الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

الباب السابع

في

ذكر الأدب والعقل والحكمة والموعظة الحسنة

٢٨١
٢٨٢

الباب السابع

في ذكر الأدب والعقل والحكمة والموعظة الحسنة

فصل

في ذكر الأدب

علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) (١). قال : أدبوهم أدبا حسنا.

سئل الشعبي عن الفرق (٢) بين العالم والأديب. فقال :

العالم من يقصد فنا واحدا من العلم فيتقنه ، والأديب من يأخذ من كل علم أحسنه.

وقيل لابن عباس : ما تكتب؟ قال :

أحسن ما أسمع ، ثم تلا : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (٣).

قال المنذر بن جارود (٤) لابنه الحكيم :

يا بني أحيي لياليك بالنظر في الأدب ، فإن القلب بالنهار طائر ، وبالليل ساكن ، فكلما أودعته شيئا قبله. ثم قرأ : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (٥).

__________________

(١) التحريم : ٦.

(٢) في الأصل : (الرفق).

(٣) الزمر : ٥٥.

(٤) ذكر له ابن عبد البر أخبارا في كتابه (بهجة المجالس).

(٥) المزمل : ٦.

٢٨٣

فصل

في الحكمة والموعظة الحسنة

قال الله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (١).

قال مجاهد في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا) (٢). وقوله تعالى : إن الله أحلّ من نهر طالوت (٣) في القول. وقال تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) (٤).

قال الحسن البصري :

يا ابن آدم اذكر قول ربك : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٥). وقد جعلك حسيب نفسك.

__________________

(١) البقرة : ٢٦٩ وما بين القوسين أصابه التلف في المخطوط.

(٢) من سورة سبأ : ١٠ عن داود عليه‌السلام : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) وقد فسر الآية بآية البقرة : ٢٥١ في قصة طالوت وجالوت : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) : وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى عن طالوت إذ أحلّ غرفة من الماء فلما قفل بالجنود قال : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) البقرة : ٢٤٩.

(٤) البقرة : ٢٣١ وما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٥) الإسراء : ١٣ ، ١٤.

٢٨٤

وشهد بعض الأمراء وقد تعدّى في إقامة الحدود ، وزاد في عدد الضرب ، فكلّمه في ذلك ، فلما رآه لا يتعظ ، قال :

أما أنك لا تضرب إلّا نفسك ، فإن شئت فقلّل ، وإن شئت فكثّر. ثم تلا : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (١).

دخل أبو حازم الأعرج على بعض الملوك من بني مروان. فقال له :

يا أبا حازم ما المخرج فيما نحن فيه؟

قال : تنظر إلى ما عندك ، فلا تضعه إلّا في حقه ، وما ليس عندك فلا تأخذه من حقه إلّا في حقه.

فقال : ومن يطيق ذلك يا أبا حازم؟

فقال : من أجل ذلك ملئت جهنم من الجنّة والناس أجمعين (٢).

وقال الأوزاعي (٣) للمنصور :

إنك ابتليت بخلة عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، وأشفقن منها (٤). وقد جاء في تفسير هذه الآية : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) (٥) أن الصغيرة : التبسم ، والكبيرة : الضحك. فما ظنك بما سواهما؟ فانظر

__________________

(١) البقرة : ١٧٥.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) هود : ١١٩.

(٣) الأوزاعي : هو عبد الرحمن بن عمرو المكنّى أبا عمرو ، محدث واعظ زاهد ، توفي سنة ١٥٧ ه‍ ، انظر : الطبقات ٣١٥ ـ ٣١٦ ، حلية الأولياء ٦ / ١٣٥ فما بعدها.

(٤) يريد قوله تعالى : (عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) الأحزاب : ٧٢.

(٥) الكهف : ٤٩.

٢٨٥

لنفسك يا أمير المؤمنين. قال : فبكى المنصور بكاء شديدا (١).

قال : دخل عمرو بن عبيد (٢) على المنصور قبل الخلافة ، وهو يأكل فقال :

يا جارية هل في القدر بقية؟

فقالت : لا.

قال : عندك ما يشترى به فاكهة لأبي عثمان؟

قالت : لا. فقرأ المنصور : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (٣).

ثم دخل إليه في أيام خلافته فقال :

يا أمير المؤمنين ، تذكر يوم قلت للجارية ، كذا وكذا.

قال : نعم ، وتذكر قراءتك هذه الآية؟

قال : نعم.

قال : فقد أهلك الله عدوك ، واستخلفك ، فانظر كيف تعمل.

__________________

(١) الخبر في حلية الأولياء ٦ / ١٣٧ ، وفيه : إن المنصور هو الذي بعث على الأوزاعي وسأله الموعظة : والخبر طويل جدا.

والنص الذي ذكره الثعالبي : وأرغب في جنة السموات والأرض التي يقول فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها) يا أمير المؤمنين إن الملك لو بقي قبلك لم يصل إليك. وكذلك لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك.

يا أمير المؤمنين تدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك؟ (الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) قال : الصغيرة : التبسم ، والكبيرة : الضحك ، فكيف بما عملته الأيدي. وحدثت به الألسن يا أمير المؤمنين.

(٢) عمرو بن عبيد : أبو عثمان البصري أحد الزهاد المشهورين ، اشتهر بمواعظه للمنصور ، وله خطب كثيرة ورسائل. تاريخ بغداد ١٢ / ١٦٦.

(٣) الأعراف : ١٢٩ ، والخبر في تاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٦٨ وفيه : إن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي قال : قال : كنت أطلب العلم مع أبي جعفر المنصور في الخلافة فأدخلني منزله فقدم إليّ طعاما لا لحم فيه. ثم قال : يا جارية أعندك حلواء؟

قالت : لا ، قال : ولا التمر؟ قالت : لا ، فاستلقى وقرأ (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) الآية ١٠٠ فلما ولي الخلافة وفدت إليه. فقال : كيف سلطاني من سلطان بني أمية؟ قلت : ما رأيت في سلطانهم من الجور شيئا إلا رأيته في سلطانك. فقال : إنا لا نجد الأعوان. قلت : قال عمر بن عبد العزيز إن السلطان بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها إن كان برا أتوه ببرهم ، وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم. فأطرق.

٢٨٦

قال يحيى بن خالد (١) لابن السماك :

عظني.

فقال : لقد خاب وخسر من لم يكن له [مكان] في جنة عرضها السموات والأرض (٢). فسكت.

وقال بعض الملوك لمنصور بن عمار (٣) : عظني واوجز.

فقال : ما أرى إساءة تكبر عن عفو الله ، ولا تيأس من روح الله (٤). وربما أخذ الله على الصغيرة فلا تأمن مكر الله.

وقال بعض الخلفاء لبعض الزهاد :

هات عظني. فقال : لقد وعظك الله أحسن العظة ، فقال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٥).

وقال بعضهم :

لو علم الله أن العدل يكفي عباده لما قرن (٦) به الإحسان في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (٧).

__________________

(١) يحيى بن خالد بن برمك ، عهد إليه المهدي تربية ابنه الرشيد فكان الرشيد يسميه أبي. توفي سنة ٢٩٠ ه‍. انظر : وفيات الأعيان ٥ / ٢٧٢.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) آل عمران : ١٣٣.

(٣) منصور بن عمار ، أحد كبار الزهاد الوعاظ له مواعظ وأخبار كثيرة. انظر حلية الأولياء ٩ / ٣٢٦.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) يوسف : ٨٧.

(٥) النحل : ٩٠.

(٦) في الأصل : (فدن).

(٧) النحل : ٩٠.

٢٨٧

وقال آخر :

يا أيها الإنسان عليك بالإحسان ، فإن الله أمر به ، وأحب عليه وضمن الجزاء عليه (١).

وقال محمد بن علي بن الحسين لابنه جعفر رضي الله عنهما :

إذا أنعم الله عليك نعمة ، فقل : الحمد لله ، وإذا أحزنك أمر فقل : لا حول ولا قوة إلا بالله. وإذا أبطأ عليك الرزق فقل : أستغفر الله.

وقال بعض الحكماء : ليس مع الله وحشة ، ولا بغيره أنس ، فلا تستوحش لقلة أهل الطريق التي تسلكها فإن (إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) (٢).

كتب يحيى بن خالد من الحبس إلى الرشيد :

يا أمير المؤمنين إن كان الذنب خاصا ، فلا تعمم (٣) العقوبة. فإن الله تعالى يقول (٤) :

(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٥).

وقال سابق البربري (٦) :

حصادك يوما (ما) (٧) زرعت وإنما

يدان الفتى يوما بما هو دائن

فعاون على الخيرات تظفر ولا تكن

على الإثم والعدوان ممن يعاون (٨)

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) النحل : ٩٠ وقوله : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة : ١٩٥ وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) التوبة : ١٢٠.

(٢) النحل : ١٢٠.

(٣) في الأصل : (فلا تغمى بعدها) في الوزراء والكتاب للجهشياري : ٢٥٣ فإن لي سلامة البريء ، ومودة الولي.

(٤) في الأصل : (يقطر) وهو تحريف في النسخ.

(٥) الأنعام : ١٦٤ ، وفي الوزراء والكتاب أن الرشيد كتب إليه : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).

(٦) سابق البربري : شاعر معروف بالحكمة والمواعظ ، قرن شعره ابن المعتز بمحمود الوراق ، وصالح بن عبد القدوس. طبقات الشعراء : ٣٦٨.

(٧) زيادة ليست في الأصل.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ).

٢٨٨

وقال صالح بن عبد القدوس (١) :

تقضى الحلم وانكشفت ظلال

وصار الصقر رهنا لانكفات (٢)

فلو أن المفرّط كان حيا

توخى الباقيات الصالحات (٣)

(قال) (٤) حكيم :

عليكم بالجادة (٥) فإنها المنهج ، وإياكم وبنيات (٦) الطرق ، فإن الله تعالى يقول : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٧).

الحسن :

عظ نفسك ، فإن رأيتها تتعظ فعظ غيرها ، وإلا فاستحيي من خالقك ، فإنه يقول :

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (٨).

وقال بعض الصالحين :

لا تسمعوا كلام أهل البدع ، ونزّهوا أسماعكم عنه ، كي تصونوا ألسنتكم عن ذلك. وقد أدب الله تعالى بهذا الأدب فقال : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ

__________________

(١) صالح بن عبد القدوس : شاعر من العصر العباسي اتهم في عهد المهدي بالزندقة فقتله وشعره مليء بالحكمة. انظر : طبقات الشعراء ٩٠ ، تاريخ بغداد ٩ / ٣٠٣ ، جمع شعره عبد الله الخطيب : ١٩٦٧ وقد أخل المجموع بالبيتين.

(٢) في الأصل : (الصفر هنا لانكفات). من كفت يكفت كفتا وكفتانا وكفاتا ، أي أسرع في العدو والطيران ، وتقبض فيه.

والكفت أيضا تقلب الشيء ظهرا لبطن ، وبطنا لظهر ، وانكفتوا إلى منازلهم أي انقلبوا.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

(٥) الجادة معظم الطريق : الصحاح (جدد).

(٦) في الأصل : (بينات) والصواب ما أثبتناه. والمقصود ببنيات الطرق : الطرق الصغار التي تنشعب من الجادة.

(٧) الأنعام : ١٥٣.

(٨) البقرة : ٤٤.

٢٨٩

آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) (١). وقال تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا [فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ]) (٢).

ومن هذا المعنى اقتبس من قال :

نحّي عن الطرق وبسّاطها

وعد عن الجانب (٣) والمشتبه

وسمعك صن عن سماع القبيح

كصون اللسان عن النطق به

فإنّك عند استماع القبيح

شريك لقائله فانتبه

ابن عباس :

احفظ الله يحفظك ، وخصّه [بالذكر] تجده أمامك ، وتعرّف إليه في الرخاء يعرفك (٤) في الشدة. وإذا سألت فاسأل الله. وإن استعنت فاستعن بالله. فإن اليقين مع الصبر. (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) و (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٥).

كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله :

أما بعد ، فأصلح ما استطعت. (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٦).

وأحسن ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا (٧).

__________________

(١) النساء : ١٤٠.

(٢) الأنعام : ٦٨. وما بين القوسين ساقط من المخطوط.

(٣) في الأصل : (وعد من الجانب) ولعلها كما أثبتناه.

(٤) في الأصل : (يعرفه).

(٥) الشرح : ٦.

(٦) يوسف : ٩٠.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) الكهف : ٣٠.

٢٩٠

وكان إذا جلس للناس (١) يقرأ : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢).

ذكر أبو بكر محمد بن عمر الترمذي (٣) الوراق في كتاب (المتعلمين) (٤) فصلا فيمن يتهالك في موعظة من لا يتعظ. فقال : ومن ذلك إشغال (٥) قلبه وإفراطه فيمن يريد إرشاده وعظته وسهوه في ذلك عن [ذكر] الله عز ذكره ، وعن قضائه ، وقسمته ، وعن نفسه ، وعن قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٦). وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٧).

__________________

(١) في الأصل : (الناس).

(٢) الشعراء : ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٣) هو أبو بكر محمد بن عمر الترمذي من المحدثين المشهورين له كتب في المعاملات. الفهرست : ٣٢٩.

(٤) في الأصل : (المستقطين) ولم يرد اسم هذا الكتاب ضمن كتب الترمذي ، وذكر له كتاب العالم والمتعلم. انظر : معجم المؤلفين ١١ / ٧٨.

(٥) في الأصل : (شغال وقلبه).

(٦) القصص : ٥٦.

(٧) الأنعام : ٣٥.

٢٩١
٢٩٢

الباب الثامن

في

ذكر محاسن الخصال ، ومكارم الأفعال وطرائف

الآداب

٢٩٣
٢٩٤

الباب الثامن

في ذكر محاسن من الخصال.

فصل

في التقوى

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) (١).

وقال : (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٢).

وقال تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٣).

وقال : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (٤).

وقال : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [وَيَغْفِرْ لَكُمْ] وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٥).

وقال : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٦).

__________________

(١) المائدة : ٣٥.

(٢) آل عمران : ٧٦.

(٣) المائدة : ٢٧.

(٤) النحل : ١٢٨.

(٥) الأنفال : ٢٩.

(٦) الحجرات : ١٣.

٢٩٥

وقال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (١).

وقال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (٢).

حدّث الهيثم بن ميمون عن بعض أصحابه ، فيهم بلال (٣) وسلمان (٤) ، وصهيب (٥) ومعاذ (٦) كانوا جلوسا في المسجد فجاء عيينة بن حصن (٧) يجر رداءه. فقال :

من هؤلاء السّقاط؟. فقام إليه معاذ ، فلبّبه (٨) ، وانطلق به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره بالخبر ، فتمعر (٩) وجهه وأمر فنودي إلى الصلاة الجامعة. وقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد. فلا أعرفن أحدكم يقول ما قال هذا الغطفاني. ألا إن الله هو الرب ، والدين هو الإسلام. والقرآن هو الإمام. وآدم هو السبب ، خلق من طين. وأنا رسول الله إلى (الناس) (١٠) كافة ، و (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (١١).

__________________

(١) الطلاق : ٢ ، ٣.

(٢) الطلاق : ٤.

(٣) بلال بن رباح الحبشي ، أبو عبد الله مؤذن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخازنه على بيت ماله. توفي في دمشق سنة ٢٠ ه‍. التهذيب ١ / ٥٠٢.

(٤) سلمان الفارسي : صحابي أصله من أصبهان ، شهد كثيرا من المعارك ، مات في المدائن في خلافة عثمان وقيل سنة ٣٦ ه‍ أو ٣٧ ه‍. انظر : التهذيب ٤ / ١٣٨.

(٥) صهيب بن سنان الرومي صاحب رسول الله ، وكان قد أسلم وعذب كثيرا في بدء الدعوة وهاجر مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وشهد بعض المغازي. الاستيعاب ٢ / ٧٢٢.

(٦) هو معاذ بن جبل بن عمر بن أوس. شهد مع النبي معارك عديدة. وأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على اليمن ، وروى عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. مات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة. انظر : الطبقات : ٣٠٤.

(٧) عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر. كان من المؤلفة قلوبهم. أسلم قبل الفتح ، ولم تصح له رواية. وشهد حنين والطائف.

ارتد في زمن أبي بكر ثم عاد إلى الإسلام وقيل إن عمر قتله على الردة. انظر الإصابة ٣ / ٥٥.

(٨) لبّبه تلبيا : إذا جمع ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جره. انظر : الصحاح (لبب).

(٩) تمعر لونه عند الغضب ، إذا تغير. انظر : الصحاح ، لسان العرب (معر).

(١٠) زيادة ليست في الأصل.

(١١) الحجرات : ١٣.

٢٩٦

قال الفضيل بن عياض (١) :

إن (٢) الله جعل أرزاق المتقين (٣) من حيث لا يحتسبون.

وكان عبد الرحمن بن أبي عماد الحبشي ـ من عبّاد أهل مكة ، وكان يلقب بالنفس لعبادته ـ يستمع يوما غناء سلامة ... (٤).

وقال ابن المعتز : التقوى أنفع الزاد في المعاد (٥).

وكان أبو سليمان الداراني (٦) يقول : ما رأيت الثلج يسقط إلا ذكرت تطاير الكتب يوم القيامة. وما سمعت الأذان إلا ذكرت منادي الحشر (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٧).

فصل

في الصبر

قال الله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) (٨) ، (اصْبِرُوا) (٩) ، (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٠) ، (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا

__________________

(١) في الأصل : (الفاضل بن عياض) والصواب ما أثبتناه وهو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي. زاهد عابد ولد بخراسان وقدم إلى الكوفة ثم انتقل إلى مكة ، وفيها مات سنة ١٨٧ ه‍ انظر صفة الصفوة ٨ / ٨٤ فما بعدها.

(٢) في الأصل : (إلى أن).

(٣) في الأصل : (إلا في) والقول إشارة إلى الآية الكريمة : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق : ٢ ، ٣.

(٤) كذا النص ويبدو أن هناك تتمة ساقطة من المخطوط.

(٥) إشارة إلى قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) البقرة : ١٩٧.

(٦) في الأصل : (الداري) والصواب الداراني نسبة إلى داريا من غوطة دمشق وهو ابن حبيب الداراني قاض من ثقات التابعين من أهل الشام وكان ينعت بقاضي الخلفاء. استمر في قضاء دمشق ثلاثين سنة توفي سنة ١٢٠ ه‍. انظر تهذيب التهذيب ٦ / ٢٤٦.

(٧) ق : ٤١.

(٨) البقرة : ٤٥.

(٩) آل عمران : ٢٠٠.

(١٠) النحل : ١٢٦.

٢٩٧

وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) (١).

وقال : (صَبْراً جَمِيلاً) (٢).

وقال : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (٣).

وقال : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (٤).

وقال الحسن البصري :

إني لأعجب ممن كفر بعد (سماعه) (٥) هذه الآية : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) (٦).

وقال عمر بن عبد العزيز :

ما أنعم الله على عبد نعمة وانتزعها منه ، ثم عاضه عنها الصبر إلا ما كان عاضه عنه أفضل مما انتزعه منه. ثم قرأ : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٧).

وقال غيره : جعل الله لكل ضرب من الأجر (٨) والثواب (٩) حسابا معدودا ، وحدّا محدودا إلّا الصبر ، فإنه جعل أجره بلا حساب حيث قال : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ

__________________

(١) الفرقان : ٧٥.

(٢) المعارج : ٥.

(٣) المدثر : ٧.

(٤) الإنسان : ١٢.

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) الأعراف : ١٣٧.

(٧) الزمر : ١٠.

(٨) في الأصل : (الآخر).

(٩) في الأصل : (الثواب).

٢٩٨

أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١).

قيل : نعي إلى ابن عباس بعض أولاده ، وهو في سفر ، فاسترجع وقال : صبرا لحكم الله. ثم نزل وصلّى ركعتين ، وركب. ثم قال : قد فعلنا ما أمر الله تعالى ، يعني قوله (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (٢).

وقال الضحاك (٣) في قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٤). قال : نتقي الزنا ، ونصبر على العزوبة.

فصل

في الشكر

قال الله تعالى : (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) (٥).

(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٦).

(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٧).

__________________

(١) الزمر : ١٠.

(٢) البقرة : ٤٥.

(٣) الضحاك : هو أبو بحر بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة ، كان من سادات التابعين أدرك عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يصحبه.

وشهد كثيرا من الفتوحات. توفي سنة ٦٧ ه‍. الطبقات : ٢٩ ، ١٢٧ ، ١٨٥ ، ٣٠١.

(٤) يوسف : ٩٠.

(٥) القمر : ٣٥.

(٦) سبأ : ١٣.

(٧) سبأ : ١٣. ولعلها من تكرار الناسخ.

٢٩٩

(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (١).

(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (٢).

(اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (٣).

(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (٤).

(بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٥).

لما قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى تورمت قدماه. قيل :

يا رسول الله أليس قد غفر الله ما تقدم من ذنبك ، وما تأخر؟.

فقال عليه‌السلام. أفلا أكون عبدا شكورا

وقال محمود الوراق (٦) :

فلو كان يستغنى عن الشكر ماجد

لعزة نفس أو علّو مكان

لما أمر الله العباد بشكره

فقال : اشكروني (٧) أيها الثقلان

__________________

(١) النساء : ١٤٧.

(٢) النحل : ١١٤.

(٣) لقمان : ١٤.

(٤) الزمر : ٧.

(٥) الزمر : ٦٦.

(٦) البيتان في معجم الأدباء ١٧ / ٢٩ منسوبان لكلثوم العتابي.

(٧) في الأصل : (اشكر) والبيتان في ديوانه ١٢٥ ، الفاضل ٩٥ والإعجاز والإيجاز ٥٤٠ ونثر النظم وحل العقد ص ٥٥ وروايته في أحسن ما سمعت ١٩ :

لما أمر الله الحكيم بشكره

فقال اشكروا لي أيها الثقلان

وكذلك رواية الشطر الثاني في أدب الدنيا والدين ١٦٠.

٣٠٠