الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

«ألا إن التوبة مقبولة ، إلا أن يتعرض (١) الإنسان بنفسه» ثم تلا (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه حتى يعرب عنه لسانه ، فإما شاكرا ، وإما كفورا» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«احفظ الله يحفظك ، وتعرّف إليه في الرخاء يعرفك بالشدة. وإذا سألت فاسأل الله. فإن الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه (٤) ، وإذا استعنت فاستعن بالله. فإن اليقين مع الصبر (٥) ، وإن مع العسر يسرا (٦)».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إنما مثلي ومثل الناس كرجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل (٧) الفراش يتهافت فيها ، وجعل ينتزعهن عنها ، ويحول بينها وبينها ، فها أنا أبعدهم (٨) عن النار وهم يقتحمون فيها» (٩).

__________________

(١) يتعرض من التعريض وهو خلاف التصريح ، ويقال عرض الكاتب إذا كتب مثبجا ولم يبين ويجوز أن يكون معناها يتعرض الإنسان أي يتظاهر بالتوبة ويبدي غير ما يظهر. الصحاح (عرض).

(٢) النساء : ١٧.

(٣) الحديث في موطأ مالك ١ / ٢٤١ برواية أخرى هي : (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تناتج الإبل في بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء قالوا : يا رسول الله ، أرأيت الذي يموت وهو صغير؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين».

(٤) من قوله تعالى في البقرة : ١٨٦.

(٥) الحديث في مسند الإمام أحمد ١ / ٣٠٧ «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك ، وتعرّف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله».

(٦) من سورة الانشراح : ٦.

(٧) في الأصل : «أضاءت .. حول ...»

(٨) في الأصل : أخذهم.

(٩) الحديث في مسند الإمام أحمد ٣ / ٣٩٢ برواية أخرى وهي : مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها ، وهو يذهبن عنها ، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي.

١٤١

ويروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا رأى (١) عليا رضي الله عنه بعد غزوة مؤتة يقول : «اللهم إنك أثكلتني بعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب (٢) يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، وجعفر يوم مؤتة وهذا علي ف (لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) (٣).

ومن دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«اللهم اجمع على الهدى أمرنا ، وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سواء السبيل (٤) ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، واصرف عنا (الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) (٥) ، (وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٦).

__________________

(١) في الأصل : (أعرى).

(٢) في الأصل : «يزيد بن الحارث بن عبد المطلب» والصواب ما هو مثبت أعلاه وهو عبيدة بن الحارث بن المطلب من أبطال قريش في الجاهلية والإسلام أسلم قبل أن يدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دار الأرقم وعقد له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثاني لواء عقده بعد أن قدم المدينة وقتل في معركة بدر سنة ٢ ه‍. انظر سيرة ابن هشام ٢ / ٦٢٥.

(٣) الأنبياء : ٨٩.

(٤) في الأصل : «واهدانا سوا».

(٥) من قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) الأعراف : ٣٣.

(٦) من قوله تعالى : (وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة : ١٢٨.

١٤٢

الباب الثالث

في

ذكر العترة الزكية ، والشجرة النبوية ، وإيراد نبذ

من فضائلهم وآثارهم وقطعة من فقر أخبارهم ،

وغرر ألفاظهم

١٤٣
١٤٤

الباب الثالث

في ذكر العترة الزكية رضي الله عنهم ونبذ من فضائلهم ، وقطعة من فقر أخبارهم وغرر ألفاظهم.

فصل

في ذكر طرفهم وشرفهم ومجدهم

قال الله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (١) وقال تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢). وقال عزوجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أهل بيتي كسفينة نوح عليه‌السلام من ركب فيها نجا ، ومن تأخر عنها هلك (٤)».

ابن عباس في قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٥) ، قال : علي وأولاده لهم مودة في قلوب المؤمنين.

يروى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينما هو يخطب إذ أقبل (٦) الحسن والحسين رضي الله عنهما يعثران (٧) في أثوابهما. فنزل عن المنبر ، واحتضنهما (٨) ثم قال : «صدق الله (أَنَّما أَمْوالُكُمْ

__________________

(١) الزخرف : ٤٤.

(٢) الشعراء : ٢١٤.

(٣) الشورى : ٢٣. وانظر : تفسيرها في تفسير الطبري ٢٥ / ٢٢ ، ٢٣.

(٤) ذكر أيضا في ثمار القلوب : ٢٩ ، ووضعه الألباني ضمن سلسلة الأحاديث الضعيفة ١٠ / ٤.

(٥) مريم : ٩٦.

(٦) في الأصل : (إذا قيل).

(٧) في الأصل : (بعثران).

(٨) في الأصل : (واختصهما).

١٤٥

وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (١) ، والله ما صبرت إذ رأيتهما حتى نزلت إليهما».

لما توفى الحسن (٢) رضي الله عنه قام محمد بن الحنفية (٣) على قبره وقد اغرورقت عيناه فقال : روح وريحان وجنة نعيم لك يا (أبا) (٤) محمد. ولا غرو ، وأنت سليل (٥) النبوة ، وربيب الرسالة ، ورضيع لبان الحكمة ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة.

ولما قتل (٦) الحسين صلوات الله عليه أتى قوم الربيع بن خثيم (٧) فقالوا (٨) : والله لنستخرجن منه كلاما. فقالوا له : قد قتل الحسين ، فما أجابهم إلا بدموعه وقال : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٩).

وكان عثمان بن حيان المري (١٠) على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك فأساء بعبد الله والحسن ابني الحسين إساءة عظيمة ، فلما عزل أتياه فقالا له : ألا تنظر ما كان بيننا ، فإن العزل قد محاه كله ، فكلّفنا (١١) أمرك ، وابتسط إلينا في حوائجك ، فلجأ إليهما عثمان ، فبلغا له

__________________

(١) التغابن : ١٥.

(٢) في الأصل : (الحسين) والصواب : الحسن وهو ابن علي عليهما‌السلام والرواية في تذكرة الخواص : ٢٢٤ وفيها رحمك الله يا أبا محمد لئن عزت حياتك لقد هدّت وفاتك ، ولنعم الروح روح عمّر به بدنك ، ولنعم البدن تضمّنه كفنك وكيف لا ، وأنت سليل الهدى ...».

(٣) في الأصل : «الحنيفية». وفي عيون الأخبار ٢ / ٢١٤ : أن الحسين بن علي قال عند قبر أخيه الحسن عليهما‌السلام : رحمك الله يا أبا محمد إن كنت لتناصر الحق مضانه ، وتؤثر الله عند تداحض الباطل ، ولا غرو وأنت ابن سلالة النبوة ، ورضيع الحكمة ، فإلى روح وريحان وجنة نعيم. أعظم الله لنا ولك الأجر.

(٤) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل ، إذ أن الحسن بن علي يكنى أبا محمد ، انظر تذكرة الخواص : ٢٢٥.

(٥) في الأصل : (سليك).

(٦) في الأصل : (ولها قبل).

(٧) مرت ترجمته.

(٨) الخبر في طبقات ابن سعد ٦ / ١٣٢ وحلية الأولياء ٢ / ١١١ وفيهما أنه قال : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

(٩) البقرة : ١١٣.

(١٠) في الأصل : جبان والصواب : حيان كان واليا على المدينة سنة ٩٤ ه‍ وعزله سليمان سنة ٩٦ ه‍ انظر تاريخ الطبري ٨ / ٩٢ ـ ١٠٢.

(١١) في الأصل : «وكلفنا ... وابتسط إلينا في».

١٤٦

كل ما أراد ، فجعل عثمان يقول : (الله يعلم حيث يجعل رسالته) (١).

وكتب بعض البلغاء : ما أقول في قوم هم حجة الله على الورى ، وفيهم أنزل هل أتى (٢) و (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣).

فصل

في فقر من أخبارهم

انصرف علي بن الحسين رضي الله عنهما (٤) تعتاله العلة إلى الكوفة بعد المقتل (٥) وإذا نساء الكوفة متهتكات ، متسلبات للمصيبة ، والناس بين أنّة ورنّة (٦) فأومأت زينب ابنة علي رضي الله عنهما إلى الناس بالسكوت. فسكتت الأنفاس ، وهدأت الأجراس. ثم قالت (٧) :

__________________

(١) من قوله تعالى في الأنعام : ١٢٤ (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ).

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً). وذكر الواحدي في أسباب النزول ص ٢٥١ أن سبب نزول هذه الآية أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سقى ليلا وأخذ شعيرا أجرا على عمله هذا ، فلما قبضه وطحن ثلثه وجعلوا فيه شيئا ليأكلوا يقال له الخزيرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا له الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك فنزلت هذه الآية.

وهناك رواية أخرى لسبب نزول الآية في الكشاف ٤ / ١٧٤ تفسير البيضاوي ٧٧٥ وفيهما : أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أناس معه فقالوا له : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما رضي الله عنهم صوم ثلاثة أيام إن برئا فشفيا وما معهم شيء فاستقرض علي كرم الله وجهه من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص فوضعوه بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم مسكين فآثروه وباتوا لم يذوقوا شيئا .. الخ فنزلت الآية.

(٣) الشورى : ٢٣.

(٤) في الأصل : «يعتال الله» والصواب ما أثبتناه ومعناه خرج عليلا.

(٥) في الأصل : «المضل متسيلبات» ويقال سلبت المرأة إذا كانت محدة تلبس ثياب السواد.

(٦) في الأصل : (وربه).

(٧) في بلاغات النساء : ٢٥ أن الخطبة لأم كلثوم ابنة علي وليست للسيدة زينب وفي رواية الخطبة خلاف في بعض الألفاظ وزيادة ونقصان.

١٤٧

يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والختر (١) ، والمكر والغدر ، لا رأقت (٢) العبرة ، ولا هدأت الزفرة (٣) ، فإنما مثلكم (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً) (٤) (بَيْنَكُمْ) هل فيكم إلا ملق الإماء (٥) ، وغمز الأعداء ، كمرعى على دمنة (٦) وفضة ملحودة (٧) ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون (٨). فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا (٩) فقد بؤتم بعارها (١٠) ، وشنارها (١١).

قتل سليل الرسالة (١٢) ، وسيد شبيبة (١٣) أهل الجنة بين أظهركم ، تعسا ونكسا. فقد خاب السعى (١٤) وتبت الأيدي ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة (١٥).

__________________

(١) في الأصل : «في الخبر». والختر الغدر والخديعة ، وهو أقبح الغدر.

(٢) في الأصل : (لا ردأت). ورقأ الدمع إذا جف وسكن.

(٣) في بلاغات النساء : (ولا هدأت الرنة).

(٤) الدخل ما يدخل في الشيء وليس منه ، والقول من الآية ٩٣ من النحل.

(٥) في الأصل : (الإيماء). وأثبتنا نص بلاغات النساء وفيه أيضا ، ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف وملق الإماء.

(٦) في الأصل : (ذمنة). والدمنة ، آثار الديار بعد الرحيل عنها من بعر ورماد وغيرهما. وفي بلاغات النساء وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة.

(٧) في الأصل : (قصة كجلوده). وهو تحريف في النسخ. والملحودة المدفونة في لحدها تريد أنهم لا ينتفع بهم.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) المائدة : ٨٠. بعدها في بلاغات النساء ، أتبكون؟ أي والله فابكوا ، وإنكم والله أحرياء بالبكاء. فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا.

(٩) إشارة إلى قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) التوبة : ٨٢.

(١٠) في الأصل : (فقد بنم بغارها).

(١١) الشنار : أقبح العيب.

(١٢) في بلاغات النساء : لن ترحضوها يغسل بعدها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة .. ولها تتمة غير موجودة في رواية الثعالبي.

(١٣) في الأصل : (شبية).

(١٤) في الأصل : (حاب).

(١٥) إشارة إلى قوله تعالى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) البقرة : ٦١.

١٤٨

أتدرون ويلكم أيّ كبد لرسول الله فريتم (١) ، وأي دم له سكبتم (٢) ، وأي كريمة أصبتم. ولقد جئتم (٣) شيئا إدا (٤) (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) (٥) (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) (٦).

ولما كان يوم الطف خرجت زينب ابنة عقيل تندب قتلاها (٧) ، وتقول :

ما ذا تقولون إن قال النبيّ لكم

ما ذا صنعتم وأنتم آخر الأمم (٨)

في أهل بيتي وأولادي وتكرمتي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم (٩)

__________________

(١) فريتم : أي قطعتم وشققتم.

(٢) في الأصل : (سكنتم).

(٣) في الأصل : (جنم).

(٤) في الأصل : (إذا) والأدّ الأمر العظيم المنكر.

(٥) في الأصل : (ينفطر).

(٦) مريم : ٩٠.

(٧) في الطبري ٦ / ٢٢١ : أن نساء بني هاشم حملهم يزيد من الشام إلى المدينة ، فلما دخلوها خرجت امرأة من بني عبد المطلب ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها تلقاهم وهي تبكي وتقول الأبيات. وفي ج ٦ / ٢٦٨ أن ابنة عقيل بن أبي طالب خرجت حاسرة رأسها ، ومعها نساؤها وهي حاسرة تلوي بثوبها وتقول الأبيات.

(٨) في الأصل : (أجزاء).

(٩) في الأصل : ـ صرحوم بدم).

ورواية البيت في الطبري :

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

وبعده :

ما كان هذا جزائي أن نصحت لكم

إن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

وفي أمالي ابن الشجري : ١٦٨ :

بأهل بيتي وأنصاري وذريتي

منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

ما كان ذاك جزائي أن نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم

وفي رواية أخرى نسب البيتان إلى أبي الأسود الدؤلي. والرواية المثبتة أرجح ؛ فالشعر غير وارد في ديوان أبي الأسود ولم تنسبه المصادر إلا لزينب بنت عقيل.

١٤٩

فقال أبو الأسود الدؤلي (١) نقول (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢).

ولما ارتحلت سكينة ابنة الحسين رضي الله عنهما بعد مقتل زوجها مصعب بن الزبير (٣) عن الكوفة ارتفعت أصوات أهلها بالبكاء فقالت سكينة :

لا أحسن الله عليكم الخلافة ، من أهل بلد قتلوا جدي ، وأبي وزوجي فأيتموني (٤) صغيرة وأرملوني كبيرة (٥) ثم أنشأت تقول شعرا (٦) :

يبكون من قتلت سيوفهم

ظلما بكا متقطع القلب (٧)

كبكاء إخوة يوسف وهم

حسدا له ألقوه في الجبّ (٨)

فصل

في بعض ما قيل من الأشعار

قال السيد الحميري (٩) :

إن العباد تفرّقوا من واحد

فلأحمد السبق الذي هو أفضل

__________________

(١) في الأصل : (السود).

(٢) الأعراف : ٢٣.

(٣) مصعب بن الزبير بن العوام ، يكنى أبا عبد الله. ثار في العراق زمن الخليفة عبد الملك بن مروان قتل سنة اثنتين وسبعين.

انظر الطبقات : ٢٤١.

(٤) في الأصل : (وإني وزوجي وايتموني).

(٥) في الأغاني ١٦ / ١٥٨ ط دار الكتب : أن قوما من أهل الكوفة جاءوا يسلمون على سكينة فقالت لهم : الله يعلم أني أبغضكم ، قتلتم جدي عليا وأبي الحسين ، وأخي عليا وزوجي مصعب فبأي وجه .. أيتمتموني صغيرة وأرملتموني كبيرة.

(٦) في الأصل : (يقول).

(٧) البيتان في غرر السير ذكرهما الثعالبي على سبيل التمثيل. ورواية الشطر الثاني من البيت الأول : ظلما بكاء قوله الكلب.

(٨) روايته في غرر السير :

كبكاء إخوة يوسف وهم

ظلما له ألقوه في الجب

(٩) السيد الحميري هو إسماعيل بن محمد بن ربيعة بن مفرغ الحميري كان شاعرا ظريفا اشتهر بمديحه لأهل البيت. انظر طبقات الشعراء : ٣٢ فما بعدها.

١٥٠

أم من ينادي الناس حين يخصّه (٢)

بالوحي قم يا أيها المزمل (١)

وقال محمد بن منذر بن جارود :

وحسبي من الدنيا كفاف يقيمني

وأثواب كتان أزور بها قبري (٣)

وحبي ذوي قربى النبيّ محمد

فما سؤلنا إلا المودة من أجر (٤)

يعني قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٥).

وقال علي بن محمد الحمامي (٦) :

بأمركم يا آل أحمد أصبحت

قريش ولاة الأمر دون ذوي الذكر

إذا ما أناخت في ظلال بيوتها

أنختم ببيت الطّهر في محكم الذكر (٧)

يعني قوله تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٨).

أناس هم عدل القرآن ومألف

البيان وأصحاب المفاخر في بدر

ومازهم الجبار عنكم بخلة

يراها (ذوو) (٩) الأقدار يانعة القدر

وأعطاهم الخمس الذي فضلوا به

بآية (ذي) القربى على العسر واليسر

__________________

(١) في الأصل : (خصه) والبيتان غير موجودين في ديوانه.

(٢) إشارة إلى مطلع سورة المزمل : ١.

(٣) في الأصل : (قربى) وهو تحريف.

(٤) في الأصل : (فما سألنا إلا المودة من أجر).

(٥) الشورى : ٢٣.

(٦) ذكره الثعالبي في خاص الخاص : ١٢٧.

(٧) في الأصل : (أنختكم ببيت).

(٨) الأحزاب : ٣٣.

(٩) في الأصل : (ذوي).

١٥١

يعني قوله جل ذكره : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (١). وقال (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ) (٢). فخص بني هاشم قرباه دون بني فهر يعني قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٣).

إذا قلتم منا الرسول فقولنا

أتوا يا رسول الله فخرا على (٤) فخر

قال أبو هاشم الجعفري (٥) :

لي نفس أحبت الله في الله

حسينا ولا تحب يزيدا (٦)

يا ابن أكّالة الكبود لقد

أصبحت من لابسي الكساء كيودا (٧)

__________________

(١) الأنفال : ٤١. وفي الأصل : (خمسة ولذي القربى).

(٢) الشعراء : ٢١٤.

(٣) نفسها.

(٤) في الأصل : (فخر).

(٥) هو محمد بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب شاعر مقل سكن الكوفة ، وله أشعار فيما جرى بين العباسين والطالبيين من نزاع حول الخلافة. انظر معجم الشعراء : ٣٨٢.

(٦) روايته في أمالي ابن الشجري : ١٨٦ :

لي نفس تحب في الله والله

حسينا ولا تحب يزيدا

وما بين القوسين زيادة في أمالي ابن الشجري.

(٧) روايته في أمالي ابن الشجري :

يا بن أكالة الكبود لقد أن

ضجت من لابس الكساء الكبودا

١٥٢

أي هول ركبت عذّبك الر

حمن في ناره عذابا شديدا (١)

لهف نفسي على يزيد وأشياع

يزيد ضلّوا ضلالا بعيدا (٢)

وقال بعضهم :

أيا قتيلا عليك

كان النبي المعزّى

قد أقرح الحزن قلبي

كأن في القلب وخزا (٣)

إذا ذكرت حسينا

ورأسه يوم حزّا

إلى اللعين يزيد

سارت به البرد جمزا (٤)

فظل ينكث منه

يديه ينهز (٥) نهزا

فسوف يصلى سعيرا (٦)

به يدور ويخزى

__________________

(١) روايته في الأصل : أي هول ركبت عذبك الله البره من. وهو خطأ أثبتناه مكانه رواية ابن الشجري. وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) آل عمران : ٥٦.

(٢) بعده في أمالي ابن الشجري : ١٨٦ :

يا أبا عبد الله يا بن رسول الل

ه يا أكرم البرية عودا

ليتني كنت يوم كنت فأمسي

معك في كربلاء قتيلا شهيدا

وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) النساء : ١٦.

(٣) أقرح بمعنى جرح ، والوخز الطعن بالرمح وغيره.

(٤) البرد جمع بريد. ذكر الخوارزمي في مفتاح العلوم : ٤٢ أصل كلمة البريد وأنها سمى بها البغل والرسول الذي يركبه سمى بريدا أيضا. والجمز ضرب من السير أشد في العنق.

(٥) في الأصل : (فضل ينكث منه يديه نهرا). ونهزه مثل نكزه أي ضربه ودفعه.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً) الانشقاق : ١٠ ـ ١٢.

١٥٣

فصل

في كلام لعلي والحسن وولده رضي الله عنهم

قال رضي الله عنه :

الفقيه كل الفقيه من لا يقنط الناس من رحمة الله (١) ، ولا يرخص لهم في معاصي الله ، ولا يؤمنهم مكر الله (٢) ، ولا ييؤسهم من روح الله (٣).

وقيل للحسن بن علي عليهم‌السلام ، فيك عظمة.

قال : كلا ، ولكن عزة. قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٤).

وتوجه يوما (٥) إلى دار معاوية فسأل عنه ، وعمن عنده. فقيل : هو جالس وعنده عمرو بن العاص (٦) ، والمغيرة (٧) ، وفلان ، وفلان. فقال : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٨).

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر : ٥٦. وقوله تعالى : (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) الزمر : ٥٣.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) الأعراف : ٩٩.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) يوسف : ٨٧.

(٤) في الأصل : (فلله) والآية من سورة المنافقون : ٨.

(٥) في الأصل : (يوم).

(٦) عمرو بن العاص بن وائل بن هشام أمه سلمى بنت النابغة من بني جيلان يكنى أبا عبد الله. مات بمصر يوم الفطر سنة اثنتين ويقال ثلاث وأربعين. الطبقات : ٢٦.

(٧) المغيرة بن شعبة بن عامر بن مسعود ، يكنى أبا عبد الله. ولي البصرة نحوا من ستين ، وشارك في الفتوح وولي الكوفة ، ومات بها سنة ٥٠ ه‍ انظر الطبقات : ٥٣.

(٨) النحل : ٢٦.

١٥٤

وقال عبد الله بن الحسن (١) لصديق له : أوصيك بتقوى الله ، فإنه جعل لمن اتقاه المخرج مما يكره ، والرزق من حيث لا يحتسب يعني قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٢).

لما قتل محمد بن عبد الله بن الحسن (٣) بعث المنصور برأسه إلى أبيه ، وهو في جيشه ، فلما وضع بين يديه قال :

مرحبا ، وأهلا يا أبا القاسم ، أما والله ، لقد كنت من الذين قال الله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (٤) (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٥). ومن الذين قال جلّ جلاله (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) (٦). فرحمة الله عليك ، وعلى من معك (٧).

فصل

في كلام الحسين وولده رضي الله عنهم

جاء رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال :

أخبرني عن الناس ، وعن أشباه الناس ، وعن النسناس. فقال للحسين :

__________________

(١) عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام. وقد عده الجاحظ من خطباء بني هاشم وبلغائهم. انظر الطبقات : ٢٥٨ ، البيان والتبيين ٢ / ١٧٤ ، ٢٣٣.

(٢) الطلاق : ٢ ، ٣.

(٣) محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بالنفس الزكية. أمه هند بنت أبي عبيدة ابن عبد الله قتل سنة خمس وأربعين ومائة. الطبقات : ٢٦٩.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

(٥) الإنسان : ٧.

(٦) الرعد : ٢٠.

(٧) في الأصل : (معاك).

١٥٥

أجب عمك يا بني.

فأقبل عليه وقال : أما الناس فنحن. قال تعالى : (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) (١).

وأمّا أشباه الناس فمن والانا وأحبنا. قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه‌السلام : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (٢). وأما النسناس فهذا السواد. قال الله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) (٣). فقام علي وقبّل رأسه.

جرى بين الحسين وابن عباس كلام في ذكر يزيد وبني أمية. فقال الحسين : يا ابن عمي ، والله إنهم ليعدّن لي كما عدت اليهود في السبت (٤).

وكتب إليه عمرو (٥) بن سعيد بن العاص ينهاه عن الخلاف والشقاق. فكتب إليه :

(إنه لن يشاق من دعا الله إلى الله وعمل صالحا) (٦).

__________________

(١) البقرة : ١٩٩.

(٢) في الأصل : (فهو مني) والآية من سورة إبراهيم : ٣٦.

(٣) في الأصل : (إنهم كالأنعام) والآية من سورة الفرقان : ٤٤.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء : ١٥٤. (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً).

(٥) في الأصل : (سعيد بن العاص) والصواب عمرو بن العاص عامل يزيد على مكة الذي كتب إليه : (فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك وأن يهديك لما يرشدك ، بلغني أنك قد توجهت إلى العراق ، وإني أعيذك بالله من الشقاق ..) انظر جمهرة رسائل العرب ٢ / ٨٦.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء : ١٥٤. (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ). الحشر : ٤ وقوله تعالى : إشارة إلى قوله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً) فصلت : ٣٣.

١٥٦

فكتب إليه (١) : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢).

ورد عليه كتاب يزيد في الموعظة والتحذير فكتب إليه :

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٣).

ولما هرب من المدينة ، وواليها الوليد بن عتبة (٤) يطالبه بالبيعة ليزيد ، خرج يريد مكة (٥) ، وجعل يسير ، ويقرأ هذه الآية (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٦) ، فلما نظر إلى جبال مكة جعل يتلو : ف (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (٧).

وقال للحر بن يزيد (٨) وقد سار لمحاربته بأمر عبيد الله بن زياد :

__________________

(١) في الأصل : (وكتب).

(٢) يونس : ٤١.

(٣) يونس : ٤١.

(٤) في الأصل : (عقبة) والصواب : عتبة وهو الوليد بن عتبة بن أبي حرب الأموي ، أمير من رجالات بني أمية ولي المدينة سنة ٥٧ ه‍ ، وكتب إليه يزيد أن يأخذ البيعة من الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير ، فأخبرهما بما يريده يزيد فاستمهلاه إلى الصباح ، ثم خرجا ليلا ، فعزله يزيد سنة ٦٠ ه‍ وتوفي سنة ٦٤ ه‍. انظر نسب قريش : ١٣٣.

(٥) في الأصل : (خرج يزيد ملكه) وهو تحريف في النسخ.

(٦) القصص : ٢١.

(٧) نفسها : ٢٢.

(٨) الحر بن يزيد التميمي اليربوعي كان من أشراف تميم ، وأرسل لاعتراض جيش الحسين رضي الله عنه ومحاربته فالتقى به ، وانضم معه وقاتل بين يديه قتالا عجيبا حتى قتل. جمهرة أنساب العرب : ٢٢٧ ، الطبري ٦ / ٢٧٠ فما بعدها.

١٥٧

بئس الإمام إمامك ، فإنه ممن ذكر الله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) (١).

وقيل لعلي رضي الله عنه بعد المقتل ، كيف انسبيت يا ابن رسول الله. فقال : كبني إسرائيل (يذبحون أبناءهم. ويستحيون نساءهم) (٢).

وكان يكثر البكاء ليلا ، ونهارا ، فقيل له في [ذلك] (٣). فقال :

لا تلومني فإنّ يعقوب فقد ابنا من أحد عشر ابنا ، فبكى حتى ابيضّت عيناه من الحزن (٤). وقد رأيت بضعة عشر رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة. أفترون حزني عليهم يذهب من قلبي أبدا؟!

وكان مرة يأكل ، فأتته جارية بقطعة فيها مرقة فتعثرت بطرف البساط ، وانصبت المرقة على رأسه وثيابه. فقالت الجارية :

(وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) (٥) قال : وقد كظمت.

قالت : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) (٦).

قال : قد عفوت.

__________________

(١) في الأصل : (يبصرون) والقول من الآية ٤١ من سورة القصص. وقد نسب القول في الطبري ٦ / ٢٣٢ إلى أحد أصحاب الحسين وهو أبو الشعثاء. وفيه : عصيت ربك ، وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار ثم تمثل بالآية.

(٢) إشارة إلى الآية : ٤٩ البقرة.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) آل يوسف : ٨٤.

(٥) آل عمران : ١٣٤.

(٦) نفسها.

١٥٨

فقالت : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١). قال : أنت حرة لوجه الله ، ومزوّجة بمن أحببت ، ومجهّزة بما شئت.

سأل المنصور جعفر بن محمد عن محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ، فقال :

يا أمير المؤمنين ، أتلو عليك آية من كتاب الله فيها منتهى علمي بهما.

قال : هات على اسم الله.

قال : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) (٢). فقبّل المنصور ما بين عينيه وقال : حسبك.

حضر الرضا علي بن موسى (٣) عند المأمون ، ووجبت الصلاة ، فأتى المأمون بالطست ، والإبريق. واشتغل بتوضيته عدة من الخدم. فقال له الرضا :

يا أمير المؤمنين لو توليت هذا بنفسك ، فإن الله تعالى يقول (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (٤).

فقال المأمون : سمعا وطاعة. وأمر الخادم (٥) بالانصراف ، وتولى الوضوء بنفسه.

__________________

(١) نفسها.

(٢) سورة الحشر : ١٢. وفي الأصل : (فإن اخرجوا).

(٣) هو علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق الملقب بالرضا ثامن الأئمة الإثني عشر عند الإمامية ، زوجه المأمون ابنته وعهد إليه بالخلافة من بعده. ومات في حياة المأمون سنة ٢٠٣ ه‍.

(٤) الكهف : ١١٠.

(٥) في الأصل : (الخاوم).

١٥٩

فصل

في أن الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا

يقال : إن أحسن ما حفظ من كلام السفاح قوله من خطبة (١) له :

الحمد لله الذي اصطفى الإسلام دينا لنفسه ، فكرّمه (٢) ، وشرّفه ، وعظّمه ، واختاره له ، وأيّده (٣) ، وجعلنا (٤) أهله ، وكهفه ، وحصنه والقوّام به ، والذائدين عنه ، والناصرين له.

وألزمنا كلمة التقوى ، وجعلنا أحقّ بها وأهلها. وخصّنا برحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرابته وأنشأنا من شجرته (٥) ، واشتقّنا من نبعته (٦) ، وجعله من أنفسنا (٧) ، فوضعنا من الإسلام وأهله بالمنزل الرفيع (٨) ، وذكرنا في كتابه المنزل على نبيه المرسل فقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٩).

ومن كتاب لابن أبي البغل (١٠) في تطهير أولاد المقتدر :

__________________

(١) الخطبة في تاريخ الطبري حوادث سنة ١٣٢.

(٢) في الطبري : (تكرمة).

(٣) في الطبري : (وايده بنا).

(٤) في تاريخ الطبري : (وجعلنا أحق بها وأهلها وخصنا برحم رسول الله).

(٥) في تاريخ الطبري : (وأنشأنا من آبائه وأنبتنا في شجرته).

(٦) في الأصل : (نعمته).

(٧) في الطبري : (جعله من أنفسنا عزيزا ، ما عنتنا ، حريصا علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم).

(٨) في الطبري : (بالموضع الرفيع وأنزل على أهل الإسلام كتابا يتلى عليهم. فقال عزّ من قائل فيما أنزل من محكم كتابه).

(٩) الأحزاب : ٣٣ وبعدها في الطبري وقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وقال : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى) وقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) فأعلمهم جلّ ثناؤه فضلنا ، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا ، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبا تكرمة لنا ، وفضلا علينا ، والله ذو الفضل العظيم .. ولها تكملة طويلة فلتراجع.

(١٠) ابن أبي البغل اسمه محمد بن يحيى بن أبي البغل ، يكنى أبا الحسن استدعي من أصفهان وكان يلي الوزارة في أيام المقتدر ، وكان بليغا مترسلا وشاعرا ، وله ديوان رسائل. انظر الفهرس : ٢٠٣ ، الوزراء للصابي : ١٨٥ ، ١٨٦ ، ٢٨٥ ، ٢٩٢ ، ٢٩٤.

١٦٠