الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

فصل

في الاعتبار

قال الله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) (١).

وقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٢).

وقال بعض الصالحين : إني لأخرج من منزلي فما تقع عيني على شيء إلا ولله عليّ فيه نعمة ، ولي في ذلك عبرة. ثم قرأ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (٣).

وكان الفضل بن عيسى الرقاشي (٤) يقول في قصصه :

اسأل (٥) الأرض فقل من شق (٦) أنهارك وحثا ترابك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك ، فإن لم تجبك جوابا أجابتك اعتبارا. ثم يقرأ (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (٧).

قال صالح المري (٨) :

دخلت دار أبي أيوب المورياني (٩) بعد زوال أمره فاستفتحت بثلاث آيات استخرجها من كتاب الله تعالى في الاعتبار بخراب المساكن ، قوله تعالى : (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ

__________________

(١) الحشر : ٢.

(٢) النازعات : ٢٦.

(٣) آل عمران : ١٣ ، النور : ٤٤.

(٤) في الأصل : (الفاضل) والصواب : الفضل بن عيسى بن إبان الرقاشي الواعظ البصري. كان من رجال المعتزلة. انظر : تهذيب التهذيب ٨ / ٢٨٣ وثقه بعضهم. وقال النسائي عنه إنه ضعيف.

(٥) في الأصل : (سئل).

(٦) في الأصل : (أشق).

(٧) يوسف : ١٠٥.

(٨) صالح المري بن بشير بن وادي. كان من أحد رجال الحديث توفي سنة ١٢٧ ه‍. الطبقات : ٢٢٣.

(٩) في الأصل : (المرزباني) والصواب : المورياني وقد مر بنا تحقيق هذا الاسم في فصل العفو ، وانظر أيضا الفخري ١٢٨.

٣٢١

تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) (١). وقوله : (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٢) وقوله : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) (٣). قال : فخرج إليّ أسود وقال : يا أبا بشر ، هذه سخطة المخلوق ، كيف سخطة الخالق.

لما اتصل بعبيد الله بن سليمان أن علي بن نصر بن بسّام قال (٤) :

بقربك داران مهدومتان (٥)

ودارك ثالثة تهدم

فليت السلامة للمنصفين

ترجّى فكيف (٦) لمن يظلم

يعني دار صاعد (٧) وأبي الصقر (٨) الوزيرين كانا قبله. قال عبيد الله : وعظ نفسه بدار أبيه (٩) فقد كانت أحسن من دورنا. وقد وعظ الله تعالى في خير موضع من كتابه فقال : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا) (١٠) (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (١١). وهذا عدي بن زيد يقول :

__________________

(١) القصص : ٥٨.

(٢) القمر : ١٥.

(٣) النمل : ٥٢.

(٤) البيتان في مجموعه الشعري ق ١٢٢.

(٥) في الأصل : (ذاراري) ورواية البيت في المجموع (داران).

(٦) روايته في الديوان : (دامت ففكيف).

(٧) مرت ترجمته.

(٨) في الأصل : أبو القصر ، والصواب : أبو الصقر ، هو إسماعيل بن بلبل استوزره الموفق لأخيه المعتمد وجمع له السيف والقلم.

انظر الفخري ١٧٨.

(٩) في الأصل وعظ وما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.

(١٠) في الأصل : (يشيروا).

(١١) الروم : ٩.

٣٢٢

أين كسرى الملوك أبو

ساسان أم قبله سابور (١)

وقال آخر :

وإنّا مورثون كما ورثنا

عن الآباء إن متنا وبنّا (٢)

وقال آخر :

كلّ إلى الغاية محثوث

والمرء موروث ومبعوث

فكن حديثا حسنا ذكره

بعدك في الناس أحاديث

فصل

في المشورة

قال الحسن :

إن الله تعالى لم يأمر نبيه بمشاورة أصحابه لحاجة منه إلى آرائهم (٣) ، وإنما أراد أن يعلمنا ما في المشورة من الفضل حيث قال : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (٤).

__________________

(١) البيت في ديوان عدي ٨٧ وروايته :

أين كسرى كسرى الملوك

أنو شروان أم أين قبله سابور

من قصيدة مطلعها :

أرواح مودّع أم بكور

لك فاعلم لأي حال تسير

(٢) في الأصل : (بتنا).

(٣) في الأصل : (أدائهم).

(٤) آل عمران : ١٥٩.

٣٢٣

قال الأصمعي :

قلت لبشار بن برد : ما سمعت أحسن من شعرك في المشورة :

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

بحزم نصيح أو نصاحة (١) حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

فإنّ الخوافي قوة للقوادم

فقال : إن المشاور بين إحدى الحسنيين ، بين صواب (٢) يفوز بثمرته ، أو خطأ يشارك في مكروهه (٣). فقلت : أنت في هذا الكلام أشعر منك في شعرك.

قال الجاحظ :

الشورى لقاح العقول وبريد (٤) الصواب (٥) ، والمستشير (٦) على طرف النجاح. (واستشارة المرء برأي أخيه من عزم الأمور ، وحزم التدبير) (٧).

__________________

(١) الخبر والبيتان في ديوانه ٤ / ١٧٢ وفي نهاية الإرب ٦ / ٧١ ورواية البيت فيه :

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

برأي نصيح أو نصيحة حازم

ولا تحسب الشورى عليك غضاضة

فإنّ الخوافي رافدت القوادم

وهذان البيتان من قصيدة كان بشار بن برد قد كتب بها إلى إبراهيم بن عبد الله بن الحسن يمدحه بها ، ويحرضه على أبي جعفر المنصور فمات إبراهيم قبل وصول القصيدة إليه ، فخاف بشار من اشتهارها فقلبها وجعل التحريض على أبي مسلم الخراساني فقال :

أبا مسلم ما طيب عيش بدائم

ولا سالم عما قليل بسالم

(٢) في الأصل : (فقوات).

(٣) العبارة الأخيرة في ثمار القلوب : ٤١٧.

(٤) في الأصل : (القول وريد).

(٥) في الأصل : (الصواث).

(٦) في الأصل : (المستشين).

(٧) العبارة في التمثيل والمحاضرة : ٤١٧ غير منسوبة للجاحظ.

٣٢٤

وقد أمر الله تعالى بالمشورة أكمل الخلق لبابة (١) ، وأولاهم بالإصابة ، فقال لرسوله الكريم الحكيم (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٢).

وقال الشاعر :

شاور صديقك في الخفي المشكل (٤)

(واقبل) (٣) نصيحة مشفق متفضل

فالله قد أوصى النبي محمدا

في قوله : شاورهم (٥) وتوكل

فصل

في أدب الحرب

قد أمر الله تعالى في الحرب بالاجتماع ، والتعاضد فقال : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (٦).

وكان المهلب بن أبي صفرة يقول :

محرّض خير من ألف مقاتل ، ثم يقرأ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) (٧) ، وقوله (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (٨).

__________________

(١) اللبابة : الحسب الخالص. القاموس المحيط (لبب).

(٢) آل عمران : ١٥٩.

(٣) في الأصل : (والمشكل).

(٤) في الأصل : (أقبل نصحة).

(٥) في الأصل : (وشاورهم). وفي البيت إشارة إلى الآية السابقة : آل عمران : ١٥٩.

(٦) التوبة : ٣٦.

(٧) الأنفال : ٦٥.

(٨) النساء : ٨٤.

٣٢٥

وقد جمع الله آداب الحرب بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١).

فأمر أولا بالثبات عند لقاء العدو ، ثم بذكر (٢) الله الذي به يستنزل النصر ، ثم بطاعة الله التي لا بد منها في جميع الأحوال ، ثم بطاعة الرئيس التي لك غنمها ، وعليك عدمها ، ثم نهى عن التنازع المؤدي إلى التخالف ، وذهاب الريح ، وكلال الجدّ (٣) ثم أمر بالصبر الذي هو ملاك الأمر. ومن أخذ بهذه الآداب الحسنة في الحرب فلا بد من إفلاحه وإنجاحه.

قال بعض أصحاب الجيوش :

التعزير (٤) مفتاح البؤس ، وقد نهى الله عن ذلك فقال : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٥).

ومن وهن الأمر إعلانه قبل إحكامه. وقد ذمّ الله الإذاعة فقال : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) (٦).

استأذن بعض أصحاب أبي مسلم إياه في الانصراف ، وهو في بعض الحروب فقرأ بعض قوّاده : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

__________________

(١) الأنفال : ٤٥ ، ٤٦.

(٢) في الأصل : (يذكر).

(٣) الجد : الرزق والعظمة. القاموس المحيط (جدد).

(٤) التعزير : التعظيم ، ولعل المقصود بها المبالغة في التعظيم كما نهى الله سبحانه في الآية المذكورة عن الإسراف المؤدي إلى التهلكة.

(٥) البقرة : ١٩٥.

(٦) النساء : ٨٣.

٣٢٦

وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (١). فغضب أبو مسلم ، وهم بقتله. فقال المستأذن أيها الأمير :

هذه منسوخة بقوله تعالى : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢). فأذن له ، وقد سكن عنه الغضب.

لما ركب المأمون للقبض على ابن عائشة الخارج (٣) كان من علية شيعته العباس بن الحسن بن عبيد الله العلوي (٤) ، فجمعوا إليه وخدمه بالأسلحة الشاكة. فقال له المأمون :

(ويحك) (٥) ما هذه الخرجة؟

فقال : اتباعا لقول الله تعالى : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) (٦) ، فاستحسن ذلك من كلامه واستصحبه.

حكى أبو عبد الله ابن خالويه (٧) ، قال :

بلغني عن ابن نفيس صاحب كان لسيف الدولة أنه حكى حكاية ظريفة قال :

__________________

(١) التوبة : ٤٥.

(٢) النور : ٦٢.

(٣) كذا في الأصل ، وهو إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام المعروف بابن عائشة خرج على المأمون سنة عشر ومائتين وسعى في البيعة لإبراهيم بن المهدي فقبض عليه المهدي وحبسه ، ثم قتله وصلبه. انظر : الطبري ١٠ / ٢٦٩ ، ٢٧٠ حوادث سنة ٢١٠.

(٤) العباس بن الحسن بن عبد الله العلوي من ولد العباس بن علي بن أبي طالب كان من أصحاب الرشيد : جمهرة أنساب العرب ٦٧.

(٥) في الأصل : (وقرر) ولم يرد ذكر الصحبة في الطبري.

(٦) التوبة : ١٢٠.

(٧) أبو عبد الله بن خالويه لغوي نحوي مشهور جالس سيف الدولة ، وله مع المتنبي مجالس ومباحث توفي سنة ٣٧٠ ه‍. وفيات الأعيان ١ / ٤٣٣.

٣٢٧

قلت لسيف الدولة وهو يكتب إلى ملك الروم : أيها الأمير أراك تدني (١) ملك الروم إلى طاعتك ، فتجعله أكبر من ملك ، فضحك وقال :

و (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) (٢).

فصل

في أنواع من المكارم والمحاسن

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من أغاث مكروبا ، أغاثه الله يوم الفزع الأكبر).

وقال يوما : (من أعطى فشكر ، وابتلى فصبر ، وظلم فاستغفر) ثم سكت. فقالوا :

ما له يا رسول الله؟

فقال (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٣).

وكان يقال : قد جمع الله محاسن الخصال ، ومكارم الأخلاق في قوله : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٤).

وقال بعض الولاة لرجل من رعيته :

قد أمرنا باستعمال العدل معك في صناعتك ، ومعاشك.

قال : وما يجزيني ذلك أيها الأمير ، مع خدمتي وحرمتي؟ (٥).

فقال : وهل وراء العدل شيء؟.

__________________

(١) في الأصل : (تدثى).

(٢) محمد : ٣٥.

(٣) الأنعام : ٨٢.

(٤) الأعراف : ١٩٩.

(٥) في الأصل : (وجرمتي).

٣٢٨

فقال : نعم ، الإحسان الذي قرنه الله به في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (١).

وقال بعض الصالحين لابنه :

يا بني عليك بالقناعة ، فإن (من) لم تغنه قناعة لم تغنه (١) مال.

كان قتادة يقول :

ما استقصى كريم قط. أما سمعتم قول الله تعالى : (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) (٢).

وكان الأحنف (٣) يقول :

التغافل من أفعال الكرام ، ثم يقول : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (٤).

وهذا المعنى أراده أبو تمام في قوله :

ليس الغبيّ بسيد (٦) في قومه

لكنّ سيد قومه المتغابي (٥)

__________________

(١) النحل : ٩٠.

(٢) في الأصل : يغنه.

(٣) التحريم : ٣.

(٤) هو الأحنف بن قيس يكنى أبا بحر الضحاك المعروف بالأحنف وقيل اسمه صخر ، وهو الذي يضرب به المثل في الحلم. كان من سادات التابعين أدرك النبي ، ولم يصحبه توفي سنة ٦٧ ه‍ وقيل ٧٦ ه‍ وقيل ٧٧ ه‍. انظر وفيات الأعيان ٢ فما بعدها.

(٤) الأنعام : ٦٨.

(٥) في الأصل : (بسيدو).

(٦) البيت من قصيدة يمدح بها أبو تمام مالك بن طوق التغلبي ومطلعها :

لو أنّ دهرا رد رجع جوابي

أو كفّ من شاديه طول عتابي

نظر : بدر التمام : ٨٢.

٣٢٩
٣٣٠

الباب التاسع

في

ذكر معائب الأخلاق من الخلال ، ومقابح

الأعمال ، وذم العامة والسقّاط والجهال

وعورات الرجال

٣٣١
٣٣٢

الباب التاسع

في ذكر معائب الأخلاق من الخلال ومقابح (١) (الأعمال) وذم الغاغة (٢) والسقّاط ، والجهال ، وعورات (٣) الرجال.

فصل

في ذم الهوى

قال ابن عباس :

الهوى إله معبود ، ثم قرأ (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (٤).

وقال ابن طباطبا من أبيات :

سمتني ما محا الهوى من ضميري

فالهوى اليوم حبله منك واهي

بعدما كان لي هواك إلها

طالما قد عبدته كالإله

قيل لبعض الزهاد (٥) :

أوصنا.

قال : خالفوا أهواءكم تسلموا من الضلالة فإن الله يقول : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ) (٦) ويقول : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٧) ويقول :

__________________

(١) في الأصل : (مفاتح) وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل وقد ذكرت في ثبت الكتاب.

(٢) في الأصل : (الفاغة) والغاغة : السقاط من الناس وهو في الأصل شيء يشبه البعوض ولا يعض لضعفه. انظر : القاموس المحيط (غوغ).

(٣) في الأصل : (وعوارف) وهو خطأ صوبناه من مقدمة الكتاب.

(٤) الجاثية : ٢٣.

(٥) في الأصل : (الرهاة).

(٦) القصص : ٥٠.

(٧) ص : ٢٦.

٣٣٣

(وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (١) ، ويقول : (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (٢).

فصل

في كفر النعمة

قال بعض الحكماء : كفر النعمة طبيعة مركبة في الإنسان. قال الله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) (٣) ، (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٤).

قال الحسن : في قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٥) قال :

هو الذي ينسى النعم ، ويذكر المصائب.

قال بعضهم :

يا أيها الظالم في فعله

والظلم مردود على من ظلم

إلى متى أنت ، وحتى متى

تشكو المصاب وتنسى النعم؟

بلغ سليمان بن جعفر بن أبي جعفر قول إبراهيم بن المهدي :

__________________

(١) المائدة : ٧٧.

(٢) الأنعام : ٥٦.

(٣) الحج : ٦٦ في الأصل) : إن الإنسان لكفور مبين) وهو خطأ في النسخ.

(٤) إبراهيم : ٣٤.

(٥) العاديات : ٦.

٣٣٤

والله ما عفا عني المامون صلة لرحمي ، ولا تقربا (١) إلى الله بحقن دمي ، ولكن قامت له سوق في العفو ، فكره أن يقدح (٢) فيها فيها بقتلي.

فقال سليمان : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (٣). أما المأمون فقد فاز بذكرها ، وفضلها ، وجميل الأحدوثة عنها (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٤). قال الله تعالى : (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٥).

قال أبو تمام :

أشكر نعمى منك مكفورة

وكافر النعمة كالكافر (٦)

قال البحتري :

سأجهد في شكر لنعماك إنني

أرى الكفر للنعماء ضربا من الكفر (٧)

__________________

(١) في عيون الأخبار ١ / ١٠٠ : ولا محبة لاستحيائي ، ولا قضاء لحق.

(٢) يقدح : أي يطعن. والخبر في عيون الأخبار ٢ / ٢٥٢ : عمومتي ، ولكن قامت له سوق في العفو ، فكره أن يفسدها بي. انظر أيضا : الخليفة المغنى : ٨٧.

(٣) عبس : ١٧.

(٤) الكهف : ٢٩.

(٥) النمل : ٤٠.

(٦) البيت الأول في بدر التمام في شرح ديوان أبي تمام ١ / ٥١٦ وتمثل به الثعالبي في المنتحل : ٨٩ وهو من قصيدة يمدح بها أبا سعيد ، ومطلعها :

قل للأمير الأريحي الذي

كفّاه للبادي وللحاضر

(٧) البيت الثاني من قصيدة يمدح بها المعتز ومطلعها :

حبيب سرى في خفية وعلى ذعر

يجوب الدجى حتى التقينا على قدر

ديوان البحتري ج ١ / ١٠٥٤.

٣٣٥

فصل

في البخل

كان الشعبي يقول :

والله ما أفلح بخيل قط ، ثم يقرأ (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

قال ابن مسعود في قوله تعالى :

(سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢) قال : يطوّق بثعبان فينقر رأسه ، ثم ينظم في عنقه فيقول : أنا مالك بخلت به.

وقال بعض السلف :

لو لم ينطق القرآن في ذم (٣) البخيل إلا بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٤).

وقال غيره : قد ذم الله تعالى : من منع خيره ، وأمر (٥) بالبخل غيره ، فإياك أن تكنه.

__________________

(١) الحشر : ٩.

(٢) آل عمران : ١٨٠.

(٣) الأصل : (دم).

(٤) النساء : ٣٧ وفي الأصل : (ولا تحسبن). ولعلّ بعدها كلمة ساقطة هي مثلا (لكفى).

(٥) في الأصل : (ويأمر).

٣٣٦

فصل

في الظلم

قال الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ) (١).

ثم قال : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢).

وقال : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (٣).

وقال تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٤).

وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ) (٥).

وقال تعالى : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) (٦).

قال بعض الحكماء :

الظلم خطة في الحيوان لا سيما في الإنسان (٧) ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٨).

قال المتنبي :.

__________________

(١) الصف : ٧.

(٢) الصف : ٧.

(٣) العنكبوت : ٤٩.

(٤) البقرة : ٢٧٠.

(٥) إبراهيم : ٤٢.

(٦) نوح : ٢٨.

(٧) في الأصل : (في الإنسان لا سيما في الإنسان) وهو تحريف في النسخ ولعلها كما أثبتناها. والخطة الطريقة والعادة.

(٨) إبراهيم : ٣٤.

٣٣٧

والظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعلة لا يظلم (١)

سمع ابن عيينة قائلا يقول : الظلم مرتعه وخيم. فقرأ : (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (٢) ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٣).

وقال عبد الله بن مسعود :

لما نزلت هذه الآية : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٤) شق ذلك على أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقالوا : يا رسول الله أيّنا لم يظلم نفسه؟ فقال عليه‌السلام : ((الظلم ها هنا الشرك ، أما سمعتم قوله تعالى حكاية عن لقمان : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٥))).

جمع ابن عباس وكعب الأحبار (٦) مجلس جرى فيه ذكر الظلم والظلمة.

فقال كعب : إني واجد في التوراة : أن من يظلم يخرب بيته (٧).

فقال ابن عباس : أنا أوجدك هذا في القرآن.

فقال : هات يا بن (٨) عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقرأ : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) (٩).

__________________

(١) البيت في ديوان المتنبي ٤ / ١٢٥.

(٢) طه : ١١١.

(٣) الشعراء : ٢٢٧.

(٤) الأنعام : ٨٢.

(٥) لقمان : ١٣ والحديث أخرجه البخاري وأورده ابن كثير في تفسيره ٣ / ٤٤٤.

(٦) كعب الأحبار هو كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري تابعي كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن ، أسلم زمن أبي بكر ، وقدم المدينة زمن عمر ، فأخذ عنه الصحابة أخبار الأمم الغابرة. انظر حلية الأولياء ٥ / ٣٦٤.

(٧) في الأصل : (يجرب نبيه).

(٨) في الأصل : (أبى أحد).

(٩) النمل : ٥٢.

٣٣٨

ومن ها هنا روى عنه عليه‌السلام : (اليمين الكاذبة تدع الديار (١) بلاقع). وقد اقتبس أبو تمام هذا المعنى فقال :

وبلاقعا حتى كأنّ قطينها

حلفوا يمينا خلّفتك غموسا (٢)

لما بلغ عبد الله بن الزبير (٣) أن عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد الأشدق (٤) قام خطيبا فقال في خطبته :

أما بعد ، فإن (أبا ذبان) (٥) قتل (لطيم) (٦) الشيطان ، ثم قرأ : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٧).

أنشد القاضي أبو بكر لنفسه :

وظالما قلت له واعظا

الظلم مما ينكر (٨) العالمون

أقصر عن الظلم وأمسك يدا

فإنه لا يفلح الظالمون

__________________

(١) في الأصل : الربار) والبلاقع : الخالية.

(٢) البيت في ديوان أبي تمام : من قصيدة ١٣١ يمدح بها أبا الغيث موسى بن إبراهيم ومطلعها :

أقشيب ربعهم أراك دريسا

وقرى ضيوفك لوعة ورسيسا

القطين : السكان ، واليمين الغموس هي الكاذبة.

(٣) في الأصل : (عبد الله) وهو تحريف في النسخ.

(٤) عمرو بن سعيد الأشدق ، ولي المدينة لمعاوية ويزيد ثم طلب الخلافة وغلب على دمشق وخرج على عبد الملك بن مروان ، فقتله عبد الملك سنة ٧٠ ه‍ ، ولقب بلطيم الشيطان وقد قال الجاحظ إن هذا اللقب يقال لمن به لقوة أو شتر إذا سب. انظر الحيوان ٦ / ١٧٨ ، لطائف المعارف : ٣٧.

(٥) في الأصل : (أبا الرمان) وهو تحريف في النسخ والصواب أبو ذبان وهي كنية عبد الملك ابن مروان قيل لشدة بخزه وموت الذبان إذا دنت من فمه. انظر : لطائف المعارف ٣٦ ، ثمار القلوب : ٥٩.

(٦) في الأصل : (لظليم) وهو تحريف في النسخ ، ولطيم الشيطان لقب عمرو بن الأشدق والخطبة في البيان والتبيين ١ / ٤٠٦ ، ٢ / ٩٥ ،

ثمار القلوب : ٥٩ ، لطائف المعارف : ٣٦.

(٧) الأنعام : ١٢٩.

(٨) في الأصل : (سكر) والصواب ما أثبتناه أعلاه.

٣٣٩

فصل

في الكذب

قال الحسن :

ينبغي للمؤمن أن ينزه دينه عن الكذب فإن الله تعالى قد نسبه إلى من لا يؤمن به فقال : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) (١). وقال عز ذكره : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) (٢).

قال بعض الحكماء :

الكذب بين مهانة الدنيا ، وعذاب الآخرة ، فإن الله تعالى يقول : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٣).

فصل

في الحسد

كان الأصمعي إذا أنشد :

إن العرانين تلقاها محسّدة

ولن ترى للئام الناس حسّادا (٤)

__________________

(١) النحل : ١٠٥.

(٢) الصف : ٧.

(٣) البقرة : ١٠.

(٤) البيت للمغيرة بن حبناء شاعر آل المهلب وقبله :

إلى المهلب قوم إن مدحتهم

كانوا الأكارم آباء وأجدادا

وفي العقد الفريد ٢ / ١٥٦ إن المنصور قال لسليمان بن معاوية المهلبي : ما أسرع حسد الناس إلى قومك؟ فقال يا أمير المؤمنين ..

والعرانين السادة الأشراف ، الواحد عرنين.

٣٤٠