أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٠

وببنتِ المصطفى مَن

أشبهت فضلا أباها

وبحب الحسن البا

لغِ في العليا مداها

والحسين المرتضى يو

م المساعي إذ حواها

ليس فيهم غير نجمٍ

قد تعالى وتناهى

عترة أصبحت الدّنـ

ـيا جميعا في ذراها

لا تُغرّوا حين صارت

باغتصاب لعداها

أيها الحاسد تعسا

لك إذ رمت قلاها

هل سناً مثل سناها

هل عُلا مثل علاها

أو ليست صفوة اللّـ

ـه على الخلق اصطفاها

وبراها إذ براها

وعلى النجم ثراها

شجرات العلم طوبى

للذي نال جناها

أيها الناصب سمعا

أخذ القوس فتاها

استمع غرّ معال

في قريضي مجتلاها

مَن كمولاي عليٍ

في الوغى يحمي لظاها

وخُصى الأبطال قد لا

صقن للخوف كلاها

مَن يصيد الصيد فيها

بالظبي حين انتضاها

انتضاها ثم أمضا

ها عليهم فارتضاها

من له في كل يوم

وقفات لا تضاهى

كم وكم حرب عقام

قد بالصمصام فاها

يا عذوليّ عليه

رمتما مني سفاها

اذكرا أفعال بدر

لست أبغي ما سواها

اذكرا غزوة أحد

انه شمس ضحاها

[ اذكرا حرب حنينٍ

انه بدر دجاها ]

اذكرا الأحزاب تعلم

انه ليث شراها

اذكرا مهجة عمرو

كيف أفناها تجاها

١٤١

اذكرا أمر براة (١)

واصدقاني من تلاها

اذكرا من زوج الزهـ

ـراء كيما يتباهى

اذكرا لي بكرة الطيـ

ـر فقد طار سناها

اذكرا لي قلل العلـ

ـم ومن حل ذراها

كم امور ذكراها

وأمور نسياها

حاله حالة هارو

ن لموسى فافهماها

ذكره في كتب اللـ

ـه دراها من دراها

أمّتا موسى وعيسى

قد بلته فاسألاها

أعلى حب علي

لامني القوم سفاها

لم يلج اذ انهم شعـ

ـريَ لا صمّ صداها (٢)

أهملوا قرباه جهلا

وتخطوا مقتضاها

نكثوه بعد أيما

نٍ أغاروا من قواها

لعنوه لعنات

لزمتهم بعراها

ومشوا في يوم خمٍ

لا جلا الله عشاها

طلبوا الدنيا وقد أعـ

ـرضَ عنها وجفاها

وهو لولا الدين لم يأ

سف على مَن قد نفاها

واحتمى عنها ولو قد

قام كلبُ فأدعاها

يا قسيم النار والجنـ

ـة لا تخشى اشتباها

ردّت الشمس عليه

بعد ما فات سناها

وله كأس رسول الـ

ـله من شاء سقاها

أول الناس صلاة

جعل التقوى حلاها

عرفَ التأويل لمّا

أن جهلتم ما « طحاها »

__________________

١ ـ براة : اي براءة. ويعني بها سورة براءة ، ولعل الأصوب ( براء ).

٢ ـ لعل المقصود : يا صم صداها.

١٤٢

ليس يحصى مأثرات

قد حماها واعتماها

غير مَن [ قد ] وطأ الأر

ض و [ من ] أحصى حصاها

ناجزته عصب البغـ

ـي بأنواع بلاها

قتلته ثم لم تقـ

ـنع بما كان شقاها

فتصدّت لبنيه

بظباها ومداها

أردت الأكبَرَ بالسم

وما كان كفاها

وانبرت تبغي حسينا

وغزته وغزاها

وهي دنياً ليس تصفو

لابن دينٍ مَشرعاها

ناوشته عطّشته

جرأةً في ملتقاها

منعته شربةً والطـ

ـير قد أروت صداها

وأفاتت نفسه يا

ليت روحي قد فداها

بنته تدعو أباها

أخته تبكي أخاها

لو رأى أحمد ما كا

ن دهاه ودهاها

ورأى زينب ولهى

ورأى شمرا سباها

لشكا الحال الى اللـ

ـه وقد كان شكاها

والى الله سيأتي

وهو أولى من جزاها

لعن الله ابن حربٍ

لعنةً تكوي الجباها

أيها الشيعة لا أعـ

ـني بقولي مَن عداها

كنت في حالِ شكاةٍ

أزعجتني بأذاها

كأس حمّاها سقتني

عن حميّاها حماها

فتشفّيت بهذا الـ

ـمدحِ في الوقت ابتداها

فوحق الله انّ الله

لم يثبت أذاها

وكفى نتفسي ـ لمّا

تمّ شعري ـ ما عراها

أحمد الله كثيرا

عزّ ذو العرش آلها

ثم ساداتي فإن الـ

ـقول يُلقى في ذراها

١٤٣

أيها الكوفيّ أنشد‌‏

هذه واحلل حُباها

وابن عبّاد أبوها

وإليه منتماها

طلب الجنة فيها

لم يرد مالاً وجاها (١)

الصاحب بن عباد :

ما لعلي أشباه

لا والذي لا اله الا هو

مبناه مبنى النبي تعرفه

وأبناه عند التفاخر ابناه

لو طلب النجم ذات أخمصه

علاه والفرقدان نعلاه

أما عرفتم سموّ منزله

أما عرفتم عُلوّ مثواه

أما رأيتم محمدا حدبا

عليه قد حاطه وربّاه

واختصه يافعا وآثره

وأعتامه مخلصا وآخاه

زوّجه بضعة النبوة إذ

رآه خير امرئ والقاه

يا بأبي السيد الحسين وقد

جاهد في الدين يوم بلواه

يا بأبي أهله وقد قتلوا

من حوله والعيون ترعاه

يا قبّح الله أمة خذلت

سيّدها لا تريد مرضاه

يا لعن الله جيفة نجساً

يقرع من بغضه ثناياه (٢)

وقال الصاحب ـ كما في المناقب :

برئت من الارجاس رهط أمية

لما صح عندي من قبيح غذائهم

ولعنتهم خير الوصيين جهرة

لكفرهم المعدود في شر دائهم

وقتلهم السادات من آل هاشم

وسبيهم عن جرأة لنسائهم

وذبحهم خير الرجال أرومة

حسين العلى بالكرب في كربلائهم

__________________

١ ـ عن الديوان.

٢ ـ عن اعيان الشيعة.

١٤٤

وتشتيتهم شمل النبي محمد

لما ورثوا من بغضهم في فنائهم

وما غضبت إلا لأصنامها التي

أديلت وهم أنصارها لشقائهم

أيا رب جنبني المكاره وأعف عن

ذنوبي لما أخلصته من ولائهم

أيا رب أعدائي كثير فردّهم

بغيظهم لا يظفروا بابتغائهم

أيا رب مَن كان النبي وآله

وسائله لم يخش من غلوائهم

حسين توسل لي إلى الله إنني

بليت بهم فادفع عظيم بلائهم

فكم قد دعوني رافضيا لحبكم

فلم يثنني عنكم طويل عوائهم (١)

الصاحب بن عباد :

أبو القاسم كافي الكفاة اسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن حمد بن ادريس الديلمي الاصفهاني القزويني الطالقاني وزير مؤيد الدولة ثم فخر الدولة وأحد كتاب الدنيا الأربعة وقيل فيه والقائل أبو سعيد الرستمي.

ورث الوزارة كابراً عن كابر‌‏

موصولة الأسناد بالاسناد

يروي عن العباس عبّاد وزا

رته وإسماعيل عن عباد

ولد لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة ٣٢٦ باصطخر فارس وتوفي ليلة الجمعة ٢٤ من صفر سنة ٣٨٥ بالري هكذا أرخ مولده ابن خلكان وياقوت في معجم الأدباء وشيّع في موكب مهيب مشى فيه فخر الدولة والقواد وحمل الى اصبهان ودفن هناك.

ولي الوزارة ثماني عشرة سنة وشهرا. عده ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين وله عشرة آلاف بيت في مدح آل رسول الله وقد نقش على خاتمه.

__________________

١ ـ عن أعيان الشيعة ج ١١ ص ٤٦٥.

١٤٥

شفيع اسماعيل في الآخرة‏

محمد والعترة الطاهرة

وقال : انا وجميع مَن فوق التراب

فداء تراب نعل أبي تراب

وجاء في روضات الجنات أن أمويا وفد على الصاحب ورفع اليه رقعة فيها :

أيا صاحب الدنيا ويا ملك الارض‌

أتاك كريم الناس في الطول والعرض

له نسب من آل حرب مؤثل

مرائره لا تستميل الى النقض

فزوّده بالجدوى ودثّره بالعطا

لتقضي حق الدين والشرف المحض

فلما تأملها الصاحب كتب في جوابها :

أنا رجل يرمونني الناس بالرفض‌‏

فلا عاش حر بيّ يدب على الأرض

ذروني وآل المصطفى خيره الورى

فإنّ لهم حبي كما لكم بغضي

ولو أن عضوي مال عن آل أحمد

لشاهدت بعضي قد تبرأ من بعضي

ومن شعره في الأمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أبا حسن لوكان حُبّك مدخلي‌‏

جهنم كان الفوز عندي جحيمها

وكيف يخاف النار مَن هو موقن

بأنك مولاه وأنت قسيمها

ومن شعره :

مواهب الله عندي جاوزت أملي‌‏

وليس يبلغها قولي ولا عملي

لكنّ أشرفها عندي وأفضلها

ولايتي لأمير المؤمنين علي

وألف الثعالبي ( يتيمة الدهر ) بأسمه لذاك تجد جل ما فيها مدحا له. كانت داره لا تخلو في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس تتناول طعام الافطار على مائدته.

١٤٦

ورثاه السيد الرضي بقصيدة لم يسمع اذن الزمان بمثلها وأولها :

أكذا المنون يقطر الابطالا

أكذا الزمان يضعضع الاجبالا

قال ياقوت الحموي : مدح الصاحب خمسمائة شاعر من أرباب الدواوين. وقال ابن خلكان :

كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائلة ومكارمه وكرمه وكتب عنه الكتاب وألفوا فيه واخيرا كتب العلامة البحاثة الشيخ محمد حسن ياسين عنه ثم جمع ديوانه ونشر بعض رسائله فأفاد وأجاد. ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الادب من ذكر أحوال الصاحب بن عباد. ورثاه ابو سعيد الرستمى بقوله :

أبعدا بن عباد يهشّ الى السرى‌‏

أخو أمل أو يسمّاح جواد

أبى الله إلا أن يموتا بموته

فما لهما حتى المعاد معاد

ومن شعر الصاحب في ذلك قوله :

وكم شامت بي بعد موتي جاهلا‌

يظل يسل السيف بعد وفاتي

ولو علم المسكين ماذا يناله

من الظلم بعدي مات قبل مماتي

لم يكن للصاحب من الأولاد غير بنت ، زوّجها من الشريف ابي الحسين علي بن الحسين الحسني ، قال الداودي صاحب ( العمدة ) : صاهر الصاحب كافي الكفاة ، ابا الحسن علي بن الحسين الاطرش الرئيس بهمدان ـ من أهل العلم والفضل والأدب ـ على ابنته ، ينتهي نسبه الى الحسن السبط عليه‌السلام ، وكان الصاحب يفتخر بهذه الوصلة ويباهي بها ، ولما ولدت ابنة الصاحب من ابي الحسين ابنه عبادا ووصلت البشارة الى الصاحب قال :

أحمد الله لبشر‌‏

جاءنا عند العشيّ

إذ حباني الله سبطا

هو سبط للنبيّ

مرحباً ثَمت أهلا

بغلام هاشميّ

١٤٧

وقال في ذلك قصيدة أولها :

الحمد لله حمدا دائما أبدا

قد صار سبط رسول الله لي ولدا

وكان الصاحب على تعاظمه وعلوّ مكانه سهل الجانب لأخوانه ، فانه كان يقول لجلسائه : نحن بالنهار سلطان وبالليل اخوان.

وقال ابو منصور البيع : دخلت يوما على الصاحب فطاولته الحديث فلما ادرت القيام قلت : لعلي طوّلت. فقال : لا بل تطوّلت.

وقال العتبي : كتب بعض اصحاب الصاحب رقعة اليه في حاجة ، فوّقع فيها ولما ردت اليهم لم يجد وافيها توقيعا. وقد تواترت الاخبار بوقوع التوقيع فيها ، فعرضوها على ابي العباس الضبي فما زال يتصفحها حتى عثر بالتوقيق ، وهو ألف واحدة. وكان في الرقعة : فان رأى مولانا أن ينعم بكذا. فعل. فأثبت الصاحب أمام كلمة : فعل ( الفاً ) يعني : أفعل.

وفي كتاب خاص الخاص للثعالبي تحت عنوان : فيما يقارب الاعجاز من إيجاز البلغاء ، قول الصاحب بن عباد في وصف الحر : وجدتُ حراً يشبه قلب الصب ويذيب دماغ الضب وجاء في يتيمة الدهر ان الضرابين رفعوا الى الصاحب قصة في ظلامة وقد كتبوا تحتها : الضرابون. فوّقع تحتها : في حديد بارد. ودخل عليه رجل لا يعرفه ، فقال له الصاحب : أبو مَن : فأنشد الرجل :

وتتفق الاسماء في اللفظ والكنى

كثيراً ولكن لا تلاقي الخلائق

فقال له : اجلس أبا القاسم.

قال جرجي زيدان في تاريخ اداب اللغة العربية :

هو ابو القاسم اسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني كان اديبا منشئاً وعالما في اللغة وغيرها وهو اول من لقب بالصاحب من الوزراء لانه كان

١٤٨

يصحب ابن العميد فقيل له صاحب ابن العميد ، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علما عليه. وقد وزّر اولاً لمؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بعد ابن العميد. فلما توفي مؤيد الدولة تولى مكانه اخوه فخر الدولة فاقرّ الصاحب على وزارته وكان مبجلا عنده نافذ الأمر وكان مجلسه محط الشعراء والأدباء يمدحونه أو يتنافسون أو يتقاضون بين يديه.

وذاعت شهرته في ذلك العصر حتى اصبح موضوع إعجاب القوم يتسابقون الى اطرائه ونظمت القصائد في مدحه :

وله من التصانيف : المحيط باللغة سبع مجلدات رتبه على حروف المعجم والكافي بالرسائل وجمهرة الجمرة وكتاب الاعياد ، وكتاب الامامة ، وكتاب الوزراء وكتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي ، وكتاب الأسماء الحسنى وكان ذا مكتبة لا نظير لها.

وقال ابن خلكان :

ابو القاسم اسماعيل بن ابي الحسن عباد ، بن العباس ، بن عباد بن أحمد ابن ادريس الطالقاني :

كان نادرة الدهر واعجوبة العصر في فضائله ، ومكارمه وكرمه ، اخذ الأدب عن ابي الحسين ، احمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب المجمل في اللغة ، واخذ عن ابي الفضل بن العميد وغيرهما ، وقال ابو منصور الثعالبي في كتابه اليتيمة في حقه : ليست تحضرني عباة ارضاها للافصاح عن علوّ محله في العلم والأدب ، وجلالة شأنه في الجود والكرم وتفرّده بالغايات في المحاسن وجمعه اشتات المفاخر لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه ، وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه ، ثم شرع في شرح بعض محاسنه وطرف من احواله :

وقال ابو بكر الخوارزمي في حقه : الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها.

١٤٩

ودبّ ودرج من وكرها ، ورضع أفاويق درّها وورثها عن آبائه وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب أبا الفضل ابن العميد ، فقيل له : صاحب ابن العميد ، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة ، وبقي علماً عليه.

ومن شعره في رقة الخمر :

رقّ الزجاج وراقت الخمر‌‏

فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنما خمرٌ ولا قدح

وكأنما قدح ولا خمر

وله يرثي كثير بن أحمد الوزير ، وكنيته ابو علي :

يقولون لي أودى كثير بن أحمد‌‏

وذلك رزء في الأنام جليل

فقلت دعوني والعُلا نبكه معاً

فمثل كثير في الرجال قليل

وقوله :

وقائلة لِم عرتك الهموم‌‏

وأمرك ممتثل في الأمم

فقلت دعيني على حيرتي

فإن الهموم بقدر الهمم

والصاحب مجيد في شعره كما هو بارع في نثره ، وقلّما يكون الكاتب جيد الشعر ولكن الصاحب جمع بينهما. ومن قوله في منجم

خوّفني منجم أخو خبل‌

تراجع المريخ في برج الحمل

فقلت دعني من أباطيل الحيل

فالمشتري عندي سواء وزحل

ودفع عني كل آفات الدول

بخالقي ورازقي عز وجل

وذكر صاحب البغية أنه كان في الصغر إذا أراد المضي الى المسجد ليقرأ تعطيه والدته دينارا في كل يوم ودرهما وتقول له : تصدّق بهذا على أول فقير تلقاه ، فكان هذا دأبه في شبابه الى أن كبر وصار يقول للفرّاش كل ليلة :

١٥٠

اطرح تحت المطرح ديناراً ودرهماً ، لئلا ينساه ، فبقي على هذا مدة. ثم أن الفرّاش نسي ليلة من الليالي ان يطرح له الدرهم والدينار. فانتبه وصلى وقلب المطرح ليأخذ الدرهم والدينار ففقدهما فتطيّر من ذلك ، فقال للفراشين : خذوا كل ما هنا من الفراش وأعطوه لأول فقير تلقونه ، فخرجوا وإذا بهاشمي أعمى تقوده زوجته ، فقالوا هلمّ لتأخذ مطرح ديباج ومخاد ديباج ، فأغمي عليه. فأعلموا الصاحب بأمره ، فأحضره ورشّ عليه الماء ، فلما أفاق سأله عن أمره ، فقال : سلوا هذه المرأة إن لم تصدقوني ، فقالوا له : اشرح فقال : انا رجل شريف لي ابنة من هذه المرأة خطبها رجل فزوجناه ، ولي سنتين آخذ ما يفضل عن قوتنا واشتري جهازا لها فقالت أمها : اشتهيت لها مطرح ديباج ، فقلت لها : من أين لي ذلك. وجرى بيني وبينها نزاع حتى خرجت على وجهي. فلما قال لي هؤلاء هذا الكلام حقّ لي أن يغمى عليّ. فقال الصاحب لا يكون الديباج إلا مع ما يليق به ، ثم اشترى له جهازا ثمينا واحضر الزوج ودفع له بضاعة سنية ليعمل ويربح.

١٥١

محمد بن هاشم الخالدي

أظلم في كربلاء يومهم

ثم تجلى وهم ذبائحه

لا برح الغيث كل شارقة

تخمي غواديه أو روائحه

على ثرى حلّه غريب رسول

الله مجروحة جوارحه

ذلّ حماه وقلّ ناصره

ونال أقصى مناه كاشحه

يا شيع الغي والضلال ومَن

كلّهم جمة فضائحه

عفرتم بالثرى جبين فتى

جبريل بعد الرسول ماسحه

يُطّل ما بينكم دم ابن رسول

الله وابن السفاح سافحه

سيان عند الإله كلّكم

خاذله منكم وذابحه (١)

__________________

١ ـ رواها السيد الامين في الاعيان عن يتيمة الدهر للثعالبي ص ١٧٠ أقول وقد تقدمت هذه الأبيات في ترجمة كشاجم من جملة قصيدة ، والشاعران في عصر واحد. وربما نظم أحدهما قطعة وجاراه الآخر فنظم على القافية فكانتا قصيدة واحدة.

١٥٢

أبو بكر محمد بن هاشم بن وعلة الخالدي الكبير أحد الخالديين والآخر اخوه ابو عثمان سعيد.

توفي حدود ٣٨٦ في حلب.

والخالدي نسبة الى الخالدية من قرى الموصل ، له ديوان المراثي وشارك أخاه الخالدي الصغير أبا عثمان سعيد في ديوانه وقيل انه شاركه في كتاب الحماسة.

ومدح الخالديان الشريف أبا الحسن محمد بن عمر العلوي الزبيدي فابطأت عنهما جائزته فأرسلا اليه قصيدة ـ وكان قد أراد السفر :

قل للشريف المستجار به

اذا عدم المطر

وابن الأئمة من قريش

والميامين الغرر

أقسمت بالرحمن و

النعم المضاعف والوتر

لئن الشريف مضى ولم

ينعم لعبديه النظر

لنشاركن بني أمية

في الضلال المشتهر

ونقول لم يغصب أبو

بكر ولم يظلم عمر

ونرى معاوية إماما

مَن يخالفه كفر

ونقول إن يزيد ما

قتل الحسين ولا أمر

ونعد طلحة والزبير

من الميامين الغرر

ويكون في عنق الشريف

دخول عبديه سقر

١٥٣

فضحك الشريف لهما وأنجز جائزتهما.

ومن شعره ما رواه النويري في نهاية الأرب :

ان خانك الدهر فكن عائذاً‌‏

بالبيد والظلماء والعيس

ولا تكن عبد المنى فالمُنى

رؤوس أموال المفاليس

وقال أيضا :

وأخٍ رخصتُ عليه حتى ملّني

والشيء مملول اذا ما يرخصُ

ما في زمانك ما يعزّ وجوده

إن رمته إلا صديق مخلص

١٥٤

الحسين بن الحجّاج

أبا حوا دم المقتول بالطف بعدما

سقوه كؤوس الموت بالبيض والاسل

وتالله ما أنساه بالطف صائلا

كما الليث في سرب النعاج اذا حمل

يُنهنه عنه القوم يُمناً ويسرة

ويصبر للحرب الشنيع اذا اشتعل

فلهفي لمن كان النبي قلوصه

فيا خير محمول ويا خير مَن حمل

يقبّل فاه مرةً بعد مرّة

وينكته أهل البدائع والزلل

والقصيدة تربو على الستين بيتا. جاء في أولها :

دع المرهفات البيض والطعن بالاسل

وسل عن دمي في مذهب الحب لِم يحِل

فما للصفاح المشرفيات والقنا

فعال كفعل الاعين النجل والمقل

فما البيض إلا البيض يلمعن كالدُما

ويشرقن كالاقمار في حلل الحلل

فخلّ حديث الطعن والضرب في الوغا

فما لك فيها ناقة لا ولا جمل (١)

__________________

١ ـ عن المجموع الرائق المخطوط للسيد احمد العطار ص ٢٠٧.

١٥٥

الحسين بن الحجاج المتوفي سنة ٣٩١ :

ابو عبد الله الحسين بن احمد بن الحجاج النيلي البغدادي الامامي الكاتب الفاضل من شعراء أهل البيت ، كان فرد زمانه في وقته. يقال انه في الشعر في درجة امرئ القيس وانه لم يكن بينهما مثلهما. كان معاصرا للسيدين وله ديوان شعر كبير عدة مجلدات ، وجمع الشريف الرضي رحمه‌الله المختار من شعره سماه ( الحسن من شعر الحسين ) وكان ذلك في حياة ابن الحجاج ، وفي أمل الأمل للحر العاملي قال : كان إمامي المذهب ويظهر من شعره أنه من اولاد الحجاج بن يوسف الثقفي وعدّه ابن خلكان وابو الفداء من كبّار الشيعة ، والحموي في معجم الأدباء يقول : من كبار شعراء الشيعة ، وآخر من فحول الكتّاب ، فالشعر كان أحد فنونه كما أن الكتابة إحدى محاسنه الجمّة وعدّه صاحب رياض العلماء من كبراء العلماء وكان ذا منصب خطير وهو توليه الحسبة ببغداد ـ والحسبة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس كافّة ولا تكون إلا لوجيه البلد ولا يكون غير الحر العدل والمعروف بالرأي والصراحة الخشونة بذات الله ومعروفا بالديانة موصوفا بالصيانة بعيدا عن التهم ، وشاعرنا ابن الحجاج قد تولاها مرة بعد أخرى ، قالوا إنه تولى الحسبة مرتين ببغداد ، مرة على عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله ، واخرى أقامه عليها عز الدولة في وزارة ابن بقيّة الذي استوزره عز الدولة سنة ٣٦٢ وتوفي سنة ٣٦٧ والغالب على شعره الهزل والمجون ، وكان ذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك أو هيبة أمير ، كما أن جلّ شعره يعرب عن ولائه الخالص لأهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.

ومن شعره قصيدته الغراء التي أنشدها في حرم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام وأولها :

يا صاحب القبّة البيضا على النجف‌

مَن زار قبرك واستشفي لديك شُفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلكم

تحظون بالأجر والأقبال والزلف

١٥٦

زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن

يزره بالقبر ملهوفا لديه كُفي

إذا وصلت فأحرم قبل تدخله

ملبيا واسع سعيا حوله وطُف

حتى إذا طفت سبعا حول قبته

تأمّل الباب تِلقا وجهه فقف

وقل : سلام من الله السلام على

أهل السلام وأهل العلم والشرف

إني أتيتك يا مولاي من بلدي

مستمسكا من حبال الحق بالطرف

راج بأنك يا مولاي تشفع لي

وتسقني من رحيق شافي اللهف

لأنك العروة الوثقى فمن علقت

بها يداه فلن يشقى ولم يخَف

وإن أسماءك الحسنى إذا تليت

على مريض شفي من سقمه الدنف

لأن شأنك شأن غير منتقص

وإن نورك نور غير منكسف

وإنك الآية الكبرى التي ظهرت

للعارفين بأنواع من الطرف

هذي ملائكة الرحمن دائمة

يهبطن نحوك بالألطاف والتحف

كالسطل والجام والمنديل جاء به

جبريل لا أحد فيه بمختلف

كان النبي إذا استكفاك معضلة

من الامور وقد أعيت لديه كُفي

وقصّة الطائر المشويّ عن أنسٍ

تخبر بما نصّه المختار من شرف

والحب والقضب والزيتون حين أتوا

تكرّماً من إله العرش ذي اللطف

والخيل راكعة في النقع ساجدة

والمشرفيات قد ضجّت على الحجف

بعثت أغصان بانٍ في جموعهم

فأصبحوا كرمادٍ غير منتسف

لو شئت مسخهم في دورهم مسخوا

أو شئت قلت لهم : يا أرض انخسفي

والموت طوعك والأرواح تملكها

وقد حكمت فلم تظلم ولم تجف

لا قدّس الله قوما قال قائلهم :

بخ بخ لك من فضل ومن شرف

وبايعوك « بخمٍّ » ثم أكّدها

« محمد » بمقال منه غير خفي

عاقوك واطرّحوا قول النبي ولم

يمنعهم قوله : هذا أخي خلَفي

هذا وليكم بعدي فمن علقت

به يداه فلن يخشى ولم يخف

قال الشيخ الأميني سلمه الله ان السلطان عضد الدولة بن بويه لما بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة الشريفة وقبّل اعتابها واحسن الأدب فوقف

١٥٧

ابو عبد الله الحسين بن الحجاج بين يديه وأنشد هذه القصيدة فلما وصل منها الى الهجاء أغلظ له الشريف سيدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام عليه‌السلام فقطع عليه فانقطع فلمّا جنّ عليه الليل رأى إبن الحجّاج الإمام عليّا عليه‌السلام في المنام وهو يقول : لا ينكسر خاطرك فقد بعثتا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه حتى يأتيك ، ثم رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة صلوات الله عليهم حوله جلوس فوقف بين أيديهم وسلم عليهم فحس منهم عدم إقبالهم عليه فعظم ذلك عنده وكبر لديه فقال : يا مواليّ أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبمَ استحققت هذا منكم؟ فقالوا : بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد الله إبن الحجاج فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرّفه عنايتنا فيه وشفقتنا عليه ، فقام السيد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله فقرع عليه الباب فقال إبن الحجاج : سيدي الذي بعثك إليّ أمرني أن لا أخرج إليك ؛ وقال : إنه سيأتيك ، فقال : نعم سمعاً وطاعة لهم. ودخل عليه واعتذر إليه ومضى به الى السلطا وقصا القصّة عليه كما رأياه فأكرمه وأنعم عليه وخصّه بالرتب الجليلة وأمر بأنشاد قصيدته.

وله من قصيدة ردّ بها على قصيدة ابن سكرة محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي من ولد علي بن المهدي العباسي وقد تحامل بها على آل رسول الله (ص) فقال ابن الحجاج في الرد عليه.

لا أكذب الله إن الصدق ينجيني

يد الامير بحمد الله تحييني

الى ان قال :

فما وجدت شفاءً تستفيد به‌‏

إلا ابتغاءك تهجو آل ياسين

كافاك ربك إذ أجرتك قدرته

بسبّ أهل العلا الغر الميامين

فقر وكفر هميع أنت بينهما

حتى الممات بلا دنيا ولا دين

١٥٨

فكان قولك في الزهراء فاطمه

قول امرئ لهج بالنصب مفتون

عيّرتها بالرحا والزاد تطحنه

لا زال زادك حبّاً غير مطحون

وقلت : إن رسول الله زوّجها

مسكينة بنت مسكين لمسكين

كذبت يابن التي باب إستها سلس الأ

غلاق بالليل مفكوك الزرافين

ستّ النساء غداً في الحشر يخدمها

أهل الجنان بحور الخرّد العين

فقلت : إن أمير المؤمنين بغى

على معاوية في يوم صفين

وإن قتل الحسين السبط قام به

في الله عزمٌ إمام غير موهون

فلا ابن مرجانة فيه بمحتقب

إثمَ المسيء ولا شمرٌ بملعون

وإن أجر ابن سعدٍ فيه استباحته

آل النبوة أجر غير ممنون

هذا وعدت الى عثمان تندبه

بكل شعر ضعيف اللفظ ملحون

فصرت بالطعن من هذا الطريق الى

ما ليس يخفى على البُله لمجانين

وقلت : أفضل من يوم « الغدير » إذا

صحّت روايته يوم الشعانين

ويوم عيدك عاشورا تعدّ له

ما يستعد النصارى للقرابين

تأتي بيوتكم فيه العجوز وهل

ذكر العجوزو سوى وحي الشياطين

عاندت ربك مغتراً بنقمته

وبأس ربك بأسٌ غير مأمون

فقال : كن أنت قرداً في استه ذنب

وأمر ربك بين الكاف والنون

وقال : كن لي فتى تعلو مراتبه

عند الملوك وفي دور السلاطين

والله قد مسخ الأدوار قبلك في

زمان موسى وفي أيام هارون

بدون ذنبك فالحق عندهم بهم

ودع لحاقك بي إن كنت تنويني

قلنا سابقا ان السيد الشريف الرضي قد جمع شعر ابن الحجاج ورتبه على الحروف فقال ابن الحجاج يشكر السيد ـ كما في الجزء الاخير من ديوانه ـ قوله :

أتعرف شعري الى مَن ضوي‏

فأضحى على ملكه يحتوي

إلي البدر حسناً إلى سيدي

الشريف أبي الحسن الموسوي

١٥٩

الى من أعوذّه كلّما

تلقيته بالعزيز القوي

فتىً كنتُ مسخاً بشعري السخيف

وقد ردّني فيه خلقاً سوي

تأملته وهو طوراً يصحّ

وطوراً بصحّته يلتوي

فميّز معوجه والردي

فيه من الجيّد المستوي

وصحّح أوزانه بالعروض

وقرّر فيه حروف الروي

وأرشده لطريق السداد

فأصلح شيطان شعري الغوي

وبيّن موقع كفّ الصناع

في نسج ديباجه الخسروي

فأقسم بالله والشيخ في

اليمين على الحنث لا ينطوي

لو أن زرادشت أصغى له

لأزرى على المنطق الفهلوي

وصادف زرع كلامي البليغ

فيه شديد الظما قد ذوي

فما زال يسقيه ماء الطرا

وماء البشاشة حتى روي

فلا زال يحيى وقلب الحسود

بالغيظ من سيدي مكتوي

له كبدٌ فوق جمر الغضا

على النار مطروحه تشتوي

لم يختلف اثنان في تاريخ وفاته وانها في جمادي الآخرة سنة ٣٩١ بالنيل وهي بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة وحمل الى مشهد الامام موسى الكاظم عليه‌السلام ودفن فيه ، وكان أوصى أن يدفن هناك بحذاء رجلي الامام (ع) ويُكتب على قبره ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) ورثاه الشريف الرضي بقصيدة توجد في ديوانه ومنها :

نعَوه على حُسن ظني به

فلله ماذا نعى الناعيان

رضيع ولاءٍ له شعبة

من القلب مثل رضيع اللبان

وما كنتُ احسب أن الزمان

يفلّ بضارب ذاك اللسان

ليبكِ الزمان طويلا عليك

فقد كنتَ خفَة روح الزمان

وبرهن الشيخ الاميني أن الرجل عمّر عمراً طويلا تجاوز المائة سنة رحمه الله وأجزل ثوابه.

١٦٠