هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

فإنّه (١) ليس قائما بالعين من حيث إنّه ملك البطن الموجود ، بل اختصاص موقّت نظير (٢) اختصاص البطن الموجود ، منشأ بإنشائه (٣) ، مقارن له بحسب الجعل ، متأخّر (٤) عنه في الوجود (*).

______________________________________________________

الموقوفة بعين اخرى كانت الثانية مثل الاولى في تعلّق حقوق جميع البطون من الموجودة والمعدومة بها.

(١) أي : فإنّ الاختصاص الثابت للبطن المعدوم.

(٢) هذا و «منشأ ، مفارق ، متأخر» صفات ل «اختصاص». والمقصود بكون اختصاص المعدومين نظيرا للموجودين ليس كونه ملكا فعليا للجميع ، لاستحالته كما مرّ مرارا ، بل المراد كون كل واحد من الاختصاصين مجعولا بجعل الواقف ، وملك المعدوم شأنا مقارن ـ في مقام الإنشاء ـ لملك الموجود فعلا ، وكلّ من الملكيتين موقتة.

(٣) أي : بإنشاء اختصاص البطن الموجود.

(٤) إذ اختصاص البطن المعدوم يكون في طول اختصاص البطن الموجود ومتأخّر عنه بحسب الوجود الخارجي. وحيث زال الاختصاصان ببيع العين الموقوفة تعيّن حدوث اختصاصين في الثمن ، بمقتضى مفهوم المبادلة.

هذا تمام الكلام في أوّل الفروع المترتبة على جواز البيع في الصورة الأولى ، وهو شركة الجميع في البدل ، ويقع الكلام في أمر آخر ، وهو وجوب تبديل الثمن بالأصلح وعدمه.

__________________

(*) ظاهره لو لا صريحه أنّ المانع من التزام الملك الفعلي للمعدوم هو عدم اعتبار العرف والشرع ذلك. وأمّا الملك الشأني فلا محذور فيه ثبوتا ، وإنشاء الواقف كاف في تحققه إثباتا.

لكن لا ملكية للطبقة المتأخرة الموجودة ما لم تنقرض الطبقة السابقة ، فينبغي التنبيه على اختصاص الملك الفعلي بالبطن السابق ، لا لكونها موجودة ، بل رعاية لنظر الواقف.

هذا كلّه بناء على القول بالملك الشأني كما هو مقتضى القول بالاستصحاب التعليقي ،

٦٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

ونظيره ملكية الموصى له شأنا وإن كان المالك بالفعل هو الموصى. والمناط في الجميع أنّ للأمور الاعتبارية مرتبتين ـ وهما الاقتضاء والفعلية ـ يتعلق الجعل بكلّ منهما. هذا.

لكن قد يمنع من الملك الشأني تارة في خصوص المقام من أنّ الواقف وإن أنشأ ملكية البطون ، إلّا أنّ موردها بقاء العين إلى زمانهم ، فلو لم تبق كذلك لم تكن ملكهم اقتضاء.

وأخرى مطلقا ، بأن الملكية اعتبار بسيط يدور أمرها بين الوجود والعدم ، وليس الملك الشأني سنخا من الملك الاعتباري ، وإنّما يراد به قابليته لأن يصير ملكا. وإنشاء الواقف إنّما يكون سببا لحصول الملكية للطبقات المتأخرة حين وجودها بلا حالة منتظرة ، كما في الوجوب المعلّق على أمر متأخر ، ووجود الإنشاء لا يستلزم وجود المنشأ ، هذا. ومجرّد القابلية ليست من الحقوق المتعلقة بالمبيع لتسري إلى بدله.

فالأولى لإثبات اشتراك البطون في الثمن إمّا الالتزام بتعدد المطلوب ، ويكون الوقف بحسب حقيقته ذا مرتبتين. وأنّ ما قصده الواقف وأنشأه ـ بصيغة الوقف ـ حبس العين للانتفاع بها مهما أمكن ، وببدلها في ما لم يمكن. وإمّا الالتزام بقصور المقتضي للاختصاص ، لأنّ ملك البطن الموجود ليس طلقا ، بل محدود بحياته ، لعدم كون المنشأ ملكية مرسلة لخصوص الطبقة الحاضرة.

وبعبارة أخرى : ملكية العين للواقف مرسلة غير محدودة بشي‌ء ، ولكنّه بسطها بالوقف على الطبقات ، فلكلّ بطن ملكية محدودة ببقائه ، ومن المعلوم أنّ إعطاء هذه الملكية المحدودة للغير ليس بيعا.

مع أنّ لازم تفويض الملكية الموقتة بحياة البطن البائع عود المبيع ـ بعد الانقراض ـ إلى البطن اللاحق ، فلا يملكه المشتري ملكا مستمرّا. وإن أعطى الملكية المرسلة المنبسطة على جميع الطبقات ولاية على المعدومين كان مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك الجميع على نحو ملكيتهم للمثمن ، هذا.

ودعوى كونه معاملة مستقلة فلا يقدح عدم صدق البيع عليها ـ كما أفيد ـ وإن كانت ممكنا ثبوتا ، إلّا أنّه لا دليل على صحتها إثباتا ، لأنّ التجارة إمّا البيع خاصة أو مع الشراء ، ولم يعلم كون نقل الوقف معاملة مستقلة غير البيع كي يشملها عموم «العقود».

٦٤٢

وقد تبيّن ممّا ذكرنا (١) أنّ الثمن حكمه حكم الوقف في كونه ملكا لجميع البطون على ترتيبهم (٢). فإن كان ممّا يمكن أن يبقى وينتفع به البطون على نحو المبدل ، وكانت مصلحة البطون في بقائه (٣) أبقى (٤).

______________________________________________________

(١) من أنّ مقتضى المعاوضة ثبوت ما للوقف ـ من الاختصاص الفعلي بالموجود والشأني بالمعدوم ـ للثمن ، فيكون ملكا فعليا للبطن الموجود وشأنيا للمعدومين.

وغرضه قدس‌سره من هذا الكلام التعرض لجهة أخرى ممّا يتعلّق بثمن الوقف على تقدير البيع ، وبيانه : أنّ البدل حيث كان مشتركا بين جميع البطون ، فلا يخلو من صورتين :

الاولى : أن يكون ممّا يبقى وينتفع به الطبقات ، فيجب إبقاؤه كما وجب إبقاء المبدل قبل طروء المسوّغ ، كما إذا أوقف دارا على علماء بلد لسكناهم ، فخربت ، وارتفعت قيمة العرصة ـ لقربها من الشارع العام مثلا ـ فأبدلت بدار أخرى ، فإنّه يجب إبقاء هذا البدل لينتفع الموقوف عليهم بسكناها ، لوفائها بالغرض المقصود من الوقف ، واقتضاء مصلحة البطون بقاءها.

الثانية : أن يباع الوقف الخراب بعوض لا يقتضي البقاء مدّة مديدة كي ينتفع به الطبقات اللاحقة ، وإنما ينتفع به البطن البائع خاصة ، كما إذا بيعت الدار الخربة بمنفعة خان عشر سنين ، لانتفاء الثمن بانقضاء زمان تملك المنفعة ، فلا يبقى ، فإنّه يجب تبديل هذه المنافع بما يستعدّ البقاء كدار صغيرة.

وكذا لو كان الثمن ممّا يبقى ، ولكن لم تكن مصلحة البطون المعدومة في خصوص هذا الثمن ، كما لو بيعت الدار الموقوفة الخربة بالسجّاد القابل للبقاء مدّة مديدة ، إلّا أنّ مصلحة البطون المعدومة تكون في تبديلها خوفا من السرقة والضياع. ففي مثله لزم تبديل الثمن بما هو أصلح ، رعاية لمقصود الواقف.

(٢) لاقتضاء حقيقة المعاوضة ذلك كما تقدم مفصّلا.

(٣) هذا الضمير وضمير «به» والمستتر في «كان» راجعة إلى الثمن.

(٤) فوجوب إبقاء الثمن منوط بأمرين : أحدهما : قابليته للبقاء إلى زمان الطبقات المتأخرة.

وثانيهما : اقتضاء مصلحتهم بقاء هذا الثمن بشخصه ، وهذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة.

٦٤٣

وإلّا (١) أبدل مكانه ما هو أصلح.

ومن هنا (٢) ظهر عدم الحاجة إلى صيغة الوقف في البدل ، بل نفس البدليّة

______________________________________________________

(١) أي : وإن لم يمكن بقاء الثمن للانتفاع به ، أو كان مستعدا للبقاء ولكن لم تكن مصلحة المعدومين في إبقاء شخص الثمن ، فإنّه يجب الإبدال بما هو أصلح ، وهذا إشارة إلى الصورة الثانية المتضمنة لوجوب الإبدال في موردين.

(٢) أي : ومن اقتضاء مفهوم المعاوضة قيام البدل مقام المبدل ، ظهر .. ،

وغرضه قدس‌سره : أنّ البدل وإن كان وقفا كالمبدل ، لكنّه يفترق عنه من جهتين :

إحداهما : استغناء البدل عن صيغة الوقف. والثانية جواز تبديله لو كان أصلح بحال الموقوف عليهم.

أمّا الجهة الأولى ، فهي : أنّ البدلية قاضية بانتقال الإضافة ـ القائمة بالمبدل ـ إلى البدل ، وثبوت أثره له. ولمّا كانت الموقوفة متعلقة لحقّ البطون اللاحقة ، فكذا بدلها. ولا موجب لتوقف صيرورة البدل وقفا على تجديد صيغة الوقف ، بل ربما كان اعتباره من قبيل تحصيل ما حصل بالبيع.

هذا ما عليه جماعة ، كما حكاه صاحب المقابس عن فخر المحققين والشهيدين والمحقق الثاني والفاضل الصيمري ، خلافا لما يظهر من بعض كالفاضل المقداد (١) من لزوم تجديد الصيغة.

قال في الإيضاح في ـ شراء عبد بقيمة العبد المقتول ـ : «العبد المشتري هل يصير وقفا بالشراء ، أم لا بدّ من عقد جديد؟ الأقوى الأوّل ، لأنّه بالشراء للمصرف ينصرف إلى الوقف» (٢).

واقتصر العلّامة في التذكرة على نقل الوجهين من غير ترجيح ، فراجع (٣).

وعلّل الشهيد قدس‌سره (٤) عدم الحاجة إلى تجديد الصيغة بأنّ مقتضى نفس المبادلة صيرورة البدل وقفا ، هذا وأما الجهة الثانية فستأتي.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٧.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٩٦.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ٣ ، ص ٤٤٣

(٤) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢

٦٤٤

تقتضي كونه كالمبدل. ولذا (١) علّله الشهيد قدس‌سره في غاية المراد بقوله : «لأنّه صار مملوكا على حدّ الملك الأوّل ، إذ يستحيل أن يملك (٢) لا على حدّه» (١) (*).

ثمّ (٣) إنّ هذه

______________________________________________________

(١) أي : ولأجل اقتضاء البدلية وقفية البدل قهرا علّل الشهيد عدم الحاجة ـ إلى صيغة وقف البدل ـ بأنّ البدل صار مملوكا على حدّ مملوكية الموقوفة المبيعة ، من كونها ملكا فعليا للموجودين وشأنيا للمعدومين.

(٢) أي : أن يملك البدل لا على حدّ المبدل. ووجه الاستحالة عدم صدق المعاوضة والمبادلة لو لم يقم البدل مقام المبدل في ماله من وجوه الاختصاص.

(٣) هذا إشارة إلى الجهة الثانية ، ومحصّلها : أنّ البدل وإن كان كالمبدل ملكا فعليا للموجودين وشأنيا للمعدومين ، لكنّه ليس كالوقف الابتدائي الذي لا يباع إلّا لعذر.

والفارق بينهما هو : أنّ للعين الموقوفة خصوصية تعلّق غرض الواقف ببقاء

__________________

(*) وبيانه : أنّ المبادلة إن اقتضت وقفية الثمن فاعتبار تجديد صيغة الوقف لغو ، إذ لا معنى لإنشاء وقفية ما هو وقف بالفعل. وإن لم تقتض المبادلة ذلك ، بل قيل بلزوم تجديد الإنشاء ، فإمّا أن يكون البدل قبل إيقافه من المباحات الأصلية التي يتملكها الحائز ، وهو باطل قطعا ، مضافا إلى امتناع وقف المباح ، فإنه لا وقف إلّا في ملك.

وإمّا من الأملاك ، وهو إما ملك الواقف أو الموقوف عليهم.

ولكن دخوله في ملك الواقف بلا سبب مملّك ممنوع ، مضافا إلى عدم الدليل على جعل هذا الملك الحادث وقفا.

ودخوله في ملك الموقوف عليهم إن كان على نحو الملكية الطّلقة أي يختص بالموجودين كان منافيا للبدلية المقتضية لقيام البدل مقام المبدل ، ولو فرض ذلك لم يكن وجه للزوم تجديد الإنشاء لكونه ملكا لهم يتصرفون فيه بما شاءوا.

وإن كان ملكية الموقوف عليهم غير طلق على حدّ ملكية المبدل من كونه ملكا فعليا للموجودين ومتعلّقا لحقّ المعدومين فقد ثبت المطلوب ، وهو استغناء البدل عن الصيغة ، بل يصير وقفا بنفس إنشاء وقفية المبدل.

__________________

(١) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢.

٦٤٥

العين (١) حيث صارت ملكا للبطون ، فلهم (٢) أو لوليّهم

______________________________________________________

شخصها للانتفاع بها ، والمفروض سقوط الخصوصية بطروء الخراب عليها ، ولزم تبديلها حذرا من تضييع المال ورعاية لحقّ الواقف والموقوف عليه.

والدليل المانع عن بيع الوقف كقوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» مختص بما تعلّق به إنشاء الواقف ، وهو خصوصية العين الموقوفة. ولكن لا إطلاق فيه بالنسبة إلى كون البدل كالمبدل في خصوصياته وأحكامه حتى لا يجوز بيعه ونقله إلّا بطروء الخراب. بل الأمر موكول إلى وليّ البطون ، فإن كان إبقاء هذا البدل أصلح للبطون أبقاه ، وإن كان تبديله أصلح جاز له ذلك.

وبعبارة أخرى : النهي عن بيع الوقف حكم شرعي ، ومتعلقة ومورده ـ بحسب الانصراف ـ هو الوقف الابتدائي ، ولا يعمّ ما كان وقفا بسبب المبادلة والمعاوضة.

ولا فرق في عدم سراية هذا الحكم من المبدل إلى البدل بين تصريح الواقف بمثل «أنها صدقة لا تباع ولا توهب ..» وبين عدم تصريحه به. ووجه عدم الفرق هو : أنّ الاشتراط المزبور مختص بنفس العين الموقوفة ، وحيث خربت وجاز بيعها ، فإن دلّ دليل على اشتراك البدل في هذا الحكم أيضا فهو ، وإلّا فمقتضى القاعدة جواز التبديل ، هذا.

(١) ليس المراد بها العين الموقوفة ، لأنّها بيعت حسب الفرض ، بل المراد بدلها من عروض أو نقود.

(٢) أي : إن كان الموجودون كاملين بالبلوغ والعقل جاز لهم التصرف في بدل العين الموقوفة بما يرونه مصلحة لجميع البطون ، فإن كان الصلاح في إبقائه ابقي ، وإلّا أبدل.

وإن كان الموجودون قاصرين كان النظر في البدل إلى الوليّ عليهم من وصيّ أو متولّ عيّنه الواقف أو الحاكم الشرعي. هذا.

والمناسب ضمّ الوليّ على سائر البطون إلى البطن البائع أو الوليّ عليه. نعم لو كان وليّ الموجودين الحاكم الشرعي كفى في الإبدال لو كان أصلح. وهذا مقصوده ـ وإن لم تف العبارة به ـ بقرينة ظهور قوله قدس‌سره : «بحسب مصلحة جميع البطون» وصريحه في (ص ٦٦١) من قوله : «ثم إن المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيّم من قبل سائر البطون».

٦٤٦

أن ينظر فيه (١) ، ويتصرّف فيه بحسب مصلحة جميع البطون ولو بالإبدال (٢) بعين أخرى أصلح لهم (٣). بل قد يجب (٤) إذا كان تركه يعدّ تضييعا للحقوق. وليس (٥) مثل الأصل ممنوعا عن بيعه (*) إلّا لعذر ، لأنّ (٦) ذلك كان حكما من أحكام الوقف الابتدائي. وبدل (٧) الوقف إنّما هو بدل له في كونه (٨) ملكا للبطون ، فلا يترتّب عليه جميع أحكام الوقف الابتدائي.

______________________________________________________

(١) أي : في البدل ، والأولى تأنيث الضمير لرجوعه إلى العين.

(٢) هذا و «بحسب» متعلقان ب «يتصرف».

(٣) أي : للبطون.

(٤) أي : قد يجب الإبدال. والوجه في وجوبه هو حرمة تضييع الحقوق ، المترتب على ترك الإبدال حسب الفرض. وبهذا ظهر وجه الإضراب ـ عن ثبوت حقّ تغيير بدل الوقف ـ إلى وجوبه حذرا من تضييع المال.

(٥) يعني : وليس بدل الوقف مثل نفس العين الموقوفة في منع بيعها بدون طروء المسوّغ.

(٦) تعليل لقوله : «وليس مثل الأصل» أي : لأنّ منع بيع العين الموقوفة ـ بلا عذر ـ يكون من آثار الوقف الابتدائي ، ولا يسري المنع إلى بدله.

(٧) غرضه أنّ البدلية لا تقتضي إلّا كون البدل كالمبدل مشتركا بين البطون ، وأمّا الآثار التعبدية الثابتة للوقف ـ كحرمة البيع ـ فلا تترتب على البدل ، إذ لا إطلاق على : أنّ كل ما للمبدل ثابت للبدل ، هذا.

(٨) أي : كون البدل ، والظرف متعلق ب «بدل» وضمير «له» راجع إلى الوقف.

__________________

(*) لم يظهر له وجه بعد بنائه قدس‌سره على إطلاقه البدلية في جميع الآثار حتى في عدم احتياج وقفية البدل إلى الصيغة ، ولا وجه لتقييده إلّا دعوى انصراف مثل قوله عليه الصلاة والسلام : «لا يجوز شراء الوقف» إلى الوقف الابتدائي ، لا مطلقا حتى بدله. لكنّها كما ترى.

فالحقّ كون البدل كالمبدل في عدم جواز بيعه إلّا مع العذر.

٦٤٧

وممّا (١) ذكرنا أيضا (٢) يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف ـ كما هو (٣)

______________________________________________________

(١) لعلّ مراده من الموصول قوله : «ثمّ إنّ هذه العين حيث صارت ملكا للبطون ، فلهم أو لوليّهم أن ينظر فيه ..» وغرضه التعرض لجهة أخرى ممّا يتعلّق بالبدل ، وهي :

أنّ البدل إن كان مماثلا للعين الموقوفة وكانت المصلحة في إبقائه فلا كلام. وإن لم يكن مماثلا ـ كما إذا بيعت الدار الخربة بالنقود الرائجة كالدراهم والدنانير ، أو بيعت بعوض آخر كالكتب والسجاد ونحوهما من الأعيان المتمولّة ـ ففيه أقوال ثلاثة :

الأوّل : وجوب صرف الثمن ، وشراء دار مماثلة للموقوفة مطلقا كما صرّح به جماعة كما سيأتي.

الثاني : عدم الوجوب مطلقا ، كما ذهب إليه المصنف وجماعة.

الثالث : التفصيل بين ما إذا عيّن الواقف جهة معيّنة كالسكنى في الدار ، فيجب شراء المماثل ، وبين ما إذا لم يعيّن ذلك وإنّما أوقفها للانتفاع بها كيف ما اتفق ، فلا يجب حينئذ ، بل يصرف الثمن في ما يراه المتولّي من المصلحة للبطون. كما قوّاه المحقق النائيني قدس‌سره (١).

واستدلّ المصنف قدس‌سره على مختاره بنحو ما تقدّم في البدل من جواز تبديله أو وجوبه ، ومحصله : أنّ ثمن الوقف ملك جميع البطون ، ويجب ملاحظة مصلحتهم. فإن اقتضت الإبقاء ابقي ، وإن اقتضت التبديل أبدل. ولا دليل على وجوب شراء المماثل للوقف ، إلّا كونه أقرب إلى مقصود الواقف ، ولكن لا ملزم لرعاية غرضه ما لم يؤخذ في إنشاء الوقف ، هذا.

(٢) يعني : كما ظهر عدم الحاجة إلى إنشاء وقفية البدل ، وكذا جواز تبديله عند اقتضاء المصلحة ، فكذلك يظهر عدم وجوب شراء المماثل.

(٣) أي : عدم وجوب شراء المماثل ظاهر التذكرة. لكن لم أظفر فيها على كلام ظاهر في ذلك ، ولا على من نسب ذلك إلى العلّامة ، فإنّه قدس‌سره وإن عبّر «بأن شراء المماثل أولى» كما في المختلف وفي عبارة التذكرة الآتية في (ص ٦٥٥). لكن مراده من الأولوية هو الوجوب ، لتصريحه به بقوله : «وإذا لم يمكن تأبيده ـ أي تأبيد الوقف ـ بحسب الشخص وأمكن بحسب النوع وجب» (٢) وكذا في المختلف.

__________________

(١) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٣٩١

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، ونحوه كلامه في المختلف ، ج ٦ ، ص ٢٨٩ ، ولاحظ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٩ وج ٩ ، ص ٨٨ و ٨٩ ، ومقابس الأنوار ، ص ٦٦

٦٤٨

ظاهر التذكرة والإرشاد (١) وجامع المقاصد (٢) والتنقيح (٣)

______________________________________________________

ونحوه كلامه في بدل العبد الموقوف المقتول ، حيث قال : «والوجه عندي شراء عبد بالقيمة يكون وقفا ، لأنّه ملك لا يختص به الأوّل أي البطن الأوّل ـ فلم يختصّ ببدله ، كالعبد المشترك والمرهون .. إلخ» (١).

ولعلّ المصنف قدس‌سره ظفر بكلام آخر في التذكرة دال على عدم وجوب شراء المماثل ، فلا بدّ من مزيد التتبع.

(١) لعدم تقييد شراء البدل بكونه كالمبيع في الصفات ، قال قدس‌سره : «ولو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج والمؤن من قبل الظالم ، وشراء غيره بثمنه ، فالوجه الجواز» (٢).

(٢) لا يخفى أن المحقق الثاني تعرّض للمسألة في موضعين : أحدهما في كتاب البيع ، وقد تقدم نقله في (ص ٥٦٩) والآخر في كتاب الوقف. وحكم في الموضع الأوّل بوجوب شراء البدل إذا كان المسوّغ للبيع هو الخراب أو الخلف (٣). والظاهر اعتماد المصنف على إطلاق كلامه ، وعدم تقييده باعتبار المماثلة.

وحكم في الموضع الثاني بوجوب شراء البدل ، وبوجوب التوصل إلى ما يكون أقرب إلى غرض الواقف (٤). واستفاد السيّد الفقيه العاملي قدس‌سره منه إرادة المماثل ، فلذا قال : «وفي جامع المقاصد الحكم بالوجوب في المقامين» (٥). ومراده بالمقامين بقرينة وقوعه بعد كلام السيوري هو أصل شراء شي‌ء بدلا عن الوقف ، ووجوب المماثلة.

(٣) قال الفاضل المقداد قدس‌سره فيه : «إذا أمكن شراء غيره يكون وقفا وجب ، وإذا أمكن شراء مثله يكون أولى». وقال السيد العاملي قدس‌سره بعد نقله : «فقد حكم في الأوّل

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٢ ، السطر : ٣٩.

(٢) إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٤٥٥.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧.

(٤) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٧١.

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٨٩.

٦٤٩

والمقتصر (١) ومجمع الفائدة (٢) (١) ـ بل (٣) قد لا يجوز إذا كان غيره أصلح ، لأنّ (٤) الثمن إذا صار ملكا (٥) للموقوف عليهم الموجودين والمعدومين ، فاللازم ملاحظة مصلحتهم. خلافا (٦) للعلّامة وولده (٧)

______________________________________________________

بالوجوب ، دون الثاني» (٢).

(١) قال ابن فهد قدس‌سره : «ومهما أمكن المماثلة كان أولى» (٣) ودلالته على رجحان المماثلة وعدم تعيّنها واضحة.

(٢) دلالة كلام المحقق الأردبيلي قدس‌سره إنّما هي لاقتصاره على وجوب شراء البدل إن أمكن ، وإطلاقه ينفي اعتبار الشباهة والمساواة في الصفات.

وقال الفاضل السبزواري قدس‌سره ـ بعد نقل وجوب تحصيل الأقرب إلى الوقف عن بعض ـ : «ولا أعلم على ذلك حجة ، والنصّ غير دالّ عليه» (٤).

(٣) غرضه الترقّي من عدم وجوب شراء المماثل ـ لعدم اتحاد البدل مع أصل الوقف في جميع الجهات ـ إلى عدم جوازه في بعض الموارد ، إذ المناط في بدل الوقف رعاية ما هو الأصلح بحال الموقوف عليهم ، لا نظر الواقف.

(٤) هذا تعليل لعدم اعتبار المماثلة ، لعدم المقتضي له ، لفرض صيرورة البدل ملكا للبطون ، فيلزم رعاية مصلحتهم فقد يلزم شراء المماثل ، وقد يلزم شراء غير المماثل.

(٥) بمقتضى المبادلة والمعاوضة.

(٦) عدل لقوله : «كما هو ظاهر التذكرة .. إلخ» وقد تقدم آنفا أنّ كلام العلّامة في التذكرة والمختلف صريح في اعتبار المماثلة.

(٧) قال فخر الدين في شرح قول والده قدس‌سرهما في بيع الحصير الخلق والجذع المتكسّر ـ ما لفظه : «والأصحّ عندي جواز البيع ، وصرف ثمنه في المماثل إن أمكن ..» (٥).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٩.

(٢) التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٣٠ ، مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٨٩.

(٣) المقتصر ، ص ٢١٢.

(٤) كفاية الأحكام ، ص ١٤٢.

(٥) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤٠٧.

٦٥٠

والشهيد (١) وجماعة (٢) ، فأوجبوا المماثلة مع الإمكان ، لكون (٣) المثل أقرب إلى مقصود الواقف.

وفيه (٤) ـ مع عدم انضباط غرض الواقف ، إذ قد يتعلّق غرضه بكون

______________________________________________________

وحكى السيد العاملي قدس‌سره عن شرح الإرشاد تصريحه ـ في شراء عبد بقيمة العبد المقتول ـ بوجوب المساواة في الذكورة والأنوثة ، فراجع (١).

(١) قال في غاية المراد : «والأقرب أن البدل يجب كونه من جنس الموقوف ، لأنّه أقرب إلى الوقف. وكلام المصنف هنا ـ يعني في كتاب الإرشاد ـ يشمل الجنس وغيره. وحينئذ تجب المساواة في الذكورة والأنوثة. وإن أمكن المساواة في باقي الصفات أو معظمها فهو أولى» (٢).

ونسب السيد العاملي ذلك إلى حواشيه على القواعد أيضا ، كما نسبه إلى تعليق الإرشاد للمحقق الثاني ، فراجع (٣).

(٢) كالفاضل الصيمري على ما في المقابس (٤) ، والشهيد الثاني كما فيه أيضا (٥).

(٣) سيأتي هذا التعليل في عبارة التذكرة في (ص ٦٥٧) ووجه القرب : أنّ غرض الواقف ـ لو وقف بستانا مثلا ـ هو الانتفاع بثمرته والتنزه فيه ، فلو أبدل ـ بعد طروء مجوّز البيع ـ بدار لم يتحقق غرضه من الوقف.

وكذا لو أوقف عمارة لإقامة الزوّار فيها ، فبيعت وأبدلت بدكاكين مثلا ، لتصرف عوائدها في الزوّار ، فإنّه يلزم مخالفة غرضه من الوقف ، مع أنّ حقّ الواقف يقتضي رعاية نظره مهما أمكن.

(٤) ناقش المصنف قدس‌سره في التعليل المتقدم بوجهين ، أحدهما ناظر إلى منع الصغرى ، والآخر إلى منع الكبرى.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٩٨.

(٢) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٩ ، وج ٩ ، ص ٨٩.

(٤) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٦.

(٥) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٧٠ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٥ و ٢٥٦ ، وفي تعليقته على الإرشاد ، لاحظ : غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤١.

٦٥١

الموقوف عينا خاصّة (١) ، وقد يتعلّق بكون منفعة الوقف

______________________________________________________

أمّا منع الصغرى ـ وهي كون المثل أقرب إلى مقصود الواقف ـ فبيانه : أنّه لم يظهر أقربية شراء المماثل إلى مقصوده ، لاختلاف دواعي الواقفين في مقام إنشاء الوقف.

فقد يكون غرض الواقف من وقف داره على ذريّته بقاء شخص الدار بيدهم والانتفاع بها ، لكونها دار آبائه ، ورثها منهم ، وله عناية ببقاء خصوصية العين الموقوفة. وكذا لو ورث كتابا كان بخطّ سلفه ، فأراد بقاء عينه ، فوقفه ليمنع ورثته من التصرفات الناقلة فيه ببيع أو صلح أو هبة.

وقد يكون غرضه إصلاح حال ذريته وعدم وقوعهم في ذلّ الفقر والمسكنة ، فيوقف الدار عليهم لينتفعوا باجرتها ، وليس مقصوده سكناهم فيها.

وقد يكون غرضه تسبيل خاص وإيصال نفع معيّن إلى الموقوف عليهم من دون تعلّق نظره بخصوصية العين ، كما لو أوقف بستانا للانتفاع بثمرته ، فبيع لغور مائه ، أو لوقوعه في الطريق العام ، ودار الأمر بين شراء المماثل أي بستان آخر في مكان يصعب الوصول إليه لاقتطاف ثمرته ، وإن أمكن بيع الثمرة بأقل من قيمة ثمرة البستان الأوّل. وبين شراء دار أو خان أو أرض زراعية تصل منافعها واجورها إلى الموقوف عليهم.

ولا وجه للقول بأنّ شراء البستان أقرب إلى مقصود الواقف ، خصوصا مع إحراز أنّ غرضه من الوقف إيصال النفع إليهم ، ولا نظر له إلى خصوصية العين.

وعلى هذا فالنسبة بين المماثل وبين غرض الواقف عموم من وجه ، فقد يجتمعان ، كما لو وقف دارا لسكنى العلماء فخربت وأبدلت بدار اخرى فسكنها بعضهم. وقد يفترقان ، فلا يكون المماثل موافقا للغرض في جميع الموارد ، بل يكون غير المماثل وافيا به. ومن المعلوم أنه لا وجه ـ مع الشك في غرض الواقف وعدم إحرازه ـ للتمسك بلزوم رعاية نظره ، لكونه من التشبث بالدليل في الشبهة الموضوعية ، فإنّه يتجه في ما لو أحرز مقصود الواقف.

فالنتيجة : أنّ اللازم رعاية مصلحة الموقوف عليهم بعد بيع الموقوفة وسقوط خصوصية العين. هذا توضيح الوجه الأوّل ، وأما الوجه الثاني ـ وهو منع الكبرى ـ فسيأتي.

(١) يعني : من دون عناية بمنفعة العين ، فضلا عن النظر إلى مقدار معيّن من المنفعة ، فالمقصود كلّه حبس العين عن التصرفات الناقلة ، أو تغيير هيئتها الفعلية.

٦٥٢

مقدارا معيّنا (١) من دون تعلّق غرض بالعين (٢) ، وقد يكون (٣) الغرض خصوص الانتفاع بثمرته ، كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته ، فبيع ، فدار الأمر بين أن يشترى بثمنه بستان في موضع لا يصل إليهم إلّا قيمة الثمرة (٤) ، وبين أن يشترى ملك آخر يصل إليهم اجرة منفعته (٥) ، فإنّ الأوّل (٦) وإن كان مماثلا ، إلّا أنّه (٧) ليس أقرب إلى غرض الواقف ـ : أنّه (٨) لا دليل على وجوب ملاحظة الأقرب إلى

______________________________________________________

(١) هذا نحو آخر من دواعي الوقف ، وقد تقدم بقولنا : «وقد يكون غرضه إصلاح حال ذرّيته ..».

(٢) فلو حصل ما قصده من النفع المعيّن فقد تحقق غرضه ، سواء أكان من مماثل الموقوفة أو من غيره.

(٣) معطوف على «قد يتعلّق» وهذا نحو ثالث ممّا يمكن أن يكون غرضا للواقف.

(٤) لبعد الطريق أو لخوف من ظالم ، أو لغيرهما من الموانع ، فيتعيّن بيع الثمرة وصرف الثمن في الموقوف عليهم.

(٥) أي : منفعة الملك الآخر ولو كان دارا أو عمارة أو غيرهما.

(٦) أي : البستان الثاني المفروض تعذّر وصول ثمرته إلى الموقوف عليهم.

(٧) أي : أنّ الأوّل ـ وهو المماثل ـ ليس أقرب إلى الغرض.

(٨) الضمير للشأن ، والجملة مبتدء مؤخّر لقوله : «وفيه» وهذا ثاني وجهي المناقشة في التعليل المتقدم ، ومحصله : أنّه لو سلّمنا كون المماثل أقرب إلى مقصود الواقف ، إلّا أنّه لا دليل على وجوب مراعاة مقاصد الواقف وأغراضه الداعية إلى الوقف ، فإنّها من قبيل الملاكات الخارجة عن حيّز الأحكام ، والواقعة فوقها لا تحتها حتى تجب مراعاتها ، فأغراض الواقف خارجة عن حيّز إنشاء الوقف. وكلّ ما كان كذلك لا يجب مراعاته.

نعم إذا وقع شي‌ء من أغراضه في حيّز الإنشاء بحيث كان مدلولا لصيغة الوقف وجب الوفاء به كسائر ما أنشأه في الوقف ، بأن يقول : «هذا وقف ، وإن طرء عليه ما يوجب بيعه ، فليكن بدله مماثلا له».

٦٥٣

مقصوده ، إنّما اللازم ملاحظة مدلول كلامه (١) في إنشاء الوقف ، ليجري الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

فالحاصل (٢) أنّ الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلّا مدلول كلام الواقف ، وإذا بيع وانتقل الثمن إلى الموقوف عليهم لم يلاحظ فيه إلّا مصلحتهم (*) هذا.

قال (٣) العلّامة في محكي التذكرة :

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «مقصوده» راجعان إلى الواقف.

(٢) هذا الحاصل محصّل قوله : «وممّا ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل» إلى ما أفاده هنا.

(٣) الغرض من نقل عبارة التذكرة التنبيه على أنّ العلامة قدس‌سره حكم في موارد بيع الوقف بصرف الثمن في أمور ثلاثة مرتّبة ، واستدلّ على رعاية هذا الترتيب بوجهين ، وهذا كلّه مخالف لما تقدم من المصنف إلى هنا من قولين : أحدهما وجوب شراء المماثل ، والآخر عدمه ، وصرف الثمن في مصلحة الموقوف عليه.

ثم لا يخفى أنّ الماتن قدس‌سره قد نسب في (ص ٦٤٨) إلى التذكرة القول بعدم وجوب

__________________

(*) تقدّم أنّ البدل وإن كان ملكا للبطون ، لكنّه على حدّ ملكية المبدل لهم ، لا على نحو آخر. والخروج عن إطلاق البدلية بلا موجب.

فالحقّ وفاقا لجماعة كالعلّامة وولده والشهيد وغيره وجوب شراء المماثل مع الإمكان. لكن لا لما نسب إليهم من كون المثل أقرب إلى مقصود الواقف. وذلك لما فيه من المنع صغرى وكبرى ، بل لأنّ العين الموقوفة توقف بما لها من المشخصات الفردية والأوصاف النوعية والجنسية ، نظير الضمان الواقعي الذي يكون المضمون فيه جهاته الشخصية والنوعية والجنسية. وتعذّر الأوصاف الشخصية لا يوجب سقوط سائر الجهات.

وعليه فتعذر بقاء العين وقفا لا يوجب سقوط اعتبار الصفات النوعية ، فيجب شراء المثل. وإن شئت فقل : إنّ المماثل يكون من مراتب الموقوفة ، فنفس إنشاء الوقف يدلّ على وجوب شراء المماثل.

٦٥٤

«كلّ مورد (١) جوّزنا بيع الوقف ، فإنّه يباع ويصرف الثمن إلى جهة الوقف. فإن أمكن (٢) شراء مثل تلك العين ممّا ينتفع به كان أولى (٣). وإلّا (٤) جاز شراء كلّ ما يصحّ وقفه ، وإلّا (٥) صرف الثمن إلى الموقوف عليه يعمل به [فيه] ما شاء ، لأنّ (٦) فيه (٧)

______________________________________________________

شراء المماثل ، وهو محتمل ـ أو ظاهر ـ أوّل كلام العلامة ، ولكنّه صرّح بالوجوب بعد ذلك ، فمن العجب نسبة عدم الوجوب إليه.

كما لا يخفى أن ما في المتن منقول عن المقابس ، وهو محصل كلام العلامة في التذكرة ، وبعضه نصّ عبارة المختلف ، كما سيظهر.

(١) في التذكرة : «كل صورة جاز بيع ..» وعنه في المقابس «كل صورة جوّزنا ..».

(٢) هذا بيان كيفية صرف الثمن إلى جهة الوقف ، فالمرتبة الاولى شراء المماثل.

(٣) استفيد من هذه الكلمة مطلق الأولوية ، وأنّه لا تدل على التعيين ، فلذا نسب المصنف قدس‌سره إلى التذكرة عدم وجوب تحصيل المماثل.

(٤) أي : وإن لم يمكن شراء المثل جاز شراء غير المثل ، فيكون وقفا بدل المبيع. وهذه مرتبة ثانية.

ولا يخفى أنّه سقط هنا من عبارة التذكرة قوله : «وهل يكون ـ أي شراء مثل العين ـ واجبا؟ قال بعض العامة : لا يجب ، بل أيّ شي‌ء اشتري بقيمته ممّا يرد على أهل الوقف ..» الى أن قال : «وما قلناه أولى ، لما فيه من متابعة شرط الواقف بحسب الإمكان. إذا عرفت هذا ، فإنّه إن أمكن شراء شي‌ء بالثمن يكون وقفا على أربابه يكون أولى. فإن اتّفق مثل الوقف كان أولى ، وإلّا جاز ..» إلى آخر ما نقله المصنف.

(٥) في التذكرة : «وإن لم يمكن صرف الثمن» وهذه مرتبة ثالثة.

(٦) لم أجد هذه العبارة في التذكرة ، وهي منقولة من المختلف ، حيث علّل الترتيب المذكور ـ في التذكرة أيضا ـ بقوله : «ولأنّ فيه جمعا بين التوصّل إلى غرض الواقف في نفع الموقوف عليه على الدوام ، وبين النصّ على عدم تجويز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد. وإذا لم يمكن تأبيده بحسب الشخص ..» (١) إلى آخر ما في المتن.

(٧) أي : في الترتيب المزبور ، وهذا أوّل الوجهين اللّذين استدلّ العلّامة بهما على

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٢٨٩.

٦٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

رعاية المراتب الثلاثة ، ومحصله : أنّ هذا الترتيب مقتضى الجمع بين أمرين :

أحدهما : مراعاة غرض الواقف من انتفاع البطون بالموقوفة مؤبّدا ، ولذا قد يؤخذ قيد الدوام في صيغة الوقف.

وثانيهما : أنّ الشارع أمر بالعمل بما عيّنه الواقف من كيفية وشرط ، لقوله صلوات الله وسلامه عليه : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها».

وعلى هذا ، فإن أمكن إبقاء شخص الموقوفة والانتفاع بها في الجهة التي عيّنها الواقف لم يجز بيعها. وإن امتنع وبيعت لزم صرف ثمنها في المماثل ، لكونه إبقاء للعين بحسب نوعها ، لفرض تساويهما في الصفات ، وكون المنفعة العائدة من البدل والمبدل واحدة.

وإن تعذّر تحصيل المثل وجب صرف الثمن في عين اخرى لتدرّ منافعها على الموقوف عليهم ، فيكون البدل إبقاء لجنس الوقف وإن لم يكن إبقاء لنوعه.

وإن تعذّر شراء عين أخرى لقلّة الثمن ـ أو لجهة أخرى ـ وجب على المتولي للبيع دفع الثمن إلى البطن الموجود ، فيتصرف فيه بما شاء ، لكونه عملا بالميسور من غرض الواقف وإن فات غرضه الأقصى ، وهو الانتفاع بشخص الموقوفة.

فإن قلت : لا وجه للترتيب المزبور ، فإنّ غرض الواقف الانتفاع بالعين على الدوام ، وإمضاء الشارع لهذا المقصود يقتضي إبقاء العين على حالها ، حتى تسقط بنفسها عن الانتفاع ، ولم يتعلّق غرضه بالتبديل بالمماثل أو بغيره ، فلو فرض بيع الوقف لم يكن صرف الثمن في المماثل أولى من صرفه في غيره.

قلت : ما ذكر من الترتيب متعلّق غرض الواقف أيضا ، لأن أخذ قيد الدوام من جهة ، وخراب شخص الموقوفة من جهة أخرى ، يوجب الالتزام بإبقاء الوقف بحسب نوعه وإن تعذر بقاء شخصه ، لتعدد مطلوب الواقف.

ولو فرض إبقاء شخص الوقف حتى يضمحلّ بالمرّة ـ بحيث يمتنع حينئذ تبديله بشي‌ء آخر مماثل أو غير مماثل ـ لزم فوات غرض الواقف بأجمعه. ومن المعلوم أنّ حفظ بعض مطلوبه أولى من تركه كلّية.

٦٥٦

جمعا بين التوصّل إلى غرض الواقف من (١) نفع الموقوف عليه على الدوام ، وبين النّصّ (٢) الدالّ على عدم جواز مخالفة الواقف ، حيث شرط التأبيد ، فإذا لم يمكن (٣) التأبيد بحسب الشخص وأمكن بحسب النوع وجب (٤) ، لأنّه (٥) موافق لغرض الواقف ، وداخل (٦) تحت الأوّل الذي وقع العقد عليه. ومراعاة (٧) الخصوصية

______________________________________________________

وعليه فحفظ الغرض يقتضي إلغاء الخصوصية ، ورعاية التأبيد في النوع ، بل في ماليّته أيضا. فإذا تعذّر شراء المماثل انتقل إلى غير المماثل مما يكون أصلح بحال الموقوف عليهم.

(١) بيان لغرض الواقف ، وهو التأبيد ودوام الوقف.

(٢) وهو مكاتبة الصفّار عن الإمام العسكري صلوات الله وسلامه عليه (١).

(٣) هذا ناظر إلى تعدد مطلوب الواقف ، وأنّ أحد مطلوبية بقاء شخص الوقف ، والآخر بقاء نوعه أو جنسه.

(٤) أي : وجب التأبيد بحسب النوع ، ولا يخفى نصوصية قوله : «وجب» في وجوب شراء المماثل ، ومع التصريح بالوجوب ـ المذكور في كلّ من التذكرة والمختلف ـ يلزم إرادة التعيين من قوله في أوّل العبارة : «أولى» لا مطلق الرجحان.

(٥) أي : لأنّ النوع ، والمراد به مصداق الطبيعي ، المعبّر عنه بالمثل.

(٦) معطوف على «موافق» أي : أنّ الواقف حبس العين الموقوفة مؤبّدة ، بأن تكون خصوصيّتها الشخصية محفوظة ما دامت ممكنة ، وبانتفائها لا تنتفي الوقفية ، بل يزول التأبيد بالنسبة إلى الشخص ، ويبقى بالنسبة إلى جهتها النوعية. فالتأبيد منشأ بالإضافة إلى نوع العين الموقوفة بإنشاء الوقفية للشخص ، فتأبيد النوع هو تأبيد الشخص الذي وقع عليه العقد ، فتدبّر.

(٧) يعني : ومراعاة التأبيد بالنسبة إلى خصوص العين الموقوفة ـ من دون مراعاة جهتها النوعية ـ توجب فوات الغرض بأجمعه.

__________________

(١) تقدّمت مصادرها في ص ٥٠٩ ، فلاحظ.

٦٥٧

الكليّة تفضي إلى فوات الغرض بأجمعه (*).

ولأنّ (١) قصر الثمن على البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه ، مع أنّه (٢) يستحقّون من الوقف كما يستحقّ البطن الأوّل (٣) ،

______________________________________________________

(١) والعبارة دفع دخل مقدر ، وقد تقدم توضيحهما في (ص ٦٥٦) بقولنا : «فإن قلت .. قلت ..».

(٢) معطوف على «لأنّ فيه جمعا» وهذا ثاني الوجهين المستدلّ بهما على وجوب صرف الثمن في المماثل ، وبيانه : أنّه لا ريب في كون الوقف الخاصّ متعلّقا لحقّ المعدومين كالموجودين. فلو جاز للبطن الموجود ـ بعد طروء الحالة المسوّغة للبيع ـ التصرف في الثمن وإتلافه وعدم شراء شي‌ء به بدلا عن المبيع ، لزم منه تضييع حقّ المعدومين. مع أنّ الواقف جعلهم مستحقّين لمنفعة الموقوفة كاستحقاق الطبقة الموجودة لها ، ومن المعلوم توقف حفظ غرض الواقف وحقّ البطون المتأخرة على صرف ثمن الوقف فيما يبقى لينتفع به الجميع ، هذا.

ولا يخفى أنّ هذا الوجه ينفي المرتبة الثالثة ، وهي صرف الثمن في الموجودين ، وأنّه لا بدّ من شراء بدل للوقف ، ولا يثبت تقدّم المماثل رتبة على غير المماثل.

ولعلّ المصنف قدس‌سره استظهر من هذا التعليل عدم وجوب شراء المماثل ، ولكنه لا بدّ من رفع اليد عنه بعد تصريح العلّامة قدس‌سره بالوجوب في الوجه الأوّل.

(٣) كذا في النسخ ، ولكن في التذكرة والمقابس : «مع أنّهم» وهو الصحيح ، لرجوع الضمير إلى البطون.

(٤) لأنّ الواقف جعل العين الموقوفة لجميع البطون بإنشاء واحد ، فلا موجب لاستقلال البطن الموجود بالثمن.

__________________

(١) لكن لم يظهر وجه فوات الغرض بأجمعه في صورة مراعاة الخصوصية بالكلية إذ لا يلزم من مراعاتها إلّا فوات الغرض بالنسبة إلى غير الموجود من البطون. ولعلّ مقصوده فوات الغرض بأجمعه بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، لا فوات الغرض بأجمعه من الوقف. ولا بدّ من مزيد التأمّل في استظهار مراده قدس‌سره.

٦٥٨

ويقدّر [تعذّر] وجودهم حال (١) الوقف.

وقال (٢) بعض علمائنا والشافعية (٣) إنّ ثمن الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف ، فيصرف الثمن على الموقوف عليهم ملكا على رأي (٤)» (١) انتهى.

ولا يخفى عليك (٥)

______________________________________________________

(١) في التذكرة والمقابس «حالة الوقف». ومقصود العلّامة : أنّ عدم وجود البطون المتأخرة لا يمنع من استحقاقهم للوقف ، فإنّهم وإن لم يتملّكوه بالفعل ، لكن الواقف فرض وجودهم ، وجعلهم شركاء للموجودين.

(٢) غرض العلّامة قدس‌سره من نقله التنبيه على وجود المخالف في وجوب شراء بدل الوقف ، قياسا لباب المعاوضة على باب الضمان ، وقد تقدّم بيان اختصاص البدل بالموجودين في (ص ٦٣٣ و ٦٣٧) وهو : أنه لو قتل حرّ عبدا موقوفا ضمن قيمته للموقوف عليهم ، فذهب بعض الفقهاء كشيخ الطائفة قدس‌سره إلى أنّ القيمة للموجودين خاصة. واختار العلّامة : أنّها مشتركة بين الجميع.

قال قدس‌سره : «والوجه عندي : شراء عبد بالقيمة يكون وقفا ، لأنّه ملك لا يختصّ به الأوّل ـ أي البطن الموجود ـ فلم يختص يبدله ، كالعبد المشترك والمرهون. وعدم اختصاصه ظاهر ، فإنّه تعلّق به حقّ البطن الثاني فلم يجز إبطاله» (٢).

(٣) في التذكرة وكذا في المقابس : «وبعض الشافعية».

(٤) متعلق ب «يصرف» والرأي الآخر هو شراء بدل المتلف ليكون وقفا.

(٥) لم يتعرض المصنف قدس‌سره بالتفصيل لتحقيق ما ورد في عبارة التذكرة من مواضع الصحة والتأمّل ، ولكنه أحال ذلك إلى ما أفاده من عدم وجوب شراء المماثل ، وما ناقش به في دليل القائل بوجوبه بمناط كونه أقرب إلى غرض الواقف ، فلاحظ. وسنذكر ما يتعلق بكلام العلامة من مواقع الرد والقبول.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، والحاكي عنه صاحب المقابس قدس‌سره ، كتاب البيع ، ص ٦٦ ولكنّه قدس‌سره لفّق كلام العلامة من التذكرة والمختلف.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٢٢ ، ونظيره في المختلف ، ج ٦ ، ص ٣١٧ و ٣١٨ ، ولاحظ المبسوط ، ج ٣ ، ص ٢٨٩

٦٥٩

مواقع الرّد (١) والقبول (٢) في كلامه قدس‌سره.

______________________________________________________

(١) فمنها : حكمه بوجوب شراء المثل على ما صرّح به بقوله : «وأمكن بحسب النوع وجب» إذ فيه : ما تقدم مفصّلا من عدم وجوبه.

ومنها : قوله : «وإلّا جاز شراء كل ما يصحّ وقفه في صورة تعذر شراء المثل» إذ فيه : أنّ اللازم حفظ الثمن ليشترى به المثل ، إذ بناء على وجوب شراء المماثل ـ لما نسب إلى العلّامة وغيره ـ لا وجه لسقوطه ، ووجوب شراء كلّ ما يصح وقفه. هذا.

مضافا إلى : أنّه ـ على تقدير عدم إمكان شراء المماثل ـ لا بدّ من شراء ما يكون أقرب إلى مقصود الواقف ، أو ما يكون أعود للموقوف عليهم ، مراعاة لحق الواقف والموقوف عليهم.

ومنها : قوله : «وإلّا صرف الثمن في الموقوف عليهم» إذ فيه : أنّ الواجب حينئذ ـ كما سيذكره المصنف قدس‌سره ـ حفظ الثمن إلى زمان التمكن من شراء عين اخرى.

ومنها : قوله : «لأنّ فيه جمعا» إذ فيه : أنّ منافاة الدوام والتأبيد لصرف الثمن في البطن الموجود ـ الموجب لحرمان المعدومة ـ من البديهيات ، فكيف يكون صرف الثمن في الموجودين وجه جمع بين نفع الموقوف عليه على الدوام ، وبين النص الدال على عدم جواز مخالفة الواقف؟

(٢) منها : قوله : «فإنّه يباع ويصرف الثمن إلى جهة الوقف» ووجه قبوله كون البيع حفظا للحقوق ، ولذا صرّح المصنف في (ص ٦٦٧) بوضع الثمن عند أمين حتى يتمكن من شراء بدل الوقف.

ومنها : قوله : «ومراعاة الخصوصية بالكلية يفضي الى فوات غرض الواقف بأجمعه» وهو متين أيضا ، لأنّ إبقاء الوقف بحاله تضييع محرّم.

ومنها : قوله : «ولأنّ قصر الثمن على البائعين يقتضي إلى فوات خروج البطون اللاحقة» وهو صحيح أيضا ، لأنّ الواقف جعل العين ملكا للطبقات مرتّبا ، فلا يختص بدله بالموجودين.

هذا بعض الكلام في حكم عوض الوقف لو بيع ، وله تتمة ستأتي ، ويقع البحث في المتولّي للبيع.

٦٦٠