الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي

الإقتباس من القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي منصور عبد الملك بن محمّد بن اسماعيل الثعالبي


المحقق: الدكتورة ابتسام مرهون الصفار
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

واخترته من اللمع والفقر ، والنكت (١) من اقتباس الناس على اختلافهم طبقاتهم ، وتفاوت درجاتهم من كتاب الله عز اسمه في خطبهم ومخاطباتهم وحكمهم ، وآدابهم ، وأمور معاشهم ومعادهم ، وفي مكاتباتهم ، ومحاوراتهم ، ومواعظهم ، وأمثالهم ، ونوادرهم ، وأشعارهم ، وسائر أغراضهم. وضمنته من محاسن انتزاعهم وبدائع اختراعاتهم ، وعجائب استنباطاتهم ، واحتجاجاتهم منه ، ما ليس السوقة بأحوج إليه من الملوك ، ولا الكتاب ، والشعراء بأرغب فيه من الفقهاء والعلماء ، ولا المجان والظرفاء بأحرص عليه من الزهاد والحكماء ، إذ هو مقتبس الألفاظ ، والمعاني من أحسن الكلام ، وأقوم النظام ، وأنور النور ، وأشفاه لما في الصدور ، ذلك كلام ربّ العزة ، وبيانه ، ووحيه وفرقانه ، وخير كتبه أنزله على خير رسله محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله حين جمرات الخطابة متوقدة ، وأسلحة البلاغة مسددة ، وأسواق الفصاحة (٢) نافقة وأعلام السلاطة خافقة ، والقوم إذ يسلقون الناس بألسنة كالسيوف ، ويرمون من أفواههم بقوارع كالحتوف ، بين شيطان مريد لسانه أمضى من سنانه ، وجبار عنيد كلامه أنفذ من سهامه فما هؤلاء (إلا) (٣) أن صكّ أسماعهم هذا القول الفصل الجزل ، والسهل القريب ، البعيد ، العجيب ، تلوح عليه سمات الإعجاز بين الإطالة والإيجاز ، وتتراءى فيه أوضح المحجة ، وأبين الحجة وتكشف (٤) به الأدلة وتزاح العلة ، حتى أذعنوا صاغرين لفضله ، وأقروا بالعجز عن الإتيان (٥) بمثله ، وأيقن ـ إلا من ضرب على أذنه ، وطبع على قلبه ـ أنه معجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودليله ، وبرهانه ، كما كانت آية موسى عليه‌السلام في تلقف عصاه ما يأفكون ، وبروز (٦) يده بيضاء من غير سوء (٧) معجزة له في زمان السحرة

__________________

(١) في الأصل : (وافقر والنكت والنقر).

(٢) النافقة : الرائحة.

(٣) زيادة ليست بالأصل.

(٤) في الأصل : (ويتكشف).

(٥) في الأصل : (الإيتان).

(٦) من قوله تعالى في سورة الأعراف : ١١٧ (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ).

(٧) من قوله تعالى في سورة طه : ٢٢ (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) وانظر سورة القصص ٣٢.

٨١

والمهرة ، وكما (أن) (١) إبراء عيسى عليه‌السلام الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى (٢) ـ بإذن الله ـ معجزة له في زمان الأطباء الألباء. ولما اتسع نطاق الإسلام ، وامتد رواق الإيمان ، وأثبت في الآفاق شعاع الدين ، واستضاءت القلوب بنور اليقين ، لم يتعرض لمعارضة القرآن منطيق مدره (٣) ، ولا شاعر مصقع (٤) إلّا ختم على خاطره وفنه ، وإنما قصارى المتحلين بالبلاغة ، والحاطبين في حبل البراعة أن يقتبسوا من ألفاظه ومعانيه في أنواع مقاصدهم ، أو يستشهدوا ويتمثلوا به (٥) في فنون مواردهم ومصادرهم ، فيكتسي كلامهم بذلك الاقتباس معرضا (٦) ما لحسنه غاية ، ومأخذا ما لرونقه نهاية ، ويكسب حلاوة وطلاوة ما فيها إلّا معسولة الجملة والتفصيل. ويستفيد جلالة وفخامة ليست فيهما إلا مقبولة الغرة والتحجيل (٧). هذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو أفصح العرب لهجة وأعذبهم عذبة (٨) وأحسنهم إفصاحا وبيانا ، وأرجحهم في الحكمة البالغة ميزانا ، قد اقتبس من معاني القرآن وألفاظه في الكثير من كلامه ، والجمّ الغفير من مقاله. وكذلك السلف الأفضل من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين ، ومن بعدهم إلى يومنا من كل طبقة. فما أكثر ما عوّلوا على الاقتباس من القرآن فرصّعوا كلامهم (٩) ترصيعا ، وتعاطوا فنونه جميعا. وسأورد في هذا الكتاب من محاسنها كل ما تروق أصوله وفصوله ، ويفيد مسموعه ومحصوله. وإذ قد استمررت في تصديره ، فأنا ذاكر أبوابه ؛ ليفرد كل منهما بذاته وتقرب على الناظر فيه وجوه إيراده. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

__________________

(١) في الأصل : (كما ابرأ) وما بين القوسين ليست في الأصل.

(٢) في قوله تعالى في سورة المائدة : ١١٠ (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي).

(٣) المدره : زعيم القوم والمتكلم عنهم.

(٤) المصقع : الخطيب البليغ.

(٥) في الأصل : (ويتمثل).

(٦) المعرض : المظهر يقال عرض له أمر كذا ، يعرض أي ظهر.

(٧) التحجيل : في الأصل بياض في قوائم الفرس. والغرة : بياض في جبهته ، وذلك من صفات الفرس الأصيل وقد استعملها الثعالبي مجازا.

(٨) العذبة : طرف اللسان.

(٩) في الأصل : (أحلامهم).

٨٢

الباب الأول من كتاب الاقتباس

في التحاميد ، وما يتصل به من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وذكر طرف من فضله ، ونعمه ، وسعة رحمته ، وسائر صفاته وأفعاله جلّ جلاله ، وتقدست أسماؤه. وهو ستة عشر فصلا.

الباب الثاني

في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجزاء من بعض محاسنه وخصائصه التي أفرده الله عزوجل بها ، وفضّله على جميع خلقه بما وهب له من الكلام المقتبس من القرآن وهو اثنا عشر فصلا.

الباب الثالث

في ذكر العترة الزكية ، والشجرة النبوية ، وإيراد نبذ من فضائلهم ومآثرهم ، وقطعة من فقر أخبارهم ، وغرر ألفاظهم وهو ستة فصول.

الباب الرابع

في ذكر الصحابة وما خصهم الله تعالى من الفضل والشرف ، وأقاويل بعضهم في بعض ، وغرر من محاسن كلامهم ونكت أخبارهم رضي الله عنهم أجمعين وهو عشرون فصلا.

الباب الخامس

في ذكر الأنبياء عليهم‌السلام وغيرهم ممن نطق القرآن بأخبارهم ، وما اقتبس الناس منه في فنون أغراضهم من قصصهم وتمثلوا به في أحوالهم ، وهو اثنا عشر فصلا.

٨٣

الباب السادس

في فضل العلم والعلماء ، وفقر من محاسن انتزاعاتهم ولطائف من استنباطاتهم. وهو عشرة فصول.

الباب السابع

في ذكر الأدب والعقل والحكمة ، والموعظة الحسنة. وهو ثلاثة فصول.

الباب الثامن

في ذكر محاسن الخصال ، ومكارم الأفعال ، وطرائف الآداب.

الباب التاسع

في ذكر معائب الخلال ، ومقابح الأفعال ، وذكر العامة والسقّاط (١) والجهال ، وعورات الرجال.

الباب العاشر

في ذكر أنواع من الأضداد ، والأعداد ، وهو ثلاثة فصول.

الباب الحادي عشر

في ذكر النساء والأولاد ، والإخوان. وهو ستة فصول.

__________________

(١) الأصل : (والسقعاط) وهو تحريف في النسخ.

٨٤

الباب الثاني عشر

في ذكر الطعام والشراب وهو أربعة فصول.

الباب الثالث عشر

في ذكر البيان والخطابة ، وثمرات الفصاحة والبلاغة.

الباب الرابع عشر

في ذكر الجوابات المسكتة.

الباب الخامس عشر

في ملح النوادر.

الباب السادس عشر

في الاقتباس المكروه.

الباب السابع عشر

في ذكر الرؤيا ، وعجائبها ، والتعبيرات وبدائعها.

الباب الثامن عشر

في ذكر الخط والكتاب والحساب ، ونصوص من فصول العهود ، وكتب الفتوح ونخب من ألفاظ الرسائل السلطانية ، والإخوانية ، والتوقيعات ، وكتابات الجيوش (١) في أشياء مختلفة.

__________________

(١) في الأصل : (النفوس) والصواب : ما هو مثبت أعلاه ..

٨٥

الباب التاسع عشر

في الأمثال والألفاظ التي تجري مجراها ، والتنبيه على مواضع استعمالها والتمثل بها.

الباب العشرون

في ذكر الشعر والشعراء ، واقتباساتهم من ألفاظ القرآن ومعانيه.

الباب الحادي والعشرون

في اقتباس بعض ما في القرآن من الإيجاز والإعجاز ، والتشبيه والاستعارة والتجنيس ، والطباق ، وما يجري مجراها.

الباب الثاني والعشرون

في فنون مختلفة الترتيب ، في طرائف التأويلات ولطائفها.

الباب الثالث والعشرون

في فنون مختلفة الترتيب.

الباب الرابع والعشرون

في الدعوات المستجابة.

٨٦

الباب الخامس والعشرون

في الرقى والأحراز.

فهذا أطال الله بقاء مولانا ، ثبت أبواب الكتاب ، والله تعالى يبارك له فيه ويقرّ عينه ، ويشرح صدره ، ويسرّ قلبه به ، مع تبليغه به إياه أقصى الأوطار ، وأطول الأعمار في أكمل المسار. وأحسن (١) السعادات التي أهّله لها ، والنعم التي عمه وخصه بها من فترة (٢) تشوبها أو تنقصها ، أو ردية تثلها وتنقضها. آمين اللهم آمين.

__________________

(١) في الأصل : (وحرّاسة).

(٢) في الأصل : (فتوه) والفترة : وهي الضعف والانكسار.

٨٧
٨٨

الباب الأول

في

التحاميد المقتبسة من القرآن وما يتصل بها

من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وذكر

طرف من فضله ، ونعمه ، وسعة رحمته ، وسائر

صفاته وأفعاله جلّ جلاله

٨٩
٩٠

الباب الأول

في التحاميد المقتبسة من القرآن وما يتصل بها من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وذكر طرف من فضله ونعمته وسعة رحمته (١) ، وسائر صفاته وأفعاله جل جلاله.

فصل

في نكت التحاميد

أحسن ما قرأته وسمعته في فصل (٢) التحميد ، وأوجزه ، وألطفه قول أحد البلغاء :

أحقّ ما ابتدى (٣) به خطاب ، وصدّر به كتاب حمد الله الذي جعله فاتحة تنزيل وخاتمة دعوى أهل جنته ؛ فقال تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤).

وقال بعض السلف : إن الله تعالى رضي من شكر المؤمنين له على (٥) إدخاله إياهم الجنة بأن قالوا (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٦).

لما قتل المهتدي (٧) وقام (٨) المعتمد (٩) كتب إلى الموفق (١٠) : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي

__________________

(١) في الأصل : (رحمه).

(٢) في الأصل : (مصل).

(٣) في الأصل : (ابتدي).

(٤) يونس : ١٠.

(٥) في الأصل : (علي).

(٦) الزمر : ٧٤.

(٧) هو المهتدي بالله أبو إسحاق محمد بن محمد بن الواثق الخليفة العباسي. ولد في خلافة جده سنة بضع عشرة وثمانين. وبويع سنة ٢٥٥ ه‍ وقتل سنة ٢٥٦ ه‍. تاريخ الخلفاء ٣٦٣.

(٨) في الأصل : (واقام).

(٩) المعتمد على الله هو أبو العباس وقيل أبو جعفر أحمد بن المتوكل بن المعتصم ولد سنة ٢٢٩ ه‍ وتوفي سنة ٢٧٩ ه‍. والموفق هو طلحة أبو المعتمد. انظر تاريخ الخلفاء ٣٦٣ ، ٣٦٤.

(١٠) هو أبو أحمد طلحة بن جعفر المتوكل أمير عباسي لم يل الخلافة اسما ، ولكنه تولاها فعلا. ولد ببغداد ومات فيها سنة ٢٧٨ ه‍. انظر تاريخ بغداد ١٢٧ ، ٢. الكامل لابن الأثير : حوادث سنة ٢٧٨ ه‍.

٩١

أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (١).

عبد العزيز بن عمر (٢) : الحمد لله الذي جعل أهل طاعته أحياء في مماتهم ، وجعل أهل معصيته أمواتا في حياتهم. يريد قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ (اللهِ) (٣) (أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٤). وقوله عزّ ذكره : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) (٥). وقوله تعالى : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (٦).

وفي هذا المعنى ينشد :

لقد أسمعت لو ناديت حيّا

ولكن لا حياة لمن تنادى (٧)

وقرأت في فصل لابن المعتز أستحسنه جدا (٨) وهو :

__________________

(١) فاطر : ٣٤.

(٢) في الأصل : (عمير) وهو عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ابن الخليفة عمر بن عبد العزيز. توفي سنة ١٤٤ ه‍ ، وروى عن أبيه. انظر تهذيب التهذيب ٣ / ١٦٩.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) آل عمران : ١٦٩.

(٥) النمل : ٨٠.

(٦) النحل : ٢١.

(٧) البيت لكثير عزة في ديوانه من قصيدة راثيا بها صديقه تقع في ٢٤ بيتا. وقبله :

يعز عليّ أن نغدو جميعا

وتصبح ثاويا رهنا بواد

فلو فوديت من حدث المنايا

وقيتك بالطريف وبالتلاد

(٨) في الأصل : (فبدا).

٩٢

الحمد لله الذي لما خلق الإنسان جعل عقله دليله ، والرسل هداته والملائكة ، رقباءه (١) والشهود عليه جوارحه ، ثم جعله حسيب نفسه (٢) ، وردّ إليه كتابه يوم نشره (٣) ، يقرأه (٤) ، فلا يفقد حسنة عملها (٥) ، ولا يجد فيه سيئة لم يقترفها (٦). لم يلزمه الله عبادته حتى فرغ من هدايته ، وأزاح علله ، بأن ضمن الرزق له ، ثم وعده ، وتوعده ، وأمره ، وعلمه (فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٧).

نظر أعرابي إلى غمار الناس في الموسم ، فقال :

الحمد لله الذي أحصاهم عددا ، ولم يهمل منهم أحدا (٨).

لما توفي عبد الملك بن عمر (٩) بن عمر بن عبد العزيز قال عمر (١٠) :

الحمد لله الذي جعل الموت واجبا (١١) (١٢) على خلقه ، ثم سوّى فيه بينهم. فقال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (١٣).

__________________

(١) في الأصل : (رقباه).

(٢) في الأصل : (نفيسه).

(٣) في الأصل : (بشره).

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ) الإسراء ١٣ ، ١٤.

(٥) في الأصل : (علمها).

(٦) في الأصل : (سبيه .. نقترفها).

(٧) غافر : ٦٤.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى ـ مريم : ٩٤ ، ٩٥ (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً).

(٩) عبد الملك بن عبد العزيز هو ابن الخليفة الأموي عمر كان صالحا تقيا قيل إنه كان يستشيره أبوه. نظر تاريخ الخلفاء : ٢٤٠.

(١٠) الخبر في التعازي : (حتما واجبا) وفي الأصل : (واجبا عليّ).

(١١) الخبر في التعازي والمراثي للمبرد : ٤٦.

(١٢) آل عمران : ١٨٥ ، الأنبياء : ٣٥. وبعد الآية في التعازي : فليعلم ذوو النهى أنهم صائرون إلى قبورهم مفردون بأعمالهم ، واعلموا أن عند الله مسألة فاحصة فقال جل وعز (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).

(١٣) ابن عبد كان هو محمد بن عبد كان كاتب الدولة الطولوزية. كان بليغا مترسلا وأديبا. وله ديوان رسائل. انظر الفهرست : ٢٠٣.

٩٣

ابن عبد كان (١) : الحمد لله ذي العز الشامخ ، والسلطان الباذخ ، والنعم السوابغ ، والحجج البوالغ ليس له كفء مكاثر ، ولا ضدّ منافر ، إذ (٢) به لا ينقض التدبير ، ويتم (٣) التقدير. يدرك الأبصار ، ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير (٤).

إبراهيم بن العباس (٥) : الحمد لله ذي الأسماء الحسنى والمثل الأعلى (٦) لا يؤوده حفظ (٧) كبير ولا يعزب عنه علم صغير (٨) [يَعْلَمُ] (٩) (خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) ، (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (١٠).

أحمد بن يوسف (١١) : الحمد لله خلق الأشياء كلّها على غير مثال ، وأنشأها على غير حدود ، ودبّر الأمور بلا مشير ، وقضى في الدهور بلا ظهير. وأمسك (١٢) السماء

__________________

(١) في الأصل : (إذن).

(٢) في الأصل : (ولا).

(٣) في الأصل : (بدوك).

(٤) من قوله تعالى في سورة الأنعام : ١٠٣ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

(٥) إبراهيم بن العباس أبو إسحاق الكاتب أحد البلغاء الشعراء الفصحاء ترأس ديوان الرسائل في عهد جماعة من الخلفاء. انظر الفهرست : ١٨٢.

(٦) في الأصل : (الحسنى .. الأعلى).

(٧) إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة : ٢٥٥ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

(٨) من سورة يونس : ٦١ (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

(٩) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل وهو من الآية ١٩ من سورة غافر.

(١٠) الأنعام : ٥٩.

(١١) أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح ، وزير من كبار الكتاب. ولي ديوان الرسائل للمأمون ، ثم استوزره. توفي سنة ٢١٣ ه‍ انظر تاريخ بغداد ٥ / ٢١٦.

(١٢) في الأصل : (ومسك).

٩٤

بقدرته (١) ، وبناها بإرادته وأسكنها ملائكته الذين اصطفاهم لمجاورته وجبلهم على طاعته (٢) ، ونزههم عن معصيته ، وجعلهم سكان سماواته ، وحملة عرشه ، ورسله إلى أنبيائه (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٣). وبسط [الأرض] (٤) لكافة خلقه ، وقسم بينهم الأرزاق ، وقدّر لهم الأقوات. فهم في قبضته يتقلبون ، وعلى أقضيته يجرون ، حتى يرث الأرض ومن عليها (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) (٥).

وقال سعيد بن حميد (٦) : الحمد لله الذي خلق السماء بأيده فرفعها (٧) ، ودحا الأرض بقدرته (٨) فبسطها ، وبث فيها من كل دابة ، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير (٩).

وقال أبو علي البصير (١٠) : الحمد لله الذي قدّر فسوى ، وخلق فهدى ، ولم يترك خلقه سدى (١١) ، ولكنه امتحنهم وابتلاهم ، وأمرهم ودعاهم لما يحييهم ، وندبهم إلى ما ينجيهم فقال : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١٢).

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الحج : ٦٥ (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ).

(٢) في الأصل : (عليّ).

(٣) في الأصل : (ولا يفترون).

(٤) في الأصل : (وبسطها).

(٥) من قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) مريم : ٤٠ ومن قوله تعالى : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) الأنبياء : ٨٩.

(٦) سعيد بن حميد أبو عثمان ، كان متكلما فصيحا وله كتب ورسائل ، وتولى الرسائل للمستعين توفي بعد سنة ٢٥٧ ه‍ انظر الفهرست ١٨٥.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الذاريات : ٤٧.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) النازعات : ٣٠.

(٩) من قوله تعالى في سورة الشورى : ٢٩.

(١٠) أبو علي البصير شاعر بليغ مترسل كانت بينه وبين أبي العيناء مهاجاة ومكاتبات ، وله فيه عدة أشعار : الفهرست ١٨٤.

انظر : كتابنا (أبو العيناء الأديب البصري الظريف) : ص ٤٥.

(١١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة القيامة : ٣٦ (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً).

(١٢) النساء : ٥٩.

٩٥

وقال أبو القاسم علي بن محمد الإسكافي (١). الحمد لله المعزّ المذل ، المرشد المبطل الذي يزهق الباطل بنعمائه (٢) ، (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) (٣)(وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٤).

وقال (٥) : الحمد لله السابغ عطاؤه ، النافذ قضاؤه ، الذي ينتقم من الظالمين (٦) (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (٧).

فصل

في دلالة التحميد على ما يكتب من أجله

إذا كان المنشئ مبرّزا أشار في أول كلامه إلى غرضه. وهذه عادة لابن عبد كان المصري مشهورة مستحسنة. كتب في رسالة ذكر فيها استقامة الحال ، من والي الجيش وأمنه فقال :

الحمد لله مقلب القلوب (٨) ، وعلام الغيوب (٩) الجاعل بعد العسر يسرا (١٠) ، وبعد التفرق (١١) اجتماعا.

__________________

(١) أبو القاسم الإسكافي ، أديب بليغ قيل : بأنه لسان خراسان وغرتها ، وواحدها وأوحدها في الكتابة والبلاغة. انظر يتيمة الدهر ٤ / ٩٥.

(٢) في الأصل : (بنعماته).

(٣) من قوله تعالى في سورة يونس : ٨٢.

(٤) من قوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة : ٣٣.

(٥) في الأصل : (وقال .. وله الحمد لله).

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) السجدة : ٢٢ وقوله تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الروم : ٤٧.

(٧) من سورة الأنعام : ١٤٧.

(٨) من قوله تعالى : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) النور : ٣٧.

(٩) من قوله تعالى : (قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) المائدة : ١٠٩.

(١٠) من سورة الطلاق : ٧ (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً).

(١١) في الأصل : (تفرق).

٩٦

وحكى أحمد بن مهران عن سعيد بن حميد قال :

ولدت بغلة في أيام المعتمد وكنت على ديوان الرسائل إذ ذاك ، فأمرت أن أنشئ كتابا في ذلك ، فلم أدر كيف أكتب ، وكيف أفتتح ، فغلبتني عيناي ، فأتاني آت في منامي (١). وقال لي : اكتب :

الحمد لله (الذي يقر في الأرحام ما يشاء بقدرته) (٢) ، ويصور فيها ما يريد بحكمته.

قال : فابتهلت ، وابتدأت ، وأنشأت الكتاب عليه.

وذكر الصولي في كتاب الأوراق : أن كتاب صاحب البريد بالدينور (٣) في سنة ثلاثمائة ورد على المقتدر يذكر أن بغلة [ولدت] (٤) فلوة ، ونسخته (٥). وقال :

الحمد لله. كبّرت (٦) لله ، الموقظ بعبره (٧) قلوب الغافلين ، والمرشد بآياته عقول (٨) العارفين ، الخالق لما يشاء كيف يشاء بلا مثال (٩) ، ذلك الله البارئ المصور له الأسماء الحسنى (١٠). وفيما قضاه المصور في الأرحام ما يشاء أن الموكل بالتطواف (١١) بقرميسين (١٢) رفع يذكر أن بغلة لرجل يعرف بأبي بردة من أصحاب أحمد بن أبي علي المري وضعت

__________________

(١) في الأصل : (مقامي).

(٢) من قوله تعالى في سورة الحج : ٥ (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ).

(٣) الدينور : مدينة من أعمال الجبل قرب قرميسين. معجم البلدان (دينور).

(٤) زيادة يقتضيها السياق ليست في الأصل.

(٥) الخبر والرسالة في تاريخ الطبري : حوادث سنة ٣٠٠ ه‍ وذكر الخبر ولم تذكر الرسالة في المنتظم ٦ / ١١٥.

(٦) في الأصل : (وكبرت).

(٧) في الأصل : (بعيرة) وفي الطبري : (بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الموقظ ...).

(٨) في الطبري : (الباب العارفين).

(٩) في الطبري : (الخالق ما يشاء بلا مثال).

(١٠) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الإسراء : ١١٠ (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) الأعراف : ١٨٠ ، والحشر : ٢٤.

(١١) في الأصل : القطوف أو بقرمليسين والصواب ما أثبتناه وكما في الطبري.

(١٢) في الأصل : قرمليسن والصواب قرماسين أو قرميسين مدينة في بلاد الجبل. انظر مختصر البلدان : ١٩٣ ، وفي معجم البلدان (قرميسين بلد معروف بينه وبين همدان ثلاثون فرسخا قرب الدينور) وفي الطبري قرماسين.

٩٧

فلوة ، ويصف (١) اجتماع الناس لذلك ، وتعجبهم (٢) مما عاينوا منه ، فبعثت من جاءني بالبغلة ، فوجدتها كميتا (٣) خلوقية (٤). ورأيت الفلوة سوية الخلق ، تامة الأعضاء ، يشبه ذنبها أذناب الدواب (٥) (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٦).

فصل

في عجائب الخلق

قال الجاحظ :

كان بعض المفسرين يقول (٧) : من أراد أن يعرف قوله جلّ ذكره : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨) فليوقد نارا عظيمة ، وسط غيضة (٩) ، أو في صحراء (١٠). ثم لينظر [إلى] (١١) ما يغشى تلك النار من أصناف الخلق والحشرات والهمج (١٢) ، فإنه سيرى صورا ، ويتعرف خلقا لم يكن يظن أن الله خلق شيئا من ذلك في هذا العالم (١٣). قال الله تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا

__________________

(١) في الأصل : (ويصفر).

(٢) في الطبري : (تعجبوا لما عاينوا).

(٣) الكميت : صفة للفرس ، وهو الذي يضرب لونه بين الحمرة والسواد.

(٤) الخلوقية : من الخلق ، أي تامة الخلق يقال (رجل خليق ومختلق أي تام الخلق).

(٥) في الطبري : (فوجهت من أحضرني البغلة والفلوة ، فوجدت البغلة كمتاء خلوقية ، والفلوة سوية الخلق تامة الأعضاء ، منسدلة الذنب ، سبحان الملك القدوس ، لا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب).

(٦) المؤمنون : ١٤.

(٧) النص من الحيوان ٢ / ١١٠.

(٨) النحل : ٨.

(٩) الغيضة : الأجمة ، وهي مغيض ماء يجتمع ، فينبت فيه الشجر والجمع غياض. الصحاح : (غيض).

(١٠) في الحيوان : (في صحراء برية).

(١١) زيادة ليست في الأصل.

(١٢) في الأصل : (المهج). والصواب ما أثبتناه وكما ورد في الحيوان. والهمج : ضرب من البعوض.

(١٣) في الحيوان : (في ذلك).

٩٨

تَعْلَمُونَ) (١) ، (فما كان سبيله أن يعلم (٢) ، فلينظر فيما ذكر الله عز اسمه) (٣).

وذكر دعبل (٤) في كتاب الشعراء أنه عثر على قهندز (٥) في مرو فوجدوا فيه سنين (٦) كبيرين في كل واحد منهما وزن منوين (٧) ، فحملتا إلى عبد الله بن المبارك (٨) فتعجب منهما ، وقال (٩).

أتيت بسنّين قد رمّتا

من الطين (١٠) لما أثاروا الدفينا (١١)

على قدر منوين إحداهما

يقلّ (١٢) بها المرء شيئا رزينا

ثلاثون أخرى على قدرها

تباركت يا أحسن الخالقينا (١٣)

__________________

(١) النحل : ٨.

(٢) عبارة (سبيله أن يعلم) كررت مرتين في أصل المخطوط.

(٣) ما بين القوسين غير موجود في نص الحيوان.

(٤) هو دعبل بن علي بن رزين ، شاعر متقدم مطبوع ، هجاء ، له ديوان شعر مطبوع ، وله كتاب طبقات الشعراء. انظر ترجمته في الفهرست : ٢٣٥.

(٥) في الأصل :

(٦) في الأصل : (مهبند) والقهنندز : معرب كهن دز أي قلعة عتيقة. انظر : تاريخ البيهقي : ٢٨٠٣ الشاهنامة ـ ترجمة عزام. (تسنتين ، كبيرتين .. واحدة).

(٧) في الأصل : (مئوين) والصواب ما أثبتناه والمنوان مثنى من وهو وزن رظلين ، والجمع أمنان.

(٨) عبد الله بن المبارك من سكان خراسان جمع بين الزهد والورع والفقه واللغة والشعر ، ولد سنة ١١٨ وتوفي نحو سنة ١٨١.

انظر صفة الصفوة ٤ / ١٠٩.

(٩) في الأصل : (تسنتين كبيرتين).

(١٠) في الأصل : (الحصين).

(١١) الخبر في شعر عبد الله بن المبارك ص ٦٣ عن تاريخ دمشق ٦ / ٢٦١ أو ما بعدها ، وبهجة المجالس ٢ / ١٥٥ م مصادر أخرى.

وفيه أن عبد الله بن المبارك سمع يقول : حفروا بخراسان حفيرا فوجدوا فيها رأس إنسان ، فوزنوا سنا من أسنانه فإذا فيه سبعة أساتير فقال عبد الله بن المبارك ... والأساتير يوازي ٥ ، ٢٠ غراما فوزن السن يقارب ١٥٠ غراما.

(١٢) في الأصل : (يقبل) وروايته في شعر عبد الله بن المبارك :

على وزن منوين إحداهما

تقل بها الكف شيئا رزينا

(١٣) روايته في شعر عبد الله بن المبارك : (ثلاثين أخرى على قدرها).

٩٩

قال الأصمعي : كان بشار بن برد يقول : ما في الأرض أحسن من الإنسان. فإذا قيل له ، فكيف؟ قال : سمعت الله يقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١).

قال : فعلمت أن القول لم يطلق هذا الإطلاق ، وهو يمر بالمتصنعين ، والعيابين والمعاندين ، فلا يعارضه أحد بالتكذيب ، إلّا والأمر على ما وصف.

قال : وحكى غير الأصمعي أن بشارا ـ كان أعمى أكمه ـ كذلك قال يوما بعد أن أطال السكوت ، وتنفس الصعداء :

أما والله ، إني لست أتلهف على ما يفوتني من رؤية هذا العالم إلا على شيئين اثنين. قيل : وما هما يا أبا معاذ؟ قال : الإنسان والسماء. قيل ولم؟ قال : لأن الله يقول (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٢) ويقول (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) (٣) فلا شيء أحسن مما ذكره الله (بأنه) (٤) خلقه في أحسن تقويم ، ومما ذكر أنه زينه ، أفلا تشق (٥) عليّ رؤيتهما؟ وفي الله عوض من كل فائت.

وفي كتاب الفرج بعد الشدة (٦) بإسناده لصاحبه أن عيسى بن موسى الهاشمي (٧) كانت له امرأة من بنات أعمامه لا يرى بها الدنيا. فقال لها يوما وقد أعجبته جدا (٨) : أنت طالق إن لم تكوني أحسن من القمر. فصكّت وجهها ودقت صدرها (٩). ثم قامت واستترت ،

__________________

(١) التين : ٤.

(٢) نفسها.

(٣) الملك : ٥.

(٤) في الأصل : (فأن الله).

(٥) في الأصل : (فلا تشق).

(٦) الفرج بعد الشدة كتاب لأبي علي المحسن التنوخي وهو كتاب مطبوع أكثر من طبعة.

(٧) عيسى بن موسى الهاشمي أحد رجال العباسيين وقوادهم المشهورين ، وكان ولي عهد الخليفة المنصور قبل أن يجعلها في ابنه المهدي. انظر مروج الذهب ج ٣ / ٢٥٢ ، ٢٨١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٥.

(٨) في الأصل : (وجدا).

(٩) في الأصل : (بحذها).

١٠٠