الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

بيضاء فقال : (والله ليخضبنها بدمها إذا انبعث أشقاها) (١). ثم أنشد :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيري من خليلي من مراد (٢)

ولما ضرب الضربة التي مات فيها رضي الله عنه قال :

إن عشت ، فأنا ولي دمي (٣). وإن أفن فالفناء ميعادي. والعفو قربة لي ، وحسنة لكم (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٤).

ولما اشتد به الأمر جمع ولده. فقال :

إني أوصيكم بتقوى الله. فاتقوا الله و (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٥). (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٦). (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٧) كما أمركم الله (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الشمس : ١٢ ـ ١٥ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها).

(٢) قيل إن الإمام عليا كان يتمثل بهذا البيت كلما رأى ابن ملجم. فقيل له : ولم لا تقتله إذا كنت تعرف أنه قاتلك؟ فيقول :

كيف أقتل قاتلي.

ورواية البيت في شرح نهج البلاغة ٢ / ٤٣٢ :

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

والبيت لعمرو بن معد يكرب كما في ديوان عمرو بن معد يكرب : ٦٥ وهو في خاص الخاص : ٢٥.

(٣) الرواية في الأصل : (إن أتوفى) وهو تحريف والصواب ما أثبتناه. في نهج البلاغة : إن عشت ، فأنا ولي دمي ، وإن مت فضربة بضربة.

(٤) النور : ٢٢.

(٥) البقرة : ١٣٢.

(٦) آل عمران : ١٠٣.

(٧) البقرة : ٨٣.

٢٠١

وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١) وعليكم يحفظ وصية جدكم في الصلاة. وما ملكت أيمانكم. والزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم. وصيام شهر رمضان فإنه جنّة (٢) لكم. ثم الحج ، فهو الشريعة التي بها أمرتم. وأستودعكم الله. وأستغفر الله لي ولكم.

فصل

في بعض ما قاله الشعراء في فضله

قال علي بن محمد بن نصر بن بسام (٣) :

إن عليا لم يزل محنة (٤)

لرابح منا ومغبون

أحلّه (٥) من نفسه المصطفى

محلة لم تك في الدون

فارجع إلى الأعراف حتى ترى

ما فعل القوم بهارون (٦)

يريد قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى (٨).

وقال بعض الشعراء (٩) :

__________________

(١) المائدة : ٢.

(٢) الجنة : ما يستتر به.

(٣) علي بن محمد بن نصر بن بسام يكنى أبا الحسن شاعر لسن هجاء ، ذكر له ياقوت جملة مصنفات ونشر د. مزهر السوداني مجموعا لشعره في مجلة المورد ١٩٨٦. والأبيات في مجموعة الشعري ق ١٤٢ وهي في أعيان الشيعة ٤٢ / ٢٤.

(٤) المحنة : واحدة المحن التي يمتحن بها الإنسان. والمغبون المخدوع يقال : غبنته في البيع أي خدعته.

(٥) في الأصل : (أمله).

(٦) في أعيان الشيعة : (ما صنع الناس) وفي البيت إشارة إلى فعلة يهود وصنيعهم بهارون حين استخلفه موسى ، كما ورد في سورة الأعراف : ١٤٢ فما بعدها.

(٧) في الأصل : (قوله تعالى).

(٨) الحديث رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي ، والترمذي مناقب ٢٠ ، ومسند الإمام أحمد ١ / ١٧٠.

(٩) البيتان لابن بسام في مجموعة الشعري ص ٢٢٦.

٢٠٢

أحلف بالله وآياته

شهادة (١) صادقة خالدة

إن علي بن أبي طالب

إمامنا في سورة المائدة

يريد قول الله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٢).

يقال إنها نزلت في علي لما سمع سائلا ، وهو في صلاته فأعطاه خاتمه (٣).

فصل

في تسليم الحسن الأمر إلى معاوية

لما رأى رضي الله عنه سكون الدهماء (٤). حقن الدماء في ترك منازعة معاوية وتسليم الأمر إليه. قام فأوجز وقال (٥) :

أما بعد ، فإن الله هدى أولكم (٦) بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا (٧) وإن هذا الأمر الذي تنازعت فيه ومعاوية إما حق رجل هو أحق به مني فسلمته ، وأما حقي فتركته لصلاح الأمة : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٨).

__________________

(١) في الأصل : (وسهادة).

(٢) المائدة : ٥٥.

(٣) في أسباب النزول للواحدي : ١١٣ أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، لأنه أعطى خاتمه سائلا وهو راكع في الصلاة. وانظر أيضا أسباب النزول / السيوطي : ٩٠.

(٤) الدهماء ودهماء الناس جماعتهم.

(٥) الخطبة في تاريخ الطبري ٦ / ٩٣.

(٦) في الأصل : (هذا ولكم).

(٧) إلى هنا ينتهي نص الطبري الموافق لرواية الثعالبي. وتتمة الخطبة في تاريخه : وإن لهذا الأمر مدة ، وإن الدنيا دول ، وإن الله تعالى قال لنبيه : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

(٨) الأنبياء : ١١١.

٢٠٣

فصل

في لمع من أقوال الصحابة وأخبارهم

لما قال عمر لسحبان (١) وهو يدون الدواوين :

مع من تريد أن أكتبك؟ قال :

مع (٢) الذين (لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) (٣).

وكان أبو عبيدة بن الجراح إذا ذكر الكفرة الذين بإزائه (٤) قال : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٥).

ولما حصر عثمان ومنع (٦) الماء. قال للزبير (٧). (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) (٨).

وقال سعد بن أبي وقاص (٩) لأبي محجن الثقفي (١٠) لما اتهمه بشرب الخمر بعد أن استتابه مرات : (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) (١١) ، وأمر بحبسه.

__________________

(١) سبحان بن زفر بن إياس الباهلي من باهلة. خطيب يضرب به المثل في البيان يقال : أخطب من سحبان ، وأفصح من سحبان. أسلم زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يلاقه ، وأقام في دمشق أيام معاوية وله شعر وأخبار. انظر الإصابة ٢ / ١٠٨ ، بلوغ الإرب ٣ / ١٥٦ ، البيان والتبيين في مواضع عديدة. انظر ج ١ / ١ ، ٢ ، ٦ ، ٤٨ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤٨. ج ٢ / ١٤.

(٢) في الأصل : (من).

(٣) القصص : ٨٣.

(٤) في الأصل (بارابه) والصواب بإزائه أي بحذائه.

(٥) البقرة : ١٨.

(٦) في الأصل : (وخضع).

(٧) الزبير بن العوام بن خويلد يكنى أبا عبد الله ، أمه صفية بنت عبد المطلب توفي سنة ٣٦ ه‍. الطبقات ١٣.

(٨) سبأ : ٥٤.

(٩) في الأصل : (سعيد) والصواب : سعد بن أبي وقاص وهو من بني زهرة بن كلاب يكنى أبا إسحاق ولاه عمر وعثمان الكوفة. مات بالمدينة سنة ٥٥ ه‍. الطبقات : ١٥.

(١٠) أبو محجن الثقفي اسمه عمرو بن حبيب. وقيل اسمه كنيته. أحد الأبطال الشعراء في الجاهلية والإسلام. كان منهمكا بشرب الخمر فحده عمر عدة مرات. ثم لحق بسعد بن أبي وقاص في القادسية. توفي بأذربيجان وقيل في جرجان سنة ٣٠ ه‍. انظر : الإصابة ٤ / ١٧٣.

(١١) يوسف : ٩٥.

٢٠٤

وكان ابن عمر إذا لقي (١) مصعب بن الزبير بعد قتله المختار (٢) ، ومن كان معه من أصحابه أعرض عنه ، وإذا سلم عليه مصعب لم يجبه. فقال له يوما :

أسلم عليك فلا تجيبني!

[قال] (٣) : لقتلك من قتلت من أهل الصلاة.

فقال : إنهم كانوا كفرة فجرة (٤).

فقال ابن عمر : والله لو كانوا معزي لابنك لكنت في ذبحها من المسرفين ، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (٥).

ولما ألح الوليد بن عتبة (٦) على عبد الله بن الزبير في أمر البيعة ليزيد قال له : أمهلني هذه الليلة لأبايع صبح غد (٧). فقال الوليد : مثلي ومثلك كما قال الله تعالى : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (٨). فلما جنّ (٩) الليل ، هرب عبد الله إلى مكة.

وكان (١٠) أهل مكة قد بايعوا عليا. ثم أخذ منهم بسر بن أرطأة (١١) البيعة لمعاوية ، فأنفذ إليهم علي من الكوفة حارثة بن قدامة (١٢) فلما دخل مكة واستقبله الناس ، وبخهم

__________________

(١) في الأصل : (لقي).

(٢) المختار بن أبي عبيد الثقفي ثار بعد مقتل الحسين ، وملك الكوفة ، وقاتله الحجاج وقتل سنة ٦٧ ه‍. انظر تاريخ الطبري ٧ / ١٦١.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) في الأصل : (فجرة فجرة).

(٥) ص : ٨٨.

(٦) الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب الأموي أمير من رجالات بني أمية ولي المدينة سنة ٥٧ ه‍ أيام معاوية وعزله يزيد سنة ٦٠ توفي نحو ٦٤ ه‍. انظر نسب قريش : ١٣٣ ، ٤٣٣.

(٧) في الأصل : (غدا).

(٨) هود : ٨١.

(٩) في الأصل : (اجن).

(١٠) في الأصل : (وقال).

(١١) وفي الأصل : (بشر أرطأة) والصواب ما هو مثبت. واسمه عمر بن عويمر بن عمران القرشي. روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى عنه جماعة. سكن دمشق وشهد صفين مع معاوية. توفي أيام الوليد بن عبد الملك سنة ٨٦ ه‍. انظر تهذيب التهذيب ١ / ٤٣٦.

(١٢) حارثة بن قدامة السعدي من أصحاب الإمام علي بعثه في طلب بسر بن أرطأة حين قتل بسر عبد الله وقثم ابني عبيد الله بن عباس ، فخرج حارثة مسرعا. وبعد مقتل علي دعا أهل المدينة إلى البيعة للحسن فبايعوا. انظر : الأغاني : ١٦ / ٢٧١.

٢٠٥

وقال لهم : أخاف أن تكونوا من الذين (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (١).

لما عرض معاوية بابن عباس بطول اللحية. تلا ابن عباس : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) (٢).

قال رجل لمعاوية : قد بايعتك ، وأنا كاره.

فقال : قد جعل الله في الكره خيرا كثيرا (٣).

ولما بلغ معاوية قول أبي الأسود الدؤلي (٤) :

بنو عم النبي وأقربوه

أحبّ الناس كلّهم إليّا (٥)

فإن يك حبهم رشدا (أصبه) (٧)

وفيهم أسوة إن كان غيا (٦)

ذكر الحسن البصري معاوية فقال :

قاتله الله من شيخ أدرد (٨) نعق بأقوام (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (٩).

__________________

(١) البقرة : ١٤.

(٢) الأعراف : ٥٨.

(٣) يريد قوله تعالى : (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء : ١٩.

(٤) أبو الأسود هو ظالم بن عمرو بن سفيان. قيل إنه أول من وضع علم النحو وأنه أخذه عن الإمام علي بن أبي طالب. انظر : طبقات النحويين ١٣ : فما بعدها ، مراتب النحويين ١٠ طبقات ابن خياط : ١٩١.

(٥) في الأصل : (إلينا). والبيتان في ديوانه : ١٧٧. وذكر فيه أن أبا الأسود كان جارا لبني قشير وكانوا أصهاره. وكان بعضهم يكلمه كثيرا ويرد عليه في حبه علي بن أبي طالب فقال أبو الأسود .. الأبيات ومطلع القصيدة :

يقول الأرذلون بنو قشير

طوال الدهر لا تنسى عليا

(٦) سقطت الكلمة من المخطوط وقد أثبتناها من رواية الديوان ، وواضح أنه سقط من نص المخطوط بقية الخبر.

(٧) يبدو أن هناك تكملة ساقطة من أصل المخطوط تتعلق بجواب معاوية لأبي الأسود.

(٨) في الأصل : (ادره).

(٩) هود : ٩٨.

٢٠٦

وكان ابن عباس إذا قرأ : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) (١). قال : أنا من القليل.

٢ ـ ١٠٧ ـ ٣ وكان يقول : لا يحل شري المغنيات (٢) ، ولا بيعهن ، ولا التجارة في أثمانهن. ثم يتلو : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٣).

لما قدم عروة بن الزبير (٤) من الشام (٥). وقد أصيب في سفره برجله وابنه محمد (٦) ترك في محله فقال : (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) (٧).

أصبح ابن عباس ذات يوم مهموما فسئل عن ذلك فقال : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨). وقد رأيت البارحة كأن أبا قبيس (٩) صار دخانا. ثم طار قطعا وفيه الصفا (١٠) وهو ركن من أركان الإسلام. فما أوّلت ذلك إلا بوفاة أمير المؤمنين علي. فما لبث أن ورد نعيه.

__________________

(١) الكهف : ٢٢.

(٢) في الأصل : (المقنات).

(٣) لقمان : ٦.

(٤) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب. أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق ، ويكنى أبا عبد الله توفي سنة ثلاث وتسعين. الطبقات لابن خياط ٢٤١ ، نسب قريش : ٢٤٣.

(٥) في التعازي للمدائني : ٤٤ أن عروة بن الزبير قدم على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد بن عروة ، فدخل محمد دار الدواب ، فضربته دابة ، فخر وحمل ميتا ، ووقع في رجل عروة الأكلة ، ولم يدع ورده تلك الليلة. فقال له الوليد : اقطعها وإلا أفسدت عليك سائر جسدك فقطعت بالمنشار وهو شيخ كبير ولم يمسكه أحد فقال : (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً).

(٦) في الأصل : (محمدا).

(٧) الكهف : ٦٢.

(٨) البقرة : ٣٠.

(٩) أبو قبيس : جبل مشرف على الحرم المكي. انظر معجم البلدان : ٤ / ٣٤.

(١٠) الصفا : جبل بين بطحاء مكة والمسجد ، وهو يكوّن المكان المرتفع من جبل أبي قبيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي. انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٩٧.

٢٠٧
٢٠٨

الباب الخامس

في

ذكر الأنبياء عليهم‌السلام وغيرهم ممن نطق

القرآن بأخبارهم ، وما اقتبس الناس من فنون

أغراضهم من قصصهم وتمثلوا به من أحوالهم

٢٠٩
٢١٠

الباب الخامس

ذكر الأنبياء عليهم‌السلام وغيرهم ممن نطق القرآن بأخبارهم ، وما اقتبس الناس من فنون أغراضهم من قصصهم وتمثلوا به من أحوالهم.

فصل

في الاقتباس من قصة آدم عليه‌السلام

كان لآل عياش (بن) (١) أبي ربيعة عبد صالح يسمى زيادا (٢). فطلبه عمر بن عبد العزيز فأعتقه (٣). فقال : يا رب قد رزقتني العتق الأصغر في هذه الدنيا فلا تحرمني العتق الأكبر في الدار الآخرة.

ثم قدم على عمر لما ولي الخلافة فقال له عمر : يا زياد ، (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (٤). فقال : يا أمير المؤمنين إني لا أخاف عليك أن تخاف ، ولكني أخاف أن لا تخاف ، ولقد علمت أن آدم أذنب ذنبا واحدا فأخرج من الجنة وشقق الكتب (٥) ، وصيح به في الأمم : وعصى آدم ربه فغوى (٦). فالنجا ، النجا (٧).

__________________

(١) في الأصل : (عياش أبي ربيعة) والصواب ما اثبتناه وهو أخو أبي جهل بن هشام لأمه. قيل إن إسلامه كان قديما وهاجر إلى الحبشة مع المستضعفين. قتل في اليرموك. انظر الاستيعاب ٣ / ١٢٣٢ ، وانظر أيضا جمهرة نسب العرب : ٢٣٠.

(٢) في الأصل : (زياد).

(٣) في الأصل : (فاعتقده).

(٤) الأنعام : ١٥.

(٥) كذا في الأصل.

(٦) من قوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) طه : ١٢١.

(٧) في الأصل : (النخا النخا).

٢١١

وهذا المعنى أراد محمود بن الحسين الوراق (١) قال :

يا ساهرا يرنو بعيني راقد (٢)

ومشاهدا للأمر غير مشاهد

تصل الذنوب إلى الذنوب (٤) وترتجي

درك الجنان بها وخوف (٣) العابد

أنسيت أن الله أخرج آدما

منها إلى الدنيا بذنب واحد

قال أبو أمامة (٥) : لا شك في أن آدم كان أعقل من جميع أولاده. والله تعالى يقول :

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٦).

وقال أبو تمام :

لا تنسين تلك العهود فإنما

سميت إنسانا لأنك ناسي (٧)

وأنشدني أبو الفتح علي بن محمد البستي (٨) :

__________________

(١) محمود بن الحسن الوراق شاعر أكثر شعره في الحكم توفي نحو سنة ٢٣٠ ه‍. انظر طبقات الشعراء ٣٦٧ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٨٧ ، البيتان في مجموع شعره : ٦١ ورواية البيت الأول في القسم الثاني من الاقتباس : (ومشاهد).

(٢) في الأصل : (يربو ـ راقدي) وفي العقد الفريد (يا غافلا ترنو ..).

(٣) في الأصل : (تصل الذنوب وترتجي) وروايته في العقد الفريد ٣ / ١٧٩ وأحسن ما سمعت : ٢٥ :

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي

درك الجنان بها وفوز العابد

(٤) الأصل : (وقوف).

(٥) أبو أمامة صدى بن عجلان بن وهب من أهل الشام مات سنة ٨٦ ه‍. انظر طبقات ابن خياط : ٤٦.

(٦) طه : ١١٥.

(٧) البيت في ديوانه ٢ / ٥٧٠ من قصيدة يمدح بها أبو تمام أحمد بن المعتصم ومطلعها :

ما في وقوفك ساعة من باس

تقضى ذمام الأربع الأدراس

(٨) البيتان في ديوانه ص ٤٣.

٢١٢

يا أكثر الناس إحسانا إلى الناس

وأعظم الناس إغضاء عن الناس (١)

نسيت وعدك والنسيان مغتفر (٢)

فاغفر فأول ناس أول الناس

قال المأمون ليلة ليحيى بن أكثم (٣) ، وهو يريد الانصراف : بكر غدا (٤) للمساعدة على الهريسة. فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا والصبح كفرسي رهان. فلما أصبح ركب إلى دار المأمون مغلّسا (٥). فحين أخذ مجلسه بحضرته جاء الطباخ ووقف. فقال المأمون : يا يحيى أتعلم ما يعني؟ قال : لا ، يا أمير المؤمنين. قال : يعني أنه (٦) نسي من اتخاذ الهريسة بما أمرناه. فقال يحيى : لا جرم إنه يعامل بما عومل به آدم حين أخرج من الجنة (٧) ، وعوقب.

قال بعض السلف : الحسد أول ذنب عصى الله به في السماء والأرض ، أما في السماء فحسد إبليس لآدم حين امتنع عن السجود (٨) له ، وأما في الأرض فحسد ابن آدم أخاه لما قبل منه القربان (٩) حتى قتله (١٠).

__________________

(١) روايته في الأصل : (يا أكثر إحسانا إلى الناس).

(٢) في الأصل : (مفتقر).

(٣) يحيى بن أكثم كان قاضيا ومن كبار الفقهاء. روى عن سفيان بن عيينة ، وحدث عنه الترمذي. انظر ميزان الاعتدال ١ / ١٧٤ ، طبقات الحنابلة ١ / ٤١٠.

(٤) في الأصل : (عدا).

(٥) في الأصل : (مغلسا) والمغلس من الغلس وهو ظلمة آخر الليل. لسان العرب (غلس).

(٦) في الأصل : (لاته).

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) البقرة : ٣٦.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ) الحجر : ٣٣ وقوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) الإسراء : ٦١.

(٩) إشارة إلى قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المائدة : ٢٧.

(١٠) سيرد الخبر مرة أخرى في فصل الحسد.

٢١٣

جلس قاض في مسجد من مساجد مصر فيه ثور بن يزيد (١). فلما أخذ القاضي في (قراءة) (٢) القرآن انتهى إلى آية سجدة ، فسجد وسجد القوم فلما رفع رأسه إذا ثور لم يسجد ، فقرأ القاضي : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) (٣) (أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٤). فهرب ثور ولم يعد إلى ذلك المسجد.

وقيل : إن أول من ذكر معنى قولهم : (النار ولا العار) إبليس. فقد حكى الله تعالى عنه (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٥).

وأخذ في طريقه (٦) رافع بن الليث بن نصر بن سيار (٧) حيث قال :

النار (٨) لا العار فكن سيدا

فرّ من العار إلى النار

وتلك أخلاق كنانية (٩)

خص بها نصر بن سيار

فهن (١٠) في ليث وفي رافع (١١)

تراث جبار لجبار

__________________

(١) ثور بن يزيد الكلاعي يكنى أبا خالد أحد الحفاظ. كان صحيح الحديث. توفي سنة ١٣٥ ه‍ ميزان الاعتدال ١ / ١٧٤.

(٢) في الأصل : (القاضي) وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل.

(٣) في الأصل : (أبا).

(٤) الحجر : ٣٠ ، ٣١.

(٥) الإسراء : ٦١.

(٦) في الأصل : (بعضهم في طريقة).

(٧) في الأصل : (ابن سيال) والصواب ما أثبتناه وهو رافع بن الليث بن نصر بن سيار ثار زمن الرشيد ودعا إلى نفسه وانتدب لقتاله هرثمة فقيل إنه قتل سنة ١٩٤ ، ١٩٥ ه‍. انظر تاريخ الطبري ٦ / ٥٠٨ مطبعة الاستقامة. الأبيات في حماسة الظرفاء ١ / ٢٠ مع بيتين.

(٨) في الأصل : (لا النار لا العار فكن سيدا).

(٩) في الأصل : (نكاية فشت بينهم) والتصويب في حماسة الظرفاء.

(١٠) في الأصل : (فهو).

(١١) في الأصل : (نافع) والصواب : رافع ، وهو المشار إليه أعلاه.

٢١٤

وقال بعض العلماء : إياكم والقياس فإن أول من قاس إبليس حيث قال : (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١).

وسئل بعض السلف عن شر (٢) المكاسب قال : كسب الدلالين لأنهم أكذب الناس ، ولا تتمشى (٣) أمورهم إلّا بالكذب. فأول من دلّ إبليس حيث قال لآدم : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) (٤).

لما أنشد مسمع بن عاصم (٥) قول أبي (٦) نواس :

عجبت من إبليس في كبره

وخبث ما أظهر من نيته (٧)

تاه (٩) على آدم في سجدة

وصار قوادا (٨) لذريته

قال : وأبيك لقد ذهب (١٠) مذهبا.

__________________

(١) الأعراف : ١٢.

(٢) في الأصل : (شراء).

(٣) في الأصل : (يتمشى).

(٤) طه : ١٢٠.

(٥) مسمع بن عاصم ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ١٧٠ ط. السعادة له رواية في الحديث وقيل إنه لا يتابع على حديثه.

(٦) في الأصل : (أبا).

(٧) البيتان في ديوان أبي نواس ط. الغزالي : ٣١٥ وأحسن ما سمعت : ٢٦ ورواية البيت الأول في الديوان عجبت من إبليس في تيهه وروايته في أحسن ما سمعت :

عجبت من إبليس في لعنته

وخبث ما أظهر من نيته

(٨) في الأصل : (تاه عن).

(٩) في الأصل : (قوادا) والتصويب من الديوان.

(١٠) في الأصل : (اذهب).

٢١٥

لما مات جعفر بن محمد (١). قال أبو حنيفة لشيطان (٢) الطاق : مات إمامك (٣) فقال : لكن إمامك من (المنظرين) (٤) إلى يوم الوقت المعلوم (٥).

بلغ أبا عبد الله بن الجماز (أن) الفضل بن إسحاق (٦) نعاه فقال :

زعم الفضل بأني (٨)

قد نعاني الناعيان (٧)

نعياني (١٠) قبل وقتي

بدهور وزمان (٩)

أنا والشيخ (١١)

(و) إبليس جميعا منظران

حكى المعروف بجراب الدولة (١٢) في كتابه المنسوب إليه قال : كان لي غلام اطلعت منه على خيانة في سعيه (١٣) خبر الوظيفة ، فقرعته ووبخته (١٤). فقال لي : ألا تستح أن تتكلم

__________________

(١) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الهاشمي العلوي المعروف بالصادق أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر روى عن أبيه ومحمد بن المنكدر ، وعطاء وعروة. وروى عنه خلق كثير. تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٣.

(٢) شيطان الطاق هو محمد بن علي بن النعمان البجلي بالولاء نسب إلى سوق في طاق المحامل بالكوفة كان يجلس للصرف به.

(٣) في العقد الفريد إن هذه الحادثة عند المهدي وإنه لما سمع كلام شيطان الطاق ضحك من قوله وأمر له بعشرة آلاف ج ٤ / ٤٢. والخبر في المزاح الثقيل ولعله موضوع.

(٤) في الأصل : (المنظر).

(٥) من قوله تعالى في سورة الحجر : ٣٤ ـ ٣٧ في إبليس حين أبى أن يسجد وطرده الله تعالى من الجنة (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ).

(٦) الفضل بن إسحاق أبو العباس المعروف بالبزاز روى عنه أبو أحمد بن عبدوس السراج وعبد الله بن أحمد بن حنبل غيرهما. ووصف بأنه ثقة مأمون. انظر تاريخ بغداد ١٢ / ٣٦١.

(٧) في الأصل : (ثاني).

(٨) في الأصل : (الناعياني).

(٩) في الأصل : (يعياني).

(١٠) في الأصل : (بدهوز زماني).

(١١) في الأصل : (أنا والشيخ إبليس) وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل.

(١٢) جراب الدولة واسمه أحمد بن محمد بن علوجة السجزي يكنى أبا العباس. كان طنبوريا وأحد الظرفاء المعروفين. وله كتاب في النوادر والمضاحك في سائر الفنون والنوادر. ذكره ابن النديم : ٢٢٥ في الفهرست. وفي الأصل : (المروف بجراب).

(١٣) في الأصل : (سعة).

(١٤) في الأصل : (وويحته).

٢١٦

في الخبر. فقلت : إن الله أخرج آدم وحواء من الجنة بسبب الخبر ، أفلا أخاصمك فيه. فخرس ، وترك عادته.

سمعت بعض المشايخ (يقول) (١) لما صرف أبو علي الحسن بن محمد البغدادي عن عمل البريد بإيلاق (٢) وأتى) (٣) بأبي محمد بن مطران الشاشي (٤) الشاعر التقيا في طريقهما ، وجمعتهما (٥) بعض المنازل. وهذا وارد (٦) وهذا صادر. فتحادثا ، وتذاكرا ، وتمازحا وتمالحا. فقال أبو علي لأبي محمد : جعل الله مقامك بإيلاق مدة حمل عرش (٧) بلقيس. وقال أبو محمد : وجعل مقامك (في) الحضرة نظرة إبليس. عنى أبو علي قول الله تعالى حكاية عن آصف (٨) (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (٩) وعنى أبو محمد (١٠) قوله تعالى إبليس : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ) (١١) (الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (١٢).

__________________

(١) في الأصل : (بقوله).

(٢) إيلاق مدينة من بلاد الشاش المتصلة ببلاد الترك على عشرة فراسخ من مدينة الشاش. ياقوت ، معجم البلدان ١ / ٤٢١.

(٣) في الأصل : (وولى) وإن كانت كذلك وجب أن يكون ما بعدها أبو محمد.

(٤) في الأصل : (باب محمد المطرابي الشاش) والصواب ابن مطران شاعر مشهور من بلاد مما وراء النهر. كان الصاحب معجبا بشعره. انظر : يتيمة الدهر ٤ / ١١٤ فما بعدها.

(٥) في الأصل : (وجمعهما).

(٦) في الأصل : (أورد).

(٧) في الأصل : (العرش).

(٨) آصف : قيل إنه كاتب سليمان صلوات الله عليه دعا بالاسم الأعظم فرأى سليمان العرش مستقرا عنده. عن القاموس المحيط (أصف).

(٩) النمل : ٤٠.

(١٠) في الأصل : (أبى).

(١١) في الأصل : (يوما).

(١٢) الحجر : ٣٧ ، ٣٨.

٢١٧

فصل

في ذكر قصة نوح عليه‌السلام

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عترتي (١) كسفينة نوح من ركب فيها نجا. ومن تأخر عنها (٢) هلك».

ويروى أن نوحا عليه‌السلام كان يحمد الله إذا أكل ، وإذا شرب ، وإذا لبس ، وإذا نام. فأثنى عليه عند ذكره فقال : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (٣).

قال الصولي في كتاب الوزراء (٤) :

كان أول ما ارتفع به أمر (٥) أحمد بن يوسف أن المخلوع لما قتل ، أمر طاهر بن الحسين الكتاب أن يكتبوا بذلك إلى المأمون. فأطالوا فقال طاهر : أريد أحسن من هذا كله.

وأوجزه (٦). فوصف له أحمد بن يوسف فأمر بإحضاره. فحضر. وكتب (٧) :

أما بعد ، فإن المخلوع وإن كان قسيم أمير (٨) المؤمنين في النسب واللحمة (٩). فقد فرق كتاب الله بينهما (١٠) في الولاية والحرمة ، فيما اقتص علينا من نبأ نوح (١١) عليه‌السلام

__________________

(١) في ثمار القلوب ص ٢٩ : إن عترتي ، والحديث أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك ج ٣ / ١٥١ بلفظ (ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) ، ورواه الخطيب البغدادي ج ١٢ / ٩١ وأخرجه بمصادره الأميني في الغدير ج ٢ / ٣٠١.

(٢) في الأصل : (منها).

(٣) الإسراء : ٣.

(٤) الخبر في الوزراء والكتاب : الجهشياري : ٣٠٤ ، ونقله الثعالبي أيضا في أحسن ما سمعت : ٢٦.

(٥) في الأصل : (آجر).

(٦) في الأصل : (وأوجزوا).

(٧) في الوزراء والكتاب عن علي بن أبي سعيد أنه رأى محمد وقد أدخله ذو الرياستين على ترس بيده إلى المأمون فلما رآه سجد ثم أمره المأمون أن ينشئ كتابا عن طاهر بخبره ليقرأه على الناس فكتب عدة كتب لم يرضها ، واستطالها فكتب أحمد بن يوسف في ذلك كتابا.

(٨) في الأصل : (قسم).

(٩) اللحمة : القرابة.

(١٠) في الوزراء والكتاب : فقد فرق حكم الكتاب والسنة بينه وبينه.

(١١) في الوزراء ، فيما اقتص عليه من نبأ نوح.

٢١٨

وابنه حيث قال : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (١) ولا صلة لأحد في معصية (٢) الله ، ولا قطعية ما كانت في ذات الله.

وكتب إلى أمير المؤمنين : وقد قتل الله المخلوع وردأه ردء نكثه ووصلت (٣) لأمير (٤) المؤمنين الدنيا والآخرة ، أما الدنيا ففي (٥) رأس المخلوع. وأما الآخرة : فالبردة (٦) والقضيب والحمد لله الآخذ له ممن خان عهده ، ونكث عقده. حتى رد لأمير المؤمنين الألفة وأقام به الشريعة.

فرضي طاهر بذلك وأنفذه ، ووصل أحمد بن يوسف ، وعلا قدره ، حتى استوزره المأمون (٧).

وقرأت في كتاب التاجي لأبي إسحاق الصابي (٨) فصلا في هذا المعنى استحسنته جدا (٩) وهو (في ذكر من أفسد وجار) (١٠) : قد نطق الكتاب ببراءة نوح [من] (١١) ولده ،

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل والقول إشارة إلى قوله تعالى في سورة هود : ٤٦.

(٢) في الوزراء والكتاب : ولا قطيعة ما كانت القطيعة في ذات الله.

(٣) من هنا تختلف رواية الثعالبي عن رواية الوزراء والكتاب إذ ورد فيه : واحصد لأمير المؤمنين أمره ، وأنجز له ما كان ينتظره من وعده ، فالحمد لله الراجع إلى أمير المؤمنين معلوم حقه ، الكائد له من ختر عهده ، ونقض عقده. حتى ردّ الله به الألفة بعد فرقتها ، وأحيا به الأعلام بعد دروسها ، وجمع به الأمة بعد فرقتها والسلام. وانظر الطبري ١٠ / ٢١٤ ، معجم الأدباء ٥ / ١٦٧ ، زهر الآداب ٢ / ٣٨.

(٤) في الأصل : (إلى).

(٥) في الأصل : (في).

(٦) البردة والقضيب من شارات الخلافة. والبردة هي بردة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي كان الخلفاء يلبسونها بالأعياد وعند توليهم الخلافة.

والقضيب عود كان للنبي يأخذه بيده ، وهو من تركاته وهو ثالث علامات الخلافة. فإذا تولى الخليفة جاءوه بالبردة والخاتم والقضيب. انظر : شرح الأستاذ ميخائيل عواد في تحقيقه لرسوم دار الخلافة : ٨١.

(٧) في الوزراء والكتاب ٣٠٤ فلما عرض النسخة على ذي الرياستين رجع نظره فيها. قال لأحمد بن يوسف : ما أنصفناك وأمر بصلات وكسى وكراع وغير ذلك. وقال له : إذا كان غدا فاقعد في الديوان وليقعد جميع الكتاب بين يديك. واكتب إلى الآفاق.

(٨) في الأصل : (الصاني).

(٩) في الأصل : (جيدا).

(١٠) في الأصل : (في ذكر من أفسر وبجار).

(١١) ما بين القوسين ليس في الأصل والقول إشارة إلى قوله تعالى في سورة هود : ٤٦.

٢١٩

وإبراهيم عليه‌السلام (من) (١) والده. ورأينا صاحب الشريعة صلوات الله عليه وصل أرحام أهله ، وقطعها بالحق. وسنّ (٢) ذلك لمن بعده من هذا الخلق. ولم يكن بجبار بقربة مولانا الملك رحما ، ولا ألصق به نسبا ، ولا أيسر عنده ذنبا ، ولا أخف جريرة ، وجرما من نوح إلى ابنه (٣) ، ومن إبراهيم إلى أبيه ، ومن أبي لهب وهو العم غير مرفوع ، وصنو الأب غير ممنوع. فما حميتهم عروق الوشيجة (٤) بينهم وبين الأنبياء المقربين من الأفعال الذميمة. ثم لم يرض الله تعالى ذكره بأن يجعل هذه القطيعة واجبة مع الخلاف في الدين حتى أوجبها مع العداوة بين الأقارب من المؤمنين فأعلمهم نصا أن من أزواجهم وأولادهم عدوا لهم (٥) فأمرهم وحذرهم من شره ، وشحنائه.

ونسب (٦) لأبي الحسين المرادي (٧) في الأمير نوح الأكبر (٨) رحمه‌الله لما رجع من بخارى بعد إنجازه منها إلى سمرقند :

إن كنت نوحا فقد لاقيت كفّارا

فلا تذر منهم في الأرض ديارا (٩)

فإن تذرهم يضلوا ثم لا يلدوا

إلّا ـ بربك ـ كفارا وفجارا (١٠)

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل والقول إشارة إلى قوله تعالى في سورة الممتحنة : ٤.

(٢) في الأصل : (وشنّ).

(٣) في الأصل : (أبيه).

(٤) في الأصل : (الرشيحة) والوشيجة هي الرحم والقرابة.

(٥) نص الآية الكريمة : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) التغابن : ١٤.

(٦) في الأصل : (أنسيت).

(٧) في الأصل : (الحسن) والصواب أبو الحسن وهو محمد بن محمد المرادي شاعر من شعراء بخارى. ترجم له الثعالبي في يتيمة الدهر ٤ / ٧٤ : ٧٦.

(٨) نوح الأكبر هو نوح بن نصر بن أحمد الساماني أبو محمد أمير. كان صاحب ماوراء النهر ، وليها بعد وفاة أبيه سنة ٣٣١ ه‍.

وأقام ببخارى توفي نحو ٣٤٣ ه‍. انظر : اللباب ١ / ٥٢٣ ، وانظر أيضا : طبقات سلاطين الإسلام : ١٢٨.

(٩) البيت إشارة إلى قوله تعالى في سورة نوح : ٢٦ (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً).

وديار : أي أحد. انظر : الصحاح (دور) ، لسان العرب (دور) وأصل رواية البيت إذ كنت.

(١٠) البيت إشارة إلى تتمة الآية السابقة (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).

٢٢٠