الإعجاز القرآني في ضوء الإكتشافات العلمي الحديث

مروان وحيد شعبان

الإعجاز القرآني في ضوء الإكتشافات العلمي الحديث

المؤلف:

مروان وحيد شعبان


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 9953-85-052-6
الصفحات: ٤٤٤

الفصل السابع

الإعجاز القرآني في القمر

تمهيد.

المبحث الأول : القمر منير.

المبحث الثاني : انشقاق القمر.

المبحث الثالث : منازل القمر.

المبحث الرابع : وجمع الشمس والقمر.

٢٨١
٢٨٢

تمهيد

للقمر مكانة سامية في قلوب الناس منذ أحقاب سحيقة مضت من الزمن ، وذلك لاعتباره أقرب الأجرام السماوية إلى الأرض ، ولما ينطوي على سرّ الروعة والبهاء عند ما يرسل أشعته الفضية إلى الأرض ، فتنفلق ظلمات الليل بضيائه المنير الذي يضفي على الأرض رونقا متألقا من النور الهادئ الأخّاذ ، ولذلكم فإن طائفة كبيرة من البشر قديما اعتبرت القمر إلها يلجأ إليه عند نزول الكوارث والأزمات ، وبذلك صبئوا فكانوا من الوثنين الذين أتى القرآن ليحررهم من معتقداتهم التي ارتبطت بالأجرام وبالشمس والقمر ، حيث يقول : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١).

ولقد اضمحلت تلك الوثنيات التي يترنّم بها الشعراء ، ويشبه بها المحب حبيبه بوجه القمر وجماله ، وذابت عند ما وطئ رواد الفضاء القمر بأقدامهم وسفنهم الفضائية ، وصوّروه لنا وإذا به صخور جرداء ، وفوهات مخيفة ، وتضاريس داكنة سوداء ، وبهذا يكون قد خف سحر القمر وجماله البرّاق ، وسطعت معالم التقنية البشرية الحديثة ، لتسطّر التحوّل التاريخي في دنيا البشر ، وتمكنها من النزول على سطح القمر.

وسوف يتناول في هذا الفصل الحديث عن السبق القرآني يوم أثبت أن القمر جسم بارد يكتسب نوره من الشمس ، وليس متوهجا مثلها ، كما أن القرآن قرر أن القمر كان مشتعلا في فترة من الفترات ثم انطفأ ، وسنتحدث عن معجزة عظيمة خلدها القرآن الكريم في صفحاته ، ألا وهي معجزة انشقاق القمر ، التي وقعت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويأتي العلم اليوم ليؤكد انشقاق القمر ، ونتحدث عن قرار القرآن بإمكانية غزو الفضاء ، والصعود في طبقاته ، كما سنتطرق للحديث عن الإعجاز القرآني في السنة الشمسية والقمرية ، ونذيّلها بالحديث عن منازل القمر ، ويختم الفصل بالحديث عن نهاية القمر وعن الصورة الدقيقة التي وضعها القرآن الكريم لنهايته ، والتي أكدها العلماء بشكل دقيق.

__________________

(١) سورة فصلت ، الآية : ٣٧.

٢٨٣

المبحث الأول

القمر منير

قال تعالى : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) (١).

وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (٢).

وقال تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) (٣).

قبل أن نشرع في الحديث عن أوجه الإعجاز القرآني في هذه الآيات ، نسوق بعض المعلومات العامة والظروف الفيزيائية للقمر ، لتكون الصورة واضحة ودقيقة في بحثنا ، وهذه بعض الخواص والمعلومات عن القمر والتي أفادنا بها العلماء.

(كتلة القمر ٨١ ، ٣ : ١ من كتلة الأرض.

حجم القمر ٥٠ : ١ من حجم الأرض.

نصف قطره ١٠٠ : ٢٧ من نصف قطر الأرض.

المجال المغناطيسي ١٠ : ١ مليون من مجال الأرض.

طول اليوم ٢٧ ، ٣ يوم أرضي.

وليس للقمر غلاف هوائي بسبب قربه من الأرض ، مع ضعف جاذبيته والارتفاع الكبير في درجات الحرارة عليه أثناء النهار ، ولا يزيد قدر الغازات التي قد تتراكم منسابة من باطنه في أي وقت عن جزء من المليون من كتلة جو الأرض ، كذلك لا يوجد على القمر ماء سائل ولا ثلوج ، ولم يجد رواد الفضاء الذين هبطوا على القمر أثرا لمياه جوفية تحت سطحه ، ولكن الصخور التي جلبوها لتحليلها على الأرض ثبت احتوائها

__________________

(١) سورة نوح ، الآية : ١٦.

(٢) سورة يونس ، الآية : ٥.

(٣) سورة الإسراء ، الآية : ١٢.

٢٨٤

القمر على شكل بدر وذلك بفعل أشعة الشمس التي تنير سطحه

على الماء في تركيبها الكيميائي ، وكان رواد الفضاء على سفن أوبللو الأمريكية قد جلبوا ٢٠٠٠ عينة كتلتها ٣٨٢ كجم) (١).

بعد هذه المعلومات العامة الموجزة عن القمر ، نبدأ في الحديث عن الإعجاز القرآني في الآيات التي صدرنا بها هذا المبحث ، حيث تدل هذه الآيات دلالات علمية مدهشة ، أخبر عنها القرآن الكريم فكان سبّاقا في ميدان إثبات الحقائق العلمية التي عرفها الناس حديثا.

__________________

(١) علم الفلك العام ، ميرفت السيد عوض ومصطفى كمال محمود ، ص ١٢٦ ـ ١٢٧.

٢٨٥

أما عن الآيتين الأولى والثانية ، فهما تخبرانا أن للشمس صفتين (سِراجاً) ، و (ضِياءً) ، وقد حللنا هاتين الصفتين عند حديثنا عن الشمس ، وعرفنا أن الشمس نجم ينتج بتفاعلاته النووية واحتراقه الداخلي حرارة قوية شديدة وضوءا ، وتلك هي صفة السراج ، فالضوء الذي تصدره الشمس يكون مشحونا بالحرارة على خلاف صفة الإنارة ، فالنور من صفات القمر ، والإنارة هي ما يستنير به المكان بدون حرارة ، إذا فالقمر ليس مضيئا بذاته ، ولكنه يعكس الضوء الذي يستقبله من الشمس.

وهذا المعنى أكده العلماء والمفسرون ، يقول الإمام ابن كثير رحمه‌الله : (يخبر الله تعالى عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه ، وأنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء وجعل شعاع القمر نورا ، هذا فن وهذا فن آخر ، ففاوت بينهما لئلا يشتبها ، وجعل سلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل) (١).

أما الإمام الرازي فيقول : (النور اسم لأصل هذه الكيفية ، وأما الضوء فهو اسم لهذه الكيفية إذا كانت كاملة تامة قوية ، والدليل عليه أنه تعالى سمى الكيفية القائمة بالشمس (ضِياءً) والكيفية القائمة بالقمر (نُوراً) ولا شك أن الكيفية القائمة بالشمس أقوى وأكمل من الكيفية القائمة بالقمر) (٢).

وأما الآية الثالثة فهي تخبرنا أن الله سبحانه وتعالى قد محا آية الليل ، التي هي القمر بعد أن كانت ملتهبة ، محاها وطمسها ، وترك آية النهار مبصرة مضيئة التي هي الشمس.

يقول الفخر الرازي : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) أن يكون المراد وجعلنا نيّري الليل والنهار آيتين ، يريد الشمس والقمر ، (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) وهي القمر والمراد من محو القمر الكلف الذي يظهر في وجهه ... ومعنى المحو في اللغة إذهاب الأثر ، تقول : محوته أمحوه وانمحى وامتحى إذا ذهب أثره ... (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) ومعنى كونها مبصرة ، أي مضيئة وذلك لأن الإضاءة سبب لحصول الإبصار ، فأطلق سبحانه اسم الإبصار على الإضاءة إطلاقا لاسم السبب على المسبب) (٣).

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٣ / ١٨١.

(٢) التفسير الكبير ، للفخر الرازي ، ٩ / ٣٥ ، وانظر : حاشية الشهاب على البيضاوي ، لشهاب الدين أحمد بن عمر الخفاجي ، تحقيق ، عبد الرزاق المهدي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، ١٣١٧ ه‍ / ١٩٩٧ ، ٩ / ١٨٤.

(٣) التفسير الكبير ، للفخر الرازي ، ١٠ / ١٦٥ ، وانظر : الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ٥ / ١٤٩.

٢٨٦

(والليل في نفسه آية ، وفيه آيات ، وأظهر آياته هو القمر ، فيقال في القمر : آية الليل ، والنهار في نفسه آية ، وفيه آيات ، وأظهر آياته هي الشمس ، فيقال في الشمس : آية النهار ... ثم إن المراد من لفظ الآية في الموضعين واحد :

١ ـ فإما أن يراد بها نفس الليل والنهار ، والإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد للمعدود ، أو يراد بها الشمس والقمر فيكون (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) على تقدير مضاف في الأول تقديره هكذا ، وجعلنا نيري الليل والنهار ذوي آيتين.

٢ ـ وإما على تقديرنا المتقدم فإن لفظ (آيَتَيْنِ) صادق على الليل والنهار ، ولفظ آية الليل وآية النهار صادق على الشمس والقمر ، وعليه يكون تقدير الآية هكذا : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا قمر الليل ، وجعلنا شمس النهار مبصرة ، وهو تقدير صحيح لا معارض له من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، وسالم من دعوى تقدير محذوف ، ومفيد لكثرة المعنى بأربع آيات ، بالليل وقمره ، والنهار وشمسه ، فالتقدير به أولى ، ولذلك فسرنا الآية عليه) (١).

وأما الجعل فهو (إيجاد ما به يكون الشيء على صفة لم يكن عليها ، والمضاف محذوف ، تقديره جعل الشمس ذات ضياء ، والقمر ذا نور ، والضياء أبلغ في كشف الظلمات من النور ، وفيه صفة زائدة على النور) (٢).

وفي تفسير «غرائب القرآن» : (والمضاف محذوف ، والتقدير : وجعلنا نيّري الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل التي هي القمر ، حيث لم يخلق له شعاع كشعاع الشمس ، فترى به الأشياء رؤية غير بينة ، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء) (٣).

هذه بعض أقوال المفسرين القدامى رحمهم‌الله تعالى ، والتي فرقوا كما رأينا بين ضوء الشمس الذي يحوي الحرارة والنور ، وبين نور القمر الذي هو انعكاس عن ضوء

__________________

(١) تفسير ابن باديس ، عبد الحميد بن باديس ، بيروت ، دار الفكر ، الطبعة الثالثة ، ١٣٩٩ ه‍ / ١٩٧٩ ، ص : ٦٠.

(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن ، الفضل بن الحسن الطبرسي ، تحقيق هاشم المحلاتي ، طهران ، المكتبة العلمية ، د. ت ، ٣ / ٦١.

(٣) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ، نظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري ، تحقيق ، زكريا عميرات ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤١٦ ه‍ / ١٩٩٦ ، ٤ / ٣٢٩.

٢٨٧

الشمس وشعاعها ، وهذا ما قاله العلماء المعاصرون ، ومنهم الشيخ عبد المجيد الزنداني (١) إذ يقول : (القمر كان مشتعلا ثم انطفأ ، قال تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) فآية الليل القمر ، وآية النهار الشمس ، ومحونا آية الليل أي طمسناها وأزلنا ضوءها ، والمحو : الطمس ، ولا يكون إلا بعد الإنارة ، فمن هنا عرفنا أن القمر كان مشتعلا ثم محي ضوؤه والله أعلم ، وهذا السر لم يعرف إلا قريبا بعد أن تيسّرت الآلات للباحثين ، وهذا يشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد جاءه الوحي بهذا من عند الله) (٢).

إذن نستطيع أن نستخلص من معطيات الآيات القرآنية ما يلي :

أولا : أن القمر جسم منير يكتسب نوره من الشمس ، ولا يوجد فيه إضاءة ذاتية.

ثانيا : القمر كان جسما مشتعلا ثم انطفأ.

الحقائق العلمية :

هذا ما أثبته العلم ، فقد أصبح اليوم من المسلّم به أن القمر كان كتلة نارية ملتهبة ثم انطفأ بعد ذلك وخمد لهيبه.

(القمر جسم مظلم أساسا ، وضوؤه انعكاس لضوء الشمس ، ويتغير الجزء المضيء من القمر من يوم لآخر في الحجم والشكل ، فأول ما نراه يكون خطا رفيعا منحنيا مستنيرا ، ثم يزداد حجمه شيئا فشيئا ، حتى يصبح دائرة تامة ، ثم يأخذ في التناقص حتى يصبح خطا في أول ظهوره ، ويطلق على هذه الأشكال أوجه القمر) (٣).

ونجد نفس المعنى في كتاب «المحيط الكوني وأسراره» : (وكما هو معروف فالقمر جسم معتم مظلم بذاته ، يأخذ نوره من الشمس كما تأخذه الكواكب الأخرى ويعكسه

__________________

(١) الشيخ عبد المجيد الزنداني ، داعية يمني شهير ، وتربطني به صلة شخصية وحوارات حول قضايا الإعجاز في القرآن والسنة ، وهو يشغل منصب رئيس جامعة الإيمان في اليمن حاليا ، ويعتبر من الرواد في هذا العصر في قضايا الإعجاز في الإسلام.

(٢) كتاب التوحيد ، عبد المجيد الزنداني ، دمشق ، دار الخير ، الطبعة الأولى ، ١٤١١ ه‍ / ١٩٩٠ ، ص ٧٢.

(٣) المنظومة الشمسية ، عبد الأمير المرتضى المؤمن ، دبي ، الإمارات العربية المتحدة ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٧ ، ص ١٧١.

٢٨٨

علينا ، كما تفعل المرآة المعلقة في الفضاء ، كما أن الأرض نفسها تأخذ نورها من الشمس وتعكسه على القمر ، فيبدو جميلا متألقا ببهائه ولمعانه) (١).

وفي كتاب «القمر» : (ويعتقد كثير من العلماء في الوقت الحالي ، أن قمرنا نشأ بنفس الطريقة التي نشأت بها المجموعة الشمسية ، أي إن القمر انفصل على هيئة لسان ناري أيضا في العصور الأولى للكرة الأرضية عند ما كانت في حالة شبه سائلة) (٢).

ويستنتج الفلكيون هذه الحقيقة (من العمر المديد لصخور النجود القمرية ، أن السطوح الوعرة والمرتفعة على القمر ، تكونت بعد زمن قصير من ولادته ، وربما كان القمر عندها كتلة منصهرة ، الأمر الذي يسمح للمادة الكثيفة الغنية بالحديد بالغوص إلى داخل القمر ، في حين تطفو المادة الأقل كثافة على السطح ، ولدى بلوغ هذه المادة الصخرية الأخيرة السطح ، فقد تبردت وانعقدت مكونة بذلك القشرة القمرية ، وتلا ذلك قصف النجود القمرية بأجرام صلبة من الفضاء ، ونشأ عن ذلك العديد من الفوهات البركانية التي نراها منتشرة هناك ، وفيما كان القمر يتبرد ، كانت قشرته تزداد ثخانة ونظرا لهبوط المادة الأكثف إلى باطن القمر عند ما كان في حالة منصهرة ، فإن الحمم البركانية المندفعة من الأعماق ، كانت أكثف من الصخور السطحية التي انغمرت بها) (٣).

الإعجاز :

إن هذه الحقائق العلمية الحديثة تتفق تماما مع النصوص القرآنية الكريمة ، والتي استعرضناها في صدر المبحث ، فالقرآن قد قرر منذ نزوله على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن القمر جسم منير ، ولا يوجد فيه إضاءة ذاتية ، كما قرر أن القمر كان مشتعلا يوما ما ثم خمد نوره وانطفأ ، ومع مرور الأيام وتطور أدوات البحث العلمي الحديثة ، ثبت للعلماء مصداقية هذه الحقائق القرآنية المعجزة ، فسبحان الله العليم الخبير.

__________________

(١) المحيط الكوني وأسراره ، نجيب زبيب ، ص : ٦٧ ، وانظر : في أعماق الفضاء ، عبد الحميد سماحة ، بيروت ، دار الشروق ، الطبعة الثالثة ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ ، ص : ٤٣ ، وانظر : الفلك والأنواء في التراث ، علي عبندة ، ١٩٩١ ، ص : ٥٥.

(٢) القمر ، محمد علي المغربي ، القاهرة ، دار المعارف ، الطبعة الثانية ، ١٩٦٦ ، ص : ١٠٩.

(٣) استكشافات ومقدمة علم الفلك ، توماست آرني ، ص : ٢٣٣.

٢٨٩

صورة تظهر القمر وفيه بعض الفوهات والوديان السحيقة.

٢٩٠

المبحث الثاني

انشقاق القمر

قال تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١).

وقال سبحانه : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩)) (٢).

انشقاق القمر معجزة من أعظم المعجزات الحسية التي خلّدها القرآن الكريم وثبتت في الصحاح وهي مكرمة إلهية لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم ينشقّ القمر لأحد من قبله من أنبياء الله ومرسليه ، وقد رآها الناس رأي العين ، وشاهدوا انفلاق القمر إلى فلقتين في كبد السماء ، وسألوا أهل البوادي والقوافل الرّحالة عن ذلك فما أنكر منهم أحد ، إلا من ركب رأسه ، وآثر الجحود السافر على دلائل الحق وبراهين الهدى.

روى الطبري بسنده في تفسيره ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : (نزلنا المدائن فكنّا منها على فرسخ ، فجاءت الجمعة ، فحضر أبيّ ، وحضرت معه ، فخطبنا حذيفة فقال ألا إن الله يقول : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشق ، ألا وإن الدنيا قد أذنت بفراق وإن اليوم مضمار وغدا السباق ...) (٣).

وفي تفسير الإمام القرطبي : (... وقال قوم : لم يقع انشقاق القمر بعد وهو منتظر ، أي اقترب قيام الساعة وانشقاق القمر ، وأن الساعة إذا قامت انشقت السماء بما فيها من القمر وغيره ، وكذا قال القشيري ، وذكر الماورديّ : أن هذا قول الجمهور ، وقال : لأنه إذا انشق ما بقي أحد إلا رآه ، لأنه آية والناس في الآيات سواء) (٤).

__________________

(١) سورة القمر ، الآية : ١.

(٢) سورة الانشقاق ، الآيتان ١٨ ، ١٩.

(٣) جامع البيان ، للطبري ، ١٢ / ٥١ ، وانظر : معاني القرآن ، يحيى بن زياد الفراء ، بيروت ، عالم الكتب ، الطبعة الثالثة ، ١٤٠٣ ه‍ ، ٣ / ١٠٤.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١٧ / ٨٢.

٢٩١

وفي تفسير «البحر المحيط» : (والأمّة مجمعة على خلاف من زعم أن قوله : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) معناه : أنه ينشق يوم القيامة ، ويرده من الآية قوله : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢)) فلا يناسب هذا الكلام أن يأتي إلا بعد ظهور ما سألوه معينا من انشقاق القمر ، وقيل : سألوا آية في الجملة فأراهم هذه الآية السماوية ، وهي من أعظم الآيات ، وذلك التأثير في العالم العلوي) (١).

ويقول الحافظ ابن كثير : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قد كان هذا في زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة ... وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنه كان إحدى معجزاته الباهرات) (٢).

وكما ذكر ابن كثير بأن الأحاديث في هذه المعجزة ثابتة وكثيرة ، ومنها ما ورد في صحيح البخاري من حديث ابن عبد الله رضي الله عنه قال : (انشق القمر ونحن مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بمنى فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اشهدوا» ، وذهبت فرقة نحو الجبل) (٣).

اختلف المفسرون كما رأينا إزاء هذه القضية إلى فريقين ، فريق يرى بأن معجزة انشقاق القمر قد وقعت في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآمن من آمن يومذاك ، وكفر من كفر.

وفريق يرى الأمر على العكس من هذا تماما ، حيث إن انشقاق القمر لم يقع بعد ، وسوف ينشق القمر قبل قيام الساعة ، وكما نقل القرطبي في تفسيره عن الماوردي أن هذا قول الجمهور ، لأنه إذا انشق ما بقي أحد إلا رآه ، لأنه آية والناس في الآيات سواء.

ولحسن الحظ ، ولكي تتأكد هذه المعجزة القرآنية ، فإن علماء الفلك هم كذلك قد ذهبوا من المسألة مذهبين ، واختلفوا إلى رأيين ، فمنهم من يرى أن القمر قد انشق يوما من الأيام ، وهذا الرأي هو رأي العلماء الأمريكان الذين هبطوا على سطح القمر ، ومنهم من يرى أن القمر سينشق في المستقبل ، وهذا رأي معظم الفلكيين.

__________________

(١) البحر المحيط ، محمد بن علي ابن حيان الأندلسي ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، الطبعة الثانية ، ١٩٨٣ ، ٧ / ٢١٥.

(٢) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٤ / ٤٢٧.

(٣) رواه البخاري ، في فضائل الصحابة ، باب انشقاق القمر ، رقم (٣٦٥٦) ، ٣ / ١٤٠٤ ، وأحمد في مسنده ، رقم (٤٣٥٧) ، ١ / ٤٥٦.

٢٩٢

الحقائق العلمية :

أما بالنسبة لمن رأى أن القمر قد انشق يوما ما ، وهم علماء الفضاء الأمريكان ، فإني أنقل رأيهم وأثبته هنا عن الأستاذ الدكتور زغلول النجار (١) والذي ألقى محاضرة حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، وتطرق إلى قضية انشقاق القمر ، وأكد أن القمر قد انشق ودلل على ذلك من خلال سؤال طرح على علماء الفلك في ناسا الأمريكية وهو : ما ذا استفدتم من رحلتكم إلى القمر والتي قد كلفتكم أكثر من مائة مليون دولار ، ولو أنكم قدمتم هذه الأموال كمساعدة إنسانية إلى الفقراء أما كان هذا بأفضل؟.

وكان الجواب : إن أعظم شيء اكتشفناه خلال رحلتنا إلى القمر ، أننا قمنا بتثبيت المراجف على سطح القمر لرصد الزلازل التي تحدث فيه ، وللكشف عن بنيته ، وبنتيجة ما قدمته تلك المراجف من معلومات ، تبين لنا أن القمر يحوي حزاما حجريا متحركا على عرضه ، مما يدل بوضوح على أن القمر قد انقسم إلى قسمين يوما ما ثم التحم.

ولقد كتب الدكتور زغلول مقالا في جريدة «البيان» الإماراتية بعنوان «انشقاق القمر» وكان مما قال فيه : (لقد دوّن كل من التاريخ الهندي والصيني القديم حادثة انشقاق القمر ، وأرخوا بها ، وفي محاضرة لي بكلية الطب (جامعة كارديف) في مقاطعة (ويلز) غربي بريطانيا ، منذ عدة سنوات مضت وجّه إلي أحد الحضور من المسلمين سؤالا عن الآيات في مطلع سورة القمر ، وهل تمثل ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في كتاب الله؟ ، فأجبت بأن هذه الواقعة تمثل إحدى المعجزات الحسية التي وقعت تأييدا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مواجهة كفار ومشركي قريش ، وإنكارهم لنبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن المعجزات خوارق للسنن ، وعلى ذلك فإن السنن الدنيوية لا يمكن لها تفسير كيفية حدوث المعجزة ، ولو لا ورودها في كتاب الله ، وفي سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما كان علينا نحن مسلمي اليوم أن نؤمن بها ، ولكننا نقر بها ، ونؤمن بوقوعها لورودها في كتاب الله بالنص الإلهي الذي يقول فيه

__________________

(١) الدكتور زغلول النجار ، مصري الجنسية ، حاصل على الدكتوراة من جامعة ويلز البريطانية في علم الجيولوجيا عام ١٩٦٣ ، حاضر في العديد من الجامعات العربية والغربية ، ويرأس مركز البحوث القرآنية في لندن حاليا ، ويعتبر الدكتور زغلول من أبرز من تكلم في قضايا الإعجاز الجيولوجي في القرآن الكريم باعتدال ، وتربطني به صلة بحثية علمية في الإعجاز القرآني ، وهذا الكلام الذي أثبته هنا إنما هو نقل عن الدكتور زغلول في محاضرة ألقاها وحضرتها في المركز التجاري في إمارة دبي ، بتاريخ ١٢ رمضان ٢٠٠١.

٢٩٣

ربنا : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥)) (١) وبعد انتهاء حديثي ، وقف رجل بريطاني من الحضور واستأذن في أن يضيف شيئا إلى إجابتي فأذنت له ، ثم بدأ بتعريف نفسه على أن اسمه داود موسى بيدكول ، وأنه مسلم ، ويرأس الحزب الإسلامي البريطاني ، ثم أضاف أن هذه الآيات في مطلع سورة القمر كانت هي السبب في إسلامه في أواخر السبعينات من القرن العشرين ، لأنه ببحث مستفيض في الأديان أهداه أحد المسلمين ترجمة لمعاني القرآن الكريم ، وأنه عند فتح هذه الترجمة لأول مرة فوجئ بسورة القمر ، فقرأ الآيات في مطلعها ، ولم يكد يصدق أن القمر قد انشق ثم التحم فأغلق الترجمة وانصرف عنها ، ثم شاء الله سبحانه وتعالى أن يشاهد على شاشة التلفاز البريطاني (.C.B.B) برنامجا عن رحلات الفضاء ، استضاف فيه المذيع البريطاني جيمس بيرك (James Burke) ثلاثة من علماء الفضاء الأمريكيين ، وذلك في سنة ١٩٧٨ ، وفي أثناء الحوار كان المذيع ينتقد الإسراف على رحلات الفضاء بإنفاق بلايين الدولارات ، والأرض يتضور فيها ملايين البشر من الجوع ، والمرض ، والجهل ، والتخلف ، وكان جواب العلماء أنه بفضل هذه الرحلات تم تطوير عدد من التقنيات الهامة التي تطبق في مجالات التشخيص والعلاج الطبي ، والصناعة ، والزراعة وغيرها ، وفي أثناء هذا الحوار جاء ذكر أول رحلة إنزال رجل على سطح القمر ، وقد تكلفت أكثر من مائة مليار دولار ، وجلس المذيع يتابع عتابه على هذا الإسراف ، فرد العلماء بأن هذه الرحلة قد أثبتت لهم حقيقة لو أنفقوا أضعاف هذا المبلغ لإقناع الناس بها ما صدقهم أحد ، فسأل المذيع : ما هي هذه الحقيقة؟ فأجابوا : أن هذا القمر قد سبق له أن انشق ثم التحم ، وأن آثار محسوسة تؤيد ذلك الحدث قد وجدت على سطح القمر وامتدت إلى داخله ، فقال السيد بيدكول : حينما سمعت ذلك قفزت من الكرسي الذي كنت أجلس عليه أمام التلفاز ، وقلت : معجزة تحدث لمحمد قبل ألف وأربعمائة سنة ويرويها القرآن بهذا التفصيل العجيب ، يسخّر الله من يثبتها للمسلمين في عصر العلوم والتقنية الذي نعيشه ، وينفق هذا المبلغ الكبير ، لا بد وأن يكون هذا الدين حقا ، وعدت إلى ترجمة معاني

__________________

(١) سورة القمر ، الآيات ١ ـ ٥.

٢٩٤

القرآن الكريم أقرأها بشغف شديد ، وكانت آيات سورة القمر هي السبب المباشر لقبولي الإسلام دينا) (١).

وأما بالنسبة للفريق الثاني والذي يرى بأن القمر سينشق في المستقبل ، فهم كثر بل إن معظم من كتب من الفلكيين حول القمر تحدث عن انقسام القمر وانشقاقه في المستقبل ، وسأسوق هنا ما ورد في «موسوعة المعارف الكونية» حول هذا الموضوع : (كان القمر قريبا من الأرض عقب الانفصال منذ بلايين السنين ، وأخذ يبتعد عنها تدريجيا للدوران حولها في مدار ظلّ يتسع تدريجيا لزيادة السرعة المدارية للقمر ، تعويضا عن الإبطاء الحادث في سرعة الدوران المغزلي للأرض بتأثير ظاهرة المد والجزر وهذا التعويض لا بد أن يحدث تلقائيا للحفاظ على كمية تحرك مجموعة الأرض والقمر معا ، كنظام مغلق مرتبط ببعضه البعض ، ولقد ثبت علميا وعمليا أن الأرض تبطئ بمقدار ٠٠٢ ، ٠ من الثانية في زمن اليوم الواحد كل مائة سنة ، لذلك يسرع القمر في مداره فيزداد الطرد المركزي ، لدرجة أن القمر يرتد عنّا حاليا بمعدل مسافة ٤ سم سنويا ، وهذا الارتداد رغم ضآلته بالنسبة لنصف مدار قطر القمر حول الأرض حوالي «٣٨٤٠٠٠ كم» فإن الإزاحات الضئيلة الناتجة عنه تراكمت عبر ملايين السنين حتى وضعت القمر في مداره الحالي ، ويعتقد العلماء أن هذه الظاهرة وعوامل أخرى تؤثر على سرعة دوران الأرض حول نفسها ، مما يؤثر بدوره على اختلال توازن القمر في مداره في المستقبل ، لأن زيادة سرعته حول نفسه أو حول الأرض ستؤدي حتما إلى انشقاق القمر تماما ، كما يتفتت الشيء عند ما يتسارع دائرا في خلاط كهربائي ، أو عند ما تختل الجاذبية على نصفيه وعندئذ سيرى الناس القمر منشقا) (٢).

وهكذا فإن ما توصل إليه العلماء من دراسات وأبحاث ، تدل بمجملها دلالة واضحة على أن القمر قد انشق أو بالتأكيد سينشق ، وفي هذا تأكيد على عظمة هذا القرآن وعلى سبقه في إثبات الحقائق العلمية والكونية.

وأما بالنسبة للشق الثاني من هذا المبحث ، وهو قوله سبحانه وتعالى : (وَالْقَمَرِ إِذَا

__________________

(١) أخذ هذا الكلام من موقع :

http // : www. albayan. co. ae / albayan / ٠٣ / ١١ / ٠٢٢ / mnw. ll / htm

(٢) المعارف الكونية ، مجموعة من العلماء ، ص ١٨٤.

٢٩٥

اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩)) ، فإن الواقع فسّر هذه الآية الكريمة وركب الإنسان حقا طبقا عن طبق عند ما نزل على سطح القمر ، واخترق طبقات السماء المتعددة.

(ففي ٢٠ تموز سنة ١٩٦٩ نزل الرائدان الأمريكيان «نيل أرمسترنغ» و «أدوين ألدرين» على سطح القمر ، كأول إنسانين يطئان جرما خارجا عن الأرض ، وتلت هذه الرحلة التاريخية الناجحة ست رحلات من طراز «أوبللو» أنزلت روادا على سطح القمر ... وكان تاريخ نزول «أرمسترنغ» و «ألدرين» في ٢٠ تموز ١٩٦٩ ، وقد بقي الرائدان على سطح القمر مدة ٢٢ ساعة و ٤٠ دقيقة وضعا خلالها أجهزة علمية متنوعة ، كمقياس الزلازل لقياس الهزات القمرية ، وقياس البراكين وغيرها إضافة إلى بعض الرموز التذكارية كعلم أمريكا وغيره ... وقد بدأت الرحلة في ١٦ تموز ١٩٦٩ واستمرت ١٩٥ ساعة و ٢٠ دقيقة ، وأنهت أعمالها في ٢٤ تموز) (١).

الإعجاز :

مما سبق يتّضح لنا أن المفسرين رحمهم‌الله تعالى ، وعلماء الفلك كذلك قد اختلفوا في وقت وقوع حادثة انشقاق القمر ، فمنهم من ذهب إلى أن القمر قد انشق زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومنهم من رأى بأن القمر من دلائل الساعة وأن انشقاقه سيتزامن مع الأحداث التي تواكب قيام الساعة ، كما أن علماء الفلك قد اختلفوا بين مؤكد على أن القمر قد انشق ، وبين مؤكد على أنه سينشق في المستقبل وتبقى الآية القرآنية معجزة فوق هذا وذاك ، وأنها أثبتت أن القمر قد انشق ، لتكون سباقة إلى إثبات هذه الحقيقة العلمية التي توصل إليها باحثو اليوم.

كما أنّ الناحية العلمية في قوله تعالى : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩)) قد اتضحت وأصبحت جليّة للعالم كله ، فلقد اخترق الإنسان عدة طباق ووصل إلى القمر ، وما كان أحد يتصور يوم نزول القرآن ولا يصدق بأن الإنسان سيصعد إلى السماء ، ولا حتى قبل مائتي سنة ، إلا أن القرآن قد أشار إلى إمكانية غزو الفضاء إن ترقّى الإنسان في مدارج العلم ، وملك زمام العلم وسلطانه ، قال تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) (٢).

__________________

(١) المنظومة الشمسية ، عبد الأمير المرتضى المؤمن ، ص : ١٧٣.

(٢) سورة الرحمن ، الآية : ٣٣.

٢٩٦

صورة توضح رائد فضاء يسير على سطح القمر

٢٩٧

المبحث الثالث

منازل القمر

قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) (١).

وقال تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٢).

يشير قوله تعالى : (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) إلى تنقلات القمر في منازله التي ينزلها في كل يوم من الشهر ، وفي الآية إشارة إعجازية رائعة وهي أن القمر خلال تنقله في منازله ، إنما هو في واقع الحال يدور حول الكرة الأرضية ، ومن من الناس قبل التقنية الحديثة كان يعلم أن القمر يدور حول الأرض ، كما أن في الآية تقرير واضح إلى أن هذه المنازل إنما جعلها الحق عزوجل لتقويم حساب الأيام والسنين.

يقول الحافظ ابن كثير : (وقدر القمر منازل ، فأول ما يبدو صغيرا ثم يتزايد نوره وجرمه حتى يستوسق ويكمل إبداره ، ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى في تمام شهر ... وقوله سبحانه وتعالى : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) فبالشمس تعرف الأيام ، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام) (٣).

ويصف القرطبي رحمه‌الله منازل القمر هذه فيقول :

(قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) ففي هذا جوابان ، أحدهما قدرناه ذا منازل ، والتقدير الآخر قدّرنا له منازل ... والمنازل «ثمانية وعشرون منزلا» ينزل القمر كل ليلة منها بمنزل ، وهي : الشرطان البطين ، الثريا ، الدبران ، الهقعة ، الذراع ، النشرة ، الطرف ، الجبهة ، الخراتان ، الصرفة ، العواء السماك الفغر ، الزبانيان ، الإكليل ، القلب ، الشولة ، النسائم ، البلدة ، سعد الذابح ، سعد بلع ، المفرغ المؤخر ، بطن الحوت.

__________________

(١) سورة يونس ، الآية : ٥.

(٢) سورة يس ، الآية : ٣٩.

(٣) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٣ / ١٨١.

٢٩٨

فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها ، فيقطع الفلك في ثمان وعشرين ليلة ، ثم يستتر ثم يطلع هلالا ، فيعود في قطع الفلك على المنازل ، وهي منقسمة على البروج لكل برج منزلان وثلث فللحمل الشرطان والبطين وثلث الثريا ، وللثور ثلثا الثريا والدبران وثلثا الهقعة ، ثم كذلك إلى سائرها (١).

وأما العرجون : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) فهو (عود العذق الذي عليه الشماريخ ، وهو فعلون من الانفراج وهو الانعطاف ، أي سار في منازله ، فإذا كان في آخرها دقّ واستقوس وضاق حتى صار كالعرجون القديم ، و «العرجون» الذي يبقى من الكباسة في النخلة إذا قطعت و «القديم» البالي) (٢).

وفي تفسير «الكشاف» : (عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) وهو عود العذق ما بين شماريخه إلى منبته من النخلة ... والقديم المحلول ، إذ قدم ودق وانحنى واصفرّ فشبه به من ثلاث أوجه) (٣).

بعد هذا التطواف الموجز عن منازل القمر في كتب المفسرين ، نأتي إلى حديث علماء الفلك عن منازل القمر وتحركاته ، ولا شك أن علماء الفلك قد أسهبوا في الحديث عن منازل القمر ، وعن أوجهه إلا أننا سنقتصر على دراسة واحدة لمنازل القمر.

الحقائق العلمية :

ففي كتاب «القمر» : (يتخذ القمر خلال دورته الشهرية ، أي الانتقالية حول الأرض مواقع محددة بالنسبة لها وللشمس ، وله في كل من تلك المواقع مظهر خاص راجع إلى مقدار المساحة التي يغمرها النور من وجهه ، والشكل الذي يتخذه ذلك الجزء المغمور بالنور ، وتدعى تلك المظاهر باسم «منازل القمر» أو «وجوهه» علما بأن شروق القمر ، يتأخر كل يوم عن اليوم السابق بمقدار ٥٠ دقيقة وسطيا وأول تلك الوجوه :

اولا : الهلال

هو أول منزل من منازل القمر ، إذ يكون القمر يومها قد ابتعد قليلا عن نقطة

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٨ / ٢١.

(٢) المصدر نفسه ، ٨ / ٢٢.

(٣) الكشاف ، للزمخشري ، ٣ / ٣٢٣.

٢٩٩

الصعود ، وهو في طريقه إلى سماء نصف الكرة الشمالي ، فيرى يومها في الأفق الغربي ، بعد غروب الشمس بقليل وقرب المكان الذي تغرب فيه الشمس ، وقد أنارت الشمس أقصى الطرف الأيسر من السطح المعتم المتجه نحونا ، ولا يتمكن من رؤية ذلك الهلال النحيل إلا أصحاب البصر الحاد ، وخلال فترة قصيرة ، إذ لا يلبث أن يغيب بعدها تحت الأفق ، ويزداد عرض ذلك الهلال يوما بعد يوم حتى إذا ما انقضت مدة ٦ أيام و ١٦ ساعة و ١١ دقيقة على بداية الشهر القمري ، فإن القمر يدخل منزلا جديدا ، إذ يتخذ شكلا مغايرا للشكل السابق حيث يقال إنه في التربيع الأول.

التربيع الثاني :

في اليوم السابع من الشهر القمري ، يلاحظ القمر بعد غروب الشمس بقليل ، في وسط السماء وقد غمر النور نصفه الأيسر ، وعندها يقال : إنه في التربيع الأول ، إذ يكون قد أمضى ربع دورته الانتقالية الشهرية حول الأرض ، وذاك هو المنزل الثاني من منازل القمر.

الأحدب الأول :

وفي اليوم الثامن من الشهر القمري وما بعده ، يزداد القسم المنار من سطح القمر ، كما يرى بعد غروب الشمس وهو أقرب إلى الأفق الشرقي ، حيث يصبح القسم الأكبر منه منارا ، وذلك بعد مضي ١١ يوما على بدء الشهر القمري ، ويكون تحدبه نحو يمينه ، أي باتجاه الشرق ويدعى القمر عندها الأحدب الأول ، وهو ثالث منزل من منازل القمر ، أي وجوهه.

صورة القمر في شكل هلال

البدر :

وفي ليلة النصف من الشهر القمري يكون القمر قد بلغ نقطة النزول ، وقد غمر النور كامل وجهه ، ويتفق إشراقه من الأفق الشرقي مع غياب الشمس في الأفق الغربي ،

٣٠٠