الإعجاز القرآني في ضوء الإكتشافات العلمي الحديث

مروان وحيد شعبان

الإعجاز القرآني في ضوء الإكتشافات العلمي الحديث

المؤلف:

مروان وحيد شعبان


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 9953-85-052-6
الصفحات: ٤٤٤

أي أكثف من نواة الذرة ، كما كانت درجة حرارتها بلا شك عالية إلى حوالي عشرة بلايين درجة ، ومثل هذه الكتلة يمكن أن تكون غير مستقرة جدا فتنفجر عند وقت ما ، ومع درجة الحرارة العالية لا بد أن الانفجار كان قويا ، اندفعت بمقتضاه كل مادة الذرة الضخمة إلى الخارج ، وفي جزء من الثانية أصبح للكون وجود) (١).

ويؤكد هذه القضية «كارل ساغان» (٢) في كتابه «الكون» فيقول : (ونعلم الآن أن كوننا يبلغ من العمر نحو ١٥ أو ٢٠ مليار سنة ، وهذا الزمن محسوب منذ ذلك الحدث التفجيري الاستثنائي ، الذي يعرف بالانفجار الكبير ، وفي بداية الكون لم تكن هناك مجرات أو نجوم أو كواكب أو أي نوع من الحياة أو حضارات ، بل مجرد كرة نارية مشعة منتظمة الشكل تملأ الفضاء كله) (٣).

الإعجاز :

لا أرى داعيا في سرد المزيد من دراسات علماء الفلك والكون ، والتي تصور بمجملها أصل الكون ومولده ، وتؤكد على أن الكون كان كتلة متماسكة حارّة ، ثم بدأ

__________________

(١) قصة الكون عجب وبهاء ، كليفورد سيماك ، ترجمة ، د. عبد القوي عياد ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ١٩٧٥ ص ١٩٥ وانظر : آفاق فلكية ، فوزية محمد الرويح ، الكويت ، جامعة الكويت ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٧ ، ص : ٢٨١.

(٢) كارل ساغان ، أستاذ الفلك وعلم الفضاء بمعهد دافيد دنكان ، ومدير معمل دراسات الكواكب بجامعة كورنيل ، قام بدور بارز في رحلات سفن الفضاء ، له نحو ستمائة ورقة بحثية علمية ، بالإضافة للعديد من الكتب. انظر : مقدمة المترجم ، ص : ٣ ، وانظر : الفضاء والشهب ، محمد فتحي عوض الله ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتب ، ١٩٧٣ ، ص : ٢٠ ، وانظر : بلوغ سنّ الرشد في المجرة ، تمثي فرس ، ترجمة ، هنري مطر ، عمّان ، مركز الكتب الأردني ، ١٩٩٠ ، ص ٣٨٣ ، وانظر : الكون البحث عن لحظة الميلاد ، هوبرت ريفز ، ترجمة ، درويش الحلّوجي ، القاهرة ، المستقبل العربي ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٦ ، ص : ٧١ ، وانظر : أجمل تاريخ للكون ، جويل دوروني وآخرون ، ترجمة ، موسى خوري ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ١٩٩٦ ، ص : ٢٢.

(٣) عالم المعرفة ، الكون ، كارل ساغان ، ترجمة ، نافع أيوب لبس ، الكويت ، المجلس الوطني للثقافة ، ١٤١٤ ه‍ / ١٩٩٣ ، ص : ٣٦ ، وانظر رحلة في الكون والحياة ، أحمد محمد عوف ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ١٩٩٦ ، ص : ١٢٣ ، وانظر : نشأة الكون ، السموات السبع ، محمد جمال الدين الفندي ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ١٩٧٣ ، ص : ١٤٢.

١٨١

بانفجار مدو عظيم أدى إلى انفصال الكتلة الملتحمة ، وتفرقت أجزاؤها في أنحاء الفضاء ، وكانت درجة الحرارة وقتها عالية جدا ثم تبردت وانخفضت ...

هذا ما توصل إليه علماء الكون (١) بعد دراسات حثيثة ومضنية ، كلفتهم ما الله به عليم من الجهد والوقت والمال ، لكننا نجد أن القرآن الكريم قد سبقهم لتسطير هذه الحقيقة حول أصل الكون ومولده ، قبل أكثر من أربعة عشر قرنا ، حيث قال الله جل جلاله : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (٢) ، ما أعظمها من آية وما أدق بيان الحق فيها ، فهي تصور لنا أن السموات والأرض كانتا (رَتْقاً) أي كتلة واحدة ملتصقة متماسكة (فَفَتَقْناهُما) أي فصلنا أجزائهما من مجرات وكواكب ونجوم ... وهذا ما كشف عنه العلم المعاصر اليوم ، أو ليس هذا التوافق داعيا البشر ليطأطئوا الرءوس إجلالا وتعظيما لهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

__________________

(١) ما يؤخذ على القول (بالانفجار العظيم) ونرده ولا نقبله هو (الانفجار) لأن الانفجار يدل على العشوائية وعدم الرتابة والانضباط ، لذلك نرى أن تستبدل هذه اللفظة ، وهذا المصطلح بالمصطلح القرآني (الرتق والفتق) لأنه أدق في التعبير عن بداية خلق الكون ، وأفصح وأوضح لغة وحقيقة.

(٢) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٠.

١٨٢

صورة رقم : (٢) (مجرة إم ١٠١ أو مجرة المروحة)

إحدى أضخم وألمع المجرات المعروفة والتي تسمى إم ١٠١ ، أو مجرة المروحة نسبة لشكلها العام والتي تمتد على قطر يبلغ مائتين ألف سنة ضوئية ، وتقع على مسافة اثنين وعشرين سنة ضوئية عن مجرتنا ، كما أنها تخلف موجات من الكتل العالية ، وتكثف الغاز ليدور حول مركز المجرة ، وهذه الموجات تضغط على الغازات الموجودة وتسبب نشوء النجوم ، وهذه الصورة التقطتها ناسا الفضائية الأمريكية في ١٠ / ٣ / ٢٠٠٣ (١).

__________________

(١) ترجم هذا النص ، وأخذت هذه الصورة من موقع ناسا :

lmth ٣٠٣١. pa / dopa / vog. asan. cfsg. pr wtna :/ / ptth

١٨٣

المبحث الثالث

تمدد الكون وتوسعه

يقول سبحانه وتعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (١).

تعطينا هذه الآية الكريمة مشهدا آخر من مشاهد تخلق الكون وتطوره ، وهذا هو الطور الثاني الذي مرت به حركة الكون ، فبعد أن طرأ عليه الانفجار العظيم ، هبطت درجة حرارته المرتفعة ، وبدأ بالتبرد ، والتوسع ، والانتشار ، والتمدد الدءوب المستمر ... وإن هذا التوسع وذاك التمدد ، لم يسر عبر مسالك مستوعرة ، وطرق وساحات قد ازدحمت بالفوضى والاضطراب ... ليست الحالة كذلك بل كما عبّر القرآن الكريم (بَنَيْناها) والبناء يقتضي هندسة دقيقة ، ويستلزم تصميما تشيع بين جنباته الرّتابة المتألقة.

وبإلقاء نظرة في كتب المفسرين حول معاني هذه الآية ، وما تصور لنا من معطيات كونية وعلمية نجد ما يلي :

يقول القرطبي : (في السماء آيات وعبر تدل على أن الصانع قادر على الكمال ، فعطف أمر السماء على قصة قوم نوح لأنهما آيتان ، ومعنى (بِأَيْدٍ) أي بقوة وقدرة ، عن ابن عباس وغيره : (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) قال ابن عباس : لقادرون ، وقيل : أي وإنا لذو سعة ، وبخلقها وخلق غيرها لا يضيق علينا شيء نريده ، وقيل : أي وإنا لموسعون الرزق على خلقنا ، ومنه أيضا ، وإنا لموسعون الرزق بالمطر وقيل : جعلنا بينهما وبين الأرض سعة) (٢).

ويقول البيضاوي : (وإنا لموسعون ، أي لقادرون ، من الوسع ، بمعنى الطاقة ، والموسع : القادر على الإنفاق ، أو لموسعون السماء ، أو ما بينها وبين الأرض ، أو الرزق) (٣).

__________________

(١) سورة الذاريات ، الآية : ٤٧.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١٧ / ٥٢.

(٣) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٥ / ٢٤١.

١٨٤

وفي «روح المعاني» : (والسماء ، أي وبنينا السماء بنيناها ، بأييد : أي بقوة ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ، ومثله الآد ، وليس جمع يد ، وجوزه الإمام ، وإن صحت التورية به ، وإنا لموسعون ، أي لقادرون ، من الوسع بمعنى الطاقة ، فالجملة تذييل إثباتا لسعة قدرته عزوجل كل شيء ، فضلا عن السماء ، ... واليد بمعنى النعمة لا الإنعام ، وقيل : أي لموسعوها بحيث أن الأرض وما يحيط بها من الماء والهواء بالنسبة إليها محلقة في فلاة ، وقيل : أي لجاعلون بينها وبين الأرض سعة ، والمراد السعة المكانية) (١).

وفي تفسير «فتح القدير» : (وإنا لموسعون ، الموسع : ذو الوسع والسعة ، والمعنى إنا لذو سعة بخلقها وخلق غيرها ، لا نعجز عن ذلك ، وقيل : لقادرون ، من الوسع بمعنى الطاقة والقدرة ، وقيل : إنا لموسعون الرزق بالمطر) (٢).

ويقول ابن عاشور : (والموسع : اسم فاعل من أوسع ، إذا كان ذا وسع ، أي قدرة ، وتصاريفه جائية من السعة ، وهي امتداد مساحة المكان ضد الضيق) (٣).

ويقول سيد قطب رحمة الله : (والأيد : القوة ، والقوة أوضح ما ينبئ عنه بناء السماء الهائل المتماسك المتناسق ، بأي مدلول من مدلولات كلمة السماء ، سواء كانت تعني مدارات النجوم والكواكب ، أم تعني مجموعة من المجموعات النجمية التي يطلق عليها اسم المجرة ، وتحوي مئات الملايين من النجوم والكواكب ... والسعة كذلك ظاهرة ، فهذه النجوم ذات الأحجام الهائلة والتي تعد بالملايين ، لا تعد أن تكون ذرات متناثرة في هذا الفضاء الرهيب) (٤).

فكلمة تشير إلى الاستمرارية في البناء المتناسق ، وهذا نفي لكل ما قد يمور في سراديب عقل إنسان ، من أن الكون جامد ثابت لا حراك فيه ولا حركة ، وأنه ملازم صفة واحدة لا ينفك عنها.

وإذا ما رجعنا إلى معاجم اللغة وفتشنا عن معنى كلمة (موسع) وعن الأبعاد التي تعطينا إياها فسوف نجد ما يلي :

__________________

(١) روح المعاني ، للآلوسي ، ٢٧ / ١٧.

(٢) فتح القدير ، محمد بن علي الشوكاني ، ٥ / ٩١.

(٣) التحرير والتنوير ، محمد الطاهر ابن عاشور ، بيروت ، مؤسسة التاريخ ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٠ ه‍ / ٢٠٠٠ ، ٢٧ / ٣٦.

(٤) في ظلال القرآن ، لسيد قطب ، ٦ / ٣٣٨٥.

١٨٥

(وسعه الشيء بالكسر يسعه سعة بالفتح ، والوسع والسعة بالفتح الجدة والطاقة ، وأوسع الرجل صار ذا سعة وغنى ، ومنه قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي أغنياء قادرون ويقال : أوسع الله عليك ، أي أغناك ، والتوسيع خلاف التضييق ، تقول : وسع الشيء فاتسع واستوسع أي صار واسعا ، وتوسعوا في المجلس تفسحوا) (١).

وفي لسان العرب : (... في أسمائه سبحانه وتعالى الواسع ، وهو الذي وسع رزقه جميع خلقه ووسعت رحمته كل شيء ، وغناه كل فقر ، ويقال : الواسع المحيط بكل شيء ... والسعة ، نقيض الضيق واستوسع الشيء ، وجده واسعا وطلبه واسعا ، وأوسعه ووسعه ، صيره واسعا ، وقوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أراد جعلنا بينها وبين الأرض سعة ، جعل أوسع بمعنى وسع ، وقيل : أوسع الرجل صار ذا سعة وغنى ، وقوله : (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي أغنياء قادرون) (٢).

هذا هو النبأ والقرار القرآني الصريح حول استمرارية الكون في عملية البناء الموسعة ، فمن معطيات الآية الكريمة أن الكون في حالة اتساع مستمرة ، وأنه غير ثابت محجم ومحجر ، فما ذا يقول علماء الفلك في هذا؟ وما ذا توصلوا في أبحاثهم حول توسع الكون؟.

الحقائق العلمية :

المتتبع للمستجدات العلمية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، يجد تنافسا هائلا بين العلماء فيمن يحظى بأسبقية تدوين اكتشافه حول حركة الكون وتوسعه.

فلقد (لاحظ العالم النمساوي «دوفلر» (٣) في سنة ١٨٤٢ ، أن الموجات الصوتية والضوئية الصادرة عن جسم متحرك ، تغير أطوالها وذبذباتها تبعا لحركاتها بالنسبة لراصدها ، فهي تقصر فتزداد حدة إذا كانت صادرة عن جسم يتحرك نحو الراصد ، أو

__________________

(١) مختار الصحاح ، فخر الدين الرازي ، ١ / ٢١٠.

(٢) لسان العرب ، لابن منظور ، ٨ / ٣٩٢.

(٣) كريستيان جوهان دوفلر ، doppler ، فيزيائي فلكي نمساوي ، اكتشف ظاهرة دوفلر ، وهي تغيّر الطول الموجي الضوئي أو الكهرومغنيطي المنبعث من جسم متحرك. انظر : علم الفلك ، هاشم أحمد ، بيروت ، هلابون ، د. ت ، ص : ٨٤.

١٨٦

تطول فتخف حدتها إذا كانت صادرة عن جسم يبتعد عن راصده ، هذه الظاهرة المعروفة في الفيزياء باسم ظاهرة «دوفلر» ، وقد اكتسبت نظرية «دوفلر» هذه أهمية كبرى في علم الفلك عام ١٨٦٨ ، عند ما استخدمت في دراسة الخطوط الطيفية المنفصلة ، فقد برهن العلماء في ذلك العام أن في الخطوط المظلمة من أطياف بعض النجوم إزاحة بسيطة نحو الأحمر أو الأزرق مقارنة مع طيف الشمس) (١).

ثم جاء «أنيشتاين» (٢) بنظريته النسبية (والتي تمثل مراجعة شاملة لقوانين الفيزياء التقليدية ، فعند ما فرغ أنيشتاين من صياغة النظرية النسبية العامة في عام ١٩٢٥ ، حاول استغلال نظريته في بناء نموذج نظري للكون ، ولا بد من الإشارة إلى أن النظرية النسبية هي نظرية للجاذبية ، تطبق على الأنظمة الحركية المنتظمة وغير المنتظمة ، ويعتبر أنيشتاين بنظريته النسبية أن الجاذبية تمثل انحناء أو تحدبا في النسيج الزمكاني «الزمان والمكان» وبغياب الجاذبية يصبح كل من الزمان والمكان مسطحا ، وفي حالة وجود مجال جذبي ينحني الزمان والمكان ... ورغم أن نظرية أنيشتاين حول الجاذبية أكثر دقة ، إلا أنه لم يكن متأكدا من صحة ما توصل إليه في بناء النماذج النظرية للكون ، ولم يكن أحد في ذلك الحين أيضا يظن أو يشك بوجود حركات كبرى في الكون ، ولذلك اتجه أنيشتاين في أبحاثه إلى وضع نماذج ثابتة للكون ، وقد تعرضت جهوده في هذا المجال للإحباط الشديد ، فكلما سعى إلى بناء نموذج رياضي للكون يجد أن عمله يؤدي إلى كون ينكمش ، وبدلا من أن يتابع ما توصل إليه في حساباته ويوافقها إذ كانت صيغته الرياضية تقوده دائما إلى حقيقة تدل على أننا لا نحيا في كون ثابت ، ولذلك بدأ

__________________

(١) الكون وأحجار الفضاء ، محمد فتحي عوض ، دمشق ، دار الوثبة ، الطبعة الثانية ، ١٩٨٣ ، ص : ٤١ ، وانظر : المحيرات الفلكية ، عبد الرحيم بدر ، الكويت ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، الطبعة الأولى ، ١٩٨٤ ، ص : ٣٠.

(٢) أنيشتاين ، ١٨٧٩ ـ ١٩٥٥ ، فيزيائي ألماني ، صاحب نظرية النسبية المشهورة التي لا يفهمها إلا نفر ضئيل ، وهو من علماء الرياضيات ومن أعمق المفكرين ، أتم دراسته الثانوية في ميونخ ، وأخذ الجنسية السويسرية ، واستقر في برلين وعين عضوا في أكادمية العلوم فيها عام ١٩١٣ ، ونشر نظرية النسبية. انظر : مشاهير القرن العشرين ، محمد بوذينة ، تونس ، مطبعة تونس ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٤ ، ص : ٨٩ وانظر : أعلام الحضارة ، سمير شيخاني ، بيروت ، مؤسسة عز الدين ، ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ ، ص : ٢٣٨ ، وانظر : الأطلس الفلكي ، محمد عصام الميداني ، ص : ٨٧.

١٨٧

الشك والحيرة تصيبه في صحة معادلاته ، وعلى ذلك أضاف إلى معادلاته مقدارا محددا أطلق عليه «الثابت الكوني» بحيث يمنع الثابت كون «أنيشتاين» من الانكماش ، وبمعادلاته الخاطئة في بناء نماذج كونية ثابتة فوت «أنيشتاين» الفرصة في تعجيل اكتشاف «هبل» ، بما لا يقل عن عشر سنوات ، وبحلول عام ١٩٢٩ ، أصبح جليا أننا نحيا في كون يتمدد ، ولم يعد هناك أي تحفظ جديد ، ولقد ندم «أنيشتاين» كثيرا في السنوات الأخيرة التالية لإضافته الثابت الكوني في معادلاته الأصلية في النسبية العامة ، وأشار إلى ذلك بقوله : لقد كان ذلك هو أكبر خطأ وقعت به في حياتي) (١).

ثم استنتج العالم الفلكي الأمريكي «هبل» (أن المجرات تتباعد عن بعضها بعضا بسرعات تتناسب مع المسافة بينها ، يشبه ذلك قليلا قالب الحلوى الذي نضعه في الفرن ، فكلما انتفخ تباعدت فيه حبات الزبيب عن بعضها بعضا ، وهذه الحركة لمجمل المجرات والمسماة توسع الكون) (٢).

يقول «ستيفن هوكنغ» (٣) : (صورتنا الحديثة عن الكون يرجع تاريخها فقط إلى ١٩٢٤ ، عند ما برهن عالم الفلك الأمريكي «إدوين هبل» على أن مجرتنا ليست المجرة الوحيدة ، والحقيقة أن هناك مجرات كثيرة أخرى ، بينها قطع فسيحة من فضاء خاو ، وحتى يثبت ذلك فإنه احتاج إلى تحديد المسافات إلى هذه المجرات الأخرى ، وهي

__________________

(١) نحن والكون ، عبد الوهاب سليمان ، الكويت ، مؤسسة الكويت التقدم العلمي ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٦ ، ص : ٩٤ ، وانظر : المجموعة الشمسية ومجال الجاذبية الكونية ، الأمين محمد كعورة ، القاهرة ، المكتب المصري الحديث ، د. ت ، ص : ٢٤.

(٢) أجمل تاريخ للكون ، جويل دوروني وآخرون ، ص ٢٢ ، وانظر : هل من كائنات عاقلة خارج الأرض ، نزار دندش ، بيروت ، دار المؤلف ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٠ ه‍ / ٢٠٠٠ ، ص : ١٨ ، وانظر : الكون والطاقة ، إعداد المكتب العالمي للبحوث ، بيروت ، المكتب العالمي ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٩ ، ص : ٩ ، وانظر : علم الفلك وفلسفة النسق الكوني ، فائز فوق العادة ، الكويت ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي الطبعة الأولى ، ١٩٩٢ ، ص : ٣٣٥.

(٣) ستيفن هوكنغ ، ملّاح بارع يجوب أفاقا عجيبة في علم الكون والفيزياء ، مستندا إلى موهبة علمية فذة ، وسعة أفق خلاقة ، ومن الشيق أنه رجل معوق ألزمه مرض أعصابه وعضلاته كرسيه ذا العجلات طيلة العشرين سنة الأخيرة من عمره ، الذي بلغ التاسعة والأربعين ومع ذلك فهو يعد أبرز المنظرين في الفيزياء منذ أنيشتاين ، ويشغل الآن كرسي أستاذ الرياضيات الذي كان يشغله إسحاق نيوتن في كمبردج. انظر : مقدمة المترجم ، ص : ٢.

١٨٨

بعيدة جدا بحيث إنها بخلاف النجوم القريبة التي تبدو في الواقع ثابتة ، واضطر «هبل» بسبب ذلك إلى استخدام وسائل غير مباشرة لقياس المسافات ، وقام «هبل» بحساب المسافات إلى تسع مجرات مختلفة ، ونحن نعرف الآن أن مجرتنا ليست إلا واحدة من مجرات يناهز عددها مائة ألف مليون مما يمكن رؤيته باستخدام (التلسكوبات الحديثة) ... واكتشاف أن الكون يتمدد هو إحدى الثورات الثقافية العظيمة في القرن العشرين) (١)

ويقول «ستيفن هوكنغ» أيضا : (بعد انقضاء ساعات قليلة على الانفجار العظيم يكون توليد (الهليوم) (٢) والعناصر الأخرى قد توقف بعد ذلك ، وحتى لفترة مليون سنة تلت أو نحو ذلك يكون الكون قد استمر في توسعه من دون حدوث ما هو ذو شأن يذكر ، وأخيرا عند ما تكون الحرارة قد انخفضت إلى آلاف قليلة من الدرجات ، ولم يعد (للإلكترونات) وللنوى ما يكفي من الطافة للتغلب على الجاذبية الكهرومغناطيسية فيما بينها ، تأخذ هذه (الإلكترونات) والنوى بالتكتل لتكوين الذرات ويكون الكون ككل قد استمر في التوسع والتبرد) (٣).

ثم إن (المراقبين في سائر المجرات النموذجية ، يرون دفعة مادية واحدة وفي جميع الاتجاهات ، وفي أثناء هذا التوسع تزداد أطوال موجات الأشعة الضوئية متناسبة مع المسافة بين المجرات ، ولا يظن أن هذا التوسع هو نتيجة لقوة كونية دافعة ، بل إنه ببساطة سرعة انفلات وهروب اكتسبتها الأجرام عند حدوث انفجار سابق ، وهذه السرعة تتناقص تدريجيا تحت تأثير الجاذبية) (٤).

ولقد أكدت قياسات «هبل» (أن جميع المجرات ، حتى الموغلة في الأعماق السحيقة من الكون تتحرك مبتعدة عنا وبسرعات هائلة ، وتبدو لأعيننا وكأن الكون ينفتح

__________________

(١) موجز في تاريخ الزمان ، ستيفن هوكنغ ، ترجمة ، مصطفى فهمي ، القاهرة ، مكتبة الأسرة ، ٢٠٠١ ، ص : ٤٤ ، وانظر : علم الفلك العام ، مرفت السيد عوض ومصطفى كمال محمود ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٠ ه‍ / ٢٠٠٠ ، ص : ٢٧٥.

(٢) الهليوم ، أخف العناصر وأكثرها وفرة بعد الهيدروجين ، كل ذرة هليوم تحتوي إلكترونين حول نواتها. الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون ، ستيفن وينبرغ ، ص : ١٨٨.

(٣) موجز في تاريخ الزمان ، ستيفن هوكنغ ، ص : ١٤٢.

(٤) الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون ، ستيفن وينبرغ ، ص : ٦٣.

١٨٩

أمام ناظرينا ، وعلى الرغم مما لوحظ من تباعد عام لجميع المجرات عن مجرتنا ، إلا أنه تم الكشف عن استثناء وحيد في ذلك ، وهو مجرة (المرأة المسلسلة) التي تبدو وكأنها تتحرك نحونا ، ولقد عرف السبب الحقيقي لذلك منذ وقت قريب ، وهو أن حركة شمسنا في مدارها حول مركز مجرتنا تقع في اتجاه مجرة المرأة المسلسلة) (١).

(ويقوم العلماء حاليا باستعمال مطيافات شديدة القوة والفاعلية لتحليل ضوء النجوم ، وبعد دراسات طويلة توصلوا إلى التأكد من أن الخطوط الطيفية تميل دائما إلى الاحمرار ، وعند ما يبتعد مصدر ضوئي عن المرصد الموجود على الأرض نجد أن تردد الضوء يتضاءل ، وبما أن اللون يحدد تردد الموجات الضوئية ، وأن اللون الأحمر يكون تردده أقل ، فإن العلماء قد استنتجوا أن ميل الخطوط الطيفية إلى الإحمرار إنما يدل على أن كل الأجرام تبتعد عن بعضها ، مما ينتج عنه امتداد للكون بشكل عام) (٢).

الإعجاز :

هذه هي الحقائق العلمية عن توسع الكون ، التي قد توصل إليها العلماء في عصرنا الحاضر ، وأثبتوا كما رأينا من تضافر أبحاثهم ، أن الكون ليس ثابتا جامدا ، إنما هو كون متحرك متوسع ، وهذا الذي وصلوا إليه بعد كل الدراسات الشاقة والأبحاث المضنية ، نجد أن القرآن الكريم الذي نزل على نبيّ أمّيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى أمة بدائية تعيش بين بحار من الرمال في فناء الصحراء الواسع ، قد سبق العلماء في إثبات هذه الحقائق العلمية ، وسطرها في صفحاته المجيدة ، (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) لتكون سراجا مضيئا يتبصر بها جمهرة البشر معالم بناء حضارتهم ، وسبل الوصول إلى الحق فاليقين ، وليعلم الجميع أن هذا الكتاب حق ، وأنه تنزيل العزيز الحميد.

__________________

(١) قصة نشوء الكون ، مخلص الريس وعلي موسى ، دمشق ، دار دمشق ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٠ ، ص : ٤١.

(٢) موسوعة الكون والفضاء والأرض ، موريس شربل ورشيد فرحات ، بيروت ، دار الفكر العربي ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٩ ، ص : ٢٠ وانظر : طرائف علم الفلك ، فيكتور كوماروف ، ترجمة عبد الله حبة ، موسكو ، دار مير ، ١٩٨٥ ، ص : ٢٤ ، وانظر : أحاديث حول اللامرئي ، جان أودوز وآخرون ، ترجمة ، نور الدين عبيد ، الطبعة الأولى ، ٢٠٠٠ ، دمشق ، مكتبة الأهلي ، ص : ٦٦ ، وانظر : احتمالات نهاية الكون ، إعداد قسم التأليف والترجمة في دار الرشيد ، دمشق ـ بيروت ، دار الرشيد ، ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٨ ، ص : ٢٧.

١٩٠

صورة رقم : (٣) ، مجرة (أندروميدا).

مجرة أندروميدا ، قرص مستدير ذو هيئة لولبية ، ولها ذراعان يتكونان من مليارات النجوم ، وهي أقرب مجرة أساسية لمجرتنا ، وهذه المجرة انطلق ضوؤها قبل اثنين مليون سنة ليصلنا ، وهي في حالة توسع وانتشار ، التقطت (ناسا) الفضائية هذه الصورة في ٢٤ / ٧ / ١٩٩٥ (١).

__________________

(١) ترجم هذا الكلام وأخذت هذه الصورة من موقع :

htpp // : antwrp. gsfc. nasa. gov / apod / ap ٤٢٧٠٥٩. html

١٩١

صورة رقم : (٣) ، مجرة (درب التبانة).

وهذه مجرتنا (درب التبانة) ، التي تحتوي على ملايين النجوم ، والضوء المشع هو من أقرب النجوم لمركز المجرة ، التقطتها (ناسا) في ١٣ / ٦ / ١٩٩٦ (١).

__________________

(١) ترجم هذا الكلام وأخذت هذه الصورة من موقع :

http // : planetscapes. com / solar / cap / ds / milkyway. htm

١٩٢

المبحث الرابع

نهاية الكون بين القرآن والعلم

إن الإيمان المقدس الذي شرفنا الله سبحانه وتعالى به ، له متعلقات هامة ينبغي أن تكون ماثلة دائما في الأذهان والنفوس ، ومستلزمات لا ينبغي أن تنفك عنه قيد أنملة ، وأول ثمرة من مقتضيات الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، أن يشرق في نفس العبد إماض التوحيد الناصع ، ويستقر في سويداء قلبه أن الذي أبلج الكون من العدم ، وفلقه من ظلام اللاشيء هو الله الخالق العظيم.

وهذه الحقيقة الشامخة هي المقوم الأول من مقومات الدين ، والدعامة الأولى التي ينهض على أساسها صرح الإسلام الشاهق السامي.

فإذا ما تكاملت التصورات السديدة حول هذه الحقيقة ، وتساوقت المعاني المتلازمة في سبيل ترسيخ هذا التصور في أعماق النفس والفؤاد ، آنذاك نقف على مفرق الطريق ، بين من حفلت نفوسهم بهذه الحقيقة فآمنوا بهذا وانصاعوا بشوق وحب لمتعلقاتها ، وبين من تنكّب طريق هذه الحقيقة فارتكس على وجهه قد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

النزعات البشرية التي يصدرها الهوى كثيرة ، إلا أن أخطرها تلك النزعات المسعورة التي تبناها جمهرة من الذين لا يقرّون بوحدانية الخالق لهذا الكون ، فراحوا يروجون بين الناس أن الكون أزلي سرمدي ، لا أول لأوّله ، وسخروا لبث هذه الأفكار المسمومة أمة هائلة من البشر ، وإمكانات ضخمة من القوة والمال ، فأوغلوا في الجحود وإنكار الذات العليا ، واكتسى هذا الإلحاد أثوابا متعددة فتارة يعلنون كفرهم بالله وإنكارهم أن للكون خالقا باسم الشيوعية ، وتارة باسم العلم والتمدن وهذه المسميات نتسامع عنها بين الفينة والأخرى ، وتظهر بصور وأشكال متعددة ، إلا أن جوهرها وحقيقتها واحدة ألا وهي إنكار وحدانية الله وتصرفه في الكون.

هذه المزاعم العتيقة لم يبق من يعيرها اهتماما ، بعد ما أثبتت البحوث العلمية أن

١٩٣

الكون حادث وليس بأزلي ، وهذا الصلف الذي روجوه ، قد تصدى للرد عليه العلماء في شتى تخصصاتهم ، وأثبتوا أن الكون تفجر من العدم.

ينص القانون (للديناميكا) الحرارية على أنه (من المحال أن يكون وجود الكون أزليا فهو ينص على أن الحرارة تنتقل من الأجسام الساخنة إلى الباردة ، وحيث إنه لا يمكن أن يحدث العكس ، أي انتقال الحرارة من الأجسام الباردة إلى الحارة بدافع ذاتي ، فإن الكون يسير إلى درجة تتساوى وتتناسب فيها حرارة جميع الموجودات ، وينطفئ وهج الطاقة ويغور معينها ، وتقف التفاعلات الكيميائية في الكون كله ، لكن بما أن العمليات الكيميائية ما تزال مرئية وواقعية نعيشها في الكون من سطوع الشمس ، ودوران الأرض ، وحركة النجوم والأفلاك ، فهذا دليل على أن الكون ليس أزليا ، إذ لو كان الكون أزليا لفقد طاقته منذ أعصار بعيدة ، بناء على هذا القانون فإن الحياة التي تدب في الموجودات ، تسير نحو الانكسار والتقويض حتى تنتهي تلقائيا ، وتتوقف الحركة ويسود الفناء) (١).

(إن الاكتشاف العظيم في هذا القرن هو أن الكون ليس مستقرا ولا أبديا ، كما كان يفترض معظم علماء الماضي ، نحن اليوم مقتنعون بذلك تمام الاعتقاد ، فللكون تاريخ وهو لا ينفك يتطور بتناقض كثافته وابتراده وتشكل بناه ، وتسمح لنا أرصادنا ونظرياتنا بإعادة تشكيل (السيناريو) وبالرجوع في الزمن ، وهي تثبت لنا أن هذا التطور مستمرّ منذ ماض بعيد جدا يقع بين ١٠ مليارات و ١٥ مليار سنة وفق التقديرات) (٢).

ويصرح «ستيفن هوكنغ» بوجود بداية ونهاية للكون فيقول : (إذن ليس مفاجئا أن يكون الكثير من العلماء غير مبتهجين لهذا الاستنتاج المنطوي على وجود متفرد لانفجار أعظم ، وبالتالي على وجود بداية للزمن) (٣).

__________________

(١) انظر : الحرارة والديناميكا الحرارية ، مارك وزنماسكي وريتشارد ديثمان ، ترجمة ، محسن سالم رضوان ، القاهرة ، دار ماكجروصيل الطبعة الأولى ، ١٩٨٢ ، ص : ١٨٠ ، وانظر : الديناميكا الحرارية ، فرانسيس وستون سيرس ، ترجمة ، رضا جاد جرجس وطاهر مجيد الشريتي ، البصرة ، طبع كلية التربية جامعة البصرة ، د. ت ، ص : ١٨٣ ، وانظر : الديناميكا الحرارية ، أبوت فان هيس ، ترجمة ، أحمد فؤاد باشا وسعيد بسيوني الجزائري ، القاهرة ، الدار الدولية للنشر ، الطبعة الرابعة ، ١٩٩٨ ، ص : ١٧٦.

(٢) أجمل تاريخ للكون ، جويل دوروني ، وآخرون ، ص : ١٦.

(٣) الثقوب السوداء والأكوان الطفلة ، سيتفن هوكنغ ، ترجمة ، حاتم النجدي ، دمشق ، دار المعارف للطباعة ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٨ ، ص : ٧٨.

١٩٤

هذا هو القرار العلمي الذي توصل إليه الدارسون ، وهذا هو الواقع الذي ينطق الكون به ، لأن الكون متغير وكل ما قد خضع لقانون التغير والتبدل ، فإنه حادث مصيره الفناء ولو بعد حين.

ونزيد في التأكيد على نهاية الكون من الناحية العلمية ، باستعراض نتائج ما استقر في دراسات الباحثين حول هذه القضية ، يقول «ستيفن وينبرغ» : (وسيقف توسعه عند حد يتبعه بعدئذ انكماش متسارع ، وستهبط درجة حرارة الخلفية الكونية (للفوتونات) و (النوترينوات) (١) ، ثم ترتفع تبعا لانتقال الكون من طور التوسع إلى طور الانكماش ، وستتغير دائما بتناسب عكسي مع قدر الكون ... وستبدأ الجزئيات في أجواء النجوم والسيارات بالتفكك إلى ذراتها المكونة لها ، وستنفصل (إلكترونات) الذرات عن نواها لتصبح حرة طليقة ، ثم تذوب النجوم والسيارات في حساء كوني من الإشعاع ...) (٢).

(وأثناء استمرار هذا التوسع تبتعد المجرات بالتدريج ، ويخبو نورها حتى تصبح غير مرئية ، وكل مادة منها ما لم تبتلعها الثقوب السوداء ستبرد ببطء حتى تبلغ درجة حرارة الفضاء الصقيعية إلى الأبد ... حتما وهناك في العلم وضع تنبؤات تولد كآبة لا تقل عمقا عن كآبة موت العالم الحي) (٣).

(وفي نهاية المطاف يتحول النجم المتقلص إلى بؤرة غير مرئية ، يحيطها مجال جذبي شديدة القوة يمتص ويبتلع كل ما يمر جواره من أجسام مادية أو (فوتونات ضوئية) ، أو نجوم هرمة مكدسة ومنكمشة ، ويرافق النجم المنهار المتقلص ازدياد في شدة المجال

__________________

(١) النوترينوات ، neutrino ، جسيم أولي من المادة ، خفيف الوزن للغاية ، وربما من دون كتلة ، يتأثر بالقوة الضعيفة وبالجاذبية دون سواهما. انظر : موجز في تاريخ الزمان ، ستيفن هوكنغ ، ص : ٢١١.

(٢) الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون ، ستيفن وينبرغ ، ص : ١٩٨.

(٣) المكان والزمان في العالم الكوني الحديث ، ب. د. ديفيس ، ترجمة ، أدهم السمان ، دمشق ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى ، ١٤٠٩ ه‍ / ١٩٨٨ ، ص : ٢٠٥ ، وانظر : أعماق الكون ، سعد شعبان ، القاهرة ، دار الكتاب العربي ، د. ت ، ص : ٣٥٠ ، وانظر : من الذرة إلى المجرة ، محمد صالح المحب ، بيروت ، دار الفكر اللبناني ، د. ت ، ص : ٩٤.

١٩٥

الجذبي قرب سطحه لتصبح أعظم من أي قوة أخرى في النجم ، والقادرة على اختفائه من الوجود وتحويله إلى ثقب أسود ذي درجة حرارة عالية) (١).

(والإنسان يرى نفسه على مرآة المرصد في النهاية حسب نظرية «أنيشتاين» ، على أن الكون مغلق وأحدب أي مكور كالكرة أو البيضة ، وكما للكون بداية فإن له نهاية ، والمخلوقات والكائنات الحية على الكرة الأرضية تتوالد وتموت ثم تنشأ من جديد ، والشمس وكواكبها تسير نحو الهرم ، والمجرة جميعها مع مكوناتها من نجوم وسحب كونية وسدم ستنكدر ، وتنطفئ جذوتها ، وتفقد خواصها ، وما سيصيب المجرة (٢) سيصيب المجرات الأخرى والتي ستخلق من جديد سيصيبها كلها ما أصاب قبلها من موت وفناء) (٣).

يتضح لنا مما سلف من دراسات العلماء ، أن الكون صائر إلى نهاية محتومة ، وفناء مؤكد ، وقد تضافرت أبحاث العلماء حول نهاية الكون ، وركزت على تصورين للنهاية الكونية ، وقد ذكرناهما في ثنايا سرد أقوال العلماء وهما :

__________________

(١) علم الفلك والكون ، عواد الزحلف ، عمان ، دار المناهج ، الطبعة الأولى ، ١٤١٨ ه‍ / ١٩٩٨ ، ص ١٨٤ ، وانظر : عالم المعرفة ، النهاية فرانك كلوز ، ترجمة ، مصطفى إبراهيم فهمي ، الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون ، ١٤١٥ ه‍ / ١٩٩٤ ، ص ٣٠٨.

(٢) المجرة «galaxy» تجمع نجمي ، تضم مليارات من النجوم والغبار والغازات ، لكن لها أشكال وأحجام مختلفة. انظر : الموسوعة الكاملة الكون ، بيروت نوبيلس ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٧ ، ٢ / ٥٦.

(٣) من الذرة إلى المجرة ، حمادة العائدي ، عمان ، دار الفكر ، الطبعة الأولى ، ١٤١٥ ه‍ / ١٩٩٤ ، ص ٤٠٧ ، وانظر : الكون ذلك المجهول جلال عبد الفتاح ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ١٩٩٤ ، ص : ١٢٢.

١٩٦

١ ـ الانكماش العظيم ونهاية الكون : وصاحب هذا الاتجاه هو العالم «ستيفن وينبرغ» والذي أسهب في الحديث عن نهاية الكون ، وأنه كما بدأ بانفجار عظيم ، كذلك فإنه سيعود وينكمش على نفسه كما بدأ ، وقد أثبتنا تصوره هذا آنفا ، وكان قد سجل هذا الاستنتاج في كتابه «الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون» ثم جاء «ستيفن هوكنغ» وأكد هذه الفكرة ، وأطلق على نهاية الكون بناء على دراساته الفلكية ب (الانكماش العظيم) وذلك في كتابه «تاريخ موجز للزمان» ويعتبر هذا الاتجاه من أقوى ما سجل حول نهاية الكون.

٢ ـ الثقوب السوداء والنهاية الكونية : وهذا التصور حول نهاية الكون ، لا يختلف عن سابقه من حيث المضمون ، فكلاهما ينص على النهاية الأكيدة للكون ، إلا أن الاختلاف ناشئ من جهة الحيثية والملابسات التي تعتري أطوار النهاية.

ولا بد من التركيز قليلا على قضية «الثقوب السوداء» (١) ، لما لها من الأهمية البالغة في دراسات الفلكيين ، وكذلك لأن اقتناع عدد ليس بالقليل من العلماء بأن مصير الكون ونهايته إنما سيتم ضمن مقبرة النجوم في السماء ، ألا وهي الثقوب السوداء ، فما هي تصورات العلماء حول هذه الثقوب؟ وما هي طبيعتها؟ وكيف تتم عملية جذب الكواكب والنجوم إلى داخلها وكيف تكون النهاية؟.

يقول «ستيفن هوكنغ» : (وبعد عشرة مليارات سنة أو نحوها ، ستكون معظم النجوم في الكون قد احترقت ، والنجوم ذات الكتل المشابهة لكتلة الشمس سوف تتحول إما إلى أقزام بيضاء ... أما النجوم ذوات الكتل الأكبر ، فتتحول إلى ثقوب سوداء ، وهذه أصغر من النجوم (النيوترونية) (٢) وتمتلك حقلا ثقيلا شديدا يمنع الضوء ، وكل شيء آخر من الخروج منها ... ويتجمع في النهاية ليكون ثقبا أسودا عملاقا في مركز المجرة ، وما قلناه عن مجرتنا ينسحب على المجرات الأخرى ، ومهما تكن المادة

__________________

(١) الثقب الأسود «black hole» ، جسم فائق التقلص ، يملك جاذبية قوية جدا إلى درجة أنها تمنع الضوء نفسه من الإفلات. انظر : الموسوعة الكاملة ، ٢ / ٥٦.

(٢) النجم النيوتروني ، neutron star ، نجم بارد ، مدين ببقائه للتنافر بين النيوترونات في مبدأ الاستبعاد. انظر : موجز في تاريخ الزمان من الانفجار العظيم إلى الثقوب السوداء ، ستيفن هوكنغ ، ص ٢١١.

١٩٧

المظلمة في المجرات ومجموعات المجرات فيتوقع أنها ستسقط في هذه الثقوب السوداء الضخمة أيضا) (١).

(ولقد تنبأت نظرية (أنيشتاين) نفسها في النسبية العامة ، أن الزمكان (الزمان ، المكان) بدأ مع الانفجار العظيم ، وبأنه سوف ينتهي إما مع تفرد الانهيار العظيم ، إذا ما عاد الكون بكامله إلى الانسحاق والتقوض ، أو مع تفرد داخل ثقب أسود ، إذا ما كان لمنطقة محلية كالنجم مثلا أن تنسحق ، فأي مادة تقع داخل الثقب ، سوف تدمر بالتفرد ، ولا يبقى منها أي شيء محسوس سوى تأثير جاذبية كتلتها ، من جهة أخرى فعند ما تؤخذ تأثيرات الكمّ بالحسبان ، وأن الثقب الأسود وكذلك أي تفرد في داخله سوف تتبخر تلاشيا ، ويختفي في النهاية) (٢).

صورة لثقب أسود يبتلع ما حوله ـ صورة التقطت بواسطة تلسكوب هابل

__________________

(١) الثقوب السوداء والأكوان الطفلة ، سيتفن هوكنغ ، ص : ١٢٣.

(٢) موجز في تاريخ الزمان من الانفجار العظيم إلى الثقوب السوداء ، ستيفن هوكنغ ، ص : ١٣٩.

١٩٨

إن هذه الثقوب السوداء التي تبتلع الكواكب والنجوم والأجرام السماوية ، وتلتهم الكون بجاذبيتها التي لا يفلت من قبضتها شيء حتى الضوء نفسه يكون لقمة سائغة عند ما يقع في شباكها قد أماط العلماء اللثام عن بعض خصائصها العلماء ، وهاك هذه الخصائص :

(مراكز معظم المجرات بما فيها مجرتنا درب التبانة ، تحتوي على ثقوب سوداء يقدر العلماء وجود حوالي نصف مليون ثقب أسود في مجرتنا.

ـ أن حوالي ٨٠ إلى ٩٠ خ من الكتلة الإجمالية في الكون ، متوارية عن الأنظار على هيئة ثقوب سوداء.

ـ حسب بعض العلماء الوزن النوعي «الكثافة» للثقب الأسود ، ووجدوا أنه قد يصل إلى ١٧٨٠٠ طن لكل سم مكعب واحد.

ـ وزن الإنسان ، أي قوة جذبه الواقف على سطح الثقب الأسود ، سيصل عندها إلى ١١٣ مليار طن!.

ـ إن حد الأمان أكبر من ٣٠٠٠٠ ميل ، فلو اقترب نجم إلى هذه المسافة فيكون قد وقع في فخ الثقب الأسود) (١).

أما عن ماهية الثقب الأسود وطبيعته ، فقد وضع العلماء تصورا نظريا عن الثقوب السوداء وتخيلات نسجوها من خلال ما توفر لديهم من معلومات مجردة حولها ، فقد تصور العلماء (سفينة فضائية تقترب من ثقب أسود ، كتلته تعادل ١٠ كتل شمسية ، أول ما يلاحظه رواد السفينة تعاظم قوة جذبهم ، كلما صغرت المسافة التي تفصلهم عن الثقب الأسود ، ينظر الرواد من نافذة مركبتهم فيرون قرصا حلزونيا من الغازات ، يدور حول الثقب الأسود ، قام الثقب الأسود بشفطها من نجم قريب ، وتنطلق أثناء ذلك دفعات غزيرة من الطاقة ، معظمها بشكل «أشعة سينية» (٢) قوية ، تلك الأشعة قوية

__________________

(١) الثقب الأسود ، محمد رضوان المصري ، دمشق ، دار المعارف للطباعة ، الطبعة الأولى ، ١٩٨٦ ، ص : ٣٦ ، وانظر : الثقوب السوداء والأكوان الطفلة ، ستيفن هوكنغ ، ص : ٨٧ ، وانظر : الكون هوبرت ريفرز ، ترجمة درويش الحلوجي ، القاهرة ، دار المستقبل العربي ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٦ ، ص : ٣٣٠.

(٢) أشعة سينيةx ـ rays ، وتسمى أيضا أشعة رونتجن ، وهي قصيرة الموجات ، تحتاج إلى طاقة كبيرة لإطلاقها. انظر : المحيرات الفلكية ، عبد الرحيم بدر ، ص : ١١٢.

١٩٩

الاحتراق ، التي تمر عبر عضلات الإنسان ولحمه ، وكأنها تخترق الهواء لا يوقفها إلا العظم ، ينظر الرواد عبر مرصدهم الفلكي المحمول على متن السفينة ، فيشاهدون ضوء النجوم البعيدة يحيط بمنطقة داكنة لا تسمح بمرور أي شعاع ضوئي ، هي ستار مسرح الأحداث المحيط بالثقب الأسود والذي يقارب قطره ٣٧ ميلا ، إن ما يقع ضمن مسرح الأحداث لا يمكن رؤيته أو سماعه من قبل أي شخص ينظر إليه من الخارج ، أما إذا دخل المشاهد مسرح الأحداث عندها يكون قد فات الأوان ، انطلاقا من هذه التصورات وجد العلماء أن قوة الجاذبية الخارقة للثقب الأسود ، هي ذات آثار يمكن كشفها ، فهي قادرة على أسر نجم قريب ووضعه في مدار حول الثقب الأسود ، يطلق النجم المأسور أثناء ذلك إشعاعات قوية ، وما على العلماء في هذه الحالة إلا كشف صرخات الاستغاثة التي يطلقها النجم المأسور ليشكل إشعاعات سينية ، و «فوق بنفسجية» (١) كي يستدلوا على وجود الثقب الأسود المتواري عن الأنظار) (٢).

وفي إطار دراسات العلماء حول الثقوب السوداء هذا المقال : (ساهم ارتفاع مفاجئ للمعان سحابة غازات عالية الحرارة بمركز مجرة درب التبانة ، في دعم الفكرة القائلة بوجود ثقب أسود غاية في الشساعة وسط هذه المجرة ، ويعتقد غالبية علماء الفلك أن ذلك الشيء يوجد فعلا هناك ، لكن الأدلة المقدّمة لغاية الآن ، والمبنية على تحركات في نجوم مجاورة ، لم تصل إلى خلاصات حاسمة ، وقد تمكنت عمليات مراقبة أجريت أخيرا لمركز المجرة ، من رصد طاقة ناجمة عن وميض من (أشعة إكس) ظل يلمع ويفتر مدة عشر دقائق ، وهذه الفترة إذا ما أضيفت إلى دلائل سابقة تسمح لعلماء الفلك بقياس كتلة وحجم الثقب الأسود المحتمل ، وقد كانت المحصلة هي كتلة تفوق مليوني أضعاف كتلة الشمس ، ويعتقد العلماء أن التفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو وجود ثقب أسود هناك.

__________________

(١) أشعة فوق بنفسجيةultraviolet rays ، وهي أمواج كهرومغناطيسية ، لها تردد أكبر من تردد الأشعة البنفسجية ، وهي أشعة غير مرئية تستخدم لأغراض التعقيم ، ولها دور مهم في تكوين فيتامين «د» في الجسم ، ولكن إذا تعرض الجسم لهذه الأشعة لفترة طويلة تؤدي إلى حدوث سرطان الجلد.

انظر :

http // : www. schoolarabia. net / kemya / general chemistry / glossary / chem I / chem. htm

(٢) انظر : مجلة العربي ، الكويت ، العدد ٣١٣ ديسمبر ، ١٩٨٤ ، مقال لسمير صلاح الدين شعبان ، ص : ١١٥ ، وانظر : الثقوب الكونية السوداء فائز فوق العادة ، دمشق ، دار المعرفة ، الطبعة الأولى ، ١٤٠٩ ه‍ / ١٩٨٨ ، ص : ١٧٥.

٢٠٠