هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

مسألة (١)

لو باع ما يقبل التملّك وما لا يقبله ـ كالخمر والخنزير (*) ـ صفقة (٢) بثمن

______________________________________________________

بيع ما يملك وما لا يملك

(١) هذه المسألة ذكرت استطرادا ، وليست مرتبطة بمسائل العقد الفضولي إلّا بناء على شمولها لبيع ملكه مع ملك الغير.

(٢) أي : في عقد واحد ، لا بيع كل منهما بعقد مستقل وثمن واحد لكليهما أعني المملوك وغيره.

__________________

(*) هذان مثالان لما لا يكون مالا شرعا ويكون مالا عرفا. والظاهر أنّ العنوان أعمّ من ذلك ، فكلّ ما لا يقبل التملك سواء أكان لعدم ماليته شرعا مع كونه مالا عرفا كالخمر والخنزير ، أم لعدم ماليته عرفا أيضا كالخنافس ، فإنّه لا إشكال في عدم صحة البيع في كلتا الصورتين في ما لا يقبل التملك مطلقا.

وإن شئت فقل : إنّ عدم التملك تارة يكون لعدم قابليّته ذاتا للتملك ، سواء أكان مالا عرفا كالخمر والخنزير أم لم يكن كالخنافس. واخرى لعارض كالوقف ، فإنّه يسقط العين الموقوفة عن صلاحية التملّك ، مع صلاحية الموقوفة كالأرض ذاتا للتملك ، إلّا أنّ عروض عنوان الوقف عليها أسقطها عن هذه الصلاحية فعلا.

وكيف كان فقد استدلّ على صحة بيع المملوك وعدم صحته في غير المملوك بإطلاق المكاتبة الشامل لبيع المملوك وغيره.

وقد أورد على الاستدلال به بوجوه :

أحدها : انصراف الإطلاق إلى بيع ماله مع مال غيره ، لا مع غير المملوك ، فهو دليل على مسألة بيع ماله مع مال غيره.

٦١

واحد ، صحّ (١) في المملوك «عندنا» كما في جامع المقاصد ، و «إجماعا» كما عن الغنية (٢).

______________________________________________________

(١) هذا جواب «لو» وحاصله : أنّ البيع صحيح «عندنا» في ما يقبل التملك ، كما في جامع المقاصد. لكن لم أظفر به ـ بعد الفحص في مواضع منه ـ كما لم أجد نسبته إليه في مفتاح الكرامة والجواهر.

ولعلّ المصنف ظفر به في غير هذه المسألة ، وهي بيع ما يملك وما لا يملك. أو استفاد الحكم من كلام المحقق الثاني قدس‌سره في بيع المملوك وغير المملوك ، وهو : «فلا سبيل إلى القول بالبطلان في الأخير عندنا» فراجع (١).

(٢) يعني : ادّعى السيد ابن زهرة الإجماع صريحا على بيع ما يجوز بيعه إذا بيع معه ـ في صفقة واحدة ـ ما لا يجوز بيعه. فقال : «ويدل على ذلك بعد إجماع الطائفة ظاهر قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)» (٢).

__________________

ثانيها : كون البيع غرريا ، لعدم العلم بمقدار الثمن المقابل للجزء المملوك.

ثالثها : تخلف القصد ، لأنّ ما قصد ـ وهو بيع المجموع ـ لم يقع ، وما وقع وهو بيع المملوك لم يقصد.

رابعها : أنّ اللفظ الواحد لا يقبل التبعيض. وفساد الجزء غير المملوك يسري إلى الجزء المملوك ، فيبطل البيع في الجميع.

خامسها : أنّ الجمع بين بيع ما يقبل التملك وما لا يقبله كالجمع بين الأختين في عقد واحد.

والكلّ كما ترى. إذ في الأوّل ما مرّ في التوضيح.

وفي الثاني : أنّ الغرر المبطل للبيع هو ما إذا كان ذاتا لا عرضا ، كحكم الشارع بعدم وقوع بعض الثمن بإزاء المبيع.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٤٣٢.

(٢) الجوامع الفقهية ، ص ٥٢٣ ، الغنية ، ص ٢٠٩.

٦٢

ويدلّ عليه إطلاق مكاتبة الصفّار المتقدّمة (١).

______________________________________________________

(١) في أدلة بطلان بيع الفضولي ، وهي : روى الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفار «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن على العسكري عليهما‌السلام : في رجل باع قرية ، وإنّما له فيها قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك ، وقد أقرّ له بكلّها. فوقّع عليه‌السلام : لا يجوز

__________________

مضافا إلى ما قيل من : أنّ الغرر القادح في صحّة البيع هو الغرر في حال التسليم والتسلم ، لا حال العقد كما فيما نحن فيه ، لارتفاع الغرر بالتقسيط.

لكنه مشكل ، إذ لازمه صحة بيع كل مجهول يؤول إلى العلم به بعد ذلك. مع القطع بفساده.

وفي الثالث : أنّ قصد بيع المملوك موجود ، لكنه ضمنا لا مستقلّا ، ولا دليل على اعتبار استقلال القصد في العقود. فالانحلال هنا كانحلال التكاليف.

نعم تخلف وصف الانضمام يوجب الخيار في تبعض الصفقة الناشئ من تخلف الشرط الضمني.

وفي الرابع : أنّ اللفظ الواحد إذا أنشأ به أمور متعددة فلا مانع من تبعيضها ، إذ المدار في الانحلال على تعدد متعلق الإنشاء ، كقوله : «أكرم العلماء» فإنّ الأمر ينحل بتعدد العلماء. «فبعت المملوك وغيره» ينحلّ الى بيعين : أحدهما يتعلق بالمملوك ، فيصح ، والآخر : بغير المملوك ، فيبطل.

ويكفي دليلا على الانحلال في مقام الإثبات قوله عليه‌السلام في المكاتبة المزبورة : «وقد وجب الشراء على ما يملك» وإن لم يحتج ذلك إلى مثل هذه المكاتبة ، لكونه من الأمور الارتكازية العقلائية الدائرة بينهم.

وفي الخامس : أنّ فساد عقد الأختين جمعا يستلزم بطلان عقد إحداهما أيضا ، لعدم ترجيح إحداهما على الأخرى. بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ بطلان عقد المجموع لا يقتضي بطلان عقد خصوص المملوك الجامع لشرائط الصحة ، الأجنبي عن الترجيح بلا مرجح.

وإن شئت فقل : انّ الجمع بين الأختين لمّا كان من تقارن السببين المتزاحمين في التأثير ـ مع تساويهما في اقتضائه ـ فلا محالة يسقطان عن التأثير. ومعه يكون المانع عنه ثبوتيا ، فلا مجال لاختيار أحد العقدين بالقرعة كما قيل.

٦٣

ودعوى (١) انصرافه (٢) إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ، ممنوعة (٣) (*) ،

______________________________________________________

بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء على ما يملك» (١).

فإنّ إطلاق «ما ليس يملك» ـ الناشئ من ترك الاستفصال ـ يشمل ما لا يكون قابلا في نفسه للتملك كالوقف ، وما لا يكون قابلا له لكونه مملوكا للغير. وقوله عليه‌السلام : «وقد وجب الشراء على ما يملك» يدل على صحة البيع فيما يملكه البائع.

(١) هذا إشكال على إطلاق قوله عليه‌السلام : «لا يجوز بيع ما ليس يملك» وحاصله : أنّ هذا الإطلاق منصرف إلى خصوص بيع مال الغير مع مال نفسه ، فلا يشمل بيع ما يملكه مع ما لا يقبل التملك. وذلك خلاف فرض المسألة ، وهو بيع ما يملكه مع ما لا يصلح للتملك.

(٢) أي : انصراف إطلاق المكاتبة إلى صورة .. إلخ.

(٣) خبر «دعوى» ودفع لها ، ومحصل الدفع : أنّه لا وجه للانصراف المزبور ، حيث إنّ منشأه غلبة وجود الملك على الوقف ، ومثل هذا الانصراف لا يصلح لتقييد الإطلاق. هذا.

مضافا إلى : أنّه يحتمل أن يكون «يملك» في قوله عليه‌السلام : «لا يجوز بيع ما ليس

__________________

(*) بل الظاهر أنّ السؤال عن بيع ما يملكه من القرية منضمّا إلى ملك الغير. فالمراد من قوله عليه‌السلام : «ليس يملك» ـ بناء على قراءة «يملك» مبنيّا للفاعل كما هو الظاهر ـ مال الغير الّذي لا يملكه البائع ، فتكون المكاتبة دليلا على صحة بيع مال نفسه مع مال الغير ، لا بيع ما يقبل التملك مع ما لا يقبله الذي هو مفروض مسألتنا.

وبالجملة : فلا إطلاق في البين حتى يتجه دعوى انصرافه إلى كون بعض القرية مال الغير ، بل هو ظاهر الكلام.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٥٢ ، الباب ٢ ، ح ١. والصفار من أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام ، وتقدمت الرواية في ج ٤ من هذا الشرح ، ص ٤٨٨.

٦٤

بل (١) لا مانع من جريان قاعدة الصحّة ـ بل اللزوم ـ في العقود ، عدا ما يقال (٢) من : أنّ التراضي والتعاقد إنّما وقع على المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا ، فالحكم بالإمضاء (٣) في البعض

______________________________________________________

يملك» بصيغة المجهول. فإن كان كذلك كانت دلالته أظهر ، ولا يبقى موضوع لدعوى الانصراف.

(١) لم يظهر وجه لهذا الإضراب. فلعلّ الأولى إبداله ب «فلا مانع» متفرعا على شمول إطلاق المكاتبة للمسألة ، يعني : بعد أن صار بيع الجزء المملوك مشمولا لإطلاق المكاتبة لم يكن مانع من التمسك بالأدلة العامة أيضا على صحته ولزومه ، من «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» و «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» وغيرها.

(٢) هذا أحد موانع الصحة في بيع مال نفسه مع ما لا يقبل التملك ، ومحصله : أنّ شرط صحة التجارة بالنسبة إلى بيع المملوك ـ وهو التراضي ـ مفقود ، ضرورة أنّ التراضي وقع على المجموع من بيع المملوك وغيره ، ولم يقع على خصوص بيع البعض المملوك حتى يصحّ.

وليعلم أنّ هذا الاشكال هو الذي أشير إليه في بيع الفضولي (١) مال نفسه منضما إلى مال غيره. وقد ذكره في جامع المقاصد وجها لتقوية العلّامة بطلان البيع بالشرط الفاسد حتى إذا لم يستلزم الجهل بأحد العوضين. ثم نقض المحقق الثاني عليه باستلزامه بطلان البيع في موردين آخرين ، أحدهما : بيع المملوك وغير المملوك ، والآخر : بيع موصوف عند تخلف الوصف ككتابة العبد. مع أنّهم لم يلتزموا بفساد البيع فيهما ، ثم قال : «مع أن التراضي لم يتحقق إلّا على الوجه الذي ليس بواقع. وفي الفرق بينهما عسر» (٢).

(٣) يعني : فحكم الشارع بإمضاء بيع البعض المملوك وصحته ـ مع عدم كونه مقصودا إلّا في ضمن المركّب من المملوك وغيره ـ يحتاج إلى دليل خاص غير الأدلة العامّة الدالة على حكم العقود والشروط والتجارة عن تراض. وذلك الدليل الخاص هو الإجماع أو النص.

__________________

(١) لاحظ : هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٦٠٢.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٤٣١ و ٤٣٢.

٦٥

ـ مع عدم كونه (١) مقصودا إلّا في ضمن المركّب ـ يحتاج إلى دليل آخر (*) غير ما دلّ على حكم العقود والشروط والتجارة عن تراض ، ولذا (٢) حكموا بفساد العقد بفساد شرطه. وقد نبّه عليه (٣) في جامع المقاصد في باب فساد الشرط ، وذكر (٤) «أنّ في الفرق بين فساد الشرط والجزء عسرا» (٥).

______________________________________________________

(١) يعني : مع عدم كون البعض المملوك مقصودا بالاستقلال ، بل هو مقصود في ضمن المجموع المركّب من المملوك وغيره ، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

(٢) أي : ولاحتياج الحكم بإمضاء البيع في البعض المملوك إلى دليل آخر ـ غير الأدلة العامة الدالة على صحة العقود والشروط ـ حكم الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم بفساد العقد بفساد شرطه ، كما نبّه على ذلك في جامع المقاصد في باب فساد الشرط ، وقال : «انّ في الفرق بين الشرط والجزء ـ كالمقام ، لعدم جواز بيع غير المملوك الذي هو جزء المبيع ـ عسرا».

(٣) أي : نبّه على فساد العقد بفساد الشرط المحقق الثاني قدس‌سره في جامع المقاصد.

(٤) أي : ذكر صاحب جامع المقاصد رفع مقامه : أنّ في الفرق .. إلخ.

(٥) لأنّ الشرط مع خروجه عن حقيقة العقد إن كان فساده مفسدا للعقد كان فساد الجزء كالمقام مفسدا للعقد بطريق أولى ، مع أنّهم يقولون بصحة البيع في الجزء المملوك.

__________________

(*) نعم ، لكن يكفي إطلاق المكاتبة في كونه دليلا على ذلك ، حيث إنّها ـ بعد البناء على حجيّتها وتسليم إطلاقها ـ واضحة الدلالة على صحة بيع البعض المملوك ، وانحلال بيع المجموع إلى بيعين بيع المملوك وبيع غيره. بل مع هذا الإطلاق لا حاجة إلى التمسك بعمومات الصحة.

فالإشكال على صحة بيع المملوك «بانتفاء شرط الصحة ، وهو وجود الرضا ببيع البغض بالخصوص ، بل عدم المقتضي لعدم تحقق عقد وبيع بالنسبة إلى المملوك» مندفع بقوله عليه‌السلام في المكاتبة المتقدمة : «وقد وجب الشراء على ما يملك» فإنّه يثبت البيع والعقد بالنسبة إلى المملوك وإن لم يقصد بيعه مستقلا.

٦٦

وتمام الكلام في باب الشروط (*).

ويكفي هنا (١) الفرق بالنصّ والإجماع.

نعم (٢) ربما يقيّد

______________________________________________________

(١) يعني : ويكفي النصّ والإجماع في الفرق بين الجزء الفاسد الذي لا يفسد البيع في هذه المسألة التي يكون أحد جزئي المبيع فيها ما لا يقبل التملك ، وبين الشرط الفاسد الذي يفسد العقد.

أما النصّ فهو صحيح الصفار المتقدم. وأمّا الإجماع فهو ما أشار إليه المصنف قدس‌سره بقوله في صدر المسألة : «صحّ في المملوك عندنا .. وإجماعا كما عن الغنية».

وبالجملة : فعدم مفسدية الجزء الفاسد للعقد في هذه المسألة مستند الى النص والإجماع.

(٢) استدراك على إطلاق صحة بيع المملوك ، وحاصله : أنّه قيّد بعض الفقهاء صحة البيع في المملوك وبطلانه في غير المملوك بصورة جهل المشتري بعدم كون الجزء الآخر

__________________

(*) وإجماله أوّلا : أنّ مفسدية الشرط الفاسد للعقد ممنوعة ، لعدم كون الشرط قيدا لأصل البيع حتى ينتفي المنشأ بانتفائه ، كتعليق الملكية والتدبير على الموت. بل التزام في ضمن الالتزام العقدي. ففساد الشرط لا يفسد الالتزام العقدي ، بل يوجب الخيار. فمفسدية الشرط الفاسد للعقد غير ثابتة حتى يقاس عليه فساد الجزء.

وثانيا : أنّه ـ بعد تسليم مفسدية الشرط الفاسد للعقد ـ لا يقاس عليه الجزء الفاسد ، لكونه مع الفارق ، حيث إنّ الشرط لا يقع بإزاء شي‌ء من الثمن وإن أوجب زيادة في مالية المشروط ، ككتابة العبد ، والعقد إنّما وقع على المشروط به. ففاقد الشرط لم يقع عليه العقد ، فيبطل بيع العبد المشروط بالكتابة مع انتفائها.

وهذا بخلاف الجزء الفاسد ، فإنّه يقع بإزائه الثمن ، فإذا فسد بطل البيع بالنسبة إلى الجزء الفاسد ـ وهو الجزء غير المملوك ـ بماله من الثمن الذي يخصّه ، سواء أكان بيع الجزء المملوك صحيحا أم فاسدا ، لعدم ارتباط بينهما عينا وثمنا.

وثالثا : أنّ الفارق بين الجزء والشرط هو النصّ والإجماع كما أشار إليه في المتن.

٦٧

الحكم (١) بصورة جهل المشتري (٢) (*) ، لما (٣) ذكره في المسالك (١) وفاقا للمحكيّ في

______________________________________________________

من المبيع قابلا للتملك. مستدلّا على ذلك بما حاصله : أنّه مع علم المشتري بعدم كون بعض المبيع مملوكا للبائع يلزم فقدان شرط من شروط صحة البيع ، وهو العلم بمقدار الثمن الواقع في مقابل الجزء المملوك من المبيع ، فيصير البيع حينئذ غرريّا ، وهو منهي عنه.

(١) أي : يقيّد الحكم بصحة البيع ـ في الجزء المملوك ـ بصورة جهل المشتري بعدم كون بعض المبيع غير قابل للتملك.

(٢) أي : جهله بعدم مملوكية جزء من المبيع.

(٣) تعليل لتقييد الحكم بصورة جهل المشتري ، وقد مرّ آنفا محصل هذا التعليل بقولنا : «مستدلا على ذلك بما حاصله».

قال العلّامة قدس‌سره : «لو كان المشتري جاهلا بأن المضموم ملك الغير أو حرّا أو مكاتبا أو أمّ ولد ، ثم ظهر له ، فقد قلنا : إنّ البيع يصحّ في ما هو ملكه ، ويبطل في الآخر إن لم يجز المالك. ويكون للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء فيما يصحّ بيعه بقسطه من الثمن ، لأنّه لم يسلم له المعقود عليه ، فكان له الفسخ. ولو كان عالما صحّ البيع أيضا ولا خيار له. وقطع الشافعي بالبطلان في ما إذا كان عالما .. وليس بعيدا عندي البطلان .. إلخ» ما في المتن.

ووافقه في هذا التقييد جماعة كالفاضل الآبي والسيوري والشهيدين. بل قال السيد العاملي قدس‌سره : «وقد يظهر ذلك من الباقين أو يلوح منهم ..» (٢).

__________________

(*) اعتبار الجهل بمملوكية بعض العوضين لا يختص بالمشتري ، بل لا بدّ من اعتباره في كلا المتبايعين حتى يكون اعتقاد مملوكية كلا الجزءين موجبا لحصول الإنشاء بثمن معلوم ، إذ مع العلم بعدم مملوكية بعض المبيع لا يعلم الثمن حين الإنشاء ، فالتقييد بالمشتري غير ظاهر.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٣ و ١٦٤.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٩ و ٢١٠.

٦٨

التذكرة (١) عن الشافعي (٢) من (١) جهة إفضائه إلى الجهل بثمن المبيع (*). قال في التذكرة بعد ذلك (٢) «وليس عندي بعيدا من الصواب الحكم (٣) بالبطلان فيما إذا علم المشتري حرمة الآخر (٤) ،

______________________________________________________

(١) بيان ل «ما» الموصول في قوله : «لما ذكر في المسالك» وضمير «إفضائه» راجع إلى العلم المستفاد من المقام.

(٢) أي : بعد حكايته عن الشافعي الحكم بالصحة في صورة جهل المشتري.

(٣) اسم «ليس» ، و «بعيدا» خبره ، يعني : وليس الحكم بالبطلان عندي بعيدا عن الصواب.

(٤) أي : حرمة الجزء الآخر من المبيع كالخمر إذا بيع مع الخلّ.

__________________

(*) يمكن أن يقال : انّ الجهل المطلق بالثمن يختص بما إذا لم يكن لغير المملوك مالية عرفا ولا شرعا ، ومع هذا الجهل يكون إنشاء البيع العرفي متمشّيا.

واما إذا كان عالما بعدم كونه مالا عرفا وشرعا فلا يتمشى البيع إلا صوريا.

بخلاف ما إذا كان «ما لا يملك» غير مال شرعا لا عرفا كالخمر والخنزير ، فإنّ بيعهما مع «ما يملك» بيع عرفي وإن لم يعلم المشتري ما يقابل المملوك من الثمن ، بناء على أنّ الشرط هو العلم بالعوضين في المعاملة ، دون العوضين الواقعيّين اللذين نفذت معاملتهما.

فإطلاق حكم المشهور بصحة بيع المملوك مع غير المملوك يقيّد بما إذا كان المشتري جاهلا بعدم كون غير المملوك مالا لا عرفا ولا شرعا ، حتى يعتقد مملوكية كلا جزئي المبيع وينشأ العقد على الثمن المعلوم.

كما يقيّد إطلاق تقييد الحكم بصحة بيع المملوك بما إذا كان المشتري جاهلا بما لا يملك عرفا وشرعا. فإذا كان عالما بعدم مملوكيته شرعا لا عرفا ، فلا ضير في صحة بيع المملوك ، لحصول إنشاء البيع العرفي حينئذ ، وإن كان النافذ خصوص الإنشاء المتعلق بالجزء المملوك بما يخصّه من الثمن.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٥٦٥ ، ج ١١ ، ص.

(٢) راجع المجموع ، ج ٩ ، ص ٤٦٩ و ٤٧٣.

٦٩

أو كونه (١) ممّا لا ينقل إليه (٢) بالبيع» انتهى.

ويمكن دفعه (٣) بأنّ اللازم هو العلم بثمن المجموع (٤) الذي قصد (٥) إلى نقله

______________________________________________________

(١) معطوف على «حرمة» يعني : إذا علم المشتري كون الجزء الآخر من المبيع ممّا لا ينقل إليه شرعا ، كما إذا كان وقفا وباعه مع ماله.

(٢) أي : إلى المشتري.

(٣) يعني : دفع إشكال العلامة ، وهو : أنّ علم المشتري بعدم قابلية بعض المبيع للتملك يفضي إلى الجهل بمقدار الثمن الواقع في مقابل ما يقبل التملك.

ومحصل هذا الدفع هو : أنّ الجهل الموجب للغرر المفسد للبيع ـ للإجماع والنبوي ، وهو نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر أو عن بيع الغرر ـ هو الجهل بتمام الثمن.

وأمّا إذا كان تمام الثمن معلوما وهو ما وقع بإزاء جميع المبيع ـ وإن كان مقدار كل جزء منه يقع في مقابل جزء من المبيع مجهولا ـ لم يكن ذلك غررا ، كما في جلّ البيوع بل كلها. فلا يقدح في المقام الجهل بمقدار ما يقع من الثمن بإزاء الجزء المملوك ، بعد حكم الشارع ببطلان البيع في الجزء غير المملوك ، فإنّ هذا الجهل الطارئ بحكم الشارع ببطلان البيع في بعض المبيع لا ينافي قصد المتعاقدين وقوع تمام الثمن بإزاء مجموع المبيع ، كما في بيع ماله مع مال غيره ، فإنّ البيع صحيح ، مع عدم العلم بما يقابل مال نفسه من الثمن.

ثم إنّ الجواب المزبور يستفاد أيضا من كلام صاحب الجواهر في ردّ تقييد الصحة بالجهل ، حيث قال : «وفيه : أنّ الغرر مدفوع بالعلم بالجملة كما عرفته في ضمّ المملوك إلى مملوك غيره ، الذي لا فرق فيه نصّا وفتوى بين رجاء الإجازة وعدمها ، والنهي إنما يفيد الفساد في الجهة التي تعلق بها ، لا مطلقا» فراجع (١).

(٤) أي : مجموع المبيع من المملوك وغير المملوك ، فإنّه مقصود ومعلوم للمتعاقدين.

(٥) أي : قصد المشتري إلى نقل ثمن المجموع وإن علم المشتري الناقل بعدم إمضاء الشارع لبيع المجموع ، إذ المفروض عدم إمضاء الجزء غير المملوك.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٢٠.

٧٠

عرفا ، وإن علم الناقل بعدم إمضاء الشارع له ، فإنّ (١) هذا العلم غير مناف لقصد النقل [البيع] حقيقة. فبيع (٢) الغرر المتعلّق لنهي الشارع (٣) ـ وحكمه عليه بالفساد ـ هو ما كان غررا في نفسه مع قطع النظر عمّا يحكم عليه من الشارع.

مع (٤) أنّه لو تمّ ما ذكر لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى المملوك ، لا البطلان (٥) ، لأنّ (٦) المشتري القادم على ضمان المجموع بالثمن (٧) ـ مع علمه بعدم سلامة البعض له ـ

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى دفع ما ذكره من التنافي بين العلم بعدم إمضاء الشارع لبيع الجزء غير المملوك ـ الموجب للجهل بثمن المملوك الذي هو الغرر ـ وبين قصد النقل حقيقة.

ومحصل الدفع : أنّ بيع الغرر المنهي عنه شرعا هو الغرر الذي حكم به العرف مع الغضّ عن حكم الشارع ، ومن المعلوم أنّ بيع الخلّ والخمر بثمن واحد ليس بيعا غرريا عرفا ، فيصح بيع الخلّ الذي هو المملوك.

(٢) هذا متفرّع على أنّ علم المشتري بعدم إمضاء الشارع لبيع مجموع المبيع ـ من المملوك وغيره ـ لا يوجب كون البيع غرريّا.

(٣) وهو نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر ، وضمير «عليه» راجع إلى بيع الغرر.

(٤) هذا جواب آخر عن إشكال العلامة قدس‌سره ، وهو : أنّه لو لم يقيد الحكم بصحة بيع المملوك بالجهل لأفضى إلى الجهل بالثمن.

توضيح هذا الجواب : أنّ مقتضى ما أفاده العلّامة قدس‌سره هو صحة بيع الجزء المملوك وجعل تمام الثمن بإزائه ، لا بطلان البيع رأسا ، وذلك لإقدام المشتري ـ العالم بعدم مملوكية بعض المبيع ـ على ضمان المملوك وحده بتمام الثمن ، إذ المفروض علم المشتري بذلك ، فقاعدة الإقدام تقتضي عدم ضمان البائع لشي‌ء من الثمن ، وكون جميعه بإزاء الجزء المملوك.

(٥) معطوف على «صرف» بالمفعولية ل «اقتضى».

(٦) تعليل لصرف مجموع الثمن إلى الجزء المملوك ، لا البطلان ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «وذلك لإقدام المشتري».

(٧) أي : بتمام الثمن مع علم المشتري بعدم سلامة بعض المبيع ، وهو الجزء غير المملوك له.

٧١

قادم (١) على (*) ضمان المملوك وحده بالثمن كما صرّح به (٢) الشهيد في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه ، حيث قال : «إنّ هذا الحكم (٣) مقيّد بجهل المشتري بعين المبيع وحكمه (٤) ، وإلّا (٥) لكان البذل بإزاء المملوك ، ضرورة (٦) أنّ القصد إلى الممتنع كلا قصد» انتهى (١) (٧).

لكن ما ذكره (٨) رحمه‌الله مخالف لظاهر

______________________________________________________

(١) خبر «أن» في «لأنّ المشتري القادم».

(٢) أي : بضمان المملوك وحده بالثمن.

(٣) أي : الحكم بصحة البيع في المملوك ، وبطلانه في غير المملوك ، وتقسيط الثمن عليهما.

(٤) أي : جهل المشتري بالمبيع موضوعا وحكما.

(٥) أي : وإن لم يكن المشتري جاهلا ـ بأن كان عالما بالمبيع موضوعا وحكما ـ لكان الثمن كلّه بإزاء المملوك ، كالشاة المنضمة إلى الخنزير مثلا ، كما حكي عن حواشي الشهيد رحمه‌الله.

(٦) تعليل لكون تمام الثمن بإزاء الجزء المملوك مع علم المشتري بعدم مملوكية بعض المبيع ، وحاصله : أنّ قصد الشي‌ء الممتنع ـ وهو امتناع تملك بعض المبيع أعني به غير المملوك ـ كلا قصد.

(٧) والحاصل : أنّ الشهيد قدس‌سره قائل باختصاص الحكم بصحة البيع في المملوك ، وبطلانه في غيره ـ وتقسيط الثمن عليهما ـ بالجاهل بالمبيع موضوعا وحكما.

(٨) يعني : لكن ما ذكره العلامة قدس‌سره ـ من اختصاص الحكم بالجاهل ـ مخالف لما ذهب

__________________

(*) بل يمكن أن يقال : إنّه قادم على ضمان الجزء المملوك من المبيع بجزء من الثمن ، ودافع لجزئه الآخر بلا ضمان. لكن جهالة الجزء المدفوع على وجه الضمان تفسد البيع بالنسبة إلى الجزء المملوك أيضا.

__________________

(١) الحاكي لكلام الشهيد هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٠٩ و ٢١٠.

٧٢

المشهور (١) ، حيث حكموا بالتقسيط ، وإن كان (٢) مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم (٣) «من (٤) عدم رجوعه بالثمن إلى البائع ، لأنّه (٥)

______________________________________________________

إليه المشهور من إطلاق الحكم بصحة بيع المملوك ـ المنضم إلى غير المملوك ـ لصورتي العلم والجهل بعدم مملوكية بعض المبيع ، حيث إنّ حكمهم بتقسيط الثمن المدفوع إلى البائع ـ بجعل مقدار منه إزاء المملوك ومقدار منه إزاء غير المملوك ـ يشهد بصحة بيع الجزء المملوك ، إذ مع فرض بطلانه لا معنى لجعل جزء من الثمن في مقابله ، بل لا بدّ من ردّ عينه إلى مالكه.

(١) قال في الجواهر : «وعلى كل حال فظاهر الأصحاب عدم الفرق في الصحة بين حالي العلم والجهل. كما أنّه لا فرق بين ما يصلح للمقابلة عند العصاة والكفار كالخمر والخنزير ونحوهما ، وبين ما لا يكون كذلك ، ولكن له نظير يقابل بالثمن كالحرّ» (١).

وظاهر العبارة الإجماع ، لكن المصنف اقتصر على الشهرة ، ولعلّه لأجل تصريح الشهيد وغيره بتقيّد الصحة في ما يملك بجهل المشتري.

(٢) يعني : وإن كان ما أفاده الشهيد قدس‌سره ـ من الفرق بين العلم والجهل ، بالبطلان في الأوّل ، والصحة في الثاني ـ مناسبا لما ذهب إليه المشهور في بيع مال الغير فضولا ، على ما تقدّم تفصيله في أحكام الرد من عدم رجوع المشتري ـ العالم بالغصبية ـ بالثمن على البائع ، معلّلا ذلك بأنّ المشتري سلّطه على إتلاف الثمن ، وهذا يناسب بطلان بيع مال الغير ، كبطلان بيع المملوك على ما أفاده العلّامة قدس‌سره (٢).

(٣) أي : من المشتري العالم بكون المبيع لغير البائع ، ومع ذلك يشتريه ، ويدفع الثمن إلى البائع.

(٤) بيان ل «ما» الموصول في قوله : «لما ذكروه».

(٥) هذا تعليل لعدم رجوع المشتري على البائع ، فإنّ المشتري سلّط البائع على

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٢٠.

(٢) لاحظ : هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٥١٦.

٧٣

سلّطه عليه مجّانا (١)» فإنّ (٢) مقتضى ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك. إمّا (٣) لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي. وإمّا (٤) لبقاء ذلك القسط له (٥) مجّانا ، كما قد يلوح من جامع المقاصد والمسالك (١).

إلّا أنّك قد عرفت (٦) أنّ الحكم هناك لا يكاد ينطبق على القواعد.

______________________________________________________

الثمن مجّانا ، ومع التسليط المجّاني ليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن.

(١) ظاهر العبارة التزام المشهور بعدم رجوع المشتري العالم بغصبية المبيع مطلقا ، سواء أكان الثمن تالفا أم باقيا ، ولكن المراد صورة تلف الثمن بيد البائع ، وأما في صورة بقاء الثمن فله استرداده. قال المصنف في أحكام الرد : «وإن كان عالما بالفضولية ، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. وأمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري ، بل المحكي عن العلامة وولده والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم الاتفاق عليه» فراجع (٢).

(٢) يعني : فإنّ مقتضى ما ذكره المشهور في بيع مال الغير مع علم المشتري بكونه مال الغير ـ من عدم رجوع المشتري على البائع ، للتسليط المجاني ـ هو عدم رجوع المشتري على البائع بجزء من الثمن إزاء غير المملوك في فرض علمه بعدم مملوكية بعض المبيع.

(٣) هذا أحد فردي التعليل وهو كون الثمن في مقابل المملوك كما عن حواشي الشهيد المتقدمة آنفا.

(٤) هذا ثاني فردي التعليل.

(٥) أي : للبائع مجّانا ، لتسليط المشتري إيّاه على ما يقابل الجزء غير المملوك مجّانا.

(٦) في مسألة حكم المشتري مع الفضولي ، حيث قال في فرض تلف الثمن : «وبالجملة : فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض ، ولذا لم يصرّح أحد بعدم الضمان في بعتك بلا ثمن. مع اتفاقهم عليه هنا ..» (٣).

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٨٢ ـ ٨٣ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٤.

(٢) هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٤٧٨ ـ ٤٨٣.

(٣) المصدر ، ص ٥٠٦.

٧٤

ثمّ إنّ طريق تقسيط الثمن على المملوك وغيره يعرف ممّا تقدّم (١) في بيع ماله مع مال الغير من (٢) : أنّ العبرة بتقويم كلّ منهما منفردا ، ونسبة قيمة المملوك (٣) إلى مجموع القيمتين (٤).

لكنّ الكلام هنا (٥) في طريق معرفة قيمة غير المملوك (*)

______________________________________________________

طريق تقويم المملوك وغير المملوك

(١) هذا إشارة إلى جهة أخرى من جهات البحث في هذه المسألة ، وهي : أنّه ـ بعد الفراغ من صحة بيع المملوك منضما إلى ما لا يملك ـ يقع الكلام في كيفية تقسيط الثمن المسمّى على المبيع كالخل والخمر ، فأفاد المصنف قدس‌سره : أنّ ما ذكرناه من طريقي التقسيط ـ في مسألة بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره ـ يجري هنا ، والمختار هو أن يقوّم كلّ منهما منفردا ، وتلاحظ نسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين.

وتختص هذه المسألة بإشكال ، محصّله : أنّ أحد المبيعين غير متموّل كالحرّ والخنزير والخمر ، فلا سبيل لتقويم كلّ من المالين منفردا حتى تلاحظ نسبته إلى مجموع القيمتين. وسيأتي بيان حلّ الاشكال.

(٢) بيان ل «ما» الموصول في قوله : «ممّا تقدم» فإذا كانت قيمة مال البائع ستة دنانير ، وقيمة مال غيره ثلاثة دنانير ، فنسبة قيمة ماله إلى مجموع القيمتين ـ أعني التسعة ـ ثلثان ، فإن كان الثمن ستة دنانير يؤخذ ثلثاه ، وهما أربعة دنانير للبائع.

(٣) المراد به مال البائع ، لا المملوك في مقابل غير المملوك كما هو المراد في مسألتنا وهي بيع المملوك كالخل مع غير المملوك كالخمر ، لأنّه في مقام تفسير ما تقدّم في مسألة بيع ماله مع مال غيره ، إلى قوله : «مجموع القيمتين».

فلعلّ الأولى إبدال «المملوك» ب «ماله».

(٤) كالتسعة ـ في المثال المذكور ـ التي هي مجموع قيمتي مال البائع ومال غيره.

(٥) أي : في بيع المملوك كالخل وغير المملوك كالخمر ، وكالشاة والخنزير.

__________________

(*) فإنّ غير المملوك على أقسام :

أحدها : ما فيه اقتضاء المالية عرفا ، مع عدم مانع عرفي يمنع ماليّته ، كالخمر والخنزير والسموك التي لا فلس لها.

ثانيها : ما ليس فيه اقتضاء المالية أصلا كالخنافس والديدان.

٧٥

وقد ذكروا (١) (١) أنّ الحرّ يفرض عبدا بصفاته (٢) ويقوّم ، والخمر والخنزير يقوّمان بقيمتهما عند من يراهما (٣) مالا ، ويعرف تلك القيمة بشهادة عدلين (٤) مطّلعين على

______________________________________________________

والإشكال إنّما هو في تقويم غير المملوك ، إذ المفروض أنّه لا مالية له شرعا ، فكيف يقوّم؟

(١) يعني : وقد ذكروا طريقا لمعرفة قيمة غير المملوك ، وهو : أن يفرض غير المملوك مملوكا ، فإذا باع عبدا وحرّا فيفرض الحرّ عبدا بماله من الصفات من الكتابة والخياطة وغيرهما ويقوّم.

فإن كان قيمة كلّ منهما عشرة دنانير ، فقيمة مجموعهما عشرون دينارا. فلو كان الثمن عشرة دنانير استردّ المشتري من البائع نصف الثمن وهو خمسة دنانير ، لأنّ نسبة العشرة التي هي قيمة الحر ـ المفروض عبدا ـ إلى العشرين التي هي مجموع القيمتين هي النصف ، فيستردّ المشتري من البائع نصف الثمن وهو الخمسة إزاء الجزء غير المملوك من المبيع.

وكذا الحال في تقويم الخمر والخنزير.

(٢) أي : يفرض الحرّ المتّصف بالصفات الكمالية عبدا ، ويقوّم.

(٣) أي : مستحلّيهما.

(٤) لكون التقويم من الموضوعات التي لا بدّ من ثبوتها بالبينة ، وهي شهادة عدلين خبيرين بالقيم والأسعار حتى تجوز لهما الشهادة.

__________________

ثالثها : ما فيه اقتضاء المالية عرفا ، مع اقترانه بالمانع العرفي أيضا كالحرّ ، فإنّه بنظر العرف ـ كالعبد ـ مال ، لكن الحرّية مانعة عندهم عن ماليته فعلا.

وهذا هو الفارق بين هذا القسم والقسم الأوّل ، حيث إنّهما يشتركان في وجود المقتضي للمالية ، ويفترقان في وجود المانع عرفا عن المالية في هذا القسم ، وعدمه في القسم الأول. وكلام الشهيد قدس‌سره في كون الثمن بتمامه بإزاء الجزء المملوك متّجه في القسم الثاني الذي ليس فيه اقتضاء المالية أصلا ، دون ما فيه اقتضاء المالية كالقسم الأوّل والثالث.

__________________

(١) الذاكر جماعة ، فلاحظ : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٨٣ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٣ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٠ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٢١.

٧٦

ذلك ، لكونهما (١) مسبوقين بالكفر ، أو مجاورين للكفّار.

ويشكل تقويم الخمر والخنزير بقيمتهما (٢) إذا باع الخنزير بعنوان أنّه شاة ، والخمر بعنوان أنّها خلّ ، فبان الخلاف ،

______________________________________________________

(١) تعليل لاطّلاع العدلين على قيمة غير المملوك كالخمر مع كونه مسلما عادلا ، والسبب في اطّلاعهما على قيمة الخمر مثلا هو كون إسلامهما مسبوقا بالكفر ، أو كونهما مجاورين لبلاد الكفار ، فإنّ سبق الكفر أو المجاورة يوجب الاطّلاع على قيم الخمر والخنزير ، ونظائرهما من المحرّمات.

(٢) أي : قيمة الخمر والخنزير. وقوله : «يشكل» إشارة إلى الخلاف في كيفية تقويمهما ، بعد نفي الاشكال عن تقويمهما عند مستحلّيهما فيما إذا بيعا بعنوان الخمر والخنزير. بخلاف ما إذا بيعا بعنوان الخلّ والشاة ، فإنّ في تقويمهما حينئذ خمرا وخنزيرا عند مستحلّيهما إشكالا ، بل جزم بعض بوجوب تقويمهما قيمة المملوك وهو الخل والشاة ، كتقويم الحرّ بعد فرض كونه عبدا.

وجه الاشكال : أنّ لعنوان المبيع ـ وهو الخل والشاة ـ دخلا في القيمة الملحوظة حال الإنشاء ، فيقوّمان بعنوان المبيع ، لا بعنوان واقعهما وهو الخمر والخنزير بتقويمهما عند مستحلّيهما. لكن الصحيح تقويمهما بعنوانهما الذاتي ، وهو الشاة والخل ، لتقدم الإشارة وهي قول البائع : «بعتك هذين بعنوان الخنزير والخمر» على العنوان الذي هو من قبيل الدواعي التي لا يضرّ تخلفها بتقويم العنوان الذاتي المشار إليه ، ضرورة أنّ العنوان الذكري لا يغيّر العنوان الواقعي.

فالمتحصل : أنّه لا بدّ من تقويم الخمر والخنزير عند مستحلّيهما ، لا تقويمهما بعنوان الخلّ والشاة ، وإن قصد هذان العنوانان حين إنشاء البيع ، فإنّ العناوين الجنسية وإن كانت مناطا للمالية ، وتخلفها موجبا لبطلان البيع ، إلّا أنّها في باب التقويم دواع ، وتخلفها لا يقدح في تقويم ما هو واقعه. فالشاة والخنزير وإن بيعا بعنوان الشاة ، لكن الخنزير يقوّم بعنوانه الذاتي عند مستحلّيه ، لا بعنوان الشاة ، فإنّ المدار في التقويم على واقع الشي‌ء ، لا على العنوان الذي لا يغيّر الواقع كعنوان الشاة.

٧٧

بل جزم بعض هنا (١) بوجوب تقويمهما قيمة الخلّ والشاة كالحرّ (٢).

______________________________________________________

(١) أي : في صورة بيعهما بعنوان الشاة والخلّ ، والظاهر أنّ الجازم بالبطلان هو الفاضل النراقي قدس‌سره كما نسبه اليه السيّد قدس‌سره في الحاشية ـ قال في المستند : «ولا يخفى أنّ تقويم الخمر والخنزير عند مستحلّيهما إنّما هو عند علم المتبايعين بكونه خمرا أو خنزيرا. أمّا مع ظنّ كونهما خلّا أو شاة فيقوّم مثله لو كان شاة أو خلّا على ما هو من الأوصاف. ويقع الاشكال فيما لم يكن اتحاد الأوصاف» (١).

(٢) في فرض كونه عبدا مع ما له من الصفات.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٩٧ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٠٠.

٧٨

مسألة (١)

يجوز للأب والجدّ أن يتصرّفا في مال الطفل بالبيع والشراء.

______________________________________________________

أولياء التصرف ١ ـ ولاية الأب والجدّ

(١) هذه المسألة من فروع مسألة شروط المتعاقدين ، حيث قال : «ومن شروطهما أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع ، فعقد الفضولي لا يصحّ» (١) وتقدم هناك ما يترتب على بيع غير المالك بدون إذنه من كونه فضوليا متوقفا على الإجازة. والمراد بالمأذون من قبل المالك هو الوكيل ، والمراد بالمأذون من قبل الشارع هو الولي كالأب والجدّ والحاكم الشرعي ومنصوبه وعدول المؤمنين.

وولاية كل واحد منهم جعلية ، بمعنى انّه لو لم يعتبر الشارع جواز التصرف للأب كان كالأجنبي في كونه فضوليا. وليست ولايته قهرية إجباريّة وإن كانت إضافة النبوّة والأبوّة تكوينية.

وكيف كان فقد عقد المصنف قدس‌سره مسائل ثلاث للبحث عن ولاية الأولياء ومضيّ تصرّفهم في أموال من يتولّون أمره. فاستدلّ في المسألة الأولى بوجوه ثلاثة على ثبوت ولاية الأب والجدّ ـ للأب لا للامّ ـ على مال الصغير في الجملة ، ثم تعرّض لفروع المسألة ، وهي اعتبار العدالة ، ورعاية المصلحة ، وتقديم أحدهما عند المزاحمة ، وشمول الأدلة لأب الجد وجدّ الجدّ ، وهكذا. وسيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) لاحظ هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٤٤.

٧٩

ويدلّ عليه (١) ـ قبل الإجماع ـ الأخبار المستفيضة (٢) المصرّحة في موارد

______________________________________________________

(١) أي : على جواز تصرّف الأب والجدّ في مال الطفل بالبيع والشراء. والوجه الأوّل هو الإجماع المتكرر في كلماتهم.

قال المحقق الثاني قدس‌سره : «والذي يقتضيه النظر أنّ ولايته ـ أي الأب ـ ثابتة بالنّص والإجماع» (١).

وقال المحقق الأردبيلي قدس‌سره : «الظاهر أنّه لا خلاف ولا نزاع في جواز البيع والشراء وسائر التصرفات للأطفال .. من الأب والجدّ للأب ، لا للأمّ» (٢). بل في بعض الكلمات : «كون ولايتهما من ضروريات الفقه» أو «من واضحات الفقه» كما في بعضها الآخر.

وعليه فالإجماع متحقق صغرى ، إنّما الكلام في حجيّته وكشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام مع فرض احتمال استناد المجمعين إلى النصوص المستفيضة الآتية. ولعلّ تعبير المصنف ب «قبل الإجماع» إشارة إلى شبهة كونه مدركيّا.

(٢) هذا ثاني الوجوه ، أعني به الأخبار المستفيضة الدالة على مضيّ تصرف الأب والجد ، وهي على مضامين مختلفة :

منها : نصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه ، فإنّ ظاهر التقويم هو نقل الجارية إلى نفسه بالبيع ليقع الوطء في ملك الواطئ. كصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرّجل يكون لبعض ولده جارية ، وولده صغار ، هل يصلح أن يطأها؟ فقال عليه‌السلام : يقوّمها قيمة عدل ، ثم يأخذها ، ويكون لولده عليه ثمنها» (٣). وقريب منها غيرها.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ١١ ، ص ٢٧٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٧ ، ولاحظ «عدم الخلاف» أيضا في الرياض ، ج ١ ، ص ٥٩٢ ، ومفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٤ و ٢١٣ ، وج ٥ ، ص ٢٥٦ ، والحدائق ، ج ١٨ ، ص ٤٠٤ ، والجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٢٢ ، وفي المناهل ، ص ١٠٥ «ظهور الاتفاق على ذلك» فلاحظ.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٤٣ ، الباب ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث : ١.

٨٠