أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٠

الأمير أبو فراس الحمداني

يوم بسفح الدير لا أنساه

أرعى له دهري الذي أولاه

يوم عمرت العمر فيه بفتية

من نورهم أخذ الزمان بهاه

فكأن عزّتهم ضياء نهاره

وكأن أوجههم نجوم دجاه

ومهفهف للغصن حسن قوامه

والظبي منه إذا رنا عيناه

نازعته كأسا كأن ضياءها

لما تبدّت في الظلام ضياه

في ليلة حسنت بود وصاله

فكأنها من حسنه إياه

فكأنما فيه الثريا إذ بدت

كف يشير الى الذي يهواه

والبدر منتصف الضياء كأنه

متبسم بالكف يستر فاه

ظبي لو أن الفكر مرّ بخده

من دون لحظة ناظر أدماه

فحرمت قرب الوصل منه مثل ما

حرم الحسين الماء وهو يراه

واحتز رأسا طالما من حجره

أدنته كفا جده ويداه

يوم بعين الله كان وانما

يملي لظلم الظالمين الله

يوم عليه تغيرت شمس الضحى

وبكت دما مما رأته سماه

لا عذر فيه لمهجة لم تنفطر

أو ذي بكاء لم تفض عيناه

تباً لقوم تابعوا أهواءهم

فيما يسوءهم غدا عقباه

اتراهم لم يسمعوا ما خصه

فيه النبي من المقال اباه

٦١

اذ قال يوم غدير خم معلنا

من كنت مولاه فذا مولاه

هذي وصيته اليه فافهموا

يا من يقول بأن ما أوصاه

واقروا من القرآن ما في فضله

وتأملوه واعرفوا فحواه

لو لم تنزّل فيه إلا ( هل أتى )

من دون كل منزّل لكفاه

مَن كان أول مَن حوى القرآن من

لفظ النبي ونطقه وتلاه

مَن كان صاحب فتح خيبر من رمى

بالكف منه بابه ودحاه

مَن عاضد المختار من دون الورى

مَن آزر المختار من آخاه

مَن خصه جبريل من رب العلا

بتحية من ربه وحباه

أظننتم أن تقتلوا أولاده

ويظلكم يوم المعاد لواه

أو تشربوا من حوضه بيمينه

كأسا وقد شرب الحسين دماه

أنسيتم يوم الكساء وانه

ممن حواه مع النبي كساه

يا رب اني مهتد بهداهم

لا اهتدي يوم الهدى بسواه

اهوى الذي يهوى النبي وآله

أبدا واشنأ كل مَن يشناه

مذ قال قبلي في قريض قائل

ويل لمى شفعاؤه خصماه

٦٢

الأمير ابو فراس الحارث بن سعيد الحمداني العدوي التغلبي.

وابو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء من أسماء الأسد.

ولد بمنبج سنة ٣٢٠ وقتل يوم الاربعاء لثمان خلون من ربيع الآخر في حرب كانت بينه وبين غلام سيف الدولة سنة ٣٥٧ ومقتضى تاريخ ولادته ووفاته ان يكون عمره ٣٧ سنة ، نشأ ابو فراس في عشيرة عربية صميمة تقلب أفرادها في الملك والامارة قرونا عديدة وكانت لهم أحسن سير ة مملؤة بمحاسن الأفعال وجميل الصفات من كرم وسخاء وعز وإباء وصولة وشجاعة وفصاحة وبراعة. وسيف الدولة المتقدم في الرياسة والامارة والشجاعة والكرم وأبو فراس الفائق بشعره فيهم والمتميز بشجاعته وفروسيته وهو أمير جليل وقائد عظيم أكبر قواد سيف الدولة وشجاع مدره وشاعر مفلق وعربي صميم تجلت فيه الاخلاق والشيم العربية وهو امير السيف والقلم ومن حقه إذ يقول :

واني لنزّال بكل مخوفة‏

كثير إلى نزالها النظر الشزر

واني لجرار لكل كتيبة

معودة أن لا يخل بها النصر

سيذكرني قومي اذا جدّ جدهم

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

وكل شعره يعطيك صورة عن عظمة شخصيته. اما ولاؤه لأهل البيت عليهم‌السلام فيكفي شاهدا عليه قصيدته العالية المسماة بالشافية وكلها في أهل البيت وظلم بني العباس لهم. وأولها :

٦٣

الحق مهتضم والدين مخترم

وفيء آل رسول الله مقتسم

والناس عندك لاناس فيحفظهم (١)

سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم

إني أبيت قليل النوم أدقني

قلب تصارع فيه الهم والهمم

وعزمة لا ينام الليل صاحبها

إلا على ظفر في طيّه كرم

يُصان مهري لأمر لا أبوح به

والدرع والرمح والصمصامة الحذم (٢)

وكل مائرة الضبعين مسرحها

رمث الجزيرة والخذراف والعنم (٣)

وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا

وليس رأيهم رأيا اذا عزموا

يا للرجال أما لله منتصر

من الطغاة؟ أما لله منتقم

بنو عليّ رعايا في ديارهم

والأمر تملكه النسوان والخدم

محلّئون فأصفى شربهم وشل

عند الورود وأوافى ودّهم لمم

فالأرض إلا على ملاكها سعة

والمال إلا على أربابه ديم

فما السعيد بها إلا الذي ظلموا

وما الشقي بها إلا الذي ظلموا

للمتقين من الدنيا عواقبها

وإن تعجّل منها الظالم الاثم

أتفخرون عليهم لا أبا لكم

حتى كأن رسول الله جدّكم

ولا توازن فيما بينكم شرف

ولا تساوت لكم في موطن قدم

ولا لكم مثلهم في المجد متصل

ولا لجدّكم معشار جدّهم

ولا لعرقكم من عرقهم شبَه

ولا نتثيلتكم من أمهم أمم (٤)

قام النبي بها « يوم الغدير » لهم

والله يشهد والأملاك والأمم

حتى إذا أصبحت في غير صاحبها

باتت تنازعها الذؤبان والرخم

وصيّروا أمرهم شورى كأنهم

لا يعرفون ولاة الحق أيّهم

__________________

١ ـ احفظه : اغضبه فغضب.

٢ ـ الحذم من السيوف بالحاء المهملة : القاطع.

٣ ـ مار : تحرك الضيع والعضد كناية عن السمن. الرمث بكسر الميم المهملة : القاطع خشب يضم بعضه الى بعض ويسمى الطوف. الحذراف بكسر الخاء : نبات.

٤ ـ نثيلة هي أم العباس بن عبد المطلب. الامم : القرب.

٦٤

تالله ما جهل الأقوام موضعها

لكنّهم ستروا وجه الذي علموا

ثم ادّعاها بنو العباس ملكهم

ولا لهم قدم فيها ولا قدم

لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا

ولا يحكّم في أمر لهم حكم

ولا رآهم أبو بكر وصاحبه

أهلا لما طلبوا منها وما زعموا

فهل هم مدّعوها غير واجبة؟

أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا؟

أمّا عليّ فأدنى من قرابتكم

عند الولاية إن لم تكفر النعم

أينكر الحبر عبد الله نعمته؟

أبوكم أم عبيد الله أم قثم؟

بئس الجزاء جزيتم في بني حسن

أباهم العلم الهادي وأمهم

لا بيعة ردّعتكم عن دمائهم

ولا يمين ولا قربى ولا ذمم

هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب

للصافحين ببدر عن أسيركم؟!

هلا كففتم عن الديباج (١) سوطكم

وعن بنات رسول الله شتمكم؟

ما نزّهت لرسول الله مهجته

عن السياط فهلا نزّه الحرم؟

ما نال منهم بنوحرب وإن عظمت

تلك الجرائر إلا دون نيلكم

كم غدرة لكم في الدين واضحة

وكم دم لرسول الله عندكم

أنتم له شيعة فيما ترون وفي

أظفاركم من بنيه الطاهرين دم

هيهات لا قرّبت قربى ولا رحم

يوما إذا أقصت الأخلاق والشيم

كانت مودّة سلمان له رحما

ولم يكن بين نوح وابنه رحم

يا جاهدا في مساويهم يُكتّمها

غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم؟

ليس الرشيد كموسى في القياس ولا

مأمونكم كالرضى لو أنصف الحكم

ذاق الزبيري (٢) غب الحنث وانكشفت

عن ابن فاطمة الأقوال والتهم

باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته

وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا

__________________

١ ـ الديباج هو محمد بن عبد الله اخو بني الحسن لامهم فاطمة بنت الحسين السبط ، ضربه المنصور مايتين وخمسين سوطاً.

٢ ـ الزبيري هو عبد الله بن مصعب ، باهله يحيى بن عبد الله بن حسن فتفرقا فما وصل الزبيري الى داره حتى جعل يصيح : بطني بطني ومات.

٦٥

يا عصبة شقيت من بعدما سعدت

ومعشراً هلكوا من بعد ما سلموا

لبئسما لقيت منهم وإن بليت

بجانب الطف تلك الأعظم الرمم (١)

لا عن أبي مسلم في نصحه صفحوا

ولا الهبيري نجا الحلف والقسم (٢)

ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا

فيه الوفاء ولا عن غيّهم حلموا (٣)

أبلغ لديك بني العباس مالكة

لا يدّعوا ملكها ملاكها العجم

أي المفاخر أرست في منازلكم

وغيركم آمر فيها ومحتكم؟

أنى يزيدكم في مفخر علم؟

وفي الخلاف عليكم يخفق العَلم

يا باعة الخمر كفّوا عن مفاخركم

لمعشر بيعهم يوم الهياج دم

خلّوا الفخار لعلامين ان سئلوا

يوم السؤال وعمّالين إن عملوا

لا يغضبون لغير الله إن غضبوا

ولا يضيعون حكم الله إن حكموا

تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا

وفي بيوتكم الأوتار والنغم

منكم عُليّة أم منهم؟ وكان لكم

شيخ المغنّين إبراهيم أم لهم؟

إذا تلوا سورة غنّى إمامكم

قف بالطلول التي لم يعفها القدم

ما في بيوتهم للخمر معتصر

ولا بيوتكم للسوء معتصم

ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم

ولا يُرى لهم قرد ولا حشم

__________________

١ ـ اشار إلى فعل المتوكل بقبر الامام السبط الشهيد.

٢ ـ ابو مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية ، قتله المنصور والهبيري هو يزيد بن عمرو بن هبيرة احد ولاة بني امية حاربه بنو العباس ايام السفاح ثم امنوه فخرج الى المنصور بعد المواثيق والايمان فغدروا به وقتلوه سنة ١٣٢.

٣ ـ استعمل السفاح اخاه يحيى بن محمد على الموصل فأمنهم ونادى من دخل الجامع فهو آمن ، وأقام الرجال على ابواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا قيل انه قتل فيه احد عشر الفا ممن له خاتم وخلقا كثيرا ممن ليس له خاتم ، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة ايام وذلك في سنة ١٣٢.

٦٦

الركن والبيت والأستار منزلهم

وزمزم والصفى والحجر والحرم

وليس من قَسَم في الذكر نعرفه

إلا وهم غير شك ذلك القسم

اقول وقد شرح بعض الفضلاء هذه القصيدة شرحاً جيداً. يحكى انه دخل بغداد وأمر أن يشهر خمسمائة سيف خلفه وقيل اكثر ووقف في المعسكر وانشد القصيدة وخرج من باب آخر.

قال الشيخ القمي في الكنى الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون فارس ميدان العقل والفراسة والشجاعة والرياسة ، كان ابن عم السلطان ناصر الدولة وسيف الدولة ابني عبد الله بن حمدان وقلادة وشاح محامد آل حمدان ، وكان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ونبلا ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور ، قال الصاحب بن عباد : بدء الشعر بملك وختم بملك. يعنى أمرء القيس وابي فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يتجرّى على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح مَن دونه من آل حمدان تهيباً له واجلالا ، لا اغفالا وإخلالا ، وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن ابي فراس ويميزه بالأكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله.

وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ثم نقلوه إلى القسطنطينية وذلك سنة ثمان واربعين وثلثماءة وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين وله في الاسر اشعار كثيرة متينة يجمعها ديوانه.

قال أبو هلال العسكري في ديوان المعاني : ومن جيد ما قيل في اظهار الرغبة في الاخوان قول ابي فراس بن حمدان :

قل لاخواننا الجفاة رويداً

اذرجونا إلى احتمال الملال

إن ذاك الصدود من غير جُرم

لم يدع فيّ موضعا للوصال

٦٧

أحسنوا في وصالكم أو فسيئوا

لاعدمناكم على كل حال

وقال :

انظر إلى الزهر البديع‏

والماء في برك الربيع

وإذا الرياح جرت عليه

في الذهاب وفي الرجوع

نثرت على بيض الصفائح

بينها حَلَق الدروع

أقول ومن روائعه قوله :

قد كنتَ عدتي التي اسطو بها

ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي

فرميت منك بضدّ ما أملتّه

والمرء يشرق بالزلال البارد

وقوله :

أساء فزادته الاساءة حظوة

حبيب على ما كان منه حبيب

يعدّ عليَّ الواشيان ذنوبه

ومن اين للوجه الجميل ذنوب

وقوله في الفخر :

أقلى فأيام المحب قلائل

وفي قلبه شغل عن القلب شاغل

ووالله ما قصّرت في طلب العلى

ولكن كان الدهر عني غافل

مواعيد ايام تطاولني بها

مروات أزمان ودهر مخاتل

تدافعني الايام عما ارومه

كما دفع الدين الغريم المماطل

خليلي شدا لي على ناقتيكما

اذا ما بدا شيب من الفجر ناصل

وما كل طلاب من الناس بالغ

ولا كل سيار إلى المجد واصل

وما المرء الا حيث يجعل نفسه

واني لها فوق السماكين جاعل

اصاغرنا في المكرمات أكابر

اواخرنا في المأثرات اوائل

اذا صلت صولا لم أجد لي مصاولا

وإن قلت قولا لم أجد مَن يقاول

٦٨

وقوله في الاخوانيات :

لم اواخذك بالحفاء لاني‏

واثق منك بالوداد الصريح

فجميل العدو غير جميل

وقبيح الصديق غير قبيح

وقوله :

خفض عليك ولا تكن قلق الحشا

مما يكون وعلّه وعساه

فالدهر اقصر مدة مما ترى

وعساك ان تكفى الذي تخشاه

وقال ابو فراس في ذم اخوان الرخاء :

تناساني الاصحاب إلا عُصيبة

ستلحقُ بالأخرى غدا وتحول

فمن قيل كان العذر في الناس سُبّة

وذم زمان واستلام خليل

وفارق عمرو بن الزبير شقيقه (١)

وخلّى أمير المؤمنين عقيل (٢)

ومَن ذا الذي يبقى على الدهر إنهم

وإن كثرت دعواهم لقليل

وصرنا نَرى أن المتارك محسن

وان خليلا لا يضر وصول

أقلّب طرفي لا ارى غير صاحب

يميل مع النعماء حيث تميل

__________________

١ ـ في ديوان ابي فراس ( خليله ).

٢ ـ عجيب من الأمير ابي فراس أن يغض من كرامة عقيل بن أبي طالب بقوله :

وخلّى أمير المؤمنين عقيل.

وهو محبوب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي قال له : اني أحبك حبين : حُبّا لك وحبّا لحب أبي طالب إياك *.

ان الروايات في سفر عقيل الى الشام هل كان على عهد أخيه الإمام أمير المؤمنين أو بعده متضاربة واستظهر ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٣ ص ٨٢ انه بعد شهادة أمير المؤمنين

__________________

* ـ انظر نكت الهميان ص ٢٠٠ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٠٤ وتذكرة الخواص ص ٧ والخصال للصدوق ج ١ ص ٣٨.

٦٩

ومن روائعه قوله في الشكوى والعتاب :

وإني وقومي فرّقتنا مذاهب

وإن جمعتنا في الاصول المناسب

فاقصاهم أقصاهم من مَساءتي

وأقربهم مما كرهت الاقارب

غريب وأهلي حيث ما كرّ ناظري

وحيد وحولي من رجالي عصائب

نسيبك من ناسبت بالودّ قلبه

وجارك من صافيته لا المصاقب

وأعظم أعداء الرجال ثِقاتها

وأهون مَن عاديته مَن تحارب

وما الذنب إلا العجز يركُبه الفتى

وما ذنبه إن حاربته المطالب

ومن كان غير السيف كافل رزقه

فللذلّ منه ـ لا محالة ـ جانب

وقال في الصبر على الاصدقاء :

ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاني

ليست مواخذة الخلان من شاني

يجني الخليل فاستحلي جنايته

حتى يدل على عفوي وإحساني

يجني عليّ فاحنو صافحاً أبداً

لا شيء أحسن من حان على جاني

ويتبع الذنب ذنباً حين يعرفني

عمدا فأتبع غفرانا بغفران

ــــــــــــــــ

وجزم به العلامة الجليل السيد علي خان في ( الدرجات الرفيعة ) وهو الأصوب بعد ملاحظة مجموع ما يؤثر في هذا الباب. وعليه تكون وفادته كوفود غيره من الرجال المرضيين عند أهل البيت عليهم‌السلام الى معاوية في تلك الظروف القاسية. ألم يقد عبد الله بن عباس على معاوية وكذلك الامام الحسن عليه‌السلام ، على أن عقيلا لم يؤثر عنه يوم وفادته على معاوية انه خضع أو استكان أو جامله ووافقه على باطل أو أنه اعترف له بخلافة وزعامة ، بل أوثر عنه الطعن في نسب معاوية وحسبه وأشفع ذلك بتعظيم سيد الوصيين.

من ذلك ما ذكره صاحب الدرجات الرفيعة أن معاوية قال له : يا أبا يزيد اخبرني عن عسكري وعسكر أخيك. فقال عقليل : لقد مررت بعسكر أخي فاذا ليل كليل رسول الله ونهار كنهاره إلا أن رسول الله ليس فيهم ، وما رأيت فيهم الا مصليا ، ولا سمعت الا قارئاً ، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفّر برسول الله ليلة العقبة.

أقول وقد أفردنا لعقيل ترجمة وافية في مخطوطنا ( الضرائح والمزارات ) وأثبتنا ان قبره في البقيع ، وان معه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار ، لا ما يقوله الشيخ الطريحي في مادة ( عقل ) من ان عقيل بن أبي طالب مات بالشام.

٧٠

وقال وهي من حكمياته :

كيف أبغي الصلاح من سعي قوم‏

ضيعوا الحزم فيه ايّ ضياع

فمطاع المقال غير سديد

وسديد المقال غير مطاع

وقال :

عرفت الشر لا للشرّ

لكن لتوقّيه

فمن لا يعرف الشرّ

من الناس يقع فيه

ومن غرر شعره قوله :

اراك عصى الدمع شيمتك الصبر

أما للهوى نهي عليك ولا امر

بلى أنا مشتاق وعندي لوعة

ولكن مثلي لا يذاع له سر

اذا الليل أضواني بسطت يد الهوى

وأذللت دمعا من خلائقه الكبر

تكاد تضيء النار بين جوانحي

إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

معللتي بالوصل والموت دونه

إذا مت ظمئانا فلا نزل القطر

بدوت وأهلي حاضرون لأنني

أرى ان دارا لست من أهلها قفر

وحاربت قومي في هواك وإنهم

وإياي لولا حبك الماء والخمر

وان كان ما قال الوشاة ولم يكن

فقد يهدم الايمان ما شيّد الكفر

وفيت وفي بعض الوفاء مذلة

لآنسة في الحي شيمتها الغدر

وقور وريعان الصبا يستفزها

فتأرن احيانا كما يأرن المهر

تسألني من أنت وهي عليمة

وهل بفتى مثلي على حاله نكر

فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى

قتيلك قالت ايّهم فهم كُثر

فقلت لها لو شئت لم تتعنتي

ولم تسألي عني وعندك بي خبر

ولا كان للأحزان لولاك مسلك

الى القلب لكن الهوى للبلى جسر

فأيقنت أن لا عزّ بعدي لعاشق

وأن يدي مما علقت به صفر

فقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا

فقلت معاذ الله بل أنتِ لا الدهر

٧١

وقلّبت امري لا ارى لي راحة

إذا البين انساني الحّ بي الهجر

فعدت الى حكم الزمان وحكمها

لها الذنب لا تجزى به ولي العذر

وتجفل حينا ثم تدنو كأنما

تراعي طلا بالواد أعجزه الحضر

واني لنزال بكل مخوفة

كثير الى نزالها النظر الشزر

واني لجرار لكل كتيبة

معودة أن لا يخلّ بها النصر

فاصدأ حتى ترتوي البيض والقنا

واسغب حتى يشبع الذئب والنسر

ولا أصبح الحي الخلوف بغارة

ولا الجيش ما لم تأته قبلي النُذر

ويا رب دار لم تخفني منيعة

طلعت عليها بالردى انا والفجر

وساحبة الاذيال نحوي لقيتها

فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعر

وهبت لها ما حازه الجيش كله

وراحت ولم يكشف لابياتها ستر

ولا راح يطغيني بأثوابه الغنى

ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر

وماحاجتي في المال أبغي وفوره

اذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفر

أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى

ولا فرسي مهر ولا ربه غمر

ولكن إذا حُمّ القضاء على امرىء

فليس له برّ يقيه ولا بحر

وقال اصيحابي الفرار أو الردى

فقلت هما أمران احلاهما مُر

ولكنني امضي لما لا يعيبني

وحسبك من أمرين خيرهما الاسر

يمنون ان خلّوا ثيابي وإنما

عليّ ثياب من دمائهم حمر

وقائم سيفي فيهم اندقّ نصله

واعقاب رمحي فيهم حطم الصدر

سيذكرني قومي اذا جد جدهم

وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر

ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به

ولو كان يغني الصفر ما نفق التبر

ونحن اناس لا توسط بيننا

لنا الصدر دون العالمين أو القبر

تهون علينا في المعالي نفوسنا

ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر

وجاء الشاعران الكبيران الشيخ حسن الشيخ علي الحلي والعلامة الحجة السيد محمد حسين الكيشوان وهما من شعراء القرن الرابع عشر فنظما الأبيات

٧٢

الآتية على الروي وعلى القافية وتخلّصا الى يوم الحسين ووقعة الطف فقالا :

لذا أرخصت بالطف صحب ابن فاطم

نفوساً لخلق الكائنات هي السر

هم القوم من عليا لوى وغالب

بهم تكشف الجُلّى ويستدفع الضر

يحيّون هندى السيوف بأوجه

تهلل من لئلاء غرّته البشر

يكرون والابطال نكصا تقاعست

من الخوف والاساد شيمتها الكر

اذا اسودّ يوم الحرب اشرقن بالضبا

لهم أوجه والشوس ألوانها صفر

فما وقفوا في الحرب إلا ليعبروا

الى الموت والهندى من دونه جسر

الى أن ثووا تحت العجاج بمعرك

هو الحشر لا بل دون موقفه الحشر

وماتوا كراما تشهد الحرب انهم

أباة اذا ألوى بهم حادث نكر

ابا حسن شكوى اليك وانها

لواعج اشجان يجيش بها الصدر

اتدري بما لاقت من الكرب والبلى

وما واجهت بالطف أبناءك الغر

أعزّيك فيهم انهم وردوا الردى

بافئدة ما بلّ غلّتها قطر

وثاوين في حرّ الهجيرة بالعرى

عليهم ذيول الريح بالترب تنجر

متى أيها الموتور تبعث غارة

تعيد الثرى والبر من دمهم بحر

اتغضى وانت المدرك الثار عن دم

بزعم العدى اضحت وليس لها وتر

وتلك يجنب النهر فتيان هاشم

ثوت تحت اطراف القنا دمها هدر

وزاكية لم تلف في النوح مسعداً

سوى أنها بالسوط يزجرها زجر

تجاذبها أيدي العدو خمارها

فتستر بالأيدي اذا اعوز الستر

تطوف بها الاعداء في كل مهمة

فيجذبها قفر ويقذفها قفر

اتهتك من بعد الحذور ستورها

وتسلب عنهن البراقع والازر

فأين الابا والفاطميات اصبحت

اسارى بها الاكوار أودى بها الاسر

٧٣

محمد بن هاني الأندلسي

فلا حملت فرسان حرب جيادها

إذا لم تزرهم من كميت وأدهم

ولا عذب الماء القراح لشارب

وفي الارض مروانية غير أيّم

ألا إن يوما هاشميا أظلّهم

يطير فراش الهام من كل مجثم

كيوم يزيد والسبايا طريدة

على كل موار الملاط عثمثم

وقد غصّت البيداء بالعيس فوقها

كرائم أبناء النبي المكرّم

فما في حريم بعدها من تحرّج

ولاهتك ستر بعدها بمحرّم

٧٤

محمد بن هاني الأندلسي :

قال يمدح المعز لدين الله الفاطمي ويذكر ما جرى على الحسين ، وهي مائتا بيت كلها غرر وهذه روائع منها :

يعزّ على الحسناء أن أطأ القنا

واعثر في ذيل الخميس العرمرم

وبين حصى الياقوت لبّات خائف

حبيب اليه لو توسد معصمي

ومما شجاني في العلاقة أنني

شربت زعاقا قاتلا لذّ في فمي

رميت بسهم لم يصب وأصابني

فالقيت قوسي عن يدي وأسهمي

فلو أنني أسطيع أثقلت خدرها

بما فوق رايات المعزّ من الدم

لها العذبات الحمر تهفو كأنها

حواشي بروق أو ذوائب أنجم

يقدّمها للطعن كل شمر دل

على كل خوّار العنان مطهم

ومتصل بين الإله وبينه

ممر من الأسباب لم يتصرم

مقلّد مضّاء من الحق صارم

ووارث مسطور من الآي محكم

إمام هدى ما التف ثوب نبوة

على ابن بنيّ منه بالله أعلم

ولا بسطت أيدي العفاة بنانها

الى أريحي منه أندى وأكرم

وأنت بدأت الصفح عن كل مذنب

وأنت سننت العفو عن كل مجرم

قصاراك ملك الأرض لا ما يرونه

من الحظ فيها والنصيب المعشم

ولا بد من تلك التي تجمع الورى

على لا حب يهدي الى الحق أقوم

فقد سئمت بيض الظبا من جفونها

وكانت متى تألف سوى الهام تسأم

٧٥

وقد غضبت للدين باسط كفه

اليهن في الآفاق كالمتظلم

وللعرب العرباء ذلّت خدودها

وللفترة العمياء في الزمن العمي

وللعز في مصر يرد سريره

الى ناعب بالبين ينعق أسحم

وللملك في بغداد إن ردّ حكمه

الى عضد في غير كف ومعصم

سوام رتاع بين جهل وحيرة

وملك مضاع بين ترك وديلم

كأن قد كشفت الامر عن شبهاته

فلم يضطهد حق ولم يتهضم

وفاض وما مد الفرات ولم يجز

لوارده طهر بغير تيمم

فلا حملت فرسان حرب جيادها

اذا لم تزرهم من كميت وأدهم

ولا عذب الماء القراح لشارب

وفي الأرض مروانية غير أيم

الا إن يوما هاشميا أظلهم

يطير فراش الهام من كل مجثم

كيوم يزيد والسبايا طريدة

على كل موار الملاط عثمثم

وقد غصّت البيداء بالعيس فوقها

كرائم أبناء النبي المكرم

فما في حريم بعدها من تحرج

ولا هتك ستر بعدها بمحرم

فان يتخرم خير سبطي محمد

فان وليّ الثار لم يتخرم

الا سائلوا عنه البتول فتخبروا

اكانت له أمّا وكان لها ابنم

واولى بلوم من امية كلها

وان جلّ امر عن ملام ولوم

اناس هم الداء الدفين الذي سرى

الى رمم بالطف منكم واعظم

هم قد حوا تلك الزناد التي روت

ولو لم تشبّ النار لم تتضرم

وهم رشحوا تيما لارث نبيهم

وما كان تيمي اليه بمنتمي

على اي حكم الله إذ يأفكونه

احل لهم تقديم غير المقدّم

وفي اي دين الوحي والمصطفى له

سقوا آله ممزوج صاب بعلقم

ولكن امرا كان ابرم بينهم

وان قال قوم فلتة غير مبرم

بأسياف ذاك البغي اول سلها

أصيب عليٌ لا بسيف ابن ملجم

وبالحقد حقد الجاهلية انه

الى الآن لم يظعن ولم يتصرم

وبالثار في بدر أريقت دماؤكم

وقيد اليكم كل أجرد صلدم

٧٦

ويأبى لكم من أن يطل نجيعها

فتوّ غضاب من كمي ومعلم

قليل لقاء البيض إلا من الظبا

قليل شراب الكاس إلا من الدم

سبقتم الى المجد القديم بأسره

وبؤتم بعادي على الدهر أقدم

اذا ما بناء شاده الله وحده

تهدمت الدنيا ولم يتهدم

بكم عز ما بين البقيع ويثرب

ونسّك ما بين الحطيم وزمزم

فلا برحت تترى عليكم من الورى

صلاة مصّل أو سلام مسلّم

واقسم اني فيك وحدي لشيعة

وكنت ابرّ القائلين بمقسم

وعندي على نأي المزار وبعده

قصائد تشرى كالجمان المنظم

اذا اشأمت كانت لبانة معرق

وإن أعرقت كانت لبانة مشئم

٧٧

محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الاندلسي :

ولد بقرية سكون من قرى مدينة اشبيلية سنة ٣٢٠ أو ٣٢٦ هـ وقتل في رجب سنة ٣٦٢ وعمره ٣٦ سنة ، كان أبوه هانئ من قرية من قرى المهدية بافريقية وكان أيضا شاعراً أديبا فانتقل إلى الاندلس فولد له محمد المذكور بمدينة اشبيلية ونشأ بها واشتغل وحصل له حظ وافر من الأدب وعمل الشعر ومهر فيه وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم وكان اكثر تأدبه بدار العلم في قرطبة حتى برع بكثير من العلوم لا سيما علم الهيئة ، شعره طافح بالتشيع كقوله :

لي صارم وهو شيعي كحامله‏

يكاد يسبق كرّاتي الى البطل

اذا المعز معز الدين سلّطه

لم يرتقب بالمنايا مدة الأجل

وله في القصيدة التي أولها :

تقول بنو العباس هل فتحت مصر

فقل لبني العباس قد قضى الأمر

وقد جاوز الاسكندرية جوهر

تطالعه البشرى ويقدمه النصر

ويقول فيها :

فكل إمامي يجيء كأنما

على خده الشعرى وفي وجهه البدر

٧٨

ومن روائعه :

ولم أجد الانسان الا ابن سعيه‏

فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا

وبالهمة العلياء يرقى إلى العلى

فمن كان أعلى همة كان أظهرا

ولم يتأخر مَن اراد تقدّماً

ولم يتقدم من أراد تأخرا

وقال :

عجبت لقوم أضلوا السبيل‌‏

وقد بيّن الله أين الهدى

فما عرفوا لاحق لما استنار

ولا أبصروا الرشد لمابدا

وما خفى الرشد لكنما

أضلّ الحلوم اتباع الهوى

وقال ابن خلكان :

ليس في المغاربة من هو افصح منه لا متقدميهم ولا متأخريهم بل هو اشعرهم على الاطلاق وهو عند المغاربة كالمتنبي عند المشارقة اقول وفيه قال القائل :

ان تكن فارساً فكن كعلي‌‏

أو تكن شاعراً فكن كابن هاني

كل من يدعى بما ليس فيه

كذّبته شواهد الامتحان

وقال يمدح المعز لدين الله وقيل ان هذه القصيدة أول ما أنشده بالقيروان وانه امر له بدست قيمته ستة آلاف دينار ، فقال له يا امير المؤمنين مالي موضع يسع الدست اذا بسط فأمر له ببناء قصر فغرم عليه ستة آلاف دينار وحمل اليه آلة تشاكل القصر والدست قيمتها ثلاثة آلاف دينار. وفي آخر القصيدة يذكر الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام :

هل من أعقّة عالج يبرين‌‏

أم منهما بقر الحدوج العين

ولمن ليال ما ذممنا عهدنا

مذكنّ إلا أنهن شجون

٧٩

المشرقات كأنهن كواكب

والناعمات كانهن غصون

بيض وما ضحك الصباح وانها

بالمسك من طرر الحسان لجون

أدمى لها المرجان صفحة خده

وبكى عليها اللؤلؤ المكنون

أعدى الحمام تأوُّهي من بعدها

فكأنه فيما سجعن رنين

بانوا سراعا للهوادج زفرة

مما رأين وللمطي حنين

فكأنما صبغوا الضحى بقبابهم

أو عصفرت فيه الخدود جفون

ماذا على حلل الشقيق لو انها

عن لابسيها في الخدود تبين

لاعطّشن الروض بعدهم ولا

يرويه لي دمع عليه هَتون

أأعير لحظ العين بهجة منظر

وأخونهم إني اذا لخؤون

لا الجو جو مشرق ولو اكتسى

زهرا ولا الماء المعين معين

لا يبعدنّ اذ العبير له ثرى

والبان دوح والشموس قطين

ايام فيه العبقري مفوّف

والسابري مضاعف موضون

والزاعبية شّرع والمشرفيّـ

ـة لمّع والمقربات صفون

والعهد من ظمياء اذ لاقومها

خزر ولا الحرب الزبون زبون

عهدي بذاك الجو وهو أسنّة

وكناس ذاك الخشف وهو عرين

هل يدنيني منه أجرد سابح

مرح وجائلة النسوع أمون

ومهنّد فيه الفرند كأنه

درٌ له خلف الغرار كمين

عضب المضارب مقفر من اعين

لكنّه من أنفس مسكون

قد كان رشح حديده أجلا وما

صاغت مضاربه الرقاق قيون

وكأنما يلقى الضريبة دونه

باس المعز أو اسمه المخزون

هذا معدّ والخلائق كلها

هذا المعزّ متوجا والدين

هذا ضمير النشأة الأولى التي

بدأ الإله وغيبها المكنون

من أجل هذا قدّر المقدور في

أم الكتاب وكوّن التكوين

وبذا تلقّى آدم من ربه

عفوا وفاء ليونس اليقطين

يا أرض كيف حملت ثني نجاده

بل انت تلك تموج منك متون

٨٠