الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

الباب الثاني

في

ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجزاء

من بعض محاسنه وخصائصه التي أفرده الله عزوجل

بها ، وفضّله على جميع خلقه بما وهب له

من الكلام المقتبس من القرآن

١٢١
١٢٢

الباب الثاني

في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجزاء (من) (١) بعض محاسنه وخصائصه التي أرفده بها ، وفضّله على جميع خلقه (بما وهب له منها) (٢) وشيء من كلامه المقتبس من القرآن.

فصل

في ذكر كرامته على الله عزّ ذكره

واختصاصه به وارتفاع مقداره عنده وعلو منزلته لديه

عن ابن عباس :

والله ثم والله ، ما خلق الله ، ولا برأ ، ولا ذرأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما سمعناه أقسم بحياة أحد غيره حيث قال : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٣) يعني وحياتك يا محمد (٤).

وقال بعض السلف :

إنما جعل الله النبي عليه‌السلام (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ؛ (٥) لأن النفس أمّارة بالسوء. والنبي (٦) صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يأمر إلا بما فيه صلاح الدارين.

وقال عمر بن عبد العزيز :

__________________

(١) في الأصل : (واجرا بعض).

(٢) في الأصل : (وهب منها) والتصويب من فهرس المخطوطة التي وجدت في أول الكتاب.

(٣) الحجر : ٧٢.

(٤) أورد الطبري هذا التفسير عن ابن عباس ولكنه لم يورد عبارة (والله ثم والله ..) انظر : جامع البيان ١٤ / ٤٤.

(٥) الأحزاب : ٦.

(٦) في الأصل : (والببتى).

١٢٣

من كرامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ربه أنه أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب. فقال تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (١).

المفسرون في قوله تعالى (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) (٢) قالوا : ستذكر حين أذكر. وكفى به شرفا (٣) وفخرا (٤).

محمد بن علي بن الحسين (٥) رضي الله عنهم :

إن الله تعالى أدّب نبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأحسن الأدب فقال : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٦). فلما علم انه قبل الأدب قال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٧) ، فلما استحكم له من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أحبه قال لأمته : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٨).

وقال يوما لجلسائه (٩) : إنكم تقولون إن أرجى آية من كتاب الله عزوجل (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ

__________________

(١) التوبة : ٤٣.

(٢) الانشراح : ٤.

(٣) في الأصل : (تشرفا).

(٤) جاء في تفسير الطبري ٣ / ٢٣٥ : (لا أذكر إلا ذكرت معي ، وذلك قوله لا إله إلا الله محمد رسول الله).

(٥) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يكنى أبا جعفر ، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. توفي سنة ١١٨ ه‍ انظر : الطبقات : ٢٥٥.

(٦) الأعراف : ١٩٩.

(٧) القلم : ٤.

(٨) الحشر : ٧.

(٩) في الأصل : (لجلسا به).

١٢٤

الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (١) ، ونحن أهل البيت نقول (٢) أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله :

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٣) ، وذلك أنه لما نزلت هذه الآية قال عليه‌السلام لجبريل : يعطيني ربي حتى أرضى؟ قال : نعم. فإني أسأله أن (٤) يعطيني حتى أرضى ، وهو أن لا يعذب أمتي بالنار.

فصل

في الصلاة عليه

أول من قال إن الله تعالى ، أمركم بأمر بدأ فيه (٥) بنفسه ، وثنى بملائكته ، فقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦) (الهادي) (٧) بن المهدي بن المنصور ، ثم تلفاه الخلفاء ، والخطباء بعده إلى يومنا هذا. وقال بعض الشعراء :

صلّى الإله على ابن آمنة التي

جاءت (٨) به سبط البنان كريما

قل للذين رجوا شفاعة أحمد

صلوا عليه وسلموا تسليما

__________________

(١) الزمر : ٥٣.

(٢) في الأصل : (يقول).

(٣) الضحى : ٥.

(٤) في الأصل : (عن).

(٥) في الأصل : (برأ).

(٦) الأحزاب : ٦٥.

(٧) في الأصل : (المهدي) وليس في ولد الخليفة المهدي من اسمه المهدي والصواب الهادي. انظر : جمهرة أنساب العرب : ٢٢.

(٨) في الأصل : (جارته).

١٢٥

وكتب بعض البلغاء :

صلى الله على محمد ذي المحتد الكريم ، والشرف العميم والحسب (١) الصميم ، والخلق العظيم ، والدين القويم ، والقلب السليم الذي (٢) دعا إلى الله بإذنه على حين فترة من الرسل (٣) ، واختلاف من الملل ، وتشعب من السبل قوما يعبدون ما ينحتون (٤) ، والله خلقهم وما يعبدون (٥) ، فصدّع (٦) بأمر ربه ، وبلّغ ما تحمّل من رسالاته حتى أتاه اليقين ، (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) (٧).

ولابن عباد من رسالة :

صلّى الله (٨) على المبارك مولده ، السعيد مورده ، القاطعة حجته ، السامية درجته الذي نسخت بملته (٩) ، الملل ، وبنحلته النحل ، وصار العاقب والخاتم والقاطع ، والجازم ، قد أفرد بالزعامة وحده ، وختم ألا نبيّ (١٠) بعده. لم يكتب كاتب إلا ابتدأ مصليا عليه ، ولا يختم إلّا بردّ السلام والتحية إليه ، ذاك البشير النذير ، السراج المنير (١١) ، محمد سيد الأولين والآخرين.

__________________

(١) في الأصل : (والحسيب).

(٢) في الأصل : (الدى).

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) المائدة : ١٩.

(٤) في الأصل : (ما تنحتون).

(٥) في الأصل : (وما يعبد).

(٦) في الأصل : (وصرع). وصدع بأمر ربه أي أظهر دينه والقول إشارة إلى الآية الكريمة : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الحجر : ٩٤

(٧) من قوله تعالى : (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) التوبة : ٤٨.

(٨) في الأصل : (علىّ).

(٩) في الأصل : (التي نسخت بمثلته وبنحلته البخل) وهو تحريف في النسخ.

(١٠) في الأصل : (بني).

(١١) إشارة إلى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) الأحزاب : ٤٥ ، ٤٦.

١٢٦

ومن كتابي المعروف بالمبهج (١).

صلّى الله على محمد الذي (٢) ما هو إلا شفاء السقيم (٣) ، والهادي إلى الصراط المستقيم ، والدليل إلى النعيم المقيم ، والمجير (٤) من عذاب اليوم العقيم.

فصل

في ذكر أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وابن مسعود ، وعائشة ، وغيرهم (رضي الله عنهم) دخل حديث بعضهم في بعض قالوا جميعا :

كان رسول الله يعود المرضى ، ويشيع الجنائز ، ويجيب الداعي (٥) ولو إلى كف (٦) حشف (٧). ويقول (٨) : (لو دعيت إلى ذراع (٩) لأجبت ، ولو أهدى إليّ كراع لقبلت).

وكان يصافح الغنى ، والفقير ، ويبدأ بالسلام ، ويجلس مع المساكين ، والضعفاء ، ويلبس العباء ، ويمشى في الأسواق ويركب الحمار (١٠) ، ويأكل على الأرض ، ويقول إنما أنا

__________________

(١) النص في فصل بعنوان : (في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم) المبهج ٥٢.

(٢) في المبهج : (خيرة الله وخاصته ، وأثرته وخالصته أخلص الخالصين وأخص الأخصين ورحمة للدانين والقاصين ، وشفيع للمذنبين والعاصين).

(٣) في الأصل : (المستقيم).

(٤) في الأصل : (المحير) وفي المبهج : (والمجبر من عذاب يوم عقيم).

(٥) في الأصل : (المرسي ... الراعي).

(٦) في الأصل : (والوالي).

(٧) الحشف : أردأ التمر. وفي المثل : أحشفا وسوء كيلة. لسان العرب (حشف).

(٨) في صحيح البخاري ٣ / ٢٠١ : (لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدى إليّ ذراع لقبلت) وفي الحاشية كراع بدلا من ذراع.

وفي رواية أخرى : (لو دعيت إلى ذراع لأجبت ، ولو أهدى إلى ذراع أو كراع لقبلت) وانظر الكافي ج ٦ / ٢٧٤ وفيه : (لو أن مؤمنا دعاني إلى طعام ذراع شاة لأجبت ، وانظر أقوال الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وصفاته هذه في البيان والتبيين ٢ / ٣٠.

(٩) في الأصل : (دماغ).

(١٠) في الأصل : (وبركت).

١٢٧

عبد آكل كما يأكل العبد (١). وكان يمزح ولا يقول إلا حقا. مازح (٢) عجوزا فقال : (إن الجنة لا يدخلها العجز). فبكت وجزعت ، فقرأ عليه‌السلام (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً) (٣).

وكان يعقل البعير ، ويعلف الناضج (٤) ، ويخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويصلح الدلو.

وكان يقول : (لا تفضلوني (٥) على من سبح الله في الظلمات الثلاث) يعني يونس عليه‌السلام (٦). ولا شك في أنه أفضل منه ، ومن جميع الأنبياء عليهم‌السلام ، ولكنه كان يعطي التواضع حقه.

وأتى يوما برجل فأخذته الرّعدة فقال له : (هوّن (٧) عليك فإنما أنا بشر مثلكم (٨) ، ولست بملك ، ولا جبار ، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد) (٩).

وكان عليه‌السلام هيّن المؤونة لين الجانب. كما قال الله تعالى (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (١٠).

__________________

(١) في الأصل : (العبد).

(٢) في الأصل : (مازج).

(٣) الواقعة ٣٥ ـ ٣٧ وورد في تفسير هذه الآية : (هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز ، رمصا شمصا ، خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى) انظر تفسير الطبري ٢٧ / ١٨٧.

(٤) في الأصل : (بعقل ... ويرفع) والناضج البعير يستقى عليه. والأنثى ناضجة.

(٥) في الأصل : (لا يفضلوني).

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) الأنبياء : ٨٧ ـ ٨٨.

(٧) انظر في هذا المعنى سورة فصلت : ٦ وآيات أخرى.

(٨) في الأصل : (هين).

(٩) القديد : اللحم المقدد أي المجفف. لسان العرب (قدد).

(١٠) آل عمران : ١٥٩. والحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة وروايته فيه : هوّن عليك ، فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.

١٢٨

وكان كريم الطبيعة ، جميل العشرة ، طلق الوجه ، هشّا بشّا ، بساما في غير ضحك ، متواضعا من غير ذل ، جوادا من غير سرف ، رقيق القلب كما قال الله تعالى (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١).

وكان لم يتجشأ قط من شبع (٢) ، ولا مدّ يده إلى طمع ، وما كان أكل قط وحده ، ولا منع رفده (٣) ، ولا ضرب عبده ، ولا ضرب أحدا إلا في سبيل ربه.

وكان يتوسد (٤) يده ويغضّ من نفسه ، فذلك قول الله تعالى فيه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٥) ، ولا عظيم أعظم ممن عظّمه الله ، ولو لم يكن من كرم خلقه ، وشرف نفسه ، وحسن عفوه ، وسماحة طبعه ، ورجاحة (٦) علمه إلّا ما كان منه يوم فتح مكة ؛ لكان (٧) ذلك من أكمل الكمال. وقد كانوا قتلوا أعمامه وأولياءه (٨) ، وقلاه أنصاره بعد أن حصروه (٩) في الشّعاب ، وعذّبوا أصحابه بأنواع العذاب ، وجرحوه في بدنه ، وآذوه في نفسه وسفّهوا رأيه ، (١٠) وأجمعوا على كيده. فلما دخل مكة عنوة بغير جهد (١١) ، وظهر عليهم على صغر منهم (١٢). قام خطيبا فحمد الله ، وأثنى عليه. قال : ألا إني أقول لكم ما قال أخي يوسف لأخوته (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (١٣).

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) في الأصل : (يبحش).

(٣) في الأصل : (رقده).

(٤) في الأصل : (يتوسل). وورد في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٦ / ٢٠٦ كان يتوسد يمينه عند المنام.

(٥) القلم : ٤.

(٦) في الأصل : (وسجاحة ... وتخانة).

(٧) في الأصل : (مله لقد كان).

(٨) في الأصل : (أولياه).

(٩) في الأصل : (حضروه).

(١٠) في الأصل : (عليه).

(١١) في الأصل : (جهرهم).

(١٢) يفي الأصل : (صفر).

(١٣) يوسف : ٩٢ والخطبة في البيان والتبيين ٢ / ٣٠ ويقال إنه حين وقف خطيبا فيهم قال : (يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا. أخ كريم وابن أخ كريم. قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء) السيرة ٢ / ٤١٢ ، الطبري ٣ / ١٢٠.

١٢٩

فصل

في نبذ من محاسنه وخصائصه عليه‌السلام

لا وصف أبلغ ، ولا مدح أمدح مما ذكر الله تعالى به نبيه محمدا عليه‌السلام في آي كثيرة من كتابه فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) (١). وقال : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ) (٢) (الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (٣) وما من نبي إلّا قد كان مرسلا إلى قوم معلومين ، وأمة مخصوصة سواه عليه‌السلام فإنه كان مبعوثا إلى الأحمر والأسود كما قال الله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (٤). وقال : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) (٥). وقال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (٦). وقال : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٧) وقال : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (٨) وقد قرن طاعته بطاعته ، وجعل العمل بقوله كالعمل بكتابه فقال :

__________________

(١) الأحزاب : ٥ ، ٤٦.

(٢) في الأصل : (عنهم).

(٣) الأعراف : ١٥٧.

(٤) الأعراف : ١٥٨.

(٥) المدثر : ٣٦.

(٦) سبأ : ٢٨.

(٧) الفرقان : ١.

(٨) النساء : ٧٩.

١٣٠

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (١).

وذكر قضاءه ، وناهيك به منزلة ودرجة فقال : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٢).

ومن خصائصه عليه‌السلام : أن معجزات الأنبياء قبله كانت ملحوظة (٣) تدركها الأبصار ، فهي زائلة بزوال أصحابها ، ذاهبة مع ذهابها (٤) ، ومعجزته صلى‌الله‌عليه‌وسلم معقولة تدركها البصائر أبدا ما دامت السموات والأرض ، ألا ترى أن القوم طالبوه بمعجزة تعاينها العيون فقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) (٥). فقال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٦). ثم قال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى) (٧) (عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٨) فكم تحت قوله (وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) من الإشارة إلى المعجزة والنص (٩) عليها ، والإذكار بها.

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) الأحزاب : ٣٦.

(٣) في الأصل : (ملحوطة).

(٤) كذا في الأصل والأرجح ذهابهم.

(٥) الرعد : ٢٧.

(٦) العنكبوت : ٥٠.

(٧) في الأصل : (تبلى. ودكرى).

(٨) العنكبوت : ٥١.

(٩) في الأصل : (والنصر).

١٣١

فصل

في مثل ذلك

لما نادى رجل من وفد تميم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسمه من وراء الحجرات أنكر الله عليهم سوء الأدب في مناداته ، وعدولهم عن تكنيته (١). إلى تسميته فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٢) ونبّه الناس على الأدب في إجلاله (٣) وإعظامه. قال تعالى (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) (٤). وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) (٥) وأثنى على (٦) من يغض صوته عنده فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ [اللهِ] أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٧).

__________________

(١) في الأصل : (تبنيته).

(٢) الحجرات : ٤.

(٣) في تفسير الطبري ٢٦ / ١٢٦ : أن الآية نزلت في قوم من الأعراب جاءوا ينادون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وراء حجراته. يا محمد إخراج إلينا. وعن زيد بن أرقم أنه قال : جاء أناس من العرب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال بعضهم لبعض ، انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد به ، وإن يكن ملكا نعش في جناحه. قال : فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته بذلك .. قال ثم قدموا إلى حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعلوا ينادونه ، يا محمد فأنزل الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّ الَّذِينَ ...). وقيل إنها نزلت في الأقرع بن حابس حين أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فناداه. فقال : يا محمد ، إن مدحي زين ، وإن شتمى شين. فخرج إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ، ويلك .. فأنزل الله الآية.

(٤) النور : ٦٣.

(٥) الحجرات : ٢.

(٦) في الأصل : (عليه).

(٧) الحجرات : ٣.

١٣٢

فصل

في بعض النكت

سمعت أبا جعفر محمد بن موسى الموسوي (١) يقول : إن رسم النثارات للملوك وغيرهم (٢) من الكبراء والرؤساء (٣) مأخوذ من أدب الله تعالى في شأن رسوله عليه‌السلام حيث قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (٤). فكأن اليوم من يبتغي إلى الملك والرئيس مسألة (٥) فيقدم عليه ، ويقدم (٦) نثارا بين يديه ، إنما يتصدق بذلك عنه ، شكرا لله على ما يسّر من لقائه سالما في نفسه وماله (٧) ، ويسأله أن يرى فيه برأيه من التصدق به ، أو غير ذلك ، فلو تولى إعطاءه الفقراء لكان الشك قد نفع في ذلك (الذي) (٨) يترجح بين التصديق والتكذيب.

فصل

في مثل ذلك

الحبيب أخصّ (٩) من الخليل (١٠) في الشائع المستفيض من العادات. وقد اتخذ الله إبراهيم خليلا (١١). وقال لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (١٢). يعني أحبك.

__________________

(١) أبو جعفر محمد بن موسى الموسوي أديب حدث عنه الثعالبي في أكثر كتبه. انظر ثمار القلوب : ٤٦٢ ، يتيمة الدهر ٤ / ١١٥.

(٢) في الأصل : (في عيدهم). وهو تحريف في النسخ.

(٣) في الأصل : (الكبرا والدوسا).

(٤) المجادلة : ١٢.

(٥) في الأصل : (فسأله).

(٦) في الأصل : (وتقدم).

(٧) في الأصل : (وحباله) وهو تحريف.

(٨) زيادة ليست في الأصل.

(٩) في الأصل : (لخص).

(١٠) الخليل لغة الصديق.

(١١) من الآية ١٢٥ في سورة النساء : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً).

(١٢) الضحى : ٣.

١٣٣

وفي مقتضى هذه اللفظة أنه اتخذه حبيبا كما اتخذ إبراهيم خليلا. ومما يؤيد هذا ويؤكده (أن) (١) الله تعالى (لا) يحب (٢) أحدا ما لم يؤمن به ، ويتبعه ، فذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٣).

فصل

في اضطرار أعدائه إلى الإقرار بفضله عليه‌السلام

ذكر صاحب كتاب مجد الفرس في كتابه :

إن جماعة من الزنادقة اجتمعوا في منزل رجل من المسلمين ، فتناول أحدهم مصحفا من مصلاه ، فجعل ينظر فيه ، ويبكى. فقيل له في [م] (٤) ذلك. فقال : لهفى على حكيم مثله أفناه (٥) الدهر ؛ يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما انتهى إلى هذه الآية : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦) ، بكى حتى بلّ ثوبه. وقال : سبحان الله ما أقلّ (٧) شكر العرب. فعل أبو القاسم ما ينصف وكافأوه بكسر رباعيته (٨) ، وإدماء حر الوجه ، وحللوا حرامه وحرموا حلاله ، وطردوه وهمّوا به (٩) ، وقالوا شاعر ،

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) زيادة ليست في الأصل.

(٣) آل عمران : ٣١.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

(٥) في الأصل : (أفتاه).

(٦) الأنفال : ٢٦.

(٧) في الأصل : (كما اقل).

(٨) في الأصل : الرباعية وصوابه : رباعيته كثمانية ، وهي السن التي بين الثنية والناب. انظر لسان العرب (ربع).

(٩) في الأصل : (وهموا).

١٣٤

وساحر ومجنون (١) وكاهن (٢) ، يعلمه بشر (٣). ثم قتلوا أولاده. وسبوا ذريته.

فصل

في ذكر الحكمة من كونه عليه‌السلام بشرا

قال الجاحظ :

الشكل أفهم عن شكله (٤) ، وأسكن إليه ، وأحبّ إليه (٥) ، وذلك موجود في البهائم ، وضروب السباع ، وأنواع الطير ، والصبيّ عن الصبيّ أفهم ، وإليه أسرع وبه آنس ، وكذلك العالم والعالم والجاهل والجاهل. قال الله تعالى لنبيه : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (٦) والإنسان عن الإنسان أفهم وطباعه إلى طباعه أقرب ، وعلى قدر ذلك يكون موقع ما يسمع منه.

فصل في ذكر الحكمة من كونه أميا (٧)

لا يكتب ولا يحسب ولا يقول الشعر

قال الله تعالى لنبيه عليه‌السلام : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٨).

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) الأنبياء : ٥ ، وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) الصافات : ٣٦.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) الحاقة : ٤١ ، ٤٢.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) النحل : ١٠٣.

(٤) في الأصل : (شكلة).

(٥) في الأصل : (وأصب).

(٦) الأنعام : ٩.

(٧) في الأصل : (وكونه امثالا).

(٨) العنكبوت : ٤٨. وفي الأصل : (نتلو من قبله).

١٣٥

قال بعض المتكلمين (١) : إن الله عز ذكره جعل نبيه أميا لا يكتب ، ولا يحسب ، ولا ينسب ، ولا يقرض الشعر ، ولا يتكلف الخطابة ، ولا يعتمد (٢) البلاغة ، لينفرد الله تعالى بتعليمه الفقه ، وأحكام الشريعة ويقصره على [معرفة] (٣) مصالح الدين دون ما تتباهى (٤) به العرب من قيافة (٥) الأثر والبشر والعلم بالأنواء ، وبالخيل ، وبالأنساب (٦) ، وبالأخبار وتكلف قول الأشعار ؛ ليكون إذا جاء بالقرآن العظيم (٧) ، وتكلم بالكلام العجيب (٨) ، كان ذلك أدل على أنه من الله.

وزعم أن الله لم يمنعه معرفة آدابهم ، وأخبارهم ، وأشعارهم ليكون أنقص حظا (٩) من الكاتب الحاسب ، والخطيب الناسب ، ولكن ليجعله نبيا ، وليتولى [من] (١٠) تعليمه ما هو أزكى ، وأنمى. فإنما نقّصه ليزيده ، ومنعه ليعطيه ، وحجبه (١١) عن القليل ليجلّي (١٢) له الكثير.

قال الجاحظ : قد أخطأ هذا الشيخ ، ولم يرد إلّا الخير (١٣). وقال بمبلغ علمه ، ومنتهى رأيه ، ولو قال (١٤) : إن أداة (١٥) الكتابة والحساب وقرض الشعر ، ورواية جميع النسب قد كانت تامة ، وافرة ، مجتمعة كاملة ، ولكنه صرف تلك القوى ، وتلك (١٦) الاستطاعة إلى ما هو

__________________

(١) النص من البيان والتبيين ٤ / ٣٢ وفيه : وكان شيخ من البصريين يقول إنّ الله إنما جعل نبيه ...

(٢) في الأصل : (ولا يعقد).

(٣) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل وهي من البيان والتبيين وكررت في المخطوط مرتين.

(٤) في الأصل : (يتناهى).

(٥) في الأصل : (قيامه) وفي البيان والتبيين : (والبشر من العلم).

(٦) في الأصل : (الحيل والانتساب).

(٧) في البيان : الحكيم.

(٨) في الأصل : (بكلام عجيب) والتصويب من البيان.

(٩) في الأصل : (خطا).

(١٠) زيادة ليست في الأصل.

(١١) في الأصل : (صحبته).

(١٢) في الأصل : (التحيلى).

(١٣) في الأصل : (الحين).

(١٤) في البيان : ولو زعم.

(١٥) في الأصل : (ارادة).

(١٦) في الأصل : (فتلك).

١٣٦

أزكى بالنبوة ، وأشبه بمرتبته الرسالة ، (ولو) (١) كان (٢) احتاج إلى الخطابة لكان أخطب الخطباء ، وأنسب من كل ناسب ، وأقيف (٣) من كل قايف ، ولو كان في ظاهره (٤) أنه كاتب حاسب ، وشاعر ناسب ، ومقتف قائف (٥) ، ثم أعطاه برهانات الرسالة وعلامات النبوة ما كان ذلك بمانع من إيجاب تصديقه ، وإلزام (٦) طاعته والانقياد (٧) لأمره على سخطهم ورضاهم ، ومكروههم ، ومحبوبهم (٨) ، ولكنه أراد أن لا تكون للقلوب عرجة (٩) عن معرفة ما جاء به ولا يكون للناعب متعلق عما به إليه ، حتى لا يكون دون المعرفة بحقه حجاب وإن رق ؛ وليكون ذلك أخف في المؤونة ، وأسهل في المحنة ، فلذلك صرف نفسه عن الأمور التي كانوا يتكلفونها ، ويتنافسون فيها. فلما طال هجرانه لقرض الشعر ، وروايته (١٠) صار لسانه لا ينطق به ، والعادة توأم الطبيعة. فأما في غير ذلك فإنه كان أنطق من كل منطيق ، وأنسب من كل ناسب ، وأقيف (١١) من كل قايف وكانت الآلة أوفر ، والأداة (١٢) أكمل ، إلا أنها كانت مصروفة إلى ما هو أردّ. وبين أن يضيف إليه العجز ، وبين أن يضيف إليه العادة الحسنة ، وامتناع الشيء عليه من طول الهجران له ، فرق لكان قال قولا سديدا (١٣).

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في البيان : إذا احتاج البلاغة لكان أبلغ البلغاء وإذا احتاج إلى الخطابة.

(٣) في البيان : واقوف.

(٤) بعدها في البيان : والمعروف من شأنه أنه ...

(٥) في البيان : ومتفرس قائف.

(٦) في البيان : تصديقه ولزوم طاعته.

(٧) في الأصل : (والإيقياد).

(٨) من هنا إلى ... إليه مختلف عن نص البيان والتبيين.

(٩) في البيان والتبيين : (ولكنه أراد ألا يكون للشاغب متعلق عما دعا إليه حتى لا يكون دون المعرفة).

(١٠) في الأصل : (ورواتبه).

(١١) في الأصل : (واقبف).

(١٢) في الأصل (وأدواية) ... (أود) كذا في الأصل.

(١٣) في البيان والتبيين : (الهجران له فرق) وما بعدها غير موجود فيه.

١٣٧

فصل

(في فبض ما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم)

من الكلام المقتبس (١) معناه من القرآن

قال عليه‌السلام : «علامة المنافق ثلاث : إذا اؤتمن خان ، وإذا وعد أخلف ، وإذا حدث (٢) كذب».

ومعناه مقتبس من قوله الله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا) (٣) (بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما) (٤) (أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٥).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صبر على أذى جاره ، أورثه الله داره». ومعناه مقتبس من قول الله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) (٦).

__________________

(١) في الأصل : (المقتبسة).

(٢) في الأصل : (أتمنى .. حدت). في مسند الإمام أحمد ٢ / ٢٠٠ قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث إذا كن في الرجل فهو المنافق الخالص ، إن حدث كذب وإن وعد أخلف ، وإن ائتمن خان. ومن كانت فيه خصلة منهن لم تزل فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.

(٣) في الأصل : (نخلوا).

(٤) في الأصل : (نما).

(٥) في الأصل : (ومنهم من عاد الله) وهو خطأ والآية من التوبة : ٧٥ ـ ٧٧.

(٦) إبراهيم : ١٣ ، ١٤ ، والحديث غير موجود في كتب الصحاح.

١٣٨

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر (١). كأن معناه من قول الله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

" من كثّر سواد قوم ، فهو منهم" : فكأنه من قول الله تعالى ذكره : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣).

فصل في بعض ما جاء عنه عليه‌السلام من الكلام (٤)

المقتبس (٥) من ألفاظ القرآن

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«ومن باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنها في مثلها كان (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) (٦).

__________________

(١) الحديث في سنن ابن ماجة ج ٢ / ٤٤٧ عن أبي هريرة عن النبي يقول الله عزوجل .. وفي مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٣٤ وأنه قرأ الآية بعد قوله هذا (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

(٢) السجدة : ١٧.

(٣) في الأصل : (يتوله) وهو خطأ في النسخ والآية من المائدة : ٥١.

(٤) في الأصل : (كلام).

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) إبراهيم : ١٨. والحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ / ٤٢٧ وفيه : من باع دارا ، ولم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيها.

١٣٩

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«هل ينظرون إلا هدما مبيدا (١) ، أو مرضا مفسدا ، أو الدجال فشر مستطر ، والساعة أدهى وأمر (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«بعثني الله إلى الناس كافة بإقام الصلاة لوقتها ، وإيتاء الزكاة بحقها ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا». (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إذا أقيمت الصلاة ، وحضر العشاء ، فابدأوا بسر النفس اللوامة».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«اطلبوا الرزق من الله على أيدي الرحماء من أمتي ولا تطلبوه من القاسية (قلوبهم) (٤) ، فإن اللعنة تنزل بهم».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إن الدنيا حلوة خضرة نضرة ، وإن الله مستعملكم فيها ، فينظر (٥) كيف تفعلون (٦)».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) في الأصل : «مقيدا» والمبيد من باد الشيء يبيد بيدا وبيودا : هلك.

(٢) من قوله تعالى : (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) القمر : ٤٦.

(٣) فصلت : ٤٦.

(٤) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل ، وهو اقتباس من القرآن من سورة الزمر : ٢٢.

(٥) في الأصل : «نصره».

(٦) في الأصل : «مستعملكم» والحديث في سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٢٥ برواية أخرى عن سورة بن نصرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام خطيبا فكان فيما قال «إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ، ألا فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء». وفي سنن الترمذي ٩ / ٤١ ، نثر الدر ١ / ٥٢ «مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون».

١٤٠