الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مع الله في السماء

سعيد صلاح الفيومي

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مع الله في السماء

المؤلف:

سعيد صلاح الفيومي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة القدسي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٢

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إلى هؤلاء الذين يدعون أن القرآن الكريم من تأليف البشر ، أى بشر يستطيع أن يأتى بأهم الحقائق العلمية الكونية قبل معرفتها بأكثر من ألف سنة ، وهو مجرد من كل وسائل العلم والمعرفة إلا إذا كانت هذه الحقائق وحيا من عند الله خالق الكون ومنزل القرآن الكريم.

إن المعجزات التى جاءت على يد سيدنا موسى ، وسيدنا عيسى ـ عليهما‌السلام ـ لم يراها إلا القليل من البشر فى عصرهما ، وكان من الممكن اعتبار هذه المعجزات مجرد أساطير كأسطورة إيزيس وأوزوريس.

هل كان أوزوريس هو تحوير لنبى الله إدريس؟

أما معجزة الإسلام ومعجزة سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهى القرآن الكريم.

لقد ذهبت المعجزات كلها وبقى القرآن الكريم ، وتغيرت الكتب السماوية وحرفت ولم يتغير ولم يحرف القرآن الكريم.

وعلى أى حال فالقرآن معنا ومع العلم والعلماء لمن شاء أن يبحث ويفحص ، وصدق قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢) (البقرة)

وقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩) (البقرة)

وقوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) (١) (الكهف)

لقد توصل المستشرق الفرنسى الطبيب موريس بوكاى إلى الحقيقة الخالدة وهى دين الإسلام والقرآن ، لأن الكتب المقدسة الأخرى قد حورت نصوصها فعجزت عن

٣

الوقوف أمام العلم الحديث وأمام الإلحاد المادى المعاصر ، بينما القرآن هو بالتأكيد يعتبر الوحى الصادق من الله.

كيف يفسر الملحدون ورود مئات الآيات فى القرآن الكريم تشير إلى حقائق كونية عديدة بعضها لم يكشف عنها العلم إلا فى السنوات الأخيرة مثل غزو الفضاء ، ووصول الإنسان للقمر ، والذرة والنسبية والجاذبية ، ونشأة الكون وتمدده ونهايته وانشقاق القمر وتكور الشمس ، وكروية الأرض وتعدد الشموس والأقمار ، وتباعد النجوم وجريانها واحتمالات الحياة على الكواكب الأخرى ، وحركة الأرض والطبيعة الجوية ، وغير ذلك من حقائق كونية يلهث العلم وراء الكشف عنها.

فهل يستطيع نبى الإسلام سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينطق بهذه الآيات فى عصر الجاهلية وهو مجرد من كل الوسائل العلمية الحديثة والمشاهدات والخبرات إلا إذا كانت هذه الحقائق العلمية وحيا نزل عليه من خالق الكون.

لقد قال نيوتن عن قانونه فى الجاذبية :

إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس وهى تؤثر على مادة أخرى مع أنه لا توجد أى علاقة بينهما.

قانون نيوتن للجاذبية : «بين كل جسمين ماديين (كتلتين) قوة تجاذب تتناسب طرديا مع كتلتيهما وعكسيا مع مربع المسافة بينهما».

وقال : هذا هو أسلوب الله فى العمل ، فالله يجرى مشيئته فى الكون بواسطة أسباب وعلل.

إن الإعجاز العلمى للقرآن طريق مباشر إلى الله ...

سعيد صلاح الفيومى

٤

نشأة الكون

الكون كتاب الله المفتوح ، والقرآن كتاب الله المقروء ، والله سبحانه وتعالى يدعونا إلى النظر والتدبر والدراسة لمعرفة الظواهر الكونية ، ونشأة الكون لندرك ما فى آياته من إعجاز ، وما فى مخلوقاته من إبداع ، ونتعرف على وجود الله وقدرته ووحدانيته.

قال تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (العنكبوت)

نلاحظ أن الآية لم تقل سيروا على الأرض لأن الغلاف الجوى الذى يمتد مئات الكيلومترات هو جزء من الأرض ، ونحن نسير على سطح الأرض وفوقنا الغلاف الجوى أى أننا نسير فى الأرض.

وهذه الآية دعوة صريحة للسير فى الأرض لنكشف عن نشأة الخلق.

ولقد وعدنا الله سبحانه وتعالى بأنه سيرينا من آياته العلمية ما يهدينا إلى الإيمان به.

قال سبحانه : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (٥٣) (فصلت)

كما سيوضح سبحانه وتعالى أن خلق الكون أمر عظيم بقوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) (غافر)

والبحث العلمى فى نشأة الكون سوف يواجهنا بسؤال هام لا بد من الإجابة عليه ، قبل الدخول فى الموضوع وهو هل الكون أزلى أم له بداية؟

لقد أثبت العلم الحديث بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا بل له بداية.

٥

والدليل أن العناصر المشعة كاليورانيوم والراديوم وغيرها تدل على أن للكون بداية ، فهذه العناصر المشعة تتحلل تدريجيا ، ولكل عنصر مشع فترة محدودة يفقد فيها نصف طاقته الإشعاعية ، ويستمر هذا الانحلال فلو كان الكون أزليا لما وجدت هذه العناصر المشعة لأن انحلالها سيكون قد انتهى.

فعلى سبيل المثال لو بدأنا بجرام من الراديوم فبعد مرور ١٦٠٠ سنة يصبح نصف جرام ، والنصف الآخر تحلل إلى عناصر أخرى ، ثم بعد ١٦٠٠ سنة أخرى يصبح ربع جرام ثم يمر نفس الفترة ثمن جرام وهكذا.

وجرام اليورانيوم بعد ٤٧٠٠ مليون سنة يصبح نصف جرام وهكذا.

وعن طريق هذه العناصر المشعة أمكن حساب عمر الأرض.

كما يمكن تحديد عمر الكون باستخدام ظاهرة اتساع الكون ، فالكون ثبت بالدليل القاطع أنه يتمدد ويتسع ، وكما ذكر القرآن الكريم : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (٤٧) (الذاريات) بأيد أى بقوة ، وهاتان الظاهرتان تدلان على أن هناك لحظة معينة بدأ فيها هذا الكون.

وبهذا فقد توصل العلم الحديث دون قصد إلى أن لهذا الكون بداية ، وهذه الحقيقة تثبت وجود الله لأن ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ بنفسه ، ولا بد من مبدئ أو محرك أول وهو الله الحى القيوم.

وحيث أن للكون نشأة فكيف نشأ ، ومتى بدأ ، وكيف استمر.

نظرية الانفجار الكبير (بيج بانج)

بدأ الكون بفضاء هائل مملوء بالبروتونات (أنوية ذات الهيدروجين) التى انضمت إلى بعضها البعض بفعل الجاذبية مكونة غازا كثيفا أو دخانا ساخنا مكونة كتلة عظمى متماسكة عالية الكثافة (كتلة السم المكعب الواحد مائة مليون طن).

٦

وكانت هذه الكتلة ساخنة جدا تصل درجة حرارتها إلى بلايين الدرجات ، وقطرها حوالى ٣٠٠ كيلومتر ، وتسمى البيضة الكونية ، وأن هذه البيضة انفجرت عند نشأة الكون انفجارا هائلا فتكونت بذلك نوايا النجوم التى تبعثرت بسرعة عالية فى جميع الاتجاهات ، وتجمعت مجاميع من النجوم بالجاذبية فتكونت المجرات التى ما زالت تجرى فى الفضاء مبتعدة عن بعضها (تمدد الكون) وقد تحقق فعلا قياس تمدد الكون مما يؤيد نظرية الانفجار الكبير.

ويشير القرآن الكريم إلى نشأة الكون فى آيات كريمة تؤيد فكرة الدخان والانفجار وتمدد الكون فى قوله تعالى :

(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ..) (١١) (فصلت)

وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) (٣٠) (الأنبياء)

وقوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (٤٧) (الذاريات)

فالآية الأولى تشير إلى وجود كتلة غازية ذات ذرات أو جزيئات دخان ، فالدخان عموما يتكون من قوام غازى تعلق به جزيئات دقيقة ، والآية الثانية تشير إلى عملية الفتق للكتلة الفريدة الأولى التى كانت عناصرها ملتحمة (الرتق) ، والآية الثالثة تشير إلى اتساع الكون وتمدده.

مراحل خلق الكون :

يعطينا العلم معلومات عن العصر الذى وقعت فيه الأحداث المذكورة سابقا ، فعمر مجرتنا يقدر بحوالى ١٠ مليارات سنة ، ولحظة الانفجار الكبير مقدرة بحوالى ستة عشر مليار سنة.

وتكون النظام الشمسى الذى هو جزء من مجرتنا قد وقع بأكثر قليلا من ٥ مليار سنة ، ودراسة الإشعاع الذاتى الطبيعى للعناصر المشعة على أرضنا تقدر عمر الأرض ولحظة تكون الشمس بحوالى ٥ ، ٤ مليار سنة بتحديد تقريبى يقل عن ١٠٠

٧

مليون سنة حسب تقدير بعض العلماء ، ونسبة الخطأ فى المائة مليون سنة إلى ٥ ، ٤ بليون سنة ٢ ، ٢ خ (المليار أو البليون يعادل ١٠٠٠ مليون).

ومن المعروف علميا أن الكون قد تم تشكيله على مراحل تمتد إلى فترات زمنية طويلة لم يستطع العلم تحديدها.

والأرض والتى عمرها حوالى ٤٥٠٠ مليون سنة قد مرت خلال هذه المدة بأربعة حقب چيولوچية أوضحتها الدراسات الحفرية والجيولوجية.

وقد ذكر القرآن الكريم فى كثير من آياته خلق الكون فى ستة أيام كما فى قوله سبحانه وتعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) (٣٨) (ق)

أى أن الله سبحانه وتعالى لم يتعب ولم يستريح كما تذكر التوراة.

وقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ...) (٥٤) (الأعراف)

وكلمة اليوم تأتى في القرآن بعدة معانى ، فقوله تعالى فى كفارة اليمين : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ ...) (٨٩) (المائدة)

وتأتى بمعنى طور من أطوار الخلق ، والتكوين والتدبير والحركة مثل قوله تعالى : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٤٧) (الحج)

(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٤) (المعارج)

فاليوم قد يكون طور من الأطوار قد يمتد عشرات الآلاف من السنين أو الملايين أو البلايين من السنين.

والزمن فى القرآن الكريم نسبى وليس مطلقا ، وهذا يتفق مع النظرة العلمية الحديثة التى اكتشفها أينشتين فى النظرية النسبية الخاصة.

٨

والتعبير القرآنى ستة أيام (أطوار) من الأحقاب الستة التى خلق الله فيها السماوات والأرض ، وقد ورد فى أطوار ستة فصلتها الآيات ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٢ من سورة فصلت.

(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٩) (فصلت)

إشارة إلى طورى انفصال الأرض عن الشمس ، وتجمد القشرة الأرضية بالبرودة التدريجية.

وقوله تعالى فى (الآية ١٠) : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) (١٠) (فصلت)

وهذه إشارة إلى طور ثالث يعبر عن تكوين الجبال الرسوبية على شواطئ البحار بقوله : (من فوقها) ، وهذا يستتبع خلق الأنهار التى تحمل الرواسب ، وتنشر البركات بمياهها اللازمة للحياة بجميع أشكالها إذ لا بركة بلا ماء ولا أنهار بقوله تعالى (وبارك فيها).

أما النوع الآخر من الجبال التى تمتد جذورها فى القشرة الأرضية فقد تكون مع القشرة الأرضية أثناء برودتها فى الطور الثانى بدلالة جمع الأطوار كلها معا فى قوله تعالى (فى أربعة أيام) إشارة إلى الاتصال والتداخل ، وبهذا فإن مجموع الأطوار أربعة آخرها تقدير الأقوات على الأرض (وقدر فيها أقواتها) (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) (فصلت)

ولفظ ثم يعنى زيادة على ذلك لأن السموات والأرض طبقا للآية (كانتا رتقا) ولهذا يمكن اعتبار فترات خلق السموات مصاحبة لخلق الأرض وخاصة أن القرآن لا يحدد ترتيبا فى خلقهما.

(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (١٢) (فصلت)

٩

وهذان يومان أو طوران تم خلق سبع سماوات فيهما فيصبح المجموع الكلى للأيام أو الأطوار الخاصة بخلق الكون ستة أطوار.

المجرات

النجوم أجرام ملتهبة ، وهى أنواع فمنها النجوم العمالقة ، والأقزام ، والنجوم المتوسطة ، ومنها ما فى طور التكوين ، وما هو فى مقتبل العمر ، وما هو فى مرحلة الشباب ، ومنها ما اقترب من نهاية العمر.

وقد توصل العلماء حديثا بالاستعانة بالتلسكوبات الضخمة مثل تلسكوب جبل ويلسون وتلسكوب مونت بالومار فى الولايات المتحدة ، والتلسكوبات اللاسلكية (الراديوية ، والسينية ، والجامية أى التي تستخدم موجات الراديو ، وموجات الأشعة السينية ، وموجات أشعة جاما) من اكتشاف النجوم النابضة ، والسينية والنيوترونية والثقوب السوداء وأشباه النجوم (الكواسارات).

واكتشف الإنسان بذلك أن النجوم تتجمع فى حشد كبير يسمى المجرة ، والمجرة الواحدة تحتوى فى المتوسط على أكثر من مائة مليار نجم بالإضافة إلى كميات هائلة من التراب والغاز الكونى.

وأمكن بواسطة المراصد الحديثة التأكيد من وجود أكثر من ٢ مليار مجرة فى هذا الكون العظيم ، والمسافة بين النجوم داخل المجرة هائلة ، كما أن المجرات تفصلها مسافات هائلة وأنها تتباعد عن بعضها منذ نشأة الكون بالانفجار الكونى العظيم مما يدل على حقيقة علمية تؤكد تمدد الكون.

ومن أمثلة المجرات مجرة سكة التبانة ، أو مجرة اللبن ، أو طريق اللبانة والتى تحتوى على حوالى مائة وخمسون مليار نجم ، وقطر هذه المجرة حوالى ٠٠٠ ، ١٠٠ سنة ضوئية ، السنة الضوئية هى المسافة التى يقطعها الضوء فى سنة ، فبتحويل السنة إلى ثوان ثم ضرب الرقم * ٠٠٠ ، ٣٠٠ ، وهى سرعة الضوء

١٠

٠٠٠ ، ٣٠٠ كم / ث. تنتج قيمة السنة الضوئية وتعادل ٥ ، ٩ مليون مليون كيلومتر (٥ ، ٩ * ١٢١٠ كم) ، ونحن نعيش على كوكب الأرض التابع لنجم الشمس وهو نجم متوسط الحجم يعادل مليون مرة قدر الأرض ، وهذه الشمس هى أحد نجوم مجرة سكة اللبانة ، وتدور الشمس حول مركز المجرة ويلزمها ٢٥٠ مليون سنة لكى تتم دورة كاملة.

ومجرتنا تنتمى إلى مجموعة من المجرات تدعى المجموعة المحلية ، وتتكون من ١٨ مجرة أكبرها مجرة المرأة المسلسلة ، والتى قطرها ٠٠٠ ، ١٣٠ سنة ضوئية ، وتحتوى على ٣٠٠ مليار نجم ، وتبتعد عنا حوالى ٢ مليون سنة ضوئية.

تمدد الكون

توسع الكون هو أعظم ظاهرة اكتشفها العلم الحديث حيث توقعته نظريات الكون واثبتته القياسات الطيفية الحديثة ، حيث لاحظ العالم (أدوين هبل) أمرا عجيبا فقد ظهرت خطوط أطياف المجرات البعيدة مزاحة نحو اللون الأحمر من الطيف بشكل منتظم ودائم ، أى أن جميع أطوال الأمواج القادمة من المجرات قد ازدادت مما يفيد أن هذه المجرات تتباعد عنا طبقا لظاهرة (دوبلر فيزو).

كما اتضح للعالم (هبل) أنه كلما ابتعدت المجرات عنا ازدادت ازاحتها نحو الطيف الأحمر أى ازدادت سرعة تباعدها عنا ، وحدد هبل قيمة ثابتة للتباعد هى ٣٢ ؛ ك / ث ، وقدرت سرعة التباعد بالنسبة لأبعد المجرات المعروفة لنا حاليا ٠٠٠ ، ١٥٠ كم / ث ، كما أن أشباه النجوم تبتعد عنا بسرعة تصل إلى ٩٠ خ من سرعة الضوء.

وأصبح تمدد الكون حقيقة علمية مؤكدة ، وأن الكون مستمر حاليا فى الاتساع ولا يدرى أحد إلى أى مدى سيستمر هذا التوسع ، ولكن العلماء يعتقدون أن أقصى سرعة الارتداد لأى جرم لا يمكن أن تتعدى سرعة الضوء طبقا للنظرية النسبية لأينشتين.

١١

ويعتقد العلماء أن عمر الكون يمكن تقديره بسرعة مبدئية على أساس ظاهرة تمدد الكون بافتراض أن الكون كان فى البداية كتلة واحدة انفجرت فى لحظة معينة انفجارا هائلا (بيج بانج) فإن شظايا هذا الانفجار العظيم أى المجرات سوف تنتشر فى جميع الاتجاهات من مركز الانفجار ، وبالحساب أمكن تقدير عمر الكون على أساس ثابت (هبل) بحوالى ١٠ مليار سنة.

ولكن بعض العلماء يعتقدون أنه عند زيادة الأرصاد فإن ثابت (هبل) قد يصبح أقل مما يعطى عمرا للكون ما بين (١٣ ـ ٢٠) مليار سنة أى المتوسط حوالى ١٦ مليار سنة كما يعتقد العلماء أن الكون سيقف عن التمدد فى المستقبل ، ثم يغير اتجاه انتشاره حيث سينكمش ليعود كما كان متجمعا فى البيضة الكونية فى مكان الانفجار العظيم ، ويوجد بالقرآن الكريم ما يؤيد هذا الاحتمال كما فى قوله تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١٠٤) (الأنبياء)

مشيرا بذلك إلى انكماش الكون يوم القيامة ليعود حيث بدأ ، ولقد حسب أينشتين نصف قطر الكون بحوالى ٣٥ مليار سنة ضوئية ، وما زال يتمدد ويتسع.

(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (٤٧) (الذاريات)

ولفظ بأيد يعنى بقوة ، وموسعون بمعنى جعل الشيء واسعا شاسعا وأكثر رحابة فهل هناك اعجاز علمى أوضح من ذلك؟

إن الكون مترامى الأطراف ويتمدد ويتسع ، ولقد توقع الله سبحانه وتعالى هذا الخلاف فى تقدير عمر الكون واتساعه بقوله تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) (٥١) (الكهف)

وقوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) (غافر)

١٢

وما نعلمه عن الكون ضئيل بالنسبة إلى ما لا نعلمه أو لا نستطيع تعليله أو تعريفه ، وصدق تعالى بقوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) (الإسراء)

النجوم

الشمس نجم متوسط من بلايين البلايين من النجوم التى توجد فى بلايين المجرات فى هذا الكون.

وتتجمع النجوم فى مجموعات تسمى البروج.

(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) (١٦) (الحجر)

تصور القدماء أشكالا معينة لتجمعات آلاف النجوم التى رأوها وأعطوا لهذه الأشكال التى تمثل البروج أسماء ، وقسموها إلى اثنى عشر برجا بعدد شهور السنة ، وهذه البروج هى : (الحمل ـ الثور ـ الجوزاء ـ السرطان ـ الأسد ـ العذراء ـ الميزان ـ العقرب ـ القوس ـ الجدى ـ الدلو ـ الحوت).

والشكل المحفوظ لتجمعات النجوم يستخدم لتوجيه الناس فى البر والبحر ، فالنجم القطبي مثلا يحدد اتجاه الشمال لأنه يوجد تقريبا فى السماء على امتداد محور دوران الأرض جهة الشمال وصدق الله تعالى حين قال : (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (١٦) (النحل)

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (٩٧) (الأنعام)

ولقد استعان العرب بنجم الشعرى فى أسفارهم إلى الشام ، وهو ظاهريا ألمع نجوم السماء بريقا ، وقد ورد ذكر نجم الشعرى فى القرآن الكريم لأن بعض العرب كانوا يعبدونه ، ولهذا يوضح سبحانه وتعالى أنه هو رب وخالق النجوم : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) (٤٩) (النجم)

والشمس أو النجوم أجرام سماوية كروية ، أو شبه كروية ، متوهجة ذاتيا ، درجة حرارتها عالية جدا ، وتشع الضوء المرئى ، وغير المرئى بجميع أنواعه ، ولهذا كان

١٣

الضوء رسول النجوم إلينا ، نتعرف منه بالوسائل الفيزيائية الحديثة على بريق النجوم وقوة إضاءتها ، ودرجة حرارتها ونوعها ، وموقعها وتحركاتها.

أنواع النجوم

ـ نجوم صغيرة فى مرحلة الوفاة تدعى الأقزام الصغيرة.

ـ نجوم عملاقة فى مرحلة الشيخوخة تدعى العمالقة الحمراء.

ـ نجوم نابضة ونجوم راديوية وسينية ونجوم نيوترونية.

ـ نجوم متفجرة تدعى النوفا والسوبر نوفا.

ـ نجوم بالغة الإشعاع والضخامة تدعى الكوازرات أو أشباه النجوم.

ـ نجوم تبتلع كل ما يصادفها تدعى الثقوب السوداء.

ونحن نرى النجوم صغيرة لبعد النجوم عنا ، فبعد الشمس عنا ٥٠٠ ثانية ضوئية (١٥٠ مليون كيلومتر).

وأقرب النجوم بعد الشمس ويدعى ألفا قنطورس ، يبعد عنا ٣ ، ٤ سنة ضوئية ، وهناك من النجوم ما يبعد عنا بلايين السنين الضوئية ، وصدق الله العظيم : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (٧٦) (الواقعة)

فمثلا نجم ألفا قنطورس حين نراه الآن قد وصل إلينا ضوؤه بعد ٣ ، ٤ سنة ، ولأن النجوم متحركة فهذا موقعه منذ ٣ ، ٤ سنة ، أما موقعه الآن فلن نعرفه إلا بعد مرور ٣ ، ٤ سنة.

ولذلك فالقسم بمواقع النجوم قسم عظيم ، لأننا لا نعلم موقع النجم الحقيقى إذ أنه ما نراه الآن هو موقعه من مئات أو آلاف أو ملايين السنين.

* * *

١٤

تطور النجوم ووفاتها

يولد النجم عادة عند ما تتراكم كميات كثيفة من الغاز ، والتراب الكونى البارد من الفضاء الكونى بفعل الجاذبية ، ويظل هذا التراكم مستمر لفترة قد تمتد من (١٠ إلى ٥٠٠) مليون سنة حسب كتلة النجم ، يبدأ بعدها التفاعل النووى لأن ازدياد التراكم يؤدى أولا إلى تقلص النجم نتيجة ازدياد الجاذبية فترتفع درجة الحرارة والضغط فى باطن النجم تماما ، كما ترتفع درجة حرارة غاز وضغطه عند ما ينكمش حجمه ، وتصبح الكرة النجمية متوهجة ذاتيا لتعلن عن ميلاد نجم جديد ، وبهذا يبدأ النجم مرحلة الطفولة.

ويتكون النجم أساسا من غاز الهيدروجين مخلوطا بكمية صغيرة من الهليوم ، وعند ما يتزايد الضغط وترتفع درجة الحرارة إلى ملايين الدرجات فى باطن النجم يبدأ التفاعل النووى الاندماجى حيث يندمج الهيدروجين مكونا هيليوم ، واندماج الهيدروجين لتكوين الهليوم يحدث نقص فى الكتلة يتحول إلي طاقة تنطلق من المركز إلى سطح النجم على هيئة أشعة جاما فيسخن السطح إلى آلاف الدرجات ، ويتوهج وتنطلق منه الطاقة الضوئية المرئية وغير المرئية ، وتتحدد بذلك قوة إضاءة النجم ولون سطحه ويدخل النجم مرحلة الشباب.

وتختلف أنواع النجوم الشابة باختلاف درجة حرارتها السطحية أى باختلاف لونها ، وتختلف درجة الحرارة السطحية للنجوم الشابة من (٣٠٠٠ درجة في النجوم الصغيرة الحمراء إلي ٢٥٠٠٠ درجة في النجوم الكبيرة الزرقاء) وبينهما توجد تصاعديا أنواع النجوم ذات اللون الأصفر البرتقالي ، والأصفر مثل شمسنا ، والأبيض المصفر ، والأبيض والأبيض المزرق.

وبهذا يتضح أن شمسنا نجم شاب متوسط الكتلة ، ودرجة حرارتها السطحية ٦٠٠٠ درجة مئوية.

وتدوم حياة النجوم الشابة بلايين السنين حتى ينتهى الهيدروجين بتحوله إلى

١٥

هيليوم ، وتقف بذلك التفاعلات النووية الاندماجية ، فتتغلب قوة الجاذبية ، ويتقلص القلب فجأة لترتفع درجة الحرارة إلى مئات الملايين ويتحول الهيليوم بتفاعل نووى جديد إلى عناصر أخرى كالكربون والأكسجين ، والنيون والماغنسيوم حتى يصل التحول لعنصر الحديد بالاندماج النووى في قلب النجم ، بينما يكون الغلاف الخارجى للنجم قد تمدد ويصبح النجم عملاقا أحمر ، وهذا ما سيحدث للشمس عند شيخوختها حيث يصل غلافها السطحى وهى عملاق أحمر إلى مستوى السحاب فوق رءوسنا.

وتستمر مرحلة الشيخوخة التى يقضيها النجم كعملاق حوالى ١٠٠ مليون سنة ، يتوقف بعدها إنتاج الطاقة فى باطن النجم ، وعندئذ يحدث أحد الاحتمالات الآتية :

١ ـ ينكمش النجم وترتفع كثافته كما فى النجوم النابضة المتغيرة ، ويستمر الانكماش حوالى مليون سنة ، ثم ينفجر النجم بعدها ، ويصبح نوفا ، ويقذف بطبقته الخارجية فى الفضاء ، ويبقى القلب الذى يصبح قزما أبيض.

وقد يكون الانفجار هائلا ويتحول النجم كله إلى سديم كما فى حالة السوبر نوفا.

٢ ـ قد يتحول النجم إلى قزم أبيض وتمتاز هذه الأقزام بأن مادتها مركزة جدا لدرجة أن كثافتها تصل إلى نصف مليون مرة قدر كثافة الماء.

ويتوقع العلماء أن الشمس سوف تتحول فى شيخوختها إلى عملاق أحمر ثم إلى قزم أبيض قبل وفاتها.

٣ ـ إذا كانت كتلة النجم حوالى ٢ ، ٣ مرة قدر كتلة الشمس فإن النجم يتقلص إلى نجم نيوترونى.

٤ ـ إذا كان التقلص شديدا وكتلة النجم أكبر من ٢ ، ٣ قدر كتلة الشمس فإن النجم يصبح عند وفاته بهذا الانكماش الهائل ثقبا أسود حيث يصبح حجم النجم أصغر من حجمه الأصلى ملايين المرات نتيجة الضغط الهائل والجاذبية الرهيبة ،

١٦

ويمثل الثقب الأسود المقبرة المرعبة فى السماء لأنه يلتهم كل ما حوله حتى الضوء نفسه.

وتمثل مرحلة الأقزام سواء كانت أقزاما بيضاء أو زرقاء أو نجما نيوترونيا ، أو ثقب أسود مرحلة وفاة النجوم ، إن القزم هو مرحلة شيخوخة النجوم ، وهو النهاية التى ينتهى عندها النجم وصدق الله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (٢) (التكوير)

ومعنى كور أى جمع بعضه على بعض ثم لف ، وأما معنى انكدرت أى انحسر ضوؤها مما يعطى معنى الوفاة.

وقوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (١) (النجم)

أى والنجم إذا تقلص على نفسه تقلصا شديدا أدى إلى سقوط مكوناته بالجاذبية لتنضغط إلى قزم أبيض ، أو نجم نيوترونى أو ثقب أسود.

مصير النجوم الميتة

رماد النجوم المتفجرة الميتة هو الدخان الكونى (الغاز والتراب) موجود فى فضاء ما بين النجوم ، ويحدث لهذا الرماد أحد الاحتمالات الآتية :

١ ـ تجمع كثيف للدخان الكونى والتراكم التدريجى لأعلان مولد نجم.

٢ ـ تجمع لتكوين كوكب بارد يتبع نجم.

٣ ـ تكون سدم براقة تنشر ضوءا استقبلته من نجوم أخرى.

هذا هو صنع الله الذى جعل الموت ضروريا للحياة ، وهذه سنة الله فى الأرض والسماء ، وصدق الله تعالى بقوله : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (٢) (الملك)

١٧

النجوم الراديوية

التلسكوبات الضخمة الضوئية مكنت العلماء من رصد عدد من النجوم المرئية ، ولكن الظلام الدامس بين النجوم يحتوى على العديد من الأجرام السماوية التى تشع موجات غير مرئية هى الموجات الراديوية ، وتم الكشف عنها الآن بالتلسكوبات الراديوية.

وهذه النجوم ترجع أمواجها القوية إلى انفجار سوبرنوفا تنتج عنه كمية كبيرة من المادة المشحونة كهربيا ، مما يؤدى إلى ارسال موجات لاسلكية راديوية تدركها التلسكوبات الراديوية التى ساهمت أيضا فى الكشف عن النجوم النيوترونية التى ترسل نبضات راديوية منتظمة يطلق عليها النوابض.

أشبه النجوم (الكوازرات)

هى أشباه نجوم مشعة بالغة الضخامة تقدر كتلتها بما يزيد عن كتلة الشمس مئات المرات ، وتم اكتشافها سنة ١٩٦١ م.

وهذه الكوازرات تعتبر مصادر راديوية قوية ، وتشع طاقة مهولة قد تعادل مليون مليون شمس.

الثقوب السوداء مقابر فى السماء

اكتشف أول ثقب أسود سنة ١٩٧١ م ، وقد توقع وجودها أينشتين.

والثقوب السوداء نجوم ميتة ، انكمشت على نفسها وتقلصت بفعل الجاذبية فانهارت مادتها ، وتراكمت تراكما شديدا مما يجعل جاذبية كل منها تزداد زيادة هائلة لدرجة أن الثقب لا يكتفى بضغط مادته فى جوفه بل إنه يستطيع أن يبتلع أى جرم يقترب منه ، بل ويستطيع أن يجذب إليه جسيمات الضوء (الفوتونات) لأن سرعة الهروب منه أكبر من سرعة الضوء ، ولهذا يبدو الثقب فى السماء جرما أسود ، لا يمكن رصده لأنه لا يسمح للضوء المرئى أو غير المرئي أن يفلت منه فهو حقا مقبرة للمادة والطاقة.

١٨

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ) (٣) (الطارق)

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤) (الطارق)

هذه الآيات القرآنية الكونية ، ولننظر كيف انطبقت كل خواص الثقوب السوداء بحقيقة الألفاظ لا بمجازها ، ودون أى مخالفة للحقيقة الكونية التي توقعها أينشتين فى مطلع هذا القرن ، وتم اكتشافها فى السنوات الأخيرة.

والثقب الأسود هو نجم صغير غير مرئى يستطيع التهام نجم كبير مضيء ، ولا أثر هناك لما يبتلع أو يختفى فى جوف هذا الثقب ، وكل ما نعرفه هو الموجات السينية القادمة من الفضاء الخارجى لتنبئنا باستغاثة بلايين البلايين من أطنان المادة وهى متجه إلى الهوة السحيقة ولا تعلن عن وجودها.

هذه الهوة هى القبر السماوى المعروف بالثقب الأسود حيث تتلاحم الذرات وتضيع الفراغات بينها ، وتختفى الشحنات ، وتصبح المادة فى صورة أخرى حيث تصل كثافتها إلى أكثر من مائة مليون طن للسنتيمتر المكعب ، ولو تخيلنا أن الشمس تتحول إلى ثقب أسود فإن نصف قطرها البالغ ٠٠٠ ، ٧٠٠ كم لا بد أن ينكمش إلى ثلاثة كيلومترات.

* * *

١٩

الشمس

عبدت الشمس منذ أقدم العصور الإنسانية باعتبارها مصدر الضوء والحرارة ، وأساس الحياة ، ولقد نصح الله عباده بقوله تعالى :

(لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ...) (٣٧) (فصلت)

ولقد أقسم الله تعالى بالشمس لأهميتها البالغة بالنسبة لحياتنا نحن البشر و؟؟ خصها بسورة الشمس : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) (٢) (الشمس)

فجميع الطاقات على الأرض مصدرها الشمس ، فالفحم فى الأصل بذرة نمت بتأثير الطاقة الشمسية وتحولت إلى شجرة كبيرة دفنت فى الأرض ، وتحللت وتحولت إلى فحم ، والبترول أصلا كائنات حيوانية تغذت على النباتات التى نمت بتأثير الطاقة الشمسية ، ثم تحللت هذه الكائنات فى باطن الأرض إلى بترول ، وهكذا يمكن تحليل أى طاقة إلى مصدرها الأساسى وهو الشمس فالرياح ومساقط المياه والكهرباء مصدرها الأساسى الشمس.

ما هى الشمس؟

الشمس نجم من بلايين البلايين من النجوم التى تزين هذا الكون ، وقرب الشمس من الأرض هو الذى مكن العلماء من دراسة صفات وخواص سطحها المرئى ، أو غلافها الضوئى (الفوتوسفير) فالشمس تبعد عن الأرض حوالى ١٥٠ مليون كيلومتر ، ويصل ضوؤها إلى الأرض فى ثمان دقائق وثلث.

وقد تكونت الشمس منذ خمسة آلاف مليون سنة ، وكان بداية تكونها من غاز الهيدروجين ، والشمس مثلها كمثل باقى النجوم أشبه بقنبلة هيدروجينية هائلة ، ففي كل ثانية يتحول (٥ مليون طن) من غاز الهيدروجين إلى هيليوم بتفاعل نووى اندماجى ، ويحدث عن هذا التحول نقص فى الكتلة يتحول إلي طاقة هائلة طبقا

٢٠