أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٠

أقول : والد المرتضى والرضي هو احمد الطاهر الحسين بن موسى الذي يسمى بالابرش.

وقال السيد حسن الصدر قدس‌سره في كتابه ( نزهة اهل الحرمين ) : لقد تعرضتُ في تكملة امل الامل الى تحقيق قبري السيدين المرتضى والرضي وانهما في كربلاء ، وان المكان المعروف في بلد الكاظمية بقبرهما هو موضع دفنهما فيه أولاً ثم نقلا منه الى كربلاء ، ولا بأس بزيارتهما في هذا الموضع أيضا ، وإنما أبقوه كذلك لعظم شأنهما.

قال رحمه‌الله يفتخر بأهل البيت عليهم‌السلام ويذكر قبورهم ويتشوقها :

ألا لله بادرة الطلاب

وعزم لا يروّع بالعتاب

وكل مشمر البردين يهوي

هوي المصلتات (١) الى الرقاب

أعاتبه على بعد التنائي

ويعذلني على قرب الاياب

رأيت العجز يخضع لليالي

ويرضى عن نوائبها الغضاب

ولولا صولة الايام دوني

هجمت على العلى من كل باب

ومن شيم الفتى العربي فينا

وصال البيض والخيل العراب

له كذب الوعيد من الاعادي

ومن عاداته صدق الضراب

سأدرّع الصوارم والعوالي

وما عرّيت من خلع الشباب

واشتمل الدجى والركب يمضي

مضاء السيف شذّ عن القراب

وكم ليل عبأت له المطايا

ونار الحي حائرة الشهاب

لقيت الارض شاحبة المحيا

تلاعب بالضراغم والذئاب

فزعت الى الشحوب وكنت طلقا

كما فزع المشيب الى الخضاب

ولم نرَ مثل مبيض النواحي

تعذبه بمسوّد الإهاب

أبيت مضاجعاً أملي وإني

أرى الآمال أشقى للركاب

__________________

١ ـ المصلتات : السيوف.

٢٢١

إذا ما اليأس خيّبنا رجونا

فشجعنا الرجاء على الطلاب

أقول اذا استطار من السواري

زفون القطر رقاص الحباب (١)

كأن الجو غصّ به فأومى

ليقذفه على قمم الشعاب

جدير أن تصافحه الفيافي

ويسحب فوقها عذب الرباب

اذا هتم (٢) التلاع رأيت منه

رضاباً في ثنيّات الهضاب

سقى الله المدينة من محلٍ

لباب الماء والنطف العذاب

وجاد على البقيع وساكنيه

رخيّ الذيل ملآن الوطاب

وأعلام الغري وما استباحت

معالمها من الحسب اللباب

وقبراً بالطفوف يضم شلواً

قضى ظمأ الى بَرد الشراب

وسامراً وبغداداً وطوساً

هطول الودق منخرق العباب

قبور تنطف العبرات فيها

كما نطف الصبير (٣) على الروابي

فلو بخل السحاب على ثراها

لذابت فوقها قطع السراب

سقاك فكم ظمئت اليك شوقاً

على عُدواء داري واقترابي

تجافي يا جنوب الريح عني

وصوني فضل بردك عن جنابي

ولا تسري إليّ مع الليالي

وما استحقبت من ذاك التراب

قليل أن تقاد له الغوادي

وتنحر فيه أعناق السحاب

أما شَرق التراب بساكنيه

فيلفظهم الى النعم الرغاب

فكم غدت الضغائن وهي سكرى

تدير عليهم كاس المصاب

صلاة الله تخفق كل يوم

على تلك المعالم والقباب

وإني لا أزال اكرّ عزمي

وإن قلّت مساعدة الصحاب

واخترق الرياح الى نسيم

تطلع من تراب أبي تراب

بودي ان تطاوعني الليالي

وينشب في المنى ظفري ونابي

__________________

١ ـ السواري : جمع سارية السحاب. زفون القطر : دفاع المطر. الحباب : فقاقيع الماء.

٢ ـ الهتم : كسر الثنايا من أصلها.

٣ ـ الصبير : السحاب الذي يصير بعضه فوق بعض.

٢٢٢

فارمي العيس نحوكم سهاماً

تغلغل بين أحشاء الروابي

ترامى باللغام على طلاها

كما انحدر الغثاء عن العُقاب (١)

وأجنَب بينها خرق المذاكي

فأملي باللغام على اللغاب

لعلي أن ابلّ بكم غليلاً

تغلغل بين قلبي والحجاب

فما لقياكم إلا دليل

على كنز الغنيمة والثواب

ولي قبران بالزوراء أشفي

بقربهما نزاعي واكتئابي

أقود اليهما نفسي واهدي

سلاماً لا يحيد عن الجواب

لقائهما يطهر من جناني

ويدرأ عن ردائي كل عاب

قسيم النار جدي يوم يلقى

به باب النجاة من العذاب

وساقي الخلق والمهجات حرّى

وفاتحة الصراط الى الحساب

ومن سمحت بخاتمه يمين

تضن بكل عالية الكعاب

اما في باب خيبر معجزات

تصدق أو مناجاة الحُباب

ارادت كيده والله يأبى

فجاء النصر من قبل الغراب

أهذا البدر يكسف بالدياجي

وهذي الشمس تطمس بالضباب

وكان إذا استطال عليه جانٍ

يرى ترك العقاب من العقاب

أرى شعبان يذكرني اشتياقي

فمن لي أن يذكركم ثوابي

بكم في الشعر فخري لا بشعري

وعنكم طال باعي في الخطاب

اجلّ عن القبائح غير أني

لكم أرمي وأرمى بالسباب

فأجهر بالولاء ولا أورّي

وأنطق بالبراء ولا أحابي

ومَن أولى بكم مني وليّاً

وفي أيديكم طرف انتسابي

محبكم ولو بغضت حياتي

وزائركم ولو عقرت ركابي

تباعد بيننا غِيَرُ الليالي

ومرجعنا الى النسب القراب (٢)

__________________

١ ـ اللغام : لعاب الابل والطلى العنق والغثاء البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل والعقاب جمع عقبة مرقى صعب من الجبال.

٢ ـ القراب : القريب.

٢٢٣

وقال وقد بلغه عن بعض قريش افتخار على ولد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام :

يُفاخرنا قومٌ بمن لم يَلدهم

بتيم اذا عدّ السوابق أو عدي

وينسون مَن لو قدموه لقدّموا

عذار جواد في الجياد مقلُد

فتى هاشم بعد النبي وباعها

لمرمى عُلى أو نيل مجد وسؤدد

ولولا عليٌ ما علوا سرواتها

ولا جعجعوا منها بمرعى ومورد

أخذنا عليهم بالنبي وفاطم

طلاع المساعي من مقام ومقعد

وطلنا بسبطي احمد ووصيه

رقاب الورى من متهمين ومنجد

وحُزناً عتيقاًوهو غاية فخركم

بمولد بنت القاسم بن محمد

فجدّ نبيٍّ ثم جدّ خليفة

فما بعد جدّينا عليٍ واحمد

وما افتخرت بعد النبي بغيره

يد صفقت يوم البياع على يد

وفي ثنايا شعره يتمدح كثيراً بجده الحسين سيد أهل الاباء قال من قصيدة :

وجدى خابط البيداء حتى

تبدّى الماء من ثَغَب الرعان

قضى وجياده حول المعالى

ووفد ضيوفه حول الجفان

تكفّنه شَبا بيض المواضي

ويغسله دم السمر اللدان

ومن روائعه التي سارت مسير الامثال :

الا إن رمحاً لا يصول لنبعة

وإن حساماً لا يقد قطيعُ

وقوله :

وموت الفتى خير له من حياته

اذا جاور الايام وهو ذليل

وقوله :

اذا العدو عصاني خاف حدّيدي

وعرضه آمن من هاجرات فمي

٢٢٤

وقوله :

تشفّ خلال المرء لي قبل نطقه

وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه

وقوله :

يمضي الزمان ولا نحسّ كأنه

ريح يمرّ ولا يشم نسيمها

وقوله :

فليت كريم قوم نال عرضي

ولم يدنس بذم من لئيم

وقوله :

ومنظر كان بالسراء يضحكني

يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني

وقوله :

يا قوم ان طويل الحلم مفسدة

وربما ضرّ إبقاء وإحسان

وقوله :

وما تنفع المرء الشمال وحيدة

اذا فارقتها بالمنون يمينُ

وقوله :

لا تجعلن دليل المرء صورته

كم مخبر سمج عن منظر حسنِ

وقوله :

اذا ما الحُرّ أجدب في زمان

فعفّته له زاد وماء

وقوله :

أوطأتموه على جمر العقوق ولو

لم يُحرج الليث لم يخرج من الاجم

٢٢٥

وقوله :

قد يقدع المرء وإن كان ابن عم

ويقطع العضو الكريم للألم

وقال رحمه‌الله :

وكم صاحبٍ كالرمح زاغت كُعوبُه

أبى بعد طول الغمز أن يتقوّما

تقبّلتُ منه ظاهراً متبلّجاً

وأدمج دوني باطناً متجهّما

فأبدى كروض الحزن رقت فروعه

وأضمر كالليل الخداري مُظلما

ولو أنني كشّفته عن ضميره

أقمتُ على ما بيننا اليوم مأتما

فلا باسطاً بالسوء إن سائني يداً

ولا فاغراً بالذم إن رابني فما

كعضوٍ رمت فيه الليالي بفادح

ومن حملَ العضو الأيم تألما

إذا أمر الطب اللبيب بقطعه

أقول عسى ظناً به ولعلّما

صبرتُ على إيلامه خوفَ نِقصِه

ومن لام مَن لا يرعوي كان ألوما

هي الكف مُضنِ تركها بعد دائها

وإن قُطعت شانت ذراعاً ومعصما

أراك على قلبي وإن كنتُ عاصياً

أعزّ من القلب المطيع وأكرما

حملتك حملَ العين لجّ بها القّذى

فلا تنجلي يوماً ولا تبلغ العمى

دع المرء مطويّاً على ما ذممتَه

ولا تنشر الداءَ العضال فتندما

اذا العضوُ لم يؤلمك إلا قطعته

على مضض لم تبق لحماً ولا دما

ومن لم يوطّن للصغير من الأذى

تعرّض ان يلقى اجل وأعظما

وقال في الاقبال والادبار :

المرءُ بالإقبال يبلغُ

وادعاً خطراً جسيما

واذا انقضى إقباله

رجع الشفيعَ له خصيما

وهو الزمان إذا نبا

سلب الذي أعطى قديما

كالريح ترجع عاصفاً

من بعد ما بدأت نسيما

٢٢٦

وقال في اخوان الرخاء :

أعددتكم لدفاع كل ملمّة

عني فكنتم عون كلُ ملمة

وتخذتكم لي جنةً فكأنما

نظر العدوّ مقاتلي من جنتي

فلأرحلن رحيل لا متلهّف

لفراقكم أبداً ولا متلفت

ولا نفضن يديّ يأساً منكم

نفض الأنامل من تراب الميت

تحقيق حول قبر السيدين المرتضى والرضي

ذكر كثير من المؤرخين عند ترجمة الشريف الرضي نقل جثمانه الى كربلاء المقدسة بعد دفنه بداره بالكرخ ، فدفن عند ابيه ابي احمد الحسين بن موسى.

ويظهر من التاريخ ان قبره كان في القرون الوسطى مشهوراً معروفاً في الحائر المقدس. قال صاحب عمدة الطالب : وقبره في كربلاء ظاهر معروف وقال في ترجمة اخيه المرتضى : دفن عند ابيه واخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة. وروي في كتاب مدينة الحسين (ع) عن السيد محمد مهدي بحر العلوم الكبير قال : ان موضع قبر الشريف الرضي عند قبر جده ابراهيم المجاب ، وهو في آخر الرواق فوق الرأس في الزاوية الغربية من الحرم الحسيني. وروى السيد حسن الصدر في كتابه نزهة الحرمين في عمارة المشهدين ان قبر الشريف الرضي عند قبر والده خلف الضريح الحسيني بستة أذرع ولعل هذا القبر هو الذي لاحظه العلامة السيد حسن اغا مير بنفسه عند التعميرات التي اجريت داخل الروضة المطهرة في سنة ١٣٦٧ هـ ، وقال : هناك خلف الضريح بستة اذرع ثلاثة قبور شاهدت ذلك بنفسي عند حفر الاسس لدعائم القبه التي جرى بناؤها مؤخراً بـ ( الكونكريت ) المسلّح ، فرجوت المعمار عدم مس تلك القبور الثلاثة. ومن المرجح ان هذه القبور الثلاثة هي لأبي أحمد الحسين بن موسى مع ولديه محمد الملقب بالشريف الرضي ، وعلي الملقب بالمرتضى. اقول :

٢٢٧

نقلنا هذا باختصار عن اجوبة المسائل الدينية السنة الثانية ص ت ٣١٨ وجاء في مقدمة ديوان السيد المرتضى المطبوع في مصر بقلم الدكتور مصطفى جواد أقوال المؤرخين في نقل الشريف المرتضى من داره بالكرخ الى كربلاء بجوار جده الحسين (ع) وقال السيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم ممن فاز بحسن الجوار ميتاً الشريف ابو احمد الحسين بن موسى والد الشريفين الرضي والمرتضى سنة ٤٠٠ ببغداد وقد اناف على التسعين ثم حمل الى الحائر فدفن قريباً من قبر الحسين (ع) وفي كتاب الدرجات الرفيعة انه مدفون معه ولداه الرضي والمرتضى بعد ان دفنا في دارهم في بلد الكاظمين ثم نقلا الى جوار جدهما الحسين (ع).

وقال ابن شدقم الحسيني في كتابه زهر الرياض وزلال الحياض ان في سنة (٩٤٢) نبش قبره بعض قضاة الأروام فرآه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئا ، وحكى من رآه أثر الحِنّاء في يده ولحيته وقد قيل أن الأرض لم تغيّر أجساد الصالحين. انتهى

وقال جدي بحر العلوم بعد نقل ما ذكر : والظاهر أن قبر السيد وقبر أخيه وأبيه في المحل المعروف بابراهيم المجاب. انتهى

وقيل انهم مدفونون مع ابراهيم الاصغر ابن الامام الكاظم وان قبره خلف ظهر الحسين بستة اذرع.

٢٢٨

القسم الثاني

٢٢٩
٢٣٠

شعراء القرن الخامس الهجري

ابو نصر بن نباتة

المهيار الديلمي

الشريف المرتضي

ابو العلاء المعري

زيد بن سهل الموصلي النحوي

أحمد بن عبد الله ( ابن زيدون )

أحمد بن أبي منصور القطان

ابن جبر المصري

الامير عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي

٢٣١
٢٣٢

أبو نصر بن نباتة

قال ابو نصر بن نباتة المتوفى ٤٠٥ :

والحسين الذي رأى الموت في العزّ

حياة والعيش في الذل قتلا (١)

قال الشيخ القمي في الكنى : ابن نباتة بضم النون هو ابو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن احمد بن نباتة الشاعر المشهور الذي طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء ، وله في سيف الدولة ابن حمدان غرر القصائد ونخب المدائح وكان قد أعطاه فرساً أدهم اغر محجلا.

له ديوان شعر كبير ومن شعره :

ومَن لم يمت بالسيف مات بغيره

تعددت الأسباب والموت واحدُ

وهو الذي حكي عنه انه ذكر ان رجلاً من المشرق ورجلاً من الغرب وردا عليه وأرادا منه أن يأذنهما لروايته. توفى ببغداد سنة ٤٠٥.

أقول وهذه الكنية تطلق على جماعة. منهم ابو يحيى عبد الرحيم بن محمد ابن اسماعيل بن نباتة الفارقي صاحب الخطب المعروفة المتوفي ٣٧٤ وقد يطلق على جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المصري الاديب الشاعر المتوفى سنة ٧٦٨.

__________________

١ ـ رواها السيد الأمين في الأعيان ج ٤ القسم الأول.

٢٣٣

المهيار الدسليمي

قال يرثي الحسين عليه‌السلام في شهر المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة :

مَشين لنا بين ميلٍ وهيفِ

فقل في قناةٍ وقل في نزيف (١)

على كل غصنٍ ثمارُ الشبا

بِ من مجتنيه دواني القطوفِ

ومن عجب الحسنِ أن الثقيـ

ـل منه يُدلّ بحمل الخفيف

خليليّ ما خُبر ما تبصرا

ن بين خلاخيلها والشنوف

سلاني به فالجمال اسمه

ومعناه مفسدةً للعفيف

أمن « عربية » تحت الظلام

تولّجُ ذاك الخيالِ المطيف؟

سرى عينها أو شبيهاً فكا

د يفضح نومي بين الضيوف

نعم ودعا ذكرَ عهدِ الصبا

سيلقاه قلبي بعهدٍ ضعيف

« بآل عليّ » صروف الزمان

بسطنَ لساني لذمّ الصروف

مصابي على بُعد داري بهم

مصابُ الأليف بفقد الأليف

وليس صديقي غيرَ الحزين

ليوم « الحسين » وغير الأسوف

هو الغصن كان كميناً فهبّ

لدى « كربلاء » بريح عصوفِ

قتيلٌ به ثار غلّ النفوس

كما نغر الجرح حكّ القروف

بكل يدٍ أمس قد بايعته

وساقت له اليوم أيدي الحتوف

__________________

١ ـ عن ديوان المهيار ، طبع مصر.

٢٣٤

نسوا جدّه عند عهد قريبٍ

وتالَده مع حقّ طريف

فطاروا له حاملين النفاق

بأجنحة غِشّها في الحفيف

يعزّ عليّ ارتقاء المنون

الى جبلٍ منك عال منيف

ووجهك ذاك الأعزّ التريب

يُشهّر وهو على الشمس موفي

على ألعن امره قد سعى

بذاك الذميل وذاك الوجيفِ

وويل امّ مأمورهم لو أطاع

لقد باع جنّته بالطفيفِ

وأنت ـ وإن دافعوك ـ الإمام

وكان أبوك برغم الأنوف

لمن آيةُ الباب يومَ اليهود

ومَن صاحبُ الجنّ يوم الخسيف

ومَن جمع الدينَ في يوم « بدرٍ »

« وأحدٍ » بتفريق تلك الصفوف

وهدّم في الله أصنامهم

بمرأى عيونٍ عليها عكوف

أغير أبيك إمام الهدى

ضياء النديّ هزبر العزيف

تفلّل سيفٌ به ضرّجوك

لسوّدَ خزياً وجوهَ السيوف

أمرّ بفيّ عليك الزلال

وآلم جلدي وقع الشفوف

أتحملُ فقدَك ذاك العظيم

جوارح جسمي هذا الضعيف؟

ولهفي عليك مقالُ الخبيـ

ـر : أنك تبردُ حرّ اللهيف

أنشرك ما حملَ الزائرو

ن أم المسكُ خالط تُرب الطفوف؟

كان ضريحك زهر الربيـ

ـع هبّت عليه نسيمُ الخريف

أحبّكم ما سعى طائفٌ

وحنّت مطّوقة في الهتوف

وإن كنت من « فارس » فالشريـ

ـفُ معتلقٌ ودّه بالشريف

ركبت ـ على من يعاديكم

ويفسد تفضيلكم بالوقوف ـ

سوابق من مدحكم لم أهَب

صُعوبة ريّضها والقَطوف (١)

تُقَطّر غيرى أصلابها

وتزلّق أكفالها بالرديف (٢)

__________________

١ ـ القطوف : الدابة التي تسيء السير وتبطئ.

٢ ـ تقطر : تلقي الانسان على قطره وهو كاثبته وعجزه ، والكاثبة : اعلى الظهر.

٢٣٥

المهيار الديلمي

المتوفي سنة ٤٢٨

هو أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي في الرعيل الأول من ناشري لغة الضاد دل على ذلك شعره العالي وأدبه الجزل وديوانه الفخم وكما كان عربياً في أدبه فهو علويُ في مذهبه مسلم في دينه يعتز ويفتخر باسلامه ويتمدح بآبائه الا كاسرة ملوك الشرق وجمع بين فصاحة العرب ومعاني العجم. أسلم على يد السيد الشريف الرضي سنة ٣٩٤ وتخرج عليه في الأدب والشعر وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادي الثانية سنة ٤٢٨ وجاهد بلسانه عن أهل البيت ومدح عليا وعدد مناقبه بشعر بديع ودافع عن حقوقه في الخلافة دفاعاً حاراً مؤثرا.

قال بعض العلماء : خيار مهيار خير من خيار الرضي وليس للرضي رديّ أصلا. قال ابن خلكان : كان جزل القول مقدماً على أهل وقته وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات ، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وذكره ابو الحسن الباخرزي في دمية القصر فقال :

هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر وكاتب تجلى كل كلمه من كلماته كاعب وما في قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه يلو وليت فهي مصبوبة بقوالب القلوب وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب ويتوب ، وللسيد جمال

٢٣٦

الدين أحمد بن طاوس قدس‌سره شرح على لامية مهيار أسماه ( كتاب الازهار في شرح لامية مهيار ).

من أشهر الشعراء الذين برزوا في النصف الاخير من القرن الرابع والنصف الاول من القرن الخامس الهجري ولعله كان أشهرهم على الاطلاق بعد استاذه الشريف الرضي ، اشتهر بالكتابة والادب والفلسفة كما اشتهر بالشعر ، كان ثائر النفس عالي الهمة قوي الشخصية معتزاً بأدبه ونسبه وهذا الذي دفعه لأن يقول :

أُعجبت بي بين نادى قومها

أمّ سعد فمضت تسألُ بي

سرّها ما علمت من خلقي

فارادت علمها ما حسبي

لا تخالي نسباً يخفضني

انا من يرضيك عند النسب

قومي استولوا على الدهر فتى

ومشوا فوق رؤوس الحقب

عمموا بالشمس هاماتهم

وبنوا أبياتهم بالشهب

وأبي كسرى على أيوانه

أين في الناس ابٌ مثل أبي

سورة الملك القدامى وعلى

شرف الاسلام لي والادب

قد قبستُ المجد من خير أبٍ

وقبست الدين من خير نبي

وضممتُ الفخر من أطرافه

سودد الفرس ودينَ العرب

فهو كما نراه يعتز بنسبه كما يعتز بدينه وعقيدته وأي انسان لا يعتز بقوميته ولا يفخر بنسبه ، اما ان المهيار يوصم بالشعوبية لانه فخر بآبائه فذلك فما لا يقرّه الوجدان. لقد سئل الامام زين العابدين علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام عن العصبية فقال : العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شراراً قومه خيراً من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم ، انك لتقرأ في شعر مهيار من الاعتزاز بالاسلام اكثر من اعتزازه بابائه فأسمه يقول في قصيدته بعد أن أنعم الله عليه بنعمة الاسلام ثم يعيب على

٢٣٧

قومه حيث لم يهتدوا الى رشدهم ويرجعوا عن سفههم ويعيب عبادة النار.

دواعي الهوى لك أن لا تجيبا

هجرنا تُقى ما وصلنا ذنوبا

قَفَونا غرورك حتى انجلت

أمورٌ أرينَ العيون العيوبا

نصبنا لهم أو بلغنا بها

نُهىً لم تدع لك فينا نصيبا

وهبنا الزمان لها مقبلا

وغصن الشبيبة غضاً قشيبا

فقل لمخوّفنا أن يحول

صِباً هَرماً وشباب مشيبا

وددنا لعفّتنا أننا

وُلدنا اذا كُره الشيب شيبا

وبلّغ اخا صحبتي عن اخيك

عشيرته نائياً أو قريبا

تبدلتُ من ناركم ربّها

وخبثِ مواقدها الخلدَ طيبا

حبستُ عناني مستبصراً

بأيّة يستبقون الذنوبا

نصحتكم لو وجدتُ المصيخ (١)

وناديتكم لو دعوتُ المجيبا

أفيئوا فقد وعد الله في

ضلالة مثلكم أن يتوبا

وإلا هلموا أباهيكم

فمن قام والفخر ، قام المصيبا

أمثل محمد المصطفى

اذا الحكمُ ولّيتموه لبيبا

بعدلٍ مكانَ يكون القسيم

وفصلٍ مكان يكون الخطيبا

أبان لنا الله نهج السبيل

ببعثته وأرانا الغيوبا

لئن كنتُ منكم فان الهجين

يُخرج في الفلتات النجيبا

وقال يرثي أهل البيت عليهم‌السلام ويذكر بيان البركة بولائهم فيما صار اليه :

في الظِباء الغادين أمس غزالُ

قال عنه ما لا يقول الخيال

طارق يزعم الفراقَ عتابا

ويرينا أن الملالَ دلالُ

لم يزل يخدع البصيرة حتى

سرّنا ما يقول هو محالُ

لا عدمتُ الأحلامَ كم نوّلتني

من منيعٍ صعبٍ عليه النوال

__________________

١ ـ المصيخ : المصغي.

٢٣٨

لم تنغّص وعداً بمطل ولو يو

جب له مِنّةً عليّ الوصال

فلليلي الطويل شكري ودينُ الـ

ـعشق أن تُكره الليالي الطوال

لمن الظُّعُن غاصبتنا جمالا؟

حبذا ما مشت به الأجمالُ!

كانفاتٍ بيضاءَ دلّ عليها

أنها الشمس أنها لا تنالُ

جمع الشوق بالخليع فأهلاً

بحليمٍ له السلوّ عقال

كنتُ منه أيامَ مرتعُ لذّا

تي خصيبٌ وماء عيشي زلال

حيث ضلعي مع الشباب وسمعي

غَرضٌ لا تصيبه العُذّال

يا نديميّ كنتما فافترقنا

فاسلواني ، لكل شيء زوال

ليَ في الشيب صارف ومن الحز

ن على « آل أحمد » إشغال

معشر الرشد والهدى حَكَم البغـ

ـي عليهم ـ سفاهةً ـ والضلال

ودعاة الله استجابت رجالُ

لهم ثم بُدّلوا فاستحالوا

حملوها يوم « السقيفة » أوزا

را تخفّ الجبال وهي ثقال

ثم جاؤوا من بعدها يستقيلو

ن وهيهات عثرةٌ لا تُقال

يا لها سوءة إذا « أحمد » قا

م غداً بينهم فقال وقالوا

ربع هميّ عليهم طلَلٌ با

ق وتبلى الهموم والأطلال

يا لقومٍ إذ يقتلون « علياً »

وهو للمحل فيهم قتّال

وتحالُ الأخبار والله يدري

كيف كانت يوم « الغدير » الحال

ولسبطين تابعَيه فمسمو

مٌ عليه ثرى « البقيع » يُهال

درسوا قبره ليخفى عن الزوّار

هيهات! كيف يخفى الهلال!

وشهيدٍ « بالطف » أبكى السموا

تِ وكادت له تزول الجبال

يا غليلي له وقد حُرّم الما

ء عليه وهو الشراب الحلال

قطعت وصلة « النبي » بأن تقـ

ـطع من آل بيته الأوصال

لم تنجّ الكهولَ سنّ ولا

الشبان زهد ولا نجا الأطفال

لهفَ نفسي يا آل « طه » عليكم

لهفةً كسبها جوىً وخَبال

وقليل لكم ضلوعي تهتـ

ـزّ مع الوجد أو دموعي تذال

٢٣٩

كان هذا كذا وودّي لكم حسـ

ـب وما لي في الدين بعدُ اتصال

وطروسي سود فكيف بي الآ

ن ومنكم بياضها والصّقال

حبكم كان فكّ أسرى من الشر

ك وفي منكبي له أغلال

كم تزمّلتُ بالمذلة حتى

قُمت في ثوب عزّكم أختالُ

بركات لكم محت من فؤادي

ما مَلّ الضلالَ عمّ وخال

ولقد كنت عالماً أن إقبا

لي بمدحي عليكم إقبال

لكم من ثنايَ ما ساعَدَ العمـ

ـرُ فمنه الإبطاء والاعجال

وعليكم في الحشر رجحانُ ميزا

ني بخيرٍ لو يُحصَر المثقال

ويقيني أن سوف تصدُق آما

لي بكم يومَ تكذب الآمال (١)

وقال يمدح أهل البيت عليهم‌السلام :

سلا مَن سلا : مَن بنا استبدلا

وكيف محا الآخر الأولا

وأي هوىً حادث العهد أمـ

ـس أنساه ذاك الهوى المُحولا؟

وأين المواثيق والعاذلات

يضيق عليهنّ أن تعذلا؟

أكانت أضاليل وعدِ الزما

ن أم حلم الليل ثم انجلى؟

وممّا جرى الدمع فيه سؤا

ل مَن تاه بالحسن أن يسألا

أقول « برامة » : يا صاحبي

مَعاجاً ـ وإن فعلا ـ : أجملا

قفا لعليل فإن الوقوف

وإن هو لم يشفه علّلا

بغربي « وجرةَ » ينشدنه

وإن زادنا صلةً منزلا

وحسناء لو أنصفت حسنها

لكان من القبح أن تبخلا

رأت هجرها مرخصا من دمي

على النأى علقاً قديماً غلا

ورُبّت واشٍ بها منبضٍ (٢)

أسابقه الردّ أن يُنبلا

رأى ودّها طللا ممحلا

فلفّق ما شاء أن يَمحَلا

__________________

١ ـ عن الديوان.

٢ ـ المنبض : الذي يشد وتر القوس.

٢٤٠