هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيهما : ما لو أقرّ أحد الشريكين ـ المتصرفين في المال المشاع بينهما نصفين ـ بأنّ شخصا آخر يستحق ثلث المال ، ولكل واحد من المتصرّفين ثلثه لا نصفه. حيث إنّهم حكموا بأنّ النصف الذي يستحقه المقرّ يشترك فيه هو والمقرّ له على السواء ، فنصفه له ، ونصفه للمقرّ له.

وقد بيّن صاحب الجواهر الفرق بين المسألتين في مواضع.

فمنها : ما أفاده في مسألة بيع نصف الدار بقوله : «انّ الموافق للضابطة ما في باب الإقرار ، بدعوى : تنزيل المنكر تنزيل الغاصب القاصد غصب خصوص حصة الشريك المخصوص ، بناء على قيامه حينئذ مقام المالك في القسمة مع الشريك ، لحديث الضرار والسيرة وغيرها. على معنى : أن المالك في هذا الحال له إفراز ملكه عن ملك شريكه ، كما كان له ذلك في المال الزكوي ونحوه .. إلخ» (١).

ومنها ما أفاده في كتابي الصلح والإقرار فراجع (٢).

وتوضيح أصل المسألة : أنّه لو فرض اشتراك زيد وعمرو في دار ، ولكلّ منهما يد على نصف مشاع منها ، فأقرّ زيد بأنّ ثلث الدار لبكر ، وأنّ لكل من زيد وعمرو ثلث الدار لا نصفها.

ولا يخلو الأمر حينئذ من أنّ عمروا إمّا أن يصدّق زيدا ، ولا كلام في صيرورة الحصص أثلاثا. وإمّا أن يكذّبه ـ كما هو مفروض البحث ـ ولا يحكم على المنكر بشي‌ء ، بل له النصف المشاع من الدار ، لما تقرّر من تقدم قول المنكر. وأمّا المقرّ فيؤاخذ بمقتضى إقراره «لأنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ونافذ» فيصير المقرّ له شريكا مع المقرّ في النصف المختص به.

لكن الكلام في تعيين ما يستحقه المقرّ له ، وأنّ حصّته ثلث ما للمقرّ ، بدعوى :

اعترافه بأنّ له ثلث المجموع ، وما زاد على هذا الثلث هو سدس المجموع ، وهو للمقرّ له.

فإذا كانت الدار اثني عشر سهما ، كان حصة المقرّ قبل الإقرار ستة أسهم ، وينقص بالإقرار إلى أربعة أسهم هي ثلث المجموع ، ويبقى سهمان فاضلان عن هذا الثلث ـ وهما سدس الدار ـ للمقرّ له.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٨.

(٢) المصدر ، ج ٢٦ ، ص ٢٣٩ وفي ج ٣٥ ، ص ١٦٥.

٤١

لو أقرّ أحد الرجلين الشريكين ـ الثابت يد كلّ منهما على نصف العين ـ بأنّ (١) ثلث العين لفلان ، حمل (٢) على الثلث المشاع في النصيبين ، فلو (٣) كذّبه (*) الشريك الآخر ،

______________________________________________________

أم أنّ حصة المقرّ له نصف حصة المقرّ ، ثلاثة أسهم ، وهي لا سهمان.

وهذا الاحتمال هو مبنى الاستشهاد بهذا الفرع على أنّ الكسور ـ كالنصف والربع والثلث ـ تنصرف عند الإطلاق إلى المشاع بين النصيبين. وظاهرهم الإجماع عليه. وهو يبتني على أمور مسلّمة.

الأوّل : ما تقرر في كتاب الشركة من توزيع الربح والخسران على الشريكين أو الشركاء بنسبة الحصص.

الثاني : أنّ إنكار أحد الشريكين ـ وهو عمرو في المثال ـ إتلاف لمقدار من الثلث الذي استحقه المقرّ له بإقرار المقرّ ، فحرمان المقرّ له من بعض ما يستحقه مسبّب عن تكذيب أحد الشريكين للآخر.

الثالث : ظهور الكسر في المشاع بين النصيبين.

وبناء على هذه يستحق المقرّ له نصف ما للمقرّ. وسيتضح في مطاوي شرح المتن.

(١) متعلق ب «أقرّ» في قوله : «لو أقرّ أحد الرجلين».

(٢) جواب «لو» يعني : أنّه يحمل «الثلث» المقرّ به على الثلث المشاع في النصيبين.

(٣) هذا متفرع على حمل الثلث المقرّ به على الثلث المشاع في النصيبين ، توضيحه : أنّه إذا كذّب الشريك الآخر وأنكر صدق إقرار المقرّ ، دفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما بيده. فإذا فرض أنّ العين المتنازع فيها اثنا عشر سهما ، وكانت ستة أسهم منها تحت يد المقرّ ، ومثلها تحت يد شريكه ، دفع المقرّ إلى المقرّ له ثلاثة أسهم التي هي نصف الستة التي بيده ، إذ مقتضى الإشاعة في الحصتين توزيع الثلث المقرّ به ـ وهو أربعة أسهم ـ على الستة التي هي نصيب المقرّ به ، والستة التي هي سهم الشريك المنكر. فثلث المقرّ به ـ وهو أربعة ـ يخرج من هاتين الستتين حتى يكون ثلث كلّ من الشركاء الثلاثة أربعة أسهم.

__________________

(*) لم يظهر وجه لهذا التفريع ، ضرورة أنّ الإقرار بالنسبة إلى نفس المقرّ لا يقتضي إلّا دفع ما زاد على النصف الذي بيده ، لأنّ نفوذ إقراره على نفسه يوجب دفع ما لا يستحقه ـ وهو ثلث ما بيده أعني الواحد من الثلاثة ـ لا نصف ما بيده ، وهو الواحد والنصف ، فإنّه

٤٢

دفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما في يده ، لأنّ (١) المنكر بزعم المقرّ ظالم للسّدس بتصرّفه (٢) في النصف ، لأنّه (٣) باعتقاده إنّما يستحقّ الثلث ، فالسدس (٤) الفاضل في

______________________________________________________

(١) تعليل لدفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما في يده ، ومحصّله : أنّه بعد أن دفع المقرّ إلى المقرّ له سهمين يعني : سدس الاثني عشر ، وهذا السدس نصف الثلث المقرّ به ، يتلف من سهم المقرّ له سهمان ـ وهما : سدس الاثني عشر ـ بسبب تكذيب الشريك وإنكاره لإقرار المقرّ ، فهو باعتقاد المقر ظالم وغاصب لهذا السدس. ومقتضى ما في الشركة من «أنّ ما حصل حصل لهما وما توى توى عليهما» هو احتساب التالف وهو السدس ـ أعني السهمين ـ على المقر والمقر له ، حسب استحقاقهما أي على كل منهما سهم.

وبالجملة : فسهمان ـ وهو السدس ـ يخرج من ستة أسهم متعلقة بالمقرّ ، وسهم أيضا يخرج من سهمه ، لكون التالف ـ وهو سهمان ـ على المقرّ والمقر له.

(٢) أي : بسبب تصرف المنكر في النصف أي نصف ثلث المقرّ له ، وهو سدس الكل.

(٣) أي : لأنّ المقرّ باعتقاده يستحق المقر له ثلثا من العين.

(٤) يعني : فالسدس في يد المنكر ـ وهو سهمان من اثني عشر سهما ـ نسبته إلى المقرّ والمقرّ له على حد سواء.

__________________

خارج عن حيطة الإقرار على النفس. فاللازم على المقرّ دفع ما زاد عن حقه ـ وهو السدس ـ إلى المقرّ له. كما أنّ اللازم على المنكر دفع السدس الآخر الذي عنده إليه. وليس شي‌ء من هذا السدس على المقرّ أصلا.

ودعوى «أن قاعدة الشركة تقتضي ورود الضرر على كلّ من المقرّ والمقرّ له ، فيوزّع السدس الذي هو عند المنكر عليهما بالمناصفة» غير مسموعة ، إذ فيه أوّلا : أنّ مورد الضرر على الشريكين في النصوص هو الدّين.

وثانيا : أنّ التعدّي من الدّين إلى العين إنّما يكون في مال أقرّ اثنان بأنّه مشترك بينهما وتلف ، أو غصب بعضه ، فإنّ مقتضى إقرارهما بشركة المال بينهما كون الضرر عليهما.

فإن تمّ إجماع ـ كما ادّعاه صاحب الجواهر قدس‌سره ـ فهو ، وإلّا فيشكل استحقاق النصف.

٤٣

يد المنكر نسبته إلى المقرّ والمقرّ له على حدّ سواء (١) ، فإنّه (٢) قدر تالف من العين المشتركة ، فيوزّع على الاستحقاق.

ودعوى (٣) : أنّ مقتضى الإشاعة تنزيل المقرّ به (٤) على ما في يد كلّ منهما ، فيكون في يد المقرّ سدس (٥) ، وفي يد المنكر سدس ، كما لو صرّح بذلك (٦) ، وقال :

______________________________________________________

(١) أي : نصفه ، وهو سهم واحد من اثني عشر للمقر ، ومثله للمقرّ له ، حتى يكون مجموع حصة كل منهما ثلثا ، وهو أربعة أسهم من اثني عشر.

(٢) أي : السدس الباقي عند المنكر هو القدر التالف من العين ، فيوزّع على المقرّ والمقرّ له بمقدار استحقاقهما ، وهو التنصيف.

(٣) الغرض من هذه الدعوى جعل مسألة إقرار أحد الشريكين نظير مسألة إقرار بعض الورثة بوارث آخر ، في أنّ القاعدة في الجميع تقتضي صيرورة المقرّ له مستحقا لما يفضل من حصة المقرّ. ففي المقام يلزم دفع السدس ـ وهو نصف الثلث فقط ـ إلى المقر له ، وعدم لزوم دفع أزيد منه إليه.

توضيحه : أنّ مقتضى الإشاعة في النصيبين هو تنزيل المقرّ به على ما في يد كلّ من الشريكين ، فإذا كان الثلث المقرّ به أربعة أسهم ـ كما هو المفروض ـ وزّع على سهمي المقرّ والمقرّ له على السويّة ، فيخرج سهمان وهو نصف الثلث من ستة أسهم المقرّ للمقرّ له ، ولا يخرج منها شي‌ء زائد عليه ، وهو سهم واحد من السهمين التالفين بسبب تصرف المنكر في السدس الزائد على الثلث.

(٤) وهو ثلث المجموع الذي أقرّ به أحد الشريكين.

(٥) وهو نصف الثلث ، وكذا في يد المنكر ، فالخارج من سهم المقر سدس فقط.

(٦) أي : كما لو صرّح المقرّ بالسدسين ، وغرضه من هذا التشبيه إثبات أنّه ليس في ذمة المقرّ إلّا السدس ، وكذا على المنكر.

تقريبه : أنّ المقرّ إذا صرّح بالسدسين ، وقال : «انّ للمقرّ له في يد كل من المقرّ والمنكر سدسا» كواحد من الستة ـ والمفروض أنّ إقرار المقر بالنسبة إلى الغير غير مسموع ، لعدم كونه إقرارا على النفس ـ لم يجب على المقر إلّا دفع السدس ـ وهو نصف الثلث ـ إلى المقرّ له.

٤٤

«إنّ له في يد كلّ منهما سدسا» وإقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير (١) غير (٢) مسموع ، فلا يجب إلّا أن يدفع (٣) إليه ثلث ما في يده ، وهو (٤) السدس المقرّ به ، وقد تلف السدس الآخر (٥) بزعم المقرّ على المقرّ له بتكذيب المنكر.

مدفوعة (٦) بأنّ

______________________________________________________

(١) وهو الشريك المنكر ، وضمير «له» راجع إلى المقر له ، وضمير «منهما» إلى المقر والمنكر ، وضمير «إقراره» إلى المقرّ.

(٢) خبر «وإقراره». ووجه عدم سماعه عدم كونه إقرارا على نفس المقرّ ، كما مرّ.

(٣) يعني : فلا يجب إلّا أن يدفع المقرّ إلى المقرّ له ثلث ما في يده ، وهو واحد من الثلاثة التي بيده فيما إذا كانت العين ستة أسهم.

(٤) أي : ثلث ما بيده هو السدس المقرّ به أعني به الواحد من ستة أسهم.

(٥) وهو نصف الثلث أيضا قد تلف بزعم المقرّ على المقرّ له بسبب تكذيب المنكر ، وعدم تصديق المقرّ في مقالته.

فنتيجة هذه الدعوى : عدم وجوب شي‌ء على المقرّ إلّا دفع نصف الثلث وهو سدس الستة أسهم إلى المقرّ له ، وعدم لزوم دفع نصف ما بيده وهو الواحد ونصفه ، لأنّه نصف الثلاثة التي بيده ، وربع الستة.

(٦) خبر قوله : «ودعوى» ودفع لها ، وملخّص الدفع : أنّ قياس المقام على ما لو صرّح المقرّ «بأنّ للمقر له في يد كل من المقرّ والمنكر سدسا» مع الفارق ، لأنّ ما في يد الغير فيما نحن فيه ليس مفروزا ومتميّزا عمّا في يد المقر حتى يكون كما لو صرّح المقرّ «بأنّ سدس دار وسدس دار غيري لزيد» في قبول إقراره في داره ، وعدم قبوله في دار غيره. بل ما في يد الغير ـ وهو المنكر ـ حصة مشاعة كحصتي المقر والمقرّ له باعتقاد المقرّ ، فبإنكار المنكر يتلف سدس مشاع ، وهو واحد من الستة ، ويوزّع على المقرّ والمقرّ له بالمناصفة.

وعليه فاللازم على المقرّ أن يدفع إلى المقرّ له نصف ما في يده ، وهو واحد ونصف من الستة ، لا ثلث ما في يده ، وهو الواحد من الثلاثة.

٤٥

ما في يد الغير (١) ليس عين ماله (*) ، فيكون (٢) كما لو أقرّ شخص بنصف كلّ من داره ودار غيره ، وهو (٣) مقدار حصّته المشاعة ، كحصّة المقرّ وحصّة المقرّ له بزعم المقرّ ، إلّا أنّه (٤) لمّا لم يجبر المكذّب على دفع شي‌ء ممّا في يده ، فقد تلف سدس مشاع (٥) يوزّع على المقرّ والمقرّ له ، فلا معنى لحسابه (٦) على المقرّ له وحده ، إلّا على احتمال ضعيف (٧) ، وهو تعلّق الغصب بالمشاع ، وصحّة تقسيم الغاصب مع الشريك ،

______________________________________________________

(١) المراد بالغير هو المنكر والمكذّب لمقالة المقرّ.

(٢) أي : ليكون. ولعلّ الأولى أن يقال : «حتى يكون كما لو أقرّ .. إلخ».

(٣) أي : ما في يد الغير ، ولعلّ الأولى أن يقال : «بل هو مقدار» ليكون إضرابا عن قوله : «ليس عين ماله».

(٤) الضمير للشأن ، والغرض من قوله : «إلّا أنّه لما لم يجبر المكذّب» إثبات كون السدس موزّعا على المقرّ والمقرّ له ، بتقريب : أنّ السدس لمّا صار تالفا من العين المشاعة ـ إذ لا موجب لدفعه على المنكر ، لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه ، ولكونه ذا يد على العين ، واليد أمارة الملكية ظاهرا ـ فالتالف يوزّع على كلّ من المقرّ والمقرّ له ، فالسدس التالف وهو الواحد من الستة ينصّف عليهما.

(٥) هذا هو السدس الذي عند المنكر ، وقد عرفت أنّه لا يجبر على دفع شي‌ء ممّا في يده ، لكونه ذا اليد ، ولعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه.

(٦) أي : لحساب السدس الذي يكون عند المنكر على المقرّ له وحده.

(٧) مذكور في كتاب الغصب ، وهو تعلق الغصب بالمشاع ، وصحة تقسيم الغاصب مع الشريك ، فإنّه بناء على هذا الاحتمال يكون التالف على المقرّ له فقط ، وليس على المقر إلّا دفع ثلث ما بيده إلى المقرّ له.

وينبغي أوّلا توضيح ما ذكروه في باب الغصب ، ثم وجه ابتناء ما نحن فيه عليه. فنقول وبه نستعين : أنّه إذا كانت دار مثلا مشتركة بين شخصين على وجه الإشاعة ،

__________________

(*) بل هو محكوم ظاهرا بمقتضى اليد بكون ما في يده ملكا له ، فإقرار المقرّ لا يكون نافذا في حق المنكر ، فالسدس الذي عند المنكر يحسب تالفا على المقرّ له فقط ، فلا وجه لاحتسابه عليه وعلى المقرّ معا.

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأخرج ظالم أحدهما من الدار وتصرّف فيها بانيا على غصب حصته منها ، ثم بنى على تقسيم الدار ، وقسّمها. ففي مثله يتجه مسألتان.

إحداهما : أنّه هل يعتبر في صدق الغصب والاستيلاء على مال الغير كون المال مقسوما معيّنا؟ أم لا يعتبر ذلك ، فيتحقق غصب المال المشترك المشاع بين اثنين أو أزيد.

ثانيتهما : أنّه بعد صدق الغصب بالنسبة إلى المشاع هل ينفذ تقسيم المال من قبل الغاصب ، فيستقلّ هو بحصة المغصوب منه ، ويستقل الشريك الآخر بحصته؟ أم أنّ أمر التقسيم بيد الحاكم لو رجع إليه الطرف لدفع الحرج عن نفسه.

وهذا ـ كما أفاده الفقيه المامقاني قدس‌سره ـ «أمر يعمّ البلوى به ، لكثرة ما يتفق من غصب المتجاهرين بالظلم وغيرهم حصّة أحد المتشاركين في القرى والعيون والعقار والأعيان. بل قد يتفق غصب ثلث الميت من وصيّه ، وأنّ الزكاة يأخذه السلطان ، وإن كان أخذه لها ـ إن كان مسلما مقدّما للشيخين ـ لا يوجب الإشكال في حصة المالك» (١).

أمّا المسألة الأولى فالأكثر ـ كما في المسالك (٢) ، بل في الجواهر «لا نجد فيه خلافا محقّقا» (٣) ـ على صدق «الغصب» عرفا على الاستيلاء على المال المشترك كالمقسوم ، ويكون الغاصب ضامنا ، إلّا بناء على اعتبار الاستقلال باليد في الغصب كما ربّما يظهر من المحقق قدس‌سره حيث تردّد في حكم شيخ الطائفة بضمان النصف (٤). قال في المبسوط : «غصب المشاع يصح ، كما يصحّ غصب المقسوم ، وذلك أن يأخذ عبدا بين شريكين ، ويمنع أحد الشريكين من استخدامه ، ولا يمنع الآخر ، فيكون قد غصب حصّة الذي منعه منه.

وكذلك إذا كان شريكان في دار ، فدخل غاصب إليها ، فأخرج أحدهما ، وقعد مع شريكه ، فيكون غاصبا لحصّة الشريك الذي أخرجه. فإذا ثبت هذا وحصل المال المشترك في يد الغاصب وأحد الشريكين ، ثم إنّهما باعا ذلك المال ، مضى البيع في نصيب

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٤١١.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ١٥٢.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ٢٣.

(٤) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٣٥.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

البائع ، ولا يمضي بيع الغاصب ، كما نقول في تفريق الصفقة» (١). وحكم قدس‌سره في كتاب الغصب بضمان النصف كما هنا لو هجم الغاصب على دار غيره وكان صاحبها فيها (٢).

وأما المسألة الثانية فلها صورتان ، الاولى : أن يطلب الشريك الآخر من المغصوب منه قسمة المال. بأن يعيّنا برضاهما نصفا معيّنا للغاصب ، ونصفا للشريك ، فيفرز المشاع بينهما.

والظاهر جواز طلب القسمة ، فإن أجابه المغصوب منه فهو ، وإلّا رفع الشريك أمره إلى الحاكم ، ليجبره على الإفراز.

الثانية : أن يقتسم الغاصب والشريك العين المغصوبة ، بلا مراجعة إلى المغصوب منه ولا الحاكم ، فهل يتعيّن النصف المفرز للشريك بحيث تصحّ تصرفاته فيه كما لو لم يكن مشاعا أصلا ، أم أنّه يجب على الشريك الاستئذان من المغصوب منه في التصرف ، كما يضمن له نصف المنافع المستوفاة؟ مقتضى القاعدة بطلان هذه المقاسمة ، لتوقفها على رضا الشريكين أو الولي عليهما أو على أحدهما ، ولا تكون إرادة الغاصب بنفسها معيّنة لحصة الشريك.

لكن حكي قول بنفوذ القسمة عن الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء قدس‌سره في كتابه أنوار الفقاهة. حيث قال : «ولو أراد غاصب غصب حصّة الشريك فقط ، فلا يبعد جواز مقاصة الشريك الآخر مع الغاصب ، ولا رجوع للمغصوب منه على ما بيد شريكه وإن كان غائبا» (٣). وحكاه عنه صاحب الجواهر في كتاب الشركة ، قائلا : «لكنه كما ترى ، وقد تقدّم لنا بحث في ذلك» (٤) وأشار إليه في مسألة جواز شراء ما يأخذه الجائر باسم الزكاة ، فراجع (٥). وذكره في مسألة بيع نصف الدار تاركا لتضعيفه ، وقد تقدم كلامه في (ص ٤١) فراجع.

إذا اتضح ما ذكروه في كتاب الغصب وغيره ، فاعلم : أنّ كلام المصنف : «إلّا على

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٣٥٥.

(٢) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٧٣.

(٣) أنوار الفقاهة ، مخطوط ، والعبارة منقولة عن غاية الآمال ، ص ٤١١ و ٤١٢.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ٣١٥.

(٥) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٠٢.

٤٨

فيتمحّض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه ، وما يأخذه الشريك لنفسه. لكنّه احتمال مضعّف في محلّه (١) ،

______________________________________________________

احتمال مضعّف» إشارة إلى قول صاحب أنوار الفقاهة ـ في المسألة الثانية ـ بنفوذ هذه القسمة ، وأنّه يصير نصف المال ملكا محضا للشريك. ومحصله : أنه لو بني على صحة التقسيم ، ففي ما نحن فيه ـ وهو إقرار أحد الشريكين بكون ثلث المال للغير ـ يكون السدس الباقي عند المالك المنكر لصحة إقرار المقرّ محسوبا على المقرّ له فقط ، لأنّ ثلث المقرّ له صار بسبب التقسيم عند المالكين الآخرين الغاصبين ، وأحدهما ـ وهو المقرّ ـ دفع السدس الذي كان عنده إلى المقرّ له ، وبقي السدس الآخر عند المنكر الغاصب ، فالسدس التالف محسوب على المقرّ له فقط ، إذ المفروض صحة التقسيم ، وصيرورة ثلث المقرّ له عند المقرّ والمنكر. والمقرّ دفع السدس الذي عنده ، وبقي السدس الآخر عند المنكر.

(١) من كتاب الغصب. والوجه في ضعفه ضعف ما استند إليه صاحب أنوار الفقاهة من وجهين.

أحدهما : قاعدة نفي الحرج ، بتقريب : أنّ منع الشريك من التصرف في حصّته حرج عليه ، مع كثرة الغاصبين للأملاك ، وهذا المنع مرفوع عنه ، فيسوغ التقسيم مع الغاصب ، ويستقلّ الشريك بالحصة المفرزة له.

ثانيهما : السيرة المستمرة إلى عصر المعصوم عليه‌السلام الكاشفة عن إمضاء عمل العرف.

أما ضعف الوجه الأول فلأنّه ـ لو سلّم الحرج في المنع ـ لا تصلح القاعدة لتشريع جواز القسمة المزبورة ، لكونها نافية للحكم لا مثبتة له.

وأما ضعف الوجه الثاني فلعدم إحرازها ، بل يحتمل الردع عنها بفتوى الأكثر. بل المتفق عليها كما حكي.

وبهذا ظهر أنّ قول المصنف «إلّا على احتمال مضعّف» لا يراد به ضعف تعلّق الغصب بالمشاع ، كما قد يلوح من العبارة بدوا. لما عرفت من عدم ضعفه ، بل المراد بالاحتمال ما تقدّم من صاحب أنوار الفقاهة في صحة تقسيم المغصوب المشاع.

والشاهد على إرادة هذا الاحتمال قوله : «لكنه احتمال مضعّف في محلّه» فإنّ

٤٩

وإن قال به (١) أو مال (٢) إليه بعض على ما حكي (٣) للحرج أو السيرة.

نعم (٤) يمكن أن يقال : بأنّ التلف في هذا المقام (٥) حاصل (٦) بإذن الشارع للمنكر الغاصب (٧) لحقّ المقرّ له باعتقاد (٨) المقرّ ، والشارع إنّما أذن له (٩) في أخذ

______________________________________________________

المضعّف هو نفوذ هذه القسمة ، لا ضمان الغاصب للمشاع.

(١) أي : باحتمال صحة تقسيم الغاصب مع الشريك.

(٢) الترديد بين القول والميل نشأ من تعبير صاحب الجواهر «بل ربما احتمل أو قيل ..» (١) وإلّا فظاهر عبارة أنوار الفقاهة هو الفتوى ، لا مجرّد الاحتمال. بل حكى الفقيه المامقاني قدس‌سره عن بعض مشايخه : أنه سمع من صاحب الأنوار مشافهة نفي البعد عن صحة القسمة المزبورة (٢).

(٣) الحاكي لكلامه صاحب الجواهر ، وردّه في بعض المقامات ، وسكت عنه في مقام آخر.

(٤) بعد أن ضعّف المصنف قدس‌سره الاحتمال المذكور ـ المقتضي لكون السدس الذي عند المنكر محسوبا على المقرّ له وحده ـ تمسّك بوجه آخر لاحتساب السدس عليه.

ومحصل هذا الوجه : أنّ المنكر ـ الذي هو غاصب باعتقاد المقر ـ قد أخذ المال بانيا على أنّه من المقرّ له ، دون المقر ، إذ المفروض أنّه يدفع بمقتضى إقراره السدس الذي عنده ، والشارع قرّره ظاهرا بمقتضى اليد على ذلك ، ولازم هذا التقرير كون التلف على المقرّ له وحده.

(٥) أي : في مقام إقرار أحد الشريكين بكون ثلث الدار لزيد.

(٦) خبر «ان» في قوله : «بأن» وقد مرّ تقريبه آنفا بقولنا : «ومحصل هذا الوجه».

(٧) أي : الغاصب بزعم المقر ، لا واقعا ، إذ لا يتصور الإذن له من الشارع.

(٨) متعلّق بالغاصب ، أي : كون المنكر غاصبا إنما هو باعتقاد المقرّ ، وليس ثابتا في الواقع ، لاحتمال كذب المقرّ.

(٩) أي : للمنكر الغاصب ، وإذن الشارع ظاهرا إنّما هو لأجل أمارية اليد.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ٣١٥.

(٢) غاية الآمال ، ص ٤١٢.

٥٠

ما يأخذه على أنّه من مال المقرّ له (١) ، فالشارع إنّما حسب السدس في يد المنكر على المقرّ له (٢) ، فلا يحسب منه (٣) على المقرّ شي‌ء.

وليس (٤) هذا كأخذ الغاصب جزءا معيّنا من المال عدوانا بدون إذن الشارع حتّى يحسب على كلا الشريكين.

والحاصل (٥) : أنّ أخذ الجزء [لما] (٦) كان بإذن الشارع ، وإنّما [فإنّما] أذن له

______________________________________________________

(١) دون المقر ، لما عرفت آنفا من أنّه لأجل إقراره يدفع السدس الذي عنده إلى المقر له.

(٢) الوجه في احتسابه على المقرّ له فقط هو : أنّ يد المنكر داخلية ، وهي حجة على اليد الخارجية التي هي يد المقرّ له ، وليست حجة على اليد الداخلية التي هي يد المقرّ. وعليه فلا وجه لضمان المقرّ شيئا من السّدس الذي يكون عند المنكر.

(٣) أي : من السّدس الذي يكون عند المنكر ، لما مرّ من أنّه يدفع السّدس الذي لديه إلى المقرّ له ، ولا يدفع أزيد منه.

(٤) هذا دفع توهم. أمّا التوهم فهو : أنّه إذا أخذ الغاصب جزءا معينا من مال يحسب على كلا الشريكين لا على واحد منهما ، كما إذا غصب غاصب جزءا من دار مشتركة بين شخصين ، فإنّه يحسب الجزء المغصوب على كليهما ، لا على واحد منهما. فليكن السدس المغصوب هنا محسوبا أيضا على المقرّ والمقرّ له معا.

وأمّا الدفع فهو : أنّ أخذ الغاصب هنا للسدس المقرّ به لمّا كان بإذن الشارع ، لا يكون كالأخذ الذي ليس بإذنه. ففي الأخذ المقرون بإذن الشارع لا ضمان ، بخلاف غير المأذون فيه ، الذي فيه الضمان.

(٥) يعني : وحاصل ما ذكرناه في مسألة الإقرار بثلث الدار وإنكار أحد الشريكين لذلك هو : أنّ أخذ المنكر للسدس كان بإذن الشارع له على أن يكون من مال المقرّ له ، وأنّه لا يجب على المقر إلّا دفع ثلث ما بيده ، لا نصفه.

(٦) في بعض النسخ زيادة هذه الكلمة ، والمناسب حينئذ «فإنّما» كما في النسخة المصححة لتكون جوابا للشرط ، والأولى ما أثبتناه.

٥١

على أن يكون من مال المقرّ له. ولعلّه لذا (١) ذكر الأكثر بل نسبه (٢) في الإيضاح إلى

______________________________________________________

(١) يعني : ولأجل كون أخذ المنكر للسدس بإذن الشارع على أن يكون من مال المقرّ له ـ وعدم لزوم دفع المقرّ أزيد من الواحد الذي هو ثلث ما بيده ، وعدم وجوب دفع الواحد والنصف الذي هو ربع ستة أسهم ، ونصف ما بيده أيضا ـ ذكر أكثر الأصحاب : أنّ أحد الأخوين إذا أقرّ بأخ ثالث لهما وأنكره الآخر ، دفع المقرّ إلى الأخ المقرّ له الواحد الذي هو ثلث ما بيده ، لأنّ المقر باعتقاده لا يستحق إلّا اثنين من ستة أسهم ، فالزائد على الاثنين خارج عن حيطة استحقاقه ، وهو نصف حق أخيه المقرّ له ، فيجب على المقرّ دفع الواحد الذي هو ثلث ما بيده ، لأنّه بمقتضى إقراره لا يستحقّ إلّا ثلث ما بيده من الثلاثة التي هي نصف الستة ، لأنّ العين تكون أثلاثا بين الإخوة الثلاثة ، لكل واحد منهم اثنان ، فثلث ما بيده ـ وهو الواحد ـ مال المقرّ له.

ولا يخفى أنّ الفرع المزبور ونظائره شاهد على أنّ الإشاعة في باب الإقرار بالنسب يكون بالنسبة إلى مجموع الحصتين أو الحصص ، ولا يكون في مجموع المال ليختص بحصة المقرّ ، كما كان بيع نصف الدار منصرفا إلى الحصة المختصة بالبائع. ولذا تصدّوا لبيان الفارق بين البابين بإجماع أو غيره ، فراجع (١).

(٢) قاله فخر المحققين في شرح الفرع السابع ممّا عنونه العلّامة في فروع الإقرار بالنسب ، وهو إقرار أخ الميت بأخ له من الأمّ ، وأقرّ الأخ الأمّي بأخوين آخرين ، وأنّ حصة الأخوين هل تكون في خصوص حصة الأخ الأمّي ، أو توزّع على حصة الأخ الآبي أيضا؟ فقال الفخر : «وجه الأوّل : أنّ الوارث إذا أقرّ بآخر دفع الزائد عمّا في يده عن حقه. هكذا نصّ الأصحاب» (٢).

والفرع المذكور يختلف عمّا أثبته المصنّف قدس‌سره في المتن ، من كون الوارث أخوين ، ويكون التركة بينهما ، ثم أقرّ أحدهما بأخ ثالث ليكون المال أثلاثا بينهم ، وأنكره الأخ الآخر كما أوضحناه.

لكن الجهة المشتركة بين هذين الفرعين ونظيرهما موجودة ، وهي إقرار بعض

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٨.

(٢) لاحظ : قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٢٩ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤٦٨.

٥٢

الأصحاب في مسألة الإقرار بالنسب : أنّ (١) أحد الأخوين إذا أقرّ بثالث ، دفع (٢) إليه الزائد عمّا يستحقّه باعتقاده وهو (٣) الثلث ، ولا يدفع (٤) إليه نصف ما في يده. نظرا (٥) إلى أنّه أقرّ بتساويهما في مال المورث ، وكلّ ما حصل كان لهما ،

______________________________________________________

الورثة بوارث آخر في طبقته ، كما في إقرار أحد الأخوين بأخ ثالث ، أو إقرار أحد الولدين بولد ثالث ، أو إقراره بوارث في طبقة سابقه ، كما لو أقرّ أحد الأخوين بولد ، وهكذا.

ولعل الأصل في دعوى الإجماع شيخ الطائفة ، حيث قال في الخلاف : «إذا مات رجل ، وله ابنان ، فأقرّ أحدهما بأخ ثالث ، فأنكره الآخر ، لا خلاف أنه لا يثبت نسبه. وإنّما الخلاف في أنه ـ أي المقرّ له ـ يشاركه في المال أم لا؟ فعندنا أنّه يشاركه ، ويلزمه أن يردّ عليه ثلث ما في يده. وقال مالك وابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة يشاركه بالنصف ممّا في يده ، لأنّه يقرّ أنّه يستحق من المال مثل ما يستحقه ، فيجب أن يقاسمه المال .. وقال الشافعي : لا يشاركه في شي‌ء ممّا في يده .. دليلنا : إجماع الفرقة. وأيضا : فإنّه يقرّ بأنّه يستحق من التركة ثلثها ، وهو ثلث ما في يده ، وما زاد عليه فللّذي أقرّ له به ، فوجب تسليمه إليه ، لأنّ الإقرار قائم مقام البينة ، ولو قامت البيّنة لم يلزمه أكثر من ثلث ما في يده» (١).

(١) متعلق بقوله : «ذكر الأكثر».

(٢) أي : دفع الأخ المقرّ إلى الأخ الثالث ثلث ما بيده ، وهو الواحد من الثلاثة.

(٣) بيان ل «الزائد» وهذا الثلث سدس الكل الذي هو ستّة أسهم.

(٤) يعني : ولا يدفع المقرّ إلى أخيه المقرّ له نصف ما بيده ، وهو الواحد والنصف أي ربع الستة ، وإلّا لزم أن يكون استحقاقه حال الاجتماع أزيد من حقه ـ وهو الثلث ـ حال التفريق ، وهو كما ترى.

(٥) الظاهر أنه بقرينة قوله : «وكل ما توى كان كذلك» تعليل للمنفيّ ، وهو لزوم

__________________

(١) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٣٧٨ ، المسألة ٢٩ ، ونقل السيد العاملي الإجماع عن الحلّي والعلّامة والمحقق الثاني قدس‌سرهم أيضا ، فراجع مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٣٤٧.

٥٣

وكلّ ما توى كان كذلك (١). هذا.

ولكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال (٢) ، من (٣) جهة أنّ الشارع ألزم بمقتضى

______________________________________________________

دفع نصف ما في يد المقرّ إلى المقرّ له ، وعدم كفاية دفع ثلث ما بيده إليه.

ومحصله : أنّ إقرار المقر يقتضي تساوي المقرّ والمقرّ له في متروكات الميّت ، والمفروض أنّ الورثة إخوة ثلاثة ، فالمال يقسّم بينهم أثلاثا ، لكلّ منهم ثلث ، وهو سدسان من الستة ، فأحد سدسي الأخ المقرّ له عند أخيه المقرّ ، وسدسه الآخر عند المنكر. وحيث إنّه ذو اليد ـ ويده حجة شرعية على ملكية هذا السّدس له ـ فلا موجب لانتزاعه عن يده ، فيعدّ هذا السدس محسوبا على المقرّ والمقرّ له ، لكون الضرر بمقتضى قاعدة الشركة عليهما.

وبالجملة : فليس على المقرّ دفع السدس فقط ، بل عليه دفع نصف ما بيده إلى المقرّ له ، وذلك النصف ربع الستة أسهم.

(١) أي : يكون التلف عليهما ، فالسدس الذي يكون عند المنكر ـ وهو ملكه ظاهرا لأجل اليد ـ يعدّ تالفا ، فيحسب عليهما ، لأنّه مقتضى «كل ما توى توى عليهما» لا على المقرّ له فقط.

(٢) وهو ما أفاده بقوله : «نعم يمكن أن يقال» الذي محصّله : احتساب السدس الذي بيد المنكر على المقرّ له فقط.

وملخص وجه ضعف هذا الاحتمال : أنّ الإقرار الذي هو إخبار عن الواقع إن كان صدقا فهو بمنزلة العلم بالواقع ، ومن المعلوم أنّ مقتضى الواقع هو كون ما في يد المقرّ على حسب إقراره بالمناصفة بينه وبين المقرّ له ، إذ المفروض عدم تقسيم المال بعد ، ولا ريب في أنّ الإشاعة تقتضي ورود الربح والخسارة على الشركاء بنسبة حصصهم.

وعليه فلا وجه لدفع سدس ما بيد المقرّ إلى المقرّ له ، بل اللازم دفع النصف.

هذا حال المقرّ. وأمّا الأخ المنكر العالم فيكون المال الذي بيده مشتركا ، ولا يحلّ له إلّا بمقدار حصته ، وهو اثنان من الستة ، والزائد وهو السدس حقّ للمقرّ والمقرّ له.

(٣) تعليلية متعلقة ب «ضعف» وبيان لضعف الاحتمال ، وهو مؤلف من أمرين :

أحدهما : أنّ نفوذ الإقرار شرعا يقتضي ترتيب آثار الواقع على المقرّ به.

٥٤

الإقرار معاملة المقرّ مع المقرّ له بما (١) يقتضيه الواقع الذي أقرّ به (٢) ، ومن المعلوم أنّ مقتضى الواقع ـ لو فرض العلم بصدق المقرّ ـ هو كون ما في يده على حسب إقراره بالمناصفة (*). وأمّا المنكر عالما (٣) فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحلّ له منه إلّا ما قابل حصّته عمّا في يدهما ، والزائد (٤) حقّ لهما عليه.

______________________________________________________

ثانيهما : أنّ مقتضى هذا الواقع المقرّ به كون ما بيده مشاعا بينه وبين المقرّ ، فيلزم ترتيب أثره.

(١) متعلق ب «معاملة».

(٢) من كون ثلث المال للمقرّ له.

(٣) وأما المنكر جاهلا بالحال فكذا يكون ما بيده مشتركا ، لكنه لا يخاطب بالتكليف وإن خوطب بالوضع.

(٤) أي : الزائد عن حصة المنكر ـ وهو السدس ـ حقّ للمقرّ والمقرّ له على المنكر.

فالنتيجة من تضعيف احتمال احتساب السدس الذي عند المنكر على المقرّ له وحده ـ وعدم وجوب دفع المقرّ نصف ما بيده إلى المقرّ له ، وكفاية دفع ثلث ما بيده إليه ـ هي : لزوم دفع نصف ما في يده إليه ، وهو ربع الستة.

__________________

(*) لم يظهر مراده قدس‌سره ، فإنّ مرجع إقراره إلى كون العين أثلاثا بنحو الإشاعة بين الثلاثة ، ومقتضاه كون الزائد على ما يستحقه ـ وهو سهم واحد من الثلاثة التي بيده ـ للمقرّ له ، لا نصف ما بيده ، فإن الإقرار بالثلث ينفذ في نصف الثلث وهو السدس ، والسدس الآخر في سهم الشريك المنكر.

وكونه كالتالف لعدم انتزاعه عنه ـ لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه ، ولأماريّة يده على الملكية ـ لا يوجب أن يكون ضمانه على المقرّ والمقرّ له ، بل يرد الضرر على خصوص المقرّ له ، لأنّه جزء حقه على تقدير صدق الإقرار ولو على الإشاعة ، فإنّ إذن الشارع في تصرف الشريك المنكر إفراز لنصيبه ، ولذا لا ينتزع السّدس الفاضل الذي عنده عنه ، وأخذ السدس عن المقرّ إنّما هو لأجل إقراره النافذ عليه.

٥٥

وأمّا مسألة الإقرار بالنسب (١) ، فالمشهور وإن صاروا إلى ما ذكر (٢) ، وحكاه الكليني عن الفضل (٣) بن شاذان على وجه الاعتماد ، بل ظاهره جعل فتواه كروايته ، إلّا أنه (٤) صرّح جماعة ممّن تأخّر عنهم بمخالفته ،

______________________________________________________

(١) هذه المسألة هي التي جعلها المصنف قدس‌سره مؤيّدة احتمالية ـ لضمان المقرّ للمقرّ له ثلث ما بيده ـ بقوله : «ولعلّه لذا ذكر الأكثر بل نسبه في الإيضاح .. إلخ».

ومحصل ما أفاده في تضعيفه : أنّ المشهور وإن ذهبوا إلى أنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ ثالث دفع إلى الأخ الثالث السدس الزائد عما يستحقّه ، وهو الواحد أعني ثلث ما بيده لا نصف ما بيده ، وحكاه الكليني عن الفضل على وجه الاعتماد لا مجرد النقل. لكنه صرّح جماعة من المتأخرين بمخالفة هذا الحكم المشهوري للقاعدة ، أي قاعدة الإقرار المقتضية لإعطاء المقرّ نصف ما بيده ـ وهو ربع ستة أسهم ـ لا ثلثه أعني الواحد الذي هو سدس الستة.

(٢) من إعطاء المقرّ ثلث ما بيده لا نصفه.

(٣) هو من أصحاب أبي جعفر الثاني ، وقيل الرضا عليهما‌السلام أيضا ، وكان ثقة ، ومن الفقهاء والمحدثين.

قال ثقة الإسلام قدس‌سره في باب الإقرار بوارث آخر ـ ما لفظه : «قال الفضل بن شاذان : إن مات رجل وترك ابنتين وابنين .. وإن ترك ابنين ، فادّعى أحدهما أخا ، وأنكر الآخر ، فإنّه يردّ هذا المقرّ على الذي ادّعاه ثلث ما في يديه» (١).

(٤) الضمير للشأن ، حاصله : أنّ المشهور وإن ذهبوا إلى إعطاء المقرّ ثلث ما بيده لا نصفه ، إلّا أنّ جماعة من متأخري عصر هذين المحدّثين الجليلين خالفوا المشهور ، وذهبوا إلى إعطاء المقرّ نصف ما بيده. قال السيد العاملي قدس‌سره ـ بعد حكاية قرب الاختصاص بنصيب المقرّ كالبيع عن التحرير ـ ما لفظه : «وقوّاه في الكفاية تبعا لنهاية المرام ، تبعا للمسالك في آخر الباب ، حيث قال : لعلّه أجود. وقد رجّح قبل ما عليه الأصحاب. وفي الرياض : انه لا يخلو عن قوة» (٢).

__________________

(١) الكافي ، ج ٧ ، ص ١٦٦ و ١٦٧.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٣٤٨.

٥٦

للقاعدة (١) ، حتّى (٢) قوّى في المسالك الحمل على الإشاعة ، وتبعه سبطه (٣)

______________________________________________________

(١) أي : قاعدة الإقرار القاضية بلزوم إعطاء نصف ما بيده إلى المقرّ له ، لا ثلث ما بيده.

(٢) هذا ترقّ ، يعني : أنّ الشهيد الثاني قدس‌سره قوّى إعطاء المقرّ نصف ما بيده إلى المقرّ له ، فإنّ الإشاعة تقتضي أن يكون النصف الذي يكون بيد المقرّ ـ وهو الثلاثة من الستة ـ منصّفا بينه وبين المقرّ له ، فإنّ الموجود من التركة بمقتضى إقرار المقرّ مشاع بينهما ، فتأمّل.

وهذا المطلب قد أفاده في شرح قول المحقق : «لو أقرّ بزوج للميّتة ، ولها ولد ، أعطاه ربع نصيبه ، وإن لم يكن لها ولد أعطاه نصفه» فقال الشهيد الثاني قدس‌سره : «فلو كان المقرّ أحد الأبوين مع البنت ، دفع إليه نصف الثمن ، لأنّ نصيبه على تقدير عدم الزوج الربع اثنا عشر من ثمانية وأربعين ، وعلى تقدير وجوده تسعة ، فالتفاوت بينهما ثلاثة هي نصف الثمن. ويمكن تنزيل كلام الجماعة هنا على حمل الإقرار على الإشاعة ، فيقتضي الإقرار بالزوج أن يكون له في كلّ شي‌ء ربعه أو نصفه .. وهذا حسن ، إلّا أنه لا يطابق ما سلف من الفروض ، فإنّهم لا ينزّلوها على الإشاعة ، فلا بدّ من تنقيح الحكم في أحد الجانبين. ولعلّ ما ذكروه هنا أجود ممّا سلف ، لأنّ الوارث يستحق في كل جزء من أجزاء التركة سهمه ، فلا يختصّ بفرضه في بعض دون بعض» (١).

والمحقق الثاني نبّه على الإشكال أيضا ، لكنه رجّح الالتزام بما قاله الأصحاب ، فراجع (٢).

(٣) وهو السيّد الفقيه السيّد محمّد العاملي صاحب المدارك قدس‌سره ، حيث قال : «وقيل : انّ النصف يقسّم بين المقرّ والثالث بالسويّة ، لاعتراف المقرّ بأنّه لا يستحق زيادة عن الثالث .. وإلى هذا القول ذهب جدّي قدس‌سره في المسالك في آخر هذا البحث ، مع أنّه رجّح المشهور أوّلا ، وقوّة هذا القول ظاهرة» (٣).

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ١١ ، ص ١٤٤ ، شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٥٩.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٣٥٦ و ٣٦٩.

(٣) نهاية المرام (مخطوط) ، ص ٤٣٠ ، لم يطبع كتاب الإقرار من هذا الكتاب ـ مع الأسف ـ اعتمادا على اشتمال مجمع الفائدة على باب الإقرار ، كما صرّح به لجنة التحقيق ، فلاحظ مقدمة نهاية المرام ، ج ١ ، المقدمة ص ٦.

٥٧

وسيّد (١) الرياض في شرحي النافع (٢).

والظاهر أنّ مستند المشهور (٣) بعض الروايات الضعيفة المنجبر (٤) بعمل أصحاب الحديث ، كالفضل والكليني ، وغيرهما (٥) ، فروى الصدوق مرسلا والشيخ مسندا (٦) عن أبي البختري (١) وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل مات وترك ورثة فأقرّ أحد الروثة بدين على أبيه : أنّه (٧) يلزم ذلك (٨) في حصّته بقدر (٩) ما ورث ،

______________________________________________________

(١) وهو الفقيه العظيم السيّد علي الطباطبائي قدس‌سره.

(٢) هما شرحان للمختصر النافع ، أحدهما لصاحب المدارك ، والآخر لصاحب الرياض (٢).

(٣) القائلين بإعطاء الثلث للمقرّ له دون نصف ما بيد المقرّ.

(٤) صفة ل «بعض» وانجبار ضعف السند بعمل المشهور هو المشهور المنصور.

(٥) كالصدوق وشيخ الطائفة والحميري.

(٦) قال في الوسائل : «محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله عن السندي بن محمّد عن أبي البختري وهب بن وهب».

(٧) مفعول به ل «قضى» فهو مأوّل بالمصدر ، وضمير «أنّه» للشأن.

(٨) أي : يلزم الدين المقرّ به في حصة المقرّ بمقدار ما ورث ، فإذا أقرّ أحد الورثة بدين على المورّث ـ كأربعين دينارا ـ وكان الوارث أخوين ، فحصّة المقرّ من التركة نصفها ، فيلزم عليه أن يدفع نصف الدّين إلى الدائن.

فيستفاد من هذه الجملة من الرواية ورود الضرر ـ في مسألة الإقرار بالدّين ـ على خصوص المقرّ بالدين ، بنسبة سهمه من التركة من النصف أو الثلث أو غيرهما.

(٩) أي : بنسبة حصّته من الكسور كالثلث وغيره من التركة.

__________________

(١) كذا في الوسائل ، وبعض نسخ الكتاب ، وفي النسخة المصححة «عن وهب بن وهب أبي البختري».

(٢) رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٢٤٦ ، وكذلك لاحظ كفاية الأحكام للفاضل السبزواري ، ص ٢٣٢.

٥٨

ولا يكون ذلك (١) في ماله كلّه. وإن أقرّ اثنان من الورثة ، وكانا عدلين أجيز ذلك (٢) على الورثة ، وإن لم يكونا عدلين ألزما في حصّتهما (١) بقدر ما ورثا. وكذلك (٣) إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنّما يلزمه في حصّته» (٢).

______________________________________________________

(١) أي : لا يكون الدّين ـ الذي أقرّ به أحد الورثة على أبيه ـ في جميع مال الميت.

(٢) أي : ذلك الدين كلّه على جميع الورثة ، لقيام البينة على الدّين ، لا على خصوص المقر.

(٣) يعني : وكذلك في إلزام المقرّين بالدفع ـ بقدر ما ورثا ـ إقرار بعض الورثة بأخ إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت ، فإنّه يلزمه في حصّته لا في جميع مال الميت.

ومحل الشاهد قوله : «وكذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت» فإنّ مقتضى تشبيهه بالدين هو : أنّ للمقرّ له ثلث التركة ، لكون الورثة بمقتضى إقرار المقرّ إخوة ثلاثة ، ولكل منهم ثلث التركة وهو اثنان من الستة ، والمقرّ يدفع ثلث ما بيده من الثلاثة ، وهو الواحد من الستة ، فإنّ نسبة هذا الواحد ـ الذي هو سدس الستة ـ إلى الثلاثة التي بيده نسبة نصيبه إلى التركة وهو الثلث. وعلى الأخ الآخر دفع ثلث ما بيده من الثلاثة وهو الواحد أيضا إلى المقرّ له حتى يكمل نصيبه وهو ثلث التركة.

وبالجملة : فتشبيه الإقرار بالأخ والأخت بالإقرار بالدّين على الميت يقتضي أن يكون ذلك في حصّة المقرّ بقدر ما ورث ، فلا ينبغي الإشكال في الاستشهاد بقوله عليه‌السلام : «وكذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت» على مذهب المشهور من دفع المقرّ ثلث ما بيده ، لا دفع نصف ما بيده ، وهو الواحد والنصف الذي هو ربع الكل.

فالمناقشة في الاستدلال به في حاشية السيد قدس‌سره بما حاصله : «سكوت الرواية عن مقدار الضرر الوارد على المقرّ في قوله عليه‌السلام : إنّما يلزمه ذلك في حصته ، وعدم دلالتها إلّا

__________________

(١) كذا في وسائل الشيعة ، وبعض نسخ الكتاب ، وما في كثير منها من «حقهما» لعلّه من سهو الناسخ.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٠٢ ، الباب ٢٦ ، ح ٥.

٥٩

وبالإسناد (١) : قال : قال علي عليه‌السلام : «من أقرّ لأخيه فهو شريك في المال ، ولا يثبت نسبه. فإن أقرّ اثنان (٢) فكذلك ، إلّا أن يكونا عدلين ، فيثبت نسبه ، ويضرب في الميراث معهم» (١).

وعن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد ، وتمام الكلام في محلّه من كتاب الإقرار والميراث إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

على أنّ الضرر في حصته بدون تعيين مقداره» (٢) مندفعة بعدم قصور التشبيه بالدّين عن الدلالة على مقدار الضرر الوارد على المقرّ ، وهو كون الضرر في حصته بقدر ما ورث.

نعم دعوى قصور الدلالة على مقدار الضرر الوارد على المقرّ في الرواية الثانية في محلها ، لعدم دلالة قوله عليه‌السلام : «فهو شريك في المال» على مقدار الشركة في المال.

لكن الرواية الأولى صالحة لرفع إجماله ، وتعيين مقدار الشركة في المال.

(١) أي : الإسناد السابق الذي كان مسندا عن أبي البختري.

(٢) يعني : إنّ أقرّ اثنان بأخ ، فالمقرّ له شريك في حصة المقرّين بمقدار ما ورثه كلّ واحد منهما ، من دون أن يثبت نسبه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٠٢ ، الباب ٢٦ ، ح ٦.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٩٦.

٦٠