هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

بيعه. ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة» (١) ثمّ احتجّ باتّفاق الإمامية ، ثمّ ذكر (٢) خلاف ابن الجنيد ، وردّه بكونه مسبوقا وملحوقا بالإجماع ، وأنّه «إنّما عوّل في ذلك على ظنون له (٣) ، وحسبان (٤) ، وأخبار شاذّة لا يلتفت إلى مثلها» انتهى (٥).

ثمّ قال : «وأمّا إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا ، أو دعت أربابه الضرورة إلى ثمنه لشدّة فقرهم ، فالأحوط (*) ما ذكرناه : من جواز بيعه ، لأنّه إنّما جعل لمنافعهم ، فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض منه ، ولم يبق منفعة فيه إلّا من الوجه الذي ذكرناه (٦)» انتهى (١).

______________________________________________________

(١) حاصل كلام السيد المرتضى قدس‌سره : دعوى الإجماع على منع بيع الوقف الدائم ، وجوازه في صورتين ، وهما خراب الوقف ، والحاجة الشديدة إلى ثمنه. ثم تعرّض لرأي الإسكافي المانع من البيع مطلقا ، وردّه السيد بتوهين مستنده ، وبمخالفته للإجماع.

(٢) قال في الانتصار : «فإن قيل : فقد خالف أبو علي بن الجنيد في ما ذكرتموه ، وذكر : أنه لا يجوز للواقف أن يشترط لنفسه بيعه له على وجه من الوجوه. وكذلك في من هو وقف عليه : أنّه لا يجوز له أن يبيعه. قلنا : لا اعتبار بابن الجنيد ، وقد تقدّمه إجماع الطائفة وتأخّر عنه أيضا ، وإنّما عوّل» الى آخر ما في المتن.

(٣) مع النهي عن متابعة الظن في الكتاب والسنة.

(٤) المراد به الحدس المبتني على الاستحسان والاعتبارات التي لا تفيد إلّا الظّن.

(٥) لا حاجة إلى هذه الكلمة هنا ، لبقاء بعض كلام السيد.

(٦) وهو البيع والانتفاع ببدله أو بثمنه.

__________________

(*) لم يظهر وجه عدوله قدس‌سره عن الفتوى إلى الاحتياط ، مع قوله : «ومما انفردت الإمامية به .. إلخ» فلاحظ وتأمّل.

مع أنّ الأحوط بناء على الوجه الذي ذكرناه وجها للاحتياط ليس في بيعه ، بل في إجارته سنين ، وصرف أجرته في تعميره ، لأنّ غرض الواقف تعلّق بالانتفاع به مع بقاء عينه ، لا مطلق الانتفاع ولو ببدله.

__________________

(١) الانتصار ، ص ٢٢٦ و ٢٢٧.

٥٦١

وقال في المبسوط : «وإنّما يملك (١) الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا ، وهو : أنّه (٢) إذا خيف على الوقف الخراب ، أو (٣) كان بأربابه حاجة شديدة ولا يقدرون على القيام به ، فحينئذ يجوز لهم بيعه. ومع عدم ذلك (٤) لا يجوز بيعه» انتهى (١) ، ثمّ احتجّ (٥) على ذلك بالأخبار.

وقال سلّار ـ في ما حكي عنه ـ : «ولا يخلو الحال (٦) في الوقف والموقوف

______________________________________________________

(١) المراد به السلطنة على البيع أي جوازه شرعا. والمقصود استثناء صورتين من منع البيع ، إحداهما : خوف الخراب ، وثانيتهما : الحاجة الشديدة إلى الثمن ، وعجزهم عن القيام بشؤون الوقف.

وكلمة «الموقوف عليه» غير مذكورة في المبسوط ، لذكرها في الجملة المعطوف عليها.

(٢) لم تذكر هذه الكلمة في المبسوط ، ولا حاجة إليها.

(٣) المنقول يختلف عمّا في المبسوط ، من «وكان» بدل «أو كان» و «أو لا يقدرون» بدل «ولا يقدرون».

(٤) أي : ومع عدم الخراب ـ أو حاجة الموقوف عليهم حاجة شديدة ـ لا يجوز بيع الوقف.

(٥) يعني : احتج شيخ الطائفة قدس‌سره بالأخبار على منع بيع الوقف. ولكن هذه النسبة سهو من قلمه الشريف ، إذ لم يستدلّ بالأخبار في المبسوط ، وإنّما ورد في كتاب الخلاف ـ في جواز بيع الوقف إذا خرب ـ ما لفظه : «دليلنا : الأخبار المروية عن الأئمة» (٢).

وكذا نقله صاحب الجواهر من الخلاف ، ثم قال : «واحتجّ على ذلك بالأخبار» (٣).

(٦) حاصله : أنّه تارة : يتغيّر الموقوف عليه ، كما إذا جعل داره أو ضيعته وقفا على أولاده الفقراء ، فاستغنوا ، أو ما داموا مقيمين في هذا البلد ، فهاجروا عنه.

واخرى : يتغيّر الوقف ، كما إذا كانت دارا ، فخربت ، أو قلّ الانتفاع بها لجهة أخرى.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٢٨٧.

(٢) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٥٥١ ، المسألة ٢٢ من كتاب الوقف.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٢.

٥٦٢

عليهم : من أن يبقى ويبقوا على الحال التي وقف فيها ، أو يتغيّر الحال.

فإن لم يتغيّر الحال (١) فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ولا هبته ولا تغيير شي‌ء من أحواله. وإن تغيّر (٢) الحال في الوقف حتّى لا ينتفع به على أيّ وجه كان ، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة ، جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو أنفع لهم» انتهى (١).

وقال في الغنية ـ على ما حكي عنه ـ : «ويجوز عندنا بيع الوقف (٣) للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدي نفعا وخيف خرابه ، أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه.

______________________________________________________

وثالثة : لم يتغير الوقف ولا الموقوف عليه ، ولكن احتاج الموقوف عليه إلى صرف ثمنها في ما هو أنفع له.

ورابعة : لم يتغيّر الوقف ولا الموقوف عليه ، ولا حاجة إلى ثمنها.

ففي الصورة الرابعة لا يجوز تغيير ما اشترطه الواقف ، ولا التصرف المنافي للوقف من بيع أو هبة.

وفي الثالثة جاز البيع لرفع الضرورة اللاحقة بالموقوف عليهم.

وفي الثانية يجوز البيع أيضا. ولم يذكر في عبارة المراسم حكم تغيير الموقوف عليه ، ولعلّه يعود إلى ورثة الواقف أو الموقوف عليه ، على الخلاف في الوقف المنقطع.

(١) هذا إشارة إلى الصورة الرابعة المتقدمة آنفا.

(٢) معطوف على «فإن لم يتغير» وهذا يتضمن صورتين يجوز فيهما البيع ، إحداهما : تغيير الوقف بالخراب ، وثانيتهما : الحاجة إلى ثمنه.

والحاصل : أنّ الشيخ الديلمي قدس‌سره قائل بجواز بيع الوقف في المؤبّد في الجملة ، ولم يظهر منه حكم المنقطع.

(٣) مورد كلام السيد هو الوقف المؤبّد ، لما في المقابس من قوله : «وأمّا أبو المكارم فإنّه عدّ من شرائط الوقف أن يكون مؤبّدا غير منقطع» (٢).

__________________

(١) المراسم ، ص ١٩٧ ، والحاكي عنه هو المحقق الشوشتري ، مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٦ ، وصاحب الجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٢.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٧.

٥٦٣

بدليل (١) إجماع الطائفة. ولأنّ غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه ، فإذا لم يبق له منفعة إلّا على الوجه الذي ذكرنا جاز» انتهى (١).

وقال في الوسيلة : «ولا يجوز بيعه ـ يعني الوقف ـ إلّا بأحد شرطين : الخوف من خرابه ، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به» انتهى (٢).

وقال الراوندي في فقه القرآن ـ على ما حكي عنه ـ : «وإنّما يملك بيعه على وجه عندنا ، وهو : إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة» (٣) [انتهى].

وقال في الجامع ـ على ما حكي عنه : «فإن خيف خرابه ، أو كان بهم حاجة شديدة ، أو (٢) خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس ، جاز بيعه» (٤) انتهى.

وعن النزهة : «لا يجوز بيع الوقف إلّا أن يخاف هلاكه ، أو تؤدّي المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم ، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ، ويكون بيع

______________________________________________________

(١) استدلّ السيد على جواز بيع الوقف المؤبّد بوجهين ، أحدهما : الإجماع ، والآخر : ملاحظة غرض الواقف من عود النفع إلى الموقوف عليهم ، ومن المعلوم أنّ عدم انتفاعهم بالعين يوجب الانتقال إلى البدل ، تحقيقا لغرضه.

(٢) زاد ابن سعيد الحلي قدس‌سره في كتابيه على الصورتين المذكورتين في كلام من تقدّمه ـ من خوف الخراب والحاجة إلى الثمن ـ صورة ثالثة ، وهي المنازعة المؤدّية إلى ضرر عظيم ، يعني : الفتنة التي تستباح بها الأنفس.

__________________

(١) الغنية ، ص ٢٩٨ ، والحاكي عنه صاحبا المقابس والجواهر ، فلاحظ : مقابس الأنوار ، ص ٤٧ ، وجواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٢ و ٣٦٣.

(٢) الوسيلة ، ص ٣٧٠.

(٣) فقه القرآن ، ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٥

(٤) الجامع للشرائع ، ص ٣٧٢ ، وحكاه عنه وعن النزهة في الجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٣.

٥٦٤

الوقف أصلح لهم» (١).

وقال في الشرائع : «ولا يصحّ بيع الوقف ما لم يؤدّ بقاؤه إلى خرابه ، لخلف بين أربابه ، ويكون البيع أعود» (٢).

وقال في كتاب الوقف : «ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه. ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه ، بل كان البيع أنفع لهم ، قيل : يجوز بيعه ، والوجه المنع (١)» (٣) انتهى.

ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد (٤) في الكتابين (٢).

وقال في التحرير : «لا يجوز بيع الوقف بحال. ولو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف ، ولم يجز بيعها. ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه على ما رواه أصحابنا».

ثمّ ذكر كلام ابن إدريس ، وفتواه على المنع مطلقا ، وتنزيله (٣) قول بعض الأصحاب بالجواز على المنقطع ، ونفيه الخلاف على المنع في المؤبّد.

______________________________________________________

(١) فالمحقّق قدس‌سره اقتصر على الاختلاف المؤدّي إلى خراب الوقف. وأمّا مجرد كون البيع أعود وأصلح بحال الموقوف عليه فلا يجوّز البيع ، لعدم الدليل على الجواز. ومع الشك يستصحب المنع ، بناء على إجمال دليل المنع ، وعدم شموله لهذه الصورة ، وإلّا فالمرجع عموم المنع ، لكون الشك في التخصيص الزائد.

(٢) قال صاحب المقابس بعد نقل عبارة وقف الشرائع : «وتبعه العلّامة في القواعد ، وقال : ـ بدل : قيل .. إلخ ـ لم يجز بيعه أيضا على رأي» (٥).

(٣) معطوف على «كلام» وقوله : «على المنقطع» متعلق بالتنزيل المراد به الحمل والتوجيه.

__________________

(١) نزهة الناظر ، ص ٧٤.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، وفيه «فلا يصح» لتفريعه على اشتراط الطّلق.

(٣) المصدر ، ص ٢٢٠ ، وحكاه في المقابس ، ص ٥٧.

(٤) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣ و ٣٩٥.

(٥) مقابس الأنوار ، ص ٥٧.

٥٦٥

ثمّ قال : «ولو قيل بجواز البيع إذا ذهب منافعه بالكلّية ـ كدار انهدمت وعادت مواتا ، ولم يتمكّن من عمارتها ـ ويشترى بثمنه ما يكون وقفا ، كان وجها» (١) انتهى.

وقال في بيع التحرير : «ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا. ولو أدّى بقاؤه إلى خرابه جاز. وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف» (٢) انتهى.

وعن بيع الإرشاد (١) «لا يصحّ بيع الوقف إلّا أن يخرب ، أو يؤدّي إلى الخلف بين أربابه على رأي» (٣).

وعنه في باب الوقف : «لا يصحّ بيع الوقف (٢) ، إلّا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف [و] يخشى به الخراب» (٤).

وقال في التذكرة في كتاب الوقف ـ على ما حكي عنه (٥) ـ : «والوجه أن يقال :

______________________________________________________

(١) الحاكي لعبارتي الإرشاد هو صاحب المقابس ، لكنه قدس‌سره نقل «ويؤدّي إلى الخلف» بالعطف بالواو ، كما في الإرشاد المطبوع ، فلذا تصدى لتوجيهه ، لمخالفته لرأي العلّامة في سائر كتبه ولرأي سائر الأصحاب ، ولأنه لا مستند له ، واستقرب كون «الواو» بمعنى «أو» لو لم تكن النسخة الأصلية بلفظ «أو» فراجع (٦).

ويشهد لكون العاطف «الواو» كلام المحقق الثاني من قوله : «وفي الإرشاد اعتبر الخراب والخلف معا» (٧).

(٢) في المقابس : «لا يجوز بيعه» وفي الإرشاد : «ولا يجوز بيع الوقف».

__________________

(١) تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ٢٩٠.

(٢) تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ١٦٥.

(٣) إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦١.

(٤) إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٤٥٥.

(٥) الحاكي غير واحد ، منهم صاحب المقابس ، ص ٥٧ ، وفيه : «والوجه أنه يجوز بيعه مع خرابه» وما في المتن موافق لما في الأصل : تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، س ١٦.

(٦) مقابس الأنوار ، ص ٥٧.

(٧) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧.

٥٦٦

يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكّن من عمارته ، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد» انتهى.

وقال في كتاب البيع : «لا يصحّ بيع الوقف ، لنقص الملك فيه ، إذ القصد منه التأبيد. نعم ، لو كان بيعه أعود عليهم ، لوقوع خلف بين أربابه وخشي تلفه ، أو ظهور فتنة بسببه جوّز أكثر علمائنا بيعه» (١) انتهى.

وقال في غاية المراد : «يجوز (١) بيعه في موضعين : خوف الفساد بالاختلاف ، وإذا كان البيع أعود مع الحاجة» (٢).

وقال في الدروس : «لا يجوز بيع الوقف إلّا إذا خيف من خرابه ، أو خلف أربابه المؤدّي إلى فساده» (٣).

وقال في اللمعة : «لو أدّى بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه ، فالمشهور الجواز» (٤) انتهى.

وقال في تلخيص الخلاف ـ على ما حكي عنه ـ : «إنّ لأصحابنا في بيع الوقف أقوالا متعدّدة ، أشهرها : جوازه إذا وقع بين أربابه خلف وفتنة ، وخشي خرابه ، ولا يمكن سدّ الفتنة بدون بيعه. وهو (٢) قول الشيخين ، واختاره نجم الدين والعلّامة» (٥) انتهى.

______________________________________________________

(١) لم أقف على هذه العبارة في البيع والوقف ، ولكنّها محصّل كلامه في البيع ، حيث إنّه قدس‌سره نقل مكاتبة ابن مهزيار ، الظاهرة في جواز البيع لخوف الفساد بالاختلاف ، ورواية جعفر بن حيّان المتضمنة لكون البيع أعود مع الحاجة ، ثم قال في آخر كلامه : «والأجود العمل بما تضمّنه الحديثان السالفان أوّلا» أي : الاقتصار في جواز بيع الوقف على الموردين المذكورين في المتن.

(٢) يعني : أن جواز بيع الوقف في مورد اختلاف الموقوف عليهم وخوف الفتنة من

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٤١.

(٢) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٣٠ (ج ١ ، ص ٤٦٥ الحجرية) وعبارة المتن منقولة في الجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٤.

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٧٩.

(٤) اللمعة الدمشقية ، ص ٩٤.

(٥) تلخيص الخلاف للفاضل الصيمري ، ج ٢ ، ص ٢٢١ ، وحكاه عنه في الجواهر ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٥.

٥٦٧

وقال في التنقيح ـ على ما حكي عنه ـ : «إذا آل إلى الخراب لأجل الاختلاف بحيث لا ينتفع به أصلا ، جاز بيعه» (١).

وعن تعليق الإرشاد : «يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس» (٢).

وعن إيضاح النافع : أنّه جوّز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه القتال ، ونهب الأموال ، ولم يندفع إلّا بالبيع. قال : «فلو أمكن زواله ولو بحاكم الجور لم يجز ، ولا اعتبار بخشية الخراب وعدمه» انتهى.

ومثله كلامه المحكي عن تعليقه على الشرائع (٣).

وقال في جامع المقاصد ـ بعد نسبة ما في عبارة القواعد (١) إلى موافقة الأكثر ـ : «إنّ المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع :

أحدها : إذا (٢) خرب واضمحلّ بحيث لا ينتفع به ، كحصر [كحصير] المسجد إذا اندرست (٣) ، وجذوعه إذا انكسرت.

______________________________________________________

بقائه على حاله وخشية الخراب هو قول الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والمحقق والعلّامة قدس‌سرهم.

(١) من جواز بيع الوقف إن أدّى بقاؤه إلى خرابه ، لخلف أربابه ، ويكون البيع أعود.

والمراد به كما في جامع المقاصد اندفاع الخلف بالبيع ، وإلّا فلا وجه لجوازه حينئذ.

(٢) في جامع المقاصد : «ما إذا خرب» وكذا في ما بعده.

(٣) في جامع المقاصد : «كحصر المسجد إذا رث ، وجذعه إذا انكسرت».

__________________

(١) التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٣٠ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٦ ، وصاحب الجواهر ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٥

(٢) تعليق الإرشاد للمحقق الكركي ، مخطوط ، الورقة ٢٢٠ ، وحكاه عنه في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٦ ، وفي المقابس ، ص ٥٨

(٣) الحاكي عنهما هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٦ ، ونسب ذلك إلى كتابيه في ج ٩ ، ص ٨٦ ، وإيضاح النافع وتعليقة الشرائع للفاضل القطيفي مخطوطان.

٥٦٨

ثانيها : إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال ، ومستنده صحيحة علي بن مهزيار (١).

ويشترى بثمنه في الموضعين (١) ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف ، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان ، ويتولّى ذلك الناظر الخاصّ إن كان ، وإلّا فالحاكم.

ثالثها : إذا لحق بالموقوف عليه (٢) حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم من غلّة وغيرها ، لرواية (٢) جعفر بن حنّان (٣) عن الصادق عليه‌السلام» (٣) انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال في الروضة : «والأقوى في المسألة ما دلّ (٤) عليه صحيحة (٥) عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه‌السلام من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد. وعلّله عليه‌السلام بأنّه (٦)

______________________________________________________

(١) في جامع المقاصد : «ويشترى في الموضعين بثمنه .. إلخ».

(٢) في جامع المقاصد : «ما إذا لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة».

(٣) كذا في النسخ ، وهو الموافق لما في الوسائل ، وفي الكافي «حيّان» ، فما في جامع المقاصد من «حسّان» سهو من الناسخ. وسيأتي نقل الرواية في الصورة الرابعة ، حيث استدلّ بها على جواز بيع الوقف لو كان ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه.

(٤) كذا في النسخ ، وفي الروضة : «دلّت».

(٥) سيأتي نقلها في الصورة العاشرة ، وهي بيع الوقف من جهة استلزام بقائه فسادا يستباح به الأنفس.

(٦) فيكون جواز البيع حينئذ للمزاحمة مع ما هو أهمّ من حرمة بيع الوقف ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٥ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف ، ح ٦.

(٢) المصدر ، ص ٣٠٦ ، ح ٨.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧ و ٩٨.

٥٦٩

ربّما جاء فيه (١) تلف الأموال والنفوس (١). وظاهره (٢) أنّ خوف أدائه إليهما وإلى (٣) أحدهما ليس بشرط ، بل هو مظنّة لذلك». قال (٤) «ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه وإن احتاج إليه أرباب الوقف ولم تكفهم غلّته ، أو كان أعود ، أو غير ذلك ممّا قيل ، لعدم دليل صالح عليه» (٢) انتهى.

ونحوه (٥) ما عن الكفاية (٣).

______________________________________________________

فيندرج في باب التزاحم ، مع أهمية أحد المتزاحمين.

(١) أي : في الاختلاف ، كما هو المنصوص.

(٢) غرض الشهيد الثاني قدس‌سره : أنّ المناط ـ في جواز بيع الوقف لأجل اختلاف أربابه ـ ليس العلم بترتب تلف الأموال والنفوس على الاختلاف أو الاطمئنان به ، لندرة حصول هذا العلم ، بل المدار في الجواز هو الظن بتأدية الاختلاف إلى التلف. بحيث يخشى من حصوله. فتعبير بعض ب «خوف الأداء إلى تلف الأموال والنفوس» الظاهر في العلم بوقوع التلف أو الاطمئنان به غير متّجه.

(٣) كذا في نسخ الكتاب ، والصحيح كما في الروضة وكذا فيما حكاه عنه السيد العاملي : «أو إلى» فيكون المراد ب «إليهما» خوف أداء بقاء الوقف إلى تلف الأموال والنفوس معا ، في قبال خوف أدائه إلى تلف أحدهما.

(٤) يعني : قال الشهيد الثاني قدس‌سره باختصاص جواز البيع بظنّ التلف المترتب على الاختلاف ، خلافا لمن جوّز بيع الوقف في حاجة أرباب الوقف إلى الثمن ، أو كان بيعه أنفع لهم من بقائه والانتفاع بغلّته.

(٥) أي : ونحو ما في الروضة ـ من الاقتصار في جواز بيع الوقف على ظنّ التلف بسبب اختلاف أرباب الوقف ـ ما حكي عن الفاضل السبزواري قدس‌سره. والحاكي هو السيد العاملي والمحقق الشوشتري ، قال في الكفاية : «والمذكور في كلام الامام مجرّد

__________________

(١) تقدم مصدرها آنفا.

(٢) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٥.

(٣) كفاية الأحكام ، ص ١٤٢ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٦ ، ومقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٥٨.

٥٧٠

هذه جملة من كلماتهم المرئيّة ، أو المحكيّة.

والظاهر (١) أنّ المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه : حصول الظّنّ بذلك ،

______________________________________________________

الاختلاف ، فلعلّ الوجه العمل به».

لكن في النسبة تأمّلا ، لأنّ هذه الجملة أوردها الفاضل في ردّ من قال من الأصحاب بإناطة جواز البيع بأمرين ، أحدهما : حصول الاختلاف ، والآخر خوف الخراب.

وأمّا جواز بيع الوقف في مورد الحاجة ، أو كون البيع أنفع بحال الموقوف عليهم فلم ينكره الفاضل السبزواري ، بل ظاهره اختياره له ، لقوله : «ولو لم يقع خلف وكان البيع أنفع لهم ، قيل : يجوز بيعه ، وقيل : لا ، والذي وصل إليّ في هذا الباب صحيحة علي ابن مهزيار ..» ثم ذكر نصوصا اخرى. ولم يتأمّل فيها دلالة أو سندا.

والمتحصل : أنّ الجزم باتحاد رأي الشهيد الثاني والفاضل السبزواري قدس‌سرهما مشكل ، فراجع الكفاية متدبّرا فيها.

(١) هذا الاستظهار موافق لعبارة الروضة المتقدمة من أنّ المراد بالتأدية هو الظن بذلك ، غايته أنّ مورد كلام الشهيد الثاني قدس‌سره هو الظن بتلف الأموال والنفوس المترتب على بقاء الوقف الذي اختلف أربابه فيه. ومورد كلام المصنف هو الظن بخراب العين الموقوفة.

ومقصوده توجيه كلمات القوم المتقدمة ، لتعبير بعضهم ب «الخراب» كما في المقنعة والانتصار وبيع الإرشاد ووقف التذكرة. وبعضهم ب «خوف الخراب» كما في المبسوط والغنية والوسيلة وجامع الشرائع والنزهة والدروس وجامع المقاصد. وبعضهم ب «بتأدية البقاء إلى الخراب» كما في بيع التحرير. وبعضهم ب «يخشى خرابه» كما في الشرائع وإيضاح النافع (١).

فالمراد بالخراب والتأدية إليه وخوفه وخشيته أمر واحد ، وهو حصول الظن بالخراب. ويشهد لوحدة مفاد هذه التعابير ـ وعدم كون النزاع معنويا ـ تعبير فقيه واحد في كتاب تارة بتأدية البقاء إلى الخراب كما في بيع الشرائع والقواعد ، واخرى ب «يخشى خرابه» كما في وقفهما.

__________________

(١) تقدمت مصادر الأقوال في ص ٥٥٦ ـ ٥٦٨ فراجع.

٥٧١

الموجب لصدق الخوف ، لا التأدية على وجه القطع ، فيكون (١) عنوان «التأدية» في بعض تلك العبارات متّحدا مع عنوان «خوفها» و «خشيتها» في بعضها الآخر (*).

ولذلك (٢) (**) عبّر فقيه واحد تارة بهذا ، واخرى بذاك كما اتّفق للفاضلين ، والشهيد. ونسب بعضهم عنوان «الخوف» إلى الأكثر كالعلّامة في التذكرة (٣) ، وإلى «الأشهر» كما عن إيضاح النافع ، وآخر (٤) عنوان «التأدية» إلى الأكثر كجامع المقاصد ، أو إلى «المشهور» كاللمعة.

فظهر من ذلك (٥) أنّ جواز البيع بظنّ تأدية بقائه إلى خرابه ممّا تحقّقت فيه الشهرة بين المجوّزين ، لكن المتيقّن من فتوى المشهور : ما كان من أجل اختلاف أربابه (٦).

______________________________________________________

(١) هذا متفرّع على كون المراد بالتأدية إلى الخراب وخوفه وخشيته واحدا ، وهو المظنون ، لا التأدية الواقعية المعلومة بالوجدان.

(٢) أي : ولاتّحاد العناوين الثلاثة عبّر فقيه واحد .. إلخ. فالشهيد في الدروس عبّر بخوف الخراب ، وفي اللمعة بتأدية بقائه إلى الخراب (١).

(٣) حيث قال : «نعم لو كان بيعه أعود .. وخشي تلفه .. جوّز أكثر علمائنا بيعه».

(٤) معطوف على «بعضهم» أي : نسب آخر عنوان التأدية .. إلخ.

(٥) أي : من كون العناوين المذكورة متحدة معنى.

(٦) لا ما كان لأجل تأدية بقاء الوقف إلى الخراب ، فإنّ جواز بيعه مختلف فيه.

__________________

(*) مقتضى الجمع العرفي كون الخوف طريقا إلى الموضوع ، لا أن يكون بنفسه موضوعا.

(**) هذا لا يشهد بإرادة فقيه واحد ذلك ، لإمكان عدوله عمّا ذكره أوّلا. وعلى تقدير الشهادة يكون شاهدا على وحدة المراد من عبارتي هذا الفقيه ، لا وحدة المراد من عبارة النصّ ، بل مرجعه إلى استظهار الوحدة من النصّ ، ومن المعلوم عدم حجية هذا الاستظهار لغيره.

__________________

(١) مخطوط ، ولم نقف عليه ولا على من حكاه عنه. نعم حكى صاحب الجواهر كون جواز البيع أشهر عن كتاب تلخيص الخلاف ، وهو للصيمري لا للقطيفي ، فراجع جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٦٥

٥٧٢

اللهم إلّا أن يستظهر من كلماتهم ـ إ ـ كون الاختلاف من باب المقدّمة ، وأنّ الغاية (١) المجوّزة هي مظنّة الخراب.

إذا عرفت (٢) ما ذكرنا ، فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبّد (٣) ، واخرى في المنقطع.

أمّا الأوّل ، فالّذي ينبغي أن يقال فيه :

إنّ الوقف على قسمين : أحدهما : ما يكون ملكا للموقوف عليهم (٤) ، فيملكون منفعته ، فلهم استيجاره ،

______________________________________________________

(١) يعني : كما يستظهر من النص ـ كصحيحة ابن مهزيار ـ أنّ الغاية المجوّزة للبيع هي ظنّ الخراب ، سواء أكان منشؤه اختلاف الموقوف عليهم ، أو فقدهم وعدم وجود عامر للموقوفة. هذا تمام الكلام في الأقوال الثلاثة في المسألة وأربابها.

(٢) أقسام الوقف بعد الفراغ من بيان الأقوال الثلاثة في بيع الوقف ، تصدّى المصنف قدس‌سره لبيان مختاره في المسألة ، بذكر أقسام الوقف ، وأنّ مورد المنع والجواز أيّ واحد منها.

ومحصله : أنّ للوقف أقساما ثلاثة ، لأنّه إمّا منقطع وإمّا مؤبّد. والمؤبّد إمّا أن ينشأ فيه فكّ الملك وتحريره كالمسجد ، لا جعله ملكا لشخص أو جهة ، وإمّا أن ينشأ فيه تمليك العين لجماعة طبقة بعد طبقة كالأولاد ما تعاقبوا.

أمّا القسم الأوّل ـ وهو المنقطع ـ فسيأتي الكلام فيه بعد بيان حكم المؤبّد والصور المستثناة من منع بيعه.

وأمّا القسم الثاني فلا يصح بيعه ، لانتفاء شرط الملك في المبيع.

وأما الثالث فهو محلّ البحث في بيع الوقف منعا أصالة ، وجوازا بالعرض ، وسيأتي.

(٣) تقدم الفرق بين المنقطع والمؤبّد في مطاوي الأقوال ، فلا حاجة إلى الإعادة.

(٤) وهو الوقف الخاص ، فهو ملك للموقوف عليهم ، وكذلك المنفعة تكون ملكا لهم بالتبع ، ويتفرع على تملك المنفعة أمران :

أحدهما : جواز إجازة العين الموقوفة ، فتدخل الأجرة في ملك الموقوف عليهم.

ثانيهما : تملك اجرة المثل لو انتفع بها من ليس من الموقوف عليهم إن كان انتفاعه بها بغير رضاهم.

٥٧٣

وأخذ أجرته ممّن انتفع به بغير حقّ (١).

والثاني : ما لا يكون ملكا لأحد (٢) ، بل يكون فكّ ملك نظير التحرير ، كما في المساجد (٣) والمدارس والرّبط ، بناء (٤) على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين ،

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ الانتفاع به بغير حقّ يوجب الضمان الذي هو كاشف عن الملكية ، وإلّا لم يكن ضمان ، كما في التصرف في المساجد ونحوها من الأوقاف التي تكون من التحرير.

(٢) يعني : كما أنّ تحرير العبد والأمة فكّ رقبتهما عن طوق الرقية والمملوكية ، فكذلك وقف المسجد معناه تحرير العرصة والبناء عن إضافتهما إلى المالك ، وعدم انتقال الإضافة إلى غيره ، فالمصلّون والعابدون في المساجد غير مالكين للعين ولا للمنفعة ، بل لهم حقّ الانتفاع بالصلاة والعبادة فيه. وكذلك الحال في المشاعر المشرّفة.

(٣) الظاهر أنّ الخروج عن ملك الواقف وعدم دخوله في ملك غيره مجمع عليه في المسجد. قال العلامة قدس‌سره : «أمّا إذا جعل البقعة مسجدا أو مقبرة فهو فكّ عن الملك كتحرير الرقيق ، فتنقطع عنه اختصاصات الآدميين» (١).

وقال المحقق الشوشتري قدس‌سره : «ان كل وقف عامّ كان الغرض من وقفه تمليك الانتفاع للموقوف عليهم ـ دون العين أو منافعها ـ فلا يصحّ بيعه ما دام وقفا بوجه من الوجوه. وقد أجمع الأصحاب على ذلك في المسجد .. وكذلك المشهد والمقابر المبنية إذا خربت ، والمدارس والخانات والقناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة ، والكتب الموقوفة على المنتفعين ، والعبد المحبوس على خدمة الكعبة ونحوها ، والأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة ، والبواري الموضوعة لصلاة المصلّين ، وغير ذلك ممّا قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ونحوهم من غير المحصورين ، لا تحصيل المنافع بالإجارة ..» (٢).

(٤) الظاهر أنّه قيد للمدارس والرّبط ، لا للمساجد ، قال المحقق الثاني قدس‌سره : «ويمكن أن يكون إفراد المصنف المسجد بحكم ليس لأنّ الملك فيه ليس على نهج ما اختاره في الوقف على الجهات العامة ، لأنّ كلّا منهما الملك فيه لله تعالى. بل لأنّ حكم المسجد والمقبرة متفق عليه. وأمّا الحكم في الجهات العامة فمختلف فيه» (٣).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٠ ، س.١٧

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٣ و ٦٤.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٦٥.

٥٧٤

كما هو (١) مذهب جماعة (١) ، فإنّ (٢) الموقوف عليهم إنّما يملكون الانتفاع دون المنفعة ، فلو سكنه أحد بغير حقّ فالظاهر أنّه ليس عليه اجرة المثل (*).

______________________________________________________

(١) أي : كما أنّ عدم دخول المدارس والرّبط في ملك المسلمين مذهب جماعة.

(٢) تعليل لعدم دخول القسم الثاني من الوقف في ملك أحد عينا ومنفعة ، وإنّما يحلّ للموقوف عليه الانتفاع ، كالمستعير المتسلط على الانتفاع ، وليس مالكا للمنفعة ، فالموقوف عليه يجوز له السكنى في المدرسة والنزول في الخان الموقوف على عنوان «الزائر» لمشاهدهم عليهم الصلاة والسلام ، والعبور على القنطرة. والثمرة المترتبة على ملك الانتفاع دون المنفعة عدم ضمان المتصرف غير المستحق للانتفاع ، هذا.

__________________

(*) صريح العبارة انقسام الوقف المؤبد إلى قسمين ، أحدهما تمليكي ، والآخر تحريري كما في المسجد وما الحق به.

لكن سيأتي في كلامه وجود قسم ثالث ، وهو ما يكون وقفا على المسجد ، وأنّ منافعه ملك طلق للمسلمين وإن لم تكن الرقبة ملكا لهم ، لوضوح عدم انطباق ضابط القسمين المذكورين عليه.

بل ربما ينافي هذا التقسيم الثنائي ما نسبه بعض الأجلة (٢) إلى المصنف في كتاب الوقف من تثليث الأقسام ، وهو ما لا يكون وقف منفعة ولا انتفاع ، وجعل منه المسجد.

وفرّق بينه وبين وقف الانتفاع ـ كما في القناطر والرّبط والخانات ـ بأنّ الانتفاع في هذه مدخول «لام» العاقبة إذ يقال : «وقفته لأن يسكن فيه أو ليمرّ عليه أو ليصلّي فيه».

وهذا بخلاف الانتفاع بالمسجد بالعبادة ، فإنّه من الفوائد المترتبة عليه ، ولذا لا يقال في وقف المسجد : وقفته ليصلّي فيه» بل يقال : «وقفته مسجدا» فالغاية نفس المسجدية ،

__________________

(١) منهم العلامة في التذكرة كما سبق ، وفي قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٣٩٤ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٩١ ، والشهيد في الدروس ، ج ٢ ، ص ٢٧٢ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣١١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٦٢ و ٦٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ، ج ٥ ، ص ٣٧٧ ولاحظ تفصيل الأقوال في مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٧٩ ، ٨٠

(٢) وهو العلامة السيد أبو القاسم الاشكوري في تعليقته على الكتاب المسماة ببغية الطالب ، ج ١ ، ص ١٥٤.

٥٧٥

والظاهر أنّ محلّ الكلام في بيع الوقف (١) إنّما هو القسم الأوّل. وأمّا الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه ، لعدم الملك.

وبالجملة : فكلامهم هنا (٢) فيما كان ملكا غير طلق ، لا فيما لم يكن ملكا.

______________________________________________________

(١) يعني : ما تقدم من الأقوال في حكم بيع الوقف ـ لو أدّى بقاؤه أو خلف أربابه إلى الخراب ـ يكون موردها الوقف الخاص الذي هو ملك للموقوف عليهم. وأمّا الوقف التحريري فلا ريب في عدم جواز بيعه ، لانتفاء شرط البيع ، وهو الملك ، إذ ليس هو ملكا لشخص معيّن ، ولا لأشخاص معيّنين ، ولا لعنوان كلّي ، ولا لجهة معيّنة.

(٢) أي : في باب البيع ، إذ المفروض تفريع عدم جواز بيع الوقف على اعتبار الطلقية ، مضافا إلى اعتبار الملكية ، ومن المعلوم أنّ صحة هذا التفريع منوطة بانتفاء الطلقية وبقاء الملكية ، وإلّا يكون عدم جواز بيع الوقف متفرعا على اعتبار الملكية.

ثمّ إنّ ما أفاده المصنف ـ من هنا إلى بيان صور جواز بيع الوقف ـ يرتبط بأحكام المسجد الذي عرض عليه الخراب من حيث البيع والإجارة جوازا ومنعا ، وقد عقد الكلام في مواضع ثلاثة :

__________________

لكون موضوع الآثار الشرعية ـ من فضل العبادة فيه وحرمة تنجيسه ونحوهما ـ نفس عنوان «المسجد» ولذا لا يصح تخصيص وقف المسجد ببعض دون بعض ، مع صحة تخصيص فائدة القنطرة ـ وهي المرور ـ بجماعة كالمسلمين أو الزوّار أو أهل بلد معيّن.

ولعلّ قوله في المتن : «بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين» إشارة إلى شبهة الفرق بين المسجد وما عداه من الأوقاف العامة ، وإن كان سكوته عن إلحاق جماعة المدارس والرّبط والقناطر بالمسجد مؤذن بل ظاهر في الالتزام به ، ولذا فرّع عليه عدم ضمان من سكن المدرسة ظلما.

وكيف كان فالظاهر أنّ للوقف بحسب لحاظ الواقف وما يترتب عليه شرعا من ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع أو غير ذلك أقساما. هذا في ما قصد عود منافع الوقف إلى موقوف عليه من شخص أو عنوان أو جهة. وقد يكون المقصود إيجاد عنوان وحبس العين عليه من دون لحاظ موقوف عليه ، ليتملّك العين أو المنفعة أو الانتفاع كما في المساجد والمشاهد المقدسة.

٥٧٦

وحينئذ (١) فلو خرب المسجد وخربت القرية (٢) وانقطعت المارّة عن الطريق الذي فيه المسجد (٣) ، لم يجز (٤) بيعه وصرف ثمنه في إحداث مسجد آخر ، أو تعميره.

والظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به (٥) غير واحد.

______________________________________________________

الأوّل : في أرضه بعد خراب البناء.

والثاني : في ما يوقف للمسجد لانتفاع المصلّين من الحصر والبواري ، والفرش ، والوسائد ، وآنية الماء ونحوها.

الثالث : في أجزاء المسجد كالآجر والجذع والأخشاب الموضوعة في البناء ، ونحوها.

والكلام فعلا في الموضع الأوّل ، وهو حكم بيع أرض المسجد والمشهد ونحوهما من الأوقاف العامة. واختار قدس‌سره عدم جواز بيعها وإجارتها ، خلافا لما يظهر من الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس‌سره ، وسيأتي.

(١) أي : وحين كون محلّ الكلام هنا هو الملك غير الطلق ، لا عدم الملك رأسا ، فيتفرّع عليه فساد بيع المسجد لو خرب.

(٢) التي فيها مسجد ، فالمقصود خراب المجموع.

(٣) بأن تغيّرت طريق السفر ، فبقي المسجد في الطريق الاولى عديم الفائدة ، إذ لا مارّ به حتى يصلّي فيه.

(٤) جواب «فلو خرب».

(٥) أي : بعدم الخلاف في منع بيع المسجد الخراب ، والمعترف جماعة كالسيد العاملي والمحقق الشوشتري والسيد المجاهد وصاحب الجواهر قدس‌سرهم (١). ففي مفتاح الكرامة : «بلا خلاف من أحد إلّا من أحمد» وفي المقابس : «وقد أجمع الأصحاب على ذلك في المسجد ، وقالوا : بأنه إذا خرب لم يخرج عن كونه وقفا إذا لم تكن أرضه من الأراضي الخراجية ، أو بقيت آثار المسجد ..».

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٠٠ ، مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٣ ، المناهل ، ص ٥٠٨ ، جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ١٠٧.

٥٧٧

نعم (١) ، ذكر بعض الأساطين ـ بعد ما ذكر أنّه لا يصحّ بيع الوقف العامّ ، لا لعدم تمامية الملك ، بل لعدم أصل الملك ، لرجوعها إلى الله ، ودخولها في مشاعره ـ أنّه (٢) مع اليأس عن الانتفاع به

______________________________________________________

(١) استدراك على عموم منع التصرفات في الأوقاف العامة من البيع والصلح والهبة والإجارة ، وغرضه استثناء إجارة الأوقاف العامة من أنحاء التصرفات الممنوعة ، كما ذهب إليه الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره في شرح القواعد ـ عند اليأس من الانتفاع في الجهة المقصودة ـ من التفصيل بين العرصة بجواز إجارتها بشرطين سيأتي بيانهما ، وبين آلات الموقوفة.

وأفاد نحو هذا بالنسبة إلى أرض الموقوفة في باب الوقف من كشف الغطاء ، فقال : «ان جميع الأوقاف العامة من مساجد ومدارس ومقابر وربط ونحوها إذا خربت وتعطّلت جاز للحاكم إيجارها لوضع آخر ، مع ضبط الحجج والإشهاد ، ولئلّا يغلب وضعها على أصلها (١).

(٢) الجملة منصوبة محلّا على المفعولية ل «ذكر بعض الأساطين» وتوضيح كلام الشيخ الكبير هو : أنّ الوقف العام كالمسجد والمشهد والمقبرة لا يجوز بيعه ، لانتفاء الملك كما تقدم من كون الوقف في هذا القسم فكّ الملك وتحريره ، ولكن يمكن الانتفاع به بعد الخراب ، بأن توجر الأرض لزراعة وشبهها بشرطين :

أحدهما : رعاية الآداب اللازمة المختصة بتلك الموقوفة إن كانت مسجدا ، كعدم تلويث العرصة ، ومكث من يحرم المكث فيه ، ونحوهما.

وثانيهما : إحكام السّجلّات ، والمقصود كتابة وثيقة على كونها مسجدا ، والإشهاد حين الإجارة على ذلك ، حذرا من نسيان ذلك مرّ الأيام ، فيقضى بكونها ملكا للمستأجر أو لورثته بمقتضى اليد التي هي أمارة الملكية.

فإن تحققت الإجارة ، فإمّا أن يوجد وقف مماثل ، وإما أن لا يوجد المماثل.

فإن وجد لزم صرف الأجرة فيه ، كما إذا كانت الموقوفة المستأجرة مسجدا ، فيجب صرف الأجرة في مسجد آخر إن كان ، مع رعاية أمور ثلاثة :

__________________

(١) كشف الغطاء ، كتاب العبادات الداخلة في العقود ، الباب الأوّل ، البحث الثالث عشر ، الأمر الأربعون (الحجرية).

٥٧٨

في الجهة المقصودة (١) تؤجر للزراعة ونحوها (٢) ، مع المحافظة على الآداب اللّازمة لها إن كانت مسجدا مثلا ، وإحكام (٣) السّجلّات ، لئلّا يغلب اليد فيقضى بالملك. وتصرف (٤) فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف

______________________________________________________

أوّلها : كونه أقرب إلى مصرف الوقف ، فلو تعدّدت المساجد وكانت حاجتها إلى الأجرة المزبورة على السواء لم يجز صرفها في ما عدا الأقرب.

وثانيها : كونه أشد حاجة ، فلو تساوى مسجدان في القرب إلى المصرف ، لزم صرف الأجرة في الأحوج منهما إليها.

وثالثها : كونه أفضل ممّا عداه ، فلو تساوى مسجدان في القرب والحاجة ، ولكن كان أحدهما أفضل من الآخر ـ لكونه مسجدا جامعا والآخر مسجدا للسوق أو للقبيلة ـ تعيّن صرف الأجرة في الجامع.

ولو تعارض القرب والحاجة ، أو تعارض الحاجة والفضيلة ، أو تعارض القرب والفضيلة ، قدّم الراجح كما سيأتي توضيحه.

ولو كانت الموقوفة المستأجرة مقبرة درست آثارها لزم صرف الأجرة في مقبرة أخرى مع رعاية الأقرب والأحوج والأفضل.

وإن فقد المماثل ـ كما إذا خرب مسجد القرية ولم يكن فيها مسجد آخر ـ لزم صرف الأجرة في موقوفة اخرى كالمقبرة والحسينية والمشهد. فإن تعذّر صرف الأجرة في ذلك صرفت في مصالح المسلمين كبناء جسر أو قنطرة مما ينتفع به الجميع.

هذا كله بالنسبة إلى إيجار العرصة التي كانت مسجدا أو مقبرة. وأما الآلات فسيأتي كلام الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره فيها.

(١) وهي الصلاة في المسجد ، والدفن في المقبرة ، وإقامة مجالس العزاء وتعظيم شعائر الله في الحسينيات ، ونزول الحجاج والمسافرين في الخانات ، وهكذا.

(٢) كإجارته لدوس الزرع ، أو دقّ الأرز ، أو تشييد مصنع فيه ، كلّ ذلك مع رعاية الآداب الشرعية.

(٣) معطوف على «المحافظة» وهذا إشارة إلى الشرط الثاني المتقدم بقولنا : «ثانيهما إحكام السّجلات ..».

(٤) معطوف على «تؤجر» يعني : بعد تحقق الإجارة ـ بشرطيها ـ يجب صرف الأجرة

٥٧٩

مقدّما للأقرب والأحوج (١) والأفضل احتياطا. ومع التعارض (٢) فالمدار على الراجح. وإن تعذّر (٣) صرف إلى غير المماثل كذلك. فإن تعذّر (٤) صرف في مصالح المسلمين.

وأمّا غير الأرض (٥) من الآلات والفرش والحيوانات وثياب الضرائح

______________________________________________________

في الوقف المماثل إن كان.

(١) يعني : يشترط في صرف الأجرة في المماثل تقديم الأقرب ، والأحوج إلى الأجرة ، والأفضل على سائر المساجد. وهذا التقديم مبني على الاحتياط.

(٢) يعني : ومع تعارض كلّ من الثلاثة بعضها مع بعض قدّم الراجح ، ولهذا التعارض صور :

الاولى : أن يكون أحد المسجدين أقرب إلى مصرف الوقف ، والآخر أحوج إلى الأجرة وإن كان أبعد من حيث المصرف.

الثانية : أن يكون أحد المسجدين أحوج ، والآخر أفضل.

الثالثة : أن يكون أحد المسجدين أقرب إلى المصرف والآخر أفضل.

وحكم هذه الصور ملاحظة الراجح ، بأن كانت الأحوجية في إحدى المساجد غالبة على مقدار ما في ثانيها من الأقربية ، وفي ثالثها من الأفضلية.

ومقتضى تقدم الأحوج أنّه مع التساوي في الحاجة يتخير في صرف أجرة أرض المسجد في أيّ واحد من المساجد الثلاثة المفروضة في كلامه من كون بعضها أقرب وبعضها أحوج وبعضها أفضل.

(٣) أي : وإن تعذّر صرف الأجرة في المماثل ـ وهو المسجد ـ صرف في موقوفة أخرى كالمشهد والحسينية والمدرسة مع تقديم الأقرب والأحوج والأفضل على غيره كما روعي التقديم في نفس المساجد أيضا.

(٤) أي : فإن تعذّر صرف الأجرة في غير المماثل تعيّن صرفه في المصالح العامة.

هذا كله حكم الأرض الموقوفة مسجدا أو مقبرة ونحوهما ممّا يكون حقيقته فكّ الملك. وسيأتي الكلام في حكم ما يتعلّق بها من آلات وأثاث.

(٥) توضيح ما أفاده الشيخ الكبير قدس‌سره في حكم آلات الوقف ـ كالجذع الباقي بعد

٥٨٠