هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

والأوّل (١) تضييع مناف لحقّ الله وحقّ الواقف وحقّ الموقوف عليه.

______________________________________________________

الوقف بمثل قوله : «حتى يرث الله الأرض ومن فيها» إلّا أنّ العين لمّا كان مآلها إلى الخراب والفناء عادة ، فلا بد وأن يكون الملحوظ حال الإنشاء حبسها ما أمكن الانتفاع بها ، ولو تعذّر فببدلها ، وهكذا إلى أن ينتفي الموضوع بطروء التلف. ورعاية هذا الغرض لا تحصل إلّا بجواز التبديل بمعناه الأعم الصادق على الوجوب أيضا.

(١) وهو تعطيل الوقف المشرف على التلف حتى يتلف بنفسه ، فإنّه تضييع للمال وإتلاف له ، وهو من الإسراف المحرّم.

قال الفاضل النراقي ـ بعد جعل الإسراف تضييعا للمال ، أو صرفه في ما لا يليق بحاله ، أو في ما لا يحتاج إليه ـ ما لفظه : «أمّا التضييع فمصداقه واضح ، وهو إتلافه ، كإهراق الماء ، وطرح النواة ، وإهراق اللبن والدّبس ، ونحو ذلك ممّا لا يعدّ خرجا وصرفا للمال أيضا. بل يقال : إنه جعله بلا مصرف ، أو صرفه على وجه لا تترتب عليه فائدة أصلا ، لا دينية ولا دنيوية» (١).

فإن قلت : إنّ ما دلّ على حرمة التضييع مطلقا ـ وقفا كان أو غيره ـ معارض بالعموم من وجه بما دلّ على منع بيع الوقف ، الشامل بإطلاقه لمثل المقام ، وهو خرابه وسقوطه عن حيّز الانتفاع به. وفي مثله لا مجال للتشبث بعموم النهي عن إتلاف المال وإفساده ، إلّا بوجود مرجّح له على حرمة بيع الوقف ، ولولاه لم يتجه التمسك بعموم حرمة التضييع على جواز البيع هنا ، بل يمكن تخصيص عموم النهي ، لكون الإتلاف مستندا إلى نهي الشارع عن البيع ، فيكون كأمره بإتلاف المال في الهدي ، وإعدام آلات اللهو ، وغيرهما ، هذا.

قلت : لا مورد للمعارضة في المقام فضلا عن تقديم الأدلة المانعة عن بيع الوقف. وذلك لأنّ كلام المصنف : «والحاصل : أن الأمر دائر ..» إمّا أن يكون بيانا لوجود المقتضي لجواز بيع الوقف الخراب ـ كما لا يبعد وفاقا لمن أشرنا إليه ـ وإمّا أن يكون دليلا ثانيا على الجواز كما اختاره البعض. ولا معارضة على كلا الاحتمالين أصلا.

أمّا على الاحتمال الأوّل فلأنّ المصنف قدس‌سره منع من شمول الأدلة الناهية عن بيع الوقف للمقام ، فلم يبق إلّا عموم حرمة التضييع والإتلاف.

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٦٣٣.

٦٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا على الاحتمال الثاني فلأنّه لا مجال للمعارضة فضلا عن التخصيص ، لوجود المرجّح ، وهو ثبوت حرمة الإسراف والتضييع بضرورة الدين وبالآيات الكثيرة والأخبار المتضافرة ، كقوله تعالى (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١) و (أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ) (٢) و (لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) (٣) وغيرها (٤).

وكقول أبي عبد الله عليه‌السلام فيما رواه ابن أبي يعفور عنه : «قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما من نفقة أحبّ إلى الله عزوجل من نفقة قصد ، ويبغض الإسراف إلّا في الحجّ والعمرة» (٥). وعدّه من الكبائر في رواية العيون (٦).

ومن المعلوم أنّ النهي عن شراء الوقف ـ لو سلّم إطلاقه لصورة الخراب ـ قاصر عن معارضة الكتاب الصريح في حرمة الإسراف ومبغوضيته (*).

وبالجملة : إن المقتضي لحرمة تعطيل الوقف ـ حتى يتلف بنفسه ـ موجود ، لكونه تضييعا محرّما ، ومنافيا للحقوق المتعلقة بالعين الموقوفة. والمانع مفقود ، لما عرفت من قصور الدليل المانع من بيع الوقف عن شموله لفرض الخراب ، ولو سلّم شموله له لم يصلح للمعارضة مع ما هو قطعي الدلالة والسند.

__________________

(*) هذا بناء على كون تضييع المال وإفساده وتبذيره من المفاهيم الملقاة إلى العرف وإمكان تخصيص عموم النهي عنه ، فيكون مثل الأمر بإتلاف آلات اللهو تضييعا

__________________

(١) الأنعام ، الآية ١٤١ والأعراف ، الآية ٣١.

(٢) الغافر ، الآية ٤٣.

(٣) الإسراء ، الآية ٢٦ و ٢٧.

(٤) راجع عوائد الأيام ، ص ٦١٥ و ٦١٦.

(٥) وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ١٠٧ ، الباب ٥٥ من أبواب وجوب الحج ، ح ١ ، وص ٣٠٥ ، الباب ٣٥ من أبواب آداب السفر الى الحج ، ح ١.

(٦) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ٢ ، ص ١٢٧ ، وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٢٦١ ، الباب ٤٦ من أبواب جهاد النفس ، ح ٣٣.

٦٢٢

وبه (١) يندفع استصحاب المنع ،

______________________________________________________

(١) أي : وبكون تعطيل الوقف تضييعا محرّما منافيا للحقوق الثلاثة يندفع استصحاب المنع. وتقريب الاستصحاب : أنّه ـ بناء على عدم تمامية الإطلاق في مثل رواية ابن راشد ـ لا ريب في موضوعية الوقف لحرمة الشراء في الجملة ، ويشكّ في زوال الحرمة بصيرورته مسلوب المنفعة ، فيستصحب المنع ، ومن المعلوم عدم الفرق في منع بيع الوقف بين كون الدليل عليه أمارة كإطلاق قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقوف» الشامل للعامر والخراب ، وبين كونه أصلا عمليّا.

وناقش المصنف قدس‌سره فيه بوجهين :

الأوّل : أنّ الأصل محكوم بالدليل الاجتهادي المجوّز للبيع ، وهو حرمة تضييع المال وإتلافه ، وبقيام الحجة على انتقاض الحرمة المتيقنة سابقا لا معنى للاستصحاب.

__________________

تشريعا ، وإعدامها خارجا تضييعا تكوينا.

وكذا بناء على إباء لسان الأدلة الناهية عن الإسراف والتبذير عن الاستثناء والتخصيص ، فإنه مرجّح لأحد المتعارضين على الآخر.

وإن أمكن التأمل في هذا الوجه بأنّ استثناء صرف المال في الحج والعمرة ونحوه ـ ممّا ورد الترخيص شرعا في التجاوز عن الحدّ ـ ظاهر في وحدة الموضوع ، لا تخطئة نظر العرف والخروج الموضوعي ، وللكلام موضع آخر.

ثمّ إنّه قد يشكل ما أفاده هنا ـ من جواز بيع الوقف لكونه تضييعا محرّما ـ بمنافاته لما سيأتي في حكم الصورة السابعة من منع صدق الإضاعة على ترك بيع الوقف ، حيث قال : «ان المحرّم هو إضاعة المال المسلّط عليه ، لا ترك المال الذي لا سلطان له عليه إلى أن يخرب».

لكن سيأتي هناك أنّ التضييع والإضاعة وإن اتّحدا معنى لغة كما صرّح به في اللسان وغيره ، إلّا أنّ الفارق بين الصورتين إناطة صدق الإضاعة بالإتيان بعمل وجودي يتسبب به الى تلف المال ، فلا تصدق على مجرّد الترك.

مضافا إلى : اعتبار كون المال تحت سلطنة الشخص ، فلو انتفى الأمران ـ أي لم يتصرف ، وكان المتروك خارجا عن السلطان ـ لم يصدق الإضاعة.

٦٢٣

مضافا (١) إلى كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف ، وهو انتفاع جميع البطون بعينه ، وقد ارتفع قطعا ، فلا يبقى ما كان في ضمنه (٢).

وأمّا الثاني (٣)

______________________________________________________

الثاني : أنّ الركن الثاني ـ وهو الشك في البقاء ـ مفقود هنا ، لأنّ حرمة بيع الوقف كانت في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف ، وهو انتفاع جميع البطون بالعين الموقوفة بناء على اقتضاء الأمر بشي‌ء النهي عن ضده. ولمّا كانت حرمة بيع الوقف لأجل وجوب العمل بمقتضى الوقف ـ ومن المعلوم انتفاء هذا الوجوب ، لعدم القدرة على العمل بمقتضى الوقف بعد خرابه ـ فهي مرتفعة أيضا. ومع القطع بارتفاعها لا معنى لاستصحابها.

نعم يحتمل تحريم البيع بجعل آخر ، ولكن الأصل عدمه. كما تقرّر في القسم الثاني ثالث أقسام استصحاب الكلّي ، وهو احتمال حدوث فرد من الكلّي مقارنا لزوال الفرد السابق.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من الخدشة في الاستصحاب.

(٢) أي : في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف.

(٣) معطوف على «والأوّل» ولا حاجة إلى كلمة الشرط رعاية لوحدة سياقه مع ما سبقه وما لحقه ، وهما الأوّل والثالث.

وكيف كان ، فالمراد بالثاني جواز الإتلاف بانتفاع البطن الموجود به خاصة كأكل اللحم وحرق الحصير الخلق ، بحيث لا يبقى موضوع ليتعلّق به حق البطون المتأخرة.

وتمسّك المصنف بوجهين لنفي هذا الاحتمال.

الأوّل : منافاته لحقّ سائر الطبقات ، لما تقدّم من أنّ التمليك في الوقف نحو خاصّ ، فهو ملك فعلي للبطن الموجود ، وشأني لغيره من المعدومين. وعليه فلو جاز الانتفاع بإعدام العين كان تضييعا لحقّ سائر البطون ، والمفروض تعلق غرض الواقف برعاية حقّهم ، فلا يجوز اختصاص الطبقة الموجودة بالإتلاف.

الثاني : أنّ جواز اختصاص البطن الموجود بإتلاف العين يستلزم جواز بيعها والاستقلال بالتصرف في ثمنها حتى في غير حال طروء الخراب عليها.

ووجه الاستلزام كون إتلاف الوقف وبيعه تصرّفا في مال تعلّق به حقّ الغير

٦٢٤

ـ فمع منافاته (١) لحقّ سائر البطون (*) ـ يستلزم (٢) جواز [٢] بيع البطن الأوّل ، إذ (٣) لا فرق بين إتلافه ونقله.

______________________________________________________

أعني به البطون المتأخرة. ولا ريب في منع نقل الوقف إلى الغير مع قابليته لانتفاع كافة الطبقات به تحقيقا لغرض الواقف ، فيتعيّن منع الشقّ الثاني ، وهو جواز إتلافه بانتفاع الطبقة الموجودة.

(١) أي : مع منافاة الثاني ـ وهو أن يجوز للبطن الموجود إتلاف الوقف واستقلاله بالانتفاع به ـ لحقّ سائر البطون. وهذا هو الوجه الأوّل المتقدم آنفا.

(٢) هذا ثاني الوجهين المتقدمين. ووجه الاستلزام ما عرفته من كون كلّ من البيع والإتلاف تصرّفا في مال متعلّق لحقّ الغير.

(٣) تعليل للاستلزام المزبور.

__________________

(*) يمكن أن يقال : إنّ حقّ البطون اللّاحقة منوط ببقاء العين مع إمكان الانتفاع بها. وأمّا إذا خرجت عن الانتفاع فلم يثبت حقّهم ، هذا.

ثم إنّه كان المناسب التعليل بتضييع حقّ الله وحق الواقف في هذه الصورة ، وعدم الاكتفاء بمنافاته لحق سائر البطون.

نعم تقدم الكلام في مانعية هذه الحقوق عن البيع ، فراجع (ص ٥٢٦).

(**) لم يظهر وجه هذا الاستلزام. فإن كان طروء الخراب على الوقف في زمان البطن الأوّل ، كان حالهم حال البطن اللاحق في جواز بيع الوقف لهم. وإن لم يطرء الخراب في زمان البطن الأوّل ، فما الموجب لجواز بيعهم للوقف؟

وبالجملة : الاستلزام المزبور في غاية الخفاء ، هذا.

لكن يتضح وجه الاستلزام بما ذكر في التوضيح من أنّ الظاهر إرادة جواز البيع في حال عمران الوقف ، ضرورة أنّه لو جاز التصرف بالإتلاف لجاز بالبيع ، إذ لا فرق بينهما من جهة صدق التصرف. نعم لا ملازمة بينهما كلّية ، فإنّ المباحات الأصلية أو المالكية يجوز إتلافها دون بيعها.

٦٢٥

والثالث (١) هو المطلوب.

نعم ، يمكن أن يقال (٢) إذا كان الوقف ممّا لا يبقى بحسب استعداده العاديّ (٣) إلى آخر البطون ، فلا وجه لمراعاتهم (٤) بتبديله بما يبقى لهم (٥) ، فينتهي (٦) ملكه إلى من أدرك آخر أزمنة بقائه ، فتأمّل (٧).

______________________________________________________

(١) معطوف على «والأوّل» والمراد بالثالث جواز بيع الوقف الخراب وتبديله بما يبقى لينتفع به الكلّ.

(٢) استدراك على ما أفاده من اقتضاء حرمة تضييع المال ـ ومنافاته للحقوق الثلاثة ـ لجواز البيع والتبديل. وحاصل الاستدراك : منع تعلق الحقّ مطلقا وفي جميع الموارد ، لكون الدليل أخصّ من المدّعى.

وبيانه : أنّ بعض الأوقاف يستعدّ البقاء إلى أمد معيّن ، وينتهي أمره إلى الخراب والبوار ، والواقف وإن اعتبر الدوام في إنشائه لينتفع به البطون المعدومة ، إلّا أنّه لعلمه بعدم بقاء العين إلى الأبد يقصد حبسها إلى زمان قابليتها للبقاء عادة. فإذا كان بناء الدار الموقوفة ممّا يبقى مائة عام كان الموقوف عليهم بطونا ثلاثة مثلا لا أزيد ، فإن خربت في عهد البطن الثالث فهي ملك لهم ، ولا حقّ للطبقات المتأخرة فيها حتى يجب تبديلها بوقف آخر ، بل يجوز للبطن البائع التصرف في الثمن بتمامه.

وكذا الحال في وقف الحيوان الذي يعيش عادة الى أمد ، ويفنى.

(٣) لأنّ مصير الموجود المادّي إلى الفناء والبوار.

(٤) أي : لمراعاة البطون التي اعتبر الواقف انتفاعها بالوقف ، كقوله : «هذه الدار وقف لأولادي نسلا بعد نسل ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها» مع استعداد بقائها مائة عام مثلا ، فلا حقّ للبطن الرابع والخامس حتى يجب رعايته بتبديل الدار الخربة بمثلها ، أو بما يكون أقرب إلى غرض الواقف.

(٥) أي : للبطون المتأخرة عن عمر الوقف بحسب العادة.

(٦) يعني : فيصير الوقف الخاص ملكا طلقا للبطن الذي أدرك آخر أزمنة بقاء الوقف ، فيستقلّ به ، ولا حقّ للبطن المعدوم ـ كالرابع والخامس في المثال المتقدم ـ فيه.

(٧) لعلّه إشارة إلى منع عدم تعلق حقّ البطون اللاحقة بما انتهى أمده ، ضرورة أنّ ماليته باقية ، ولا مانع من تعلق حقّهم بماليّته ، فيشترى بثمنه ما يبقى للبطون المعدومة.

ولو سلّم عدم تعلق حقّهم به بالنسبة إلى ما بعد زمان استعداد البقاء ، لم يكن وجه

٦٢٦

وكيف كان (١) ، فمع فرض ثبوت الحقّ للبطون اللاحقة ، لا وجه [فلا وجه] لترخيص البطن الموجود في إتلافه.

وممّا ذكرنا (٢) يظهر أنّ الثمن على تقدير البيع (٣) لا يخصّ به البطن الموجود ،

______________________________________________________

لصيرورته ملكا للبطن الموجود ، بل اللازم الحكم بعوده إلى الواقف أو وارثه ، لانتفاء السبب المخرج للوقف عن ملك الواقف إلى ملك آخر من ينتفع بالوقف ، فهو كالوقف المنقطع ، ويعود إلى الواقف ، إلّا بقيام الدليل على عدم عوده إليه.

وعلى هذا فما تقدّم ـ من جواز البيع والتبديل رعاية للحقوق الثلاثة ـ هو المتعيّن.

(١) يعني : سواء قلنا بتعيّن بيع الوقف أم بجوازه ، فلا وجه لتجويز إتلافه للبطن الموجود ، لفرض تعلق حق البطون اللاحقة به ، بل يدور الأمر ـ بناء على عدم تعيّن النقل ـ بين جواز البيع وتركه بحاله حتى يتلف. هذا.

والعبارة لا تخلو من شي‌ء ، ولعلّ الأولى إسقاط : «وكيف كان».

هذا تمام الكلام في إثبات جواز بيع الوقف في الصورة الاولى ، وسيأتي ما يتفرّع عليه.

(٢) أي : ومن كون العين الموقوفة متعلقة لحقّ البطون المعدومة يظهر أن الثمن ..

إلخ. وهذا أوّل الفروع المترتبة على جواز البيع ، وهو : أنّ العوض هل يختص بالبطن الموجود ، أم هو ملك للبطون على حذو ملكيّة المعوّض؟ فيه قولان :

أحدهما : انتقال الثمن إلى الطبقة الموجودة خاصة ، وهو ظاهر عبائر جمع ، كما سيأتي ذكره في المتن.

ثانيهما : أنّ الثمن قائم مقام المبيع في كونه ملكا فعليا للموجودين من الموقوف عليهم ، وشأنيا للمعدومين منهم ، وهو ظاهر جماعة ، واختاره شيخنا الأعظم مستدلّا عليه بأنّه مقتضى بدلية الثمن عن المثمن ، وسيأتي توضيحه.

(٣) كذا في النسخ ، لكن في حاشية المحقق الإيرواني قدس‌سره «على تقدير المنع» وفسّره بقوله : «يعني : على تقدير منع البطن الموجود من إتلاف العين الذي من مصاديقه بيعه وصرف ثمنه ..» (١) والمفاد واحد ، وهو عدم استقلال الطبقة الموجودة بالثمن لو بيع الوقف.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٧٥.

٦٢٧

وفاقا لمن تقدّم ممّن يظهر منه ذلك ـ كالإسكافي (١) ، والعلّامة (٢) ، وولده (٣) ، والشهيدين (٤) ، والمحقّق الثاني (٥) ، وحكي عن التنقيح والمقتصر ومجمع الفائدة (٦)

______________________________________________________

(١) حيث قال في كلامه المتقدم في (ص ٥٤٧) : «.. لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته ، فلا بأس ببيعه ، وإبدال مكانه بثمنه إن أمكن» لدلالة الجملة الأخيرة على إبدال العين الموقوفة بما يقوم مقامها ليسبّل منفعتها.

(٢) كقوله في التحرير : «ولو قيل بجواز البيع .. ويشترى بثمنه ما يكون وقفا كان وجها» فراجع (ص ٥٦٥ ـ ٥٦٦).

(٣) كقوله : «.. والأصحّ عندي جواز بيعه ، وصرف ثمنه في المماثل» فراجع (ص ٥٤٧).

(٤) لم يتقدّم في ما نقله المصنف عن الشهيد قدس‌سره في اللمعة وغاية المراد والدروس ما يظهر منه حكم الثمن. ولكنّه قدس‌سره صرّح به في غاية المراد في مسألة الجناية على العبد الموقوف ـ بعد الاستدلال عليه بأنّ القيمة بدل من العين ، وأنّ الإبدال أقرب إلى التأبيد الذي هو مراد الواقف ـ بقوله : «والأقرب أنّ البدل يجب كونه من جنس الموقوف ، لأنّه أقرب إلى الوقف .. وحينئذ تجب المساواة في الذكورة والأنوثة ، وإن أمكن المساواة في باقي الصفات أو معظمها فهو أولى» (١).

وحكى السيد العاملي عن حواشيه وجوب شراء المماثل إن أمكن ، فراجع (٢).

وكذا صرّح الشهيد الثاني قدس‌سره بوجوب صرف الثمن في شراء ما يكون وقفا على ذلك الوجه ، فراجع (٣).

(٥) صرّح به في عبارته المتقدمة في (ص ٥٦٩) فراجع.

(٦) الحاكي عن الفاضل المقداد وأبي العباس ابن فهد والمحقق الأردبيلي قدس‌سرهم هو السيد العاملي قدس‌سره ، في البيع والوقف (٤). وحكاه صاحب المقابس قدس‌سره عن التنقيح

__________________

(١) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤١ و ٤٤٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٩.

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٧٠ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٥ ، حاشية الإرشاد المطبوعة مع غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢.

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٩ ، وج ٩ ، ص ٨٩ ، لاحظ التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٣٠ ، المقتصر ، ص ٢١٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٩.

٦٢٨

لاقتضاء البدليّة ذلك (١) ، فإنّ (٢) المبيع إذا كان ملكا للموجودين

______________________________________________________

والمقتصر ، فراجع (١).

(١) أي : عدم اختصاص الثمن بالبطن الموجود ، وكونه مشتركا بين الكلّ.

ثم إنّ ظاهر كلام المصنف قدس‌سره الاستدلال على الاشتراك في الثمن بوجه واحد ، وهو قوله : «فإنّ المبيع .. إلخ» إلّا أنّه يظهر بالتأمّل فيه ـ كما نبّه عليه المحقق الأصفهاني قدس‌سره (٢) وجهان :

أحدهما : ناظر إلى عدم المقتضي للاختصاص ، وهو ما سيأتي بقوله : «وفيه أن ما ينقل إلى المشتري ..».

وثانيهما : ناظر إلى وجود المانع عنه ، أعني به تعلّق حق المعدومين بالعين. وهو قوله : «فإنّ المبيع ..» ثمّ أكّد المصنف الاشتراك بالأولوية من موردين ، وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.

(٢) تعليل لكون مقتضى البدلية اشتراك البطون في الثمن ، لوجود المانع من الاختصاص ، وتوضيحه ببيان أمرين :

أحدهما : أنّ ما أنشأه الواقف ـ في الوقف الخاص ـ من جعل العين ملكا ترتيبيا للطبقات ينحلّ إلى نحوين من الملكية.

الأوّل : كون الوقف ملكا فعليا للبطن الموجود.

الثاني : كونه ملكا شأنيا للطبقات المعدومة حال الإنشاء ، وتتوقف فعليته على انقضاء البطن السابق.

والوجه في الالتزام بالملك الشأني هو امتناع فعلية الملكية مع كون المالك معدوما فعلا ، فإنّ الملك نسبة بين المالك والمملوك. لكن الملك الشأني ممكن ، وهو مقتضى جعل الواقف.

ثانيهما : أنّ البيع مبادلة مال بمال في جهة ما لكلّ من المالين من إضافة إلى صاحبه. فلا يتصوّر خروج المثمن عن ملك شخص وعدم دخول الثمن في ملكه ، أو دخوله في

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٦.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٦٥.

٦٢٩

بالفعل (١) وللمعدومين بالقوّة ، كان (٢) الثمن كذلك ، فإنّ (٣) الملكيّة اعتبار عرفي أو شرعي (٤) يلاحظها المعتبر عند تحقّق أسبابها (٥). فكما أنّ الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف ، فكذلك المعدوم مالك له شأنا بمقتضى تمليك الواقف. وعدم تعقّل (٦) الملك للمعدوم إنّما هو في الملك الفعلي لا الشأني.

______________________________________________________

ملك شخص آخر ، ولذا وجّهوا مسألة من قال : «اشتر بهذا المال طعاما لنفسك» بالتوكيل ونحوه ممّا لا ينافي حقيقة المعاوضة ، كما تقدم تفصيله في تنبيهات المعاطاة (١).

وبناء على هذين الأمرين يتعيّن القول بصيرورة الثمن مشتركا بين الموجود والمعدوم من البطون ، فهو ملك فعلي للموجود وشأني للمعدوم ، فلا يجوز صرفه وإتلافه للطبقة الحاضرة ، لمنافاته لما اعتبره الواقف ، والمفروض أنّ الوقوف على حسب ما يقفها أهلها ، هذا.

(١) متعلق ب «ملكا» أي : ملكا فعليا للموجودين من الموقوف عليهم. ومنشأ كون الوقف ملكا فعليا للموجود وشأنيا للمعدوم هو اعتبار الواقف وجعله العين ملكا للطبقات.

(٢) جواب «إذا كان» والوجه في الملازمة بين الشرط وجوابه هو اقتضاء حقيقة المعاوضة تعنون الثمن بما كان للمثمن من عنوان وإضافة.

(٣) هذا تقريب انحلال إنشاء الواقف بمثل «هذا وقف على ذرّيّتي» إلى ملكيتين فعلية وشأنية ، ومحصّله : أنّ الملكية المبحوث عنها ليست من الأمور المقولية المتأصلة ، بل هي أمر اعتباري ، أمرها بيد المعتبر. نعم قد تختلف الأنظار ، فقد يعتبرها العرف دون الشرع ، لكن في مثل المقام ورد الدليل على إمضاء ما عليه العرف ، لكون الوقف من الاعتباريات المتداولة عند العقلاء والملل.

(٤) كاعتبار ملكية الوارث شرعا عند ارتداد المورّث ، وكاعتبار ملكية الخمر عرفا لا شرعا.

(٥) من حيازة مباح ، أو عقد بيع ، أو موت مورّث ، وغيرها من الأسباب المملّكة عرفا أو شرعا ، كالوقف.

(٦) هذا دفع توهم استحالة كون البطون اللاحقة مالكة كمالكية البطن الموجود ،

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ١٠٤.

٦٣٠

ودعوى (١) أنّ الملك الشأني ليس شيئا محقّقا موجودا ، يكذّبها (٢) إنشاء الواقف له (٣) كإنشائه لملك الموجود.

فلو جاز (٤) أن تخرج العين الموقوفة إلى ملك الغير

______________________________________________________

إذ الملكية نسبة قائمة بالمنتسبين ، ولا ملك للمعدوم.

ومحصل الدفع : أنّ الممتنع هو الملكية الفعلية ، لا الشأنية ، فإنّها ممكنة بل واقعة خارجا ، ويترتب الأثر عليها شرعا.

(١) غرض المدّعي : أنه سلّمنا إمكان الملك الشأني للمعدوم ، إلّا أنّه ليس شيئا محقّقا موجودا ، والموجود في وعاء الاعتبار هو الملك الفعلي للطبقة الموجودة. وعليه فلو طرء مسوّغ البيع اختصت هي بالثمن ، ولم يشاركها البطون المتأخرة حتى يجب التبديل.

وأجاب المصنف قدس‌سره عن الدعوى بمخالفتها للوجدان ، فإنّ الواقف يجعل العين ملكا للموجود والمعدوم. ولو لم يكن مقصوده ملكيتها اقتضائيا للمعدومين ـ والمفروض استحالة ملكيتهم بالفعل ـ لزم اختصاص العين بالموجودين حال عمرانها وقبل طروء الخراب ، مع أنّ تعلق ملك البطون بها إجماعي. ولو كانت الملكية الشأنية ممتنعة لم يعقل الفرق بين حالتي العمران والخراب. وعليه فلا مجال لإنكار مالكية المعدوم شأنا.

(٢) خبر «دعوى» والحاصل : أنّ تسلّم أمرين يلزمنا القول بالملك الشأني.

أحدهما : كون الملكية من اعتبارات العرف والشرع ، فقد يكون المعتبر فعليا ، وقد يكون شأنيا ، وقد يكون مؤلّفا منهما كما في المقام بحسب الطبقات.

ثانيهما : كون إنشاء الواقف متكفّلا لكلّ من الملك الفعلي والشأني ، والمفروض مطابقة الإمضاء للإنشاء.

(٣) أي : للملك الشأني للمعدومين ، كإنشائه للملك الفعلي للموجودين.

(٤) هذا متفرع على كون تمليك العين للطبقات اعتبارا للملك الفعلي للموجود ، وللشأني للمعدوم. وهو قياس اقتراني مؤلّف من ملزوم ولازم ، وحيث إنّ اللازم ـ وهو التالي ـ باطل جزما ، فكذا المقدم ، ويثبت المطلوب وهو اشتراك الثمن بين الكلّ.

وبيانه : أنّه لو قيل باختصاص الثمن بالموجود ، ولم نقل بملكيته الشأنية للمعدومين ، لزم عدم تحقق مفهوم المعاوضة ، وحيث لم تصدق المبادلة والمعاوضة فلا بدّ من الالتزام

٦٣١

بعوض لا يدخل (١) في ملك المعدوم على نهج (٢) دخول المعوّض ، جاز (٣) أن تخرج بعوض لا يدخل (٤) في ملك الموجود. وإليه (٥) أشار الشهيد قدس‌سره في الفرع الآتي ، حيث قال : «إنّه ـ يعني الثمن ـ صار مملوكا على حدّ الملك الأوّل (٦) ، إذ يستحيل (٧) أن يملك لا على حدّه» (١).

خلافا (٨) لظاهر بعض العبائر المتقدّمة ،

______________________________________________________

بخروج الوقف عن ملك الطبقة الحاضرة وعدم دخول الثمن في ملكها فعلا.

ووجه الملازمة : أنّه بعد تسلّم كون الوقف ملكا فعليا وشأنيا ، فإن قام البدل مقام المبدل في الفعلية والشأنية فلا كلام. وإن لم يحلّ محلّه ـ أي لم يكن ملكا شأنيا للمعدوم ـ لم يتحقق عنوان المعاوضة ، فليكن الثمن باقيا على ملك المشتري ولم ينتقل إلى البطن الموجود فعلا ، كما لم ينتقل إلى المعدوم شأنا ، إذ المهم عدم صدق البيع والمبادلة بين المالين.

مع أنّه لا ريب في فساد هذا التالي ، وأنه لا بدّ من قيام الثمن مقام المثمن في ما كان له من إضافة في ملك ـ فعلا أو شأنا ـ أو في حقّ ، أو في غيرهما.

(١) صفة للعوض.

(٢) متعلق ب «ملك» أي : دخول العوض في ملك المعدومين شأنا ، كما كان شأن المعوّض قبل البيع.

(٣) جواب الشرط في «فلو جاز» وقد تقدم وجه الملازمة آنفا.

(٤) صفة للعوض ، وضمير «تخرج» راجع إلى العين الموقوفة.

(٥) الظاهر رجوع الضمير إلى عدم اختصاص الثمن بالموجودين ، وسيأتي كلام الشهيد قدس‌سره في (ص ٦٤٥).

(٦) وحدّه كونه مشتركا بين الموجود والمعدوم.

(٧) وجه الاستحالة اقتضاء مفهوم المعاوضة قيام الثمن مقام المثمن بما له من الخصوصية.

(٨) هذا عدل لقوله : «وفاقا لمن تقدّم» وغرضه الإشارة إلى القول الثاني في

__________________

(١) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤٢.

٦٣٢

واختاره (١) المحقّق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول.

______________________________________________________

المسألة ، وهو اختصاص الثمن بالبطن الموجود ، كقول الشيخ المفيد قدس‌سره في (ص ٥٥٧) : «إلّا أن يخرب الوقف .. فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه ، وكذلك إن حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه». فإنّ ظاهره اختصاص الثمن بالموجودين ، خصوصا مع اقترانه بجواز البيع عند الحاجة الشديدة إلى الثمن ، الّذي حكموا فيه بكون الثمن لهم. ونحوه قول السيد قدس‌سره في (ص ٥٥٩) : «وممّا انفردت الإمامية به : القول بأن الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا ، جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه» ولا يبعد استفادته من كلام الديلمي ، فراجع (ص ٥٦٣).

(١) يعني : اختار المحقق اختصاص بدل الموقوفة بالبطن الموجود ، كما تعرّض له في مستحقّ دية العبد الموقوف المقتول. وحيث إنّه لا خصوصية للعبد الموقوف كان اختصاص الثمن بالبطن الموجود حكم الوقف مطلقا عبدا كان أو دارا أو غيرهما.

قال قدس‌سره في العبد الموقوف ـ إن لم يقتصّ من الجاني ، وإنّما تجب عليه الدية كما إذا كان حرّا ـ ما لفظه : «وإن أوجبت ـ أي الجناية ـ دية أخذت من الجاني. وهل يقام بها مقامه؟ قيل : نعم ، لأنّ الدية عوض رقبته ، وهي ملك للبطون. وقيل : لا ، بل تكون للموجودين من الموقوف عليهم. وهو أشبه ، لأنّ الوقف لم يتناول القيمة» (١).

وقال السيد العاملي قدس‌سره ـ في شرح ما احتمله العلّامة قدس‌سره من اختصاص الدية بالموجودين ـ ما لفظه : «كما جزم به في التبصرة ، وقوّاه في المبسوط ، وفي الشرائع : أنه أشبه. وفي التحرير : أقرب. وفي الإيضاح : أنه قوي ، لأنّ الوقف ابتداء متعلق بالعين ، وقد بطلت بإتلافه ، فامتنع أن يكون لمن سيوجد من البطون فيه حق ، لأنّهم حال الجناية غير مستحقين ، وإذا صاروا مستحقين يخرج التالف عن كونه وقفا ..» (٢).

وقريب منه ما في الجواهر ، فراجع (٣).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢١٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٩٧.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٩٨.

٦٣٣

ولعلّ وجهه (١) أنّ الوقف ملك للبطن الموجود ، غاية الأمر تعلّق حقّ البطون اللاحقة به ، فإذا فرض جواز (٢) بيعه انتقل الثمن إلى من هو مالك له فعلا ، ولا يلزم (٣) من تعلّق الحقّ بعين المبيع تعلّقه بالثمن ، ولا دليل عليه (٤). ومجرّد (٥) البدليّة لا يوجب ترتّب جميع اللوازم ، إذ لا عموم لفظيّ يقتضي البدلية والتنزيل ، بل هو بدل له في الملكيّة وما يتبعها (٦) من حيث هو ملك.

وفيه (٧) : أنّ ما ينقل إلى المشتري

______________________________________________________

(١) أي : وجه اختصاص البدل بالموجودين ، وهذا الوجه ـ كما تقدّم آنفا ـ أشار إليه فخر المحققين قدس‌سره ، ومحصله : أنّ العين الموقوفة ملك فعلي للموجودين ، وليس للمعدومين إلّا حقّ في العين ، وحيث إنّ المفروض جواز بيعها ، فإن نهض دليل على قيام البدل مقام المبدل في جميع الخصوصيات التي منها استحقاق المعدومين له على حدّ استحقاقهم للمبدل فهو. وإن لم تقم حجة على إطلاق البدلية كما هو المفروض ، وكذلك لم تقتض نفس البدلية لترتب جميع آثار المبدل ، على البدل ، لم يكن موجب للقول باشتراك جميع الطبقات في الثمن. هذا.

(٢) لما عرفت من أنّ إبقاء الوقف إلى أن يتلف بنفسه تضييع محرّم.

(٣) هذا دفع توهم اقتضاء نفس البدلية ـ ثبوتا ـ لترتيب لوازم المبدل على البدل. فإذا كان الثمن بدلا عن الوقف كان كالمثمن ملكا للجميع.

ومحصل الدفع ما عرفته من منع اقتضاء البدلية الشركة في كافة الآثار ، كما لا دليل عليه في مرحلة الإثبات.

(٤) أي : على تعلق حقّ البطون بالثمن.

(٥) هذا بيان لما أفاده من عدم استلزام تعلق الحق بالوقف تعلقه بالثمن.

(٦) أي : ما يتبع الملكية من ثبوت السلطنة على الثمن وجواز التصرف المشروعة فيه.

(٧) غرضه المناقشة في ما وجّه به اختصاص الثمن ـ أو دية العبد المقتول ـ بالموجودين ، وتوضيحها ببيان أمرين :

الأوّل : أنّ ملكية الوقف للموجودين من الموقوف عليهم وإن كانت فعلية ، لكنها تختلف عن الملكية الحاصلة بأسباب اخرى كالحيازة والإرث والعقود الناقلة من البيع وشبهه.

٦٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والفارق هو : كونها في الوقف محدودة ببقاء الطبقة الاولى ، وبانقضائها يصير الوقف ملكا فعليا للطبقة الثانية ، وهكذا ، والكلّ يتلقّون الملك من الواقف ، وليس كالإرث بحيث ينتقل الوقف من السابق إلى اللّاحق. والموجب لكون ملكية الموقوف عليهم موقّتة ـ من حيث المنتهى ـ بحال حياة الطبقة الحاضرة هو جعل الواقف وتمليك ماله لهم بهذا النحو ، ولذا لا يجوز للبطن الفعلي التصرف في الوقف بما يزيد على زمان حياته ، كما إذا آجر الدار الموقوفة لمدة خمسين عاما وقد انقرض الموجر بعد أربعين عاما ، فإنّ الإجارة فضولية بالنسبة إلى عشرة أعوام ، وللبطن المتأخر الإجازة والرّد.

قال المحقق قدس‌سره : «إذا آجر البطن الأوّل الوقف مدّة ، ثم انقرضوا في أثنائها. فإن قلنا : الموت يبطل الإجارة فلا كلام. وإن لم نقل ، فهل يبطل هنا؟ فيه تردد ، أظهره البطلان ، لأنّا بيّنا أن هذه المدة ليست للموجودين ، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجازة في الباقي ، وبين الفسخ فيه» (١).

وقوله : «فيكون .. بالخيار» قرينة على أنّ المراد بالبطلان في قوله : «أظهره البطلان» عدم اللزوم ، لكون الإجارة فضولية ، وليس مراده الفساد المقابل للصحة فعلا وتأهّلا.

الثاني : أنّهم اعتبروا في البيع إنشاء التمليك المرسل غير المحدود بزمان أو زماني ، فلا يصح بيع المال إلى عشر سنين.

وبناء على هذين الأمرين نقول : إنّه لا مقتضي للقول باختصاص الثمن بالموجودين ، وذلك لأنّ البطن البائع إمّا أن يملّك الوقف ـ للمشتري ـ مقيّدا باختصاصه وهو ملكه الفعلي المختص بزمان حياته ، وإمّا أن يملّكه مرسلا وغير محدود ، أي نقل العين بمالها من الاختصاص الفعلي به ، والشأني بالبطون اللاحقة. فينشئ البيع لنفسه بالأصالة لكونه مالكا بالفعل ، وللمعدومين بالولاية الحاصلة من إذن الحاكم الشرعي مثلا.

فعلى الأوّل يلزم كون تملّك المشتري مغيّا ببقاء البطن البائع ، لفرض اقتصاره على نقل ملكيته الفعلية ، وتنتهي بالموت ، ولا بد من عود المبيع إلى الطبقة اللاحقة ، وصيرورته ملكا لها لكونها مالكة بالفعل. مع أنه لا سبيل للالتزام بهذا التالي الباطل.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٢١.

٦٣٥

إن كان هو الاختصاص الموقّت (١) الثابت للبطن الموجود ، لزم (٢) منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق [البائع] إلى البطن اللّاحق ، فلا يملكه المشتري ملكا مستمرّا (٣). وإن كان (٤) هو مطلق الاختصاص المستقرّ الذي لا يزول إلّا بالناقل (٥) ، فهو (٦) لا يكون إلّا بثبوت جميع الاختصاص الحاصلة للبطون له ، فالثمن لهم على

______________________________________________________

وعلى الثاني ـ وهو نقل الوقف بجميع اختصاصاته إلى المشتري ـ يثبت المطلوب ، وهو قيام الثمن مقام المثمن ، لكونه مقتضى المعاوضة. فيصير ملكا فعليا للموجودين وشأنيا لغيرهم ، ولا موجب لاختصاصه بالبطن البائع. ويجب شراء شي‌ء آخر بهذا الثمن ليكون وقفا ينتفع به جميع الطبقات ، هذا.

ومما ذكر ظهر أنّ المناقشة المزبورة ناظرة إلى نفي المقتضي لاختصاص الثمن بالموجودين ، لكون ملكية كل طبقة محدودة بحياتها ، كما أنّ ما تقدّم من الوجه الأوّل في (ص ٦٢٩) ناظر إلى وجود المانع عنه ، فلاحظ.

(١) المراد بالاختصاص الموقّت هو ملك البطن الموجود فعلا ، والمفروض امتناع وقوع البيع عليه.

(٢) جواب الشرط في «إن كان» ووجه اللزوم ما تقدّم آنفا من أن التمليك المحدود ينتهي ببلوغ أمده ، وحيث كان الثمن مقابل هذا التمليك المؤقّت ، فلا بد من رجوع المبيع ـ بعد انقراض البطن البائع ـ إلى مالكه الفعلي وهو البطن اللاحق. مع أن بطلان هذا الرجوع من الواضحات.

هذا مضافا إلى ما ينبّه عليه الماتن هنا من أنّ التمليك في البيع مرسل لا مقيّد بزمان أو زماني.

(٣) مع أنّه لا دليل على صحة تملك المشتري للمبيع في مدّه موقتة.

(٤) معطوف على «إن كان» وإشارة إلى الشقّ الثاني المتقدم آنفا ، ولازمه أن يسدّ الثمن مسدّ المبيع في كونه ملكا فعليا للموجودين وشأنيا للمعدومين.

(٥) كالبيع والهبة والإرث ، ولا يزول بانقراض البطن البائع ، لكون ملك المشتري مرسلا حسب الفرض.

(٦) أي : فاختصاص المبيع بالمشتري اختصاصا مستمرا مستقرا ـ لا ينقطع بموت البطن البائع ـ لا يكون إلّا بثبوت جميع الاختصاصات .. إلخ.

٦٣٦

نحو المثمن (١).

وممّا ذكرنا (٢) تعرف أنّ اشتراك البطون في الثمن أولى

______________________________________________________

(١) فهو ملك فعلي للموجودين وشأني للمعدومين.

هذا ما استدلّ به المصنف قدس‌سره على اشتراك الثمن ، واستشهد عليه بالأولوية من الاشتراك في موردين كما سيأتي ، وهما دية العبد المقتول ، وبدل الرهن.

(٢) أي : من أنّ المنقول إلى المشتري لمّا كان مرسلا غير محدود بحياة الطبقة الموجودة ، فلا بدّ من كون الثمن مشتركا بين الكل. وغرضه قدس‌سره التمسك بالأولوية لإثبات شركة جميع الطبقات في ثمن الوقف. وبيانه : أنّ الفقهاء اختلفوا في حكم دية العبد الموقوف المقتول على قولين ، فمنهم من خصّها بالموجودين كما تقدم في (ص ٦٣٣) من المحقّق وجماعة ، ومنهم من جعلها للجميع ، فهي ملك فعلي للموجودين وشأني للمعدومين كنفس العين الموقوفة.

قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «انّ الدية عوض رقبته ، والرقبة ليست ملكا تامّا للموجودين ، بل للبطون فيها حقّ وإن لم يكن بالفعل ، لكنّه بالقوة القريبة منه ..

فلا سبيل إلى إبطال حقّهم ، وحينئذ فيجب أن يشترى به ـ أي بالعوض وهو الدية ـ عبد أو بعض عبد يكون وقفا ، إبقاء للوقف بحسب الإمكان ، وصيانة له عن الإبطال .. إلخ» (١). ومحصّله : أنّ الدية بدل رقبة العبد الموقوف المقتول ، فتقوم مقام العبد في الوقفية واشتراك الكلّ فيها.

ووجه أولوية المقام ـ أعني به ثمن الوقف المبيع ـ من الدية هو : أنّ الدية بدل شرعي حكم بها بعد تلف العين ، ونفس بدليتها لا تقتضي اتحادها مع الرقبة حكما.

فإن قامت الحجة على الاتحاد ـ كما ادّعاه الشهيد الثاني قدس‌سره ـ قيل بالشركة تعبدا.

وإن لم تقم ـ كما ذهب إليه جمع ـ قيل باختصاص بالبطن الموجود ، وعدم سراية حكم العبد إلى ديته. وهذا بخلاف ثمن الوقف ، فإنّ مقتضى مفهوم المعاوضة وحدة حكم الثمن والمثمن ، ولا يعقل اختصاص العوض بالموجودين مع عدم اختصاص المعوّض بهم.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٨٥ ، وقواه في تعليقه على الإرشاد ، لاحظ غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٤١

٦٣٧

من اشتراكهم (١) في دية العبد المقتول ، حيث إنّه (٢) بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا (٣) عن تلف الوقف ، فجاز (٤) عقلا منع سراية حقّ البطون اللاحقة إليه (*).

______________________________________________________

والحاصل : أن وجوب الدية أمر ، وكونها بدلا عن العبد في جميع خصوصياته أمر آخر ، والدليل على الأوّل قاصر عن إثبات الثاني. بخلاف عوض المبيع ، لاقتضاء المعاوضة بدليّة العوض في كلّ إضافة قائمة بالمعوّض.

(١) يلوح من هذه الكلمة ابتناء أولوية ثمن الوقف من الدية على القول باشتراك البطون فيها. وأمّا بناء على اختصاصها بالموجودين فالوجه في الشركة في الثمن قضاء مفهوم المبادلة.

(٢) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى الدية ، وتذكير الضمير باعتبار الخبر وهو «بدل».

(٣) إذ لا معنى لدية النفس إلّا بعد تلف العبد الموقوف ، وهذا بخلاف الثمن ، لعدم تأخّر عوضية الثمن عن معوضية المبيع.

(٤) هذا متفرع على كون الدية بدلا شرعيا لا تقتضيه ذات الجناية على العبد الموقوف ، بل تتوقف على الجعل والتعبد.

__________________

(*) لا يخفى ما فيه ، إذ لم يدّع أحد استحالة منع السراية حتى لا يسمع بدعوى إمكان منع السراية.

وبالجملة : لا امتناع عقلا في شي‌ء من السراية وعدمها حتى يقال بإمكان عدم السراية. لكن مجرّد إمكان عدم السراية عقلا لا يكفي في عدم السراية بعد اقتضاء قاعدة البدلية سراية حق البطون اللاحقة اليه.

ودعوى كون الدية حكما شرعيا لا عوضا حقيقيا ، كما ترى ، لأنّ دية العبد هي قيمته إن لم تتجاوز دية الحرّ ، وإلّا ردّت إليها. فدية العبد هي ماليته. نعم دية الحرّ مجرّد حكم شرعي بالغرامة ، لأنّه ليس مالا مملوكا حتى تكون الدية قيمته.

والحاصل : أنّه لا فرق في كون بدل الوقف كالمبدل متعلّقا لحق البطن الموجود والبطون المعدومة بين الثمن وبين قيمته المسمّاة بالدية.

٦٣٨

بخلاف الثمن ، فإنّه يملكه من (١) يملكه (٢) بنفس خروج الوقف عن ملكهم (٣) على (٤) وجه المعاوضة الحقيقية ، فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختصّ بالمعوّض (٥).

ومن هنا (٦) اتّضح

______________________________________________________

(١) فاعل «يملكه» والمراد بالموصول هو الموقوف عليهم مطلقا ، الموجود منهم والمعدوم.

(٢) الضمير البارز في «يملكه» في المعوضين راجع إلى الثمن. وضمير «فإنّه» للشأن.

(٣) الضمير راجع إلى «من» والجمع باعتبار المعنى أي الموقوف عليهم.

(٤) متعلق ب «يملكه» يعني : أنّ المعاوضة الحقيقية تقتضي الشركة في الثمن.

(٥) المراد بالموصول هو البطن الموجود الذي لم يختص بالمعوّض وإن كان مالكا له بالفعل. ووجه عدم الاختصاص تعلق حق البطون به.

(٦) أي : ومن أولوية ثمن الوقف ـ في عدم الاختصاص بالموجودين ـ من دية العبد اتضح .. ، وهذا بيان لمورد آخر حكموا فيه بقيام البدل مقام المبدل ، وتكون الشركة في ثمن الوقف أولى منه.

توضيحه : أنّ أحكام الوثيقة كما تثبت في الرهن تثبت في عوضها ، فحقّ الرهانة ينتقل إلى البدل.

قال المحقق قدس‌سره : «ولو أتلف الرهن متلف الزم بقيمته ، وتكون رهنا ، ولو أتلفه المرتهن» (١). وصرّح الشهيد الثاني قدس‌سره بعدم الفرق بين كون المتلف هو الراهن أو المرتهن أو الأجنبي (٢). وقال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره : «وكأنّ الحكم إجماعي ، إذ لا نجد فيه خلافا» (٣).

والوجه في تعلق حق الرهانة بالعوض : أنّ الغرض من الرهن الاستيشاق بالعين ليستوفى الدين من قيمتها. فإن بقيت العين على حالها استوفى المرتهن حقّه منها. وإن تلفت ـ على نحو يوجب الضمان ـ كان البدل رهنا ، لأنّه وإن لم يجر عليه عقد الرّهن ، وإنّما

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٨٤ ، ونحوه في قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٢٠ و ١٢٥.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٦٨.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١٩٦.

٦٣٩

أيضا (١) أنّ هذا أولى بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه (٢) رهنا ، لأنّ (٣) حقّ الرهنيّة متعلّق بالعين من حيث (٤) إنّه ملك لمالكه الأوّل ، فجاز أن يرتفع (٥) ـ لا إلى بدل ـ بارتفاع (٦) ملكيّة المالك الأوّل. بخلاف (٧) الاختصاص الثابت للبطن المعدوم ،

______________________________________________________

جرى على المبدل المتلف ، إلّا أنّ مجرّد عوضيّته عن الرهن يقتضي قيام البدل مقامه في كونه وثيقة.

ووجه كون المقام أولى ممّا حكموا به في الرهن هو : أنّ إنشاء الرهن قد تعلّق بالمبدل بما أنّه ملك للمديون ، والمفروض زوال ملكه عنه بسبب التلف ، فيمكن زوال حق الرهانة عنه ، وأن لا يتعلق ببدله الذي هو ملك حادث ، وإنّما أقيم مقامه حفظا لحقّ المرتهن. وهذا بخلاف الوقف ، ضرورة استناد اختصاصه بكل واحد من البطون إلى الواقف ، فهو المملّك للموجودين فعلا ، وللمعدومين شأنا ، ولم يتفرّع حقّ الطبقات اللّاحقة على ملكية الموجودين ليكون نظيرا للرهن ، بل منشأ استحقاق الموقوف عليهم ـ الموجودين والمعدومين ـ هو جعل الواقف. وحينئذ فثبوت حق الطبقات بالثمن على نهج تعلقه بالمبيع أولى من تعلق حق الرهانة بالبدل.

(١) يعني : كما اتّضح أولوية الشركة في ثمن الوقف من اشتراك البطون في دية العبد الموقوف المقتول.

(٢) أي : بكون البدل رهنا بلا خلاف كما ادّعاه السيد العاملي قدس‌سره.

(٣) تعليل لقوله : «أولى» وقد تقدّم توضيح الأولوية آنفا.

(٤) يعني : أنّ هذه الحيثية تقييدية ، فيدور الحق مدارها ، فانتفاؤها يكون من انتفاء الموضوع ، ومن المعلوم انتفاء الحق المتعلق به أيضا.

نعم إن لم يكن الأمر كذلك ، بل كان موضوع الحقّ نفس العين ـ لا من حيث كونها ملكا لشخص خاص كحقّ الجناية ـ فانتقاله عن مالكه إلى غيره لا يوجب سقوط الحق.

(٥) أي : جاز أن يرتفع حقّ الرهانة بانتفاء موضوعه ، وعدم انتقاله إلى البدل.

(٦) متعلق ب «يرتفع».

(٧) وبعبارة أوضح : انّ نسبة البطن المعدوم إلى الوقف كنسبة البطن الموجود إليه في أنّ كلّا منهما يتلقّى الملك من الواقف في رتبة واحدة وإنشاء واحد. فإذا تبدّلت العين

٦٤٠