الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

غرّقهم (٢) تحت طوفان السيوف ودر

من في السفينة محمودين (١) عمّارا

إن السفينة سلطان الأمير ومن

فيها بنو الدين أعوانا وأنصارا

نوح بن نصر بن خير العالمين كما

أن المرادي خير الناس أشعارا

وقال أبو بكر هبة الله بن الحسن العلاف (٣) لفنا خسرو (٤) :

يا علم العالم في الجود

مثلك جود (٥) غير موجود

بل استوى الجود على جرمه (٦)

كما استوى الفلك على الجود

وأنشدني أبو الفتح البستي لنفسه (٧) :

لأن كدّر الدهر الخئون مشاربي

ومات أميري (٨) ناصر الدين والملك

فلي من يقيني بالإله وفضله

أمير يقيني السوء في النفس والملك (٩)

فإن ماج طوفان الخلاف فإنني (١١)

هنالك نوح واعتزالي للفلك (١٠)

__________________

(١) في الأصل : (عرفهم).

(٢) في الأصل : (ممدودين).

(٣) كذا في الأصل ، والصواب أبو بكر هبة الله الحسن بن علي بن أحمد النهرواني شاعر عاش ببغداد ونادم بعض الخلفاء ، وكف بصره. توفي نحو ٣١٨ وقيل ٣١٩ ه‍. انظر : وفيات الأعيان ١ / ٣٨٠ ، ٣٨٣ ، تاريخ بغداد ٧ / ٣٧٩. جمع شعره صبيح رديف ببغداد ١٩٧٤ وأخلّ المجموع بالبيتين.

(٤) (فنا خسرو) في الأصل منا خسرو وهو الملقب بعماد الدولة. أحد المغلبين على الملك في الدولة العباسية. تولى ملك فارس ثم ملك الأهواز ، وبلاد الجزيرة ، توفي نحو ٣٣٨ وقيل بشيراز. انظر : وفيات الأعيان ٣ / ٧٨. وفي الأصل : (فنا خسرة).

(٥) في الأصل : (جودا).

(٦) في الأصل : (خدمه) والصواب : جرمه.

(٧) الأبيات في ديوان البستي ٥٧.

(٨) في الأصل : (أمير ناصر الدين ذا الملك).

(٩) في الأصل :

فلي من نفسي بالإله وفضله

أمين نفسي في النفس والملك

(١٠) في الأصل : (فالفلك) وهو تحريف. وروايته في الديوان : وإن جاش طوفا الهلاك فإنني

(١١) وقبله في الديوان :

ومن عددي كف الأذى وقناعتي

وصبري في هذا الزمان من الهلك

٢٢١

فقولوا (٢) لإخواني اطمئنوا وأبشروا

جميعا فإني والسلامة في السلك (١)

فصل

في الاقتباس من قصة إبراهيم عليه‌السلام

دخل أبو العيناء (٣) على صاعد بن مخلد (٤) بعد انقطاع كان منه. فقال له : يا أبا العيناء : ما الذي أخرك عنا؟ فقال : أيّد الله الوزير (٥) ، ابنتي. قال : كيف؟ قال : قالت لي : قد كنت تغدو (٦) من عندنا فتأتي بالخلعة السخية (٧) ، والصلة السنية ، ثم أنت (٨) الآن تغدو مسدفا (٩) وترجع مغتما صفر اليدين ، بخفي حنين (١٠) فإلى (١١) من؟ قلت : إلى (ذي الوزارتين) (١٢) إلى ذي العلا (١٣). قالت : أفيشغلك (١٤)؟ فقلت : لا. قالت : أفيعطيك؟ قلت :

__________________

(١) الأصل : (فقلوا).

(٢) روايته في الديوان :

(فقولوا لإخواني استقيموا وأبشروا).

(٣) هو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد الأهوازي من تلامذة أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري كان من الظرفاء الأذكياء ، وكان اديبا شاعرا توفي نحو ٢٨٣ ه‍. انظر : وفيات الأعيان ١ / ٥٠٤ ، نكت الهميان : ٢٦٥ ، ميزان الاعتدال ٣ / ١٢٣ ، تاريخ بغداد ٣ / ١٠٧ انظر أخباره في كتابنا (أبو العيناء الأديب البصري الظريف)

(٤) صاعد بن مخلد : وزير من أهل بغداد كان نصرانيا وأسلم وكان كثير التعبد والصدقة استكتبه الموفق ولقب بذي الوزارتين. توفي نحو ٢٧٦ ه‍. انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ٥ / ١٠١.

(٥) في الأصل : (الوزيري).

(٦) في الأصل : (تعدوا).

(٧) في الأصل : (السرية).

(٨) في الأصل : (ايت).

(٩) مسدفا من السدف وهو من الأضداد بمعنى الضوء والظلمة : أي تذهب مستبشرا متأملا الحصول على الجائزة.

(١٠) خفا حنين. مثل يضرب للخيبة وأصله إن حنينا كان إسكافيا فساومه أعرابي بخفين فاختلفا ، فأراد غيظه فألقى أحد الخفين في طريقه ثم استقام على الطريق فألقى له الآخر ، وكمن له. فلما رأى الأعرابي الخف الأول قال : ما أشبه هذا بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته. ومضى حتى انتهى إلى الآخر فأناخ راحلته ورجع ليأخذ الثاني فركب حنين راحلته ومضى بها ورجع هو إلى أهله خائبا. المستقصى ١ / ١٠٦ ، ثمار القلوب : ٣٨٥. وفي الأصل : (بخفي حسن).

(١١) في الأصل : (قالي).

(١٢) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل. وفي الأصل : (الوزارتين).

(١٣) في الأصل : (الغلاف).

(١٤) في الأصل : (فيشفعك).

٢٢٢

لا. قالت : أفيرفع مجلسك؟ قلت : لا. قالت : يا أبتى (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (١). فضحك صاعد وأمر له بثلاث آلاف (٢) درهم. قال : ألفان لك. وألف لابنتك لئلا تضربنا بقوارع (٣) القرآن.

قال المبرد (٤) : سمعت (٥) ابن الأعرابي (٦) يقول : إذا سمعت الرجل يقول : رأيت فلانا فاعلم أنه قد عابه. فقلت : أوجد من ذلك (٧) في القرآن؟ فقال : نعم (٨). قول الله عز ذكره في قصة إبراهيم (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (٩) أي يعيبهم. وفي الشعر قول عنترة :

لا تذكري فرسي وما أطعمته

فيكون جلدك مثل جلد الأجرب (١٠)

استقرض رجل (١١) الأصمعي قرضا. فقال : نعم وكرامة. ولكن سكّن قلبي برهان

__________________

(١) مريم : ٤٢.

(٢) في الأصل : (بثلاثة ألف).

(٣) في الأصل : (بحيلا يضربنا).

(٤) في الأصل : (ابن المبرد) والصواب : المبرد وهو محمد بن يزيد إمام العربية في زمانه وصاحب كتاب الكامل ت ٢٨٦ ه‍ ، انظر بغية الوعاة ١١٦.

(٥) في الأصل : (سمعني ابن الأعرابي).

(٦) ابن الأعرابي : هو أبو عبد الله محمد بن زياد أحد الرواة اللغويين المشهورين أخذ عن المفضل والكسائي ولد نحو ١٥٠ ه‍ وتوفي سنة ٢٣١. نزهة الألباء : ١٠٣.

(٧) في الأصل : (أوجدني).

(٨) في الأصل : (بعم).

(٩) الأنبياء : ٦٠.

(١٠) البيت في ديوانه : ٣٣ من قصيدة يخاطب بها امرأته التي كانت تلومه على حبه فرسه ، ولأنه يؤثره باللبن الخالص.

(١١) في الأصل : (استقرض الرجل) والرواية في ثمار القلوب : ١٩ مع تغيير بسيط.

٢٢٣

يساوي ضعف ما تسلمته (١). فقال : سبحان الله ، إبراهيم عليه (السلام) (٢) كان واثقا بربه حين قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٣).

قال زياد في خطبته بالبصرة (٤).

والله (٥) ، لآخذن الجار بالجار ، والمقبل بالمدبر ، والقريب بالغريب. فقام (٦) إليه رجل (٧) فقال : أيها الأمير ، إن إبراهيم عليه‌السلام أدى عن الله تعالى أحسن مما قلت. قال الله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٨) ، وأنت (٩) تزعم أنك تأخذ بعضنا ببعض (١٠). وايم الله ما ذلك لك. فقال زياد : صدقت ولكني لا أصل إلى الحق حتى أخوض الباطل خوضا (١١).

__________________

(١) في الأصل : (برهان .. يسلمه).

(٢) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل وقد سقطت تتمة الخبر وهي كما في ثمار القلوب فقال له : يا أبا سعيد ألست واثقا بي : فقال بللا ولكن هذا خليل الله كان واثقا بربه حين قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).

(٣) البقرة : ٢٦٠.

(٤) من خطبته المعروفة بالبتراء والتي لم يحمد الله فيها ولم يصل على النبي وأولها : أما بعد فإن الجهالة والجهلاء ، والضلالة العمياء ، والفي الموفى على النار ما فيه سفاؤكم ، ويشتمل عليه حلماؤكم. البيان والتبيين ٢ / ٦٢.

(٥) في البيان والتبيين ٢ / ٦٣ : وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالولي والمقيم بالظاعن والمقبل بالمدبر ، والمطيع بالعاصي ، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : أنج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم لي قناتكم.

(٦) في الأصل : (بالمولى ... قام).

(٧) في البيان والتبيين ٢ / ٦٥ : أن الذي قام هو أبو بلال مرداس بن أدية وهو يهمس ويقول : أنبأنا الله بغير ما قلت فقال.

(٨) النجم : ٣٧ ، ٣٨ وبعدهما في رواية الجاحظ آية أخرى وهي : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

(٩) في الأصل : (وآيت).

(١٠) في البيان والتبيين : وأنت تزعم أنك تأخذ البرئ بالسقيم والمطيع والمقبل بالمدبر. فسمعه زياد ، فقال : إنا لا نبلغ ما نريد فيك وفي أصحابك حتى نخوض إليكم الباطل خوضا.

(١١) ورد في لسان العرب مادة (خوض) خاض الغمرات : اقتحمها.

٢٢٤

مجاهد (١) في قوله عز ذكره : (ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) (٢). قال : قيامه عليهم بنفسه (٣).

دخل الحسين الجمل المصري (٤) على قادم من مكة ، وعنده أقوام يهنئونه ، وبين أيديهم طباق حلواء ، وليس يمد (٥) أحدهم يده إليها. فقال : يا قوم لقد أذكرتموني ضيف إبراهيم. فقالوا : وكيف؟ فقرأ : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) (٦). ثم قال : كلوا رحمكم الله ، فضحكوا من قوله ، فأكلوا ، وأكل معهم (٧).

دخل الشعبي (٨) على صديق له فلما أراد القيام (٩) قال له : لا تتفرق إلا عن ذواق. فقال الشعبي : فأتحفني بما عندك ، ولا تتكلف (١٠) لي بما لا يحضرك. فقال : أي التحفتين أحب (إليك) (١١) تحفة إبراهيم ، أم تحفة مريم؟ فقال الشعبي : أما تحفة (إبراهيم فعهدي بها الساعة

__________________

(١) هو مجاهد بن جبر مولى مخزوم من كبار التابعين بمكة أخذ العلم عن ابن عباس وروى عنه كثيرون توفي نحو ١٠٢ ه‍ أو ١٠٤. انظر : طبقات الفقهاء ـ الشيرازي : ٤٥.

(٢) الذاريات : ٢٤.

(٣) وفي ثمار القلوب : ٣٣ : ثم ما لبث أن جاء بعجل سمين فقربه إليهم قال : ألا تأكلون.

(٤) في الأصل : (الجمل المصوي) والصواب : المصري وهو الحسين بن عبد السلام يكنى أبا عبد الله. شاعر مشهور مدح الخلفاء والأمراء. وكان شرها في الطعام دنيء الثوب ولد سنة ١٧٠ وتوفي نحو ٢٥٨ ه‍. معجم الأدباء ٤ / ٧٧ وانظر : يتيمة الدهر ١ / ٤٠٠.

(٥) في الأصل : (بمد).

(٦) هود : ٧٠.

(٧) الخبر في ثمار القلوب ٣٣.

(٨) الشعبي هو عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي من همدان وكان من كبار التابعين بالكوفة ولد لست خلت من خلافة عثمان ومات سنة أربع ومائة وقيل سبع ومائة. طبقات الفقهاء الشيرازي ٦١.

(٩) في الأصل : (الداد).

(١٠) في الأصل : (ولا نتكلف).

(١١) ما بين القوسين زيادة لم تكن في الأصل.

٢٢٥

وأريد تحفة مريم) (١). فدعا له بطبق من رطب. فإنما (٢) عنى بتحفة إبراهيم اللحم ؛ لأن في قصته (٣) (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (٤) وعنى بتحفة مريم الرطب ، لأن في قصتها : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) (٥).

كان حامد الكاف (٦) يقول : إن المرء (٧) إذا ضاف إنسانا حدّث (٨) بسخاء إبراهيم (٩). وإذا أضافه إنسان حدث بوفد (١٠) عيسى عليهما‌السلام.

ولما قال المتوكل لأبي العيناء أتشرب معنا النبيذ (١١)؟ قال له : يا أمير المؤمنين : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ) (١٢).

__________________

(١) في الأصل : (وأما تحفة) وقد سقطت جملة ما بين القوسين. وتصويب النص من ثمار القلوب ٣٣. والخبر في الكناية والتعريض ص ٤٩ مع اختلاف في الألفاظ.

(٢) في الأصل : (فلما).

(٣) في الأصل : (قصة).

(٤) هود : ٦٩ : وفي الأصل : (حينئذ) وهو خطأ في النسخ.

(٥) مريم : ٢٥.

(٦) كذا في الأصل ولم أهتد إلى اسمه الصحيح أو إلى ترجمته.

(٧) في الأصل : (المرأى).

(٨) في الأصل : (جدث).

(٩) سخاء إبراهيم إشارة إلى قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) الذاريات : ٢٤ ـ ٢٦.

(١٠) في الأصل : (إنسان حدن بوهد) ، والقول إشارة إلى قوله تعالى في سورة المائدة ١١٢ ـ ١١٤ (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ).

(١١) في الأصل : (لدن ... البيذ).

(١٢) البقرة : ١٣٠.

٢٢٦

لما كلّف عبد الله بن الحسن بن الحسن (١) (إبراز) ابنيه محمد (٢) وإبراهيم من مستترهما ، وأخذ بذلك أشد أخذ جعل يقول : والله إن بليتي (٣) لأعظم (٤).

في سورة الصافات. وقال : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (٥) ثم قال بعد قصة الذبح : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (٦) فصح أن قولك إسحاق كان بعد الذبح وقد سمى الله تعالى العم أبا إذ ذكر إسماعيل في جملة الآباء وهو عم يعقوب فقال حكاية عن أبناء يعقوب : (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) (٧). والعرب تسمي العم أبا.

ويروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (ردوا علي أبي) يعني عمه العباس.

قال أبو سعيد الرستمي (٨) في دار أبي القاسم الصاحب بن عباد (٩) :

__________________

(١) عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي من العباد المعروفين وكان ذا هيبة ولسان شديد. وكانت له منزلة عند عمر بن عبد العزيز توفي نحو ١٤٥ ه‍ في محبسه بالهاشمية. انظر : مقاتل الطالبين : ١٣٢ فما بعدها.

(٢) في الأصل : (إيران ... محمد).

(٣) في الأصل : (بيتي).

(٤) سقطت ورقة من أصل المخطوط عند هذا الخبر مع كون الترقيم متسلسلا صحيحا.

(٥) الصافات : ١٠٢.

(٦) سورة الصافات : ١١٢.

(٧) البقرة : ١٣٣.

(٨) أبو سعيد الرستمي هو محمد بن الحسن بن محمد بن رستم من أبناء أصبهان ، ومن أصدقاء الثعالبي وعده في الطبقة الأولى من الشعراء وترجم له. انظر : يتيمة الدهر ٣ / ٣٠٠ فما بعدها.

(٩) البيتان من قصيدة طويلة مطلعها في يتيمة الدهر ٣ / ٢٠٦ :

نصبن لحبات القلوب حبائلا

عشية حل الحاجيات حبائلا

٢٢٧

هي الدار أبناء الندى من حجيجها (٢)

نوازل في ساحاتها وقوافلا (١)

قواعد إسماعيل يرفع سمكها (٣)

لنا كيف لا نعتدّهن معاقلا

قرأت في أخبار مزبد (٤) أنه كان له ديك قديم الصحبة في داره ، وعرف بجواره. فأقبل الأضحى ، ووافق مزبد رقة الحال ، وخلو المنزل من كل خير وميرة. فلما أراد أن يغدو (٥) إلى المصلّى أوصى امرأته بذبح الديك ، واتخاذ طعام منه للعيد (٦) ، وخرج لشأنه (٧). فأرادت المرأة (أن) (٨) تأخذه ، وتفعل ما أمرها زوجها. فجعل الديك يصيح ويثب (٩) ، ويطير من جدار إلى جدار ، ويسقط من دار إلى دار ، حتى أسقط على هذا من الجيران لبنة ، وكسر لذلك (١٠) غضارة (١١) ، وقلب لآخر قارورة. فسألوا المرأة عن القصة في أخذها إياه. فأخبرتهم ، فقالوا جميعا : والله لا نرضى أن تبلغ (١٢) الحاجة بأبي إسحاق ما نرى (١٣) وكانوا هاشميين ،

__________________

(١) في الأصل : (الدار ابدا ... حجيجهما).

(٢) بعده في يتيمة الدهر ٣ / ٢٠٦ :

يزرنك بالآمال مثنى وموحدا

ويصدرن بالأموال دثرا وحاملا

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) البقرة : ١٢٧.

(٤) القصة في ثمار القلوب ٣٧٢ ، وذكر عبد السلام هارون في تحقيقه لهذا الاسم أن اسمه كثيرا ما يقع التحريف فيه. فيقال مزيد ، وهو مزبد المدائني من أصحاب النوادر والفكاهة. انظر : الحيوان ج ٥ / ١٨٤. وقد ذكر له الجاحظ عدة أخبار ونوادر.

انظر : الحيوان ٥ / ١٩٢ ، ١٩٣.

(٥) في الأصل : (يعدوا).

(٦) في ثمار القلوب ٣٧٢ : واتخاذ الطعام لإقامة رسم العيد.

(٧) في الأصل : (لسانه).

(٨) زيادة ليس في الأصل ، وفي ثمار القلوب : فعمدت المرأة لتمسكه فجعل يصبح ويثب من جدار إلى جدار ، ومن دار إلى دار.

(٩) في الأصل : (ويفعل .. ويثبت).

(١٠) في الأصل : (كذلك).

(١١) في الأصل : (عصارة). والغضار : الطين الحر ، والغضارة الصحفة المتخذة منه.

(١٢) في الأصل : (نبلغ).

(١٣) في الأصل : (ما يروى) وفي ثمار القلوب : إن يبلغ حال أبي إسحاق إلى ما نرى.

٢٢٨

مياسير (١) ، أجوادا فبعث أحدهم بشاة وبقرة وذبحت (٢) (امرأة) (٣) شاتين. وأنفذ بعضهم بقرة. وتباروا (٤) في الإهداء حتى غصّت (٥) دار مزبد بالشياه والبقر. وذبحت (٦) المرأة ما شاءت ، ونصبت القدور (٧) ، وشجر للشواء (٨) التنور. فلما رجع مزبد (٩) إلى منزله فشاهد ما في داره (١٠) قال لامرأته : ما هذا الخصب الذي لم أعهده (١١) ، فقصت عليه قصة الديك ، وما ساق الله بسببه إليهم من الخيرات. فامتلأ سرورا ، وقال (١٢) : احتفظي بهذا الديك ، لأن الله لم يفد (١٣) إسماعيل إلّا بذبح واحد فقال : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (١٤). وقد فدا (١٥) هذا الديك الشاء والبقر.

__________________

(١) في الأصل : (فكانوا ... مياسيرا).

(٢) كذا في الأصل والأرجح أن تكون وبعثت.

(٣) في الأصل : (المرأة) وفي ثمار القلوب : وبعضهم شاتين.

(٤) في ثمار القلوب : وتغالوا في الإهداء.

(٥) في الأصل : (غضبت).

(٦) في الأصل : (ود المرآة) وهو تحريف في النسخ.

(٧) في الأصل : (القرون) وفي ثمار القلوب : ونصبت القدر.

(٨) في الأصل : (الشواب).

(٩) في الأصل : (من يد).

(١٠) في ثمار القلوب : وكر مزبد راجعا إلى منزله فرأى روائح الشواء قد امتزجت بالهواء.

(١١) في ثمار القلوب : أنّى لك هذا الخير فقصت عليه قصة الديك.

(١٢) في ثمار القلوب ٣٧٣ وقال لها : احتفظي بهذا العلق النفيس وأكرمي مثواه ، فإنه أكرم على الله من نبيه إسماعيل عليه‌السلام. قالت : وكيف؟ قال لأن الله تعالى لم يفد إسماعيل إلا بذبح واحد. قال الله تعالى : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) وقد فدا هذا الديك بكل هذه الشياه والبقر.

(١٣) في الأصل : (يقد).

(١٤) الصافات : ١٠٧.

(١٥) في الأصل : (وقد).

٢٢٩

فصل

في الاقتباس من قصة يعقوب ويوسف عليهما‌السلام

قيل للحسن البصري وقد اشتد جزعه على أخيه سعيد : أنت تنهى عن الجزع ، وقد صرت منه إلى غاية. فقال : سبحان من لم يجعل الحزن عارا على يعقوب. فجعل جوابه احتجاجا. يريد قوله عزوجل : (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (١).

وقيل له : أيكذب المؤمن؟

فقال : أنسيتم إخوة يوسف (٢).

وتكلم يوما فارتفعت أصوات من حوله بالبكاء فقال :

عجّ كعجيج (٣) النساء ، وبكاء كبكاء إخوة يوسف.

قال الشعبي : حضرت شريحا (٤) وبين يديه امرأة تخاصم زوجها وتبكي.

فقلت لزوجها : يا فلان ، هذه مظلومة.

فقال : يا هذا إن إخوة يوسف (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) (٥) وهم ظالمون.

حكى الجاحظ (٦) قال :

__________________

(١) يوسف : ٨٤.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) يوسف : ١٦.

(٣) العجيج : ارتفاع الصوت والضجيج. وفي الأصل : (كعجيج النساء ولا عزم وبكاء).

(٤) شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم يكنى أبا أمية من أشهر القضاة في صدر الإسلام. ولي قضاء الكوفة زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية واستعفى أيام الحجاج فأعفاه سنة ٧٧ ه‍. توفي بالكوفة نحو ٧٨ ه‍. انظر : لطائف المعارف : ١٤٠.

حلية الأولياء ٤ / ١٣٢ انظر أخباره كتاب القاضي شريح للدكتور بدري محمد فهد.

(٥) يوسف : ١٦.

(٦) الخبر في الحيوان ٦ / ٤٧٧ وفيه يقول : إن اسم الذئب الذي أكل يوسف رجحون. فقيل له : فإن يوسف لم يأكله الذئب. وإنما كذبوا على الذئب ، ولذلك قال الله عزوجل (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) قال : فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.

٢٣٠

قال أبو علقمة : إن اسم الذيب الذي أكل يوسف دمعون. فقيل له : إن يوسف لم يأكله الذئب.

فقال : فهذا اسم الذئب الذي لم يأكله.

قيل : فينبغي أن يكون الاسم لجميع الذئاب.

وأنشد أبو عبد الله المرزباني (١) في كتاب المستنير لأبي الشيص (٢) :

وقائلة ، وقد بصرت بدمع

على الخدين منهمل سكوب (٣)

أتكذب في البكاء وأنت خلو (٤)

قديما ما جسرت على ذنوب

قميصك والدموع تجول فيه

وقلبك ليس بالقلب الكئيب

نظير قميص يوسف يوم جاءوا

على لبّاته (٥) بدم كذوب

فقلت لها : فداك أبي وأمي

رجمت بسوء ظنك بالغيوب

وكان يقال : لا تلقّن صاحبك الشر ، فاخلق به ألا (٦) تلقنه ويحتج به عليك. ألا ترى أن يعقوب عليه‌السلام قال لبنيه في شأن يوسف : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) (٧) فتلقوه (٨) من فمه. وقالوا : (يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) (٩).

__________________

(١) أبو عبد الله المرزباني وقيل أبو عبيد الله واسمه محمد بن عمران بن موسى أديب مشهور ولد نحو ٢٩٧ وتوفي نحو ٣٨٤ وقيل ٣٧٨ ه‍. انظر : معجم الشعراء (أ) فما بعدها.

(٢) أبو الشيص : هو محمد بن عبد الله بن رزين الخزاعي. وهو ابن عم دعبل الشاعر كثرت أخباره مع صريع الغواني ، وأبي نواس ودعبل. انظر : طبقات الشعراء ٢٧ فما بعدها. وقد جمع شعره عبد الله الجبوري.

(٣) الأبيات في ديوانه ق ٦ ص ٢٤ مع بيتين آخرين ورواية الشطر الثاني من البيت الأول في الديوان (منحدر سكوب).

(٤) في الأصل : (خلق). والتصويب من الديوان. وفي رواية الثعالبي في ثمار القلوب. ٣٥٠.

(٥) في الأصل : (على أبيه) وقد أثبتنا رواية ثمار القلوب. وفي الديوان : (على ألبابه).

(٦) في الأصل : (أن تلقنه). والسياق يقتضي إضافة ألا ..

(٧) يوسف : ١٣.

(٨) في الأصل : (فتلقونه).

(٩) يوسف : ١٧.

٢٣١

وقال الشاعر :

عليّ والله فيما لفّقوا كذبوا

ككذب أولاد يعقوب على الذيب

كتب أبو العيناء إلى أحمد بن أبي دؤاد (١) :

جعلني (٢) الله فداك ، مسّنا الضرّ ، وبضاعتنا المودة والشكر. فإن تعط أكن كما قال الشاعر :

إنّ الشهاب الذي يحمي ذماركم (٥)

لا يخمد الدهر لكن جمرة (٣) يقد (٤)

فإن لم تفعل ، فلسنا كمن يلمزك في الصدقات ، فإن (٦) يعطوا (مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) (٧).

[يقال] : من عرف بالكذب لم يجز صدقه.

وفي الأمثال السائرة : لا يقبل الصدق من الكذاب ، وإن أتى بمنطق صواب.

وفي قصة يوسف : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (٨).

__________________

(١) أحمد بن أبي دؤاد يكنى أبا عبد الله القاضي. قال عنه ابن خلكان بأنه كان معروفا بالمروءة ، والعصبية ، وله مع المعتصم أخبار مأثورة أصيب بالفالج في أول خلافة الواثق ، وتوفي سنة ٢٤٠ ه‍. وفيات الأعيان : ١ / ٦٣ ، ٦٤.

(٢) الخبر في المصون : ٨٦ وبدأ فيه بقوله : (جعلني الله فداك مسّنا وأهلنا الضر).

(٣) في الأصل : (دماءكم يحمد).

(٤) في الأصل : (صوة).

(٥) في المصون : (أنا الشهاب .. إلا ضوءه يقد).

(٦) في الأصل : (فإم لم يعطوا) وهو خطأ.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) التوبة : ٥٨. وفي المصون (وإن لم تعطنا فلسنا ممن يلزمك يسخطون).

(٨) يوسف : ١٧.

٢٣٢

ومن أمثال العرب في حفظ السر : صدرك أوسع لسرك من دمك.

وفي قصة يوسف : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (١).

قال الحسن البصري : من أحسن عبادة الله في شبيبته لقّاه الله الحكمة في اكتهاله ، كما قال الله تعالى في شأن يوسف : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢).

نظر شيخ إلى امرأتين تتلاعبان في الطريق. فقال : إنكن صويحبات يوسف.

فقالت إحداهن : يا عم ، فمن ألقاه في غيابة الجب. نحن أم أنتم؟

قيل لأبي الحارث جميز (٣) وهو في ثياب منخرقة (٤) : ألا يكسوك محمد بن يحيى (٥)؟

فقال : لو كان له بيت مملوء إبرا وجاءه (٦) يعقوب ومعه النبيون (٧) شفعاء (٨) ، والملائكة ضمناء يطلب منه إبرة ؛ ليخيط بها قميص يوسف الذي قدّ من دبر ما أعاره إياها. فكيف يكسوني (٩)!!

__________________

(١) نفسها : ٥.

(٢) نفسها : ٢٢.

(٣) أبو الحارث جميز ، وفي الأصل (جمبن) وقد ذكره الجاحظ في البخلاء : ١٧ ، ٧٢ ، ٩٧ ، ١٩٧. وأشار إلى طائفة من نوادره وأخباره. وفي الوزراء والكتاب للجهشياري ٤٢ أبو الحارث جميز وكان ممن حظي عند محمد بن يحيى البرمكي وكان الأخير يألفه.

(٤) في الأصل : (منحرقة. والخبر في ثمار القلوب : ٣٥.

(٥) هو محمد بن يحيى بن خالد البرمكي استعمله الرشيد على الزمام ، ثم حبسه بعد مقتل جعفر ، ثم عفا عنه ، وقد برّ به الأمين والمأمون من بعده. انظر : الوزراء والكتاب ١٩٣ ، ٢٢٤ ، ٢٩٧.

(٦) في الأصل : (ابرا وجاه).

(٧) في الأصل : (الندون).

(٨) في الأصل : (شفعا).

(٩) في الوزراء والكتاب : ٢٤٢ : أن يحيى بن خالد هو الذي سأل أبا الحارث ، وأنه قال له : أنت خاص به وثوبك مخرّق ، قال : والله ما أقدر على إبرة أخيطه بها ، ولو ملك محمد بيتا من بغداد إلى النوبة مملوء إبرا ، ثم جاء جبريل ، وميكائيل ومعهما يعقوب النبي يضمنان له عنه إبرة ، ويسألونه إعارته إياها ، ليخيط بها قميص يوسف الذي قد من دبر ما فعل.

٢٣٣

وقال العباس بن الأحنف (١) :

وقد زعمت جمل بأني أريدها

على نفسها تبّا لذلك من فعل (٢)

سلوا عن قميصي مثل شاهد يوسف

فإنّ قميصي لم يكن قدّ من قبل (٣)

قال المتنبي :

كأن كل سؤال في مسامعه

قميص يوسف في أجفان يعقوب (٤)

وقال أبو عثمان الخالدي (٥) للمهلبي (٦) الوزير ، وذكر معز الدولة أبا الحسن (٧) :

__________________

(١) العباس بن الأحنف من بني حنيفة. كان شاعرا ظريفا مفوها ، منشؤه بغداد. عرف بغزله الرقيق. انظر : طبقات الشعراء : ٢٥٤ ـ ٢٥٧.

(٢) روايته في ديوان العباس : ٢١٣.

وقد زعمت يمن بأني أريدها. في ثمار القلوب : وقد زعمت جمل.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) يوسف : ٢٦ ، ٢٧.

(٤) في الأصل : (كأن كل سواك) والبيت في ديوان المتنبي ١ / ٩٥ ، ويريد المتنبي بالبيت أن الممدوح يسر ويبتهج إذا سمع سؤال سائل يستجديه ابتهاج يعقوب حين شمّ قميص يوسف ، وذلك لكرمه وجوده.

والبيت من قصيدة يمدح بها المتنبي كافورا سنة أربع وأربعين وثلثمائة ومطلعها :

من الجآذر في زي الأعاريب

حمر الحلي والمطايا والجلابيب

وفي بيت المتنبي إشارة إلى قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) يوسف : ٩٦.

(٥) أبو عثمان الخالدي : هو سعيد بن هاشم شاعر وأديب ، وهو أخو محمد الذي عرف وإياه باسم الخالديين. ولهما الكتاب المشهور (الأشباه والنظائر) انظر : الفهرست : ٢٤٦ ، اللباب ١ / ٣٣٩.

(٦) المهلبي : هو الحسن بن محمد بن هارون المكنى أبا محمد من ولد المهلب بن أبي صفرة ، استوزره معز الدولة وبقي في وزارته ثلاث عشرة سنة توفي سنة ٣٥١ ه‍ ، انظر : المنتظم : ٧ ، ٩ ، ١٠. يتيمة الدهر ٢ / ٢٢٣.

(٧) معز الدولة : هو أبو الحسن أحمد بن بويه. دخل بغداد سنة ٣٣٤ ه‍ واعترف الخليفة المستكفي به ومنحه ثقته ، ولقبه أمير الأمراء فضلا عن لقب معز الدولة. انظر : طبقات سلاطين الإسلام ١٣٥.

٢٣٤

إن غبت أودعك الإله حياضه

وإذا قدمت أباحك الترحيبا (١)

ويكون من مقة (٢) كتابك عنده

كقميص يوسف إذ أتى يعقوبا

ولأبي العباس أحمد بن إبراهيم الضبي (٣) من كتاب كتبه إلى أبي سعيد الشبيبي (٤) :

وصل كتاب شيخ (٥) الدولتين فكان في الحسن (٦) روضة حزن بل جنة عدن.

وفي شرح الصدور (٧) ، وأنس القلوب قميص يوسف إذ وافى يعقوب (٨).

قال أبو طالب المأموني (٩) لابن عباد ، وقد أحسن جدا (١٠) :

وعصبة بات فيها الغيظ متقدا

إذ شدت لي فوق أعناق الورى رتبا (١١)

فكنت يوسف والأسباط هم وأبو ال

أسباط أنت ودعواهم دما كذبا (١٢)

__________________

(١) البيتان في ثمار القلوب ٣٦ وخاص الخاص : ١٨٥ وهما في ديوان الخالديين ص ١٠٨ وفيه : (أودعك الإله حياظه).

(٢) المقة : المحبة. انظر : الصحاح (ومق) ورواية البيت في الأصل : (وبلون من ... بقميص).

(٣) أحمد بن إبراهيم الضبي يكنى أبا العباس ، وزير فخر الدولة البويهي كان من العقلاء الأفاضل توفي نحو ٣٩٨ ه‍. انظر : معجم الأدباء ١ / ٦٥ ـ ٧٤.

(٤) أبو سعيد الشبيبي : هو أحمد بن شبيب ، شاعر أديب كان جامعا بين القلم والسيف وكان مختصا بالدولة السامانية ، والدولة البويهية وسمي صاحب الجيشين. انظر : يتيمة الدهر ٤ / ٢٤٢.

(٥) في الأصل : (الشيخ). وهو تحريف ، والكتاب في ثمار القلوب : ٣٧ ، المتنبي ما له وما عليه : ٢١ ، إرشاد الأريب ١ / ٦٧. وفي ثمار القلوب : فكان رحمة الله عند أيوب عليه‌السلام ، وقميص يوسف عند أجفان يعقوب.

(٦) في الأصل : (الحبس) وأثبتنا رواية المتنبي ما له وما عليه وفي كتاب من غاب عنه المطرب (وهو الحسن).

(٧) في من غاب عنه المطرب : (وفي شرح النفس وبسط الأنس وبرد الأكباد والقلوب وقميص).

(٨) في من غاب عنه المطرب : (وقميص يوسف على أجفان) وفي إرشاد الأريب : وبسط الأنس ، وبرد الأكباد والقلوب وقميص يوسف في أجفان القلوب.

(٩) أبو طالب المأموني : هو عبد السلام بن الحسين شاعر وأديب يتصل نسبه بالمأمون العباسي. ولد ببغداد ، وتعلم فيها.

وامتدح الصاحب بن عباد ولقي بنيسابور بعض أولاد الخلفاء. انظر : يتيمة الدهر ٤ / ٨٤ ـ ١١٢.

(١٠) قال الثعالبي في خاص الخاص : ١٨٥ معلقا على البيتين بأنهما من معجزات شعره ، وقوله هذا من قصيدة في تضمين كل قصة يوسف عليه‌السلام وذكرا أيضا في أحسن ما سمعت : ٢٨.

(١١) في الأصل : (أن تبا).

(١٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) يوسف : ١٨.

٢٣٥

وقال ابن المعتز (١) :

بنو هاشم عودوا نعد لمودة

فإنا إلى الحسنى سراج التعطف (٢)

وإلّا فإني لا أزال عليكم

محالف (٣) أحزان كثير التلهف

لقد بلغ الشيطان من آل هاشم

مبالغه (٤) من قبل (في) (٥) آل يوسف

وقال آخر :

يا شبه من كان الذي

قطّعن أيديهنّ فيه (٦)

وشبيه من بقميصه

جاء البشير إلى أبيه

لم لا ترقّ لمدنف

أسهرت ليلة ممرضيه

وقال آخر :

من كفّ يقظان الشمائل ناعس ال

ألحاظ (يفديه) (٧) الغزال الأهيف

ويروق لي ذقنّ له مستودع

جبا ومن ذى (٨) الجب يطلع يوسف

__________________

(١) الأبيات في ديوانه : ٢٧٨ (ط دمشق).

(٢) في ديوان ابن المعتز :

بنى عمنا عودوا نعد لمودة

فإنا إلى الحسنى سراع التعطف

(٣) في الأصل : (مخالف).

(٤) في الأصل : (مبالغة).

(٥) زيادة ليست في الأصل أثبتناها من رواية الديوان.

(٦) في الأصل : (يا شبه من البرق وقطن .. والقول إشارة إلى الآية الكريمة : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) يوسف : ٣١.

(٧) في الأصل : (يمديه).

(٨) في الأصل : (ذا). وفي القول إشارة إلى الآية الكريمة : (فِي غَيابَتِ الْجُبِ) وقوله تعالى : (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) يوسف : ١٠ ، ١٥.

٢٣٦

ومن أحسن ما قيل في سجن يوسف ، وحسن عاقبته قول البحتري لمحمد بن يوسف (١) :

أما في رسول الله يوسف أسوة

لمثلك محبوسا على الضيم والإفك (٢)

أقام جميل الصبر (٤) في السجن برهة (٥)

فآض به الصبر (٣) الجميل إلى الملك

وقال محمد بن زيد العلوي (٦) :

وراء مضيق الخوف متسع الأمن

وأول معروج به آخر الحزن

فلا تيأسن فالله ملّك يوسفا

خزانته بعد الخلاص من السجن (٧)

__________________

(١) البيتان في ديوان البحتري ٣ / ١٥٦٧ من قصيدة مطلعها :

جعلت فداك الدهر ليس بمنفك

من الحادث المشكو والنازل المشكي

(٢) رواية البيت في الديوان :

أما في نبي الله يوسف أسوة

لمثلك محبوسا على الظلم والإفك

وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) يوسف : ٣٢.

(٣) في الأصل : (صبر).

(٤) في الأصل : (نزهة) وفي أحسن ما سمعت : ٢٨ : (مدة).

(٥) في الأصل : (فاضر به الجميل إلى الملك) والصواب فآض. وهو من قولهم آض يئيض أيضا أي عاد. يقال آض فلان إلى أهله أي رجع. وروايته في أحسن ما سمعت ٢٨ :

أقام جميل الصبر في السجن مدة

فآض به الصبر الجميل إلى الملك

(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) يوسف : ٥٦.

(٦) محمد بن زيد العلوي بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وهو المعروف بالداعي صاحب طبرستان. قتل أيام المعتضد سنة ٢٨٩ ه‍ مقاتل الطالبيين ٤٩٥.

(٧) البيت الثاني في المنتحل ٢٦٤ ، ورواية الشطر الثاني منه (خزائنه) وهي الأرجح. وفي القول إشارة إلى قوله تعالى (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) يوسف : ٥٥.

٢٣٧

وقال أبو عبد الله الأسمى العلوي من قصيدة في مرثية الداعي (١) وتعزية ابنه المحبوس :

فلا تيأس فيوسف كان قدما

أتاه الملك في سجن البغايا

وموسى بعد ما في اليّم ألقي

حباه الله سلطانا وآيا (٢)

عوتب بعض العلماء على خطبته عمل السلطان فقال : لقد خطبه وطلبه الصديق ابن إسرائيل بن الذبيح بن الخليل عليهم‌السلام في ملك مصر. فقال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٣). أي كاتب حاسب.

٢ ـ ١٣٠ ـ ٢ لما وصف عبد العزيز بن يحيى (٤) للمأمون (٥) استدعاه ، فلما رآه قال :

إلا أني اخترتك فما أقبح (٦) وجهك؟! ..

فقال : يا أمير المؤمنين : إن حسن الوجه ليس مما ينال منه الحظوة عند (٧) الملوك. وإني سمعت الله حكى في كتابه العزيز عن يوسف قول الملك : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٨) ، ولم يقل : إني صبيح مليح. وهل سجن إلا لحسن وجهه ، وولي إلّا لعلمه؟.

__________________

(١) الداعي : هو محمد بن زيد المذكور أعلاه ، وابنه المحبوس هو زيد بن محمد الذي أسر بعد قتل أبيه وحمل إلى خراسان. مقاتل الطالبيين : ٤٩٥ ولم أهتد إلى ترجمة الشاعر ومعرفته.

(٢) آيا : جمع آية. الصحاح (أيا).

(٣) يوسف : ٥٥.

(٤) عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز الكناني المكي ، كان من تلامذة الإمام الشافعي ، قدم بغداد أيام المأمون ، وكان يلقب بالغول لدمامته ، توفي نحو ٢٤٠ ه‍. تهذيب التهذيب ٦ / ٣٦٣.

(٥) في الأصل : (المأمون).

(٦) في الأصل : (إلى ن اخترتك فافتح وتصحينا) وهو تحريف في النسخ.

(٧) في الأصل : (عبد).

(٨) يوسف : ٥٥.

٢٣٨

فقال : أحسنت ، وأمر بإكرامه.

استأذن آدم بن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (١) على يعقوب بن الربيع (٢) وهو على الشراب ، فأمر برفعه ، والإذن له. فلما دخل قال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (٣) (٤). فأمر برد الشراب ، ونادمه (٥).

لما استقبل عبد الملك بن مروان أخاه عبد العزيز عند مشرفه من مصر ، وأثقاله على ألف حمل. سئل بعض أصحابه :

على كم كانت البداءة؟

فقال : على ثلاثمائة جمل.

(قال) : ما عير أحق أن يقال لها (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) (٦) من هذه.

فبلغ كلامه هذا عبد العزيز فقال : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) (٧).

عن عطاء الخراساني (٨) : الحوائج إلى الشبان أسهل منها إلى الشيوخ ؛ ألم تر (٩) أن يوسف قال لأخوته : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) (١٠).

__________________

(١) في الأصل : (آدم بن عبد العزيز) والصواب ما أثبتناه وهو حفيد عمر بن عبد العزيز منّ عليه أبو العباس السفاح بالعفو وحقن دمه ..

وكان ماجنا خليعا ، وكان الخليفة المهدي يقربه ويصطفيه ، الأغاني ١٤ / ٥٨ ـ ٦٠ ، طبعة ساسى جمهرة أنساب العرب : ١٠٦.

(٢) يعقوب بن الربيع بن يونس ، شاعر طريف كان أكثر شعره في رثاء جارية له اسمها ملك. وكان الرشيد يأنس به قبل الخلافة. معجم الشعراء ٤٩٧.

(٣) في الأصل : (تقلدون) وهو تحريف في النسخ.

(٤) يوسف : ٩٤.

(٥) الخبر في ثمار القلوب ٣٨ ، وسماه آدم بن عمر بن عبد العزيز خطأ.

(٦) يوسف : ٧٠.

(٧) نفسها : ٧٧.

(٨) عطاء الخراساني : هو ابن أبي مسلم واسم أبيه ميسرة وقيل : عبد الله مولى هذيل. توفي نحو سنة ١٣٣ ه‍. انظر الطبقات : ابن خياط ٣١٣.

(٩) في الأصل : (ألم ير إلى).

(١٠) يوسف : ٩٢.

٢٣٩

و (قال) (١) أبوهم : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٢). وإنه أخّر الدعاء إلى وقت السحر (٣) ، لأن وقت السحر مرجو الاستجابة.

قال بعض الشعراء (٤) :

إن أكن مذنبا فحظي عقاب (٥)

فهب لي عقوبة التأديب

قل كما قال يوسف لبن

ي يعقوب لما أتوه (٦) لا تثريب

فصل

في الاقتباس من قصة موسى عليه‌السلام

قال لي : (أبو) (٧) نصر بن سهل بن المرزبان : هل تعرف بيت شعر فيه بشارة ، وشماته ، ومجازاة ، واعتراض ، وانفصال؟.

فقلت : لا ، ولكني أعرف آية من كتاب الله تعالى فيها خبران ، وأمران ، ونهيان ، وبشارتان.

فقال : عرّفني هذه الآية ، لأنشدك ذلك البيت.

فقرأت عليه قوله تعالى في قصة موسى عليه‌السلام : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) يوسف : ٩٨ ، وفي الأصل : (أنه هو الغفار).

(٣) في الأصل : (السجد).

(٤) في الأصل : (الشعر).

(٥) في الأصل : (فحظي خطاب) كذا في المخطوط والبيت فيه خلل.

(٦) في الأصل : (لما أبوه).

(٧) في الأصل : (نصر) والصواب أبو نصر وهو الأديب المعروف بسهل بن المرزبان من أدباء نيسابور ترجم له الثعالبي وذكر له أشعارا ومؤلفات. انظر يتيمة الدهر ٤ / ٣٩٢.

٢٤٠