أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٠

أبو الفضل احمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن يسر الهمذاني الملقب ببديع الزمان.

ولد في ١٣ جمادى الآخرة ٣٥٨ وقيل ٣٥٣ بهمدان وتوفي سنة ٣٩٨ بهراة (١) وقد أربى على أربعين سنة كما في اليتيمة. والهمذاني نسبة الى همدان بفتح الهاء والميم والذال المعجمة. والمدينة المشهورة ببلاد الجبل. في أمل الآمل : إمامي المذهب ، فاضل جليل ، حافظ أديب منشئ له المقامات العجيبة وله ديوان شعر وكان عجيب البديهة والحفظ. كان شاعراًً وكاتباً ولغوياً وفي تذكرة سبط بن الجوزي قال : ومن شعر بديع الزمان قوله :

يا دار منتجع الرسالة

بيت مختلف الملائك

يابن الفواطم والعواتك

والترائك والارائك

أنا حائك إن لم اكن

مولى ولائك وابن حائك

أقول وجاء في مجمع البحرين للشيخ الطريحي : ذكر حائك عند ابي عبد الله عليه‌السلام وانه ملعون فقال عليه‌السلام : إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله ورسوله. ومثله قول البديع الهمداني ( يا دار منتجع الرسالة ) الابيات وقال النسابة في كتابه ( منتقلة الطالبية ) : قال بديع الزمان الهمداني يمدح ابا جعفر محمد بن موسى محمد بن القاسم بن حمزة بن الكاظم عليه‌السلام.

__________________

١ ـ وهراة بافغانستان.

٢٠١

أنا في اعتقادي للتسنن

رافضيّ في ولائك

وإن انشغلت بهؤلا

ء فلست أغفل عن أولئك

يا عقد منتظم النبوة

بيت مختلف الملائك

يابن الفواطم والعواتك

والترائك والارائك

انا حائك إن لم أكن

عبدا لعبدك ، وابن حائك

وجاء في الكنى والالقاب : ابو الفضل احمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني الشاعر المشهور فاضل جليل إمامي أديب منشئ له المقامات وهو مبدعها ونسج الحريري على منواله وزاد في زخرفتها وطبعت المقامات مكرراً وطبع بعضها مع ترجمتها باللغة الانكليزية في مدارس ، وكان بديع الزمان معجزة همدان ومن أعاجيب الزمان ، يحكى انه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي اكثر من خمسين بيتاً فيحفظها كلها ويؤديها من أولها الى آخرها لا يخرم منها حرفاً ، وينظر في أربع أو خمس أوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة ثم يمليها عن ظهر قلبه ، وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيات العربية فيجمع فيها بين الابداع والاسراع ، ومن كلماته البديعة :

الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه وكذلك الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه.

وحكي انه مات بالسكتة وعجل دفنه فأفان في قبره وسمع صوته بالليل وانهم نبشوا قبره فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر. وذكره الثعالبي في يتيمة الدهر من جملة شعراء الصاحب بن عباد وأثنى عليه.

وجاء في روضات الجنات : أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف ببديع الزمان كان من أجلاء شعراء الامامية وكتابهم صاحب المقالات الرائقة والمقامات الفائقة ، وعلى منواله مسج الحريري مقاماته واحتذى

٢٠٢

حذوه واقتفى أثره واعترف في خطبته بفضله وانه الذي أرشده الى سلوك ذلك المنهج وعبّر عنه هنالك ببديع الزمان وعلامة همدان وقد صحب الصاحب الكبير اسماعيل بن عباد الوزير الى ان صار من خواصه وندمائه ، وله ديوان شعر مشهور ومن شعره قوله من قصيدة طويلة :

وكان يحكيك صوب الغيث منسكبا

لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا

والدهر لو لم يخُن والشمس لو نطقت

والليث لو لم يصُد والبحر لو عذبا

ومن شعره في ذم همدان :

همدان لي بلد أقول بفضله

لكنه من اقبح البلدان

صبيانه في القبح مثل شيوخه

وشيوخه في العقل كالصبيان

قال جرجي زيدان في آداب اللغة العربية : وكان سريع الخاطر قوي البديهة يقترح عليه نظم القصيدة أو إنشاء الرسالة فيفرغ منها في الوقت والساعة وربما يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدأ بآخر سطر منه وهلم جر الى الأول وله من المؤلفات ، رسائل مجموعة في كتاب يعرف برسائل بديع الزمان طبعت في الآستانة سنة ١٢٩٨ هـ وفي بيروت سنة ١٨٩٠ م وديوان شعر منه نسخة خطية في مكتبة باريس وقد طبع بمصر سنة ١٣٢١ هـ ومقامات تعرف باسمه وهي أقدم كتاب وصل الينا في هذا الفن عن فنون اللغة.

وقال في ارجوزة :

يا آل عصم انتم أولوا العِصم

لم توسموا إلا بنيران الكرم

لا ينزع الله سرابيل النعم

عنكم فلا تخطوا بها دون الامم

طابت مبانيكم وطبتم لا جرم

يا سادة السيف وأرباب القلم

تهمى سجاياكم بعقيان ودم

انتم فصاح ما خلا في لا ولم

الجار والعرض لديكم في حرم

والمال للآمال نهب مقتسم

٢٠٣

انتم اسود المجد لا اسد الأجم

يا سيداً نيط له بيت القدم

بالعمد الأطول والفرع الأشم

هل لك ان تعقد في بحر الشيم

عارفة تضرم ناراً في علم

ويقصر الشكر عليها قل نعم

اما وانعامك انه قسم

وثغر مجد في معاليك ابتسم

انك في الناس كبرء في سقم

يا فرق ما بين الوجود والعدم

وبُعد ما بين الموالي والخدم

ما أحد كهاشم وان هشم

ولا امرؤ كحاتم وان حتم

ليس الحدوث في المعالي كالقدم

ولا شباب النبت فيها كالهرم

شتان ما بين الذناني والقمم

ومن شعره :

يقولون لي لا تحب الوصي

فقالت الثرى بفم الكاذب

أحب النبي وأهل النبي

وأختص آل أبي طالب

واعطي الصحابة حق الولاء

وأجري على السنن الواجب

فان كان نصبا ولاء الجميع

فاني كما زعموا ناصبي

وان كان رفضا ولاء الوصي

فلا يبرح الرفض من جانبي

فلله انتم وبهتانكم

ولله من عجب عاجب

فلو كنتم من ولاء الوصي

على العجب كنتُ على الغارب

يرى الله سري اذا لم تروه

فلم تحكمون على غائب

ألا تنظرون لرشد معي

ألا تهتدون الى الله بي

أيرجو الشفاعة من سبّهم

بل المثل السوء للضارب

أعز النبي وأصحابه

فما المرء إلا مع الصاحب

حنانيك من طمع بارد

ولبيك من أمل خائب

تمنّوا على الله مأمولكم

وخطّوه في المجد الذائب

نعم قبح الشتم من مذهب

وشتامّة القوم من ذاهب

له في المكارم قلب الجبان

وفي الشبهات يد الحاطب

__________________

عن ديوانه المطبوع في مصر سنة ١٣٢١ هـ ١٩٠٣ م بمطبعة الموسوعات.

٢٠٤

قال طابع ديوانه محمد شكري المكي : هو الاستاذ فخر همذان بديع الزمان ابو الفضل احمد بن الحسين الهمذاني المتوفي سنة ٣٩٨ وقد اربى على ٤٠ سنة وله ديوان شعر هو ديوان الادب يحق أن تفخر به العجم على العرب يزري بعقود الجمان وقلائد العقيان فمنه قوله في أبي بكر الخوارزمي :

برق الربيع لنا برونق مائه

فانظر لروعة أرضه وسمائه

فالترب بين ممسّك ومعنبرٍ

من نوره بل مائهِ وروائه

والماء بين مصندل ومكفر

من حسن كدرته ولون صفائه

والطير مثل المحسنات صوادحاً

مثل المغني شادياً بغنائه

والورد ليس بممسك رياه بل

يهدي لنا نفحاته من مائه

زمن الربيع جلبت أزكى متجر

وجلوتَ للرائينَ خير جلائه

فكأنه هذا الرئيس اذا بدا

في خلقِهِ وصفائه وعطائه

يعشو اليه المجتدي والمجتني

والمحتوي هو هارب بذمائه

ما البحر في تزخاره والغيث في

أمطاره والجَود في أنوائه

بأجلّ منه مواهباً ورغائباً

لا زال هذا المجد حول فِنائه

والسادة الباقون سادة عصره

متمدحين بمدحه وثنائه

٢٠٥

الشريف الرضي

للسيد الرضي عليه الرحمة : قالها وهو بالحائر الحسيني يرثي جده سيد الشهداء عليه‌السلام :

كربلا لا زلت كرباً وبلا

ما لقي عندك آل المصطفى

كم على تربك لما صُرّعوا

من دم سال ومن دمع جرى

كم حصان الذيل يروى دمعها

خدها عند قتيل بالظما

تمسح الترب على أعجالها

عن طلا نحرٍ زميل بالدما

وضيوف لفلاة قفرة

نزلوا فيها على غير قرى

لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا

بحدي السيف على ورد الردى

تكسف الشمس شموساً منهم

لا تدانيها ضياء وعلا

وتنوش الوحش من أجسادهم

أرجل السبق وأيمان الندى

ووجوه كالمصابيح فمن

قمر غاب ومن نجم هوى

غيرتهن الليالي وغدا

جائر الحكم عليهن البلا

يا رسول الله لو عاينتهم

وهم ما بين قتل وسبا

من رميضٍ يمنع الظل ومن

عاطش يُسقى أنابيب القنا

ومسوق عاثر يسعى به

خلف محمول على غير وطا

متعب يشكو أذى السير على

نقَب المنسم مهزول المطا

٢٠٦

لرأت عيناك منهم منظراً

للحشا شجواً وللعين قذى

ليس هذا لرسول الله يا

امّة الطغيان والغي جزى

غارس لم يأل في الغرس لهم

فأذاقوا اهله مرّ الجنا

جزروا جزر الاضاحي نسله

ثم ساقوا أهله سوق الأما

معجلات لا يوارين ضحى

سَنن الأوجه أو أبيض الطلا

هاتفات برسول الله في

بُهر السير وعثرات الخطا

يوم لا كسر حجاب مانع

بذلة العين ولا ظل خبا

أدرك الكفر بهم ثاراته

وأدل الغي منهم فاشتفى

يا قتيلا قوّض الدهر به

عمد الدين وأعلام الهدى

قتلوه بعد علم منهم

أنه خامس أصحاب العبا

واصريعا عالج الموت بلا

شدّ لحيينِ ولا مدّ ردى

غسّلوه بدم الطعن وما

كفنّوه غير بوغاء الثرى

مرهقاً يدعو ولا غوث له

بأبٍ برٍ وجدٍّ مصطفى

وبأمٍ رفع الله لها

علماً ما بين نسوان الورى

ايّ جدٍ وأبٍ يدعوهما

جدّ يا جدّ أغثني يا أبا

يا رسول الله يا فاطمة

يا امير المؤمنين المرتضى

كيف لم يستعجل الله لهم

بانقلاب الأرض أو رجم السما

لو بسبطي قيصر أو هرقل

فعلوا فعل يزيد ما عدا

كم رقاب لبني فاطمة

عَرقت بينهم عرق المدى

حملوا رأساً يصلّون على

جده الأكرم طوعاً وإبا

يتهادى بينهم لم ينقضوا

عمم الهام ولا حلوا الحبا

ميتٌ تبكي له فاطمة

وأبوها وعليٌ ذو العلا

لو رسول الله يحيى بعده

قعد اليوم عليه للعزى

معشر فيهم رسول الله والـ

ـكاشف الكرب اذا الكرب عرى

صهره الباذل عنه نفسه

وحسام الله في يوم الوغى

٢٠٧

أول الناس الى الداعي الذي

لم يقدّم غيره لما دعا

ثم سبطاه الشهيدان فذا

بحسى السم وهذا بالضبا

وعلي وابنه الباقر والصـ

ـادق القول وموسى والرضا

وعلي وابوه وابنه

والذي ينتظر القوم غدا

يا جبال الأرض عزاً وعُلا

وبدور الأرض نوراً وسنا

جعل الرزء الذي

نالكم بيننا الوجد طويلا والبكا

لا أرى حزنكم ينسى ولا

رزؤكم يسلى وان طال المدى

قد مضى الدهر ويمضي بعدكم

لا الجوى باخ (١) ولا الدمع رقى

أنتم الشافون من داء العمى

وغدا الساقون من حوض الروى

نزل الذكر عليكم بيتكم

تخطى الناس طراً وطوى

أين عنكم لمضلّ طالب

وضَح السبل وأقمار الدجا

أين عنكم للذي يبغي بكم

ظل عدن دونها حر لظى

أين عنكم للذي يرجو بكم

مع رسول الله فوزاً ونجى

يوم يغدو وجهه عن معشر

معرضاً ممتنعاً عند اللقا

شاكياً منهم الى الله وهل

يفلح الجيل الذي منهم شكا

رب ما آووا ولا حاموا ولا

نصروا أهلي ولا إغنوا غنا

بدّلوا ديني ونالوا أُسرتي

بالعظيمات ولم يرعوا الولا

لو ولي ما قد ولو من عترتي

قائم الشرك لأبقى ورعى

نقضوا عهدي وقد ابرمته

وعُرى الدين فما ابقوا عرى

حرمي مسترفدات ونبو

بنتي الادنون ذبح للعدى

أترى لست لديهم كامرئ

خلفوه بجميل اذ مضى

رب إني اليوم اليوم خصم لهم

جئت مظلوماً وذا يوم القضا

__________________

١ ـ باخ : سكن.

٢٠٨

وقال يرثي الحسين بن علي في يوم عاشوراء سنة ٣٩١

هذي المنازل بالغميم فنادها

واسكب سخيّ العين بعد جمادها

إن كان دين للمعالم فاقضه

أو مهجة عند الطلول ففادها

ولقد حبست على الديار عصابة

مضمونة الايدي الى أكبادها

حسرى تجاوب بالبكاء عيونها

وتعط (١) للزفرات في أبرادها

وقفوا بها حتى كأن مطيهم

كانت قوائمهن من أوتادها

ثم انثنت والدمع ماء مزادها

ولواعج الأشجان من أزوادها

هل تطلبون من النواظر بعدكم

شيئاً سوى عبراتها وسهادها

لم يبق ذخر للمدامع عنكم

كلا ولا عين جرى لرقادها

شغل الدموع عن الديار بكاؤنا

لبكاء فاطمة على أولادها

لم يخلفوها في الشهيد وقد رأى

دفع الفرات تذاد عن ورادها

أترى درت أن الحسين طريدة

لقنا بني الطرداء عند ولادها

كانت مآتم بالعراق تعدّها

أموية بالشام من أعيادها

ماراقبت غضب النبي وقد غدا

زرع النبي مظنّة لحصادها

باعت بصائر دينها بضلالها

وشرت معاطب غيّها برشادها

جعلت رسول الله من خصمائها

فلبئس ما ذخرت ليوم معادها

نسل النبي على صعاب مطيها

ودم النبي على رؤوس صعادها

وا لهفتاه لعصبة علوية

تبعت أمية بعد عز قيادها

جعلت عران الذل في آنافها

وعلاط وسم الضيم في أجيادها (٢)

زعمت بأن الدين سوّغ قتلها

أوليس هذا الدين عن أجدادها

طلبت ترات الجاهلية عندها

وشفت قديم الغِل من أحقادها

واستأثرت بالأمر عن غيّابها

وقضت بما شاءت على أشهادها

__________________

١ ـ تعط : تشق.

٢ ـ العران عود يجعل في أنف البعير ، والعلاط حبل يجعل في عنقه.

٢٠٩

الله سابقكم الى أرواحها

وكسبتم الآثام في أجسادها (١)

إن قوّضت تلك القباب فانما

خرّت عماد الدين قبل عمادها

إن الخلافة أصبحت مزوية

عن شعبها ببياضها وسوادها

طمست منابرها علوج امية

تنزو ذئابهم على أعوادها

هي صفوة الله التي أوحى لها

وقضى أوامره الى أمجادها

أخذت بأطراف الفخار فعاذرٌ

أن يصبح الثقلان من حُسّادها

عصب تقمّط بالنجاد وليدها

ومهود صبيتها ظهور جيادها

تروي مناقب فضلها أعداؤها

أبداً وتسنده الى أضدادها

يا غيرة الله اغضبي لنبيه

وتزحزحي بالبيض عن أغمادها

من عصبة ضاعت دماء محمد

وبنيه بين يزيدها وزيادها

صفدات مال الله ملء أكفها

وأكف آل الله في أصفادها

ضربوا بسيف محمد أبناءه

ضرب الغرائب عدن بعد ذيادها

قف بي ولو لوث الإزار فإنما

هي مهجة علق الجوى بفؤادها

بالطف حيث غدا مراق دمائها

ومناخ اينقها ليوم جلادها

تجري لها حبب الدموع وإنما

حَبّ القلوب يكنّ من إمدادها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة

تترقص الأحشاء من إيقادها

ما عدتَ إلا عاد قلبي غلّةً

حرّى ولو بالغت في إبرادها

مثل السليم مضيضة آناؤه

خزر العيون تعوده بعدادها

يا جد لا زالت كتائب جسرة

تغشى الضمير بكرّها وطرادها

أبداً عليك وأدمع مسفوحة

إن لم يُراوحها البكاء يغادها

أأقول جادكم الربيع وأنتم

في كل منزلة ربيع بلادها

أم أستزيد لكم علاً بمدائحي

أين الجبال من الربى ووهادها

__________________

١ ـ الاجساد جمع جسد وهو هنا الدم.

٢١٠

كيف الثناء على النجوم إذا سمت

فوق العيون الى مدى أبعادها

أغنى طلوع الشمس عن أوصافها

بجلالها وضيائها وبعادها

وقال أيضا يرثيه عليه‌السلام في يوم عاشوراء سنة ٣٩٥ :

ورائك عن شاك قليل العوائد

تقلبه بالرمل أيدي الأباعدِ

توزّع بين النجم والدمع طرفه

بمطروفة انسانها غير راقد

ذكرتكم ذكر الصبا بعد عهده

قضى وطراً مني وليس بعائد

اذا جانبوني جانباً من وصالهم

علقت بأطراف المنى والمواعد

هي الدار لا شوقي القديم بناقص

اليها ولا دمعي عليها بجامد

ولي كبد مقروحة لو أضاعها

من السقم غيري ما بغاها بناشد

تأوّبني (١) داءٌ من الهم لم يزل

بقلبي حتى عادني منه عائدي

تذكرتُ يوم السبط من آل هاشم

وما يومنا من آل حربٍ بواحد

وظام يريغ الماء قد حيل دونه

سقوه ذبابات الرقاق البوارد

أتاحوا له مرّ الموارد بالقنا

على ما أباحوا من عذاب الموارد

بنى لهم الماضون آساس هذه

فعلّوا على أساس تلك القواعد

رمونا كما يرمى الظماء عن الروى

يذودوننا عن إرث جدٍ ووالد

ويا رب ساع في الليالي لقاعد

على ما رأى بل كل ساع لقاعد

أضاعوا نفوساً بالرماح ضياعها

يعز على الباغين منها النواشد

أألله ما تنفك في صفحاتها

خموشٌ لكلب من أمية عاقد

لئن رقد النُصّار عما أصابنا

فما الله عما نيل منّا براقد

لقد علقوها بالنبي خصومة

الى الله تغني عن يمين وشاهد

ويا رب أدنى من أمية لحمة

رمونا عن الشنان (٢) رمي الجلامد

__________________

١ ـ تأويني : راجعني.

٢ ـ الشنأن : البغض.

٢١١

طبعنا لهم سيفاً فكنا لحدّه

ضرائب عن أيمانهم والسواعد

الا ليس فعل الأولين وان علا

على قبح فعل الآخرين بزائد

يريدون أن نرضى وقد منعوا الرضى

لسير بني أعمامنا غير قاصد

كذبتك إن نازعتني الحق ظالماً

إذا قلت يوماً أنني غير واجد

وللسيد الرضى رضي‌الله‌عنه في رثاء جده الحسين عليه‌السلام في عاشوراء سنة ٣٧٧ :

صاحت بذودي بغداد فانسني

تقلّبي في ظهور الخيل والعيرِ

وكلما هجهجت بي عن مباركها

عارضتها بجنان غير مذعور

أطغى على قاطنيها غير مكترث

وافعل الفعل فيها غير مأمور

خطب يهددني بالبعد عن وطني

وما خلقت لغير السرج والكورِ

إني وإن سامني ما لا أقاومه

فقد نجوت وقد حي غير مقمور

عجلان ألبس وجهي كل داجية

والبر عَريان من ظبي ويعفور

ورب قائلة والهمّ يتحفني

بناظر من نطاف الدمع ممطور

خفّض عليك فللا حزان آونة

وما المقيم على حزن بمعذور

فقلت هيهات فات السمع لائمه

لا يعرف الحزن إلا يوم عاشور

يوم حدى الظعن فيه لابن فاطمة

سنان مطرّد الكعبين مطرور

وخرّ للموت لا كفٌ تقلّبه

إلا بوطيء من الجرد المحاضير

ظمآن سلّى نجيع الطعن غلّته

عن بارد من عباب الماء مقرور

كأن بيض المواضي وهي تنهبُه

نار تحكّم في جسم من النورِ

لله ملقى على الرمضاء غصّ به

فم الردى بعد إقدام وتشمير

تحنو عليه الربى ظلاً وتستره

عن النواظر أذيال الاعاصير

تهابه الوحش ان تدنو لمصرعه

وقد أقام ثلاثاً غير مقبورٍ

ومورد غمرات الضرب غرّته

جرت عليه المنايا بالمصادير

ومستطيل على الأيام يقدرها

جَنىُ الزمان عليه بالمقادير

٢١٢

أغرى به ابن زياد لؤم عنصره

وسعيه ليزيد غير مشكور

وودّ أن يتلافى ما جنت يده

وكان ذلك كسراً غير مجبورِ

تسبى بنات رسول الله بينهم

والدين غض المبادي غير مستور

إن يظفر الموت منه بابن منجبة

فطالما عاد ريّان الاظافير

يلقى القنا بجبين شان صفحته

وقع القنا بين تضميخٍ وتعفير

من بعد ما ردّ أطراف الرماح به

قلب فسيحٌ ورأيٌ غير محصور

والنقع يسحب من اذياله وله

على الغزالة جيب غير مزرور

في فيلق شرق بالبيض تحسبه

برق تدلّى على الآكام والقور (١)

بني امية ما الأسياف نائمة

عن ساهر في أقاصي الارض موتور

والبارقات تلوّى في مغامدها

والسابقات تمطّى في المضامير

إني لأرقب يوماً لاخفاء له

عريان يقلق منه كل مغرور

وللصوارم ما شاءت مضاربها

من الرقاب شرابٌ غير منزور

أكلّ يوم لآل المصطفى قمرٌ

يهوى بوقع العوالي والمباتير

وكل يوم لهم بيضاء صافية

يشوبها الدهر من رنق وتكدير

مغوار قوم يروع الموت من يده

أمسى وأصبح نهباً للمغاوير

وأبيض الوجه مشهور تغطرفه

مضى بيوم من الأيام مشهور

مالي تعجبت من همي ونفرته

والحزن جرح بقلبي غير مسبور

باي طرف أرى العلياء ان نُضبت

عيني ولجلجت عنها بالمعاذير

القى الزمان بكلمٍ غير مندمل

عمر الزمان وقلب غير مسرور

يا جد لا زال لي همّ يحرّضني

على الدموع ووجد غير مقهور

والدمع تحفره عينٌ مؤرقة

خفر الحنيّة عن نزع وتوتير (٢)

إن السلو لمحظور على كبدي

وما السلو على قلبٍ بمحظور

__________________

١ ـ القور جمع قارة : الجبيل الصغير.

٢ ـ الخفر : الدفع. والحنية القوس.

٢١٣

وقال يرثي جده الشهيد :

راحل أنت والليالي نزول

ومضرّ بك البقاء الطويل

لا شجاعٌ يبقى فيعتنق

البيض ولا آملٌ ولا مأمول

غاية الناس في الزمان فَناء

وكذا غاية الغصون الذبول

إنما المرء للمنيّة مخبوءٌ

وللطعن تستجمّ الخيول

مَن مقيل بين الضلوع إلى

طول عناءٍ وفي التراب مقيل

فهو كالغيم ألّفته جنوبٌ

يوم دجنٍ ومزّقته قبول

عادة للزمان في كل يومٍ

يتنايء خِلٌ وتبكي طلول

فالليالي عون عليك مع البين

كما ساعد الذوابل طول

ربما وافق الفتى من زمانٍ

فرحٌ غيره به متبول

هي دنيا إن واصلت ذا جفت

هذا ملالاً كأنها عطبول

كل باك يبكى عليه وإن

طال بقاءُ والثاكل المثكول

والأمانيّ حسرة وعناء

للذي ظن إنها تعليل

ما يُبالي الحِمام أين ترقّى

بعدما غالت إبن فاطم غول

أيّ يوم أدمى المدامع فيه

حادث رائع وخطب جليل

يوم عاشورٍ الذي لا أعان

الصحب فيه ولا أجار القبيل

يا إبن بنت الرسول ضيّعت

العهدَ رجالٌ والمحافظون قليل

ما أطاعوا النبي فيك وقد مالت

بأرماحهم إليك الذحول

وأحالوا على المقادير في حربك

لو أن عذرهم مقبول

وإستقالوا من بعد ما

أجلبوا فيها أألآن أيها المستقيل

إنّ أمراً قنّعت من دونه

السيف لمن حازه لمرعى وبيل

يا حساماً فلّت مضاربه الهام

وقد فلّه الحسام الصقيل

يا جواداً أدمى الجواد من

الطعن وولّى ونحره مبلول

حَجّل الخيل من دماء الأعادي

يوم يبدو طعن وتخفى حجول

يوم طاحت أيدي السوابق في

النقع وفاض الونى وغاض الصهيل

أتُراني أعير وجهي صوناً

وعلى وجهه تجول الخيولُ

٢١٤

أتراني ألذّ ماءً ولما

يُروَ مِن مهجة الامام الغليل

قبلته الرماح وانتضلت

فيه المنايا وعانقته النصول

والسبايا على النجائب تستاق

وقد نالت الجيوبَ الذيول

من قلوب يدمى بها ناظر

الوجد ومن أدمع مرآها الهمول

قد سُلبن القناع عن كلّ وجهٍ ،

فيه للصون من قناعٍ بديل

وتنقّبن بالأنامل والدمعُ على

كل ذي نقابٍ دليل

وتشاكين والشكاةُ بكاءٌ

وتنادين والنداء عويل

لا يغبّ الحادي العنيف

ولا يفترّ عن رنّة العديل العديل

ياغريب الديار صبري غريبٌ

وقتيلَ الأعداءِ نومي قتيل

بي نزاع يطغي اليك

وشوق وغرام وزفرة وعويل

ليت أني ضجيع قبرك أو

أن ثراه بمدمعي مطلول

لا أغبّ الطفوف في كل يوم

من طراق الأنواءِ غيث هطول

مطرٌ ناعم وريح شمال

ونسيم غضّ وظلّ ظليل

يا بني أحمدٍ الى كم سناني

غائب عن طعانه ممطول

وجيادي مربوطة والمطايا

ومقامي يروع عنه الدخيل

كم الى كم تعلو الطغاة وكم

يحكم في كل فاضل مفضول

قد أذاع الغليل قلبي ولكن

غير بدع أن استطبّ العليل

ليت أني أبقى فامترق الناس

وفي الكفّ صارم مسلول

وأجرّ القنا لثاراتِ يوم الطف

يستلحق الرعيل الرعيل

صبغ القلب حبكم صبغة الشيب

وشيبي لولا الردى لا يحول

انا مولاكم وان كنت منكم

والدي حيدر وأمي البتول

وإذا الناس أدركوا غاية الفخر

شأآهم مَن قال جدي الرسول

يفرح الناس بي لأني فضلٌ

والأنام الذي أراه فضول

فهم بين منشدٍ ما أفقّيه

سروراً وسامع ما أقول

ليت شعري مَن لائمي في مقال

ترتضيه خواطر وعقول

٢١٥

الشريف الرضي ذو الحسبين أبو الحسن محمد بن الطاهر ذي المنقبتين ابي احمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن موسى بن جعفر عليه‌السلام.

ولد سنة ٣٥٩ ببغداد وتوفي سنة ٤٠٦ في السادس من المحرم ودفن بداره في بغداد ثم نقل الى مشهد الحسين عليه‌السلام بكربلا.

نظم الشعر في عهد الطفولة ولم يزد عمره على عشر سنين فأجاد وحلق وحاز قصب السبق بغير منازع ، ولم تكن للرضي سقطات كما لغيره من الشعراء.

أما إباؤه وعزه نفسه فكان لا يرى أحق بالخلافة منه فاسمعه حيث يقول :

ما مقامي على الهوان وعندي

مقول صارمٌ وأنف حميّ

وإباء محلّق بي عن الضيم

كما راغ طائر وحشيّ

أحمل الضيم في بلاد الأعادي

وبمصر الخليفة العلويّ

من أبوه ابي ومولاه مولاي

اذا ضامني البعيد القصيّ

لفّ عرقي بعرقه سيد

الناس جميعاً محمد وعليّ

إن ذلي بذلك الجوّ عزٌ

وأوامي بذلك النقع ريّ

قد يذل العزيز ما لم يشمّر

لانطلاق وقد يظام الابيّ

إن شراً عليّ إسراع عزمي

في طلاب العلى وحظي بطيّ

أرتضي بالأذى ولم يقف العز

م قصوراً ولم تعزّ المطيّ

كالذي يخبط الظلام وقد أقمر

من خلفه النهار المضيّ

قال ابن أبي الحديد كان الرضي لعلوّ همته تنازعه نفسه الى أمور عظيمة يجيش بها خاطره وينظمها في شعره ولا يجد من الدهر عليها مساعداً فيذوب

__________________

١ ـ الذمر : الملامة والحض والتهدد.

٢١٦

كمداً ويفنى وجدا حتى توفي ولم يبلغ عرضا فمن ذلك قوله :

ما أنا لعلياء إن لم يكن

من ولدي ما كان من والدي

ولا مشت بي الخيل إن لم أطأ

سرير هذا الاصيد الماجد

وحسبك من جرأته وعلوّ نفسه ما خاطب به القادر بالله الخليفة العباسي :

عطفا أمير المؤمنين فإننا

في دوحة العلياء لا نتفرق

ما بيننا يوم الفخار تفاوت

أبداً كلانا في المعالي مُعرق

إلا الخلافة ميزتك فإنني

انا عاطل منها وأنت مطوق

فقال له القادر بالله : على رغم انف الشريف. وروى أنه كان يوماً عند الخليفة الطايع بالله العباسي وهو يعبث بلحيته ويرفعها الى أنفه فقال له الطائع : أظنك تشم منها رائحة الخلافة ، قال : بل رائحة البنوة. وكان يلقب بذي الحسبين. لقّبه بذلك بهاء الدولة بن بويه ، وكان يخاطبه بالشريف الأجل.

قال صاحب عمدة الطالب : كانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة ، ولي نقابة الطالبيين مراراً وكانت له إمارة الحج والمظالم كان يتولى ذلك نيابة عن أبيه ذي المناقب ثم تولى ذلك بعد أبيه مستقلا ، وحج بالناس مرّات.

وهو اول طالبي جعل عليه السواد. وكان أوحد علماء عصره واتصف الشريف الرضي بإباء النفس وعلوّ الهمة وكان رفيع المنزلة سامي المكانة يطمح الى معالي الامور ، وبلغ من ابائه وعفته انه لم يقبل من احد صلة أو جائزة وتشدد في ذلك فرفض قبول ما يجريه الملوك والأمراء على أبيه من الصلاة والهبات مدة حياته ، وبذل آل بويه كل ما في وسعهم لحمله على قبول صلاتهم فلم يقبل وقال ـ وقد ساءه أمر صدر من أبيه ومن أخيه ـ

٢١٧

تهضمني مَن لا يكون لغيره

من الناس إطراقي على الهون أو أغضي

إذا اضطرمت ما بين جنبيّ غصة

وكاد فمي يمضي من القول ما يمضي

شفعت الى نفسي لنفسي فكفكفت

من الغيظ واستعطفت بعضىٍ على بعضي

أما مكانته العلمية فهو أوحد علماء عصره وقد قيل ان الرضي أعلم الشعراء لولا المرتضى ، والمرتضي اشعر العلماء لولا الرضي. وهذه مؤلفاته تعطينا صورة جلية عن براعته فهذا ( حقائق التأويل في متشابه التنزيل ) كما يقول ابن جني ـ صنّف الرضي كتابا في معاني القرآن الكريم يتعذر وجود مثله. وكتاب ( المجازات النبوية ) و ( تلخيص البيان عن مجازات القرآن ) وغيرها. وهو الذي جمع كلام امير المؤمنين واسماه نهج البلاغة قال السيد الامين في الجزء الاول من الاعيان : والشريف الرضي محمد بن الحسين الذي قيل فيه انه افصح قريش الذين هم أفصح العرب لأنه مكثر مجيد ولأن المجيد من الشعراء ليس بمكثر والمكثر ليس بمجيد ، والرضي جمع بين الاكثار والاجادة وامره في الورع والفضل والعلم والادب وعفة النفس وعلو الهمة والجلالة اشهر من أن يذكر. اقول وكفى بعظمته أن تكون فيه اللياقة والأهلية لأن ينسب الناس اليه نهج البلاغة وهل يليق بأحد كلام سيد البلغاء وإمام الفصحاء وهو فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق وتظهر عظمة السيد من تعليقه على كلام الامام وتقريضه له وشرحه لمفرداته. قالوا عن السيد الرضي رحمه‌الله : ولما تمّ وكمل بدره وبلغ سبع واربعين عمره اختار الله له دار بقاءه فناداه ولباه وفارق دنياه وذلك في بكرة يوم الاحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة فقامت عليه نوادب الأدب وانثلم حد القلم وفقدت عين الفضل قرّتها وجبهة الدهر غرّتها وبكاه الأفاضل مع الفضائل ورثاه الأكارم مع المكارم على أنه ما مات من لم يمت ذكره وخلد مع الأيام نظمه وونثره والله يتولاه بعفوه وغفرانه ويحييه بروحه وريحانه ، لما قضى نحبه حضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والاشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ومضى

٢١٨

أخوه السيد المرتضى من جزعه عليه الى مشهد جده موسى بن جعفر عليه‌السلام لأنه لم يستطع أن ينظر الى جنازة أخيه ودفنه ، وصلى عليه فخر الملك أبو غالب ومضى بنفسه آخر النهار الى السيد المرتضى الى المشهد الكاظمي فالزمه بالعود الى داره ورثاه أخوه المرتضى بأبيات منها :

يا للرجال لفجعة جذمت يدي

ووددت لو ذهبت عليّ برأسي

ما زلت أحذر وردها حتى أتت

فحسوتها في بعض ما أنا حاسي

ومطلتها زمناً فلما صممت

لم يثنها مطلي وطول مكاسي

لله عمرك من قصير طاهر

ولرب عمر طال بالادناس

ورثاه تلميذه مهيار الديلمي بقصيدة منها (١) :

بكر النعيّ من الرضى بمالك

غاياتها متعوداً قدامَها

كلح الصباح بموته عن ليلة

نفضت على وجه الصباح ظلامها

بالفارس العلوي شق غبارها

والناطق العربي شقّ كلامها

سلب العشيرة يومه مصباحها

مصلاحها عمّالها علامها

برهان حجتها التي بهرت به

أعداءها وتقدمت اعمامها

قال السيد الأجل السيد علي خان رحمه‌الله في أنوار الربيع : وشقت هذه المرثية على جماعة ممن كان يحسد الرضي رضي الله تعالى عنه على الفضل في حياته أن يرثى بمثلها بعد وفاته فرثاه بقصيدة أخرى مطلعها في براعة الاستهلال كالاولى وهو :

__________________

١ ـ وأولها :

من جب غارب هاشم وسنامها

ولوي لوياً فاستزل مقامَها

وغزى قريشاً بالبطاح فلفّها

بيدٍ وقوض عزها وخيامها

ومنها :

ابكيك للدنيا التي طلقتها

وقد اصطفتك شبابها وغرامها

ورميت غاربها بفضلة معرض

زهداً وقد القت اليك زمامها

٢١٩

أقريش لا لفم أراك ولا يد

فتواكلي غاض الندى وخلا الندي

وما زلت معجباً بقوله منها :

بكر النعي فقال أودى خيرها

إن كان يصدق فالرضي هو الردي

وما أحسن قوله من جملتها :

يا ناشد الحسنات طوّف فالياً (١)

عنها وعاد كأنه لم يَنشُدِ

اهبط الى مضرٍ فسل حمراءها

مَن صاح بالبطحاء يا نار احمدي

فجعت بمعجز آية مشهودة

ولربّ آياتٍ لها لم تُشهدِ

كانت إذا هي في الامامة نوزعت

ثم ادعت بك حقها لم تُجحد

تبعتك عاقدة عليك امورَها

وعُرى تميمك (٢) بعدُ لمّا تعقد

ورآك طفلا شيبُها وكهولها

فتزحزحوا لك عن مكان السيد

ولد الرضي سنة تسع وخمسين وثلثمائة ، وتوفي يوم الأحد سادس المحرم سنة ست واربعمائة ودفن في داره ثم نقل الى مشهد الحسين « ع » فدفن عند ابيه. وابوه الطاهر ذو المناقب الشريف الأوحد نقيب النقباء امير الحجيج السفير بين الملوك ، امه موسوية. ولي القضاء بين الطالبيين وخصومهم من العامة.

وجاء في ص ٣٣٩ من السنة ٣ من مجلة المرشد البغدادية هكذا.

موسى ( الابرش ) ابن محمد ( الاعرج ) ابن موسى ( ابي سبحة ) ابن ابراهيم ( المرتضى ) ابن الامام موسى الكاظم عليه‌السلام وهو جد المرتضى والرضي.

__________________

١ ـ فالياً : باحثاً.

٢ ـ التميمة ما يعلّق في عنق الصبي اتقاء من العين.

٢٢٠