقة التروبوسفير حيث تنخفض درجة الحرارة إلى أقل من ٤٠ ٥ تحت الصفر ، ويشير الله سبحانه وتعالى إلى هذه السحب بقوله : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) (النور)

والبرد هو بلورات الثلج النامية.

وتعتبر السحب الركامية أهم أنواع السحب لأنها تجود بالبرد ففيها تتكون ظواهر البرق والرعد ، وقد وردت فيها آية كريمة توضح الإعجاز العلمى للقرآن.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (٤٣) (النور)

فلا يعرف التشابه بين السحب والجبال إلا من يركب طائرة تعلو فوق السحاب فيراها من فوقه كأنها الجبال.

وتتناول هذه الآية الكريمة مراحل تكوين السحب الركامية وخصائصها ، وما عرف أخيرا من أن السحب الممطرة تبدأ على هيئة وحدات تتألف عدد منها فى مجموعات هى السحب الركامية أى السحب التى تنمو فى الاتجاه الرأسى وترتفع قممها إلى علو ١٥ ـ ٢٠ كيلومتر فتبدو كالجبال الشامخة.

كما أن هذه السحب وحدها التى تجود بالبرد وتشحن بالكهرباء ، وقد يتلاحق

٦٢

حدوث البرق فى سلسلة تكاد تكون متصلة حوالى ٤٠ تفريفا فى الدقيقة الواحدة فيذهب بصر الواحد من شدة الضياء ، وهذا ما يحدث للملاحين والطيارين الذين يخترقون العواصف الرعدية فى المناطق الحارة ، وينجم عن ذلك فقد البصر ، كما تحدث أضرارا بليغة تشكل خطرا حقيقيا على أعمال الطيران وسط العواصف الرعدية والبرق يكون مصحوبا بالرعد ، فشرارة البرق ترفع درجة الحرارة فى منطقة مرورها بمقدار كبير فيتمدد الهواء فجأة ، ويحدث تفريغ فى هذه المنطقة ثم يندفع الهواء ليملأ هذه المنطقة التى حدث فيها التفريغ فيحدث صوت قوى هو الرعد.

والبرق والرعد يحدثان فى لحظة واحدة إلا أن ضوء البرق يصل إلى أعيننا أولا قبل وصول الرعد إلى آذاننا لأن الضوء يسير بسرعة ٠٠٠ ، ٣٠٠ كيلومتر / ث ، أما الصوت فسرعته حوالى ٣٤٠ متر / ث.

وقد يحدث التفريغ الكهربى بين السحاب والأرض وذلك إذا كان السحاب قريبا من الأرض ، ومشحونا بشحنة كهربية عالية فإذا حدث التفريغ بين السحابة وأى جسم مرتفع عن سطح الأرض فإنه يسمى بالصاعقة.

يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة البقرة : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) (١٩) (البقرة)

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (١٣) (الرعد)

وفى هاتين الآيتين يتضح الإعجاز العلمى للقرآن ، وذلك نظرا للربط بين الظواهر الناشئة عن الكهربية الجوية مثل البرق والرعد والصواعق.

* * *

٦٣

الجبال

الجبال جزء من الأرض ، وأعلى جبال الأرض ترتفع ٨٨٤٨ مترا عن سطح البحر وهى قمة إفرست فى جبال الهيمالايا ، ومقارنة بنصف قطر الأرض نجد أن بروز الجبال فوق الأرض جزء ضئيل جدا من قطرها الهائل.

تكوين الجبال

تتكون الجبال من صخور تصنعها تحركات تحدث بالقشرة الأرضية نتيجة لضغوط هائلة تنشأ فى طبقات هذه القشرة فى شتى الاتجاهات ، وهذه الضغوط تنشأ غالبا من تحول الطاقة الحرارية المختزنة فى باطن الأرض إلى طاقة ميكانيكية تؤدى بدورها إلى أحد الاحتمالين.

أ ـ إحداث كسر بالقشرة الأرضية فتحدث فتحات تصل ما بين جوف الأرض وسطحها ، فتسمح بخروج حمم منصهرة من الصخور والمعادن مع غازات وأبخرة من فوهات البراكين نظرا لارتفاع الضغط فى باطن الأرض عن خارجها.

ب ـ إحداث طيات ينتج عنها انحناء القشرة فى تحدب إلى أعلى فى مكان ما يقابله تقعر فى انخفاض جزء آخر من القشرة إلى أسفل ولا شك أن هذه الضغوط التى تسمح بإنتاج نتوءات على هيئة جبال ترتفع عدة كيلومترات فوق مساحات تبلغ آلاف الكيلومترات المربعة ضغوط هائلة قوية ذات طاقة جبارة هائة ، يقول الله تعالى فى كتابه الكريم :

(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً ...) (٣) (الرعد)

والرواسى هى الجبال المرتفعة ، والأنهار تمثل المنخفضات ، وسبحان الله الذى جعل الأرض تعلو فى مكان وتنخفض فى مكان آخر.

٦٤

والرواسى نوعان :

جبال نارية : وهذه ترسو طافية على سائل لزج كثيف موجود فى رداء الأرض تحت القشرة كالسفينة تطفو فوق ماء البحر.

والنوع الآخر جبال رسوبية : تعتمد فى تكوينها على ما تلقيه الأنهار من رواسب فى المياه الضحلة كمياه شواطئ البحار حتى إذا تراكمت إلى الحد الذى قدره الله وتماسكت بالتضاغط رفعها سبحانه وتعالى جبالا شاطئية بأمره ، وبهذا فهى تشبه أيضا السفينة الراسية على الميناء.

وبهذا فإن الفعل جعل فى الآية يشمل النوعين من الجبال (الرواسى) النارية والرسوبية للتشابه بينها وبين السفن الراسية فى عرض البحر ، والراسية على الميناء على الترتيب ، ويؤكد ذلك قوله تعالى فى سورة النازعات :

(وَالْجِبالَ أَرْساها) (٣٢) (النازعات)

والفعل أرسى منطبق على الجبال النارية الطافية والجبال الرسوبية على الشاطئ ، وهذه الأخيرة يخصها الله فى القرآن الكريم بالفعل ألقى (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) (النحل : ١٥).

(وَالْجِبالَ أَرْساها) (٣٢) (النبأ).

توصل العلم حديثا أن الجبال ليست هى الجزء المرتفع فوق سطح الأرض فقط ، والواضح لنا بالمشاهدة ولكن الجبال لها أيضا امتداد تحت سطح الأرض لها جذور تحت الأرض تمتد إلى الأغوار العميقة قد يصل إلى ٧٥ كيلومتر ، بينما أعلى قمة فوق سطح الأرض أقل من ٩ كيلومتر وهى قمة إفرست ٨٤٨ ، ٨ كيلومترا.

فقشرة الأرض اليابسة ترسيها الجبال كما ترسى الأوتاد الخيمة والجزء الأكبر من الوتد مدفون فى الأرض كذلك الجزء الأكبر من الجبال تحت الأرض.

توزيع الجبال على سطح الأرض :

لما كان سطح الأرض منصهرا سائلا فلو فرضنا أن الجبال وضعت فى بعض

٦٥

نواحى الكرة الأرضية كأنها صخور هائلة مرتفعة فإن ثقلها قد يؤدى بالقشرة الأرضية أن تميد أو تتصدع ، لذلك جعل الله سبحانه وتعالى الجبال رواسى أى ذات جذور ممتدة داخل القشرة الأرضية إلى أعماق كبيرة تتناسب مع ارتفاعها (الجزء الأسفل من الجبل تحت سطح الأرض) أضعاف الجزء الموجود فوق سطح الأرض ، فالجبال كأنها أوتاد.

كما جعل كثافة هذه الارتفاعات والجذور أقل من كثافة القشرة الأرضية المحيطة بها ، كل ذلك حتى يتوزع الضغط على القشرة العميقة بحيث يكون متساويا فى جميع أنحائها فلا تميد أو تتصدع لأن التوزيع التماثلى للأثقال على سطح كروى يكاد لا يحدث تأثيرا يذكر.

وقد أثبت علم الجيولوجيا الحديث أن توزيع اليابس والماء على الأرض ووجود سلاسل الجبال عليها مما يحقق الوضع الذى عليه الأرض.

وقد ثبت أن الجبال الثقيلة دائما أسفلها مواد هشة خفيفة ، وأن تحت ماء المحيطات توجد المواد الثقيلة ، وبذلك تتوزع الأوزان على مختلف أجزاء الكرة الأرضية ، وهذا التوزيع الذى أساسه الجبال دائما قصد به حفظ توازن الكرة الأرضية ، ولما ارتفعت الجبال حدثت السهول والوديان والممرات بين الجبال وشواطئ البحار والمحيطات والهضاب ، وكانت سبلا وطرقا ، وصدق الله العظيم بقوله :

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣١) (الأنبياء)

(وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً ..) (١٥) (النحل)

(خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ..) (١٠) (لقمان)

فالجبال موزعة فى الأرض بشرط أن تتماثل الكتلة على جانبى محور دوران الأرض فلا تميد الأرض أو تضطرب.

٦٦

القمر

القمر هو الجرم السماوى الذى يدور حول أرضنا وينير ليالينا.

يعتقد أنه انفصل عن الأرض وهى على وشك التجمد تاركا حفرة تملؤها مياه المحيط الهادئ.

ولقد قدس القدماء القمر وعبدوه حتى جاء الإسلام ووضع القمر فى مكانه الصحيح أحد مخلوقات الله سبحانه وتعالى.

(لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ..) (٣٧) (فصلت)

والقمر جرم ميت ليس فيه ماء أو هواء أو حتى نسيم ، وليس به أى حياة ، وعند ما هبط رواد الفضاء الأمريكيين على سطح القمر شبهوه بقرص الجبن الرومى ممتلئ بالتجاويف ، سماؤه ظلام رغم بزوغ الشمس فى الفضاء لأنه لا يحتوى على غلاف جوى يقوم بتشتيت الضوء كما الأرض ، كما لا ينتقل الصوت فى جو القمر لعدم وجود هواء.

جاذبية القمر تعادل ١ / ٦ (سدس) جاذبية الأرض ، ولذلك فوزن رائد الفضاء الذى يزن على الأرض ٦٠ كيلوجرام يزن على القمر ١٠ كيلوجرام.

ويبعد القمر عن الأرض حوالى ٠٠٠ ، ٣٨٤ كيلومتر.

ويوم القمر يعادل حوالى الشهر حيث أنه يدور حول نفسه مرة كل شهر ، ولذلك فإن اليوم القمرى طويل حيث تتلظى أى نقطة على سطحه بضوء الشمس أسبوعين كاملين فترتفع درجة حرارته إلى ما يقرب من مائة درجة مئوية عند أحد نصفى السطح المواجه للشمس بينما تصل إلي مائة درجة مئوية تحت الصفر فى النصف الآخر.

ظاهرة المد والجذر :

يؤثر القمر على الكرة الأرضية وعلى حركتها فى الفضاء ، فهو يسبب ظاهرة

٦٧

المد والجذر ، فيعمل على رفع مياه البحار والمحيطات عاليا فيحدث المد بسبب جذب القمر لهذا الماء ، ويتتابع المد فى أجزاء مختلفة من سطح الأرض لأنها تدور حول نفسها أى تدور بهذا الماء الذى حدث فيه المد ليواجه القمر ماء غيره على سطح الأرض فيصيبه المد بجذب القمر بينما يهبط الماء الأول بعد أن بعد عن تأثير جذب القمر له فيصيبه الجذر ، وهكذا يتكرر المد والجذر على شواطئ البحار والمحيطات مرة كل يوم أرضى.

ويفكر العلماء فى استغلال الطاقة الناشئة يوميا عن حركة الماء ذهابا وإيابا أى مدا وجزرا لتوليد الطاقة على سطح الأرض.

تأثير المد والجزر على حركة الأرض :

المد والجزر يؤدى إلى زيادة طول اليوم بمعدل ٠٠٢ ، ثانية كل قرن (١٠٠ سنة) وهذه الزيادة تتراكم على مدى ملايين السنين فتؤدى إلى زيادة طول اليوم الأرضى بمقدار ملموس.

لقد كان طول اليوم فى الماضى عند نشأة الأرض (٤ ساعات) فقط ، وذلك عند ما كانت الأرض كرة من الصخر المنصهر كالعجين قبل أن تتجمد قشرتها ، وعند ما استقر الماء على سطحها وتكونت البحار والمحيطات وبدأ المد والجزر بفعل جذب القمر لهذا الماء فأدى إلى تعويق دوران الأرض حول نفسها تدريجيا إلى أن أصبح منذ ٣٥٠ مليون سنة (٢٢ ساعة) ، وأصبح الآن (٢٤ ساعة) وسوف يصبح فى المستقبل بعد ملايين السنين (٤٣ ساعة) وهذا طبعا يوم طويل إذا ما قورن بيومنا الحالى مما سيؤدى حتما إلى تطور نظام الأرض والقمر تطورا يجبر القمر على الانشقاق إذ أن الأرض ستبطئ فى دورانها حول نفسها ويسرع القمر فى دورانه حول نفسه ، أو دورانه حول الأرض ، وهذا التسارع فى دوران القمر فى المستقبل سوف يؤدى إلي انشقاق القمر ويمكن ادراك ذلك بحقيقتين :

أ ـ زيادة سرعة دوران القمر حول نفسه فى المستقبل سوف تؤدى إلى تغلب القوة الطاردة المركزية على أجزاء القمر المتماسكة فينشق القمر ويتفتت ، كما

٦٨

يتفتت الشيء عند ما يدور بسرعة فى الخلاط الكهربائى.

ب ـ زيادة سرعة دوران القمر حول الأرض سوف تؤدي إلى ابتعاد القمر عن الأرض ، ثم اقترابه منها تدريجيا وخاصة عند ما يصل يوم الأرض إلى حوالى (٤٣ ساعة) حيث سيقترب القمر من الأرض اقترابا يجعل الفرق فى تأثير جذب الأرض على الجزءين القريب والبعيد من القمر كافيا لشق القمر شيئا فشيئا ، وصدق الله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (٢) (القمر)

ولقد حدث انشقاق فى الماضى أيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكده رواد الفضاء الذين هبطوا على القمر ، وثبت هذا الحدث تاريخيا ، وثبت على نحو ما رواه البخارى :

«انشق القمر ونحن مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بمنى فقال : اشهدوا وهو حادث واجه به القرآن مشركى مكة فى حينه ، ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه فهو بذلك وقع بصورة يتعذر معها التكذيب غير أنه روى عنهم أنهم قالوا (سحرنا محمد) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكنهم أنفسهم اختبروا الأمر فعرفوا أنه ليس سحرا حيث سألوا آخرين قادمين من السفر فأخبروهم أنهم رأوا القمر منشقا ، ورغم ذلك قالوا هذا سحر فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية.

حركة القمر حول الأرض :

يدور القمر حول الأرض فى مسار دائرى تقريبا نصف قطره ٠٠٠ ، ٤٠٠ كيلومتر ، فيتأثر بقوة طاردة مركزية تعادل قوة جذب الأرض للقمر.

ويتم القمر دورة كاملة حول الأرض حسب التقويم العربى فى زمن قدره ٢٩ يوم ، و ١٢ ساعة ، و ٤٤ دقيقة ، و ٣٨ ثانية ، وهى طول الشهر العربى.

ونحن لا نرى سوى وجه واحد للقمر ، وذلك لأن القمر يدور حول نفسه فى نفس الفترة التى يدور فيها حول الأرض.

والقمر ليس مضيئا بذاته ولكنه يعكس أشعة الشمس ، أما الشمس فهى تضيء

٦٩

ذاتيا بسبب توهجها ، انظر إلى الدقة العلمية فى قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (يونس)

(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) (١٦) (نوح)

ولهذا فإن الشمس هى السراج المتوهج ، وهى مصدر الضياء ، أما القمر فهو يعكس ضوء الشمس فيصبح للناظرين منيرا بالانعكاس ، وهذا هو الفرق بين الضياء والنور.

منازل أو أطوار أوجه القمر :

من أهم الظواهر التى تطالعنا كل ليلة بشكل جديد حسب موقع القمر من الأرض والشمس أثناء دورانه حول الأرض خلال الشهر القمرى حيث يظهر القمر كهلال فتحته نحو اليسار عند الأفق الغربى (القمر والشمس يكونان غرب الأرض) ، ثم يتدرج الجزء الظاهر من القمر أو الهلال فى الكبر مع دوران القمر حول الأرض ويصبح ما يسمى بالتربيع الأول بعد سبعة أيام ، ثم يتدرج حتى يصبح بدرا كاملا عند ما تكون الأرض بين القمر والشمس ، وفى خط واحد تقريبا بعد سبعة أيام أخرى ، ثم يستمر القمر فى دورانه فيكون التربيع الثانى فى نهاية الأسبوع الثالث ، ثم يظهر كهلال فتحته نحو اليمين فى الأفق الشرقى عند الفجر فى نهاية الأسبوع الرابع من بداية الدورة حول الأرض ، ثم يأتى طور الاختفاء أو المحاق حين يختفى القمر لمدة يوم أو أكثر ، ويظهر كهلال جديد مرة أخرى فى الأفق الغربى وهكذا.

واليوم فى التقويم الهجرى يبدأ من غروب الشمس وينتهى بغروبها ، لهذا يجب أن يولد الهلال قبل الغروب ، ويغرب بعد غروب الشمس بفترة كافية ليكون ذلك أول الشهر العربى وتتم رؤيته فى الأفق الغربى.

أما البدر الكامل فيكون ليلة الرابع عشر من الشهر القمرى وتكون الأرض بين الشمس والقمر وكلها فى خط واحد تقريبا.

٧٠

وبهذا تكون الشمس مواجهة لوجه القمر فيظهر لنا قرصا كامل الاستدارة أى بدرا كاملا ، وقد يحدث فى هذه الحالة خسوف للقمر عند ما يتطابق مدار الأرض مع مدار القمر.

وعند ما يتم القمر دورة كاملة حول الأرض ويقع عندئذ بين الشمس والقمر ، ويكون نصفه المواجه للشمس مضيئا ، بينما نصفه المواجه للأرض معتما أى المحاق آخر الشهر.

وقد يحدث الكسوف الكلى للشمس إذا تطابق مدار الشمس الظاهرى مع مدار القمر فى هذه الفترة ، ويمكن تلخيص منازل القمر كما يلى خلال شهر عربى كامل.

الهلال الجديد فى الأفق الغربى ـ التربيع الأول ـ البدر ـ التربيع الثانى ـ الهلال فى الأفق الشرقى ـ المحاق ، وصدق الله العظيم : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣٩) (يس)

والعرجون القديم : هى السباطة اليابسة الجافة وهذه إشارة إلى منازل القمر من جهة ، وإلى عدم وجود حياة على القمر من جهة أخرى.

وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٥) (يونس)

وتحديد موعد الهلال عملية هامة للمسلمين حيث أنها مواقيت للناس والحج وبداية الشهور خاصة شهر رمضان المبارك ، وشهر ذى الحجة حيث التاسع منه موعد الوقوف بعرفة ، والعاشر هو أول أيام عيد الأضحى المبارك.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ...) (١٨٩) (البقرة)

والسنة فى التقويم القمرى (الهجرى) اثنا عشر شهرا كما نص على ذلك القرآن الكريم.

٧١

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) (٣٦) (التوبة)

طول الشهر القمرى ٢٩ يوم ، و ١٢ ساعة ، و ٤٤ دقيقة ، و ٣٨ ثانية ، أى أن الشهر تقريبا ٥ ، ٢٩ يوم ، ولذلك فهو شهر مدته ثلاثون يوما وآخر تسعة وعشرون يوما ، أى أن السنة الهجرية تعادل ٥ ، ٢٩ * ١٢ ٣٥٤ يوما ، وذلك بإهمال الدقائق والثوانى.

فالدقائق تعطينا ١١ يوما كل ٣٠ سنة ، والثوانى المهملة تعطى يوما كل ٢٥٠٠ سنة ، والفرق بين السنة الهجرية والسنة الشمسية ٢٥ ، ١١ يوم تقريبا إذ أن السنة الشمسية تعادل ٢٤٢ ، ٣٦٥ يوما.

وكل ٣٠٠ سنة ميلادية (شمسية) تزيد عن نظيرتها الهجرية (القمرية) ٣٢٦٥ يوما ، أى ما يعادل تقريبا ٩ سنوات ، أى أن كل ٣٠٠ سنة شمسية (ميلادية) تعادل ٣٠٩ سنة هجرية (قمرية) تقريبا ، ويذكر القرآن الكريم أن أهل الكهف لبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنة ميلادية حيث كان التقويم فى بلادهم تقويما شمسيا ، ولكن الحساب أيام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسنة القمرية (الهجرية) يعادل ٣٠٩ سنة.

(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (٢٥) (الكهف)

الهبوط على سطح القمر :

هبط رواد الفضاء الأمريكيين على سطح القمر يوليو ١٩٦٩ فى رحلات أبوللو ، واستخدم للصعود إلى القمر صواريخ متعددة المراحل فالصاروخ (ساتيرن ٥) ذى طوابق ثلاث ركبت فوقها سفينة الفضاء ، والجزء الأعلى منها القابل للانفصال يسمى الكبسولة أبوللو ، فعند اشعال محركات الطابق الأول يبدأ في الانطلاق ويستمر الطابق الأول في العمل دقيقتين ونصف دقيقة ، على حين يستمر الطابق الثانى ست دقائق ونصف دقيقة ، وينفصل كل بدوره ويسقطان فى البحر أو على الأرض.

٧٢

أما فيما يتعلق بالطابق الثالث فإنه مكلف بوضع السفينة القمرية فى مدار منخفض يقع على بعد مئات الكيلومترات من الأرض تدور سفينة الفضاء دورة ونصف دورة حول الأرض فى ساعتين ونصف ، ثم يقوم الفنيون على الأرض بتشغيل الطابق الثالث من الصاروخ (ساتيرن) فيعمل لمدة ٦ دقائق فيخرج من مجال الجاذبية الأرضية ثم يحدث الانفصال وتواصل السفينة المتحررة طريقها نحو القمر وتتخذ مدارها حول القمر ، وللذهاب إلى القمر ينتقل ملاحان أو ثلاثة إلى مركبة أصغر كثيرا لتهبط برفق على سطح القمر ، وصدق الله العظيم بقوله تعالى : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) (٢١) (الانشقاق)

دراسة سطح القمر :

جمع رواد الفضاء الأمريكيين فى رحلات أبوللو من تربة القمر ، وكذلك العينات التى أحضرتها سفينة الفضاء الروسية (لونا ١٦) ، هذه العينات بينت أن سطح القمر صلب مغطى بطبقة خفيفة من التراب ، وصخوره رمادية تحتوى على نسبة عالية من البلورات والكرات الزجاجية ، وأن زجاج القمر على هيئة قضبان وكرات لامعة من المحتمل أن تكون قد تشكلت عند ما ضربت الأحجار النيزكية الهائلة على سطح القمر ، يقول الله تعالى فى سورة النور :

(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣٥) (النور)

المشكاة هى الفجوة المظلمة التى لا نور منها أى : الكوة التى يستخدمها الفلاحون لوضع المصباح فى الجوار.

والسماء مكان مظلم بعد مغادرة الغلاف الأرضى ، وهذا ما شاهده رواد الفضاء

٧٣

فالسماء حالكة الظلام رغم بزوغ الشمس والنجوم والأقمار والمشكاة فيها مصباح والمصباح فى زجاجة.

يقول الله تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ ..) (٥) (الملك)

وبسمائنا الدنيا مصابيح كثيرة فأى المصابيح نختار فسبحانه تعالى يصف المصباح فى سورة النور بأنه فى زجاجة وهذه الزجاجة لا تتقد ولكنها تبدو متلألئة كأنها كوكب درى لا يضئ بذاته ولكنه يعكس ما يسقط عليه من ضوء منبعث من شجرة مباركة فما هو هذا المصباح فى زجاجة؟

وما هى هذه الشجرة المباركة التى تمد المصباح بالضوء؟

المصباح هو القمر لأن القمر كالمصباح المغلف بالزجاج ، والذى ثبت علميا من نتائج تحليل صخور القمر أن الغلاف السطحى للقمر يحتوى على نسبة عالية من الزجاج.

أى أن المصباح المشار إليه فى الآية هو القمر ، فسطح القمر منير وسط ظلام دامس أى سماء سوداء حالكة ، وسطح القمر به نسبة عالية من الزجاج (المصباح فى زجاجة) ، الزجاجة كأنها كوكب درى ، أى أن الزجاجة التى تمثل الغلاف السطحى للقمر ليست كوكبا وهى حقا كذلك ، فالقمر تابع لكوكب الأرض وبذلك فهى كالكوكب الدرى المتلألئ الذى لا يضيء بذاته ولكنه يستمد الضوء من مصدر آخر ثم يعكسه إلينا.

(يوقد من شجرة مباركة) فالشمس هى شجرة الطاقة لأن جميع أنواع الطاقات على سطح الأرض مستمدة كلها من الشمس مهما اختلفت مصادرها فطاقة الرياح ومساقط المياه والخشب والفحم والبترول أصلها نباتات أو حيوانات قديمة نمت بتأثير الطاقة الشمسية وكذلك الطاقة الكهربائية.

والشجرة المباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، فالشمس تشبه الزيتونة فى شكلها الكروى ، والشمس ليست فى الشرق أو الغرب ، وهذه حقيقة علمية اكتشفها العلم الحديث لأنها عند ما تظهر فى الشرق صباحا ، وفى الغرب مساء

٧٤

ذلك ناتج عن دوران الأرض حول نفسها من الغرب إلى الشرق ، أى أن حركة الشمس من الشرق إلى الغرب حركة ظاهرية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.

والشمس تضيء ذاتيا دون أن يمسسها نار لأن طاقة الشمس تنتج على هيئة إشعاعات تتولد بالاندماج النووى للهيدروجين الموجود فى باطنها وليس باحتراق مادتها لأنها لو كانت تحترق بالنار لكان عمرها ٤٦٠٠ سنة فقط ، وبهذا تنطبق جميع أوصاف الشجرة المباركة فى آية النور على الشمس.

* * *

٧٥

غزو الفضاء

بدأ غزو الفضاء فى الساعة الواحدة و ٣٩ دقيقة من يوم ١٢ إبريل سنة ١٩٦١ ، عند ما قام (يورى جاجارين) بأول رحلة فضائية للدوران حول الأرض ، وبعد ذلك بأقل من شهر فى ٥ مايو سنة ١٩٦١ ، ارتفع الأمريكى (آلان شيبارد) فى الفضاء لمدة ١٥ دقيقة.

كانت رحلة (جاجارين وشيبارد) بداية مرحلة الانطلاق لغز والفضاء.

وفى بداية عصر الفضاء كان من الضرورى أن تكون المركبة الفضائية أو القمر الصناعى أقل ما يمكن حجما ووزنا ، وكان رواد الفضاء لا يستطيعون مغادرة مقاعدهم لضيق المكان ، على أن الجلوس طويلا فى الفضاء ليس مرهقا كما هو على الأرض لأن رائد الفضاء يكون فى حالة انعدام وزن.

وكذلك فإن موضوع الغذاء كان يولد مشاكل كثيرة أولها أن الماء لا يسيل كما يجب أن تكون المواد الغذائية بكتل صغيرة مصمتة حتى لا تتفتت لأن الفتات يسبح فى كل مكان داخل السفينة فيتعرض رجال الفضاء لاستنشاقها ، ولذلك ابتكر نظام خاص للتغذية بالرضاعات أما الافرازات العضوية فتتم بواسطة أكياس محكمة الغلق.

كانت هذه هى البداية ثم أصبحت رحلات الفضاء بعد ذلك تتم فى سفن فضائية كبيرة تتسع لأكثر من رائد وأصبحت المدة التى يقضيها رواد الفضاء فى السفن الفضائية تمتد لشهور ، كما أمكن إرسال رواد الفضاء للهبوط على سطح القمر فى الأقمار الصناعية الأمريكية ، أما الروس فانزلوا عربات على القمر ، كما أرسل الأمريكان مع رواد الفضاء عربات تسير على سطح القمر لتجمع عينات من تراب وصخور القمر.

كما أرسلت سفن الفضاء لاستكشاف كواكب المجموعة الشمسية إلى الزهرة والمريخ والمشترى.

٧٦

ولو تأملنا بلغة العصر الذى نعيش فيه الآن والمسمى عصر الفضاء ما تنطوى عليه الآيات التالية لا تضح لنا إعجاز القرآن ، وكشفه عن هذا الحدث العظيم فى قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) (٢١) (الانشقاق)

حيث وجهت الآية الأولى نظر الإنسان إلى الشفق بالقسم قسما مؤكدا بحمرة الأفق بعد الغروب ، وما يحتويه الشفق من حقائق فى علم الضوء من تحليل وانعكاس وانكسار وتشتت.

أما الآية الثانية فهى تلفت النظر إلى النجوم وظلام الليل ، وإلى القمر عند ما يتسق أى عند ما تكتمل أبحاثنا عنه ونعرف كل ما يتعلق به من حقائق علمية أو يكتمل نوره وجماله ، وعندئذ يؤكد القرآن الكريم سفر الإنسان إلى القمر بركوب طبق عن طبق (الصواريخ متعددة المراحل).

كما يخترق الصاروخ طبقات الغلاف الجوى المختلفة مثل طبقات التروبوسفير والستراتوسفير ، والأيونوسفير ، والإكسوسفير حتى ينفذ من جو الأرض متجها نحو القمر.

لقد قال (جاجارين الروسى) أول من دار حول الأرض فى الفضاء ١٩٦١ ، قال بوقاحة وكفر وإلحاد : لقد ذهب صاروخنا للفضاء ولم يتشرف بلقاء إلهكم. وعند ما سألوه ما ذا رأيت فى السماء؟ قال : لقد كان الفضاء مظلما رغم بزوغ الشمس في السماء ، لقد قتل هذا الملحد فى حادث طائرة.

وقد أشار القرآن الكريم إلى ظلمة الفضاء الكونى بقوله تعالى : (لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (١٥) (الحجر)

ولم يقتصر القرآن فى الإشارة إلى غزو الفضاء عند هذا الحد بل أشار إلى

٧٧

الصعوبات التى سيواجهها الإنسان إذا توغل فى أعماق الفضاء وذلك كما فى قوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) (٣٥) (الرحمن)

وكل محاولات غزو الفضاء حتى الآن داخل مجموعتنا الشمسية والتى هى جزء ضئيل جدا جدا من مجرة من بلايين المجرات فى هذا الكون الهائل.

ولا شك أن هناك مصاعب كثيرة تعترض النفاذ فى الفضاء ففضلا عن المشاكل العادية كانعدام الوزن وتغيير الجاذبية والإشعاعات الخطيرة المنتشرة فى الفضاء أو أحزمة فإن ألن الإشعاعية ومشاكل الطعام والنوم التى يتعرض لها رائد الفضاء كلما طالت الرحلة فإن هناك مصاعب أخري خطيرة :

١ ـ احتمال الاصطدام بنيزك كبير خاصة فى منطقة الكويكبات.

٢ ـ انتشار الأشعة الكونية الخطيرة جدا على رواد الفضاء حيث أن طاقتها هائلة.

٣ ـ يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران. هذه الآية قمة الإعجاز العلمى التى سبق القرآن ما توصل إليه العلم حديثا جدا فقذف النحاس بالبروتونات السريعة فى المعامل النووية ينتج البروتون السالب (البروتون المضاد) أى المادة المضادة ، وحيث أن البروتونات السريعة والنحاس (شواظ النار والنحاس) متوافران فى الأشعة الكونية فإن احتمال تولد البروتون المضاد (السالب) فى الفضاء الكونى قائم ، وعند تلاقى البروتون الموجب والبروتون السالب يحدث فناء للمادة وتنتج طاقة هائلة ، ومعنى هذا أن سفينة الفضاء بمن فيها معرضان للفناء.

وصدق الله تعالى بقوله فى سورة الجن : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) (٩) (الجن)

٧٨

وصدق الله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٤) (الحديد)

وهذا يشير إلى معرفة الله بجميع الاشعاعات المخبوءة فى السموات والأرض ، ويشير إلى إحاطة الله بتحركات الإنسان فى الفضاء والأرض.

فوائد غزو الفضاء :

١ ـ التعرف على شكل الأرض الكروى بتصويرها من الفضاء ، وقياس جاذبيتها على ارتفاعات مختلفة.

٢ ـ التعرف على حزام (فان ألن) الإشعاعى الخطير الذى يحيط بالأرض بعد غلافها الجوى الأيونى.

٣ ـ التعرف على الكواكب والأقمار الطبيعية قبل إرسال المركبات إليها.

٤ ـ التعرف علي مصادر الأشعة السينية وچاما والأشعة الكونية ومحتوياتها.

٥ ـ التعرف على مصادر الثروات الطبيعية والتجسس على المواقع العسكرية بأقمار الاستشعار عن بعد.

٦ ـ استخدام الأقمار الصناعية فى إرسال واستقبال موجات الراديو والتليفزيون عبر جميع أنحاء الكرة الأرضية.

٧ ـ دراسة الحالة الجوية والمجال المغناطيسى للأرض.

٨ ـ ارسال معلومات قيمة عن كواكب المجموعة الشمسية وأقمارها.

٩ ـ خدمت أبحاث الفضاء مجالات أخري كثيرة كتطوير وسائل الطاقة ، وطب الفضاء ، والأبحاث البيولوجية ، والأجهزة الإلكترونية وتصغيرها باستخدام الترانزستور ، وصناعة مواد جديدة تقاوم الضغط والحرارة والإجهاد والصدأ لاستخدامها فى سفن الفضاء.

* * *

٧٩

ظهور الإنسان

على سطح الأرض

يقول الله تعالى فى كتابه العزيز : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٤) (التين)

وسبحان الله العظيم الذى ميز الإنسان بالعقل فجعله سيدا على جميع المخلوقات من نبات وحيوان وسخرها جميعا لخدمته.

لقد خلق الله الإنسان وجعله خليفته فى الأرض : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ..) (٣٠) (البقرة)

الإنسان مكون من جسد وروح ، وقد أثبت العلم الحديث أن جسم الإنسان متوسط الوزن يتكون من ٦٣ خ أكسجين ، ١٠ خ هيدروجين ، ٢٠ خ كربون ، ٣ خ نتروجين ، ٨ ، ١ خ كالسيوم ، ١ خ فوسفور ، وكميات ضئيلة من البوتاسيوم والصوديوم والنحاس والكبريت والماغنسيوم والمنجنيز والكلور والحديد واليود.

وهذه العناصر كلها من عناصر الأرض ، وهذه العناصر توجد على هيئة مركبات باستثناء مقادير صغيرة على هيئة عناصر فيتكون جسم الإنسان من ٦٧ خ ماء ، ١٥ خ بروتين ، ١٢ خ دهون ، ١ خ كربوهيدرات ، ٥ خ رماد يحتوى على عناصر معدنية وأملاح.

وبهذا يتضح أن الماء يأتى فى مقدمة المركبات الداخلة فى تركيب جسم الإنسان ، والماء لازم لحدوث جميع التفاعلات والتحولات الحيوية ، وصدق الله العظيم : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ...) (٣٠) (الأنبياء)

يقول الله تعالى : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (٧٢) (ص)

٨٠