هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

كثيرة. وفحوى (١) سلطنتهما على بضع البنت في باب النكاح.

______________________________________________________

فإنّ تقويم مال الغير من لوازم الولاية ، لانتفاء غيرها من الملك والوكالة وشبههما. فتدلّ الصحيحة بالدلالة الالتزامية على نفوذ تملك الأب لمال ولده الصغير بإزاء قيمته.

ومنها : أخبار الوصية الدالة على جواز تصرفات الوصي ، مثل ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده ، وبمال لهم ، وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال ، وأن يكون الربح بينه وبينهم. فقال عليه‌السلام : لا بأس به ، من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك ، وهو حيّ» (١).

بتقريب : أنّ جواز تصرف الوصي في مال الصغير ـ بإذن الموصى ـ يكون من شؤون ولاية الأب الموصى على مال ولده الصغير.

ومنها : أخبار الاتجار بمال اليتيم ، كرواية أبي الربيع ، قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم ، وهو وصيّه ، أيصلح له أن يعمل به؟ قال : نعم ، كما يعمل بمال غيره ، والربح بينهما. قال : قلت : فهل عليه ضمان؟ قال : لا ، إذا كان ناظرا له» (٢). وتقريب الاستدلال كما في الطائفة السابقة.

ومنها : روايات حلّ مال الولد للوالد ، وكونه له ، وسيأتي بعضها في (ص ٩٠).

فهذه النصوص ـ بطوائفها ومضامينها المتعددة ـ تدلّ على نفوذ تصرف الأب في مال ولده الصغير.

(١) معطوف على «الأخبار» وهذا ثالث الوجوه المستدل بها على ولاية الأب والجدّ ، وهي أولوية جواز التصرف في المال من تسلّطه على بضع بنته الصغيرة ، كما دلّ عليه مثل ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصبية يزوّجها أبوها ، ثم يموت وهي صغيرة ، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، يجوز عليها

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٧٨ ، الباب ٩٢ من كتاب الوصايا ، الحديث : ١.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٥٧ ، الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث : ١. وتقدّم بعض الكلام في بيع الفضولي حول ما يدلّ على جواز اتّجار الولي بمال اليتيم ، فراجع هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٤٣.

٨١

والمشهور (١) عدم اعتبار العدالة ،

______________________________________________________

التزويج ، أو الأمر إليها؟ قال عليه‌السلام : يجوز عليها تزويج أبيها» (١).

بتقريب : أنّ تسلط الأب على البضع مع أهميته يدل على تسلطه على ماله بالأولوية.

وبالجملة : الأخبار المشار إليها قد استدلّ بها لولاية الأب على ولده الصغير من الذكر والأنثى. لكن نوقش في دلالتها على المدّعى بوجوه تذكر في التعليقة إن شاء الله تعالى.

ولا يخفى أنّ الجدّ لم يذكر في النصوص ، والدليل عليه هو الإجماع كما ادعاه العلّامة وغيره (٢).

عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب والجدّ

(١) بعد وفاء الدليل بإثبات نفوذ تصرف الأب والجدّ ـ في مال الصغير ـ في الجملة ، تعرّض قدس‌سره لفروع المسألة ، أوّلها : أن العدالة معتبرة فيهما ، أم يمضي تصرفهما مطلقا وان كانا فاسقين؟ فيه قولان.

ثمّ إن نسبة الحكم ـ بعدم الاشتراط ـ إلى المشهور إنّما هي لإطلاق كلمات كثير من الأصحاب وعدم تقييد ولايتهما بالعدالة ، وصرّح المتأخرون بعدم اعتبارها. قال السيد المجاهد قدس‌سره ـ بعد التعرض لكون المسألة ذات قولين ـ ما لفظه : «يظهر من إطلاق النافع والشرائع والتبصرة والإرشاد والتذكرة والدروس واللمعة وكنز العرفان والمسالك والرّوضة والكفاية : الثاني ـ أي عدم اعتبار العدالة ـ بل الأخير كالصّريح فيه ، بل صرّح به في جامع المقاصد ومجمع الفائدة. وصرّح فيه وفي الكفاية بأنّ أكثر العبارات خالية عن اشتراط العدالة فيهما ، بل صرّح بعض هؤلاء بأنه اعتبار جلّة من محققي متأخري

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٠٧ ، الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث : ١.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٨٠ ، كفاية الأحكام ، ص ١١٣.

٨٢

للأصل (١)

______________________________________________________

المتأخرين ، وبأنّه الظاهر من كلام الأصحاب أيضا .. إلخ» (١).

واستدلّ المصنف قدس‌سره على عدم اشتراط ولايتهما بالعدالة بالأصل والإطلاق والفحوى وسيأتي.

(١) هذا أوّل ما استدل به على عدم اعتبار العدالة في نفوذ تصرف الأب والجدّ في مال الصغير ، وهو مذكور في كلمات جمع كالمحقق الأردبيلي والفاضل السبزواري والسيد المجاهد قدس‌سرهم (٢).

وفي الجواهر : «ولعلّ التحقيق عدم اشتراط العدالة ، للأصل والإطلاق» (٣).

ويحتمل في ما يراد بالأصل في مثل هذه المسألة وجهان :

الأوّل : الأصل اللفظي ، وهو إطلاق الأدلة الاجتهادية ، إمّا ما دلّ على الأمر بالوفاء بالعقود وحلّ البيع والتجارة عن تراض ، فإنّ إطلاقها ينفي دخل العدالة في ترتب الأثر ، كما احتمله السيد المجاهد. وإمّا ما دلّ من النصوص على ولايتهما من دون تقييدها بالعدالة ، كما صرّح بهذا الاحتمال بعض الأجلة على ما حكاه السيد المجاهد عنه.

وعلى كلّ من تقريري أصالة الإطلاق يكون عطف «الإطلاقات» على «الأصل» تفسيريا ، وهو مقتضى حكومة الدليل الاجتهادي على الأصل العملي حتى مع وحدة المفاد.

الثاني : الأصل العملي ، أعني به استصحاب عدم الاشتراط ، أو البراءة عن شرطية العدالة بناء على جريانها في مثل الشرطية. وهذا الاحتمال مقتضى مغايرة المعطوف للمعطوف عليه. وعليه يكون الغرض الإشارة إلى دليلين أحدهما الأصل العملي ، والآخر الإطلاق اللفظي.

__________________

(١) المناهل ، ص ١٠٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ٢٣٣ ، كفاية الأحكام ، ص ١١٣ ، المناهل ، ص ١٠٥.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ١٠٢.

٨٣

والإطلاقات (١) ، وفحوى (٢) الإجماع المحكي عن التذكرة على ولاية الفاسق في التزويج.

______________________________________________________

لكن لمّا كان الأصل اللفظي حاكما على العملي تعيّن توجيه كلام المصنف بابتنائه إمّا على المماشاة مع القوم كما تقدم في عبارة الجواهر. وإمّا على مجرّد الفرض ، بالتشكيك في إطلاق الأدلة الاجتهادية ، وإن كان هذا في غاية البعد بعد تمسكه بالإطلاق.

(١) الظاهر أنّ المراد إطلاق النصوص المتقدمة ـ ونحوها ـ الدالة على ولاية الأب ، لعدم التفصيل فيها بين كون المتصرف عادلا أو فاسقا ، خصوصا مع توفر الدواعي لبيان الاشتراط لو كانت العدالة معتبرة شرعا في نفوذ التصرّف. فلاحظ قول أبي عبد الله عليه‌السلام في صحيحة أبي الصباح الكناني : «يقوّمها قيمة عدل ثم يأخذها» حيث أناط عليه‌السلام جواز تصرف الأب بتقويم الجارية قيمة عادلة فحسب.

وكذا قوله عليه‌السلام في رواية محمّد بن مسلم الواردة في تصرف الوصي في مال اليتيم : «من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك ، وهو حيّ» حيث انّ إذن الأب تمام الموضوع لنفوذ تصرف الوصي بلا دخل قيد العدالة فيه.

(٢) هذه إشارة إلى دليل آخر على عدم اشتراط ولاية الأب والجد بالعدالة ، وتقريبه : أنّ ولاية الأب الفاسق على تزويج البنت الصغيرة ـ مع اهتمام الشارع بالنكاح ـ تستلزم ولايته في العقود المالية بالأولوية.

أمّا ثبوت ولاية الفاسق على التزويج فللإجماع المدّعى في التذكرة من قوله : «الفسق لا يسلب ولاية النكاح عند علمائنا. فللفاسق أن يزوّج ابنته الصالحة البالغة بإذنها ، والصغيرة والمجنونة مطلقا» (١).

وأمّا أولوية نفوذ تصرّفه في أموال الصغير فلاهتمام الشارع بالأعراض أشد منه في الأموال ، وقد سبق تفصيله في البيع الفضولي ، كما تقدّم هناك المناقشة في الفحوى ، بخبر العلاء بن سيابة ، فراجع (٢).

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٥٧ ، راجع تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٥٩٩.

(٢) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٠٧ ـ ٤١٤.

٨٤

خلافا للمحكيّ عن الوسيلة والإيضاح ، فاعتبراها (١) فيهما ، مستدلّا في الأخير (٢) «بأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه

______________________________________________________

(١) يعني : فاعتبر صاحبا الوسيلة والإيضاح قدس‌سرهما العدالة في الأب والجدّ له.

والحاكي عنهما هو السيد العاملي قدس‌سره ، حيث قال ـ بعد اقتضاء كثير من العبارات عدم اعتبار العدالة ـ ما لفظه : «قلت : قد تردّد المصنف ـ أي العلّامة ـ في ذلك في وصايا الكتاب ـ أي القواعد ـ وفي الوسيلة : اشتراطها فيه. وفي الإيضاح : أنّ الأصحّ أنه لا ولاية للأب أو الجد ما دام فاسقا (١).

(٢) وهو الإيضاح ، وعبارته المحكية في مفتاح الكرامة أيضا هي ـ بعد نقل وجهي المسألة ـ : «والأصح عندي أنّه لا ولاية له ما دام فاسقا» (٢).

ومحصل استدلاله هو : أنّ الولاية على الصغير عبارة عن إصلاح أموره بالدفاع عن نفسه والتصرف في أمواله ، إذ لا يتمكن الصغير على شي‌ء من ذلك. فلا بدّ من كون المتصدي لتلك الأمور أمينا قادرا على إنفاذها بالنحو اللّائق الموافق للصواب ، لاستحالة تولية الفاسق في حكمته تعالى شأنه.

وبعبارة اخرى : أنّ الصغير مسلوب العبارة ومحجور عن التصرف في أمواله ، ولا يستطيع دفع الضرر عن نفسه. وهذا القصور يستدعي جعل من يتصدّى لإصلاح أمره ، بأن يكون أمينا وثقة ، حتى تمنعه أمانته عن تضييع أموال الصبي ، وتوجب قبول إخباره في تصرفاته ، ومن المعلوم أنّ الفاسق لا يقبل إخباره بشي‌ء ، لأنه تعالى أمر بالتبين عن نبأ الفاسق. وعليه فلا بد من كون الولي ـ سواء أكان هو الأب أم الجد أم غيرهما كالوصي ـ عادلا حتى يقبل إخباره بما تصرف فيه من أموال الصبي ، هذا.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٥٧ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٦٢٨. ولم نعثر على اشتراط ولاية الأب بالعدالة في الوسيلة صريحا. نعم اعتبرها في الوصي ، كما اعتبر الوثاقة فيه على ما حكاه عنه في الإيضاح ، ثم قال ولاية التصرف في مال اليتيم : «ثم الحاكم إذا لم يكن له جدّ ولا وصي ، أو كانا غير ثقة» والمراد بالوثاقة هي الثقة في الدين كما في إمام الجماعة ، فتكون مساوقة للعدالة. ولعلّ السيد العاملي استظهر اعتبار العدالة في الأب والجدّ من موضع آخر لم نقف عليه. فراجع الوسيلة ص ٧٤٩ و ٧٧١ من الجوامع الفقهية.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٦٢٨.

٨٥

ولا يصرف عن ماله (١) ، ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا يقبل إقراراته (٢) وإخباراته (٣) عن (٤) غيره مع نصّ القرآن على خلافه» (٥) انتهى (١).

ولعلّه (٦) أراد بنصّ القرآن آية الركون

______________________________________________________

(١) كذا في نسخ الكتاب ، وهو نقل بالمعنى ، وإلّا فنصّ عبارة الإيضاح المحكية في مفتاح الكرامة أيضا هي : «ولا يعرب عن حاله». وهذا أنسب بما اشتهر عندهم من كون الصبيّ مسلوب العبارة.

(٢) كإقرار الولي بأنّه استوفى دين الصغير من مديونه.

(٣) كإخباره بأنّ الطفل أتلف مال الغير بنحو يوجب الضمان.

(٤) كذا في نسخ الكتاب ، والصحيح كما في الإيضاح : «على غيره» وهو متعلق ب «إقراراته».

(٥) غرضه أن جعل الفاسق أمينا ـ مضافا إلى استحالته في حكمة الصانع تعالى ـ يكون على خلاف نصّ القرآن الكريم ، وهو آية الركون إلى الظالم ، حيث يقول عزّ من قائل (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ) (٢).

هذا بناء على كون قول الإيضاح : «مع نصّ القرآن» إشارة إلى إقامة دليل نقلي على اعتبار العدالة في الأب والجدّ ، كما أنّ المنافاة لحكمه الصانع دليل عقلي على اعتبارها.

(٦) أي : ولعلّ فخر المحققين قدس‌سره أراد بنصّ القرآن الآية الشريفة الناهية عن الركون الى الظالم.

ولا يخفى أنّ الفخر استدل على اعتبار العدالة في الوصي ـ حتى يقبل إقراره ـ بآيتين :

إحداهما : كون الفاسق ظالما ، ولا شي‌ء من الظالم يركن إليه.

وثانيتهما : آية النبإ ، بتقريب : أنّ الوصي يعتبر إقراره بالاتفاق ، مع أنّه لا عبرة بإقرار الفاسق ، لقوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٣).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٦٢٨.

(٢) سورة هود ، الآية ١١٤.

(٣) الحجرات ، الآية ٦.

٨٦

إلى الظالم (١) التي أشار إليها في جامع المقاصد (٢). وفي دلالة الآية (٣) نظر.

وأضعف منها (٤) ما ذكره في الإيضاح من الاستحالة

______________________________________________________

والظاهر أنّ نظره في اشتراط ولاية الأب بالعدالة إلى كلتا الآيتين ، أو إلى خصوص آية النبإ ، لقوله قدس‌سره : «وأمّا الأب فهل ينعزل بفسقه؟ يحتمل ذلك ، لأنّ الولاية تتضمّن الأمانة ، والفاسق ليس أهلا لها. ويحتمل عدمه ، لأنّ المقتضي لثبوت الولاية الأبوّة. ولأنّ شفقة الأب تمنعه عن ضياع مال الابن عليه ، بخلاف الوصي الفاسق. والأصحّ عندي أنّه لا ولاية له ما دام فاسقا ، لأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ..» إلى آخر ما في المتن. وعليه فمقصوده قدس‌سره اتّحاد الوصي والأب الفاسقين في عدم قبول إقرارهما وأخبارهما ، فراجع الإيضاح.

(١) تقدّم آنفا الاستدلال بها ، من أنّ ولاية الفاسق على الطفل ركون إلى الظالم ، وهو منهي عنه بمقتضى الآية الشريفة ، فكيف يجعل وليّا على الطفل وأمواله؟

(٢) حيث قال في وجه منع ولاية الأب الفاسق : «ومن حيث إنّ الفاسق لا يركن إليه ، وليس أهلا للاستئمان ..». لكن قد عرفت في ما نقلناه من عبارة الإيضاح احتمال أن يريد بنصّ القرآن آية النبإ النافية لاعتبار قول الفاسق ونبأه ، فكيف يقبل إقرار الولي غير العدل ـ وإخباره ـ في حقّ ولده الصغير؟

(٣) يعني : وفي دلالة الآية على كون ولاية الفاسق على الطفل ركونا إلى الظالم نظر.

ولعلّ وجه النظر إرادة حكّام الجور والظلم من «الظالم».

أو وجه النظر ـ مع الغضّ عن هذا المعنى ـ عدم صدق الركون إلى الظالم على بيع وشراء الولي بمال الطفل ، وإلّا كانت المعاملة مع الفاسق ركونا إلى الظالم.

بل يمكن أن يقال : إن معاملة الأب بمال الطفل بمقتضى قوله عليه‌السلام : «أنت ومالك لأبيك» معاملة بمال نفسه ، فهو كأنّه يتعامل بمال نفسه.

(٤) يعني : وأضعف من آية الركون ـ في الاستدلال بها على اعتبار العدالة في الأب

٨٧

إذ المحذور (١) يندفع كما في جامع المقاصد : «بأنّ (٢) الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلال حال الطفل (٣) عزله (٤) ومنعه من التصرّف في ماله وإثبات اليد عليه. وإن (٥) لم يظهر (٦) خلافه فولايته ثابتة. وإن لم يعلم (٧) استعلم حاله بالاجتهاد وتتبّع سلوكه وشواهد أحواله» انتهى (١).

______________________________________________________

والجدّ للأب ـ الاستدلال لاعتبارها فيهما بالاستحالة العقلية التي أشار إليها في الإيضاح بقوله : «ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا» وحاصله : أنّ حكمة الصانع تعالى شأنه تقتضي استحالة جعل الفاسق الخائن أمينا ووليّا على غيره ، فلا بدّ أن يكون الولي عادلا.

(١) حاصل وجه اندفاع هذا المحذور : أنّه إذا ظهر من الولي خيانته عزله الحاكم الشرعي ، ومنعه من التصرف في مال الطفل وإثبات يده على مال الطفل. وإن لم يظهر اختلال حال أبي الطفل وخيانته فولايته ثابتة بحالها.

(٢) متعلق ب «يندفع» وقد مرّ توضيح وجه الاندفاع بقولنا : «حاصل وجه الاندفاع».

(٣) سقط من عبارة جامع المقاصد قوله : «إذا كان للأب ولاية عليه عزله ..».

(٤) جواب : «متى ظهر» أي : عزله الحاكم ، ومنعه من التصرف في مال الطفل.

(٥) معطوف على «متى ظهر» يعني : وإن لم يظهر اختلال حال الطفل.

(٦) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في جامع المقاصد : «وإن ظهر خلافه». أيّ : وإن بان عدم اختلال حال الطفل فولاية الأب ثابتة.

(٧) يعني : وإن لم يعلم الحاكم اختلال حال أبي الطفل استعلم حال الأب بالاجتهاد والتفحّص.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ١١ ، ص ٢٧٦.

٨٨

وهل (١) يشترط في تصرفه المصلحة ، أو يكفي عدم المفسدة ، أم لا يعتبر شي‌ء؟

______________________________________________________

اشتراط جواز تصرف الأب والجد برعاية المصلحة وعدمه

(١) هذا شروع في ثاني الفروع المترتبة على ثبوت ولاية الأب والجدّ في الجملة ، ومحصّله : أنّه هل يشترط نفوذ تصرفهما بكونه مصلحة للطفل ، أم يكفي عدم المفسدة فيه ، ولا يعتبر الغبطة ، أم لا يعتبر شي‌ء منهما ، فلهما الولاية المطلقة على مال الصغير كما قيل بها في تصرف المولى في مال مملوكه ، لسلطنته عليه؟ فيه وجوه ثلاثة.

والقائل بالاحتمال الأوّل هو المشهور ، بل ادّعى غير واحد الإجماع عليه (١).

والقائل بالاحتمال الثاني جمع ، منهم كاشف الغطاء قدس‌سره وإن احتاط في شرح القواعد برعاية المصلحة ، قال في العناوين : «ان تصرف الولي مشروط بالمصلحة بالإجماع وظواهر الأدلة ، ولأنّ المتيقن من أدلة الولايات إنّما هو ذلك. وقيل : في الأب والجد باشتراط عدم المفسدة ، وعدم اعتبار المصلحة. ويرشد إلى ذلك إطلاق أدلة ولايتهما ، غايته خروج المفسدة بالدليل ، ولا دليل على اعتبار المصلحة» (٢).

ولم أجد في الكلمات قائلا بالاحتمال الثالث. نعم يتراءى ذلك من كلمات المحقق قدس‌سره في البيع والحجر ، كقوله : «والأب والجدّ يمضي تصرفهما ما دام الولد غير رشيد» (٣) لعدم تقييد جواز التصرف برعاية المصلحة ، أو عدم المفسدة.

لكن قيل : إنّ الظاهر سوق العبارة لبيان أصل ولايتهما في الجملة ، وليس في مقام بيان الخصوصيات حتى يكون إهمال شرطية المصلحة أو عدم المفسدة بيانا لعدم الدخل. ولذلك حمل صاحب الجواهر عبارة الشرائع على أحد القولين الأوّلين ، حيث قال بعدها : «المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة ، على اختلاف القولين في مال الطفل ..» (٤) فلاحظ.

__________________

(١) شرح القواعد للشيخ الفقيه كاشف الغطاء (مخطوط) الورقة : ٧١ ، العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٥٩ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٧ وج ٥ ، ص ٢٥٦ ، واستظهر الإجماع من عبارة التذكرة في ص ٢٦٠ ، فلاحظ.

(٢) شرح القواعد ، الورقة ٧١ ، وحكاه صاحب الجواهر عنه في ج ٢٢ ، ص ٣٣٢.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٥ و ١٠٢ ، المختصر النافع ، ص ١١٨ و ١٤١.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٢٢.

٨٩

وجوه ، يشهد للأخير (١) إطلاق ما دلّ على «أنّ مال الولد للوالد» كما في رواية سعيد بن يسار (٢) ، و «أنّه (٣) وماله لأبيه» كما في النبويّ المشهور (٤) ، وصحيحة ابن مسلم : «أنّ الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء» ، وما (٥) في العلل عن محمّد بن

______________________________________________________

ويشهد للتقييد بالغبطة قوله في رهن الشرائع : «ولا يجوز له ـ أي لولي اليتيم ـ إقراض ماله ، إذ لا غبطة» (١). وقوله : «ويجوز لولي الطفل رهن ماله ـ إذا افتقر إلى الاستدانة ـ مع مراعاة المصلحة ..» (٢).

وكيف كان فاستدل المصنف قدس‌سره للاحتمال الثالث بوجوه ، أوّلها : إطلاق النصوص كالنبوي المشهور «أنت ومالك لأبيك» بتقريب : أنه كما لا ريب في جواز تصرف الأب في مال نفسه مطلقا وإن لم ينتفع به ، بل حتى مع الإفساد والإقدام على الضرر ، فكذا لا يشترط جواز التصرّف في مال ابنه بشي‌ء منهما ، لظهور النصّ في تنزيل مال الابن منزلة مال الأب ، هذا.

(١) وهو عدم اعتبار شي‌ء ـ من المصلحة وعدم المفسدة ـ في تصرف الولي.

(٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيحجّ الرّجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال عليه‌السلام : نعم. قلت : يحجّ حجّة الإسلام ، وينفق منه؟ قال : نعم ، بالمعروف. ثم قال : يحجّ منه وينفق منه ، إنّ مال الولد للوالد ، وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلّا بإذنه» (٣).

(٣) معطوف على «أن» أي : إطلاق ما دلّ على أنّ الولد وماله لأبيه.

(٤) الوارد في جملة من النصوص ، منها : صحيحة محمّد بن مسلم المشار إليها في المتن ، كقول أبي عبد الله عليه‌السلام فيها : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لرجل : أنت ومالك لأبيك» (٤).

(٥) معطوف على «ما» أي : إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٧٩.

(٢) المصدر ، ص ٧٨.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ٤.

(٤) المصدر ، الحديث : ١ ، وكذا ورد كلام النبي (ص) في الحديث : ٢ و ٨ و ٩.

٩٠

سنان عن الرضا عليه‌السلام من (١) «أنّ علّة تحليل مال الولد لوالده أنّ الولد موهوب للوالد في (٢) قوله تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ).

ويؤيّده (٣)

______________________________________________________

(١) مفسّر ل «ما» الموصول في قوله : «وما» والموجود في المتن يختلف يسيرا عن نصّ الحديث ، وهو «أنّ الرضا عليه‌السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله وعلّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه ـ وليس ذلك للولد ـ لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزوجل (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ، مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا ، والمنسوب إليه والمدعوّ له ، لقوله عزوجل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ). ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك. وليس للوالدة مثل ذلك ، لا تأخذ من ماله شيئا إلّا بإذنه أو بإذن الأب. ولأنّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد ، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها» (١).

(٢) متعلّق ب «موهوب» وقوله : «ان الولد» خبر قوله : «ان علة».

(٣) أي : ويؤيّد الأخير ـ وهو عدم اشتراط شي‌ء من المصلحة أو عدم المفسدة في تصرف الولي ـ أخبار جواز تقويم الجارية ، فإنّ إطلاقها ينفي اعتبار شي‌ء منهما فيه ، فيجوز للأب أن يتملّك جارية ابنه ببيع أو صلح لتقع المباشرة في ملكه ، ولا فرق في جواز هذا التقويم بين أن يكون بصلاح الابن ، أم بضرره ، أم بتساوي الطرفين بأن لا يترتب شي‌ء من الصلاح والفساد عليه.

واستدلّ صاحب الجواهر قدس‌سره بهذه الطائفة من النصوص على عدم اعتبار المصلحة في جواز تصرف الأب والجدّ ، فقال : «فإنّ النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما ، والمعاملة ، وتقويم الجارية ، ونحو ذلك ، من غير اعتبارها» (٢).

ولكن المصنف قدس‌سره جعل هذه الأخبار مؤيّدة لإطلاق نفوذ تصرف الأب والجدّ ، ولم يجعلها دليلا على المدّعى. ولعلّ وجه التأييد أنها وإن دلّت على نفوذ شراء جارية الابن سواء أكان بصلاح الولد أم بضرره أم بعدم شي‌ء منهما ، لكنها أخصّ من المدّعى ، وهو ولاية الأب على التصرف في جميع أموال الابن ، لاحتمال كون الجواز هنا حكما خاصا لخصوصية في البضع تقتضي حليّة تملّك الجارية ، وهذه الخصوصية مفقودة في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ٩.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٢.

٩١

أخبار جواز تقويم جارية الابن على نفسه (١).

لكن (٢) الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الأب ، كما يشهد له (٣) قوله عليه‌السلام في

______________________________________________________

سائر الموارد.

ودعوى إلغاء خصوصية المورد ، ممنوعة بعدم إحراز المناط. كما لا وجه لدعوى أولوية غير البضع بجواز التصرف.

(١) كما في صحيح أبي الصباح المتقدم في (ص ١٨٠) وخبر الحسن بن محبوب ، قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أنّي كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوّجتها ، فلم تزل عندها وفي بيت زوجها ، فرجعت إليّ هي والجارية ، أفيحلّ لي أن أطأ الجارية؟ قال عليه‌السلام : قوّمها قيمة عادلة وأشهد على ذلك ، ثم إن شئت فطأها» (١). فليس في هذا الحديث اعتبار شي‌ء من المصلحة أو عدم المفسدة.

(٢) هذا استدراك على ما استشهد به لعدم اشتراط تصرف الأب بشي‌ء من المصلحة وعدم المفسدة ، من إطلاق ما دلّ على «أنّ مال الولد للوالد» كما في رواية سعد ابن يسار.

ومحصل الاستدراك : أنّ إطلاق تلك الروايات مقيّد بما يفيد صحة الوجه الثاني ، وهو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب في أموال الطفل ، حيث إنّ الزائد على قوته سرف ، وهو فساد في مال الطفل ، لكونه خارجا عن مورد اضطرار الأب. وعليه فلا تصلح الإطلاقات المزبورة لأن تكون دليلا على عدم اشتراط تصرف الأب ـ في مال الطفل ـ بشي‌ء من المصلحة وعدم المفسدة.

فقوله قدس‌سره : «لكن الظاهر» تضعيف للوجه الأخير ، وتقوية للوجه الثاني ، وهو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب.

(٣) أي : يشهد لتقييد الإطلاقات قول أبي عبد الله عليه‌السلام في ما رواه الحسين بن أبي العلاء .. إلخ. ووجه الشهادة : أنّ الأب حينما تصرّف في ما ورثه الولد من امّه كان محتاجا إلى هذا المال للإنفاق به على نفسه وولده. وفي مثله حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٨ ، الباب ٧٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ١.

٩٢

رواية الحسين بن أبي العلاء «قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما يحلّ للرجل من مال ولده؟ قال (١) قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه. قال (٢) فقلت له : فقول (٣) [قول] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرجل الذي أتاه فقدّم أباه ، فقال (٤) له : أنت ومالك لأبيك؟ فقال (٥) إنّما جاء بأبيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، هذا أبي [وقد] (٦) ظلمني ميراثي من أمّي ، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، فقال النبي (٧) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شي‌ء ، أو كان (٨) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبس الأب للابن؟» (١).

______________________________________________________

الولد «بأنّك ومالك لأبيك». ولو كان الرجل غنيّا متمكّنا من سدّ خلّته من مال نفسه لم يجز له صرف ما ورثه الولد من امّه ، وكان ضامنا له.

وعليه فهذه الرواية وما بمضمونها تقيّد ان إطلاق جواز التصرف ـ المستفاد من روايتي ابن مسلم وابن يسار وغيرهما ـ بصورة حاجة الأب ، هذا.

(١) يعني : قال أبو عبد الله عليه‌السلام.

(٢) يعني : قال السائل وهو الحسين بن علاء.

(٣) كذا في الوسائل وفي بعض نسخ الكتاب. وفي نسختنا : «قول رسول الله».

(٤) أي : فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرجل الذي شكا أباه إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك.

(٥) أي : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، يعني فصار الامام عليه‌السلام بصدد بيان خصوصية حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الولد ب «أنت ومالك لأبيك» وهي احتياج الأب إلى المال للإنفاق على نفسه وعائلته.

(٦) كلمة «قد» غير موجودة في نسختنا ، وإنّما أثبتناها لموافقته للمصدر ولما في بعض النسخ.

(٧) كذا في نسختنا ، ولم تذكر كلمة «النبي» في الوسائل.

(٨) كذا في نسختنا ، وفي الوسائل «أفكان».

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٦ ـ ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ٨.

٩٣

ونحوها (١) صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لرجل (٢) أنت ومالك لأبيك ، ثمّ قال عليه‌السلام : لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما يحتاج إليه ممّا لا بدّ منه ، إنّ (اللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)» (١).

فإنّ الاستشهاد بالآية يدلّ على إرادة الحرمة من عدم الحبّ دون الكراهة ، وأنه (٣) لا يجوز له التصرّف بما فيه مفسدة للطفل.

هذا كلّه ، مضافا إلى عموم قوله (٤) تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ،

______________________________________________________

(١) أي : ونحو رواية الحسين صحيحة أبي حمزة الثمالي ، فإنّها ـ خصوصا بقرينة الاستشهاد بالآية المباركة ـ ظاهرة في الحرمة ، وفي اعتبار عدم المفسدة في جواز تصرف الأب في مال الطفل. فإرادة الكراهة من «عدم الحبّ» وإن كان صحيحا في موارد أخر ، إلّا أن استشهاده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالآية لا يلائم الكراهة ، ويتعيّن في الحرمة.

(٢) كذا في الوسائل وفي بعض النسخ ، وليست كلمة «لرجل» في نسختنا.

(٣) معطوف على «إرادة» أي : أنّ الاستشهاد بالآية الشريفة يدلّ على أنه لا يجوز للأب .. إلخ.

(٤) هذا دليل آخر على الاحتمال الثاني ، وهو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب والجدّ في مال الصغير. وتقريبه يتمّ ببيان أمرين :

أحدهما : أنّ المراد باليتيم من فقد أباه قبل بلوغه ، كما عرّفه بذلك غير واحد من أهل اللغة ، قال الراغب : «اليتم انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه» (٢) فالصغير الفاقد لأبيه يتيم وإن كان جدّه حيّا متمكنا من التصدي لأمور الطفل.

ثانيهما : أن المراد ب «الأحسن» إمّا ظاهره ، وهو التفضيل ، والتصرف الجائز في مال

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به الحديث : ٢ ، والحديث هكذا : «قال : ان رسول الله (ص) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك ، ثم قال أبو جعفر (ع) : ما أحبّ [لا تحبّ] أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه .. إلخ». والآية في سورة البقرة : ٢٠٥ وليس فيها «إنّ».

(٢) مفردات ألفاظ القرآن الكريم ، ص ٥٥٠ ، لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٦٤٥.

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اليتيم هو خصوص ما كان أصلح بحاله ، وأنفع له. فلا يجوز بيع شي‌ء من أموال اليتيم إلّا إذا عاد نفع اليه ، فلو لم ينتفع بالبيع حرم ذلك على الولي. وإمّا خصوص الحسن ، بانسلاخ صيغة التفضيل عن معناه.

والمراد بالحسن إما مطلق الخير والصلاح ـ لا خصوص الأحسن كما كان في الاحتمال الأوّل ـ فلو كان في بيع مال اليتيم من زيد مصلحة له جاز وإن كان بيعه من عمرو أنفع. وإمّا ما يقابل المفسدة والنقص ، فإن كان التصرف موجبا لتضرر الصبي لم يحز ، وإن لم يوجبه جاز وإن لم تعد فائدة إلى الطفل. هذا إجمال محتملات الآية ، وسيأتي تفصيلها في ولاية عدول المؤمنين ، فلاحظ (ص ٢٥٢).

وهذا الاحتمال الأخير هو مبنى الاستدلال بالآية المباركة على جواز تصرّف الولي في مال الصغير ـ وان لم ينتفع به المولّى عليه ـ ما لم يستلزم الفساد ، واحتمله صاحب الجواهر قدس‌سره في الاتّجار بمال الطفل ، فراجع (١).

وبناء على هذين الأمرين يقال في دلالة الآية المباركة على اشتراط جواز التصرف في أموال اليتامى بعدم الإفساد : إنّ المخاطب بحرمة القرب إلى مال اليتيم بما يكون مفسدة فيه عامة المكلفين ، حتى الجدّ ، لما عرفت من صدق «اليتيم» مع حياة جدّه ، فيشترط جواز التصرف في أموال اليتيم برعاية ما هو أحسن أي بخلوّه عن الفساد والنقص المالي.

وعليه فإطلاق صحة التصرف حتى مع الإفساد ـ المستفاد من إطلاق مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» ـ يقيّد بهذه الآية ، بعد عدم دلالتها على اشتراط رعاية الأصلح أو ما هو الصلاح.

فإن قلت : إنّ مفاد الآية الشريفة أخص من المدّعى وهو اعتبار جواز تصرف الأب والجد بعدم المفسدة ، والوجه في الأخصية خروج الأب عن موضوع النهي ، لكون المخاطب من يتصرف في مال اليتيم ، وهو فاقد الأب. فالآية تثبت الشرط المزبور بالنسبة إلى الجدّ ، دون الأب.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ١٥ ، ص ٢٢.

٩٥

فإنّ (١) إطلاقه يشمل الجدّ ، ويتمّ في الأب بعدم الفصل (٢).

ومضافا (٣) إلى ظهور الإجماع على اعتبار عدم المفسدة. بل (٤) في مفتاح الكرامة استظهر الإجماع ـ تبعا لشيخه في شرح القواعد ـ على إناطة جواز تصرّف الوليّ بالمصلحة.

______________________________________________________

قلت : نعم وإن كان الأب خارجا عن الآية موضوعا ، لكن يعمّه الحكم ببركة عدم الفصل بينه وبين الجدّ ، لأن عدم المفسدة إن كان شرطا في نفوذ التصرف في مال الصغير لم يختلف حكم الأب والجدّ فيه. وإن لم يكن معتبرا فكذلك. وعليه فالنهي عن القرب بما فيه الفساد يشمل الجدّ بالإطلاق المستفاد من «لا تقربوا» ويلحق به الأب للإجماع المركّب.

(١) يعني : فإنّ إطلاق النهي يشمل جدّ الطفل ، بناء على صدق «اليتيم» على من له الجدّ ، وعدم انصراف الآية عن الجدّ. فهي تدلّ على حرمة التصرف في مال اليتيم مع المفسدة ، سواء أكان «الأحسن» بمعناه التفضيلي ، أم منسلخا عنه ولمحض معنى ثبوت الوصف.

(٢) لعدم صدق «اليتيم» مع وجود الأب ، فلا تشمله الآية ، فلا بدّ من الإجماع على إلحاق الأب بالجدّ حكما ، وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «ان قلت .. قلت».

(٣) هذا دليل آخر على اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب والجدّ في مال الطفل ، وهو الإجماع وظاهره كونه محصّلا لا منقولا وإن كان قد ادعاه صاحب العناوين بقوله : «وظاهر الوفاق على جوازهما ـ أي : جواز الاقتراض من مال الطفل وجواز تقويم جاريته على نفسه ـ من دون مصلحة بشرط عدم المفسدة» (١).

(٤) غرضه التّرقي ـ من دعوى الإجماع على كفاية عدم المفسدة ـ إلى ما تضافر نقله من الاتفاق على اشتراط تصرف الأولياء بما فيه صلاح المولّى عليهم ، وعدم كفاية خلوّه عن الفساد المالي ، فالسيد الفقيه العاملي تبعا لشيخه كاشف الغطاء قدس‌سرهما استظهر

__________________

(١) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٦٠.

٩٦

وليس (١) ببعيد ، فقد صرّح به في محكيّ المبسوط ، حيث قال : «ومن يلي أمر الصغير والمجنون خمسة ، الأب والجدّ للأب ووصيّ الأب والجدّ والحاكم (٢) ومن (٣) يأمره. ثمّ قال (٤) «وكلّ هؤلاء الخمسة لا يصحّ تصرّفهم إلّا على وجه الاحتياط والحظّ (٥) للصغير (٦) ، لأنّهم (٧) إنّما نصبوا لذلك ، فإذا تصرّف (٨) فيه على

______________________________________________________

الإجماع على توقف جواز تصرف الولي على المصلحة ، لا مجرّد عدم المفسدة (١).

وعليه فيقوى الوجه الأوّل ، وهو القول بإناطة نفوذ تصرف الأب والجدّ برعاية المصلحة أو ما هو الأصلح.

(١) يعني : وليس استظهار الإجماع ـ على إناطة جواز التصرف بالمصلحة ـ ببعيد ، كما يظهر بملاحظة كلمات الفقهاء ، وعدم تعرّضهم لمخالف في المسألة ، وقد نقل المصنف قدس‌سره عبارة شيخ الطائفة وابن إدريس قدس‌سرهما ، وأشار إلى أنظار جمع كالمحقق والعلّامة والشهيدين وغيرهم.

(٢) هذه العبارة تختلف عمّا في المبسوط بما لا يغيّر المعنى ، كقوله بدل ـ الحاكم ـ : «والامام أو من يأمره الإمام».

(٣) يعني : ومن يأمره الحاكم الشرعي للتصدي لأمر الصغير والمجنون.

(٤) أي : قال الشيخ في المبسوط : وكلّ هؤلاء .. إلخ.

(٥) معطوف على «الاحتياط» والمقصود من الحظّ هو المصلحة والغبطة للصغير ، بأن ينتفع بتصرّف الولي في ماله.

(٦) في المبسوط زيادة كلمة «المولّى عليه» هنا.

(٧) أي : لأنّ هؤلاء الخمسة نصبهم الشارع للتصرف على وجه الاحتياط والحظّ للصغير.

(٨) عبارة المبسوط هكذا : «فإذا تصرّف على وجه لا حظّ له فيه كان باطلا ، لأنّه خالف ما نصب له».

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) الورقة : ٧١ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٧.

٩٧

وجه لا حظّ فيه كان باطلا ، لأنّه (١) خلاف ما نصبوا له» انتهى (١).

وقال الحلّي في السرائر : «لا يجوز (٢) للوليّ (٣) التصرّف في مال الطفل إلّا بما يكون فيه صلاح المال ويعود نفعه (٤) إلى الطفل ، دون المتصرّف فيه. وهذا هو الذي يقتضيه أصول المذهب» (٥) انتهى (٢).

وقد صرّح بذلك (٦) أيضا (٧) المحقّق (٨).

______________________________________________________

(١) أي : لأن التصرف لا على وجه الاحتياط مخالفة للغرض الذي نصبهم الشارع له. ولا يخفى صراحة عبارة المبسوط في اشتراط تصرف الأولياء برعاية مصلحة الصغير.

(٢) أي : لا يصحّ ولا ينفذ ، إذ مقتضى شرطية المصلحة في تصرف الولي في مال الطفل هو بطلان التصرف الفاقد لمصلحة الطفل المولّى عليه ، فصارت النتيجة اعتبار المصلحة في تصرف الأب والجدّ في مال اليتيم.

(٣) عبارة السرائر هكذا : «لا يجوز للولي والوصي أن يتصرّف في المال المذكور إلّا ..».

(٤) أي : يعود نفع المال إلى الطفل ، لا إلى المتصرف في المال وهو الولي.

(٥) في السرائر : «أصل المذهب».

(٦) أي : باعتبار المصلحة في تصرف الولي في مال الطفل.

(٧) يعني : كما صرّح شيخ الطائفة وابن إدريس قدس‌سرهما باشتراط نفوذ تصرف الولي بعود نفع إلى الطفل.

(٨) كقوله في كتاب الرّهن : «ويجوز لوليّ الطفل رهن ماله ، إذا افتقر إلى الاستدانة ، مع مراعاة المصلحة» (٣).

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٢٠٠ ، ونقل بعض العبارة السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١١١ ، وصاحب الجواهر في ج ١٥ ، ص ٢٠.

(٢) السرائر ، ج ١ ، ص ٤٤١.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٧٨ ، ونحوه في ص ١٧١ ، وفي المختصر النافع ، ص ١٣٧.

٩٨

والعلّامة (١) والشهيدان (٢) والمحقّق الثاني (١) وغيرهم (٣) ، بل في شرح الروضة للفضال الهندي : «أنّ المتقدّمين عمّموا الحكم (٤) باعتبار المصلحة من غير استثناء» (٢). واستظهر (٥) في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في باب الحجر نفي

______________________________________________________

(١) كقوله : «الضابط في تصرف المتولي لأموال اليتامى والمجانين اعتبار الغبطة ، وكون التصرف على وجه النظر والمصلحة ..» (٣).

(٢) كقول الشهيد قدس‌سره : «ويصحّ رهن مال الطفل مع المصلحة» (٤).

(٣) كالمحقق الأردبيلي والفاضل السبزواري والسيد الطباطبائي قدس‌سرهم ، وقد نقل السيد العاملي الكلمات في باب الرهن (٥) ، فراجع.

(٤) أي : الحكم باعتبار المصلحة في التصرف في مال الطفل. ووجه تعميم هذا الحكم هو : أنّهم اشترطوا المصلحة في تصرف الناس في مال اليتيم ، ولم يستثنوا الأب والجدّ من هذا الحكم ، حتى لا يكون تصرفهما فيه مشروطا بالمصلحة.

والظاهر أنّ غرض المصنف من الإتيان بكلمة «بل» التنبيه على إطباق الفقهاء على اعتبار غبطة الصغير ، وهذا الإجماع لم يستفد من الكلمات المشار إليها في المتن ، فأراد الفاضل الهندي دعوى اتفاق المتقدمين على هذا الحكم.

(٥) حيث قال بعد نقل عبارة التذكرة المتقدمة آنفا : «وظاهره أنه ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين .. إلخ» (٦).

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٨٧ ، وج ٥ ، ص ٧٢.

(٢) المناهج السوية (مخطوط) ، ص ٦.

(٣) تذكرة الفقهاء ، (الطبعة الحجرية) ج ٢ ، ص ٨٠ ، وتكرر أيضا في ص ١٤ و ٨١ و ٨٢ و ٨٣ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢١ و ١١٢ وص ١٣٥ ، إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦٠ و ٣٩٢

(٤) اللمعة الدمشقية ، ص ١١٨ (كتاب الرهن) ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٣١٨ و ٤٠٣ ، ولاحظ كلام الشهيد الثاني قدس‌سره في الروضة ، ج ٤ ، ص ٧٣ ، وفي المسالك ، ج ٣ ، ص ١٦٦ وج ٤ ، ص ٣٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٤ ، ص ١٤ وج ٦ ، ص ٧٧ وج ٨ ، ص ١٥٣ وج ٩ ، ص ١٥١ ، كفاية الأحكام ، ص ٨٩ و ١٠٨ ، رياض المسائل ، ج ٩ ، ص ٢٠٩ (الطبعة الحديثة) ، مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١١١.

(٦) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٦٠.

٩٩

الخلاف في ذلك (١) بين المسلمين.

وقد حكي (٢) (١) عن الشهيد في حواشي القواعد : «أنّ قطب الدين قدس‌سره نقل عن العلّامة رحمه‌الله : أنّه (٣) لو باع الوليّ بدون ثمن المثل لم لا ينزّل (٤) منزلة الإتلاف بالاقتراض؟ لأنّا قائلون بجواز اقتراض ماله ، وهو (٥) يستلزم جواز إتلافه. قال : (٦)

______________________________________________________

(١) أي : في اشتراط تصرف الولي في مال اليتيم بالمصلحة.

(٢) الظاهر أنّ الغرض من بيان ما حكاه الشهيد قدس‌سره : الإشارة إلى مناقشة العلامة قدس‌سره في اعتبار المصلحة في تصرف الأب والجدّ في مال الطفل ، وهي : أنّ الأصحاب القائلين باعتبار المصلحة قائلون بجواز اقتراض مال الطفل ، مع كونه في معرض التلف ، لاحتمال عدم الوفاء. وهذا يقتضي تنزيل البيع بدون ثمن المثل منزلة إتلاف مال الصغير بالاقتراض.

وعليه فلا يعتبر المصلحة في تصرف الأب والجدّ في مال الطفل. ولكن العلامة قدس‌سره توقف في الذهاب إلى عدم اعتبار المصلحة ـ في تصرفهما في ماله ـ حذرا عن مخالفة الأصحاب.

(٣) مفعول «نقل» ، وضمير «أنه» للشأن.

(٤) يعني : لم لا ينزّل بيع الولي بأقلّ من ثمن المثل منزلة الإتلاف بسبب الاقتراض؟

(٥) يعني : والحال أنّ جواز الاقتراض يستلزم جواز إتلاف مال الطفل.

(٦) يعني : قال قطب الدين : وتوقّف العلامة زاعما أنه لا يقدر على مخالفة الأصحاب.

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٧.

١٠٠