الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

فصل

لأبي علي البصير

إن الله قال وله المثل الأعلى ، خلق العباد وهو غني عنهم ، ليحسن إليهم ، وينعم ، ويتفضل عليهم ، وعرّفهم مصالحهم ، وحاطهم بالمكاره (١) التي يرونها (٢) مبثوثة جلالا لهم ، وجعل ما في الأرض مسخّرا لهم ، ثم رضي على ثواب ذلك بأن يحمدوه عليه ، وينسبوا الإحسان منه إليه ، ولم يرض لشاكر نعمته بما قدّم عنده منها دون أن أوجب له مزيدا. فقال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٣). فسمي التارك لشكره كافرا ، وأوعده على تركه عذابا شديدا.

وقرأت لابن عباد فصلا من كتاب له إلى فخر الدولة (٤) استحسنه جدا ، وهو :

لعل مولانا ـ أعز الله نصره وحفظ على الدنيا حلمه ـ تأمل في خادمه (٥) ـ وما أزال إليه ـ قول الله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) (٦). وإلّا فأين استحقاق (٧) الخدم من هذه النعم التي تغشي ناظر الفرقد ، وترد الثريا بطرف الأرمد.

وله من كتاب :

__________________

(١) في الأصل : (في المكاره).

(٢) في الأصل : (يدونها).

(٣) إبراهيم : ٧.

(٤) فخر الدولة : هو علي ابن ركن الدولة أمير تولى الري سنة ٣٦٦ ه‍ انظر : معجم الأسرات الحاكمة ٢٧ ، طبقات سلاطين الإسلام ١٣٧.

(٥) في الأصل : (ظلمة).

(٦) الزخرف : ٥٩.

(٧) في الأصل : (استحقا).

٣٠١

فالملوان (١) يتعاقبان على ما يختاره ميامن ، ومياسر. وصنع الله يضيف إلى (٢) مآثره مآثر (٣) ، (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٤).

وله أيضا :

إن كلمة الشكر أزكى مقال ، (ولدوام) (٥) النعم (٦) أوثق عقال. (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٧).

ولغيره : الشكر قبول النعمة (٨) ، مفتاح الزيادة. والله تعالى قال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (٩). ويقول : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) (١٠).

فصل

في العفو

قال الله تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١١) (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٢).

__________________

(١) الملوان : الليل والنهار ، الصحاح ، لسان العرب : (ملو).

(٢) في الأصل : (يستضيف لنا) ومآثر.

(٣) في الأصل : (مباشر).

(٤) الأنعام : ٥٣.

(٥) في الأصل : (ولد أوهن) وهو خطأ في النسخ.

(٦) في الأصل : تكرار للكلمة : النعم ، وهو خطأ في النسخ أيضا.

(٧) لقمان : ١٢.

(٨) في الأصل : قبل النعمة ومفتاح.

(٩) إبراهيم : ٧.

(١٠) سبأ : ١٥.

(١١) المائدة : ١٣.

(١٢) النور : ٢٢.

٣٠٢

وقال : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (١).

حذيفة بن اليمان (٢) قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين أجرهم على الله تعالى؟

فلا يقوم إلا العافون عن الناس ، فيؤمر بهم إلى الجنة. ثم تلا : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٣).

ولما امتحن (٤) أحمد بن حنبل (٥) قال لأصحابه :

اشهدوا أني جعلت المعتصم في حلّ ؛ (٦) لأني (٧) قرأت قوله تعالى : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٨).

وقال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في قوله : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (٩) قال :

رضى بلا عتاب.

__________________

(١) الزخرف : ٨٩.

(٢) حذيفة بن اليمان واسم اليمان حسل بن جابر من بني عيسى أمه امرأة من الأنصار. يكنى أبا عبد الله. مات بالكوفة سنة ٣٠ ه‍ الطبقات ٤٨ ، ١٣٠.

(٣) الشورى : ٤٠.

(٤) في الأصل : (اختص) وهو تحريف في النسخ.

(٥) وهو أحمد بن حنبل بن أسد بن إدريس الإمام المحدث الفقيه المشهور انظر ترجمته في طبقات الحنابلة ١ / ٤ فما بعدهما.

(٦) الحل من قولهم حل يحل حلالا وهو حل أي طلق. الصحاح (حلل).

(٧) في الأصل : (لا في).

(٨) الشورى : ٤٠.

(٩) الحجر : ٨٥.

٣٠٣

سبّ رجل رجلا بحضرة (الحسن) (١). فلما فرغ قام المسبوب ، وهو يمسح العرق عن وجهه ، ويقرأ : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٢) قال الحسن : عقلها والله ، وفهمها ، إذ ضيّعها (٣) الجاهلون.

ولما نكب المنصور أبا أيوب المورياني (٤) استدعاه إلى حضرته وجعل يوبخه ، ويقرعه. فقال أبو أيوب :

يا أمير المؤمنين. ما أسألك أن تعطف علي بحرمة ، ولا تقيلني لخدمة ، ولكن استعمل فيّ أدب (الله) (٥) تعالى في أنه يقول : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ) (٦) (عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (٧).

وقد عفا الله عن ذنوب علم حقائقها ، وقبل توبة عرف ما كان قبلها (٨).

فقال المنصور : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩).

__________________

(١) في الأصل : (بحضرة).

(٢) الشورى : ٤٣.

(٣) في الأصل : ضيع.

(٤) في الأصل : (المرزباني) والصواب المورياني نسبة إلى موريان من قرى الأحواز. كان المنصور قد اشتراه صبيا قبل الخلافة.

وثقفه ثم اختصه السفاح أيام خلافته ، واستوزره المنصور بعد نكبة البرامكة ، ثم نكبه. انظر : الوزراء والكتاب الجهشياري ١٢١ ، الفخري ١٢١ الكامل ٥ / ١٥٣.

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) في الأصل : (عن).

(٧) الشورى : ٢٥.

(٨) نكب المنصور أبا أيوب المورياني كما يذكر ابن الطقطقي ، لأنه عهد إليه بعمارة أرض الأحواز ، وأعطاه ثلثمائة ألف درهم فأخذ أبو أيوب المال ، ولم يصنع بالضيعة شيئا. وصار في كل سنة يحمل عشرين ألف درهم. ويقول : هذه حاصل الضيعة المستجدة. ثم وشي به عند المنصور. فذهب بنفسه إلى الضيعة. وتأكد من خيانة أبي أيوب فنكبه ، وقيل : لأن المورياني سمّ ابنا من أبناء المنصور وقتله حسدا لمكانته العظيمة في نفس المنصور ولم يكن يعلم أن الفتى الذي اختصه المنصور هو ابنه.

انظر : الوزراء والكتاب للجهشياري : ١٢٢ ، الفخري ١٢٨.

(٩) يونس : ٩١.

٣٠٤

ومن كلام إبراهيم بن المهدي (١) في الاعتذار إلى المأمون (٢) ، والتماس العفو منه :

يا أمير المؤمنين ، ولي الثأر (٣) محكم في القصاص ، وأن (٤) تعفو أقرب للتقوى.

وقرأت في كتاب التاجي لأبي إسحاق الصابي :

كان أبو الحسن (٥) بن ناصر مشتهرا بالشرب ، واتخاذ الندماء ، وسماع الغناء فهجره أبوه (٦) من أجل فعله ، فخرج إلى أذربيجان. وبقي بها مدة (٧). وتاب من فعله. فكاتبه أبوه في العودة إليه. فعاد إليه. فلما رآه قال له : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٨).

قال الشاعر :

صلي مدنفا خائفا

سيرضيك عما اقترف

ولا تذكري ما مضى

عفا الله عما سلف

ولبعضهم :

__________________

(١) هو إبراهيم بن المهدي بن عبد الله أبي جعفر المنصور وأمه شكلة ، عاصر المأمون وبايعه أهل بغداد بعد قتل الأمين ، ثم عفا عنه المأمون بعد قدومه العراق. انظر : معجم الأدباء ٢ / ١٥٧ ، وانظر أيضا كتاب الخليفة المغني إبراهيم بن المهدي. / بدري محمد فهد وقد مرت ترجمته أيضا.

(٢) القول من رسالة بعث بها إبراهيم بن المهدي إلى المأمون يستعطفه فيها. وقد وقع المامون في حاشية هذه الرسالة (القدرة تذهب الحفيظة والندم توبة ، وبينهما عفو الله وهو أكثر مما يسأله) انظر : بغداد : ابن طيفور : ١٠١ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٥٨ ، تاريخ بغداد ٦ / ١٤٤ ، انظر أيضا : الخليفة المغني : ١٦٥.

(٣) في الأصل : (النار) والصواب ما هو مثبت.

(٤) من قوله تعالى في سورة البقرة : ٢٣٧.

(٥) في الأصل : (أبو الحسين) وأبو الحسن هذا ذكر له الثعالبي شعرا في ثمار القلوب : ٣٨٠.

(٦) في الأصل : (أباه) وهو خطأ في النسخ.

(٧) في الأصل : (مرة).

(٨) المائدة : ٣٤.

٣٠٥

يستوجب العفو الفتى إذا اعترف

بما جناه وانتهى عما اقترف (١)

[لقوله قل للذين كفروا

إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف] (٢)

فصل

في صلة الرحم

من فضيلة صلة الرحم أن يقول الرجل لصاحبه عند الحاجة الشديدة : أسألك بالله ، وبالرحم إعظاما لحقها (واتحافا) بالبرهان (٣).

قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (٤).

٢ ـ ١٨٠ ـ ١ وقد ذم قاطع الرحم فقال : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥).

وقال في مدح واصلي الرحم : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) (٦).

وفي الخبر :

__________________

(١) في الأصل : (يستوجب العفو الفتى إذا ما اعترف) وهي زيادة في النسخ.

(٢) البيت الثاني زيادة اقتضاها السياق لإتمام معنى البيت الأول الذي تمثل به الثعالبي في باب العفو وهما معا منسوبان لأبي حفص الشهرزوري ص ١٣١.

(٣) في الأصل : (رابحا).

(٤) النساء : ١.

(٥) البقرة : ٢٧.

(٦) الرعد : ٢١.

٣٠٦

القاطع لرحمه ملعون. برهان ذلك قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (١).

قال مجاهد :

قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) ... (٢).

وقرأت في كتاب كتبه المنصور إلى عبد الله بن علي (٣). وهذا مكان فصل منه :

أما بعد ، فإني نظرت إلى أمرك ، وما ركبت من نصيبك ورحمك ، وخدمتك (٤) ، وخاصك ، وعامتك ، فلم (٥) أجد لذلك مثل مدافعة قطيعتك بالصلة ، ومباعدتك بالمقاربة ، وكثرة ذنوبك بقلة التثريب (٦).

ووجدت ذلك في أدب الله تعالى ، وأمره. فإنه قال : عز من قائل : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٧) ولعمرك ما فرّق كلّ حميم مثل نزغة الشيطان (٨). وإني أذكر الله الذي هو آخذ بناصيتك ، وحائل بينك وبين

__________________

(١) محمد : ٢٢ ، ٢٣.

(٢) الإسراء : ٢٦. ويبدو أن هناك سقطا بعد القول.

(٣) في الأصل : (عبد الله بن معلى) وهو خطأ في النسخ والصواب ما أثبتناه ، وقد ورد في تاريخ الطبري ٩ / ١٧٢ أن المنصور لما عزل سليمان عن البصرة توارى عبد الله بن علي وأصحابه فبلغ ذلك المنصور فكتب إلى والي البصرة أن يرسل إليه عبد الله بن علي وله الأمان ، فلما أتى بعبد الله وجماعته إلى المنصور حبسهم ، وقتل بعضهم. وانظر أيضا : الكامل لابن الأثير ٥ / ٤٩٦ ، البداية والنهاية : حوادث سنة ١٣٩.

(٤) في الأصل : (وخدمتك).

(٥) في الأصل : (فكم).

(٦) التثريب كالتأنيب والتعبير والاستقصاء في اللوم. الصحاح (ثرب).

(٧) فصلت : ٣٤.

(٨) كذا في الأصل ولعل صوابها ما فرّق بين حميم وحميم مثل .. وفيه إشارة إلى قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) فصلت : ٣٤.

٣٠٧

قلبك ومعادك الذي أنت صائر إليه. والرحم التي أمرت بصلتها ، والعهد الذي أنت مسئول عنه. وأدعوك إلى ما أمر الله به من التواصل والتعاون على البر والتقوى (١) ، وأنهيك عما نهى الله عنه من قطيعة الأرحام والفساد في الأرض ، وأحذرك عقوبة الله ومقته على ذلك ، إنه تعالى يقول : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢).

فصل

لأبي القاسم الإسكافي

عليك بتقوى الله ، ومراقبته في هذه الخطة (٣) التي ركبتها ، والظلمة التي دخلتها. واعلم أن الله تعالى قد وصله بقوله بالرحم فقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) (٤) (الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) تنزيها (٥) منه تعالى لها عن دواعي الانقطاع والانفصام وتنبيها على ما جعله الله لها من (الحرمات) (٦) العظام.

__________________

(١) في النص إشارات كثيرة إلى آيات قرآنية كريمة (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) الرحمن : ٤١ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) الأنفال : ٢٤ و (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) الإسراء : ٣٤.

(٢) محمد : ٢٢ ـ ٢٤.

(٣) الخطة : الطريقة يقال الزم ذلك الخط ولا تظلم عنه شيئا. اللسان (خطط).

(٤) في الأصل : (والتوا الله) وهو خطأ في النسخ ، والآية من النساء : ١.

(٥) في الأصل : (تتيرها).

(٦) في الأصل : (الجهات) ويجوز أن تكون الحرمات كما أثبتناه.

٣٠٨

فصل

في بر الوالدين

قال الله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) (١). وقال عز ذكره : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (٢) فأمر بشكر الوالدين بعد شكره.

وقال ابن عباس في قوله : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (٣) قال : هم الذين بروا الآباء ، والأولاد. وكما لوالديك عليك حقا ، فلولدك عليك حقا.

فصل

لابن عباد

أما والذي تحشمته (٤) اعتدادا به ، وإحمادا (٥). فقد كنت أحب ـ غير رادّ لقوله ، ولا محادّ (٦) لحكمته ـ أن يراني أسر به ، وأخص ، وأجدّ في مودته وأشد من أن يجريني بهذا القول مجرى الأباعد ، ويعلم أني أفرض في موالاته (٧) ما يفرضه الولد للوالد. وإنما ضربت الوالد مثلا لما قرن الله الشكر بشكره ، وإلّا فهو السيد عظّم الله خطره ، وأودع صحف المجد خبره.

__________________

(١) العنكبوت : ٨.

(٢) لقمان : ١٤.

(٣) في الأصل : (في عليين). والآية من المطففين : ١٨.

(٤) تحشمته من الحشمة وهي الحياء والانقباض. القاموس المحيط ٤ / ٦٧.

(٥) إحمادا ، من قولهم أحمده أي وجده محمودا. انظر لسان العرب (حمد).

(٦) محاد من المحادة وهي المخالفة ، ومنع ما يجب عليك. لسان العرب (حدد).

(٧) في الأصل : (مولاته).

٣٠٩

فصل

في الإنفاق والجود

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) (١).

وقال : و (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (٣).

(وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) (٤) (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (٥).

(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٦).

(وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) (٧).

__________________

(١) البقرة : ٢٥٤.

(٢) نفسها : ٢٧٤.

(٣) نفسها : ٢٦٧.

(٤) في الأصل : (ما أتها).

(٥) الطلاق : ٧.

(٦) البقرة : ٢٧٢.

(٧) التغابن : ١٦.

٣١٠

(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

وعاتب الله قوما في إمساكهم عن الإنفاق فقال :

(لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) (٢).

قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي (٣) :

إنك متلاف (٤).

فقال : يا أمير المؤمنين منع الجود (٥) سوء الظن بالمعبود. وهو تعالى يقول : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (٦).

وقد قيل في تفسير قوله : (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) : إن المخلوق يرزق ، فإذا سخط قطع الرزق. والخالق تعالى يسخط (٧) فلا يقطع الرزق.

دخل الفرات بن زيد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعطي الناس ، فتمثل بقول المتلمس (٨) :

__________________

(١) الحشر : ٩.

(٢) الإسراء : ١٠٠.

(٣) محمد بن عباد المهلبي من أبناء المهلب بن أبي صفرة. أمير البصرة زمن المأمون. توفي نحو ٢١٦ ه‍. وله أخبار في الأغاني ط ساسي ج ٥ / ٢٤ ، ٦ / ١٦٧ ، ٩ / ٩٣ ، ٩٤.

(٤) النص في نهاية الإرب ٣ / ٢٩٥ وربيع الأبرار ٣ / ٧٠٣ وفيه أن المأمون أمر له بمائة ألف وقال : إن مادتك والله مادتي ، فأنفق ولا تبخل.

(٥) في الأصل : (الموجود).

(٦) سبأ : ٣٩.

(٧) في الأصل : (سخط).

(٨) المتلمس هو جرير بن عبد العزى شاعر جاهلي وهو خال طرفة بن العبد. انظر : خزانة الأدب ٣ / ٧٣ ، ديوانه بتحقيق حسن كامل الصيرفي. القاهرة ١٩٧٠ والبيتان في ديوانه ق ٢ ص ١٧٢.

٣١١

لحفظ المال أيسر من بغاه (٢)

وسعي في البلاد بغير زاد (١)

وإصلاح القليل يزيد فيه

ولا يبقى الكثير مع الفساد

فقال عمر : قول الله أفضل ، وأصدق : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣).

كتب (٤) طلحة بن الفياض على باب داره : أيها الضيف (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (٥).

كان الربيع بن خيثم (٦) لا يطعم إلّا صحيحا ، ولا يكسو إلّا جديدا ، ولا يعتق إلا سويا. يتأول قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (٧).

اشترى صفوان بن (محرز) (٨) بدنة (٩) بعشرة دنانير. فقيل له :

أتشتري (١٠) هذه بعشرة دنانير ، وليس عندك غيرها؟. فقال :

__________________

(١) في الأصل : (بقاه) وروايته في نهاية الإرب ٣ / ٣١٤ : وحبس المال أيسر من بغاه.

(٢) روايته في نهاية الإرب ٣ / ٣١٤ وضرب في البلاد بغير زاد.

(٣) الحشر : ٩.

(٤) في الأصل : (دخل).

(٥) الحجر : ٤٦.

(٦) مرت ترجمته.

(٧) البقرة : ٢٦٧.

(٨) في الأصل : (صفوان بن محدربه) وهو تحريف في النسخ ، والصواب بن محرز وهو ابن زيادة المازني ، وقيل : الباهلي. كان ثقة وله فضل وورع. مات سنة ٧٤ ه‍. وفي ولاية عبد الملك. انظر : الطبقات : ١٩٣.

(٩) في الأصل : (بدته).

(١٠) في الأصل : (اشترى).

٣١٢

نعم ، سمعت الله تعالى يقول : (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) (١) فأحببت تفخيم الخير. فقال تعالى (٢) : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (٣). [وقال الشاعر] :

إن يكن عاقك عن إنجاز ما أنفقت خطب

فتأوّل في كتاب الله فيما يستحب

لن ينال (٤) البّر منفق مما يحب

وقال الله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (٥).

قال أبو الفتح كشاجم (٦) مقتبسا :

والمؤثرون على النفوس هم الأولى

فضلوا الورى بشمائل وخلائق (٧)

قال الحجاج :

كنت أشتهي أن أدرك ثلاثة ، فأتقرب إلى الله بدمائهم :

أبا سماك الأسدي (٨) ، فإنه ضلّ له بعير يعز عليه فقال : يا رب ، لئن لم ترد علي ضالتي لا صلّيت ، ولا زكّيت فوجدها ، فقال يخاطب نفسه : عرف ربك صبري ، عرفك ، فرد

__________________

(١) من قوله تعالى في سورة الحج : ٣٦ (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ).

(٢) في الأصل : (نقال).

(٣) آل عمران : ٩٢ ، وما بين القوسين زيادة في الأصل.

(٤) في الأصل : (لن ينالوا).

(٥) الحشر : ٩.

(٦) كشاجم هو محمود بن الحسين بن السندي شاعر أديب ومن الكتاب المشهورين توفي نحو ٣٦٠ ه‍. انظر الفهرست لابن النديم ٢٠٦.

(٧) في الأصل : (نفوسهم الأولى) وهي زيادة من النساخ والبيت من ديوانه ق ٣٦ ص ٢٧١.

(٨) أبو سماك الأسدي هو سمعان بن هبيرة بن مساحق بن بجير بن أسامة. انظر : نوادر المخطوطات م ٥ / ٢٨٢. وفي جمهرة الأمثال للعسكري ١ / ٥٧٢ أبو سمال.

٣١٣

عليك ضالتك (١). وعبيد الله بن زياد بن ظبيان (٢) ، فإنه خطب يوما ، فأحسن ، فقال له قومه : كثّر الله فينا مثلك ، فقال : هيهات ، هيهات. لقد سألتم شططا ، ومقاتل بن مسمع (٣) فإنه ولي فارس (وأتاه) (٤) الناس من العراقين ، فأعطاهم الأموال الكثيرة ، فلما عزل ، ورجع إلى البصرة ، دخل مسجدها فبسط الناس أرديتهم ليمشي عليها ، وجعلوا يدعون له ، ويثنون (٥) عليه ، فالتفت إلى بعض أصحابه فقال : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٦).

فصل

في الاقتصاد

قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا) (٧) (خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٨).

وقال الله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) (٩).

__________________

(١) في جمهرة الأمثال ١ / ٥٧٢ : عن نفطويه عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قال : كان أبو سمال الأسدي متهما في دينه ، فضلت ناقته ، فحلف لا يصلي أو يردها الله ، فأصابها ، وقد علق زمامها. فقال : علم الله أنها صيرى يقول : أصررت على يميني فردها. فضرب به المثل.

(٢) عبيد الله بن زياد بن ظبيان من فتاك العرب كان مقربا من عبد الملك بن مروان. وهو الذي قتل مصعب بن الزبير. مات في عمان سنة ٧٥ ه‍. انظر البصائر والذخائر : ٢٨٣.

(٣) مقاتل بن مسمع من بني مازن له أخبار في الكوفة بعد وفاة يزيد بن معاوية ، وكان في جيش مصعب بن الزبير في حرب المختار أميرا على الرجال. انظر الطبري ٢ / ٤٥٩ ، ٧٢٥ (ط الأوروبية).

(٤) في الأصل : (وانتهم).

(٥) الصافات : ٦١.

(٦) في الأصل : (وانتهم).

(٧) في الأصل : (عدنا).

(٨) الحجر : ٢١.

(٩) في الأصل : (بقدره). والآية من سورة الشورى : ٢٧.

٣١٤

قال عبد الملك بن مروان يوما لجلسائه : من أشعر الناس؟ فقالوا الذي قال :

فأنفق وأتلف إنما المال عارة

وكله مع الدهر الذي هو آكله

فقال عبد الملك : قول الله أصدق ، وأحسن : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (١).

وقال يوما لعمر بن عبد العزيز : كيف نفقتك يا أبا حفص؟ فقال : يا أمير المؤمنين الحسنة بين المسألتين. قال : وكيف (٢)؟ قال : يقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٣).

وسئل بعضهم عن الاقتصاد. فقال :

هو قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (٤).

وهذا الأدب ليس في الإنفاق وحده بل في كل معنى من المعاني يستحب التوسط ، ويكره الإفراط ألا تسمع العرب تقول (٥) : لا يكن حبك كلفا ، ولا بغضك تلفا.

وتقول : لا تكن حلوا فتحتسى ، ولا مرا فتلفظ (٦).

__________________

(١) الفرقان : ٦٧.

(٢) في الأصل : (وكفف) وهو تحريف.

(٣) الفرقان : ٦٧.

(٤) الإسراء : ٢٩.

(٥) في الأصل : (يقول).

(٦) في الأصل : (فتجشأ) وهو تحريف في النسخ. وفي الفاخر : ٢٤٧ : (لا تكن حلوا فتزدرد ولا مرا فتلفظ).

٣١٥

وفي الخبر : إن المنبت لا أرضا قطع ، ولا ظهرا أبقى (١).

وفي القرآن الكريم : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (٢).

فصل

في ذكر المروءة

سئل محمد بن حرب الهلالي (٣) عن المروءة فقال :

جماعها في قول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٤).

قال ابن عباس :

كل ما شئت من الطيبات ، والبس ما أحببت من الثياب السرية. إذا أخطأتك اثنتان سرف أو مباهاة (٥) ثم قرأ : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ

__________________

(١) المثل في مجمع الأمثال ١ / ١ والمنبتّ : المنقطع عن أصحابه في السفر. والظهر الدابة. قال عليه الصلاة والسلام لرجل اجتهد في العبادة حتى هجمت عيناه أي غارتا فلما رآه قال له : (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، إن المنبت ..) أي الذي يجد في سيره حتى ينبت أخيرا. ويضرب المثل لمن يبالغ في طلب الشيء ، ويفرط حتى ربما يفوته على نفسه.

(٢) الإسراء : ١١٠.

(٣) محمد بن حرب الهلالي. ذكر الجاحظ في البيان والتبيين أخبارا رواها عنه وأقوالا بليغة. انظر البيان والتبيين ٢ / ٧٤ ، ٧٧ ، ١١٥ ، ١٥١ ، ١٧٩ ، ٢٥٧ ، وذكر أبو الفرج الأصفهاني أنه كان على شرطة محمد بن سليمان العباسي. انظر الأغاني ١٧ / ٨٨.

(٤) النحل : ٩٠.

(٥) القول في عيون الأخبار ٣ / ٣٩٦ : (كل ما شئت) والبس ما شئت إذا ما أخطأك شيئان ، سرف ومخيلة.

٣١٦

مِنَ الرِّزْقِ) (١).

وكان إذا خرج (إلى) (٢) المسجد يرتدي [أفخر ثيابه] (٣) يتناول قوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٤).

قيل لبعضهم في حسن كسوة وظهور رياسة فقال :

إنما آخذ بأدب الله تعالى في قوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (٥). ولسان الحال أنطق من لسان المقال لا سيما والنبي صلوات الله عليه يقول : (إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه).

وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول :

لا يمنعكم من ارتباط الدواب خوف قوتها ، فإن الله تعالى لم يخلق دابة إلا رزقها ، وإذا جعلها لكم جعل أرزاقها عندكم. يريد قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ [إِلَّا] عَلَى اللهِ رِزْقُها) (٦).

وكان جعفر بن محمد (٧) رضي الله عنهما يقول :

استكثروا من العبيد والخدم ، فإن مرافقها ، وأرزاقها على الله تعالى.

__________________

(١) الأعراف : ٣٢.

(٢) زيادة ليست في الأصل.

(٣) الكلمة غير واضحة في المخطوط ولعلها : (أفخر ثيابه).

(٤) الأعراف : ٣١.

(٥) الضحى : ١١.

(٦) هود : ١٦. وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل.

(٧) جعفر بن محمد الإمام أبو عبد الله جعفر المعروف بالصادق بن محمد الباقر أحد الأئمة الإثني عشر. توفي سنة ١٣٨. انظر وفيات الأعيان ١ / ٢٩١.

٣١٧

فصل

في حسن القول للناس

قال الله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (١).

وقال تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢).

وأمر نبيه موسى وأخاه هارون بتليين القول لفرعون فقال لهما : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٣).

وقال تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) (٤).

فصل

في المداراة (٥)

قال بعض الحكماء : من العقل بعد الإيمان بالله المداراة. وينبغي للعاقل أن يداري زمانه مداراة السابح الجاري (٦). وقد أمر الله تعالى بها في قوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (٧).

__________________

(١) البقرة : ٨٣.

(٢) الإسراء : ٥٣.

(٣) طه : ٤٤.

(٤) ما بين القوسين ساقط من أصل المخطوط والآية من سورة البقرة : ٢٦٣.

(٥) في الأصل : (المراراة).

(٦) في الأصل : (الماء الجاري). والقول في ثمار القلوب ٤١٩.

(٧) المؤمنون : ٩٦.

٣١٨

كان (١) أبو سليمان الخطابي البستي (٢) إذا أنشد قوله :

ما دمت حيا فدار الناس كلهم

فإنما أنت في دار المداراة (٣)

تلا قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (٤).

فصل

في الصدق

قال الله تعالى : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٥). وقال : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) (٦).

وقال الفضيل بن عياض (٧) :

__________________

(١) في الأصل : (قال) والصواب : (كان).

(٢) أبو سليمان الخطابي : هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطابي البستي كان فقيها أديبا محدثا ، سمع بالعراق أبا علي الصفار ، وأبا جعفر الرزاز. وروى عنه الحاكم النيسابوري. انظر وفيات الأعيان ١ / ٤٥٥.

(٣) البيت في ، التمثيل والمحاضرة ٤١٩ ، يتيمة الدهر ٤ / ٣٣٤ وفيات الأعيان ١ / ٤٥٥ وبعده.

من يدري يدري ومن لم يدر سوف يرى

عمّا قليل نديما للندامات

وبعده في أحسن ما سمعت ١٥٧ :

دنياك ثغر فكن منها على حذر

فالثغر مثوى مخافات وآفات

(٤) المؤمنون : ٩٦.

(٥) التوبة : ١١٩.

(٦) الأحزاب : ٢٤.

(٧) مرت ترجمته.

٣١٩

إن الله يسأل الصادقين عن صدقهم ، منهم عيسى. بن مريم فكيف الكاذبين المرائين (١) الذين قيل فيهم : (رب صائم قائم ليس له من صومه إلا الجوع ومن قيامه إلا السهر) (٢).

فصل

في الحلم

قال الحسن :

ما نعت (٣) الله تعالى نبيا من أنبيائه أجل (٤) مما نعتهم به من الحلم ، فإنه قال : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ) (٥) يعني أن الحلم في الناس عزيز.

وقال بعضهم (٦) : إن الحلم أجلّ من العقل لأنّ الله تعالى تسمّى به ، ولم يتسم بالعقل.

وفي قوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٧) أمر منه ـ عزّ ذكره ـ بالحلم. وكذلك قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٨).

__________________

(١) في الأصل : (المرابين).

(٢) في النص إشارة إلى سؤال الله عزوجل عيسى بن مريم في سورة المائدة : ١١٦. النص في حلية الأولياء ٨ / ١٠٨ وفيه أنه قال : (ما تزين الناس بشيء أفضل من الصدق ، والله عزوجل يسأل الصادقين عن صدقهم منهم عيسى بن مريم عليه‌السلام. كيف بالكذابين المساكين ثم بكى. وقال : أتدرون في أي يوم يسأل الله عزوجل عيسى بن مريم عليه‌السلام؟ يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين ، آدم فمن دونه. ثم قال : وكم من قبيح تكشفه القيامة غدا.

(٣) في الأصل : (بعث).

(٤) في الأصل : (اقل أنبيائهم أقل).

(٥) هود : ٧٥.

(٦) في الأصل : (بعض).

(٧) الفرقان : ٦٣.

(٨) الأعراف : ١٩٩.

٣٢٠