الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مع الله في السماء

سعيد صلاح الفيومي

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مع الله في السماء

المؤلف:

سعيد صلاح الفيومي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة القدسي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٢

والحديد المنصهر فى باطن الأرض يسبب تولد تيارات كهربائية فى قلب الأرض ، وبهذا ينشأ المجال المغناطيسى لكوكب الأرض ، والذى تشاهد آثاره بالبوصلة على كل نقطة على سطح الأرض ، وأيضا يمتد تأثيره إلى الفضاء المحيط بالأرض حيث يقوم هذا المجال المغناطيسى الأرضى بحبس أكداس من الجسيمات المشحونة الضارة بالإنسان كالأشعة الكونية فى أحزمة اكتشفت حديثا بالقمر الصناعى تدعى أحزمة (فان ألن الإشعاعية) والتى تدور فيها الجسميات الذرية الضارة بعيدا عن الأرض ، وبهذا فإن المجال المغناطيسى للأرض يقيها شر وصول هذه الجسميات إلى سطح الأرض.

درجة الحرارة الداخلية :

تزداد درجة الحرارة كلما تعمقنا داخل الأرض ، وهذه الظاهرة مألوفة لدى العاملين فى المناجم ، ومعدل الزيادة فى درجة الحرارة الجوفية ثابت فسواء كنا عند القطبين أو على خط الاستواء فإن معدل الزيادة درجة مئوية لكل ٣٥ مترا ، ومعني ذلك أننا إذا بدأنا من درجة حرارة ٢٥ ٥ م عند السطح فلا بد أن نصل إلى درجة غليان الماء ١٠٠ ٥ م عند عمق ٤ ، ٢ كيلومتر تحت السطح ، ويفسر ذلك وجود الينابيع الحارة ، ويستمر هذا المعدل إلى عمق ٣٠ كيلومتر حيث تصل درجة الحرارة إلي ١٠٠٠ ٥ م.

والحمم البركانية البازلتية التى تلفظها البراكين من عمق ٦٠ كيلومتر درجة حرارتها ١٢٠٠ ٥ م.

وتدل الحسابات التى أجريت حديثا فى هذا المجال على أن نواة الكرة الأرضية لا يمكن أن ترتفع درجة حرارتها عن ٨٠٠٠ ٥ م.

ومن المحتمل أن تكون درجة الحرارة الجوفية راجعة إلى تفتت العناصر المشعة الموجودة داخل القشرة الأرضية كاليورانيوم والراديوم والثوريوم.

كنوز الأرض :

هناك تحت القشرة الأرضية كنوز المعادن (الفحم والبترول ، والمواد المشعة ، وماء المطر) الذى يختزن فى طبقات غير مسامية مكونة المياه الجوفية.

٤١

عمر الأرض :

قدر عمر البحار والمحيطات بما يزيد على مليار سنة ، ولكن عمر البحار أقل من عمر الأرض لأن الماء لم يستقر على الأرض إلا بعد أن هبطت درجة حرارتها وبردت قشرتها.

وبعد اكتشاف ظاهرة النشاط الإشعاعى وحساب فترة الانحلال الإشعاعى للعناصر المشعة مثل اليورانيوم كانت النتيجة أن عمر الأرض حوالى ٤٥٠٠ كليون سنة منذ أن تصلبت الأرض.

أما فترة تحولها من حالة السيولة إلي حالة الصلابة فهى غير معروفة.

يقول القرآن الكريم : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٥١) (الكهف)

* * *

٤٢

الأنهار والبحيرات

والبحار والمحيطات

الماء هو سبب وجود الحياة على الأرض لأنه لا حياة لنبات أو حيوان أو إنسان بدون الماء ، مصداقا لقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (٣٠) (الأنبياء)

ومساحة الغلاف المائى أكبر من اليابسة بنسبة تقريبية ٧١ خ إلى ٢٩ خ ، وهذه حكمة إلهية لتلطيف مناخ الأرض بتوزيع درجات الحرارة توزيعا عادلا.

ولو لا هذا لأصبحت فروق درجات الحرارة على الأرض هائلة لا تسمح بقيام حياة ، كما أن مقدار الماء على سطح الأرض محسوب ومقدر بالعناية الإلهية وصدق الله العظيم بقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (١٨) (المؤمنون)

وقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢١) (الحجر)

فلو كانت الأرض كرة ملساء لا تعاريج فيها لغطاها الماء بسمك أكثر من ثلاثة كيلومترات.

ولو انصهر الجليد الموجود عند قطبى الأرض لارتفع مستوي مياه البحار والمحيطات وغطى مدنا كثيرة بارتفاع ٦٠ مترا.

الأنهار

مصر هبة النيل ، فالأنهار مصدر خير عظيم بما تحمله من غرين (طمى) خصب جعلت الأرض صالحة للزراعة.

٤٣

ومياه الأنهار مصدر الشرب والرى والأسماك.

ومن أهم أنهار العالم النيل : الذى يبدأ من منطقة مرتفعة عند خط الاستواء ويخترق المنطقة الاستوائية ثم يمر بإثيوبيا ، والسودان ثم يخترق بلاد النوبة إلى مصر ، ويكون الدلتا الخصبة بعد القاهرة ، ويستخدم للرى وتوليد الكهرباء ، ولهذا أقيم عليه السد العالى بأسوان.

والأمازون بأمريكا الجنوبية : الذى يروى منطقة تقدر بسبعة ملايين كيلومتر مربع ، وهو من أغزر بقاع العالم مطرا.

وكذلك من أهم أنهار العالم نهرى المسيسبى والميسورى فى الولايات المتحدة.

ونهر الكنغو فى إفريقيا ونهر الفولجا فى أوروبا الشرقية ونهر الدانوب فى أوروبا الوسطى.

وهناك فى القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى بعض صفات الأنهار الكبيرة عند ما تصب فى البحار والمحيطات.

فهناك ظاهرة تشاهد كثيرا عن عدم الاختلاط الفورى لمياه البحر المالحة بالمياه العذبة للأنهار الكبيرة ، كما يحدث عند دمياط وبعض المجارى النهرية مثل المسيسبى ونهر يانج تسى.

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (٥٣) (الفرقان)

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) (٢٠) (الرحمن)

(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٦١) (النمل)

والمقصود بالبرزخ هو الحد الفاصل الناشئ عن التوتر السطحى بين البحرين العذب والمالح.

وتشير آيات البرزخ إلى عدم اختلاط الملح المتسرب من البحار فى الصخور

٤٤

القريبة من الشاطئ بالماء العذب المتسرب إليها من البر اختلاطا تاما بل إنهما يلتقيان مجرد تلاق يطفو العذب منها فوق الملح كأن بينهما برزخ يمنع بغى أحدهما على الآخر وحجرا محجورا أى حاجزا خفيا مستورا لا نراه.

وهذه الظاهرة ذكرها القرآن الكريم قبل أن يصل إليها العلم بمئات السنين.

البحيرات

البحيرات هى مسطحات من الماء تحيط بها الأرض من كل جانب ، والبحيرات ليست مجرد مسطحات مائية باستثناء عدد قليل منها مثل البحر الميت ، فإنها تحتضن نباتات وحيوانات متنوعة ، وتضم أعماقها من عجائب الدنيا.

ومياه معظم البحيرات شديدة الملوحة ، وملوحتها ناتجة من ركام الصخور التى تكتسحها الأنهار فى طريقها قبل أن تصب فيها ، وكلما زادت درجة التبخر كلما زاد تركيز الملح ، وأحسن الأمثلة على ذلك البحيرة الأسفلية المعروفة باسم البحر الميت ، والتى تشغل حوضا يقل مستوى سطح الماء فيه عن مستوى سطح المحيطات بمقدار ٣٩٢ مترا.

يقول الله تعالى فى كتابه الكريم : (غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (٣) (الروم)

حدثت هذه المعركة بين الفرس والروم قرب بيت المقدس ، وجاءت الخرائط الجيولوجية التى صورت بالأقمار الصناعية لتثبت أن المنطقة التى حدثت فيها المعركة هى أكثر الأماكن انخفاضا على سطح الأرض ، وأدنى : تعنى المكان المنخفض ، وأخفض منطقة في الأرض قرب بيت المقدس بجانب البحر الميت ، ومياه البحر الميت مشبعة بالأملاح المعدنية من كل نوع لدرجة أن الإنسان يستطيع أن يطفو فوقه بسهولة ، ويكاد يكون من المستحيل الغوص فيه.

٤٥

منشأ البحيرات :

بعض مناطق القشرة الأرضية بها شقوق تسمى بالتصدعات ، وإذا تجمعت عدة شقوق فإنها تصبح أشبه بمصرف أو خندق ، وبهذه الطريقة تكونت فى الأزمنة البعيدة بحيرة تنجانيقا بإفريقيا ، وبحيرة ميكال فى سيبيريا.

وبعض أنواع من البحيرات تشغل أحواضا طبيعية تكونت فى القشرة الأرضية حيث تنساب مياه الأمطار نحو المناطق المنخفضة فتغمرها ويتشبع سطحها فيفيض الماء على جوانبها ، ومتى وجدت حفرة كبيرة أو حوض فذلك يكفى لتكوين بحيرة ، وبعض أنواع البحيرات تجمعت مياهها خلف السدود ، ويستطيع السد سواء كان طبيعيا أو صناعيا أن يحجز الماء فوق موضع ما ويكون بحيرة ، وذلك بالحيلولة دون استمرار المجرى المائى أو لتخفيض منسوبه.

وتوجد بعض البحيرات التى من صنع الإنسان مثل بحيرة ناصر التى تكونت لانشاء السد العالى.

والثورات البركانية من مكونات البحيرات ، فعند انتهاء ثورة البركان فإن الصخور والحمم والرماد تسد فوهته الطبيعية ولا يبقى فى أعلاها إلا فوهة مطفأة سرعان ما تمتلئ بالماء مكونة بحيرة ، وبقدر ما تختلف البحيرات من حيث نشأتها وأشكالها فإنها تختلف أيضا من حيث مساحتها ، وأكثر البحيرات اتساعا مما جعلها تسمى البحر مثل بحر قزوين الذى يقع بين روسيا وإيران ويغذيه نهر الفولجا.

وبحيرة فكتوريا إحدى البحيرات العظمى فى شرق إفريقيا.

البحار والمحيطات

ثروات البحار :

تمتلئ مياه البحار من فضل الله بثروات عديدة فهى أولا المصدر الرئيسى لأملاح وأكاسيد معدنية كثيرة مثل ملح الطعام (كلوريد الصوديوم) والذى يستخدم أيضا

٤٦

فى حفظ الأسماك واللحوم ودبغ الجلود وصناعة الصودا الكاوية والأحماض ، وأملاح كلوريد وكبريتات الماغنسيوم الذى يستخرج منهما الماغنسيوم المستخدم فى صناعة الطائرات لخفته وصلابته ، وعمل القنابل المضيئة.

وأملاح البروم واليود المستخدمين فى صناعة الأدوية ، والصبغات ، وأملاح الفسفور والنتروچين التى تمتصهما الكائنات الدقيقة المعروفة بالبلانكتون النباتى ، وهو مصدر الغذاء الرئيسى لسائر أنواع الحياة البحرية كالأسماك.

وهناك ثروات أخرى معدنية كالذهب والماس ، واللؤلؤ ، والمرجان ، ومناجم المنجنيز ، والفسفوريت فى قاع البحر ، وحقول البترول والغاز ، وكذلك الرمال المشعة.

وتستخدم طاقة الأمواج البحرية فى توليد الكهرباء كما يجرى التفكير فى استغلال طاقة المد والجذر.

كما يستخدم ماء البحر كمصدر للماء العذب بإزالة الملوحة بالتقطير أو التجمد الفجائى ، أو بالتحليل الغشائى الكهربى للماء المالح.

أعماق البحار والمحيطات :

أعماق البحار أقل كثيرا من أعماق المحيطات ، فمتوسط العمق فى المحيطات ٤٠٠٠ متر ، وتوجد أماكن فى أغوار المحيطات يصل عمقها إلى ١١ كيلومتر ، كانت أعماق المحيطات تقاس بمجسات طولية ، ثم استخدم السونار وهو جهاز الكشف عن الغواصات عن طريق الصوت حيث يحسب الوقت الذى يستغرقه الصوت فى قطع المسافة بين سطح الماء والغواصة (أو قاع البحر أو المحيط) والوقت الذى يستغرقه صدى الصوت فى قطع رحلة العودة.

وبفضل جهاز السونار أمكن تحديد موضع عدد من البراكين على عمق بضع مئات الأمتار.

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا

٤٧

الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦) (التكوير)

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (٦) (الطور)

البحار سجرت أى : أوقدت فصارت نارا ، والبحر المسجور : الموقد نارا.

لقد ذكر القرآن الكريم وجود هذه البراكين المشتعلة نارا فى أعماق البحار قبل أن يكشف العلم عن هذه الحقيقة بمئات السنين.

وقد استخدمت طريقة أخرى أحدث لقياس الأعماق فى البحار والمحيطات وهى تعتمد على تفجير قنابل مائية تولد هزات أرضية بسيطة ، وتسجيل تغيرات الموجات الممتدة التى تولدها تلك الهزة البسيطة بواسطة جهاز قياس التربة ، وبهذه الطريقة أمكن اكتشاف الثغرات الجيولوجية فى أعماق المحيطات.

وقد تم اكتشاف وجود السلسلة المحيطية وهى سلسلة جبلية هائلة ، وهذه الجبال الفريدة والمتصلة والتى يبلغ طولها أكثر من ٠٠٠ ، ٦٠ كيلومتر تمتد متعرجة وسط كل المحيطات ، وتمتد السلسلة المحيطية حول العالم ، ويتوسطها أخدود عملاق يتراوح عرضه من ١٣ إلى ٥٠ كيلومتر ، ويصل إلى عمق ٢ كيلومتر ، وتتركز حوله معظم الهزات التى تهز قاع المحيط.

وقد استخدمت حديثا غواصات الجيب وتسمى غواصات الأعماق التى مكنت من اكتشاف أعماق البحار ، ومن النزول إلى أعماق تتجاوز ١١ كيلومتر ، وقاع المحيطات يتكون من البازلت.

والجزر التى فى عرض البحار تكاد تكون كلها من مواد بركانية وبازلتية.

وهناك العديد من الآيات فى القرآن الكريم عن المحيطات والبحار والملاحة :

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ..) (٣٢) (إبراهيم)

(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٤) (النحل)

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ

٤٨

لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٣١) (لقمان)

(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) (٢٤) (الرحمن)

(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) (٤٤) (يس)

والمقصود هنا بالسفينة التى تحمل الناس على البحر ، كما حمل الفلك من قبل نوحا والركاب.

خواص الماء :

طفو السفن على سطح الماء طبقا لقانون الطفو.

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ..) (٣٢) (إبراهيم)

أى أن السفن تجرى بأمره سبحانه سواء فى ظاهرة الطفو أو توجيه الرياح للسفن الشراعية ، أو فى ثورة الأمواج التى قد تغرق أى سفينة شراعية أو بخارية ، ومن ظواهر التسخير ما يتعلق بشذوذ الماء حيث أن الماء ما بين صفر ، ٤ ٥ م يتمدد تمددا شاذا ، ينكمش بالحرارة ويتمدد بالبرودة ، لذلك يطفو الجليد فوق الماء وهذه حكمة إلهية شاءت ألا يتجمد من مياه البحار والأنهار والمحيطات إلا سطحها ، بينما يظل القاع ماء درجة حرارته ٤ ٥ م حتى لا تهلك الحيوانات المائية وحتى يعود الجليد السطحى إلى الأنهار بسرعة عند ارتفاع درجة الحرارة ، وصدق تعالى :

(إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠) (النحل)

دورة الماء والبحار

الإشعاع الحرارى للشمس يبخر الماء فى المحيطات والبحار والأنهار ، وكل السطوح الأرضية المغطاة أو المشبعة بالماء فيتصاعد بخار الماء إلى الجو ويشكل سحبا

٤٩

عن طريق تكاثفه ، عندئذ تدخل الرياح لتؤدى دورها فى نقل السحب بعد تشكلها إلى مسافات متنوعة وقد تختفى السحب دون أن تعطى مطرا كما يمكن أن تلتقى كتل السحب مع كتل أخرى لتعطى سحبا ذات كثافة كبرى ، تبرد وتنزل مطرا ، وسرعان ما تتم الدورة بوصول المطر إلى البحار والمحيطات ، أما المطر الذى يصل إلى الأرض فقد يمتص جزئيا بواسطة النباتات مساهما بذلك فى نموها ، وهذه بدورها تقوم من خلال ترشحها بإعطاء جزء من الماء إلي الجو ، أما الجزء الآخر فإنه يتسلل بمقدار قد يقل أو يكثر إلى التربة ليتجه نحو المحيطات عبر مجارى الماء ، أو قد يتسرب فى التربة ليعود نحو الشبكة السطحية عن طريق الينابيع أو الأماكن الأخرى التى يخرج منها الماء إلى السطح.

وإذا قارنا معطيات علم الهيدرولوجيا الحديث بتلك التى نجدها فى كثير من الآيات القرآنية المذكورة سنلاحظ وجود توافق رائع بين الاثنين.

يقول الله تعالى : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) (١١) (ق)

(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (١٩) (المؤمنون)

(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ) (٩) (فاطر)

(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٨) (الروم)

(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ)

٥٠

لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٥٧) (الأعراف)

(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) (٤٩) (الفرقان)

(وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٥) (الجاثية)

والرزق المقصود فى هذه الآية هو الماء الذى ينزل من السماء ، كما تؤكد الآية على تغير الرياح فهى التى تعدل نظام سقوط المطر.

(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً ...) (١٧) (الرعد)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (٣٠) (الملك)

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ...) (٢١) (الزمر)

(وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ) (٣٤) (يس)

تؤكد الآية السابقة على أهمية العيون المائية وتموينها بماء المطر الذى يتجه إليها.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) (١٤) (الطارق)

يقسم الله تعالى بالسماء التى ترجع وتعيد للأرض ما يصعد من بحارها ومحيطاتها من بخار الماء الذى يتجمع مكونا سحبا تتكاثف ويعود إلى الأرض ساقطا على هيئة أمطارا غزيرة.

كما أقسم سبحانه وتعالى بالأرض ذات الصدع التى تتشقق ليخرج منها النبات

٥١

بعد ارتوائها بماء المطر ، كما أنها ذات الصدوع التى تكونت فى باطنها وصارت منفذا لخروج المياه الجوفية.

وبهذا فإن معنى والسماء ذات الرجع يشير إلى الدورة المستمرة المسخرة بين المحيطات والبحار والأنهار من جهة ، وبين سحب الغلاف الجوى فى سمائنا من جهة أخرى ، فإذا تبخر جزء من مياه الأرض بحرارة الشمس فإنه يعود إليها من السماء على هيئة أمطار ، وبذلك تستقر كمية المياه على الأرض ولا تزيد ولا تنقص بسبب استمرار هذه الدورة.

وعلى سبيل المثال : فإن البحر الأبيض المتوسط يتبخر الماء من سطحه بسبب حرارة الشمس بمعدل يصل إلى ٠٠٠ ، ١٠٠ طن فى الثانية الواحدة ، ورغم هذا فكمية المياه فيه ثابتة منذ أن نشأ ، وعلى مدى الدهور والأزمان ، نظرا لعودة المياه إليه بنفس المعدل.

وحيث أن التبادل بين الماء والجو عملية متكررة فإن ماء المطر فى الواقع لا يمكن خزنه لأن مياه الأمطار سوف تتسرب حتما وبشتى الطرق إلى الجو ثانية لتتم الدورة من جديد.

ويعبر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة فى إعجاز علمى رائع بقوله تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) (٢٢) (الحجر)

ولهذا يتضح المقصود بعبارة وما أنتم له بخازنين ، وهذا أمر علمى هام لأن الدورة لا بد أن تستمر لأنها تعمل فى نفس الوقت كآلة تكييف إلهية ، وتستطيع أن تتخيل المناطق المدارية على الأرض حيث أشعة الشمس القوية كغلاية ، والمناطق الباردة كمكثف فى هذه الآلة.

وعند ما تبخر الماء يمتص كمية من الحرارة من الجو المحيط فى المناطق المدارية فيعمل على تلطيف جوها ، وعند ما يتكثف بخار الماء ويتحول إلى سحب وأمطار فى

٥٢

المناطق الباردة فإنه يعيد إلى الجو نفس الطاقة الحرارية التي اكتسبها عند تبخره من قبل وبهذا يتم رفع درجة حرارة المناطق الباردة إلى حد ما ، وكأن هذه الدورة تكييف إلهى مذهل جبار ولا بد من استمرارها من أجل عدالة التوزيع الحرارى على سطح الأرض ، وصدق الله العظيم بقوله : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٦٤) (البقرة)

والمقصود بتصريف الرياح تحريكها بواسطة حرارة الشمس ، ودوران الأرض حول نفسها حتى تقوم بمهمتها من حمل السحب وتلقيحها ومدها بنويات التكاثف (كأملاح البحر والأكاسيد والأتربة التى تتجمع عليها قطرات بخار الماء النامية داخل السحب) وكذلك قيام الرياح بتوزيع الحرارة وغير ذلك من حكمة الله فى هذا التسخير الذى يشمل أيضا البحار نفسها وما تحتويه من ثروات.

* * *

٥٣

الغلاف الجوى للأرض

الغلاف الجوى هو من العناصر الجوهرية للنمو والحياة على الأرض.

والواقع أنه يشكل حاجزا من الإشعاعات الشمسية المهلكة ، كما أنه منظم للحرارة ، ووسيلة لتنفس الإنسان والحيوان والنبات.

والغلاف الأرضى يضغط على سطح الأرض بما يسمى الضغط الجوى الذى يعادل وزن عمود من الزئبق طوله ٧٦ سم ، ومساحة مقطعه ١ سم ٢ ، أو ثقل كيلوجرام لكل سنتيمتر مربع ، وهذا الغلاف الجوى يضغط على كل سم ٢ من مساحة جسمنا بثقل كيلوجرام ، ولو لا التوازن بين الضغط داخل أجسامنا مع الضغط الجوى خارجه لانسحقت أجسامنا ، ولكن الأمر يختلف عن ذلك كلما نزلنا تحت سطح الماء فى البحار أو ارتفعنا فى الجو ، ولذلك يحتاج الغواصون إلى لبس بدل لتكييف الضغط وللنزول إلى أعماق البحار يلزم استخدام غواصات الأعماق التى تتحمل ضغوط شديدة.

وإذا ارتفعنا فى الجو يقل الضغط الجوى ويكاد ينعدم الضغط الجوى على ارتفاع ٣٠ كيلومترا ، ولهذا نشعر بالاختناق التدريجى ، وصعوبة التنفس كلما ارتفعنا فى الجو بسبب نقص الضغط الجوى ونقص الأكسجين.

ولقد ثبت فعلا أن الإنسان يمكن أن يختنق ولا يستطيع التنفس عند ما يرتفع إلى ١٠ كيلومتر ، كما يندفع الدم من مسام أجسامنا عند ما يقل الضغط عليه إذ أن الضغط الداخلى فى جسم الإنسان أكبر من الضغط خارجه.

يقول الله تعالى فى كتابه الكريم :

(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ...) (١٢٥) (الأنعام)

٥٤

مكونات الغلاف الجوى :

يتكون الغلاف الجوى (الهواء) من ٧٨ خ نيتروجين ، ٢١ خ أكسجين ، والباقى غازات نادرة خاملة هى الهليوم والأرجون والكريبتون والزينون ، مع كميات متغيرة من بخار الماء وثانى أكسيد الكربون.

ولقد احتفظت الأرض بغلافها الجوى بسبب جاذبيتها ، والعناية الإلهية توفر وسائل الحياة على الأرض.

١ ـ توافر الهواء الجوى لجميع الكائنات الحية دون تمييز ودون إتاحة السيطرة أو التحكم فى الهواء لأى مخلوق على سطح الأرض.

٢ ـ الأكسجين لازم للحياة والاحتراق ، والنيتروجين يعمل على تخفيف حدة الأكسجين فى عملية الاحتراق وأهميته فى غذاء النبات.

٣ ـ تظل نسبة الأكسجين ثابتة فى الجو بالرغم من استهلاكه فى تنفس الإنسان ، والحيوان ، والنبات وعمليات الاحتراق ، إذ يمتص النبات ثانى أكسيد الكربون الذى يتكون فى الجو ناتج عن التنفس والاحتراق ليصنع منه الغذاء لنفسه وللإنسان والحيوان ، ويطلق بدلا منه الأكسجين فى عملية التمثيل الكلوروفيلى.

٤ ـ الأكسجين قليل الذوبان فى الماء ، وبذلك لا يختفى الأكسجين بالذوبان فى الماء ، ولكن هذه الكمية القليلة التى تذوب فى الماء تكفى لاستمرار الحياة للكائنات الحيوانية والنباتية المائية.

٥ ـ يمتص الأكسجين الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس على ارتفاع ٢٠ كيلومتر ، وبذلك يحمى الأرض من هذه الأشعة الضارة ويتحول الأكسجين عند هذا الارتفاع مكونا طبقة تسمى الأوزونوسفير.

(جزئ الأكسجين يتكون من ذرتين أكسجين ، أما جزئ الأوزون فيتكون من ثلاث ذرات أكسجين).

٦ ـ هذا الغلاف الجوى يحمى الأرض من الشهب قبل وصولها للأرض عند احتكاكها بالهواء ، ولا يخترقه سوى النيازك الكبيرة النادرة.

٥٥

٧ ـ المجال المغناطيسى للأرض يؤثر فى الجسيمات الذرية المشحونة كالأشعة الكونية القادمة من الفضاء الخارجى ، ويجعلها تدور فى أحزمة تحيط بالأرض على ارتفاعات كبيرة فيمنع اختراقها للجو ووصولها للأرض وتدعى هذه الأحزمة أحزمة فان ألن الإشعاعية.

وبهذا يتضح أن امتصاص الأشعة الفوق بنفسجية بواسطة طبقة الأوزونوسفير ، واحتراق الشهب فى جو الأرض وابتعاد الأشعة الكونية والجسميات الذرية الضارة بالدوران بعيدا عن الأرض فى أحزمة فان ألن.

كل هذا وقاية من صنع الله حتى يحفظ الحياة على سطح الأرض وصدق الله تعالى بقوله :

(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) (٣٢) (الأنبياء)

٨ ـ يتأثر الهواء بالحرارة والضغط وينتج عن ذلك رياح وعواصف وأعاصير تثير أمواج البحر ، وتحمل أبخرته التى تتكاثف إلى سحب وأمطار.

كما أن وجود بخار الماء فى الجو بفضل حرارة الشمس يعتبر من العوامل الهامة فى تكوين السحب والأمطار ، وإحداث عملية التوازن الحرارى على سطح الأرض.

٩ ـ الهواء الجوى شفاف فيسمح بوصول الضوء من السماء ويقوم أيضا بتشتيت هذا الضوء فيحدث النهار ، وتحدث زرقة السماء ، والشفق وغير ذلك من الظواهر الضوئية ، كما أن الهواء ناقل للصوت.

وعند انتهاء الغلاف الجوى للأرض يحدث الظلام التام ولا يسمع صوت.

طبقات الغلاف الجوى

١ ـ الطبقة السطحية (التروبوسفير)

تمتد هذه الطبقة إلى ارتفاع ١٨ كيلومتر ، عند خط الاستواء ، ٨ كيلومتر عند القطبين ، وتقل درجة الحرارة فى هذه الطبقة بمعدل ٦ درجات مئوية لكل كيلومتر حتى تصل عند نهاية هذه الطبقة إلى ٧٠ ٥ تحت الصفر (ـ ٧٠ ٥).

٥٦

وهذه الطبقة هى التى تحدث فيها التغيرات الجوية من إثارة الرياح والسحب ونزول المطر.

٢ ـ الطبقة ذات الطبقات (الستراتوسفير)

تحتوى على طبقات الأوزونوسفير والميزوسفير ، وتقع فوق الطبقة السابقة مباشرة ، يبلغ سمكها ما بين ١٥ ، ٤٠ كيلومتر ، وحدود هذا الارتفاع تتغير تبعا للنشاط الشمسى.

والإشعاع الشمسى يعمل على تفتيت الأكسجين ويولد الأوزون الذى يمتص الأشعة الفوق بنفسجية ، وترتفع درجة الحرارة فى بداية الأوزونوسفير بسبب امتصاص الأشعة الفوق بنفسجية حتى تصل درجة الحرارة إلى ٢٠ ٥ م ، ثم تنخفض كلما صعدنا إلى أعلى حتى تصل إلى ـ ١٤٠ ٥ م عند نهاية طبقة الميزوسفير.

٣ ـ الطبقة الحرارية (الثيرموسفير أو الأيونوسفير)

ومعناها المحيط الحرارى ، أو المحيط الأيونى نظرا لارتفاع حرارتها إلى حوالى ٦٠٠ ٥ م لاحتوائها على الذرات المشحونة كهربيا الموجبة والسالبة تدعى البلازما ، والتى تلعب دورا رئيسيا هاما فى عكس الموجات اللاسلكية التى تصدر من محطات الإذاعة الأرضية وتردها إلى سطح الأرض مما أدى إلى إمكانية الاستقبال اللاسلكى ، وتمتد طبقة الأيونوسفير من ارتفاع ٨٠ إلى ٤٥٠ كيلومتر تقريبا عن سطح الأرض.

٤ ـ المحيط الخارجى (الأكسوسفير)

تبدأ هذه الطبقة من ارتفاع ٥٦٠ كيلومتر عن سطح الأرض وتمتد حتى نهاية الغلاف الجوى ، وتنخفض الكثافة الجوية إلى درجة العدم ، ولا تحترق خلاله الشهب ، ولا يظهر فيه النهار ، ولا يسمع فيه صوت فهو ظلام دائم هادئ.

ولقد مر رواد الفضاء بهذه الطبقات الأربعة عند دورانهم حول الأرض عند رحلتهم إلى القمر.

وتشير الآية الكريمة إلى هذا الحدث العظيم بقوله تعالى :

(وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (١٩) (الانشقاق)

٥٧

فهذه الآية تشير إلى حدث مستقبلى عند نزول القرآن حدث يحدث فى عصر الفضاء فى القرن العشرين فالقمر عند ما يتسق أى يتكامل ويتم نوره وتكتمل أبحاثنا عنه عندئذ يؤكد القرآن الكريم سفر الإنسان إلى القمر بركوبه طبقا عن طبق.

حقا لقد ركب الإنسان طبقا عن طبق فرائد الفضاء يركب فى كبسولة على صاروخ متعدد المراحل كما لو كان الصاروخ فعلا طبقا عن طبق ، ويخترق الصاروخ طبقات الغلاف الجوى المختلفة حتى ينفذ من جو الأرض متجها إلى القمر.

ففي ٢١ يوليو ١٩٦٩ تمت رحلة سفينة الفضاء إبوللو الأمريكية التى حملت الرواد (نيل ارمسترونج ، وألدرين ، وكولينز) إلى القمر ، حيث هبط أرمسترونج وألدرين على سطح القمر لأول مرة فى تاريخ البشرية بواسطة المركبة القمرية ، بينما ظل زميلهم كولينز ينتظرهما فى مركبة أخرى تدعى كولومبيا ، كانت تدور حول القمر حتى التحمت بها المركبة القمرية بعد أداء مهمتها على سطح القمر ، وقد عادوا جميعا سالمين إلى الأرض ، وقد ركبوا جميعا فعلا طبقا عن طبق.

ظاهرة الوهج (الفجر القطبى)

تحدث فى المناطق القطبية عند ما يخيم الظلام ليلا فإن ضوءا خافتا يميل للخضرة يظهر فى السماء ، وسرعان ما يلمع ويرتفع ويمتد شرقا وغربا ، وينساب على شكل شريط ضوئى يخطف الأبصار ، وقد يظهر الوهج على شكل قوس أو نافورة ، وقد يملأ الوهج السماء بأكملها ، وقد تظهر فيه ألوان خضراء وصفراء وبنفسجية مما يجعل السماء تبدو كما لو كانت فى مهرجان رائع.

وترجع هذه الظاهرة لوصول تيار من الجسميات الذرية المشحونة من الشمس والتى يجبرها المجال المغناطيسى للأرض على السير بطريقة حلزونية حول خطوط القوى المغناطيسية متجهة إلى القطبين المغناطيسين للأرض فتتصادم أثناء سيرها بأيونات طبقة الأيونوسفير ، وتنطلق الطاقة الضوئية في صورة ضوء مرئى.

وتتكرر رؤية الوهج القطبي فى شهرى مارس وسبتمبر من كل عام وصدق الله

٥٨

العظيم بقوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (١٠٥) (يوسف)

الظواهر الجوية

تحدث معظم الظواهر الجوية فى الطبقة السطحية للجو (التروبوسفير) فتتحدث فى هذه الطبقة جميع التقلبات الجوية من إثارة الرياح والسحب والمطر والبرق والرعد.

أولا : الرياح :

يرتبط توزيع الرياح على الأرض بتوزيع درجات الحرارة على سطح الأرض ، فالمناطق الحارة كالمناطق الاستوائية درجة حرارتها مرتفعة ، فتنخفض كثافة الهواء ، ويصبح ضغطه منخفضا ، والعكس فى المناطق الباردة حيث ترتفع كثافة الهواء ويرتفع ضغطه.

وبهذا يتغير الضغط الجوى على سطح الكرة الأرضية من منطقة إلى أخرى فتهب الرياح ، وتتوقف شدتها واتجاهها على الفرق بين ضغطى المنطقتين ، وموقعهما على سطح الأرض.

وشدة الرياح يتحدد نوعها عادة حسب سرعتها فقد تكون الرياح نسيما أو رياح خفيفة معتدلة ، أو نشطة ، أو شديدة ، أو عاصفة ، أو زوبعة ، أو إعصار حيث تتراوح سرعة الرياح ما بين ٢ كيلومتر / ساعة للنسيم إلى أكثر من ١٢٠ كيلومتر / ساعة للإعصار.

وفى معظم الأحوال تكون الرياح بشرى للمطر ، ويشير القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ) (٩) (فاطر)

فكلمة تثير تشير إلى أثر الرياح فى تكوين السحاب ، وبهذا فإن الرياح تظهر السحاب ثم يسوقه الله إلى حيث يشاء.

٥٩

والسحاب يتكون من بخار الماء الموجود فى الهواء الناتج من تسخين الشمس لمياه البحر والمحيطات والأنهار وإحياء الأرض بماء المطر وإخراج النبات منها بعد موتها كبعث الموتى يوم القيامة.

وقوله تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) (٢٢) (الحجر)

وهنا تربط الآية الكريمة بين تلقيح الرياح للسحب بواسطة مدها بنوى التكاتف وتلقيحها كهربائيا للجمع بين نوعى الكهربية الموجبة والسالبة الموجودين فى السحب ، وإحداث التفريغ الكهربى وما يصحبه من برق ورعد.

وتؤكد الآية أن ماء المطر لا يمكن خزنه لأن مياه المطر سوف تتسرب حتما ، وبشتى الطرق إلى الجو ثانية لتتم الدورة المستمرة المسخرة بين المحيطات والبحار والأنهار من وجهة ، وبين سحب الغلاف الجوى من جهة أخرى.

فإذا تبخر جزء من مياه الأرض بحرارة الشمس فإنه يعود إليها حتما من السماء على هيئة أمطار بحيث تكون كمية المياه المتبخرة عن سطح الأرض مساوية تماما لكمية المياه العائدة إليها من السماء ، ويتضح بذلك المعنى فى قوله تعالى : (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ).

والله برحمته قادر على أن يقلب الرياح المفيدة لتكون إعصارا خطيرا أو عاصفة هو جاء أو خماسين ساخنة الهواء تنفذ بأتربتها إلى العيون والآذان والأنوف والحناجر ، ويشير سبحانه وتعالى إلى مثل هذه الكوارث كما فى قوله تعالى فى وصف الرياح الساخنة المتربة الجافة.

(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) (٥١) (الروم)

وقوله تعالى : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٧) (الحاقة)

إى أن الله أهلك قوم عاد بريح باردة عنيفة استمرت ثمانية أيام متواصلة ، وقوله تعالى فى وصف الريح الباردة :

٦٠