الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

ولم تشك في أنها طلقت. وبلغ الهم بتلك الحال من عيسى كل مبلغ ، واشتد جزعه ، واضطرابه فأمر بجميع أعيان الفقهاء فلما حضروا استفتاهم فيها ، فما منهم إلّا من أفتى بطلاقها ، وفيهم شاب (١) ، رث الهيئة (٢) ، لا ينطق. فقال عيسى : ما سكوتك يا فتى؟ فقام ونادى بأعلى صوته : أمسك عليك زوجك أيها الأمير ، فإن الله تعالى يقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ). فلا شيء أحسن منه. فقالوا جميعا : لقد قال قولا سديدا ، وحكموا له بالإصابة ، واتفقوا على أنها لم تطلّق ، فسري عن عيسى ، وسرّ غاية السرور ، وأمر للفتى بصلة وخلعة (٣).

قال الجاحظ (٤) :

أو ما علمت (٥) أن الإنسان الذي خلق الله السموات والأرض وما بينهما لأجله (٦) كما قال الله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (٧).

وقال : إنما سمّوه العالم الصغير سليل العالم الكبير (٨) ، ووجدوا له الحواس الخمس ، ووجدوه يأكل اللحم والحب ، ويجمع بين ما تقتاته البهيمة والسبع ، ووجدوا فيه صولة

__________________

(١) في الأصل : (شاءت).

(٢) في الأصل : (الهبة).

(٣) الخبر في الفرج بعد الشدة : ٤١١ وفيه : أن عيسى بن موسى الهاشمي حين احتجبت زوجته عنه بات ليلة عظيمة ، فلما أصبح غدا على المنصور وأخبره الخبر ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، إن تمّ علي طلاقها تلفت نفسي عليها ، وكان الموت أحب من الحياة ، وأظهر للمنصور جزعا شديدا. فأحضر المنصور الفقهاء واستفتاهم. فقال جميع من حضر : قد طلقت إلّا رجلا واحدا من أصحاب أبي حنيفة (رضي الله عنه) ، فإنه سكت فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) فلا شيء يا أمير المؤمنين أحسن من الإنسان. فقال المنصور لعيسى بن موسى : قد فرّج الله عزوجل عنك ، والأمر على ما قال ، فأقم على زوجتك وارسلها أن أطيعي زوجك. والآية من سورة التين : ٤.

(٤) النص في الحيوان ١ / ٢١٢.

(٥) في الأصل : (وما علمت).

(٦) في الحيوان ١ / ٢١٢ : (من أجله).

(٧) الجاثية : ١٣.

(٨) في الحيوان : (لما وجدوا فيه من جمع أشكال ما في العالم الكبير ووجدنا له الحواس الخمس ، ووجدوا فيه المحسوسات الخمس).

١٠١

الجمل ، ووثوب الأسد وغدر الذئب ، وروغان الثعلب ، وحنين (١) الصفرد (٢) ، وجمع الذرة ، وصنعة (٣) السرفة (٤) ، وجود الديك ، وإلف الكلب ، واهتداء الحمام.

وقال : وسمّوه العالم الصغير ، لأنه يصور كل شيء بيده ، ويحكي صوته بفمه ، ولأن أعضاءه (٥) مقسومة على البروج الإثني عشر ، والنجوم السبعة وفيه الصفراء ؛ وهي من نتاج النار ، والسوداء ؛ وهي من نتاج الأرض ، وفيه الدم وهو من نتاج الهواء. وفيه البلغم ؛ وهو من نتاج الماء (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)

في قول الله (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) (٦) يعني : الوجه الحسن (٧).

اقتبس أبو فراس الحمداني اللفظ والمعنى فقال في الغزل (٨).

كان قضيبا له انثناء

وكان بدرا له ضياء (٩)

فزاده ربّه عذارا

تمّ به الحسن والبهاء

لا تعجبوا ربّنا قدير

يزيد في الخلق ما يشاء (١٠)

__________________

(١) في الأصل : (وحيتين).

(٢) الصفرد : طائر تسميه العامة أبا المليح. وفي المثل أجبن من صفرد. انظر لسان العرب (صفر).

(٣) في الأصل : (وصغد) وهو خطأ في النسخ. والسرفة دويبة سوداء الرأس ، وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقائق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها. لسان العرب (سرف).

(٤) نفسه.

(٥) حدث تقديم وتأخير في هذا النص الذي نقله الثعالبي من الجاحظ.

(٦) من قوله تعالى في سورة فاطر : ١ (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ).

(٧) في تفسير الطبري ٢٢ / ١١٤ : أن الزيادة في خلق أجنحة الملائكة وتفاوتها ، وورد هذا الشرح في تفسير الرازي ٢٦ / ٢. ومن المفسرين من خصصه. وقال المراد به : الوجه الحسن ، ومنهم من قال : الصوت الحسن ، ومنهم من قال : كل وصف محمود.

والأولى أن يعم.

(٨) الأبيات في ديوان أبي فراس ٢ / ٥.

(٩) بعده في ديوان أبي فراس :

وكان يحكي الهلال وجها

والناس في حبه سواء

(١٠) روايته في ديوان أبي فراس :

كذلك الله كلّ وقت

يزيد في الخلق ما يشاء

١٠٢

وقرأت في أخبار أبي نواس من الكتاب المستنير تأليف أبي عبيد الله المرزباني (١) أن أبا نواس لما انشد النظّام (٢) قوله (٣) :

سبحان من خلق الخل

ق من ضعيف مهين

يسوقه من قرار

إلى قرار مكين (٤)

يحول شيئا فشيئا

في الحجب دون العيون (٥)

حتى بدت حركات

مخلوقة من سكون

قال النظام : نبهتني والله لشيء كنت عنه غافلا. ووضع كتابه في الحركة والسكون.

فصل

في لمع من صفاته عزّ ذكره

يروى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه خرج يوما من داره ، وقد جاء عامر بن عبد القيس (٦) فقعد في دهليزه. فلما رأى عثمان به رجلا شيخا متلفعا بعباءة أنكره وأنكر مكانه. فقال : يا أعرابي : أين ربك؟

__________________

(١) هو محمد بن عمران بن موسى ، أبو عبد الله إخباري ، مؤرخ أديب ، صاحب كتابي معجم الشعراء والموشح المشهورين. ذكر له ابن النديم كتاب المستنير في أخبار الشعراء المحدثين.

(٢) النظام هو إبراهيم بن سيار البصري أحد كبار المعتزلة ، وإليه تنسب الفرقة النظامية. توفي في خلافة المعتصم سنة بضع وتسعين وعشرين ومائتين. انظر : تاريخ بغداد ٦ / ٩٧.

(٣) الأبيات في ديوانه : ٦١٩.

(٤) روايته في الديوان :

يسوقه في هواء

إلى قرار مكين

(٥) روايته في الديوان :

في الحجب شيئا فشيئا

يحور دون العيون

(٦) عامر بن عبد القيس بن ثابت التميمي ، ويقال عامر بن عبد الله ، تابعي ثقة من كبار التابعين ، وكان بينا فصيحا توفي في خلافة معاوية. انظر صفة الصفوة ٣ / ١١٦ ، ١٣٥ ، الإصابة ١ / ١٤٧.

١٠٣

قال : بالمرصاد (١) يا أمير المؤمنين.

(ويقال) (٢) إن عثمان لم يفحمه أحد غير عامر هذا.

قال بعض العلماء : من شأن الله كل يوم أن يجيب داعيا ، ويعطي سائلا ، ويغني فقيرا ، ويشفي سقيما ، ويهلك جبارا عنيدا (٣) ، وذلك قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٤).

وأتي الحجاج برجل من الخوارج ، وأمر بضرب عنقه. فقال له :

إن رأيت أن تؤخرني إلى غد فافعل.

فقال : ولم؟

فأنشأ يقول :

عسى فرج يأتي به الله إنه

له كل يوم في خليقته أمر

فقال الحجاج : انتزعته من قول الله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٥). وأمر بتخلية سبيله.

__________________

(١) من قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) الفجر : ١٤.

(٢) ما بين القوسين زيادة من هامش المخطوط. وفي تاريخ الطبري ٥ / ٩٤ : نقل هذا الخبر في سياق حديث عن اجتماع الناس على عثمان ، وأنهم قرروا أن يرسلوا رجلا منهم يكلمه ، فأرسلوا عامر بن عبد القيس ، فأتاه فدخل عليه ، فقال له : إن ناسا من المسلمين اجتمعوا ، فنظروا في أعمالك ، فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله عزوجل ، وتب إليه ، وانزع عنها. قال عثمان : انظر إلى هذا ، فإن الناس يزعمون أنه قارئ ، ثم هو يجيئني ، فيكلمني في المحقرات. فو الله ما يدري أين الله. قال عامر :

بلا والله لأدري ، إن الله بالمرصاد لك ..

(٣) أورد الطبري آراء العلماء في تفسير الآية المذكورة أعلاه ، ومعظمها تجمع على أنه سبحانه وتعالى كل يوم يجيب داعيا.

ويكشف كربا ، ويجيب مضطرا ، ويغفر ذنبا ، وكل يوم هو في شأن خلقه ، فيفرج كرب ، ذي كرب ويرفع قوما ويخفض آخرين ، وغير ذلك. انظر : جامع البيان ٢٧ / ١٣٤.

(٤) الرحمن : ٢٩.

(٥) نفسها.

١٠٤

ولما خوّف (١) أبو حازم الأعرج (٢) سليمان بن عبد الملك بوعيد الله (٣) للمذنبين ، قال سليمان : فأين رحمة الله؟ قال قريب من المحسنين.

سئل يزيد بن موسى ، لم سمي الله بالمؤمن؟ فقال : لأنه يؤمن من عذابه من آمن.

وكيع بن الجراح (٤) قال :

رأيت في المنام رجلا له جناحان فقلت له : من أنت؟

فقال : ملك من ملائكة الله تعالى.

فقلت له : أسألك؟

قال : سل.

فقلت : ما اسم الله الأعظم؟

فقال : الله.

فقلت : وما برهان ذلك؟

قال : إنه قال لموسى عليه‌السلام (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) (٥) ولو كان له اسم أعظم منه لقاله تعالى ذكره.

__________________

(١) في الأصل : (خيروا).

(٢) أبو حازم الأعرج اسمه سلمان ، مولى عزة الأشجعية ، كان من خيار زمانه حكمة وزهدا. توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز : مشاهير علماء الأمصار : ١٠٨.

(٣) الخبر في البيان والتبيين ٣ / ١٤٣ وفي ثمار القلوب : ٢٤ قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم الأعرج وقد خوفه الله في موعظته له حتى أبكاه. فأين رحمة الله؟ فقال أبو حازم (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

(٤) وكيع بن الجراح ، يكنّى أبا سفيان الكوفي العابد. امتنع عن قضاء الكوفة. ولد سنة ١٢٨ ه‍. توفي نحو ١٩٦. انظر صفة الصفوة ٣ / ١٠٢.

(٥) طه : ١٤.

١٠٥

فصل

في سعة مغفرته ورحمته

سمع أعرابي ابن عباس يقرأ : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) (١) فقال : نجونا ورب الكعبة ، ما أنقذنا منها وهو يريد أن يلقينا فيها. فقال ابن عباس : خذوها من غير فقيه.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لو لم يذنب العباد لخلق الله عبادا يذنبون فيغفر لهم إنه هو الغفور الرحيم) (٢).

وعن ابن عباس في قوله : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ) (٣) قال : غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله ، وقابل التوب ممن قالها ، شديد العقاب لمن لم يقلها (٤).

أتى مطرف بن عبد الله (٥) مجلس مالك (بن) (٦) دينار وقد قام فقال له أصحابه لو تكلمت؟

فقال : هذا ظاهر حسن (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (٧).

__________________

(١) آل عمران : ١٠٣.

(٢) هناك أكثر من حديث في هذا المعنى ، راجع مادة (ذنب) في معجم فنسنك ، ألا من مذنب مستغفر : مسند الإمام أحمد ١ / ١٢٠ ، ٥٠٩ هل من مذنب ٣ / ٢٤ ، ٤٩ في مسند الإمام أحمد أيضا.

(٣) غافر : ٣.

(٤) في تفسير الطبري ٢٤ / ٤١ (شديد العقاب لمن عاقبه من أهل العصيان).

(٥) مطرف بن عبد الله بن الشخير ، يكنى أبا عبد الله. كان زاهدا من كبار التابعين ، ثقة فيما رواه من الأحاديث. ولد في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتوفي في الكوفة نحو سنة ٨٧ ه‍ انظر حلية الأولياء ٢ / ١٩٨ ، ٢١٢ وانظر أيضا الأعلام. الزركلي ٨ / ٥٤.

(٦) في الأصل : (مالك دينار) وهو خطأ في النسخ ، ومالك هذا يكنى أبا يحيى من أشهر رواة الحديث ، كان ورعا زاهدا يكتب المصاحف بالأجرة ويأكل من كسبه. انظر حلية الأولياء ٢ / ٣٥٧.

(٧) الإسراء : ٢٥ ، والخبر في الحيوان ٣ / ١٦٠.

١٠٦

قتادة في قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) (١). قال ، اجتمع أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن كل ذنب أتاه عبد عمدا فهو بجهالة (٢).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) : (إن الله يعطي كل مؤمن جوازا على الصراط وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله الغفور الرحيم لفلان بن فلان. أما بعد ، فادخلوا جنة عالية ، قطوفها دانية) (٤).

قال :

قارف الزهري (٥) ذنبا فاستوحش من الناس وهام على وجهه ، فقال له زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم : يا زهري ، لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أشد عليك من ذنبك (٦).

فقال الزهري : الله يعلم حيث يجعل رسالته. (٧) ورجع إلى حاله وأهله.

قال ابن عباس :

__________________

(١) النساء : ١٧.

(٢) هذا رأي ابن مجاهد ، والضحاك وعكرمة. ورأى آخرون أن كل شيء عصي به ، فهو جهالة عمدا كان أو غيره. راجع آراءهم في تفسير الطبري ٤ / ٢٩٩.

(٣) كتب الصحاح ومعجم فنسنك خلو من هذا الحديث. وكل حديث لم نوثقه هذا شأنه.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) الحاقة ١٩ ـ ٢٢.

(٥) الزهري هو محمد بن مسلم ، يكنى أبا بكر أحد الفقهاء والمحدثين التابعين لقي عشرة من الصحابة ، وروى عنه جماعة من الأئمة توفي نحو ١١٤ ه‍ وقيل ١٢٣ ه‍ وقيل ١٢٥ ه‍. انظر : وفيات الأعيان ٣ / ٣١٨.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر : ٥٦ وقوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الزمر : ٥٣.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام : ١٢٤.

١٠٧

أرجى آية في كتابه عز ذكره (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١). قال : وأرجى منها قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٢).

وقال غيره :

أرجى آية في كتاب الله عزوجل (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٣). قال : يعني علوا في الأرض كعلو فرعون ، وفسادا كفساد فرعون ، والعاقبة للمتقين الذين تبرأوا من هاتين الخصلتين ، والله أعلم.

فصل

في ذكر نعمته عزوجل

قول بعض السلف :

إذا أردت أن تعلم نعمة الله عليك ، فغمض عينيك ، ثم افتحها ؛ ليتبين لك مصداق قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٤).

وقلت في كتاب المبهج (٥) :

__________________

(١) النساء : ٤٨.

(٢) الزمر : ٥٣.

(٣) القصص : ٨٣.

(٤) إبراهيم : ٣٤.

(٥) النص في المبهج : ٥١ وأوله : (تعالى الله ما ألطف صنعته ، وما أتقن صنيعته وما أحسن صبغته. سبحان من لا تعده الأوهام والألسنة ، ولا تغيره الشهر والسنة ، ولا تأخذه النوم والسنة).

١٠٨

سبحان من لا يحصر نعمه حاصر ، فكل حساب عنها قاصر (١) (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٢).

لما بنى المنصور مدينة بغداد أخبره نوبخت المنجم بما تدل عليه النجوم من طول ثباتها وكثرة عمارتها ، وانصباب (٣) الدنيا عليها ، وفقر الناس إليها. فقال المنصور : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٤).

ويقال إن الكتّاب أخذوا قولهم (٥) وأتم نعمته عليك وزادها (٦) أخذوه من قول عدي ابن الرقاع العاملي (٧).

صلّى الإله على امرئ ودعته

وأتمّ نعمته عليك وزادها

فصل

في ذكره سبحانه

سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أرفع عباد الله درجة يوم القيامة فقال : (الذاكرون الله كثيرا والذاكرات) (٨).

__________________

(١) في المبهج ٥١ : سبحان من لا يخلى عبيده عند المحن من المنح ، وفي النقم من النعم ، سبحان مقدر الأقوات على اختلاف الأوقات ، سبحان من نعمه لا تحصى ، مع كثرة ما يعصى.

(٢) إبراهيم : ٣٤ وهي غير موجودة في تحميد المبهج.

(٣) في الأصل : (وانصاب).

(٤) الحديد : ٢١.

(٥) في الأصل : (قوله).

(٦) القول إشارة إلى يوسف الآية : ٦ ، وفي الأصل : (زاد فيها).

(٧) عدي بن الرقاع بن زيد بن مالك من عامله ، شاعر كبير من أهل دمشق. كان مهاجيا لجرير ومدح بني أمية انظر : معجم الشعراء : ٨٦.

(٨) من قوله تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب : ٣٥.

١٠٩

قيل : يا رسول الله والمجاهد في سبيل الله؟

قال : لو ضرب بسيفه في الكفار حتى يخضب دما وينكسر ، لكان الذاكرون الله أفضل (١).

وعن سعيد بن جبير ، في قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (٢). قال اذكروني بالظلمة أذكركم بالعصمة (٣).

فصل

في تقديره جل جلاله

لما طعن أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في المحراب يصلي بالناس صلاة الصبح جمع ملحفته (٤) على بطنه وقال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٥).

ولما خرج شبيب الخارجي (٦) من الكوفة يريد الأهواز ، وقد فعل الأفاعيل ارتطم فرسه في (نهر) دجيل (٧) فغرق وهو يقول (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٨).

__________________

(١) في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قلت يا رسول الله أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال الذاكرون الله كثيرا. قال قلت ، والغازي في سبيل الله؟ قال : لو ضرب بسيفه في الكفار المشركين حتى ينكسر).

(٢) البقرة : ١٥٢. وفي الأصل : (اذكروني).

(٣) ورد غير هذا التفسير عن سعيد بن جبير في تفسير الطبري ٢ / ٣٧ وهو اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي.

(٤) الملحفة : واحدة الملاحف وهي نوع من الثياب. الصحاح (لحف).

(٥) الأحزاب : ٣٨.

(٦) شبيب الخارجي هو أبو الضحاك شبيب بن يزيد خرج على الدولة الأموية ، وقاتله الحجاج في معارك عديدة ، ونجا بنفر قليل من أصحابه ، ثم مرّ بجسر دجيل ، ونفر به فرسه فألقاه في الماء ومات. انظر : الطبري ٧ / ٢٥٥ البداية والنهاية ٩ / ٢٠ ، الأعلام ٣ / ٢٢٩.

(٧) في الأصل : (وحل).

(٨) الأنعام : ٩٦ وفي تاريخ الطبري : أن حافر رجل فرس شبيب نزل على حرف السفينة فسقط في الماء. فلما سقط قال : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) فارتمى في الماء ثم ارتفع فقال : ذلك تقدير العزيز الحكيم. وفي البداية والنهاية : إنه لما ألقاه جواده في نهر دجيل قال له رجل : أغرقا يا أمير المؤمنين؟ قال : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).

١١٠

وقال بعض الشعراء :

كم من لبيب راجح علمه

مستحصف الرأي (١) مقل (٢) عديم

ومن جهول وافر ماله

(ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)

قال : دخل (٣) أبو الجماز على قتيبة بن مسلم (٤) ، وبين يديه رجل يضرب بالعصا. فقال له :

أيها الأمير ، قد جعل الله لكل شيء قدرا (٥) ، ووقّت له وقتا (٦) فالعصا للأنعام والهوام ، والبهائم العظام. والسوط للحدود ، والتعزيز (٧). والدرة (٨) للتأديب ، والسيف لقتال العدو والقود (٩). فقال قتيبة :

صدقت. وأمر برفع الضرب عن المضروب ، وتخلية (١٠) سبيله.

__________________

(١) مستحصف الرأي : أي حكيم العقل.

(٢) في الأصل : (عذيم) والصواب عديم من العدم. وهو الفقر ، واعدم الرجل افتقر فهو معدم وعديم.

(٣) في الأصل : (وحل).

(٤) قتيبة بن مسلم الباهلي : كان أبوه كبير القدر عند يزيد بن معاوية ، وكانت له أخبار كثيرة فيما وراء النهر وتولى خراسان مدة ١٣ سنة وقتل بفرغانة. انظر معجم الشعراء : ٢١٢ ، الأعلام ٢٨ : ٦.

(٥) إشارة إلى قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق : ٣.

(٦) إشارة إلى آيات كثيرة من القرآن الكريم انظر مثلا العنكبوت : ٢٩.

(٧) التعزير : التأديب ومنه سمي الضرب دون الحد تعزيرا. الصحاح (عزر).

(٨) الدرة : التي يضرب بها انظر (الصحاح) (درر).

(٩) القود : القصاص. انظر لسان العرب (قود).

(١٠) في الأصل : (وتحلية).

١١١

فصل

في الشفاء ، من عند الله تعالى

قيل لسفيان بن عيينة (١) في مرض عرض له ، ألا ندعو لك طبيبا؟

فقال : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢).

وقيل في مثل ذلك لإبراهيم بن أدهم (٣). فقال (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (٤).

وقلت في كتاب المبهج : إذا مسّك الضر فالله يكفيك ، وإذا شفّك السقم فالله يشفيك.

فصل

في اقتران وعده بوعيده عزوجل

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : إن الله عزوجل قرن (٥) آية العذاب بآية الرحمة ؛ ليكون العبد راغبا ، راهبا. قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٦) ، (وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧). وقال جل ذكره : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٨). وقال تعالى (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو

__________________

(١) سفيان بن عيينة يكنى أبا محمد مولى بني هلال بن عامر مات سنة ١٩٨. انظر الطبقات : ٢٨٤.

(٢) الأنعام : ١٧.

(٣) إبراهيم بن أدهم يكنى أبا إسحاق العجلي البلخي الزاهد توفي في بلاد الروم سنة ١٦١ ه‍ ، انظر صفة الصفوة ٤ / ١٢٧.

(٤) الشعراء : ٨٠.

(٥) في الأصل : (قزوزا به).

(٦) الأنفال : ٢٥ ، البقرة : ١٩٦.

(٧) المائدة : ٩٨.

(٨) الحجر : ٤٩ ، ٥٠.

١١٢

مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) (١).

وكان بعض النساك إذا أوى إلى فراشه قال : يا ليت أمي لم تلدني.

فقالت له امرأته : إن الله قد أحسن إليك وهداك (٢).

قال : أجل ، ولكن بيّن لنا أنّا واردوها ، ولم يبين لنا أنا صادرون عنها يعني قوله (تعالى) (٣) (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (٤).

قالت ابنة الربيع بن خثيم (٥) له : يا أبت ما لك لا تنام ، والناس نيام؟

فقال : يا بنية ، أخاف البيات (٦). إن الله تعالى يقول (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) (٧).

فصل

في فقر من ذكر قدرته وجوده وغناه وسائر صفاته

قال معاوية (٨) لسعيد بن العاص (٩) : كم ولدك؟

قال : عشرة ، أكثرهم الذكور.

__________________

(١) فصلت : ٤٣.

(٢) في الأصل : (وهزاك).

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) مريم : ٧١.

(٥) الربيع بن خثيم من بني ثور بن عبد مناة ، يكنى أبا يزيد. توفي زمن ابن زياد. انظر الطبقات : ١٤١. جمهرة أنساب العرب : ٢٠١ ، حلية الأولياء ٢ / ١٠٥.

(٦) البيات من قولهم : بيّت العدو أي أوقع بهم ليلا والاسم البيات.

(٧) الأعراف : ٩٧.

(٨) في الأصل : (معوية).

(٩) سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، كان ممن ندبه عثمان لكتابة القرآن. غزا طبرستان وجرجان ، وولي المدينة لمعاوية.

توفي نحو ٥٣ ه‍. الإصابة ٢ / ٤٦.

١١٣

فقال معاوية : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (١).

وقال سعيد : (يؤتى الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء) (٢).

وأنشدني أبو الفتح علي بن محمد البستي (٣) الكاتب لنفسه في الاقتباس من هذه الآية :

إذا خدم السلطان قوم ليشرفوا (٤)

به وينالوا كلّما يتشوفوا

خدمت إلهي ، واعتصمت بحبله

ليعصمني من كل ما أتخوّف

وخدمة (٦) من يولى السلاطين ملكهم

وينزعه عنهم أجلّ وأشرف (٥)

قيل لأبي حازم : أنت مسكين.

فقال : كيف أكون مسكينا ، ولمولاي السموات والأرض ، وما بينهما ، وما تحت الثرى (٧).

قال (٨) بعض الحكماء :

لا يزال تراث الأوائل ينتقل إلى الأواخر حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين (٩). قال الله تعالى (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ

__________________

(١) في الأصل : (الذكورة).

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) آل عمران : ٢٦.

(٣) البستي أبو الفتح علي بن محمد ، أديب وشاعر ، كثر في شعره البديع والتجنيس توفي نحو ٤٠٠ ه‍ وقيل ٤٠٧ ه‍ في بخارى.

انظر يتيمة الدهر ٤ / ٣٠٣ وفيات الأعيان ٣ / ٥٨.

(٤) في الأصل : (ليشرفوا ... يتشوق).

(٥) في الأصل : (وخدمت).

(٦) الأبيات غير موجودة في ديوانه.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى من سورة طه : ٦ (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى).

(٨) في الأصل : (قا).

(٩) من قوله تعالى في سورة مريم : ٤٠ (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ).

١١٤

خَبِيرٌ) (١).

لما جاء البشير إلى المهتدي بأن موسى بن بغا (٢) هزم مساور الشاري (٣) وأصحابه وقتل (٤) فيهم مقتلة عظيمة. نزل من سريره ، وسجد على التراب وجعل يقول : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) (٥).

فصل

في ذكر تسخيره تعالى الناس بعضهم بعضا

قد أخبر الله تعالى ما دبّر عليه عباده من تصييرهم (٦) في درجات متفاضلة ، وبيّن علة ذلك بقوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) (٧). وقال تعالى (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) (٨). فوصف عزّ ذكره أنهم لم يكونوا يستغنون في قوام معايشهم على أن يكونوا

__________________

(١) آل عمران : ١٨٠.

(٢) موسى بن بغا من كبار القواد الأتراك كان أبوه أحد غلمان المعتصم. ولما مات بغا سنة ٢٤٨ ه‍ تقلد موسى ما كان يتقلده أبوه ، وضم إليه أصحابه. انظر : مروج الذهب ٤ / ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨.

(٣) مساور الشاري بن عبد الحميد مولى بجيلة. والشاري نسبة إلى الشراة وهم فرقة من الخوارج. انظر التنبيه والأشراف ص ٣٦٦ ط خياط ، اللباب ٢ / ٤.

(٤) في الأصل : (وقيل).

(٥) آل عمران : ١٦٠.

(٦) في الأصل : (تصييرهم).

(٧) الأنعام : ١٦٥.

(٨) الزخرف : ٣٢.

١١٥

متفاضلي درجات الرفعة ، والضعة ، والغنى والفقر والسعة (١) ، والضيق ، ليتعايشوا بذلك ، ويتعاونوا في المعايش التي لا بد لهم من الترافد فيها (٢).

وأنشدني أبو الفتح لنفسه في هذا المعنى :

سبحان من سخّر الأقوام بعضهم

بعضا حتى استوى التدبير واطردا

كلّ بما عنده مستبشر فرح

يرى السعادة فيما نال واعتقدا

فصار يخدم هذا ذاك من جهة

وذاك من جهة هذا وإن بعدا (٣)

فصل

في ذكر طرف من حكمته

قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٤).

وقال الشاعر مقتبسا من الآية :

ما كلّف الله نفسا فوق طاقتها

ولا تجود يد إلّا بما تجد

قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٥).

قال أبو دلامة زند بن الجون (٦) مقتبسا من هذه الآية :

__________________

(١) في الأصل : (والفقير والضيق).

(٢) الترافد : التعاون. الصحاح : (رفد).

(٣) الأبيات في ديوانه ص ٢٤١ نقلا عن مخطوطة الاقتباس.

(٤) البقرة : ٢٨٦.

(٥) الرعد : ١١.

(٦) في الأصل : (زيد) والصواب : زند : شاعر كثير النوادر صاحب بديهة وظرف ، كان مدّاحا للخلفاء. انظر طبقات الشعراء : ٦٢.

١١٦

أبا (١) مجرم ما غيّر الله نعمة

على عبده حتى يغيرها العبد (٢)

قال الله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٣).

قال ابن الرومي (٤) مقتبسا من هذه الآية :

أرى الشيطان يوعدني شرورا

ووعد الله بالخيرات أوفى

فصل

في ذكر صبغة الله تعالى

قال بعض الظرفاء :

أربع بربع للربيع وكن به

ضيفا يكن ندماءك الأنوار (٥)

__________________

(١) في الأصل : (أيا).

(٢) البيت في الشعر والشعر (ط دار المعارف) ٧٥١ ، الأغاني (دار الكتب) ١٠ / ٢٣٥ طبقات الشعراء ٦٢. وقد ذكر ابن المعتز أنه قاله في أبي مسلم الخراساني. وكان الأخير قد توعده بالقتل لشيء بلغه عنه. فلما قتل المنصور أبا مسلم دخل أبو دلامة ورأس أبي مسلم في الطست فأنشد البيت وبعده :

أبا مجرم خوفتني القتل فأنتحى

عليك بما خوفتني الأسد الورد

أفي دولة المنصور حاولت غدرة

ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد

(٣) البقرة : ٢٦٨.

(٤) في الأصل : (الدومي).

(٥) هناك ارتباك وخطأ في نسخ البيتين وإذ روى البيت الأول هكذا :

أربع بربع الربيع وكن به

صيفا تكن برمال الأنوار

وقد وجدت البيتين في أحسن ما سمعت ص ٢٣٠ فصححت رواية البيت الأول.

١١٧

من فاقع في ناصع في قانئ (٢)

في ناضر قد صاغها الجبار (١)

يشير إلى قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (٣).

ولى في كتاب المبهج :

تعالى الله ، ما ألطف صبغته ، وأبدع صيغته ، وأحسن صنعته.

فصل

يليق بهذا المكان من الكتاب المبهج

يشتمل على فصول مقتبسة من القرآن

سبحان (٤) من لا تحدّه الأوهام والألسنة. ولا تغيّره (٥) الشهر والسنة ، ولا يأخذه النوم ولا السنة (٦). لا يأس مع فضل الله ، ولا يأس من روح الله (٧) ، قد ينصر (٨) الله

__________________

(١) في الأصل : (قال) ، وهو خطأ في النسخ لا يستقيم معه الوزن. والأرجح أن تكون قانئ والقانئ : الأحمر. من قولهم قنا الرجل لحيته بالخضاب تقنئة ، وقد قنأت هي من الخضاب ، تقنأ قنوء اشتدت حمرتها. انظر الصحاح (قنأ).

(٢) في الأصل : (في ناضر صاغها). روايته في أحسن ما سمعت.

من قانئ في ناضر في فاقع

في ناصع صبّاغها الجبار

والفاقع الخالص الصفرة أو الحمرة ، وقيل خلوص الصفرة. والفقع شدة البياض أو الصفرة أو الحمرة وفي نثر النظم :

من أخضر في أحمر في أصفر

في أبيض صبّاغها الجبار

(٣) البقرة : ١٣٨.

(٤) النص من منتخبات من رسائل الثعالبي (المبهج) : ٥١.

(٥) في الأصل : (لا تغيره).

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) البقرة : ٢٥٥.

(٧) بعده في المبهج : من رداه الله برداء الإيمان ، فقد أهله لليمن والأمن والأمان.

(٨) في الأصل : (قد يضر).

١١٨

بالحرب (١) الأضعف على العدد المضعف (مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) (٢).

لا يقرع باب السماء بمثل الدعاء (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (٣).

__________________

(١) في الأصل : (الحر) وأثبتنا نص المبهج.

(٢) البقرة : ٢٤٩.

(٣) الفرقان : ٧٧.

١١٩
١٢٠