الإعجاز القرآني في ضوء الإكتشافات العلمي الحديث

مروان وحيد شعبان

الإعجاز القرآني في ضوء الإكتشافات العلمي الحديث

المؤلف:

مروان وحيد شعبان


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 9953-85-052-6
الصفحات: ٤٤٤

صورة رقم : (٢٨) ، مشهد آخر يبين الثلوج التي تكلل هامات الجبال ، وترشح الماء ليكون عذبا فراتا ، وصدق الله العظيم إذ يقول : (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) ، هذا خلق الله (١).

__________________

(١) أخذت هذه الصورة من موقع :

http :/ / zizooo. ws / z. php ? name Gallery do showpic pid ٤٠٧٤٨

orderby date D

٣٦١

المبحث الرابع

حركة الجبال وتعدّد صخورها

قال تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) (١).

وقال سبحانه : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)) (٢).

تشير الآية الكريمة الأولى إلى أن للجبال حركة سريعة ، وهي ليست ثابتة جامدة كما يتخيّل أو يظن ، وهذه حقيقة قرآنية سجلها كتاب الله تعالى ، ثم كشف عنها علماء الجيولوجيا بعد قرون ، كما تشير الآية الثانية إلى تعدد صخور الجبال وتعدد ألوانها كذلك ، وفي الآية إشارة إلى إمكانية تغير ألوان الصخور مع الزمن ، ولنبدأ في بحث هاتين الآيتين من كتب التفاسير.

يقول ابن كثير : ((وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) أي تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه ، وهي تمر مر السحاب أي تزول عن أماكنها) (٣).

وفي «تفسير بحر العلوم» : (أي تحسبها واقفة مكانها ويقال : مستقرة (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) حتى تقع على الأرض فتستوي ، أي في أعين الناظرين كأنها واقفة) (٤).

وفي «إرشاد العقل السليم» : ((وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) حال من ضمير الجبال في تحسبها ، أو في جامدة ، أي تراها رأي العين ساكنة ، والحال أنّها تمرّ مرّ السّحاب التي

__________________

(١) سورة النمل ، الآية : ٨٨.

(٢) سورة فاطر ، الآيتان ، ٢٧ ، ٢٨.

(٣) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٦ / ١٩٤.

(٤) بحر العلوم ، للسمرقندي ، ٢ / ٦١٨.

٣٦٢

تسيرها الرّياح سيرا حثيثا ، وذلك أنّ الأجرام العظام إذا تحركت نحو سمت لا تكاد تتبين حركتها ، وقد أدمج في هذا التشبيه تشبيه حال الجبال بحال السّحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها) (١).

وأما الآية الثانية ، فيقول القرطبي : (والجدد ، جمع جدة ، وهي الطرائق المختلفة الألوان ، وحمر مختلف ألونها ، وغرابيب سود ، الغربيب الشديد السواد ففي الكلام تقديم وتأخير والمعنى ، ومن الجبال سود غرابيب ، والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب ، أسود غربيب) (٢).

وفي «أنوار التنزيل» : ((وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) أي ذو جدد أي خطط وطرائق ، يقال : جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره ، وقرئ (جُدَدٌ) بالضم جمع جديدة ، بمعنى الجدة (جُدَدٌ) بفتحتين وهو الطريق الواضح ، (بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) بالشدة والضعف ، (وَغَرابِيبُ سُودٌ) عطف على (بِيضٌ) أو على (جُدَدٌ) كأنه قيل : ومن الجبال ذو جدد مختلفة اللون ، ومنها ، أي من الجبال ، (وَغَرابِيبُ) متحدة اللون ، وهو تأكيد مضمر يفسره ما بعده ، فإن الغربيب تأكيد للأسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد) (٣).

ومعنى جدد في اللغة ، ففي «مفردات ألفاظ القرآن» : (جدد ، جمع جدة ، أي طريق ظاهرة ، من قولهم : طريق مجدود ، أي مسلوك مقطوع ، ومنه جادة الطريق) (٤).

وأما غرابيب فمعناها : (جمع غربيب ، وهو المشبه للغراب في السواد ، كقولك : أسود كحلك الغراب) (٥).

ولعل من المفيد أن نشير إلى أن عددا ليس بالقليل ممن تناول تفسير الآية الأولى ، أخضعها إلى عوالم الآخرة ومشاهد النكبة والخراب التي ستسيطر على الكون إبان قيام

__________________

(١) إرشاد العقل السليم ، لأبي السعود ، ٤ / ٢٧٦.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ٧ / ٢١٩ ، وانظر : تفسير القرآن الكريم إعرابه وبيانه ، محمد طه الدرة ، دمشق ، دار الحكمة ، ١٩٨٢ ١١ / ٥٩٧.

(٣) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٤ / ٤١٧.

(٤) مفردات ألفاظ القرآن ، للأصفهاني ، ص : ١٨٨.

(٥) المصدر نفسه ، ص : ٦٠٥.

٣٦٣

الساعة ، واعتبر مرور الجبال كالسحاب كناية على نسفها وزوالها ، وكان منطلق هذا التفسير وقوع الآية في سياق نصوص قرآنية تتحدث عن مشاهد يوم القيامة.

والحق في هذه القضية ، أن الآية تتحدث عن مرور الجبال وحركتها في الدنيا وليس في أهوال الآخرة ، ولسبب بسيط ألا وهو أن الله عزوجل قال : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً ...) والرؤيا هنا رؤيا بصرية ، والحسبان أبدا لا يكون في الآخرة ، إذ إن الآخرة كلها يقين وكلها حق وكلها وقائع مرئية ، لا تخضع إلا لليقينيات ، أما الحسبان والشك والظن ، فهي حالات تعتري الناس في الدنيا ، ولا مكان لها يوم الدين ، وبناء على هذا فالآية تشير إلى أن الإنسان إذا نظر إلى الجبال ، حسبها جامدة لكنها في واقع الأمر ليست كذلك ، إنما هي متحركة حركة سريعة ، وهذه الحقيقة كانت غامضة لمن سلف من الناس ، ولكن مع التقدم العلمي والثورة التقنية التي نعيشها اليوم ، تأكد للعلماء أن الجبال تتحرك حركة سريعة ، ذلك أن الجبال جزء أساسي من الأرض ، ولقد ثبت لنا أن الأرض تدور دورانا سريعا ، وعليه فإن الجبال مسرعة بسرعة الأرض ، وهناك أدلة أخرى على حركة الجبال نقف مع العلماء ليحدثونا عنها.

الحقائق العلمية :

(لقد شبه الحق الجبال بالسحاب المتحرك تشبيها بليغا ، نعرف سره من الحقائق التالية:

١ ـ حركة الأرض : السحاب كما هو معروف لا يتحرك بذاته ، ولكنه يتحرك محمولا على الرياح ، وإرسال الرياح يتم بحركتها لتهب من مكان لآخر فتساعد على تكوين وإظهار السحب ، ثم تحريك هذا السحاب محمولا على الرياح ، وبهذا فالسحاب متحرك راكب الرياح ، وبالمثل فالجبال تجري لأنها تمتطي كوكب الأرض المنطلق في الفضاء أي بحركة غير ذاتية ، ولهذا فالجبال تمر مرّ السحاب ، فما أروع التشبيه وما أعمق الإشارة إلى حركة الأرض وهي تحمل معها الجبال ، بينما الناس كانوا يحسبون حتى أن كليهما ساكن وجامد.

٢ ـ إزاحة القارات : لقد ثبت علميا أن القشرة الأرضية تتحرك باستمرار حركة بطيئة ، ونستطيع أن نتخيل القارات بجبالها وكأننا معها ركاب مسافرون على ظهر ألواح قارية ضخمة ، لطبقة أرضية تدعى (الليثوسفير) بسمك متوسط قدره ٦٠ ميلا تحت أقدامنا ، وهذه الألواح تنزلق ببطء ، طافية على طبقة الرداء البلاستيكية المنصهرة

٣٦٤

تقريبا ، والتي تدعى (الأثينوسفير) ، كما أن الجبال قد تصل بجذورها إلى هذه الطبقة لتطفو كما تفعل القشرة ، فالقارات بجبالها الطافية فوق الرداء تشبه السفن العملاقة الطافية فوق البحار في رسوها بل وفي حركتها ... وعلى هذا فالجبال مع قاراتها تمر طافية على ألواح (الليثوسفير) مرورا بطيئا ، لا تستطيع إدراكه فتحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) (١).

ولقد كشف علم الجيولوجيا حديثا عن الحقيقة العلمية (التي تؤكد التغير المستمر لما يبدو لنا ثابتا وخالدا كالصخور والجبال ، وهذا التغير قد يحدث تدريجيا عبر ملايين السنين ، وقد يحدث فجائيا عند حدوث الكوارث الطبيعية كما حدث في زلزال (ألاسكا) عام ١٩٦٤ ، الذي هزّ جبلا عاليا هزا عنيفا لدرجة أن جزءا كبيرا من قمة الجبل تحطم ... إن كل ظواهر التعرية تتم بتقدير إلهي ينظم كل شيء في ترتيب متقن محكم ، فالجبال ليست ساكنة أو دائمة ولكنها تمرّ مرّ السحاب ، فهي تتشكل وتزول تدريجيا عبر ملايين السنين ، أو تزول بصورة مفاجأة كما في حالة الكوارث الطبيعية) (٢).

وأما قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)) (٣).

فإن هذه الآية تخلق مثيرا في كيان العلماء لتنبههم إلى حقيقة جيولوجية ، قد أشار إليها كتاب الله ، وهذه الحقيقة تتمثل في اختلاف وتنوع صخور الجبال وألوانها ، وإنما يعود اختلاف ألوانها إلى اختلاف تركيبها وتكوينها ، ولكن منشأها واحد وهو الأرض ، وعليه فإن هذا الاختلاف والتنوع وراءه أصل واحد ، وفي هذا تأكيد على وحدانية الخالق سبحانه وتعالى.

__________________

(١) المعارف الكونية ، نخبة من العلماء ، ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، وانظر : كوكب الأرض ، حسن أبو العينين ، الإسكندرية ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، الطبعة الحادية عشر ، ١٩٩٦ ، ص : ٣٧٦ وما بعدها ، وانظر : قواعد الجيومورفولوجيا العامة ، جودت حسنين جودت ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، ١٩٩٦ ، ص : ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٢) من دلائل الإعجاز العلمي ، موسى الخطيب ، ص ٢٥١.

(٣) سورة فاطر ، الآيتان ٢٧ ، ٢٨.

٣٦٥

ولقد قسم العلماء الصخور إلى (ثلاثة أنواع رئيسية :

١ ـ صخور نارية :(lgneous) ، وهذه الصخور هي صهير السائل الساخن (الماجما) المنبعث من تحت سطح الأرض وهي عدة أنواع :

أ ـ الصخور الجرانيتية.

ب ـ الصخور الأنديسيتية.

ت ـ الصخور البازلتية.

د ـ الصخور الفلزبركانية.

وهذه الصخور المتبردة من الصهير الذي تقترب الأيونات من بعضها وتفقد حرية الحركة ، وعند ما يصل التبريد حدا كافيا تحد قوة الترابط الكيميائي من حركة الذرات وتجبرها على الانتظام في بنية بلورية ... ثم تتصلب تباعا ، وتختلف ألوان هذه الصخور فمنها الأخضر والأبيض والأحمر هذه من ألوان الجرانيت ويكون البازلت أسودا أو رماديا قاتما) (١).

(٢ ـ الصخور الرسوبية :(Sedimentary) ، وقد تجمعت هذه الصخور في الأحقاب المنصرمة في البحار وهي عدة أنواع :

أ ـ الصخور الرسوبية الحتاتية.

ب ـ الصخور الرسوبية الكيميائية.

ت ـ الصخور الرسوبية العضوية.

إن للصخور الرسوبية أهمية خاصة في استنباط تاريخ الأرض ، فهي تتكون عند سطح الأرض في طبقات ، وكل طبقة تسجل طبيعة البيئة التي ترسبت فيها وقت ترسبها ، وهذه التراكمات التي تسمى طبقات تمثل الخاصية الوحيدة المميزة للصخور الرسوبية) (٢).

(٣ ـ صخور متحولة :(Metamorphic) ، وهذه الصخور في أصلها كانت رسوبية أو نارية بشتى أنواعها ثم تحولت بعد ذلك بسبب الضغط الشديد والحرارة القوية في أعماق الأرض إلى صخور متنوعة ، وأثناء عمليات التحول الشديد يمكن أن يكون انتقال الأيونات كافيا ليسبب فصل المعادن عن بعضها ...

__________________

(١) الأرض مقدمة للجيولوجيا الطبيعية ، تاربوك ولوتجنز ، ص ٧٥.

(٢) المصدر نفسه ، ص ١٧٣.

٣٦٦

ويتحول صخر (الجرانيت) إلى صخر (النايس) ، ويتحول الحجر الطيني إلى (اردواز) وعمليات التحول تسبب كثيرا من التغيرات في الصخور بما في ذلك الزيادة في كثافة الصخور ونمو البلورات الكبيرة وتغير اتجاه الحبيبات المعدنية ، الذي ينشأ عنه مظهر محزم يسمى بالتورّق ، واستبدال المعادن المتكونة في درجة حرارة منخفضة بأخرى متكونة في درجات حرارة مرتفعة) (١).

الإعجاز :

وهكذا فإن الحق سبحانه وتعالى يسجل في كتابه المجيد الحقائق العلمية المتوالية ، فلقد قرر أن الجبال ليست ثابتة ولا جامدة ، إنما تمر مرّ السحاب ، ويأتي علماء الجيولوجيا ليكتشفوا هذا القانون الرباني في حركة الجبال ، ثم إن هذه الحقائق العلمية ، عن الصخور وتشكلها وتلونها وتباينها جمعتها آية قرآنية : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) ، وفي الآية إشارة إلى ضرورة البحث في علوم الجيولوجيا والفيزياء والكيمياء ، التي تتشابك هذه العلوم مع بعضها لتصل إلى الكشف عن أسرار وحقائق الكون ، الذي أرسى الحق تبارك وتعالى قواعدها بين دفّتي كتابه العظيم.

__________________

(١) الأرض مقدمة للجيولوجيا الطبيعية ، تاربوك ولوتجنز ، ص : ١٩٣.

٣٦٧
٣٦٨

الفصل العاشر

الإعجاز القرآني في البحار

تمهيد.

المبحث الأول : ظلمات البحار وتنوع الأمواج.

المبحث الثاني : مرج البحرين يلتقيان.

المبحث الثالث : والبحر المسجور.

المبحث الرابع : اهتزاز الأرض بماء السماء.

٣٦٩
٣٧٠

تمهيد

الماء آية من آيات الله البديعة ، وشارة ناطقة على عظمة الخالق ، في بث روح الحياة في الكائنات كلها ، والحياة هي سر من أسرار الله في الكون ، وبين الماء والحياة تلازم وثيق ، فلا حياة بدون ماء ولقد جعل العليم الخبير جل جلاله الماء سببا لاستمرار الحياة وبقائها ، فمقوّمات الحياة وعناصر تكوينها المختلفة ، لا يكتب لها البقاء ولا يمكن أن تستنشق روح الحياة إلا بالماء ، فمن الماء الدافق خلق الإنسان وتكوّن ، ومن الماء مع التراب تزهو دنيا النباتات ، وتتكاثر بقية المخلوقات وتسعد بنعمة الماء الزلال ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (١).

ولقد جعل الحق عزوجل للماء دورة متكاملة لاستمرار الحياة ، بدءا من حرارة الشمس فبخار الماء فتكوين السحب ثم إمطار الماء من السماء ، لتتفجر البراعم الخضراء الحية من أكمامها ، وترتوي الأنعام ، وينعم الإنسان ، وتزهو الدنيا ، قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢).

ولقد ورد في القرآن الكريم الحديث عن الماء العذب والماء الأجاج المالح ، وأخذ الحديث عن البحار شوطا ومساحة ليست بالقليلة في كتاب الله تعالى ، وذلك للأهمية الآنفة ، ولسوف يتناول في هذا الفصل قضايا بحرية عرضها الحق عرضا غاية في البيان الإعجاز ، من ذلك الحديث عن مرج البحار والتقائها دون امتزاج أو بغي ، وما فيها من دلالات علمية وقرآنية ، وكذلك الحديث عن ظلمات البحار المتنوعة ، وما حوت من

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٦٤.

٣٧١

عجائب كثيرة كوجود أمواج داخلية تم الكشف عنها في زماننا ، وقد ذكرها ربنا في كتابه المجيد بكل وضوح ، ثم نعرج للحديث عن قسم القرآن بالبحر المسجور ، والذي تعرف عليه إنسان عصرنا واكتشف وجود الحمم والبراكين الثائرة الملتهبة في قيعان البحار ، ثم نعرض قضية اهتزاز التربة بماء السماء وما رافق هذه العملية من إعجازات ربانية.

٣٧٢

المبحث الأول

ظلمات البحار وتنوع الأمواج

قال تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (١).

تشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقة علمية رائعة في علم البحار ، فهي تحدثنا عن بعض مزايا البحر العجيب ، وتكشف لنا طرفا من مشاهده المدهشة ، ألا وهو وجود أمواج داخلية للبحر ، وظلمات متعددة فيه ، وقبل سوق الحقائق العلمية التي تفسر هذه الآية وتؤكد حقائقها الثابتة ، نستعرض بعض أقوال أهل العلم من المفسرين لنقف عند رؤيتهم العلمية لهذه الآية ، ولنرى ذلك من خلال كلامهم عن معاني المصطلحات القرآنية من الناحية اللغوية.

ففي تفسير «فتح البيان» : (في بحر لجي ، معظم الماء ، والجمع لجج ، وهو الذي لا يدرك عمقه ، ثم وصف سبحانه وتعالى هذا البحر بصفة أخرى فقال : (يَغْشاهُ) أي يعلو هذا البحر (مَوْجٌ) فيستره ويغطيه بالكلية ، والموج : ما ارتفع من الماء ، ثم وصف هذا الموج بقوله : (مِنْ فَوْقِهِ) أي من فوق هذا الموج (مَوْجٌ) ثان متراكم فيه إشارة إلى كثرة الأمواج وتراكم بعضها فوق بعض ، ثم وصف الموج الثاني فقال :

(مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) فيجتمع حينئذ جوف البحر وأمواجه والسحاب المرتفع فوقه) (٢).

ويقول القرطبي رحمه‌الله : ((فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) قيل : هو منسوب اللجة ، وهو الذي لا يدرك قعره واللجة معظم الماء ، والجمع لجج ، واللج البحر إذا تلاطمت أمواجه ... (يَغْشاهُ مَوْجٌ) أي يعلو ذلك البحر اللجي : (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) أي من فوق الموج موج ، ومن فوق هذا الموج الثاني ، سحاب (سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) والمراد

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٤٠.

(٢) فتح البيان في مقاصد القرآن ، للقنوجي ، ٩ / ٢٣٨.

٣٧٣

بهذه الظلمات ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة الليل وظلمة البحر ، فلا يبصر من كان في هذه الظلمات شيئا ولا كوكبا ...

(إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) أي الناظر (لَمْ يَكَدْ يَراها) أي من شدة الظلمات) (١).

وفي تفسير «بحر العلوم» : ((أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) يعني : مثل الكافر كمثل رجل يكون في بحر عميق في الليل ، كثير الماء (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ) يعني يكون في ظلمة البحر ، وظلمة الليل ، وظلمة السحاب ، فكذلك الكافر في ظلمة الكفر ، وظلمة الجهل وظلمة الجور والظلم ، ويقال : (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) يعني المعاصي ، ومن فوقه العداوة والحسد والبغضاء ، و (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) يعني الخذلان من الله تعالى.

ثم قال : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) كما قال للمؤمن : (نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) فيكون للكافر ظلمة على ظلمة ، قوله ظلمة ، وعمله ظلمة ، واعتقاده ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ومصيره إلى الظلمة ، وهو النار ، ويقال : شبه قلب الكافر بالبحر العميق ، وشبه أعضاءه بالأمواج الثلاث ، طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، فهذه الظلمات الثلاث تمنعه عن الحق ، ثم قال : ((إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) يعني لم يكن أقرب إليه من نفسه ، فإذا أبرز يده لم يكد يراها من شدة الظلمة ، ومع ذلك لم ير نفسه) (٢).

وعند الطبري : (ومثل أعمال هؤلاء الكفار في أنها عملت على خطأ وفساد وضلالة وحيرة من عمالها فيها وعلى غير هدى ، مثل ظلمات في بحر لجّيّ ، ونسب البحر إلى اللّجة ، وصفا له بأنه عميق كثير الماء ، ولجة البحر معظمه ، يغشاه موج يقول : يغشى البحر موج ، من فوقه موج يقول : من فوق الموج موج آخر يغشاه ، من فوقه سحاب يقول : من فوق الموج الثاني الذي يغشى الموج الأوّل سحاب ، فجعل الظلمات مثلا لأعمالهم ، والبحر اللجي مثلا لقلب الكافر ، يقول : عمل بنية قلب قد غمره الجهل وتغشّته الضلال والحيرة كما يغشى هذا البحر اللّجيّ موج من فوقه موج من فوقه سحاب ، فكذلك قلب هذا الكافر الذي مثل عمله مثل هذه الظلمات ، يغشاه الجهل

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ، للإمام القرطبي ، ٦ / ١٨٨ ، وانظر : تفسير روح البيان ، إسماعيل حقي البروسوي ، بيروت ، دار الفكر ، د. ت ٦ / ١٦٢.

(٢) بحر العلوم ، للسمرقندي ، ٢ / ٥٣٨.

٣٧٤

بالله بأن الله ختم عليه فلا يعقل عن الله ، وعلى سمعه فلا يسمع مواعظ الله ، وجعل على بصره غشاوة فلا يبصر به حجج الله ، فتلك ظلمات بعضها فوق بعض) (١).

ولو فتشنا عن معنى (لُجِّيٍ) في المعاجم ، فسنجد : (لجة البحر حيث لا يدرك قعره ، ولج الوادي جانبه ، ولج البحر عرضه ، ولج البحر الماء الكثير الذي لا يرى طرفاه ... ولجة الأمر ، معظمه ، ولجة الماء بالضم معظمه ، وخص بعضهم به معظم البحر ، وكذلك لجة الظلام ، وجمعه لج ولجج ولجاج) (٢).

وفي «العين» : (ولجة البحر حيث لا ترى أرض ولا جبل ، ولجج القوم ، دخلوا في لجة ، وبحر لجي أي واسع اللجة) (٣).

سبحان الله ، ما هذا الوصف الدقيق لأمواج البحار وطبائعها ، والذي يتأمل الآية الكريمة ، ويدقق بأقوال المفسرين ثم يربط ذلك في الزمن الذي نزلت فيه هذه الآية ، وبالعصر الذي قال فيه المفسرون هذا الكلام ، يقف مشدوها مستغربا من ذلك ، لأنهم يتحدثون عن حقائق العلم التي وصل إليها إنسان القرن العشرين ، وما يدريهم هم بهذه الأمواج السطحية والداخلية والظلمات الدامسة في أعماق البحر ، هل سبروا أغوار البحار ورأوها ، هل التقطوا صورا فضائية وشاهدوها؟ نعم إنهم شاهدوها بمنظار العقيدة واليقين ، ورأوها من خلال مرآة القرآن المعجز الكريم.

بوسعنا الآن أن نستنبط من الآية الكريمة ثلاث حقائق وهي :

١ ـ هناك أمواج داخلية في أعماق البحر تحت الأمواج السطحية.

٢ ـ وهذه الأمواج غير موجودة في أيّ بحر ، وإنما يجب أن يكون عميقا. (لُجِّيٍ).

٣ ـ المناخ الذي يحيط في تلك المنطقة ملبد بالسحب والغيوم.

تلك هي التصورات القرآنية حول قضيتنا هذه ، وقبل أن نثبت الحقائق العلمية التي وصل إليها البحاث ، نشير إلى لفتة لطيفة في هذا الصدد ، وهي قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ) ففي الآية إعجاز لأنها تتحدث عن ظلمات في أعماق البحر ، ولقد تكررت مرتين لتوكيد هذه الظلمات ، ولم يقل الحق : ظلام ، إنما قال : (كظُلُماتٍ) وهذه

__________________

(١) جامع البيان ، للطبري ، ١٨ / ١١٥.

(٢) لسان العرب ، لابن منظور ، ٢ / ٣٥٥.

(٣) العين ، للفراهيدي ، ٦ / ١٩.

٣٧٥

الظلمات (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) فما هو المقصود من هذه الظلمات ، لقد كشف العلم عن السر الكامن من وراء هذه الكلمة وإليك بيانه.

الحقائق العلمية :

(طيف النور ، لو طبقت المنشور سينعكس إلى سبعة ألوان ، ووجد العلماء أنه إذا وصل إلى عشرة أمتار سيختفي اللون الأحمر قبل تحوله إلى ظلمة ، فيصبح لون الدم بعد عشرة أمتار أسودا ، فإذا وصل إلى ثلاثين مترا ، يبدأ ظلام آخر حيث يختفي اللون البرتقالي ويتحول إلى ظلمة ثانية ، فإذا وصل إلى خمسين مترا ، يبدأ ظلام جديد ثالث فيختفي اللون الأصفر ، فيصبح ظلام اللون الأحمر فوق ظلام اللون البرتقالي وفوق ظلام اللون الأصفر ، ظلمات متراكمة ، ثم إذا ما وصل إلى مسافة ١٠٠ مترا يختفي اللون الأخضر ، وإلى عمق خمس مائة متر ، تختفي الألوان كلها إلا الأسود ، فيبقى مميزا وكأنه ظل يتحرك أمام الرائي هناك ، وعلى عمق ١٠٠٠ متر تنعدم الرؤيا تماما ، أليست هذه (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) لشدة الظلام أو الظلمات المطبقة) (١).

وحول هذه الحقيقة يتحدث كبار علماء البحار في كتاب كتبه ثلاثون عالما من العلماء المتخصصين في الملاحة البحرية ، وجمع أبحاثهم ريتشارد فيتر (٢) وعنون هذا الكتاب ب «علم المحيطات» وفي تأكيد هذه الحقيقة وتوضيحها ، يقول الكابتن جاك كوستو (٣) في مبحث من مباحث هذا الكتاب : (عند ما يخترق ضوء النهار البحر فإن اللونين الدافئين الأحمر والبرتقالي يزولان بسرعة وعلى عمق ٥٠ مترا لا يبقى غير الألوان الخضراء والزرقاء والأرجوانية من ألوان الطيف ، ومع ذلك إذا أدخلنا الضوء

__________________

(١) مقتبسة من محاضرة عن البحار للداعية طارق سويدان ، شريط كاسيت.

(٢) ريتشارد فيتر ، كان منسقا لبرامج ندوات صوت أمريكا لعلم وصف المحيطات ، وهو يشغل الآن منصب السكرتير التنفيذي لمجلس شئون المحيطات بالأكاديمية القومية للعلوم والمجلس القومي للبحث العلمي. انظر : مقدمة المترجم ص : ٦.

(٣) جاك كوستو ، مدير متحف المحيطات في موناكو عام ١٩٤٣ ، أثناء خدمته في البحرية الفرنسية اخترع الكابتن كوستو الرئة المائية ومنذ عام ١٩٥٠ وهو يشغل منصب قبطان سفينة كاليبسو لبعثات مسح المحيطات ، وكاليبسو هو الاسم الذي اختاره لمركبته التي تغوص تحت الماء.

انظر : المترجم ص : ١٤.

٣٧٦

صناعيا تحت الماء ، فإن الأصقاع وحيوانات البحر العميقة سرعان ما تدب فيها الحياة بصبغة زاهية لم يكن في الحسبان أن تكشف عن نفسها ، وعلى عمق ثلاثمائة متر يشع ضوء أحادي بلون كاف نستطيع به أن نرى أشكال الصخور أو حركة الأسماك ، وعلى عمق ألف متر وحتى في أفضل الظروف وأنسبها ، فالليل أبدى للعين البشرية ، فالرؤية تكون أحيانا سيئة في مصبات الخلجان والموانئ أو المدن ، ولكن الماء يكون صافيا بصفة عامة أو شديد الصفاء في المحيط المفتوح أو العمق الأخضر ، وعند ما يبدو الماء صافيا كالبلور فإن الرؤية لا تزيد عادة على ثلاثين مترا للغواصين شأنها في ذلك شأن ضباب مدينة مثل لندن) (١).

سبحان الله ، من أخبر محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذه الظلمات في البحر؟.

إن الذي أخبره عن الظلمات البحرية هو الذي أنبأه عن الأمواج الداخلية ، وعن العلاقة بين السحب الجوية والأمواج.

قال تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) الآية تتحدث عن وجود أمواج داخلية في أعماق البحر ، وأخرى سطحية من فوقها سحاب ، فما ذا قال العلم في ذلك؟.

في كتاب «علم المحيطات» عقد فصل بعنوان «الأمواج» وتحدث عن الأمواج بنوعيهما الخارجية والداخلية ، أما عن الأمواج الداخلية فقال : (لقد تكلمنا لحد الآن عن الأمواج التي تقع في المنطقة الواقعة بين سطح الماء والهواء ، ولكن يمكن للأمواج أن تمتد بين أي سائلين مختلفي الكثافة ، فمثلا بين الزئبق والهواء ، وبين النفط والماء ، وبين طبقات ماء المحيط ذات درجات الكثافة المختلفة ، وكلما كان الاختلاف كبيرا في الكثافة بين السائلين ، كلما انتقلت الأمواج بصورة أسرع ، فمثلا لكون الزئبق كثيف جدا بالمقارنة مع الهواء فإن الأمواج فوق الزئبق ستنتقل بسرعة كبيرة ، ومن جهة أخرى فالماء أكثف من الزيت بكثير لذلك سوف تتحرك الأمواج بين السائلين بصورة بطيئة ، وعند تواجد طبقتين من ماء المحيط ذات درجات كثافة مختلفة قليلا ، يمكن أن تتكون الأمواج بين هاتين الطبقتين وتدعى هذه الأمواج الداخلية (internal wave) وتنتشر ببطء متناه) (٢).

__________________

(١) علم المحيطات ، ريتشارد فيتر ، ترجمة ، ميشيل تكلا ، القاهرة ، مطبوعات كتابي ، د. ت ، ص : ٢٠.

(٢) علم المحيطات ، كيث ستو ، ترجمة ، تلفان عناد أحمد ، البصرة ، نشر جامعة البصرة ، ١٩٨٦ ، ص : ٥٢٣.

٣٧٧

(ولقد تحدث العلماء عن صنف من الأمواج الداخلية ويدعى أمواج التسونامي (tsunami) وهي نوع من الأمواج التي تسير بسرعة هائلة تبلغ ٦٠٠ قدم في الثانية ، وتحدث في الطبقات العميقة من المحيطات نتيجة الزلازل والبراكين وأحيانا الانفجارات الذرية ، وهذه الأمواج قليلة الحدوث ، إلا أنها خطيرة جدا ، وينشأ عنها خسائر فادحة ، علاوة على أنه لا يمكن التنبؤ بها) (١).

وفي كتاب «الماء والحياة بين العلم والقرآن» : (ونحن نعلم بأن هناك أمواجا على سطح البحر تعرفها جميعا ، وهي صغيرة الحجم بالنسبة لما كشفه العلم سنة ألف وتسعمائة بواسطة علماء (إسكندينافة) وهي الأمواج الداخلية في أعماق البحر المحيط ، ودعم ذلك ما قامت به الأقمار الصناعية من استشعار عن بعد ، وتصوير لهذا النوع الجديد من الأمواج سنة ألف وتسعمائة وثلاث وسبعين والذي ما عرفه إنسان قبل التاريخ ولا بعده إلا منذ سبع سنوات فقط ، وطول هذه الأمواج السحيقة العملاقة يبلغ عشرة كيلومترات ، وسمكها آلاف الأمتار ... والمسافة بين الموجة السحيقة والأخرى المجاورة لها في الأعماق تبلغ ٣ ـ ٤ ك. م ، وهذا نوع كبير جدا إذا قورن بالأمواج السطحية التي توجد فوق سطح المحيط ، والتي ما كنا نعرف غيرها من أنواع الأمواج إلا أخيرا ، وهذا النوع السحيق يسود في البحار المظلمة ، مثل المحيط الهادي والأطلنطي ، فالمحيط الهادي سحيق الغور وأعمق مناطق العالم تقع فيه ، وهو أخدود (المارياناز) الذي يصل عمقه إلى ٣٦٠٥٦ قدما ، وهذه المناطق المظلمة هي التي يستحيل وصول ضوء الشمس إليها ، لعمقها الشديد ، وتراكم طبقات المياه الكثيفة ، وقيام الطبقة السطحية من المحيط بإعكاس ضوء الشمس ... ولذلك فقد صمم الخالق الأعظم أنواع الأسماك هناك بلا عيون ، لأنها لا تستخدمها في الرؤية ، وتعيش هذه الأسماك هناك بسمعها ولكن لا تبصر ، وهذا الظلام لا يكون كما رأينا في كل بحار الدنيا ، وإنما البحار العميقة فقط ، والغريب أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال بذلك رغم أن ما يحيط بالجزيرة العربية من الشرق هو الخليج العربي وهو ليس بحرا لجيا ، والبحر الأحمر من الغرب ، وهو بحر داخلي قليل العمق ، وبحر العرب من الجنوب وهو الآخر ليس بحرا لجيا ...

إنه لإعجاز حقا أن يخبرنا القرآن منذ ألف وأربعمائة عام بتلك الظاهرة ، فالظلمات

__________________

(١) علم البحار والمحيطات ، ميلاد سعيد الرماح ، ليبيا ، نشر القوات البحرية ، ١٩٧٩ ، ص : ٦٧.

٣٧٨

التي ذكرها القرآن لا توجد في البحار المحيطة بمهبط رأس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وموطنه ، فمن كشف لمحمد هذه الأسرار؟ ومن كشف له عن ظلمات السحب في هذه المناطق التي يتميز مناخها بالاضطرابات والأعاصير وتراكم السحب السوداء في سماءها؟ إنه الله سبحانه وتعالى الذي أخبره عن طريق الوحي بكل ذلك وجعله سهل الفهم على حسب مدارك ابن الصحراء ، وابن عصر الفضاء على حد سواء) (١).

الإعجاز :

لقد أثبت القرآن الكريم أن هناك أمواجا داخلية غير الأمواج السطحية ، وهذه الأمواج تتواجد في المحيطات العميقة اللجية ، والتي تتلبد سماؤها بالغيوم ، أما البحار التي قعرها قريب وسماؤها صافية ، فلا يوجد فيها أمواج داخلية ، وهذا ما أكده العلم وقرره ، فالأمواج الداخلية تتواجد في المحيط الهادي والأطلنطي ... فهل ملك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأقمار الصناعية لتصوير هذه الأمواج أم أنه وحي السماء.

__________________

(١) انظر : الماء والحياة بين العلم والقرآن ، عبد العليم عبد الرحمن خضر ، جدة ، الدار السعودية ، الطبعة الأولى ، ١٩٨٥ ، ص ١٩٦.

٣٧٩

المبحث الثاني

مرج البحرين يلتقيان

قال تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢)) (١).

وقال تعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٢).

وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (٣).

في هذه الآيات إعجاز علمي رائع في عالم البحار ، حيث إنها تتحدث عن بحرين يختلطان لكن دون امتزاج ، بسبب وجود برزخ بينهما ، وقبل أن نثبت الحقائق العلمية التي تفسر هذه الآيات ، نورد أقوال المفسرين لنرى كيف فهموا هذه الآيات القرآنية التي تتضمن بعض الظواهر الكونية ، ولنقف عند التحليل اللغوي لبعض المصطلحات القرآنية هنا.

قال الطبري رحمة الله : (والله الذي خلط البحرين ، فأمرج أحدهما في الآخر ، وأفاضه فيه ، وأصل المرج الخلط ، ثم يقال للتخلية : مرج ، لأن الرجل إذا خلى الشيء حتى اختلط بغيره ، فكأنه قد مرجه ... وإنما قيل للمرج مرج من ذلك ، لأنه يكون فيه أخلاط من الدوابّ ، ويقال : مرجت دابتك : أي خليتها تذهب حيث شاءت) (٤).

__________________

(١) سورة الرحمن ، الآيات : ١٩ ـ ٢٢.

(٢) سورة النمل ، الآية : ٦١.

(٣) سورة الفرقان ، الآية : ٥٣.

(٤) جامع البيان ، للطبري ، ١٨ / ١٥ ، وانظر : معاني القرآن ، لأبي إسحاق إبراهيم بن الري الزجاج ، تحقيق ، عبد الجليل شلبي ، بيروت عالم الكتب ، الطبعة الأولى ، ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٨ ، ٥ / ١٠٠.

٣٨٠