الإعجاز القرآني في ضوء الإكتشافات العلمي الحديث

مروان وحيد شعبان

الإعجاز القرآني في ضوء الإكتشافات العلمي الحديث

المؤلف:

مروان وحيد شعبان


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 9953-85-052-6
الصفحات: ٤٤٤

ومن بين النظريات التي تحاول تفسير ما يعتري النجوم الواقعة بمركز المجرة من حركة سريعة ، ما يذهب إلى القول بوجود شكل غير مرئي من المادة التي تشبه عنقودا من النجوم الداكنة ، وأيا كان نوع التفسير ، فإن ما يوجد هناك له من الضخامة ما يجعله قادرا على جذب أقرب النجوم المرئية بسرعة خارقة تصل إلى خمسة ملايين كيلومتر في الساعة ، وما يجعلنا نكاد نجزم بأن ما يجري الجدل حوله هو ثقب أسود ، يجد سنده في شيء ما يحدث في أطرافه) (١).

صورة متخيلة لمادة وضوء يدوران حول ثقب أسود هائل.

الإعجاز :

هذه هي الصورة العلمية التي توصل إليها العلماء والباحثون عن نهاية الكون وفنائه ، وقد فنّدوا بهذا هراء الإلحاد الذي يزعم بخلود العالم وعدم فنائه ...

ومن الملفت للانتباه ، بل من المثير حقا ، أننا نجد من خلال سرد ما توصل إليه العلماء في أبحاثهم أنهم قد قرروا أن للكون نهاية ، وهذه النهاية صوروها بالانكماش

__________________

(١) مقال في موقع bbc ، بقلم : دفيد وايتهاوس.

٢٠١

العظيم ، أي بانطواء الكون على نفسه ، وعودته إلى نقطة البداية وشكله الأولي ، أو بالثقوب السوداء التي تقوم بشفط وضغط الكواكب وإعادتها إلى غازات كتلك التي منها نشأ الكون ... فكل التصورات العلمية التي تبناها الفلكيون في عصرنا ترسم السيناريو الواضح لنهاية الكون ، وارتداده إلى صورته التي كان عليها يوم وجد ونشأ ، والله أعلم.

وليت شعري لو أن هؤلاء العلماء ، أو المتخصصين من علماء الإسلام ، عكفوا على كتاب الله تعالى ودرسوه من جهة تخصصاتهم دراسة متأنية ، لوجدوا الخطوط البيانية والرئيسية التي ترسم أطر النهاية الكونية بكل وضوح ...

إنه التوافق العجيب بين معطيات العلوم الحديثة وحقائق القرآن الكريم ، فالعلماء اتفقوا على أن الكون سينتهي على شكل الصورة التي بدأ منها ، وهذه الحقيقة لطالما قررها مولانا تبارك وتعالى في كتابه المجيد ، قال جل جلاله : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١).

وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢).

وكيفما كان وجه الصورة لنهاية الكون وتآكله ثم فنائه ، ونحن لا نجزم إلا بالصورة القرآنية التي أخذت مساحة كبيرة في القرآن الكريم وهي تقرر حقيقة النهاية ، فإن الذي يعنينا من ذلك أن القرار الواضح الذي لم يعد يتسرب إليه شك أو مواربة أن سلطان الفناء والخراب سيمتد ليطوق الكون بأسره ، ثم ليحيله إلى العدم ، وهذه الحقيقة كما أسلفنا ، هي أصل من أصول الدين والعقيدة لدى كل مؤمن ، ولقد قررها القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة ، ولنستعرض طائفة من الآيات القرآنية التي تصور لنا المشهد الأخير من قصة الكون ووجوده في مسرح الحياة الفانية.

قال تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦)) (٣).

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٤.

(٢) سورة الروم ، الآية : ٢٧.

(٣) سورة التكوير ، الآيات ١ ـ ٦.

٢٠٢

وقال تعالى : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) (١) ، في هذه الآية إيحاء وتصوير لمشهد الطمس الذي أسلفنا الحديث عنه ، ألا ترى أن الكواكب عند ما تبتلعها الثقوب السوداء تطمس طمسا فلا ترى أبدا والله أعلم.

ويتحدث سيد قطب عن نهاية الكون فيقول : (هذا هو مشهد الانقلاب التام لكل معهود والثورة الشاملة لكل موجود ، الانقلاب الذي يشمل الأجرام السماوية والأرضية ، والوحوش النافرة والأنعام الأليفة ونفوس البشر وأوضاع الأمور ، حيث ينكشف كل مستور ، ويعلم كل مجهول وتقف النفس أمام ما أحضرت من الرصيد والزاد في موقف الفصل والحساب ، وكل شيء من حولها عاصف وكل شيء من حولها مقلوب) (٢).

إن هذه الأحداث المرعبة التي تضفي على الكون صورة الخراب والاضطراب ، وتجعل من الكون المتساوق في أجرامه ، المتسق في حركته وجريانه ، المنضبط في مساره ، الرصين في إحكام بنائه ، تجعل منه أنكاثا متناثرة ، وأوزاعا متفرقة.

ويصف الإمام الرازي النهاية فيقول : (وتكوير الشمس هو انطفاؤها وخمدان لهيبها وتجمدها وانكدار النجوم وانفراطها من عقدها الفريد ، وتناثرها من نظامها الدقيق ... أما الجبال ، فاعلم أن الله تعالى ذكر في مواضع من كتابه أحوال هذه الجبال على وجوه مختلفة ، ويمكن الجمع بينها على الوجه الذي نقوله ، وهو أن أول أهوالها الاندكاك وهو قوله سبحانه : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) (٣).

والحالة الثانية لها أن تصير كالعهن المنفوش ، وذكر الله تعالى ذلك في قوله : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥)) (٤).

__________________

(١) سورة المرسلات ، الآية : ٨.

(٢) في ظلال القرآن ، سيد قطب ، ٦ / ٣٨٣٧.

(٣) سورة الحاقة ، الآية : ١٤.

(٤) سورة القارعة ، الآيتان ٤ ، ٥.

٢٠٣

والحالة الثالثة : أن تصير كالهباء ، وذلك أن تتقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن وهو قوله سبحانه وتعالى : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦)) (١).

والحالة الرابعة : أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة مارة في مواضعها ، والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بإرسال الرياح عليها وهو المراد من قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) (٢).

والحالة الخامسة : أن الرياح ترفعها عن وجه الأرض فتصيرها شعاعا في الهواء كأنها غبار فمن نظر إليها ، من بعد حسبها لتكاثفها أجساما جامدة ، فهي في الحقيقة مارة إلا أن مرورها بسبب مرور الرياح بها صيرها مندكة متفتتة وهي قوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) (٣).

ثم تبين أن تلك الحركة حصلت بقهره وتسخيره فقال سبحانه : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) (٤).

الحالة السادسة : أن تصير سرابا ، بمعنى لا شيء ، فمن نظر إلى مواضعها لم يجد منها شيئا ، كما أن من يرى السراب من بعد إذا جاء الموضع الذي كان فيه لم يجده شيئا والله أعلم) (٥).

كذلك فإن الحديث عن السماء يأخذ بالألباب ، ويثير الرعب والهلع في النفوس ، قال الله سبحانه وتعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) (٦).

وقال سبحانه : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (٧).

__________________

(١) سورة الواقعة ، الآيتان ٥ ، ٦.

(٢) سورة طه ، الآية : ١٠٥.

(٣) سورة النمل ، الآية : ٨٨.

(٤) سورة الكهف ، الآية : ٤٧.

(٥) التفسير الكبير ، للفخر الرازي ، ١٦ / ١٢.

(٦) سورة الروم ، الآية : ٢٥.

(٧) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٤.

٢٠٤

وهكذا فإن كل شيء في هذا الوجود سيشيّع إلى مثواه الأخير ، ويرقد في كفن الموت ، فالحق هز المخلوقات التي يضمها الكون بين جنباته هزا عنيفا ، وأوحى إليهم أن نواميس الدنيا المعهودة وقوانين الحياة المعروضة ، والمقاييس التي عشناها وتفاعلنا معها قد سقطت الآن في رحى القيامة ، والجميع سيمثل بين يدي الديان ، ليحاسب على الصغير والكبير والفتيل والقطمير.

صورة التقطت بواسطة التلسكوب الفضائي هابل ، وتظهر ثقبا أسود.

والسيناريو الذي وضعه العلماء لنهاية العالم سيكون طاقة هائلة قاتمة تنمو وتتوهج إلى كمية كبيرة ، بحيث مجرتنا لا يمكن لها أن تبقى متماسكة ، والنجوم والكواكب وحتى الذرات لا يمكن أن تتحمل القوة الداخلية المتزايدة ، وقديما كان يقال نهاية العالم بالضغط الشديد أما الآن فبالانفجار والتمزق العظيم ، ناسا بتاريخ ، ٣ / ٣ / ٢٠٠٣ (١).

__________________

(١) ترجم هذا الكلام ، وأخذت هذه الصورة من : http / /: hubblesite.org

٢٠٥

نجم يموت وينفث الأشعة الملتهبة من داخله.

كما أن هذه الصورة تجسيد حي لقوله سبحانه وتعالى : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) (١) ، أخذت هذه الصورة من ناسا ، والتقطت بتاريخ ، ٢٨ / ٦ / ١٩٩٥ (٢).

__________________

(١) سورة الرحمن ، الآية : ٣٧.

(٢) http // : antwrp. gsfc. nasa. gov / apod / ap ٨٢٦٠٥٩. html

٢٠٦

الفصل الخامس

الإعجاز القرآني في الشمس

تمهيد :

المبحث الأول : تحركات الشمس وانتقالاتها بين القرآن والعلم.

المبحث الثاني : الشمس متوهجة ملتهبة بين القرآن والعلم.

المبحث الثالث : تعدد الشموس والأقمار بين القرآن والعلم.

المبحث الرابع : موت الشمس ونهايتها بين القرآن والعلم.

٢٠٧
٢٠٨

تمهيد

قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١).

الشمس آية من آيات الله ، فهي نجم متألق في قبة السماء ، وصديق حميم لعامة المخلوقات التي أودعها الله فوق رحب هذه الأرض وفي جنباتها ، إذ منها يستمد الكائن الحي ، سواء الإنسان أم المخلوقات الأخرى ، الطاقة الإشعاعية التي من شأنها أن تغذي الكائنات الحية ، وذلك بالحفاظ على عوامل نموها ونجاحها ، وهي سبب في الاستحالة المائية حولنا ، فعن طريقها يتحول الماء إلى بخار ماء ثم يتكاثف بعد ذلك بصور مختلفة منها المطر والبرد والثلج ... وهذه الظواهر الطبيعية من ضروريات الحياة ، بل هي المقومات الأساسية التي تنهض عليها الحياة بأسرها.

نظرا لفوائدها الكثيرة التي لا مجال لسردها هنا ، فإننا سنتعرف بعون الله تعالى على تركيب هذا النجم الوهاج ، وخصائصه الفيزيائية ، لنقف على مشاهد الروعة والإبداع في خلق الله العجيب.

ثم سنتحدث عن بعض جوانب الإعجاز في الشمس ، والتي سجّلها القرآن الكريم وقررها ، قبل أن يكشف عنها ويصل إلى أسرارها العلماء ، كحركة الشمس وجريانها ، وكيف أن القرآن الكريم ركّز في كل آياته على أن الشمس سراج وهّاج مضيء ، وليس منيرا كالقمر والإعجاز في ذلك ، ثم نتحدث عن أسبقية القرآن في تقرير أن هناك كثيرا من الشموس والأقمار وليست شمسا واحدة ، ولا قمرا واحدا كما كان يظن ، ثم يطوى ملف الشمس في التعريج على نهايتها ، وخمدان لهيبها ، وانطفاء ضيائها بين القرآن والعلم.

__________________

(١) سورة فصلت ، الآية : ٣٧.

٢٠٩

المبحث الأول

تحركات الشمس وانتقالاتها

قبل أن نشرع في الحديث عن الإعجاز في تحركات الشمس وتنقلاتها ، يشار إلى بعض خواص الشمس الفيزيائية ، وذلك للأهمية في هذا المبحث.

كشف العلماء عن بعض أسرار خلق الله في الشمس ، وأطلعونا عليها وذلك : (عن طريق استخدام المطياف الذي يحلل أشعة النور إلى أطياف ، بواسطة الموشور الزجاجي ، الموجود أمام عدسة المطياف ، أمكن معرفة مركبات الشمس ودرجة الحرارة فيها ، إذ أن لكل عنصر يكون على شكل غاز متوهج لونا خاصا به ، يميزه عن غيره ، ويدلنا على مقدار درجة حرارته ، ونوع المادة التي يتألف منها ، ومن تحليل الطبقة السطحية من الشمس إلى خطوط طيفية ، تبين أن تركيب تلك الطبقة يكون على الشكل التالي وبالنسبة المحددة بجانب كل عنصر :

الهيدروجين

ونسبته أقل بقليل من ٧٠ خ.

الهليوم

ونسبته أقل بقليل من ٢٤ خ.

الأوكسجين

ونسبته أقل بقليل من ١ خ.

الفحم

ونسبته أقل بقليل من ٤ ، ٠ خ.

الحديد

ونسبته أقل بقليل من ١٦ ، ٠ خ.

السيليس

ونسبته أقل بقليل من ١ ، ٠ خ.

الآزوت

ونسبته أقل بقليل من ١ ، ٠ خ.

المغنيسيوم

ونسبته أقل بقليل من ٩ ، ٠ خ.

النيون

ونسبته أقل بقليل من ٠٧ ، ٠ خ.

وعند ما نبلغ الطبقة الوسطى من الشمس نجد أن غاز الهيدروجين ، يأخذ بالتناقص لتصبح نسبته ٦٥ خ بينما ترتفع نسبة الهليوم حتى تصبح ٣٤ خ ، وعند بلوغنا سطح

٢١٠

الطبقة المركزية أي النواة ، يزداد تناقص الهيدروجين حيث لا تزيد نسبته هناك على ٣٤ خ ، بينما ترتفع نسبة الهليوم لتصبح ٦٥ خ ، وعند ما نقترب من مركز الشمس يختفي الهيدروجين تماما ، وتصبح نسبة الهليوم هناك ٩٩ خ ويبقى ١ خ للعناصر المعدنية التي تدخل في تركيب الشمس) (١).

وأما قطرها فيبلغ (٤ ، ١ مليون كيلومتر تقريبا ، ومعدل بعدها عن الأرض ١٥٠ مليون كم ومعدل درجة الحرارة الداخلية ٢٠ مليون درجة «سنتغريد» ، أكبر من الأرض ب ١٢٠٠٠٠٠ مرة ، واللون أصفر ، ومسافة الشمس من مركز المجرة ٣٠٠٠٠ سنة ضوئية ، وسرعة الشمس حول مركز المجرة ٢٢٠ كلم في الثانية ، وتدور حول نفسها مرة كل ٢٥ يوما من أيام الأرض ، وتسيطر الشمس بقوة جاذبيتها على الكواكب العشرة التي تدور حولها ، كما أنها تفقد في الدقيقة الواحدة ٢٥٠٠٠٠٠٠٠ طن من المادة لتتحول إلى طاقة) (٢).

بعد هذه اللمحات والمعلومات السريعة عن الشمس ، نأتي للحديث عن بعض جوانب الإعجاز القرآني حول هذا النجم الكبير ، والحقائق العلمية التي سجلها كتاب الله في هذا الشأن ، ثم كيف تكشفت بعد ذلك للعلماء في ميدان الفلك حديثا.

تحركات الشمس وانتقالاتها

قال تعالى : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (٣).

وقال سبحانه : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) (٤).

وقال سبحانه : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٥).

نلاحظ أن هذه الآيات تقرر قرارا صريحا وواضحا أن الشمس تجري وتسبح في فلك السماء فهي ليست ثابتة كما كان يعتقد الناس قديما ، فكانوا يعتقدون أن الشمس

__________________

(١) الشمس ، إبراهيم غوري ، بيروت ، دار الشرق العربي ، د. ت ، ص ١٤.

(٢) موسوعة غينيس في علم الفلك ، باتريك موور ، ص : ٧.

(٣) سورة لقمان ، الآية : ٢٩.

(٤) سورة إبراهيم ، الآية : ٣٣.

(٥) سورة يس ، الآية : ٣٨.

٢١١

مسمرة ثابتة في كبد السماء ، لا يعتريها زوال ، وتستهجن الحركة والمسير ، وتركن إلى الاستقرار والجمود ...

لكن الله سبحانه وتعالى قرر أنها تجري ، والفعل (تَجْرِي) فيه إعجاز عظيم ، لأنه لا يدل على حركة الشمس الظاهرية التي يبصرها الناس عند ما تشرق الشمس شيئا فشيئا ، ثم ترتفع وتتوسط السماء ، ثم تزول وتأوي إلى مهدها في الغياب ، ثم تتوارى عن أنظار الخلائق ... بل هو يدل ويعبر عن حركة واقعية أثبتتها الأرصاد ، وحركتها العظيمة هذه يعبر عنها الفعل (تَجْرِي) بالسرعة الهائلة التي تقطعها الشمس خلال جريانها ، لأن الجري أسرع من المشي أو السير ، ولذلكم فإن جريان الشمس السريع هذا المقرون بجاذبية الشمس يجر معه الكواكب السيارة التي تدور حولها ، ولقد أشرنا إلى المسافة الكبيرة التي تقطعها الشمس في الثانية ، والتي توضح لنا تألق دقة التعبير القرآني بالفعل (تَجْرِي) الذي حمل الإعجاز الشمسي في أحرفه الرصينة.

وبنظرة دقيقة في كتب التفسير حول هذه الآيات نجد ما يلي :

ففي تفسير الطبري : (وسخر الشمس والقمر لمصالح خلقه ومنافعهم ، كل يجري ، يقول : كل ذلك يجري بأمره إلى وقت معلوم وأجل محدود ، إذا بلغه كورت الشمس والقمر ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) (١).

وعند ابن كثير : (وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى ، قيل : إلى غاية محدودة وقيل إلى يوم القيامة ، وكلا المعنيين صحيح) (٢).

وقال الإمام البيضاوي : (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ، يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات ، وسخر لكم الليل والنهار يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم) (٣).

وفي تفسير «معالم التنزيل» : (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ، يجريان فيما يعود

__________________

(١) جامع البيان ، للطبري ، ٢١ / ٨٣ ، وانظر : الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، علي بن أحمد الواحدي ، تحقيق ، صفوان داودي ، دمشق دار القلم ، الطبعة الأولى ، ١٤١٥ ه‍ ، ٢ / ٨٥٠.

(٢) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٣ / ٤٥٣ ، وانظر : التفسير الواضح الميسر ، محمد علي الصابوني ، بيروت ، مؤسسة الريان ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٢ ه‍ / ٢٠٠١ ، ص : ١٠٢٢.

(٣) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٣ / ٣٥٠.

٢١٢

إلى مصالح العباد ولا يفتران ، قال ابن عباس : دءوبهما في طاعة الله عزوجل ، وسخر لكم الليل والنهار يتعاقبان في الضياء والظلمة والنقصان والزيادة) (١).

وفي تفسير «زاد المسير» : (وسخر لكم الشمس والقمر لتنتفعوا بهما ، وتستضيئوا بضوئهما دائبين في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره لا يفتران ، ومعنى الدءوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه) (٢).

وروي عن ابن عباس أنه (قرأ لا مستقر لها ، أي جارية لا تثبت في موضع واحد) (٣).

(والشمس أي وآية لهم الشمس تجرى لمستقر لها ، وفيه أربعة أقوال ، أحدها : إلى موضع قرارها روى أبو ذر قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله : (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) قال : «مستقرها تحت العرش» وقال : «إنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها ، فتستأذن في الطلوع فيؤذن لها» (٤) ، والثاني : أن مستقرها مغربها لا تجاوزه ولا تقتصر عنه قاله مجاهد ، والثالث : لوقت واحد لا تعدوه قاله قتادة وقال مقاتل : لوقت لها إلى يوم القيامة ، والرابع : تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها الذي لا تجاوزه ، ثم ترجع إلى أول منازلها) (٥).

إذن ، يصرّح القرآن الكريم بأن الشمس تجري باتجاه معين ، وهذا (ما قرره علماء الفلك بأن للشمس حركة حقيقية في الفضاء معلومة المقدار والاتجاه ، وكشف النقاب عن ذلك بعد ألف ومائتي سنة من نزول هذا الكتاب الحكيم وأوضح علم الفلك ، أن الشمس لها مجموعة من الكواكب والأقمار والمذنبات ، تتبعها دائما ، وتخضع لقوة

__________________

(١) معالم التنزيل ، حسين بن مسعود البغوي ، تحقيق ، خالد العك ، بيروت ، دار المعرفة ، الطبعة الثانية ، ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ ، ٣ / ٣٦.

(٢) زاد المسير في علم التفسير ، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثالثة ، ١٤٠٤ ه‍ ، ٤ / ٣٦٣.

(٣) معاني القرآن الكريم ، لأبي جعفر النحاس ، تحقيق ، محمد علي الصابوني ، مكة المكرمة ، نشر جامعة أم القرى ، الطبعة الأولى ، ١٤٠٩ ٥ / ٤٩٣.

(٤) صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب : والشمس تجري لمستقر لها ، ٤ / ١٨٠٦ ، رقم :

(٤٥٢٤).

(٥) زاد المسير ، لابن الجوزي ، ٧ / ١٧.

٢١٣

جاذبيتها ، وتجعلها تدور من حولها في مدارات متتابعة بيضاوية الشكل ، وجميع أفراد هذه المجموعة تنتقل مع الشمس خلال حركتها الذاتية) (١).

ولو فتشنا في المعاجم عن معنى (دائِبَيْنِ) لوجدنا ما يلي :

في لسان العرب : (الدءوب ، المبالغة في السير ، وأدأب الرجل الدابة إدآبا ، إذا أتعبها ، والفعل اللازم دأبت الناقة تدأب دءوبا ، ورجل دءوب على الشيء ... يقال : دأبت أدأب دأبا ودءوبا ، إذا اجتهدت في الشيء ، والدائبان : الليل والنهار) (٢).

وفي مختار الصحاح : (دأب في عمله ، جد وتعب ، وبابه قطع وخضع ، فهو دائب ، بالألف لا غير والدائبان : الليل والنهار) (٣).

يستخلص من معطيات النصوص القرآنية ما يلي :

١ ـ أن الشمس تجري في الفضاء بسرعة منتظمة.

٢ ـ ستتوقف الشمس عن الجري في وقت ما ، وسيكون لها مستقر محدد لا يعلمه إلا الحق سبحانه وتعالى.

الحقائق العلمية :

ما ذا قال العلماء عن حركة الشمس وجريانها؟.

لقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الأجرام كلها تجري في الفضاء ، ولكل كوكب أو جرم فلك خاص به يدور حوله ولا يحيد عنه أبدا ، والشمس من هذه الأجرام السيارة ، ولها ثلاث حركات تقوم بها معا.

حركات الشمس

الدورة المحورية :

(وتتمها الشمس حول نفسها في زمن متوسط قدره ٣٠ يوما ، ونقول في زمن متوسط ، لأن جسم الشمس الغازي لا يتصرف عند دورته المحورية تصرف الأجسام

__________________

(١) الإعجاز العلمي في الإسلام ، محمد كامل عبد الصمد ، القاهرة ، الدار المصرية اللبنانية ، الطبعة الأولى ، ١٤١٥ ه‍ / ١٩٩٤ ، ص : ٤٢.

(٢) لسان العرب ، لابن منظور ، ١ / ٣٦٨.

(٣) مختار الصحاح ، للرازي ، ١ / ٨٣.

٢١٤

الصلبة ، كالأرض فالمنطقة الاستوائية في الشمس تتم دورة كل ٢٥ يوما ، بينما تحتاج المنطقة الواقعة عند درجة عرض ٣٠ من سطح الشمس إلى ٤ ، ٢٦ يوما كي تتم الدورة ، أما عند درجة عرض ٦٠ من سطح الشمس ، فإن المنطقة هناك تحتاج إلى ٣٢ يوما لإتمام الدورة ، والمنطقة الواقعة عند درجة عرض ٨٠ من سطح الشمس تحتاج إلى ٣٥ يوما كي تتم دورتها ، وقد أمكن التأكد من دوران الشمس حول نفسها عن طريق رصد الكلف الشمسية ، التي كانت تدور مع سطح الشمس والتي احتاجت إلى ١٥ يوما حتى أتمت نصف دورة من الدورة الكاملة للشمس.

الدورة الانتقالية للشمس :

تقوم الشمس مع كل منظومتها بدورة انتقالية حول مركز مجرتنا ، ولما كانت المنظومة الشمسية واقعة قرب حافة المجرة ، وتبعد عن مركزها بمقدار ٣٠ ألف سنة ضوئية ، فإنها تحتاج إلى ٢٥٠ مليون سنة كي تتم دورتها حول المجرة ، علما بأن سرعتها لا تقل عن ٢٠٦ ـ ٢٢٠ كيلومتر في الثانية ، أي ما يعادل ٧٤١٦٠٠ كم في الساعة.

الحركة التباعدية أو الانتشارية :

لقد ثبت أن المجرات تنطلق في الكون متباعدة عن بعضها ، وقد دعا العلماء هذه الظاهرة باسم «الانتشار الكوني» وقدرت سرعة مجرتنا وضمنها شمسنا ، وهي تبتعد عن غيرها من المجرات في الكون بمقدار ٩٨٠ كيلومترا في الثانية ، أي ما يعادل ٣٥٢٨٠٠٠ كيلومترا في الساعة) (١).

وفي «الموسوعة الفلكية» نجد (أن الشمس تدور حول محورها مرة كل خمسة وعشرين يوما وتقاس حركتها بمراقبة البقع الكبيرة المظلمة على سطحها والتي تعرف باسم الكلف الشمسية) (٢).

ولكي نفهم الآيات القرآنية التي سلف عرضها ، يجب علينا النظر في موقع الشمس داخل مجرتنا درب التبانة ، وأن نستعين بمعطيات العلم الحديث التي تقول : (تتكون مجرتنا من عدد هائل من النجوم موزعة على أسطوانة أكثر تماسكا في المركز منها على

__________________

(١) انظر : الشمس ، إبراهيم حلمي غوري ، ص : ١٨.

(٢) الموسوعة الفلكية ، خليل بدوي ، ص : ٢١.

٢١٥

المحيط ، ويصل عدد النجوم إلى ١٣٠ بليون نجم «شمس» ، وتحتل النجوم موقعا يبعد عن مركز الأسطوانة ، وبما أن المجرة تدور حول نفسها ، وكأن محورها مركزها ، فإن ناتج ذلك هو أن الشمس تدور حول نفس هذا المركز في مدار دائري ... والشمس تستغرق ٢٥٠ مليون سنة تقريبا لتدور في فلكها دورة واحدة حول مركز المجرة ، وتجري الشمس في هذه الحركة بسرعة تقريبية قدرها ٢٥٠ كم / ثا ، تلك هي الحركة المدارية للشمس والتي صرح بها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنا ، وهي الآن علامة من مكتشفات العلم الحديث ولاحظ التعبير القرآني الدقيق (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) فقد لوحظ أن لكل نجم فلكا خاصا به يجري فيه حول مركز المجرة ، ويذكرنا الخالق سبحانه عدة مرات في القرآن الكريم بالحقيقة التالية (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) وهذه الآية تدل على أن الشمس تتحرك حركة انتقالية بالإضافة إلى سباحتها في فلك خاص بها) (١).

الإعجاز :

هذا موجز للمفاهيم العلمية التي تتوافق مع التصورات والحقائق الإعجازية في القرآن الكريم والمتأمل في قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) وقوله جلّ جلاله : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يجد التطابق العلمي المدهش مع هذه النصوص القرآنية ، حول جري الشمس الحقيقي في الفضاء وليس الظاهري ، وعن تعبير القرآن على الدورة المدارية للشمس حول مجرتنا ، وبيان الحق المعجز هذا ، في التعبير عن تحركات الشمس ودورانها بيان يدهش أولي العقول والعلوم والألباب ، ويدفع المنصفين للإقرار بعظمة هذا الكتاب العظيم.

وأما بيانه تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٢).

(فكل كوكب ، وكل نجم ، وكل مذنّب ، يسبح في فلكه الذي قدّر له ، لا يتحول عنه ولا يحيد ، وفي نفس الوقت الكل في وحدة متماسكة مترابطة بفعل الجاذبية ، التي تنطق

__________________

(١) من دلائل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، موسى الخطيب ، القاهرة ، مؤسسة الخليج العربي ، الطبعة الأولى ، ١٤١٥ ه‍ / ١٩٩٤ ص : ٢٧٣.

(٢) سورة يس ، الآية : ٤٠.

٢١٦

بوحدانية الله خالق هذا النظام ومبدعه ، ولكي تحتفظ الأجرام السماوية بأبعاد ثابتة فيما بينها دون صدام جعلها الخالق الأعظم تتجاذب فيما بينها تجاذبا صغيرا محدودا ، بحجم كل منها وكتلته وبعده عن الشمس ، ووفق هذا التجاذب تظل مواقع النجوم فيما بينها ثابتة ، والأجرام وشمسها على مسافات وأبعاد تتحقق للجميع سبحا وطوافا دون تماس أو صدام ... إنه ميزان الله الدقيق الذي أودعه في قانونه الأعظم للكون) (١) ، (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (٢).

صورة تمثل اتزان المجموعة الشمسية.

قال تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) ، والميزان من الاتزان ، ومن الملاحظ أن الكواكب التسعة في المجموعة الشمسية على مستوى واحد وكأنّها طبق موزون.

__________________

(١) المنهج الإيماني للدراسات الكونية ، عبد العليم عبد الرحمن خضر ، جدة ، الدار السعودية ، الطبعة الثالثة ، ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ ، ص : ٣٣.

(٢) سورة الرحمن ، الآية : ٧.

٢١٧

صورة رقم : (٩) ، تمثل جذب الشمس للمنظومة الشمسية.

إن قانون الجاذبية وقانون التوازن ، يعملان بإحكام وإتقان في النظام الشمسي ، وفي النظام النجمي الذي يلف المجرات والكون بأسره ، وكذلك يعملان في أدق وأصغر الأشياء ، في الذرة التي تحتوي على نظام الدوران العجيب الموجود ذاته في النظام الشمسي والنظام المجري والنظام الفلكي العام ، إنها قدرة الله التي خلقت كل شيء موزون ، وبقدر ...

٢١٨

المبحث الثاني

الشمس متوهجة ملتهبة

قال تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (١).

وقال سبحانه : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) (٢).

وقال سبحانه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (٣).

وقال تعالى : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) (٤).

تثبت هذه الآيات المعجزة حقيقة علمية رائعة ، ألا وهي أن الشمس جرم متوهج ملتهب ، وإذا ما رجعنا إلى أقوال المفسرين في صفات الشمس هذه ، وإلى المعاجم اللغوية ، فإننا سنجد ما يلي :

يقول الشوكاني : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) المراد به الشمس ، وجعل هنا بمعنى خلق ، والوهّاج الوقّاد ، ويقال : وهجت النار تهيج وهجا وو هجانا ، قال مقاتل : جعل فيه نورا وحرا والوهج يجمع النور والحرارة) (٥).

(وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) : (أي كالمصباح لأهل الأرض ليتوصلوا بذلك إلى التصرف في ما يحتاجون إليه من المعاش) (٦).

وعند الرازي : (الوهج مجمع النور والحرارة ، فبيّن الله سبحانه وتعالى أن الشمس

__________________

(١) سورة الفرقان ، الآية : ٦١.

(٢) سورة نوح ، الآية : ١٦.

(٣) سورة يونس ، الآية : ٥.

(٤) سورة النبأ ، الآية : ١٣.

(٥) فتح القدير ، محمد بن علي الشوكاني ، ٥ / ٣٦٤.

(٦) المصدر نفسه ، ٥ / ٢٩٩.

٢١٩

بالغة إلى أقسى الغايات في هذين الوصفين ، وهو المراد بكونها وهّاجا ، والوهج ، حر النار والشمس ، وهذا يقتضي أن الوهاج هو البالغ في الحر) (١).

ويقول الزمخشري : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) : (أي متلألئا وقّادا ، يعني الشمس ، وتوهجت النار ، إذا تلمظت فتوهجت بضوئها وحرها) (٢).

(وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) هي (الشّمس لقوله تعالى : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) وقرئ ، سرجا وهي الشّمس والكواكب الكبار (وَقَمَراً مُنِيراً) مضيئا بالليل ، وقرئ قمرا أي ذات قمر ، وهي جمع قمراء ، ولما أنّ اللّيالي بالقمر تكون قمراء أضيف إليها ثمّ حذف وأجري حكمه على المضاف إليه القائم مقامه) (٣).

ويفرّق الألوسي تفريقا نفيسا بين الضوء والنور هاهنا فيقول : (وقيل : وسمي بذلك لأنه يقمر ضوء الكواكب ، وفي الصحاح لبياضه ، وفي وصفه ما يشعر بالاعتناء به ، وعلى الفرق المشهور بين الضوء والنور يكون في وصفه بمنير دون مضيء ، إشارة إلى أن ما يشاهد فيه مستفاد من غيره وهو الشمس) (٤).

ويسبق الرازي الألوسي بهذه الحقيقة وهذا التفريق فيقول : (ونقول : النور اسم لأصل هذه الكيفية ، وأما الضوء ، فهو اسم لهذه الكيفية إذا كانت كاملة تامة قوية ، والدليل عليه أنه تعالى سمى الكيفية القائمة بالشمس (الشَّمْسَ ضِياءً) والكيفية القائمة بالقمر (نُوراً) ولا شك أن الكيفية القائمة بالشمس أقوى وأكمل من الكيفية القائمة بالقمر) (٥).

ولو بحثنا في المعاجم عن معاني بعض المفردات الواردة في الآيات القرآنية ، لنرى أبعادها اللغوية من مثل «سراج ، منير ، ضياء» فلسوف نجد التالي :

في لسان العرب : (السراج : المصباح الزاهر الذي يسرج بالليل ، والشمس سراج النهار ، المسرجة بالفتح ، التي توضع فيها الفتيلة والدهن ، كما أنه بضوء السراج يهتدي الماشي ، السراج : الشمس ، وفي التنزيل : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) (٦).

__________________

(١) التفسير الكبير ، فخر الدين الرازي ، ٣١ / ٨.

(٢) الكشاف ، للزمخشري ، ٤ / ٢٠٧.

(٣) إرشاد العقل السليم ، أبو السعود العمادي ، ٦ / ٢٢٢.

(٤) روح المعاني ، للآلوسي ، ٥٠ / ١٩.

(٥) التفسير الكبير ، فخر الدين الرازي ، ١٧ / ٢١٠.

(٦) لسان العرب ، لابن منظور ، ٢ / ٢٩٧.

٢٢٠