الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

تلا قوله تعالى : (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) (١).

قال الحسن :

الحسد أسرع في الدين من النار في يبس العرفج (٢) ، وما أوتي المحسود من حاسد إلا من قبل فضل الله عنده ، ونعمته عليه. قال الله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ (اللهُ) مِنْ فَضْلِهِ) (٣).

والحسد عقيد الكفر ، وضد الحق. وقد ذم الله به أهل الكفر فقال : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (٤).

وفيه تتولد العداوة ، وهو سبب كل قطيعة ، ومنتج كل وحشة ، ومفرق كل جماعة ، وقاطع كل رحم بين الأقرباء ، ومحدث كل فرقة بين الأصدقاء ، وملقح كل شر بين الخلطاء. ثم هو أول خطيئة ظهرت في السماء ، وأول معصية حدثت في الأرض ، أما التي في السماء فمعصية إبليس لما حسد آدم (٥). وأما (٦) التي في الأرض فقتل ابن آدم حسدا (٧) له كما حكى

__________________

(١) الفرقان : ٣١.

(٢) العرفج شجر سهلي. القاموس المحيط (عرفج).

(٣) ما بين القوسين ساقط من المخطوط والآية من سورة النساء : ٥٤.

(٤) البقرة : ١٠٩.

(٥) في لطائف المعارف ٥ : أما في السماء فما كان من حسد إبليس لآدم حينترفع عن السجود ، وهو في العقد الفريد / ٣٢٠ غير منسوب.

(٦) نسب الثعالبي القول ابتداء من هذه الجملة في لطائف المعارف : ٥ إلى بعض السلف.

(٧) في لطائف المعارف : وأما في الأرض فما كان من حسد قابيل لأخيه هابيل على تقبل القربان منه دونه ، حتى قتله ، فأصبح من النادمين. وفي العقد الفريد : وأما في الأرض فحسد قابيل هابيل.

٣٤١

الله عنه ، قال تعالى (فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١). وقد أمر الله بالتعوذ من شر الحاسد إذا حسد (٢).

فصل

في ذم ذي الوجهين

قال الأحنف يوما لأصحابه :

إن ذا الوجهين خليق ألا يكون وجيها عند الله (٣).

فقالوا له : وكيف ذو الوجهين يا أبا بحر؟

قال : كما قال الله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (٤) وكما قال عز ذكره : (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٥).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) كذا في الأصل. والصواب : فأصبح من الخاسرين. المائدة : ٣٠. أما قوله : فأصبح من النادمين ، فهو من قوله تعالى : (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) المائدة : ٣١.

(٢) من قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) الفلق : ٥.

(٣) في البيان والتبيين ٢ / ١٢٩ : أنه سمع رجلا يطري يزيد عند معاوية ، حتى إذا خرج ذمهما فقال له : (صه فإن ذا الوجهين لا يكون عند الله وجيها).

(٤) البقرة : ١٤.

(٥) آل عمران : ١١٩.

٣٤٢

(مثل المنافق مثل الشاة الغائرة بين الغنمين تهوى إلى هذه مرة ، وإلى تلك أخرى). ثم قرأ. (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) (١).

وقد وصفهم بأجلّ لفظ ، وأحسن معنى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).

وقال تعالى فيهم : (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) (٣).

دخل أبو العيناء على عبيد الله بن يحيى بن خاقان (٤) ، وعنده نجاح بن سلمة وموسى ابن عبد الملك ، وأحمد بن إسرائيل (٥). فقال :

وأشار إليهم : أيها الوزير (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (٦).

فقال نجاح : كذبت يا عدو الله. فقال أبو العيناء : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٧).

__________________

(١) النساء : ١٤٣.

(٢) في الأصل خطأ في كتابة الآية إذ كتبت عبارة (قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) قبل عبارة (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ). وصواب الآية كما أثبتناها وهي من سورة النساء : ١٤١.

(٣) التوبة : ٨.

(٤) في الأصل : (عبيد الله بن سليمان).

(٥) أحمد بن إسرائيل أبو جعفر الأنباري أحد الكتاب الأذكياء ولي الوزارة للمعتز وقتله الأتراك سنة ٢٥٥ ه‍. انظر الفخري : ١٨١.

(٦) الحشر : ١٤.

(٧) الأنعام : ٦٧.

٣٤٣

فصل

في الكبر

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر لم يرح رائحة الجنة) (١). ثم قرأ : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) (٢).

وقال بعض الحكماء :

إياكم والكبر ، فإن إبليس لما تكبر عن امتثال أمر الله تعالى قال له : (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (٣).

وقال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) (٤).

وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (٥).

__________________

(١) في صحيح مسلم ١ / ٦٥ : (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).

(٢) الزمر : ٦٠.

(٣) الأعراف : ١٣.

(٤) الأعراف : ١٤٦.

(٥) لقمان : ١٨.

٣٤٤

فصل

في ذم الغيبة

قال الحسن :

الغيبة إدام الكلاب التي في النار. قال الله سبحانه : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (١).

أضاف إبراهيم بن آدم قوما فلما تمكنوا في مجلسه ، أخذوا في غيبة الناس. فقال لهم : إن الناس يأكلون الخبز باللحم ، وأنتم تأكلون اللحم قبل الخبز ، ثم قرأ (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) (٢).

وقال بعضهم :

الغيبة فاكهة المرائي ، وبستان الملوك ، ومرتع النساء ، وإدام كلاب أهل النار.

فصل

في الظن

قال الله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٣).

وقال تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (٤).

__________________

(١) الحجرات : ١٢.

(٢) الحجرات : ١٢.

(٣) النجم : ٢٨.

(٤) الحجرات : ١٢.

٣٤٥

دخل عبد الملك بن صالح (١) على الرشيد ، وكان الرشيد واجدا (٢) عليه ، متغيرا له ، فسلّم عبد الملك ، وجلس ، وأقبل الرشيد يعاتبه ، ويقرعه. فأقبل عليه عبد الملك كأنه صقر ، وقال :

يا أمير المؤمنين ، اتق الله فيما ولاك ، ورعيته فيما استرعاك ، ولا تضع الكفر مكان الشكر ، ولا العقاب موضع الثواب ، فقد والله محضتك (٣) النصيحة ، وشددت أواخي (٤) ملكك بأثقل من يلملم (٥) ، فالله (الله) في ذي رحمك أن تقطعه برجم (٦) أفصح الكتاب بآية (أنه) (٧) إثم.

فرضي عنه الرشيد ، ورجع له.

فصل

في أنواع من الخلال (٨) المذمومة

قيل لبعضهم : قال يحيى بن خالد : الشرف (٩) في السرف ، فقال قول الله أحق أن يتبع : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (١٠).

__________________

(١) عبد الملك بن صالح بن علي العباسي أمير من بني العباس ، ولاه الهادي ثم عزله الرشيد ، ثم ولاه الرشيد ، وبلغه أنه يطلب الخلافة ، فحبسه ثم أطلقه الأمين وولاه توفي نحو ١٩٦ ه‍. انظر : فوات الوفيات ٢ / ١٢ ، مروج الذهب ٣ / ٣٤٤ ، النجوم الزاهرة ٢ / ٩٠ ، ١٥١ ، تاريخ ابن الأثير ٦ / ١٨٠ فما بعدها.

(٢) في الأصل : (وامرا).

(٣) في الأصل : (مخصتك النصيحة) وفي الكامل لابن الأثير : فقد نخلت لك النصيحة ، ومحضت لك الطاعة. وقوله هذا في مروج الذهب ٣ / ٣٤٤ وروايته تختلف عن رواية الثعالبي وابن الأثير.

(٤) في الكامل : وشددت أواخي ملكك بأثقل من ركني يلملم ، وتركت عدوك منشغلا.

(٥) يلملم : موضع على ليلتين من مكة ، وقيل هو جبل من الطائف على مسيرة ليلتين أو ثلاث. انظر : معجم البلدان ٤ / ١٠٣٦.

(٦) في الأصل : (يرحم) وفي الكامل لابن الأثير : فالله في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن وصلته بظن أفصح الكتاب. وللنص تتمة.

(٧) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل في مروج الذهب ٣ / ٣٤٤ : وإن الرشيد قال للأصمعي بعد أن سمع كلامه : والله والله يا أصمعي لقد نظرت إلى موضع السيف في عنقه مرارا ، يمنعني في ذلك إبقائي على قومي في مثله. وفي الكامل لابن الأثير ، والله لو لا بقائي على بني هاشم لضربت عنقك ، ثم أعاده إلى مجلسه.

(٨) في الأصل : (الحلال).

(٩) في الأصل : (البشرف في).

(١٠) غافر : ٤٣.

٣٤٦

وقال بعض الحكماء :

المنّ يهدم الصنعة ، ويفسد المعروف. وقد نهى الله عنه فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (١).

وقال بعضهم :

الفخر عند الرجاء لؤم ، وعند البلاء حمق.

وقال الحسن :

القنوط تفريط ، وهو من الضلالة. قال الله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (٢).

وقال ابن عباس في قوله تعالى : (هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (٣). قال :

هو المشّاء بالنميمة ، المفرق بين الجمع ، المصدّع (٤) بين الإخوان. وقد ذمّ الله تعالى ذلك : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (٥).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

عدلت (٦) شهادة الزور بالإشراك بالله. قال الله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (٧).

__________________

(١) البقرة : ٢٦٤.

(٢) الحجر : ٥٦.

(٣) الهمزة : ١ وفي تفسير الطبري ج ٣٠ / ٢٩٢ : عن ابن عباس أيضا قال هم المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة الباغون أكبر العيب.

(٤) في الأصل : (المصدن نبي).

(٥) القلم : ١٠ ، ١١.

ورد هذا التفسير في جامع البيان ٣٠ / ٢٩٢.

(٦) الحديث في شرح صحيح الترمذي ج ٩ / ١٧٤ ، ١٧٥ وقد قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إحدى خطبه.

(٧) الحج : ٣٠.

٣٤٧

فصل

في ذكر العامة والجهال

قال الله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١).

وكان محمود الورّاق اقتبس منه :

يا ساهرا يرنو بعيني راقد

ومشاهدا (٢) للأمر غير مشاهد (٣)

٢ ـ ٢١٠ ـ ١ وكان بعضهم إذا نظر إلى العامة قال : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) (٤) (وَهُمْ رُقُودٌ) (٥).

وقال الله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (٦).

__________________

(١) الأعراف : ١٩٨.

(٢) في الأصل : (ومشاهد) والبيت في ديوانه ق ٤٩ ، ٦١ مع ثلاثة أبيات أخرى. وروايته فيه (يا ناظرا يرنو ..).

(٣) وهو في العقد الفريد ٣ / ١٧٩ وروايته :

يا غافلا ترنو بعيني راقد

ومشاهد للأمر غير مشاهد

وبعده :

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي

درك الجنان بها وفوز العابد

ونسيت أن الله أخرج آدما

منها إلى الدنيا بذنب واحد

(٤) في الأصل : (إيقاظ).

(٥) الكهف : ١٨.

(٦) البقرة : ١٣.

٣٤٨

منه اقتبس من قال :

جهلت ولم تعلم بأنّك جاهل

فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري (١)

قال الله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢).

وقال منصور الفقيه :

يا معرضا إذ رآني

لمّا رآني ضريرا

كم قد رأيت بصيرا

أعمى وأعمى بصيرا (٣)

وقال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٤). فلو كانوا صما وبكما ، وكانوا لا يعقلون لما عيّرهم بذلك ، كما لم يعيّر من خلقه أعمى ، (وكما) (٥) لم يعير من خلقه معتوها لم يعقل ، وكما لم يلم الدواب ولم يعاقب السباع ، ولكن سمّى البصير المتعامي ، والسميع المتصام (٦) أصما ، والعاقل المتجاهل جاهلا. وقد قال الله

__________________

(١) البيت للخليل بن أحمد الفراهيدي. انظر شعره ق ١٦ ومعه ثلاثة أبيات أخرى وروايته فيه (جهلت فلم تدر) وروايته في الأصل (فمن لي بأن يدري ..).

(٢) الحج : ٤٦.

(٣) البيت في شعر منصور بن إسماعيل الفقيه ٩٦ وهما في معجم الشعراء ٢٨ ، يتيمة الدهر ٢ / ١٤٤.

(٤) الأنفال : ٢١ ، ٢٢.

(٥) في الأصل : (وكيف).

(٦) في الأصل : (المتعام أصم).

٣٤٩

تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (١). فلو عنى أن عماهم كعمى العميان وصممهم كصمم الصمّ لما قال : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢) ، وإنما ذلك كقوله : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (٣). وقد قال الله تعالى لناس يبصرون ويسمعون (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٤) ، فذلك على المثل.

ونظر بعضهم إلى قوم من العامة يتكلمون في القدر ، وقد علت أصواتهم في الجدال. فقال :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (٥).

وقد ذم الله قوما يخافون الناس أشد من خوفهم الله فقال تعالى : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (٦).

__________________

(١) محمد : ٢٣.

(٢) محمد : ٢٤. وفي الأصل : (أفلا يبصرون).

(٣) النمل : ٨٠.

(٤) البقرة : ١٨.

(٥) الحج : ٣ ، ٤ وما بين القوسين ساقط في الأصل.

(٦) الحشر : ١٣.

٣٥٠

فصل

في مثل ذلك من ذم الفساق

كان الحسن إذا نظر إلى أصحاب الدنيا قال :

رفعوا الطين (١) ، ووضعوا الدين ، وركبوا البراذين ، واتبعوا الشياطين ، وأشبهوا الدهّاقين خلافا على المتقين ، وهكذا أفعال المجانين فسوف يعلمون.

وكان محمد بن عبد الملك بن صالح (٢) يقول :

ما فسق من أهل البيت رجل (٣) ، حتى استخلف المهدي ، فحدثت (٤) في عصره أحداث ، (و) (٥) اشتهر باللذات. ولقد أدركت من مضى من أهل بيتي يصونون عن الدنس أعراضهم ، ويحفظون من العار أنسابهم ثم (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ) (٦) (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٧).

كتب أبو علي البصير (٨) إلى أبي (٩) العيناء :

أخبرني فلان أنك أصبحت متخضبا بالوسمة ، فعرفت أنك التمست بذلك الزينة عند أهل الدنيا لما رأيت من قبح وجهك عند أهل الآخرة بتركك الصلاة ، واتباعك

__________________

(١) في الأصل : (الطير).

(٢) محمد بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس كان غاية في الرفعة ومن جلة قومه مدحه البحتري وحبيب.

انظر جمهرة أنساب العرب : ٣٦.

(٣) في الأصل : (رجلا).

(٤) في الأصل : (فحدث).

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) في الأصل : (المصلاة).

(٧) مريم : ٥٩.

(٨) في الأصل : (البصيرى).

(٩) في الأصل : (أبو).

٣٥١

(الشهوات) (١) ، ومنعك الصدقات ، واستحلالك الحرمات ، وكلما أردت ذلك كنت (٢) عند أهل السماء من الممقوتين ، وعند الصالحين من المارقين الذين قال الله فيهم : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) (٣).

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : (كتب).

(٣) الأنفال : ٢٣.

٣٥٢

الباب العاشر

في

ذكر أنواع من الأضداد ، والأعداد

٣٥٣
٣٥٤

الباب العاشر

في ذكر أنواع من الأضداد ، والأعداد

فصل

في ذكر الغنى والفقر

قلت في الكتاب المبهج :

لو لم يكن في الغنى إلا أنه من صفات الله تعالى لكفى (١) به فضلا. وقد سمّى الله تعالى المال خيرا (٢) في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً) (٣).

وقال المفسرون في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٤) ، أي لحب المال وسمّى الله جلّ اسمه الخيل خيرا في قصة سليمان عليه‌السلام. فقال حكاية عنه : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) (٥). وسمّى الطعام خيرا في قصة موسى عليه‌السلام حيث قال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (٦).

عن عبد الرحمن : يا حبّذا المال أصون به عرضي ، وأقرضه (٧) ربي ، فيضعفه.

__________________

(١) في الأصل : (وكفى).

(٢) في الأصل : (خير).

(٣) البقرة : ١٨٠ والنص غير موجود في ما نشر من المبهج.

(٤) العاديات : ٨.

(٥) ص : ٣٢.

(٦) القصص : ٢٤.

(٧) في الأصل : (وافرضه) والقول إشارة إلى الآية الكريمة : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) البقرة : ٢٤٥ وقد سقط سند الخبر.

٣٥٥

قال شاعر :

حالان (لا) (٢) تحسن الدنيا بغيرهما

 .... (١) فيه الجود والولد

زين الحياة هما لو كان غيرهما

كان الكتاب به في ديننا يرد

يعني قوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٣).

قال ابن عباس : في قوله تعالى : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) (٤) أي مالا إلى مالكم.

وقد اختار قوم من الصالحين الفقر لقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٥). وقوله : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٦) وقوله : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (٧).

قال بعض المفسرين في قوله تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٨) (قال : ما) جددوا (٩) لله معصية إلّا جدد لهم نعمة يستدرجهم بها.

وكان يقال : شر الفقراء الذين يسألون الناس إلحافا ، ويأكلون إسرافا (١٠).

__________________

(١) فراغ في الأصل.

(٢) فراغ في الأصل.

(٣) الكهف : ٤٦.

(٤) هود : ٥٢.

(٥) العلق : ٦ ، ٧.

(٦) فصلت : ٥٠.

(٧) التغابن : ١٥.

(٨) الأعراف : ١٨٢.

(٩) في الأصل : (ما جدد الله معصية إلا أخذ). وانظر تفسير الآية في تفسير الطبري ج ٩ / ١٣٥.

(١٠) إشارة إلى قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) البقرة : ٢٧٣ وقوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا).

الأعراف : ٣١.

٣٥٦

فصل

في فضل المال والسعي في كسبه (و) ذكر التجارة

واعتماد الصنعة

مدح الله تعالى قوما يسعون في طلب فضله فقال : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) (١).

وأمر الله تعالى بالحركة في الطلب ، وحث عليها فقال : (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٢).

وقال تعالى : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) (٣).

وقال صاحب البصرة (٤) :

إذا الأرض ضاق بها زندها

ففسحتها في فراق الزناد

إذا صارم قرّ (٦) في غمده

حوى غيره الفضل يوم الجلاد (٥)

ولو يستوي بالقعود النهوض

لما ذكر الله فضل الجهاد

__________________

(١) المزمل : ٢٠.

(٢) النساء : ١٠٠.

(٣) الجمعة : ١٠.

(٤) في الأصل : (التبصرة) والصواب : البصرة ، ويريد به صاحب الزنج المعروف ، انظر ثورة الزنج ـ فيصل السامر.

(٥) في الأصل : (فرمى).

(٦) في الأصل : (حرى) والبيتان في تاريخ الطبري ٨ / ٣١١ وقبلها :

رأيت المقام على الاقتصاد

قنوعا به ذلة في العباد

٣٥٧

قال تعالى : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (١). فجعلهم في الرخصة مع المجاهدين الذين هم أهل الجنة.

وعنه عليه‌السلام :

أطيب ما أكل الرجل من كسبه.

والكسب في كتاب الله تعالى التجارة (٢).

وعنه عليه‌السلام :

التاجر الصدوق مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وقد غبر (٣) عليه‌السلام برهة من دهره تاجرا ، وشخص مسافرا واشترى حاضرا وباع ، وما شان (٤) أمره في ذلك. قال المشركون : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) (٥). فيستغنى بها عن الشراء والبيع والقيام في الأسواق (٦) ، فأوحى الله إليه : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

__________________

(١) المزمل : ٢٠.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) البقرة : ١٧٢.

(٣) في الأصل : (عبر).

(٤) في الأصل : (واباع رما شبهان).

(٥) الفرقان : ٧ ، ٨ وفي الأصل : (انزل عليه).

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) هود : ١٢.

٣٥٨

إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) (١) فأخبر أن الأنبياء قبله قد كانت لهم تجارات ، وصناعات.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :

ما من ميتة بعد القتل في سبيل الله (أحبّ إليّ) من أن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض ، وأبتغي من فضل الله.

وقال بعض السلف :

الأسواق موائد الله في أرضه فمن أتاها أصاب منها (٢) ، ثم قرأ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) (٣) يعني (٤) التجارة في الأسواق.

وقال رجل لمعروف (٥) :

يا أبا محفوظ : أتحرك في طلب الرزق أم لا؟

فقال : تحرّك ، فإن الله تعالى قال لمريم : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) (٦) ولو شاء الله أن ينزله من غير أن تسعى في هز هذه النخلة لفعل.

__________________

(١) الفرقان : ٢٠ وما بين القوسين ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : (اصخاب).

(٣) البقرة : ٢٦٧.

(٤) في الأصل : (معنى).

(٥) هو معروف بن فيروز الكرخي المكنى أبو محفوظ ، زاهد متصوف كان مولى للإمام علي الرضا توفي سنة ٢٠٠ ه‍. صفة الصفوة ٢ / ١٧٩ ، طبقات الحنابلة ١ / ٣٨١ ـ ٣٨٩ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٩٩.

(٦) مريم : ٢٥.

٣٥٩

فصل

في ضد ذلك

كان الحسن رحمه‌الله يقول :

لعن الله أقواما أقسم الله فلم يصدقوه. ثم يقرأ : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (١).

وقال محمود الورّاق :

لقد خّمن الله رزق العباد

 .... وابه من رزقه (٢)

فلا يشعر القلب خوف المعاش

فيتهم الله في صدقه

ويقطع رزقك بعد الضمان

والهرّ والكلب في رزقه

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

(ما أوحي إليّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين ، ولكن أوحي إليّ أن : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٣).

__________________

(١) الذاريات : ٢٢ ، ٢٣.

(٢) كذا في الأصل ، والأبيات ليست في ديوانه.

(٣) الحجر : ٩٨ ، ٩٩.

٣٦٠