أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٠

لم يدع في القلب مني

للمسرّات نصيبا

إنه يوم نحيبٍ

فالتزم فيه النحيبا

عطّ تامورك واترك

معشراً عطّوا الجيوبا (١)

واهجر الطيب فلم يترك

لنا عاشور طيبا

لعن الله رجالاً

أترعوا الدنيا غُصوبا (٢)

سالموا عجزاً فلما

قدروا شنّوا الحروبا

في المعرّات يهبون

شمالاً وجنوبا

كلما ليموا على عيبهم

ازدادوا عيوبا

ركبوا أعوادنا ظلما

وما زلنا ركوبا

ودعونا فرأوا منا

على البعد مجيبا

يقطع الحزن ويطوى

في الدياجير السهوبا

بمطىٍ لا يبالين

على الأين الدّءوبا

لا ولا ذقن على البعد

كلالاً ولغوبا

وخيولٍ كرِئال الدوّ

ـدوّ يهززن السبيبا (٣)

فأتتونا بجموعٍ

خالها الراءون روبا (٤)

بوجوه بعد إسفا

رٍ تبرقعن العطوبا

فنشبنا فيهم كر

هاً وما نهوى النشوبا

بقلوبٍ ليس يعرفن

خفوقاً ووجيبا

ولقد كان طويل الباع

طعّاناً ضروبا

بالضبا ثم القنا يفري

وريداً وتريبا

لا يرى والحربُ تُغلى

قدرُها منها هيوبا

__________________

١ ـ عط : شق ، والتامور : غشاء القلب.

٢ ـ اترعوا : ملأوا ، والغصوب الظلم.

٣ ـ الرئال : فرخ النعام ، والدو : المفازة. والسبيب : شعر عرف الفرس أو اذنيه.

٤ ـ الروب : القطع من الليل.

٢٦١

فجرى منّا ومنهم

عندم الطّعن صبيبا

وصلينا من حريق

الطعن والضرب لهيبا

كان مرعانا خصيباً

فبهم عادَ جديبا

لم نكن نألذف لولا

جورهم فينا خطوبا

لا ولا تبصر عين

في ضواحينا ندوبا (١)

طلبوا أوتار « بَدر »

عندنا ظلماً وحوبا

ورأوا في ساحة الـ

الطف وقد فات القليبا

قد رأيتم فأرونا

منكم فرداً نجيبا

أو تقياً لا يرائى

بتقاه أو لبيبا

كلما كنّا رؤوساً

للورى كنتم عجوبا (٢)

ما رأينا منكم بالحق

إلا مستريبا

وصدوقاً فإذا فتّشته

كان كذوبا

وخليعاً خالياً عن

مطمع الخير عزوبا

وبعيداً بمخازيـ

ـهِ وإن كان نسيبا

ليت عوداً من غَشومٍ

حقّنا كان صليبا

وبودّى أن أنّ مَن يأ

صلنا كان ضريبا

في غدٍ ينضب تيّا

رُ لكم فينا نضوبا

ويقئ الباردَ السلال

مَن كان عبوبا

ويعود الخَلقُ الرّث

من الأمر قشيبا

والذي أضحى وأمسى

ناكباً يضحى نكيبا

آل ياسين ومَن فضلهم

أعيا اللبيبا

أنتم أمني لدى الحشر

إذا كنت نخيبا (٣)

__________________

١ ـ الندوب هو اثر الجرح.

٢ ـ العجوب : جمع العجب وهو العقب أو العجز.

٣ ـ النخيب : الخائف.

٢٦٢

انتم كشّفتم لي

بالتباشير الغيوبا

كم رددتم مخلباً

عني حديداً ونيوباً

وبكم « أنجو » إذاعو

جلتُ موتاً أن أنوبا

واليكم جَمحاني

ما حدا الحادون نيبا (٢)

وعليكم صلواتي

مشهداً لي ومغيبا

يا سقى الله قبوراً

لكم زِنّ الكثيبا

حُزنَ خير الناس جدّاً

وأباً ضخماً حسيبا

لقي الله وظنّ

الناس أن لاقى شعوبا

وهو في الفردوس لمّا

قيل قد حلّ الجبوبا (٣)

وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء سنة ٤١٣ :

لك الليل بعد الذاهبين طويلا

ووفد همومٍ لم يردن رحيلا

ودمعٍ إذا حبسته عن سبيله

يعود هتوناً في الجفون هَطولا

فياليت أسرابَ الدموع التي جرت

أسون كليماً أو شفين غليلا

أُخال صحيحاً كل يومٍ وليلةٍ

ويأبى الجوى ألا أكون عليلا

كأني وما أحببت أهوى ممنّعاً

وأرجو ضنينا بالوصال بخيلا

فقل للذي يبكي نُؤياً ودِمنة

ويندب رسماً بالعراء محميلا

عداني دمٌ لي طلّ بالطف إن أُرى

شجيّاً أُبكّي أربعاً وطلولا

مصابٌ إذا قابلت بالصبر غر به

وجدت كثيري في العزاء قليلا

ورُزءٌ حملت الثقل منه كأنني

مدى الدهر لم أحمل سواه ثقيلا

وجدتم عُداة الدين بعد محمد

الى كلمه في الأقربين سبيلا

كأنكم لم تنزعوا بمكانه

خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا

وأيّكم ما عزّ فينا بدينه؟

وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا

__________________

٢ ـ الجمحان : القصد.

٣ ـ الجبوب : جمع جب وهو الحفرة.

٢٦٣

فقل لبني حربٍ وآل أميّةٍ

إذا كنتَ ترضى ان تكون قؤولا

سللتم على آل النبي سيوفه

مُلئن ثُلوماً في الطلى وفلولا

وقُدتم الى مَن قادكم من ضلالكم

فأخرجكم من وادييه خيولا

ولم تغدروا إلا بمن كان جده

اليكم لتحظوا بالنجاة رسولا

وترضون ضد الحزم إن كان ملككم

[ بديناً ] وديناً دنتموه هزيلا

نساء رسول الله عُقر دياركم

يرجّعن منكم لوعة وعويلا

فهنّ ببوغاء الطفوف أعزةٌ

سقوا الموت صرفاً صبيةً وكهولا

كأنهم نوار روضٍ هَوَت به

رياحٌ جنوباً تارةً وقبولا

وأنجمُ ليلٍ ما علون طوالعاً

لأعيننا حتى هبطن أفولا

فأي بدورٍ ما محين بكاسفٍ

واي غصون ما لقين ذبولا

أمن بعد أن اعطيتموه عهودكم

خفافاً الى تلك العهود عجولا

رجعتم عن القصد المبين تناكصاً

وحُلتم عن الحق المنير حؤولا

وقعقعتم أبوابَه تختلونه

ومَن لم يرد ختلاً أصاب ختولا

فما زلتم حتى أجاب نداءكم

وأيّ كريم لا يجيب سَؤولا؟

فلما دنا ألفاكم في كتائب

تطاولن أقطار السباسب طولا

متى تك منها حجزةٌ أو كحجزة

سمعت زُغاءً « مضعفاً » وصهيلا

فلم يُرَ إلا ناكثاً أو منكبّاً

وإلا قطوعاً للذمام حلولا

وغلا قعوداً عن لمام بنصره

وإلا جَبوهاً بالردى وخذولا

وضغن شغافٍ هبّ بعد رقاده

وأفئدةً ملأى يفضنَ ذُحولا

وبيضاً رقيقات الشفار صقيلةً

وسمراً طويلات المتون عُسولا

ولا انتم أفرجتم عن طريقه

إليكم ولا لما أراد قُفولا

عزيزٌ على الثاوي بطيبة أعظم

أنبذن على أرض الطفوف شُكولا

وكل كريم لا يلم بريبة

فإن سيم قول الفحش قال جميلا

يذادون عن ماء الفرات وقد سُقوا الـ

ـشهادة من ماء الفرات بديلاً

رُموا بالردى من حيث لا يحذرونه

وغرّوا وكم غر الغفول غفولا

٢٦٤

أيا يوم عاشوراء كم من فجيعة

على الغُر آل الله كنت نزولا!

دخلت على بياتهم بمصابهم

ألا بئسما ذاك الدخول دُخولا

نزعت شهيد الله ما وإنما

نزعت يميناً أو قطعت قليلا

قتيلا وجدنا بعده دين احمد

فقيداً وعز المسلمين قتيلا

فلا تبخسوا بالجور مَن كان ربّه

برجعِ الذي نازعتموه كفيلا

أُحبكم آسل النبي ولا أرى

وإن عذلوني عن هواي عديلا

وقلت لمن يُلحي على شغفي بكم

وكم غير ذي نصحٍ يكون عذولا

روَيدكم لا تنحلوني ضلالكم

فلن تُرحلوا مني الغداةَ ذلولا

عليكم سلام الله عيشاً وميتةً

وسَفراً تطيعون النوى وحلولا

فما زاغ قلبي عن هواكم ، وأخمَصى

فلا زلّ عما ترتضون زليلا

٢٦٥

السيد مرتضى علم الهدى المولود سنة ٣٥٥ والمتوفى سنة ٤٣٦.

هو ذو المجد بن ابو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الامام موسى الكاظم عليه‌السلام مفخرة العصور ومعجزة الدهور ، نواحي فضله زاخرة بالعظمة ، فهو إمام الفقه ومؤسس أصوله ، واستاذ الكلام ونابغة الشعر وراوية الحديث وبطل المناظرة والقدوة في اللغة وبه الاسوة في العلوم العربية كلها وهو المرجع في كتاب الله العزيز ، وجماع القول انك لا تجد فضيلة الا وهو ابن بجدتها أضف الى ذلك نسبه الوضاح وأواصره النبوية الشذية ومآثره العلوية وحسبك شاهداً مؤلفاته السائرة مسير الأمثال.

يلقب بالمرتضى ، والأجل الطاهر ، وذي المجدين ، ولقّب بعلم الهدى سنة ٤٢٠ وذلك ان الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه امير المؤمنين عليه‌السلام يقول له :

قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ. فقال : يا أمير المؤمنين ومَن علم الهدى ، فقال علي بن الحسين الموسوي : فكتب اليه فقال رضي‌الله‌عنه : الله الله في أمرى فإن قبولي لهذا اللقب شناعة عليّ فقال الوزير : والله ما كتبت اليك إلا ما أمرني به أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

وكان يلقب بالثمانين لما كان له من الكتب ثمانون الف مجلد ، ومن القرى ثمانين قرية تجبى اليه ، وكذلك من غيرهما حتى أن مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر ، وصنف كتاباً يقال له الثمانون. ومن تصانيفه المشهورة منها الشافي في الامامة لم يصنف مثله في الإمامة وكتاب الشيب والشباب وكتاب

__________________

١ ـ ذكره الشهيد في أربعينه.

٢٦٦

الغرر والدرر وله ديوان شعر يزيد على عشرين الف بيت وقد طبع اخيراً في بغداد وقد قيل : لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس ، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس. قال آية الله العلامة : وبكتبه استفادت الإمامية منذ زمنه رحمه‌الله الى زماننا هذا وهو سنة ٦٩٣ وهو ركنهم ومعلّمهم قدس الله روحه وجزاه عن أجداده خيراً. انتهى.

وذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وقال : كتبت عنه وعن جامع الأصول انه عده ابن الأثير من مجددي مذهب الإمامية في رأس المائة الرابعة.

قال ابن خلكان في وصف علم الهدى : كان نقيب الطالبيين وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر وهو أخو الشريف الرضي وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله الكتاب الذي سماه ( الغرر والدرر ) وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم وذكره ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة فقال :

كان هذا الشريف إمام أئمة العراق اليه فزع علماؤها ومنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها وجماع شاردها وأنسها ، ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وتصانيفه في أحكام المسلمين ممن يشهد انه فرع تلك الأصول ومن ذلك البيت الجليل ، وأورد له عدة مقاطيع. اقول وأمه هي فاطمة بنت الحسين ابن احمد بن الحسن بن الناصر الاصم وهو ابو محمد الحسن بن علي بن عمر الأشرف ابن علي بن أبي طالب وهي ام اخيه ابي الحسن الرضي.

حكي عن القاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى انه قال : إن مولد السيد سنة ٣٥٥ وخلف بعد وفاته ثمانين الف مجلد من مقررآته ومصنفاته ومحفوظاته ومن الأموال والأملاك ما يتجاوز عن الوصف ، وصنف كتاباً

٢٦٧

يقال له الثمانين وخلّف من كل شيء ثمانين وعمّر احدى وثمانين سنة من أجل ذلك سمي الثمانيني وبلغ في العلم وغيره مرتبة عظيمة قُلّد نقابة الشرفاء شرقاً وغرباً وإمارة الحاج والحرمين والنظر في المظالم وقضاء القضاء وبلغ على ذلك ثلاثين سنة. انتهى.

وفي أمل الآمل مولده في رجب وتوفي في شهر ربيع الأول ، وفي روضات الجنات لخمس بقين منه وذكر قسماً من مؤلفاته ومنها : التنزيه في عصمة الأنبياء ، الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة ، إنقاد البشر من القضاء والقدر وقال :

وذكره الشيخ في الفهرست واثنى عليه وذكر من مؤلفاته ثمانياً وثلاثين وكذلك النجاشي والعلامة.

وقال صاحب روضات الجنات : كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلا وعلما وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابة وجاها وكرماً الى غير ذلك. قرأ هو وأخوه الرضى على ابن نباتة صاحب الخطب وهما طفلان ، ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس‌سره وكان المفيد رأى في منامه أن فاطمة الزهراء عليها‌السلام دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولدها الحسن والحسين عليهما‌السلام وهما صغيران فسلّمتهما اليه وقالت : علّمهما الفقه ، فانتبه الشيخ وتعجب من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي المرتضى ومحمد الرضي صغيرين فقام اليهما وسلّم عليهما فقالت له : ايها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما اليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقصّ عليه المنام وتولى تعليمهما وأنعم الله عليهما وفتح الله لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر.

وكان رحمه‌الله نحيف الجسم حسن الصورة كما في روضات الجنات وقال :

٢٦٨

كانت وفاته رحمه‌الله لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة وصلى عليه ابنه ابو جعفر محمد ، وتولى غسله أبو الحسين أحمد بن الحسين النجاشي ومعه الشريف ابو يعلى محمد بن جعفر الجعفري وسلار بن عبد العزيز الديلمي ودفن أولا في داره ثم نقل الى جوار جده الحسين ودفن في مشهده المقدس مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة.

وقال سيدنا العلامة الطباطبائي في كتابه ( الفوائد الرجالية ) عند ذكره للسيد المرتضي بعد التعظيم له. وفي زهر الرياض للحسين بن علي بن شدقم الحسيني المدني صاحب مسائل شيخنا البهائي قال : وبلغني ان بعض قضاة الاروام وأظنه سنة ٩٤٢ نبش قبره فرأه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئاً وحكى مَن رأه أن أثر الحِنّاء في يديه ولحيته وقد قيل ان الارض لا تغيّر أجساد الصالحين.

قلت والظاهر أن قبر السيد وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بإبراهيم المجاب وكان ابراهيم هذا هو جد المرتضى وحفيد الإمام موسى عليه‌السلام ، وصاحب أبي السرايا الذي ملك اليمن والله أعلم. أنتهى.

قال يذكر جده الحسين عليه‌السلام ومن قتل معه :

يا دارُ دارَ الصَوم القُوّم

كيف خلا أفقك من أنجم

عهدي بها يرتع سكّانُها

في ظلّ عيشٍ بينها أنعَم

لم يُصبحوا فيها ولم يغبُقوا

إلا بكأسى خمرَة الأنعَم

بكيتها من أدمُعٍ لو أبَت

بكيتها واقعة من دم

وعُجت فيها راثياً أهلها

سَواهم الأوصال والمَطلم

نَحَلن حتّى حالهنّ السُرى

بعض بقايا شَطَنٍ مُبرَم

لم يدعِ الإسآدُ هاماتها

إلا سقيطاتٍ على المَنسٍم

يا صاحبي يوم أزالَ الجَوى

لحمى بخّدى عن الأعظم

٢٦٩

« داويت » ما أنت به عالمٌ

ودائي المعضل لم تعلم

ولستُ فيما أنا صَبّ به ،

مَن قَرَن الساليَ بالمُغرَم؟

وَجدى بغير الظن سيّارةً

من مَخرِم ناء إلى مَخرم

ولا بلفّاء هضيم الحشا

ولا بذات الجيد والمعصَم

فاسمع زفيرى عند ذكر الأُلى

بالطفّ بين الذئب والقشعم

طَرحى فإمّا مقعَص بالقنا

أو سائل النفس على مخذَم

نَثرٌ كدُرٍ بَدَدٍ مُهمَلٌ

لغفلة السلك فلم يُنظَم

كأنّما الغَبراء مَرميّة

من قبل الخضراء بالأنجُم

دُعوا فجاءوا كَرَماً منهم

كم غرّ قوماً قَسَم المُقسم

حتى رأوها أخريات الدجى

طوالعاً من رَهَجٍ أقتَم

كأنهم بالصّم مطرورة

لمنجد الأرض على مُتهِم

وفوقها كلّ مغَيظ الحشا

مُكتَحل الطرف بلون الدم

كأنه من حَنَقٍ أجدَلٌ

أرشده الحرص إلى مَطعم

فاستقبلوا الطعنَ إلى فتيَةٍ

خوّاض بحرالحذر المفعَم

من كلّ نهّاضٍ بثقل الأذى

موكّل الكاهل بالمُعظَم

ماضٍ لِما أمّ فلو جاد في الـ

ـهيجاء بالحوباء لم يَندم

وكالفٍ بالحرب لو أنه

أُطعم يوم السّلم لم يطعمِ

مثلّم السيف ومن دونه

عرض صحيح الحد لم يثلم

فلم يزالوا يُكرعون الظبا

بين تراقي الفارس المُعلم

فمثخَنٌ يحملُ شهّاقة

تحكى لراءِ فُغرةَ الاعلم

كأنما الوَرس بها سائل

أو أنبتت من قُضُبِ العَندَم

ومستزلّ بالقنا عن قَرا

عبل الشوى أو عن مَطا أدهم

لو لم يكيدوهم بها كيدة

لانقلبوا بالخزى والمرغم

فاقتضبت بالبيض أرواحهم

في ظل ذاك العارض الأسحم

مصيبةٌ سيقت إلى أحمدٍ

ورَهطِهِ في الملأ الاعظم

٢٧٠

رزءٌ ولا كالرُزء من قبله

ومؤلمٌ ناهيك من مؤلم

ورميةٌ أصمت ولكنها

مصميةٌ من ساعدٍ أجذم

قل لبني حربِ ومن جمعوا

من جائرٍ عن رشده أوعم

وكلّ عان في إسارى الهوى

يُحسب يَقظان من النوم

لا تحسبوها حُلوةً إنها

أمرّ في الحلق من العلقم

صرّعهم أنهم أقدموا

كم فُدي المحجم بالمقدم

هل فيكم إلا أخو سَوءَةٍ

مُجرّحُ الجلد من اللُوّم

إن خاف فقراً لم يجُد بالندى

أو هاب وشكَ الموت لم يُقدم

يا آل ياسين ومَن حُبهم

منهجُ ذاك السنن الأقوم

مهابطُ الأملاكِ أبياتهم

ومُستقر المنزل المُحكم

فأنتم حُجة رب الورى

على فصيح النطق أو أعجم

وأين؟ إلا فيكم قُربةٌ

الى الاله الخالق المنعم

والله لا أخليتُ من ذكركم

نَظمي ونثري ومرامي فمي

كلا ولا أغبَبتُ أعداءكم

من كّلمي طوراً ومن أسهمي

ولا رُئي يوم مصاب لكم

منكشفاً في مشهدٍ مَبسمي

فإن أرغب عن نصركم برهة

بمرهفات لم أغب بالفم

صلى عليكم ربّكم وارتوت

قبوركم من مسبل مُثجم

مقعقع تُخجل اصواته

أصوات ليث الغابة المرزم

وكيف أستسقي لكم رحمة

وأنتم رحمة للمجرم؟

وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام ويذكر آل حرب :

خذوا من جفوني ماءها فهي ذُرّف

فما « لكم » إلا الجوى والتلهُّف

وإن أنتما استوقفتما عن مَسيلها

غُروب مآقينا فما هنّ وقف

كأن عيوناً كن زوراً عن البكا

غصون مَطيرات الذُرى فهي وكفّ

دعا العذل والتعنيف في الحزن والأسى

فما هجر الأحزان إلا المعنّف

٢٧١

تقولون لي صبرا جميلاً وليس لي

على الصبر إلا حسرة وتلهف

وكيف أطيق الصبر والحزن كلما

عنفتُ به يقوى عليّ وأضعف

ذكرت بيوم الطف أوتاد أرضه

تهبّ بهم للموت نكباء حرجف

كرامٌ سُقوا ماء الخديعة وارتووا

وسيقوا الى الموت الزُؤام فأوجفوا

فكم مُرهَفٍ فيهم ألم بحدّه

هنالك مسنونُ الغرارين مُرهفُ

ومعتدل مثل القناة مثقفٍ

لواه الى الموت الطويل المثقّف

قَضَوا بعد أن قضّوا منىً من عدوّهم

ولم ينكلوا يوم الطعان ويضعفوا

وراحوا كما شاء لهم أريحيّهٌ

ودَوحَةُ عزٍّ فرعُها متعطّف

فإن ترهم في القاع نَثراً فشملهم

بجنّات عدنٍ جامعٌ متألّف

إذا ما ثنوا تلك الوسائد مُيّلاً

أديرَت عليهم في الزجاجة قرقف

وأحواضهم مورودة فغدّوهم

يُحَلا واصحاب الولاية ترشُف

فلو أنّني شاهدتهم أو شَهِدتهم

هناك وأنياب المنيّةِ تَصرف

لدافعت عنهم واهباً دونهم دمي

ومَن وهب النفس كريمة منصف

ولم يك يخلو من ضرابي وطعنتي

حسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مقصّفٌ

فيا حاسديهم فضلَهم وهو باهر

وكم حسد الأقوام فضلاً وأسرفوا!

دعوا حلباتِ السبق تمرح خيلُها

وتغدو على مضمارها تتغطرف

ولا تزحفوا زحف الكسير إلى العلا

فلن تلحقوا وللصّلال « التزحف »

وخلوا التكاليف التي لا تفيدكم

فما يستوي طبعٌ نبا وتكلّف

فقد دام إلطاطٌ بهم في حقوقهم

وأعوز إنصاف وطال تحيف

تناسيتم ما قال فيهم نبيّكم

كأن مقالاً قال فيهم محرّف

فكم لرسول الله في الطف من دمٍ

يراق ومن نفس تمات وتتلف

ومن ولدٍ كالعين منه كرامةً

يقاد بأيدي الناكثين ويعسف

عزيزٌ عليه أن تُباع نساؤه

كما بيع قطع في عكاظ وقرطف

يُذَدن عن الماء الرواءِ وترتوى

من الماء أجمالٌ لهم لا تكفكف

فيا لعيونٍ جائرات عن الهدى

ويا لقلوبٍ ضغنها متضعّف

٢٧٢

لكم أم لهم بيتٌ بناه على التبقى

وبيتٌ له ذاك الستار المسجّف

به كل يوم من قريشٍ وغيرها

جهيرٌ ملبٍّ أو سريع مطوّف

إذا زارَه يوماً دلوحٌ بذنبهِ

مضى وهو عريانُ الفرا متكشّف

وزمزم والركُب الذي يمسحونه

وأيمانهم من رحمة الله تنطف

ووادي منى تهدى إليه نحائرٌ

تكبّ على الأذقان قسراً فتحتف (١)

وجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تُربه

ومن قبله يوم الوقوف المعرّف

وأنتم نصرتم أم هم يوم خيبرٍ

نبيّكم حيث الأسنة ترعف؟

فررتم وما فرّوا وحدتم عن الردى

وما عنه منهم حائد متحرّف

فحصنٌ مشيدٌ بالسيوف مهدّم

وبابٌ منيع بالأنامل يُقذَف

توقفتم خوف الردى عن مواقف

وما فيهم من خيفةٍ يتوقّف

لهم دونكم في يوم بَدرٍ وبعدها

بيوم حنين كلّما لا يزحلف

فقل لبني حرب وإن كان بيننا

من النسب الداني مرائر تحصف

أفي الحقّ أنّا مخرجوكم إلى الهدى

وأنتم بلا نهجٍ إلى الحق يعرف؟

وإنّا شَببنا في عِراص دياركم

ضياءً وليل الكفر فيهنّ مُسدف

وإنّا رفعناكم فأشرف منكم

بنا فوق هامات الأعزّة مِشرف

وها أنتم ترموننا بجنادل

لها سُحُبُ ظلماؤها لا تُكشّف

لنا منكم في كلّ يومٍ وليلة

قتيل صريع أو شريد مخوّف

فخرتم بما ملّكتموه وإنكم

سِمان من الأموال إذ نحن شُسّف (١)

وما الفخر ـ يا مَن يجهل الفخر للفتى ـ

قميص موشّى أو رداءٌ مفوّف

وما فخرنا إلا الذي هبطت به الـ

ـملائك أو ما قد حوى منه مُصحف

يقرّ به مَن لا يطيق دفاعَه

ويعرفه في القوم مَن يتعرّف

ولمّا ركبنا ما ركبنا من الذُرا

وليس لكم في موضع الردف مردف

تيقنتم أنّا بما قد حويتم

أحقّ وأولى في الأنام وأعرف

__________________

١ ـ تحتف : تهلك.

٢ ـ الشسف : جمع الشاسف وهو الضامر الهزيل.

٢٧٣

ولكن أمراً حاد عنه محصّل

وأهوى إليه خابط متعسف

وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينه

حسامُ وكم قطّ الضريبة مقرف (١)

فلا تركبوا أعوادَنا فركوبها

لمن يركب اليوم العبوس فيوجف

ولا تسكنوا أوطاننا فعراصنا

تميل بكم شوقاً إلينا وترجف

ولا تكشفوا ما بيننا من حقائد

طواها الرجال الحازمون ولفّفوا

وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجملاً

وإما صديقاً دهره يتلطف

فللخير إن آثرتم الخير موضعٌ

وللشرّ إن أحببتم الشر موقف

عكفنا على ما تعلمون من التقى

وأنتم على ما يعلم الله عكّف

لكم كل موقوذ بكظّة بطنه

وليس لنا إلا الهضيم المخفف

الى كم أداري مَن أُداري من العِدا

وأهدن قوماً بالجميل وألطف؟

تلاعب بي ايدي الرجال وليس لي

من الجور مُنجٍ لا ولا الظلم منصف

وحشو ضلوعي كل نجلاءَ ثرّةٍ

متى ألّفوها اقسمت لا تألف

فظاهرها بادي السريرة فاغرٌ

وباطنها خاوي الدخيلةِ أجوف

إذا قلتُ يوماً قد تلاءم جرحها

تحكك بالأيدي عليّ وتقرف

فكم ذا ألاقي منهم كل رابح

وما أنا إلا أعزل الكف أكتف

وكم أنا فيهم خاضعٌ ذو استكانة

كأني ما بين الأصحّاء مُدنف

اقاد كأني بالزمام مُجلّب

بطيء الخطا عاري الأضالع أعجف

وأرسِف في قيد من الحزم عنوةً

ومن ذيدَ عن بسط الخطا فهو يرسف

ويلصق بي من ليس يدري كلالة

وأحسَبُ مضعوفاً وغيري المضعّف

وعدنا بما منّا عيون كثيرة

شخوص الى إدراكه ليس تطرف

وقيل لنا حان المدا فتوكفوا

فيا حججاً لله طال التوكف

فحاشا لنا من ريبةٍ بمقالكم

وحاشا لكم من أن تقولوا فتخلفوا

ولم أخشَ إلا من معاجلة الردى

فأصرف عن ذاك الزمان وأُصدف

__________________

١ ـ المقرف. المتهم والمعيب.

٢٧٤

وقال رضي‌الله‌عنه يرثي الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء « سنة ٤٢٧ »

أما ترى الربع الذي اقفرا

عراهُ من ريب البلى ما عَرا؟

لو لم أكن صبّا لسكانه

لم يجر من دمعي له ما جرى

رأيته بعد تمامٍ له

مقلباً أبطنه أظهرا

كأنني شكا وعلماً به

أقرأ من أطلاله أسطرا

وقفت فيه أينقاً ضمّراً

شذّب من أوصالهن السُرى

لي بأناس شُغلٌ عن هوى

ومعشري أبكى لهم معشرا

أجل بأرض الطف عينيك ما

بين أناس سربلوا العثيرا

حكّم فيهم بغيُ أعدائهم

عليهم الذًُؤبان والأنسرا

تخال من لألاء أنوارهم

ليل الفيافي لهم مقمرا

صرعى ولكن بعد أن صَرّعوا

وقطّروا كلّ فتىً قطّرا

لم يرتضوا درعاً ولم يلبسوا

بالطعن إلا العَلَق الأحمرا

من كلّ طيّان الحشا ضامرٍ

يركب في يوم الوغى ضمّرا

قل لبني حربٍ وكم قولةٍ

سطّرها في القوم من سطرا

تهتم عن الحق كأن الذي

أنذركم في الله ما أنذرا

كانّه لم يقركم ضُلّلا

عن الهدى القصد بأمّ القرى (١)

ولا تدرّعتم بأثوابه

من بعد أن أصبحتم حُسرا

ولا فريتم أدماً « مرّةً »

ولم تكونوا قط ممن فرى

وقلتم : عنصرنا واحدٌ ؛

هيهات لا قربى ولا عنصرا!

ما قدم الأصل أمرءاً في الورى

أخرّه في الفرع ما أخّرا

وغرّكم بالجهل إمهالكم

وإنما اغترّ الذي غُرّرا

حلأتم بالطف قوماً عن الـ

ـماء فحلّئتم به الكوثرا

__________________

١ ـ يقركم : يرشدوكم ويهدكم. والقصد. الهدى والرشاد ، وام القرى. مكة المكرمة.

٢٧٥

فإن لقوا ثَمّ بكم منكراً

فسوف تلقون بهم منكرا

في ساعة يحكم في أمرها

جدُهم العدل كما أُمّرا

وكيف بعتم دينكم بالذي أسـ

تنزره الحازم وأستحقرا

لولا الذي قدّر من أمركم

وجدتم شأنكم احقرا

كانت من الدهر بكم عثرةٌ

لا بد للسابق أن يعثرا

لا تفخروا قطّ بشيء فما

تركتم فينا لكم مفخرا

ونلتموها بيعةً فلتةً

حتى ترى العين الذي قدّرا

كأنني بالخيل مثل الدبى

هبّت به نكباؤه صرصرا

وفوقها كل شديد القوى

تخاله من حنق قسورا

لا يمطر السُمر غداة الوغى

الا برشّ الدم إن أمطرا

فيرجع الحق الى أهله

ويقبل الأمر الذي أدبرا

يا حجج الله على خلقه

ومَن بهم أبصر من أبصرا

أنتم على الله إليكم كما

علمتم المبعثَ والمحشرا

فإن يكن ذنبٌ فقولوا لمن

شفعكم في العفو أن يغفرا

إذا توليتكم صادقاً

فليس مني منكر منكرا

نصرتكم قولاً على أنني

لآملٌ بالسيف أن أنصرا

وبين أضلاعي سرّ لكم

حوشي أن يبدو وأن يظهرا

أنظر وقتاً قيل لي بُح به

وحق للموعود أن ينظرا

وقد تبصرتُ ولكنني

قد ضقتُ أن أكظم أو أصبرا

وأيُ قلبٍ حملت حزنكم

جوانح « منه » وما فُطّرا

لا عاش من بعدكم عائش

فينا ولا عُمّر من عمّرا

ولا استقرت قدمٌ بعدكم

قرارة مبدي ولا محضَرا (١)

ولا سقى الله لنا ظامئاً

من بعد أن جنّبتم الأبحرا

__________________

١ ـ المبدي هو البدو ، والمحضر هو محل احضر.

٢٧٦

ولا علَت رجل وقد زحزحت

أرجلكم عن متنه مِنبرا (١)

وقال رثاء جده الحسين عليه‌السلام :

حلفت بمن لاذت قريش ببيته

وطافوا به يوم الطواف وكبّروا

وبالحصيات اللات يقذفن في منى

وقد أم نحو الجمرة المتجمّر

وواد تذوق البزل فيه حمامها

فليس به إلا الهديّ المعفّر

وجمعٍ وقد حطّت إليه كلا كل

طلائح أضنتها التنائف ضمّر

يخلن عليهنّ الهوادج في الضحى

سفائن في بحر من الآل يزخر

ويوم وقوف المحرمين على ثرىً

تطاح به الزلات منهم وتغفر

أتوه أسارى الموبقات وودّعوا

وما فيهم إلا الطليق المحرّر

لقد كُسرت للدين في يوم كربلا

كسائر لا توسى ولا هي تجبر

فإمّا سبيّ بالرماح مسوّق

وإمّا قتيل في التراب معفّر

وجرحى كما اختارت رماح وأنصل

وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر

لهم والدجى بالقاع مرخٍ سدوله

وجوه كأمثال المصابيح تزهر

تراح بريحانٍ وروحٍ ورحمةٍ

وتوبّل من وبل الجنان وتمطر

فقل لبني حربٍ وفي القلب منهم

دفائن تبدو عن قليلٍ وتظهر

ظننتم وبعض الظن عجز وغفلة

بأن الذي أسلفتم ليس يذكر

وهيهات تأبى الخيل والبيض والقنا

مجاري دمٍ للفاطميين يُهدر

ولستم سواءً والذين غلبتم

ولكنها الاقدار في القوم تُقدر

وإن نلتموها دولةً عجرفيّة

فقد نال ما قد نال كسرى وقيصر

وليس لكم من بعد أن قد غدرتم

بمن لم يكن يوماً من الدهر يغدر

سوى لائماتٍ آكلاتٍ لحومكم

وإلا هجاء في البلاد مُسيّر

تقطَع وصل كان منّا ومنكم

ودانٍ من الأرحام يثنى ويسطر

__________________

١ ـ عن الديوان.

٢٧٧

وهل نافع أن فرّقتنا أصولكم

أصول لنا نأوى إليها وعنصر

وعضو الفتى إن شلّ ليس بعضوه

وليس لربّ السرّب سرب مُنَفّر

ولا بد من يومٍ به الجو أغبر

وفيه الثرى من كثرة القتل أحمر

وأنتم بمجتاز السيول كأنكم

هشيم بأيدي العاصفات مطير

فتهبط منكم أرؤوس كنّ في الذُرا

ويخبو لكم ذاك اللهيب المسعّر

ويثأر منكم ثائرٌ طال مطله

وقد تظفر الأيام من ليس يَظفر (١)

وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام ومن قتل من أصحابه :

هل أنت راث لصب القلب معمود

دَوي الفؤاد بغير الخرّد الخود؟

ما شفّه هجر أحبابٍ وإن هجروا

من غير جرمٍ ولا خُلف المواعيد

وفي الجفون قذاة غير زائلةٍ

وفي الضلوع غرامٌ غير مفقود

يا عاذلي ـ ليس وجدٌ بتّ أكتمه

بين الحشى ـ وجد تعنيف وتفنيد

شربي دموعى على الخدين سائلة

إن كان شربك من ماء العناقيد

ونم فإن جفوناً لي مسهدة

عمر الليالي ولكن أي تسهيد؟

وقد قضيتُ بذاك العذل « مأربة »

لو كان سمعي عنه غير مسدود

تلومني لم تصبك اليوم قاذفتي

ولم يعدك كما يعتادني عيدي

فالظلم عذل خليّ القلب ذا شجن

وهجنةٌ لومُ موفور لمجهود

كم ليلة بتّ فيها غير مرتفق

والهمّ ما بين محلول ومعقود

ما إن أحنّ اليها وهي ماضية

ولا أقول لها مستدعياً : عودي

جاءت فكانت كعوّار على بصر

وزايلت كزيال المائد المودي (٢)

فإن يود أناس صبح ليلهم

فإن صبحي صبح غير « مودود »

عشيةٌ هجمت منها مصائبها

على قلوب عن البلوى محاييد

يا يوم عاشور كم طأطأت من بصر

بعد السمو وكم أذللت من جيد

__________________

١ ـ عن الديوان.

٢ ـ العوار : ما يصيب العين من رمد. والمائد : المتحرك. وللمودي : المهلك.

٢٧٨

يا يوم عاشورا كم أطردت لي أملاً

قد كان قبلك عندي غير مطرود

أنت المرنق عيشي بعد صفوته

ومولج البيض من شيبي على السود

جُز بالطفوف فكم فيهن من جبل

خر القضاء به بين الجلاميد

وكم جريح بلا آسٍ تمزقه

إما النسور وإما أضبع البيد (١)

وكم سليب رماح غير مستتر

وكم صريع حمام غير ملحود

كأن أوجههم بيضاً « ملألئة »

كواكب في عراص القفرة السود

لم يطعموا الموتَ إلا بعد أن حطموا

بالضرب والطعن أعناق الصناديد

ولم يدعُ فيهم خوف الجزاء غداً

دماً لترب ولا لحماً إلى سيد (٢)

من كل أبلج كالدينار تشهده

وسط النديّ بفضل غير مجحود

يغشى الهياج بكف غير منقبض

عن الضراب وقلب غير مزءود

لم يعرفوا غير بثّ العرف بينهم

عفواً ولا طبعوا إلا على الجود

يا آل أحمد كم تلوى حقوقكم

لي الغرائب عن نبت القراديد (٣)

وكم أراكم بأجواز الفلا جزراً

مبددين ولكن أي تبديد؟

لو كان ينصفكم من ليس ينصفكم

ألقى إليكم مطيعاً بالمقاليد

حُسدتم الفضل لم يحرزه غيركم

والناس « ما » بين محروم ومحسود

جاءوا إليكم وقد أعطوا عهودهم

في فيلق كزهاء الليل ممدود

مستمرحين بأيديهم وأرجلهم

كما يشاءون الركض الضمّر القود (٤)

تهوي بهم كل جرداء مطهمةٍ

هويّ سجل من الأوذام مجدود (٥)

مستشعرين لأطراف الرماح ومن

حدّ الظبا أدرعاً من نسج داود

__________________

١ ـ الاسي : الطبيب.

٢ ـ السيد. الذئب والاسد.

٣ ـ القراديد. هو ما ارتفع وغلظ من الأرض.

٤ ـ القود : من الخيل ما طال ظهره وعنقه.

٥ ـ السجل. الدلو العظيمة والأوذام جمع الوذمة وهي السير بين آذان الدلو والخشبة المعترضة عليها.

٢٧٩

كأن أصوات ضرب الهام بينهم

أصوات دوحٍ بأيدي الريح مبرود

حمائم الأيكِ تبكيهم على فَنَن

مرنح بنسيم الريح أُملود

نوحي فذاك هدير منك محتسب

على حسين فتعديد كتغريد

أُحبكم والذي طاف الحجيج به

بمبتنى بإزاء العرش مقصود

وزمزمٍ كلما قسنا مواردها

أوفى وأربى على كل المواريد

والموقفين وما ضحوا على عجلٍ

عند الجمار من الكوم « المقاحيد » (١)

وكل نسك تلقاه القبول فما

أمسى وأصبح إلا غير مردود

وارتضى أنني قد متّ قبلكم

في موقف بالردينيات مشهود

جمّ القتيل فهامات الرجال به

في القاع ما بين متروك ومحصود

فقل لآل زياد أيّ معضلة

ركبتموها بتخبيب وتخويد

كيف استلبتم من الشجعان أمرهم

والحربُ تغلي بأوغاد عراديد؟

فرقتم الشمل ممن لف شملكم

وأنتم بين تطريد وتشريد

ومَن أعزكم بعد الخمول ومن

أدناكم مِن أمان بعد تبعيد؟

لولاهم كنتم لحماً لمزدرد

أو خُلسة لقصير الباع معضود

أو كالسقاء يبيساً غير ذي بلل

أو كالجناء سقيطاً غير معمود

أعطاكم الدهر ما لا بد « يرفعه »

فسالب العود فيها مورق العود

ولا شربتم بصفو لا ولا علقت

لكم بنان بأزمان أراغيد

ولا ظفرتم وقد جنّت بكم نوب

مقلقلات بتمهيد وتوطيد

وحوّل الدهر رياناً الى ظمأ

منكم وبدّل محدوداً بمجدود

قد قلت للقوم حطوا من عمائمهم

تحققاً بمصاب السادة الصيد

نوحوا عليه فهذا يوم مصرعه

وعددوا إنها أيام تعديد

فلي دموعٌ تُباري القطر واكفةٌ

جادت وإن لم أقل يا أدمعي جودي (٢)

__________________

١ ـ المقاحيد : جمع المقحاد وهي الناقة عظيمة السنام.

٢ ـ عن الديوان.

٢٨٠