الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (١) ، فأنشدني من أبيات :

سوف نبرا ويمرضون ونجفو (٢)

فإن عاتبوا أقل ذا بذاكا

كان علي بن هشام ، أهدى جاريته صرفا إلى المأمون ، وكانت بارعة (٣) الجمال ، والغناء ، وكاتبة. وأوصاها (٤) ، أن تتجسس له أخبار المأمون ليلة ، فلما انصرف سقطت منه رقعة صغيرة وفيها : (يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ) (٥). فقال المأمون : إن في هذه تحذيرا. ولم يقف على كاتبها. فلما قتل علي انكشفت القصة ، وإذا هي رقعة صرف تحذّره (٦) مما يجري عليه.

كان موسى بن عبد الملك (٧) متحاملا على نجاح بن سلمة ، سيئ الرأي به ، شديد البغض له. فلما سلّم (٨) إليه تلف على يده في المطالبة. فقال المتوكل يوما لأبي العيناء :

ما قولك في نجاح بن سلمة؟

فقال : أقول فيه ما قال الله : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) (٩).

فضحك المتوكل ، وتغير لموسى. وعلم موسى أنه أتي من أبي العيناء فتوعده بالقتل.

__________________

(١) القصص : ٧.

(٢) في الأصل : (وتجفوهم).

(٣) في الأصل : (صرف ... بادعة).

(٤) في الأصل : (وكاتبة وساطعة).

(٥) القصص : ٢٠.

(٦) في الأصل : (تخذود).

(٧) موسى بن عبد الملك الأصبهاني يكنى أبا عمران من أصحاب ديوان الخراج في الدولة العباسية. وكان من فضلاء الكتاب وأعاينهم ، وله ديوان رسائل. انظر : وفيات الأعيان ٢ / ١٤١. والخبر في نثر الدر ٣ / ٢٠٣ ، وزهر الآداب ١ / ٢٨٤ ، نكت الهميان : ٢٦٨.

(٨) في الأصل : (سلن).

(٩) القصص : ١٥.

٢٤١

فقال له أبو العيناء : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) (١) ، فكفّ عنه موسى ، ثم ترضّاه بمال أنفذه إليه (٢).

قال بعض السلف : إن الفرار مما لا يطاق من سير المرسلين. يعني ما كان من فرار موسى (٣).

قال بعض السلف [عن] (٤) ابن عائشة : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ؛ فإن موسى ذهب يقتبس النار فكلّمه الملك الجبار.

تعرض رجل للرشيد وهو في الطواف فقال :

يا أمير المؤمنين إني مكلمك بكلام غليظ فاحتمله. فقال :

لا ، ولا كرامة لك. إن الله قد بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٥).

وكان يحيى بن معاذ (٦) إذا قرأ هذه الآية قال : هذا رفقك بمن يدعي الربوبية ، فكيف رفقك بمن يقرّ بالعبودية.

__________________

(١) نفسها : ١٩.

(٢) الخبر في زهر الآداب ١ / ٢٨٤ وفيه : أن قول أبي العيناء بلغ نجاح بن سلمة. وفي ذيل زهر الآداب : ٣٣٢ أن نجاح بن سلمة كان قد ضمن الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك بمال عظيم للمتوكل ، فاحتال عبد الله بن يحيى حتى تضمناه بذلك وعاد عليه الأمر ، ثم اغتاله موسى بن عبد الملك فقتله ، فبلغ الأمر المتوكل فأكبره وهمّ بالإيقاع بموسى ، فتلطف عبيد الله بن يحيى وعمه الفتح بن خاقان حتى سكن غضبه. واتفق ذلك في ولادة المعتز فاشتغل باللهو والسرور بذلك. فدخل أبو العيناء بعد ذلك على المتوكل ، وكان واجدا على موسى بن عبد الملك. فقال : ما تقول : في نجاح بن سلمة؟ قال ما قاله عزوجل (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ).

(٣) في الأصل : (القرار .. ستر .. قرار).

(٤) يبدو أن كلمة سقطت بعد قوله بعض السلف وأرجح أن تكون (عن) لأن القول منسوب إلى ابن عائشة في ثمار القلوب ٣٩ والإيجاز والإعجاز ٣٦ وابن عائشة هذا هو عبد الرحمن بن عبيد الله. وعائشة أمه هي أم محمد بنت عبد الله بن عبيد الله من تيم قريش ، أديب شاعر له شعر في هجاء أحمد بن أبي دؤاد وغيره. انظر : معجم الشعراء : ٣٣٨.

(٥) طه : ٤٤.

(٦) يحيى بن معاذ الرازي : واعظ زاهد من أهل الري أقام ببلخ ، ومات بنيسابور. توفي نحو ٢٥٨ ه‍. انظر : صفة الصفوة ٤ / ٧١ ـ ٨٠.

٢٤٢

رأى علي بن يقطين (١) الحسين بن راشد واقفا بباب يحيى بن خالد حين مضى في حاجة له ورجع فرآه ، فقال له :

أنت (٢) واقف بباب هذا بعد؟

فقال : نعم ، وما وقف موسى بباب فرعون أكثر. فبلغ ما جرى بينهما يحيى بن خالد ، ودخل إليه ابن راشد فقضى (٣) حاجته. ثم قال خالد :

الحمد لله الذي لم يجعل معك عصا ولا جعلني أدّعي ما ادّعى فرعون ، فاستحيا ابن راشد ، ورجع.

لما حج أبو مسلم تحفّى بالحرم ، وتحفّى الناس. فقيل له في ذلك ، فقال :

سمعت الله يقول لموسى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (٤) ، وهذا الوادي أكرم من ذلك الوادي. قال الله تعالى لموسى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (٥).

قال بعض المفسرين : كانت من جلد غير زكي (٦).

قال الزهري : ليس كما قال ، بل أعلمه حق المقام الشريف ، والمدخل الكريم : ألا ترى أن الناس إذا دخلوا على الملوك كيف ينزعون نعالهم (٧) خارجا.

__________________

(١) علي بن يقطين بن موسى البغدادي مولى بني أسد كان أبوه يقطين بن موسى داعية طلبه مروان ، فهرب ، وهربت أمه به إلى المدينة ، حتى ظهرت الدولة العباسية وهو محبوس. انظر : الرجال للحسن بن داود ، ص ٢٥٣.

(٢) في الأصل : (ابت).

(٣) في الأصل : (قضى).

(٤) طه : ١٢.

(٥) نفسها. ويبدون تكرار الآية ليس من الأصل.

(٦) انظر : الكشاف ٣ / ٥٥ ، زاد المسير ٢٧٣.

(٧) في الأصل : (رجالهم).

٢٤٣

قرأ الرشيد يوما حكاية الله تعالى عن فرعون : (يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١) ، فقال : والله لأولينّها أحدا من خدمي ، فولاها الخصيب (٢). وفيه يقول أبو نواس (٣) :

رماكم أمير المؤمنين بحيّة

أكول لحيات البلاد شروب

فإن يك باقي إفك فرعون فيكم (٤)

فإنّ عصى موسى بكفّ خصيب

وقال أعرابي لعبد الله بن طاهر :

دان لك الشام بأقطارها

وأذعن المؤمن والكافر

أنت عصا موسى التي ألقيت

تلقف (٥) ما يأفكه الساحر

وقال البحتري للمعتز بالله :

تعجّبت (٦) من فرعون إذ ظنّ أنه

إله لأنّ النيل من تحته يجري

__________________

(١) الزخرف : ٥١.

(٢) هو الخصيب بن عبد الحميد الدهقاني من ولاة مصر أيام الرشيد. له أخبار كثيرة مع أبي نواس ، وقد امتدحه الأخير : انظر أخبار أبي نواس ، ص ٣١ ، ٦٠ ، ٦٣ ، ٧٧ ، ١٢٩ ، وانظر المستطرف ١ / ٢٧٥.

(٣) البيتان في ديوان أبي نواس ٤٨٤ (ط الغزالي) أخبار أبي نواس ٣٢ مع تقديم البيت الثاني على الأول. وقيل : إن أهل مصر شغبوا على الخصيب فقال له أبو نؤاس : أنا أعفيك من قتالهم. فذهب إليهم وهم مجتمعون بالمسجد ، وألقى عليهم الأبيات فتفرقوا وقبل البيتين :

منحتكم يا أهل مصر نصيحتي

ألا فخذوا من ناصح بنصيب

ولا تثبوا وثب السفاه فتركبوا

على حد حامي الظهر غير ركوب

(٤) روايته في الديوان : فإن يك فيكم إفك فرعون باقيا. وهي الأرجح.

(٥) في الأصل : (تلطف ما يأفك).

(٦) في الأصل : (تعجب مني). البيتان في ديوان البحتري ٢ / ١٠٥٣ من قصيدة مطلعها :

حبيب سرى في خفية وعلى دعر

يجوب الدجى حتى التقينا على قدر

٢٤٤

ولو شاهد الدنيا وعاين ملكها (١)

لقلّ لديه ما يكنّز من مصر

ولما وقف عبد الله بن طاهر على مصر قال :

اخزى الله فرعون ، فما كان أخسه وأدنى همته. ملك هذه القرية فقال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٢) والله لا دخلتها ترفعا عنها.

قال (أبو) الحسن بن ناصر العلوي :

كان حالي لما أتى

وداع (٣) الحبيب وقلبي وجب

يمين ابن عمران عند العصا

وقد حوّلت حية تضطرب

وقال بعض الظرفاء :

قل لمن يحمل العصا

حيث أمسى وأصبحا (٤)

ما حوتها يد امرئ

بعد موسى فأفلحا

أبدع ما قال ابن الرومي (٥) :

مديحي عصا موسى وذلك أنني

ضربت به بحر الندى فتضحضحا (٦)

__________________

(١) روايته في الديوان : ولو شاهد الدنيا وجامع ملكها .. ما كثر.

(٢) النازعات : ٢٤.

(٣) روايته في الأصل : (كان لما أتت وداع الحبيب).

(٤) البيتان منسوبان لأبي الطيب الشعري من أهل الشام كما في ثمار القلوب ٣٩.

(٥) الأبيات في ثمار القلوب ٣٩ وفي ديوان ابن الرومي ٢ / ٧١ (ط محمد شريف سليم) من قصيدة طويلة قالها في إسماعيل بن بلبل ومطلعها :

عقيد الندى أطلق مدائحجمة

حبائس عندي قد أنى أن تسرّحا

(٦) تضحضح : أي ترقرق. الصحاح (ضحح) والبيت إشارة إلى قوله تعالى : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) البقرة : ٦٠.

٢٤٥

فيا ليت شعري إذ ضربت به الصّفا

أيبعث لي منه جداول سيّحا

كتلك التي أبدت ثرى الأرض يابسا

وأبدت عيونا في الحجارة سفّحا (١)

سأمدح بعض الباخلين لعله

إن اطّرد المقياس أن يتمسحا

ولو لم يفترع إلّا هذا المعنى البكر (٢) ، لكان من أشعر الناس ، إذ شبّه مديحه بعصا موسى التي ضرب (بها) (٣) البحر فيبس ، فضرب بها الحجر فانبجس (٤) ، وذلك أن ابن الرومي مدح جوادا فبخل ، فقال سأمدح بخيلا (٥) لعله أن يجود (٦) على هذا القياس.

لما فلج أحمد بن أبي دؤاد وكسر (٧) لسانه ، قال فيه أبو السمط :

ما ضرّ أحمد من كسر اللسان وقد

أضحت إليه أمور الناس يمضيها (٨)

موسى بن عمران لم ينقص نبوته

كسر اللسان لأحكام يقضّيها

بل كان أدّى على عيّ بمنطقه

رسائل الله بالآيات يبديها

لسان أحمد سيف مسّه طبع (٩)

من علّة وشفاء الله جاليها

__________________

(١) في الأصل : (كهلك التي أبدت قرى يابسا) والبيت إشارة إلى قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) البقرة : ٧٤.

(٢) في الأصل : (لو لم يقترع إلا هذا المعنى الذكر).

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) انبجس : أي انفجر.

(٥) في الأصل : (نخيلا).

(٦) في الأصل : (يجوز).

(٧) في الأصل : (أحمد بن داود بكسر) وقد ذكر الثعالبي في كتاب ثمار القلوب ، ص ١٦٣ ، أن فالج أحمد بن أبي داود ضرب به المثل ، لأنه كان قاضي قضاة المعتصم ، والواثق وكان من الشرف والكرم بالمنزلة العالية ، وكان مصروف الهمة إلى استبعاد الأحرار وغرضا لمدائح الشعراء. ولما أصابته عين الكمال فلج فصار ، فالجه مثلا في أدواء الأشراف وعاهاتهم.

(٨) يمضيها : أن ينفذها ، لسان العرب (مضا).

(٩) الطبع : الصدأ ، الصحاح (طبع).

٢٤٦

قيل لأبي العيناء : ما تقول في مالك بن طوق (١)؟ قال : لو كان في زمان بني إسرائيل ، ونزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره (٢).

لما شكا أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان (٣) اختلال حاله ، لتأخر أرزاقه. قال له:

ألم نكن (٤) كتبنا إلى ابن المدبر (٥) فما فعل في أمرك شيئا؟

قال : نعم ، كتبت إلى رجل قد قصّر من همته طول الفقر ، وذلّ الأسر (٦) ومعاناة محن الدهر فأخفقت (٧) ، وما ألححت.

فقال : أنت اخترته يا أبا العيناء.

قال : وما علي! (٨) قد (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) فما كان فيهم رجل رشيد (٩) فأخذتهم الرجفة. وقد اختار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن أبي (١٠) سرح كاتبا ، فلحق

__________________

(١) في الأصل : (ملك البرطوق) وهو تحريف في النسخ. ومالك هذا هو مالك بن طوق بن عتاب التغلبي ، يكنى أبا كلثوم أمير من أشراف الفرسان والأجواد كان فصيحا. وله شعر توفي نحو ٢٩٥ ه‍ انظر : الأعلام ٦ / ١٣٧.

(٢) الخبر في وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦ ، زهر الآداب ١ / ٢٨٤ ، وذيل زهر الآداب ٢٣٤ وفيه : لو كان في زمن بني إسرائيل ونزل ذبح البقرة ما ذبح غيره. قيل فأخوه عمر؟ قال : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً).

(٣) في الأصل : (عبيد الله بن سلمان) وهو تحريف. ويعرف بابن وهب يكنى أبا القاسم وزير من أكابر الكتاب استوزره المعتمد العباسي والمعتضد واستمرت وزارته عشر سنين توفي نحو ٢٨٨ ه‍ انظر : فوات الوفيات ٢ / ٢٧. والخبر في زهر الآداب ١ / ٢٨٦ ووفيات الأعيان ٤ / ٣٤٤ ، أخبار الأذكياء : ٨٨ ، أخبار الظراف ٧٣ ، معجم الشعراء ٧ / ٦١.

(٤) في وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦ : أليس قد كتبت إلى إبراهيم بن المدبر.

(٥) في الأصل : (ابن المدني) وهو تحريف وابن المدبر هو إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن المدبر ، وزير من الكتاب المترسلين الشعراء ، استوزره المعتمد لما خرج من سامراء يريد مصر سنة ٢٦٩ ه‍. توفي ببغداد نحو ٢٧٩ ه‍. إرشاد الأريب ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

(٦) علّق ابن خلكان على الخبر بأن أبا العيناء إنما ذكر ذل الأسر ، لأن إبراهيم المذكور كان قد أسره علي بن محمد صاحب الزنج بالبصرة ، وسجنه ، فنقب السجن وهرب. وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦.

(٧) في زهر الآداب ١ / ٨٦ : فأخفقته مني طلبتي ، وفي وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦ : فأخفق سعي وخابت طلبتي.

(٨) في وفيات الأعيان : فقال : وما عليّ أيها الوزير في ذلك وقد اختار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن أبي سرح كاتبا ، فرجع إلى المشركين.

(٩) في الأصل : ألحان والكلام اقتباس من قوله تعالى في سورة الأعراف : ١٥٥ (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ).

(١٠) ابن أبي سرح : هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أسلم قبل الفتح ، واستكتبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان يكتب موضع الغفور العزيز الحكيم وأشباه ذلك ، فأطلع عليه النبي ، فهرب إلى مكة مرتدا ، فأهدر النبي دمه ثم أسلم وحسن إسلامه ، وولي مصر سنة ٢٤ ه‍ فأقام عليها إلى أن حصر عثمان. ومات بالشام. التنبيه والأشراف : ٢٤٦ ، زهر الآداب ١ / ٣٤٤.

٢٤٧

بالمشركين مرتدا ، واختار علي رضى الله عنه أبا موسى الأشعري حاكما فحكم عليه.

ورئي (١) بعض الظرفاء ... (٢) في قرية.

فقيل له (٣) : ما تصنع؟

فقال : ما صنع موسى والخضر ، يعني قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) (٤).

فصل

في قصة داود عليه‌السلام

لما خطب زياد خطبته البتراء (٥) فاستحسنها السامعون. قام إليه رجل وقال (٦) :

أشهد أيها الأمير ، أنك قد أوتيت الحكمة وفصل (٧) الخطاب.

فقال له : كذبت ، ذلك داود عليه‌السلام.

سئل أبو قرة الهاشمي (٨) بين يدي المأمون عن خصمين اختلفا يجوز أن يكون كلاهما محقين؟ فقال : لا ، قيل (٩) : فإن (١٠) أحدهما مدع للباطل لا محالة. قال : بلى. قيل :

__________________

(١) في الأصل : (وروى).

(٢) كلمة لن نتبين قراءتها.

(٣) في الأصل : (فقيل لها).

(٤) الكهف : ٧٧.

(٥) ذكر الجاحظ في البيان والتبيين ٢ / ٦١ : أن زيادا قدم البصرة واليا لمعاوية ابن أبي سفيان فخطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها ولم يصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل قال الحمد لله على أفضاله وإحسانه ، ونسأله المزيد من نعمه وإكرامه ، اللهم كما زدتنا نعما فألهمنا شكرا.

(٦) في البيان والتبيين ٢ / ٦٥ : أن الذي قام لزياد وقال القول المذكور هو عبيد الله بن الأهتم. وفي ذيل الآمالي ١٨٥ أنه صفوان ابن الأهتم.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى في نبي الله داود : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) ص : ٢٠.

(٨) ذكره الجاحظ في البيان والتبيين ٢ / ١٠٤.

(٩) في الأصل : (قل).

(١٠) في الأصل : (فليس .. مدعيا).

٢٤٨

أليس قد اختصم علي والعباس إلى أبي بكر في ميراث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمن كان المخطئ منهما ، ومن المحق (١). فقال أبو قرة : لا أزعم أن واحدا منهما كان مخطئا ، وأقول إنهما في ذلك مثل جبريل وميكائيل حين دخلا على داود عليه‌السلام فقالا : (خَصْمانِ بَغى) (٢) (بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) (٣) وما كانا (٤) مخطئين ، لأنهما يعلمان (٥) داود ظلمه ، وأنه نقل ما ليس له.

ولما باع البحتري غلامه (٦) نسيما (٧) إبراهيم بن الحسن بن سهل (٨) ، ثم ندم على بيعه وسأله الإقالة ، (٩) فلم يفعل كتب له قصيدة منها :

أبا الفضل في تسع وتسعين نعجة

غنى لك عن ظبي بساحتنا فرد (١٠)

أتأخذه مني وقد أخذ الجوى

مآخذه مما أسرّ وما أبدي (١١)

__________________

(١) في الأصل : (قل).

(٢) في الأصل : (بغوا).

(٣) ص : ٢٢.

(٤) في الأصل : (يكونا).

(٥) في الأصل : (يعلما).

(٦) في الأصل : (غلاما).

(٧) في الأصل من وهي زيادة لا موجب لها.

(٨) إبراهيم بن الحسن بن سهل ذكره الصولي في أخبار البحتري وذكر أن البحتري باعه غلامه نسيما وأنه كان أصدق الناس للبحتري ، انظر : أخبار البحتري : ١٢٧.

(٩) الإقالة : الفسخ في البيع. يقال أقلته البيع إذا فسخته. انظر : الصحاح ، لسان العرب (قيل).

(١٠) البيتان في ديوان البحتري ١ / ٥٣ من قصيدة مطلعها :

دعا عبرتي تجري على الجور والقصد

أظن نسيما قارف الهجر من بعدي

(١١) في الأصل : (فيما استسر وأبدى).

٢٤٩

فصل

في قصة سليمان عليه‌السلام

قال بعض العلماء :

العلم آلة يرتفع بها الصغير على الكبير ، والمملوك على المالك. ألا ترى الهدهد وهو (من) (١) محقرات الطير (٢) قال لسليمان (٣) وهو الذي أقلّ ملكا (٤) لا ينبغي لأحد من بعده :

(أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٥). قيل في قوله تعالى : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) (٦) أي لأفرّق بينه وبين إلفه.

قال أبو الشيص في جارية (٧) يقال لها هدهد (٨) :

لا تأمننّ على سرّي وسرّكم

غيري وغيرك أو طيّ القراطيس

أو طائرا ساجليه وابعثيه

ما زال (٩) صاحب تدبير وتحسيس (١٠)

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : (الطين) والصواب أنه من محقرات الطير.

(٣) في الأصل : (سليمان).

(٤) في الأصل : (مكأ) وهو تحريف في النسخ وفيه إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ص : ٣٥.

(٥) النمل : ٢٢.

(٦) نفسها : ٢١.

(٧) في الأصل : (جارته).

(٨) الأبيات في أشعار أبي الشيص : ٦٩ ، نثار الأزهار : ٨٥.

(٩) في الأصل : (ماء الصاحب) وهو تحريف ، وفي أشعار أبي الشيص ما زال صاحب تنقير وتأسيس ، وتحسس من تحسست الشيء إذا تخبرت خبره ، الصحاح (حسس).

(١٠) في الأصل : سأحليه وأنعته في نثار الأزهار : ٨٥ :

أو طائر ساجليه وابعثيه لنا

ما زال صاحب تبيين وتأسيس

٢٥٠

سود براثنه ميل ذوائبه

صفر حمالقه في الحسن مغموس (١)

قد (٢) قد كان همّ سليمان ليذبحه

لو لا سعايته في ملك بلقيس

لما سار عبد الله بن طاهر (٣) إلى مصر لمحاربة (عبيد الله بن السري) (٤) المتغلب عليها منعه ابن السري (٥) (من) (٦) دخولها. ثم بعث إليه ليلا بألف وصيف (٧) ووصيفة ، مع كل واحد وواحدة ألف دينار في كيس حرير فأمر بردّها. وقال للرسول (٨) :

قل لمرسلك : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) (٩)

__________________

(١) في الأصل : (صما حماليقه) وهو خطأ في النسخ والتصويب من نثار الأزهار : ٨٥٠ :

سود ترائبه ميل ذوائبه

صفر حماليقه في الحبر مغموس

(٢) في الأصل : (فقد كان) ورواية الشطر الثاني في نثار الأزهار : لو لا سياسته في ملك بلقيس.

(٣) عبد الله بن طاهر كان واليا على الدينور ، ثم على خراسان ثم الشام ومصر ، وكان المأمون كثير الاعتماد عليه ، توفي نحو ٢٢٨ أو ٢٣٠ ه‍ بمرو. انظر وفيات الأعيان ٢ / ٢٧١.

(٤) في الأصل : (عبد الله بن البيسرى) والصواب ما أثبتناه وعبيد الله بن السري كان قد خرج على الخلافة العباسية ، وجمع جموعا من أهل الأندلس ، وتغلبوا على الإسكندرية وسار إليه عبد الله بن طاهر ، وقضى على حركته. انظر : الكامل ابن الأثير ٦ / ٣٩٧ ، ط صادر.

(٥) في الأصل : (ابن اليسرى).

(٦) زيادة ليست في الأصل.

(٧) في الكامل : وأنفذ إليه ألف وصيف ووصيفة.

(٨) في الكامل ٦ / ٣٩٧ : أنه قال للرسول : أرجع الهدايا وكتب إلى عبد الله بن طاهر لو قبلت هديتك نهارا لقبلتها ليلا (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) قال : فحينئذ طلب الأمان.

(٩) النمل : ٣٦ ، ٣٧.

٢٥١

فلما أبلغه الرسول ذلك طلب الأمان فأمنه على نفسه ، وأهله وماله ، ففعل. وكتب إليه :

أخي أنت ومولاي

ومن أشكر نعماه

فما أحببت من شيء

فإني (١) الدهر أهواه

وما (٢) تكره من شيء

فإني لست أرضاه

لك الله على ذاك

لك الله لك الله

قال الحسن البصري :

ما أنعم الله على عبد نعمة إلّا وعليه منة سليمان عليه‌السلام فإن الله تعالى قال له : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣).

لما هدم الوليد بن عبد الملك كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم :

إنك قد هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها. فإن كان حقا فقد أخطأ أبوك ، وإن كان باطلا ، فقد أخطأت أنت في مخالفته (٤).

فكتب إليه :

(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) (٥).

قال جحظة البرمكي في الغزل :

__________________

(١) في الأصل : (فان).

(٢) في الأصل : (ومن).

(٣) ص : ٣٩.

(٤) في الأصل : (خالفته).

(٥) الأنبياء : ٧٨ ، ٧٩.

٢٥٢

يا قريب المزار نائي اللقاء

ومريض الجفون من غير داء (١)

هب لعيني من الكرى قدر ما

أمهل ذو الجنّ يوم عرض سباء

فصل

في قصة يونس عليه‌السلام

جاء (٢) رجل إلى مزبّد فقال : أحب أن تخرج معي في حاجة (٣) لي. فقال :

هذا يوم الأربعاء (٤) ، ولست أبرح من بيتي.

فقال له الرجل : وما تكره من يوم الأربعاء وفيه ولد يونس بن متى؟

فقال : لا جرم ، بانت (٥) بركته في اتساع موضعه في بطن الحوت ، وحسن كسوته من ورق اليقطين (٦).

قال : وفيه ولد يوسف أيضا. قال :

فما أحسن ما فعل به إخوته حتى طال حبسه وغربته.

وقال : وفيه أوحى الله تعالى إلى إبراهيم. قال :

فكيف رأيت (٧).

__________________

(١) البيتان غير موجودين في ديوان جحظة (جحظة البرمكي الأديب الشاعر) للدكتور مزهر السوداني المنشور سنة ١٩٧٧.

(٢) الخبر في ثمار القلوب : ٥٢٢.

(٣) في ثمار القلوب : ٥٢٢ : أحب أن تخرج معي وتصل حاجتي في حاجة لي.

(٤) في ثمار القلوب ٥٢٢ : هذا يوم الأربعاء استثقله ولست أبرح من منزلي.

(٥) في الأصل : (ثابت) وفي ثمار القلوب : (وقد باتت بركته في اتساع موضعه ، وحسن كسوته حتى وصل على ورق القرع.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ) الصافات : ١٤٢ ، ١٤٣.

(٧) في ثمار القلوب : ٥٢٢ : قال فما كان أبرد الأتون الذي أوقدوه له ، حتى خلّصه الله تعالى منه. وقد سقطت هذه العبارة من نص الاقتباس.

٢٥٣

قال : وفيه نصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الأحزاب (١).

قال نعم ، ولكن بعد (٢) (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) (٣).

وقال يوسف بن أبي الساج (٤) في حبس المقتدر :

ولست بهيّاب المنية إذ أتت

ولكنني رهن التأسف والأسى

وإني لأرجو أن أؤوب مسلما

كما سلم الرحمن في اللّج يونسا

فصل

في شأن عيسى عليه‌السلام

لما قام المستعين أمر عيسى بن فرخنشاه (٥) أبا علي البصير أن يعمل قصيدة في المستعين يحرضه بها على عقد البيعة (٦) لابنه العباس فقال قصيدة منها (٧) :

بك الله حاط (٨) الدين واحتاط أهله

من الموقف الدحض الذي مثله يردي

__________________

(١) في ثمار القلوب : (يوم الأحزاب).

(٢) في الأصل : (بمر).

(٣) الأحزاب : ١٠ ، ١١ ، وبعدهما في ثمار القلوب. فهذا يوم الأربعاء عامة ، وأما الأربعاء التي لا تدور فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (آخر أربعاء من الشهر نحس مستمر).

(٤) في الأصل : (السياح) والصواب ما أثبتناه وهو أمير من كبار قواد الدولة العباسية ، قلده المقتدر نواحي المشرق سنة ٣١٤ ه‍.

قتل سنة ٣١٥ ه‍ انظر الكامل في التاريخ : حوادث سنة ٣١٥ ه‍.

(٥) كذا في الأصل : (بن فرخا) وفي الطبري : عيسى بن فرخنشاه وهو الذي ولّاه الخليفة المستعين ديوان الخراج بعد قتل أوتامش ، وعزل الفضل بن مروان ، وأثبته المسعودي في مروج الذهب ٧٠ عيسى بن فرحنشاه.

(٦) في الأصل : (العينة).

(٧) الأبيات في مروج الذهب ٤ / ٧٠ وهي في أشعار أبي علي البصير : مجلة المورد العددان الثالث والرابع ١٩٧٢.

(٨) في الأصل : (حفظ) وهو تحريف ، والصواب : (حاط) وكذلك رواية المسعودي.

٢٥٤

فولّ ابنك العباس عهدك إنه

له موضع واكتب إلى الناس بالعهد

فإن خلّفته (١) السّن فالعقل بالغ

به رتبة الشيخ الموفق للرشد

فقد (٢) كان يحيى أوتي الحكم مثله

صبيا وعيسى كلّم الناس في المهد

فلما عرضت على المستعين قال : لا برّأني الله (٣) ، وأنا أجعل العهد إلى من لعل الناس يحتاجون إليه في الوقت ، فلا يطيق القيام بأمورهم ، ولكن إن عشنا وكبر قليلا فعلت ذلك إن شاء الله.

كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

أما بعد فإنّ رسلي أخبروني أنّ عندكم شجرا تحمل مثل أذواب (٤) الخمر ، ثم ينفلق عن مثل اللؤلؤ الأبيض ، ثم يصير كالزمرد الأخضر ثم يصير كالياقوت الأحمر ، ثم ينضج كالعسل فيكون عصمة للمقيم ، وزادا للمسافر ، فلئن صدقوا : إن هذه من شجر (٥) الجنة.

فكتب إليه عمر :

أما بعد فإن رسلك صدقوك. هي شجرة عندنا يقال لها النخلة ، وهي التي أنبتها الله ، ولا تتخذ عيسى إلها من دون الله ، فإن الله مثّل عيسى كمثل آدم : خلقه من تراب ، ثم قال له : كن فيكون.

أنشد ابن خالويه (٦) :

ألم تر أن الله قال لمريم

وهزّي إليك النخل يسّاقط الرّطب (٧)

__________________

(١) في الأصل : (فقته).

(٢) في مروج الذهب : (لقد).

(٣) في الأصل : (تراني).

(٤) في الأصل : (أذاب) والأذواب والأذوابة ما في أبيات النحل من العسل ، انظر : الصحاح ، لسان العرب مادة (ذوب).

(٥) في الأصل : (شحرة).

(٦) ابن خالويه : هو الحسين بن أحمد بن خالويه ، يكنى أبا عبد الله ، لغوي نحوي مشهور ، كانت له مع المتنبي مجالس ومباحث. عهد إليه سيف الدولة بتربية أولاده توفي نحو ٣٧٠ ه‍ ، نزهة الأباء : ٢١٤ ، لسان الميزان ٢ / ٢٦٧ ، غاية النهاية ١ / ٢٣٧.

(٧) البيتان في ثمار القلوب ٤٧٠ قبله في أحسن ما سمعت : ٣١ : توكل على الرحمن في طلب العلا.

توكل على الرحمن في طلب العلا

ودع عنك قول الناس في تركك الطلب

وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) مريم : ٢٥.

٢٥٥

ولو شاء أن تجنيه من غير هزّها

جنته ، ولكن كلّ شيء له سبب (١)

وقال أبو بكر الخوارزمي (٢) من قصيدة (٣) :

وما كنت في تركيك إلا كتارك

طهورا وراض بعده بالتيمم (٤)

وذى خلّة (٥) يأتي عليلا ليشتفي

به وهو جار للمسيح ابن مريم

وقال أيضا لأبي أحمد الحسين بن المتكافي :

يقولون سعر البر (٦) يخشى ارتفاعه

وإن خانت الأيام عهدا فربما

فقلت سواء (٧) رخصه وغلاؤه

إذا عاش لي الشيخ الحسين مسلّما

وكيف (٨) أبالي بالطبيب وبالرقى

إذا كنت جارا للمسيح ابن مريما

__________________

(١) روايته في ثمار القلوب : ٤٧٠ :

ولو شاء أن تجنيه من غير هزة

جنته ولكن كل رزق له سبب

(٢) أبو بكر الخوارزمي : محمد بن العباس ، أحد الشعراء العلماء المترسلين ولد سنة ٣٢٣ توفي سنة ٣٨٣ ه‍. انظر أخباره في يتيمة الدهر ٤ / ١٩٤ فما بعدها.

(٣) البيت من قصيدة طويلة في اليتيمة ٤ / ٢٠٥ وهما في ثمار القلوب : ٦٠ ، احسن ما سمعت : ٢٦.

(٤) روايته في ثمار القلوب : ٤٧ :

وقد كنت في تركيك لي مثل تارك

طهورا وراض بعده بالتيمم

وفي البيت إشارة إلى الآية ٥٩ من سورة آل عمران.

(٥) كذا في الأصل ، وفي ثمار القلوب ، وكذلك أحسن ما سمعت : ٣١ وذي علة. وهي الرواية التي نرجحها لأن (خلة) على الأرجح محرفة عن علة التي يقتضيها سياق الكلام. وبعد البيت الأول في ثمار القلوب :

وراوي كلام يقتفى إثر باقل

ويترك قسّا جانبا وابن أهتم

(٦) البر : جمع برة من القمح. اللسان ، الصحاح (برر).

(٧) في الأصل : (سوا رخصه وغلاه).

(٨) في الأصل : (وليف) والرقى : التمائم.

٢٥٦

فصل

في قصص لهم عليهم‌السلام

قال بعض السلف :

إن الله تعالى يحتج بأربعة على أربع ، يحتج بسليمان على الأغنياء ، وعلى العبيد بيوسف ، وعلى المرضى بأيوب ، وعلى الفقراء بالمسيح عليهم‌السلام.

لما همّ المنصور بهدم دور المدينة ، وإحراق نخلها عند خروج إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن. فقال له جعفر بن محمد :

يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطي فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف قدر فغفر. فاقتد بمن شئت منهم.

فقال : حسبك. ونقض عزمه (١).

لما قال المتوكل لأبي العيناء (٢) : إلى كم تمدح الناس ، وتذمهم؟

قال : يا أمير المؤمنين ، ما أحسنوا ، وأساءوا. وهذه آيات تعلمتها من الله تعالى ، فإن رضي عن عبد مدحه ، وأطراه ، و (إن) سخط على آخر شتمه ورماه (٣).

__________________

(١) الخبر في الأمالي ابن الشجري : ٢٧٧ وفيه قول عن أبي الفضل بن الربيع وهو : أن المنصور لما قدم المدينة قال ابعث إلى جعفر بن محمد العلوي ـ يعني الصادق ـ ومن يأتيني به قال : فأمسكت عنه ، لكي ينساه قال : ألم آمرك أن تبعث إلى جعفر بن محمد العلوي وأن تأتيني به قتلني الله إن لم اقتله ، فأمسكت عنه ، لكي ينساه فقال لي الثالثة واغلظ لي : ألم آمرك أن تبعث إلى جعفر بن محمد العلوي به. قتلني الله إن لم أقتله ، فبعثت إليه فجاء ، فدخلت عليه ، فقلت : يا أمير المؤمنين جعفر بن محمد بالباب ، فأذن له ، فدخل. فلما دخل قال جعفر : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال له أبو جعفر : لا سلام عليك يا عدو الله ، تلحد في سلطاني ، وتبغي الغوائل في ملكي ، قتلني الله إن لم أقتلك. فقال له جعفر : يا أمير المؤمنين إن سليمان بن داود أعطي فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، وأنت الصالح. فأطرق طويلا فمد يده فصافحه حتى أجلسه على مفرشه ...

(٢) الخبر في الديارات ٥٨ ، الأمالي للمرتضى ١ / ٢٩٩ زهر الآداب ١ / ٢٨١ ، ذيل زهر الآداب ٣٣٢ ، مروج الذهب ٤ / ١٤٧ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣٤٥ ، نور القبس ٢ / ٣٨٨ مع اختلاف في ألفاظه.

(٣) في الأصل : (وزناه) وهو إشارة إلى قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) القلم : ١٠ ـ ١٣.

٢٥٧

قال : وكيف؟

قال : قال : في أيوب (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (١). وفي الوليد بن المغيرة (٢) (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (٣) والزنيم الملحق بالقوم وليس منهم.

لبعض العرب :

لها حكم لقمان وصورة يوسف

ومنطق داود وعفّة مريم (٤)

ولي سقم أيوب وغربة يونس

وأحزان يعقوب ووحشة آدم

فصل

في قصص القرآن

قال ابن السماك (٥) :

طلبت المال ففكّرت في قارون ، ثم طلبت الرئاسة ، ففكرت في فرعون ، ثم طلبت الجلادة (٦) ، ففكرت في عاد ، ثم طلبت الزهد ، ففكرت في بلعم بن باعور (٧) ثم ما رأيت شيئا يقرّب إلى الله تعالى كقلب ورع ، ولسان صادق ، وبدن صابر.

__________________

(١) ص : ٤٤.

(٢) الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم من زعماء قريش وألدّ أعداء الإسلام في بدء الدعوة الإسلامية. وهو الذي نزلت فيه الآية الكريمة المذكورة أعلاه. جمهرة أنساب العرب : ١٤٤ ، ١٤٧.

(٣) في الأصل : (زيم) والآية من سورة القلم : ١٣.

(٤) النص في ثمار القلوب ٤٤ وفيه : (ونغمة داود وعفة مريم).

(٥) ابن السماك هو أبو العباس محمد بن صبيح مولى بني عجل الكوفي الزاهد المشهور كان حسن الكلام ، وصاحب مواعظ ، لقي جماعة من الصدر الأول توفي بالكوفة سنة ١٨٣ ه‍. الكنى والألقاب ١ / ٣١١.

(٦) الجلادة : الصلابة والبأس.

(٧) في الأصل : (ناعور) والصواب بلعم بن باعور ، وهو رجل يذكر في قصة موسى عليه‌السلام ، ويذكر بأنه كان رجلا قد آتاه علما ، ثم جحد بنعمة ربه. انظر : تاريخ الطبري ١ / ٢٢٦.

٢٥٨

لما أراد عمر بن عبد العزيز نفي الفرزدق لفسق ظهر عليه منه أجلّه ثلاثا.

فقال الفرزدق :

أتنهرني وتوعدني ثلاثا

كما وعدت لمهلكها ثمود (١)

فبلغ ذلك الخبر جريرا (٢) ، فشمت به وقال :

وسمّيت نفسك أشقى ثمود (٤)

فقالوا : هلكت ولم تبعد (٣)

وقد أجّلوا (٥) حين حلّ العذاب

ثلاث ليال إلى الموعد

قيل للربيع بن خثيم في مرضه : ألا ندعو لك طبيبا فقرأ : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) (٦) وقد كان فيهم أطباء ، فما المداوي بقي ولا المداوى ، هلك الباعث والمبعوث.

__________________

(١) روايته في ديوان الفرزدق ١ / ١٨٤ :

وأوعدني فأجلني ثلاثا

كما وعدت لمهلكها ثمود

وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) هود : ٦٥.

(٢) في الأصل : (حرير).

(٣) أشقى ثمود عاقر الناقة الذي ذكر في قوله تعالى : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) الشمس : ١٢.

(٤) في الأصل : (وشمث) وروايته في الديوان ١ / ١٢٨ :

وشبهت نفسك أشقى ثمود

فقالوا ضللت ولم تهتد

(٥) في الأصل : (وقد أخلو).

(٦) الفرقان : ٣٨.

٢٥٩
٢٦٠