هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

قسم (١) من التمليك ، ولذا (٢) يطلق عليه الصدقة (*) ، ويجوز إيجابه بلفظ «تصدّقت» (٣). إلّا (٤) أنّ المالك له (٥) بطون متلاحقة ،

______________________________________________________

(١) خبر «هو» أي : الوقف الخاصّ قسم من التمليك ، وهو الذي يكون المالك له بطونا متلاحقة. فالوقف الخاص جعل مال ملكا للغير بنحو يقتضي دوام مالكيته وعدم انقطاعها.

(٢) أي : ولأجل أنّ الوقف الخاصّ تمليك أطلق عليه «الصدقة الجارية» في النصوص ، مع أنّه لا ريب في مملّكيتها ، كقول أبي عبد الله عليه‌السلام في معتبرة الحلبي : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وصدقة مبتولة لا تورث ، أو سنة هدى يعمل بها بعد موته ، أو ولد صالح يدعو له» (١).

(٣) يعني : لا مطلقا ، بل مع قصد الوقف. قال المحقق قدس‌سره : «أمّا حرمت وتصدّقت فلا يحمل على الوقف إلّا مع القرينة ، لاحتمالهما مع الانفراد غير الوقف. ولو نوى بذلك الوقف من دون القرينة دين بنيّته» (٢). والظاهر أنّ الأخذ بنية الواقف إجماعي.

وفي الجواهر بعد حكاية الفتوى عن محكي جماعة من القدماء والمتأخرين : «بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به بعض مشايخنا» (٣).

(٤) متعلّق ب «قسم من التمليك» ومبيّن للمراد من هذا القسم ، وهو : أنّ المالك ليس شخصا واحدا ولا جماعة خاصة في عصر واحد ـ كما في الملك المشاع ـ بل المالك بطون متلاحقة ، فالبطن الموجود مالك فعلا ، والمعدوم مالك شأنا.

(٥) أي : للوقف.

__________________

(*) لا شهادة في ذلك ، لصدق الصدقة الجارية على المساجد والخانات ونحوهما من الأوقاف العامّة أيضا. نعم إذا أطلق التصدق بالعين الموقوفة ربّما يشهد بالملكية ، فتأمّل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢٩٢ ، الباب ١ من أبواب الوقوف والصدقات ، ح ٢ ، ونحوه نصوص أخرى في نفس الباب وما بعده.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢١١.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٣.

٥٤١

فإذا (١) جاز بيعه مع الإبدال كان البائع (٢) وليّا عن جميع الملّاك في إبدال مالهم بمال آخر.

وإذا (٣) جاز لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود ـ على القول بجوازه (٤) ـ فقد (٥) جعل الشارع لهم حقّ إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم (٦) (*)

______________________________________________________

(١) هذا من آثار كون المالك طبقات متلاحقة ، يعني : أنّ البطن الموجود إمّا أن يجوز له بيع العين وتبديلها بأخرى تكون وقفا بدلا عن الأولى ، فيكون البائع وليّا على تبديل مالهم بمال آخر. وإمّا أن يجوز له البيع بدون التبديل كما في الحاجة الشديدة إلى ثمن الوقف ، فيكون للبائع حقّ إبطال الوقف.

فإن بيع بطل ، وإن لم يبع وارتفعت حاجة البطن الموجود بقي الوقف على حاله. ولا وجه لبطلانه ـ بمجرّد عروض الحاجة ـ قبل أن يباع.

(٢) سيأتي في (ص ٦٦٢) أنّ المتولّي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم الوليّ على المعدومين.

(٣) معطوف على «فإذا جاز» أي : وإذا جاز لا مع الإبدال ، وغرضه بيان ولاية البطن الموجود على البيع الذي هو إبطال للوقف حقيقة ، لفرض عدم وجوب الإبدال مع الحاجة إلى الثمن.

(٤) إشارة إلى الخلاف في جواز بيع الوقف ، واختار المصنف المنع ، وسيأتي التفصيل في الصورة الخامسة.

(٥) جواب الشرط في «وإذا جاز» والباء في «ببيعه» للسببيّة.

(٦) أي : بأن يكون الثمن ملكا طلقا للبطن البائع ، ولا حظّ للبطون اللاحقة فيه.

__________________

(١) يمكن أن يقال : انّ ما استدلّ به على جواز البيع في فرض حاجة البطن الموجود هو قوله عليه‌السلام في رواية جعفر بن حنّان ـ الآتية في الصورة الرابعة ـ : «نعم إذا رضوا كلّهم وكان البيع خيرا لهم باعوا» وهذا يدل على ولاية البطن الموجود على كل من بيع الموقوفة وصرف الثمن في حوائجهم ، ومن المعلوم عدم ظهور كلامه عليه‌السلام في ولاية البطن الموجود على جعل العين ملكا طلقا لهم ليقع البيع في ملكهم ، بحيث لو فرض فسخ العقد عاد المبيع إلى ملكهم طلقا حتى مع ارتفاع الحاجة إلى الثمن عند حصول الفسخ. لوضوح أعمية جواز

٥٤٢

فإذا لم يبيعوا لم يبطل (١). ولذا (٢) لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع ، أو لم يتّفق البيع ، كان الوقف على حاله. ولذا (٣) صرّح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف وإن بلغ حدّا يجوز بيعه ، معلّلا (٤) باحتمال طروّ اليسار للموقوف

______________________________________________________

(١) لما تقدّم في مناقشة كلام الجواهر من أنّ معنى جواز البيع جواز الإبطال ، والمبطل للوقف هو البيع لا جوازه.

(٢) أي : ولأجل عدم بطلان الوقف إذا لم يبعه البطن الموجود ـ لو فرض ارتفاع الحاجة إلى ثمن الوقف ، بأن حصل لهم مال آخر ، أو ارتفعت الحاجة من دون توقّفها على بذل مال أصلا ـ كان الوقف على حاله.

(٣) أي : ولأجل عدم بطلان الوقف بطروء المسوّغ صرّح المحقق الثاني ، وغرضه إقامة الشاهد على عدم بطلان الوقف بنفس جواز البيع ، إذ مع فرض البطلان به يمتنع عود الباطل صحيحا.

وتوضيحه : أنّ المحقق الثاني قدس‌سره صرّح بمنع جعل العين الموقوفة رهنا عند الدائن حتى إذا كانت حال الرهن قد جاز بيعها لشدة حاجة الموقوف عليهم إلى الثمن. والدليل على المنع أنّ الحاجة الشديدة المجوّزة للبيع وإن كانت حاصلة فعلا ، وهي تقتضي جواز جعلها رهنا كجواز بيعها ، إلّا أنّه لا يصحّ رهنها ، وذلك لاحتمال طروء اليسار ، فإذا طرء اليسار ارتفع سبب جواز البيع ، فيؤول الوقف إلى ما كان عليه من عدم جواز بيعه ، فلا يمكن استيفاء الغرض المقصود من الرهن ـ وهو جعله وثيقة للدين ، بحيث يمكن أداء الدين منه ـ من هذا الوقف المرهون.

(٤) حال من المصرّح بمنع رهن الوقف ، وهو المحقق الثاني قدس‌سره ، وقد عرفت التعليل الظاهر في بقاء الوقف على ما كان عليه بعد عروض المجوّز. ولو بطل بنفس تجويز الشارع للبيع ـ كما ادّعاه صاحب الجواهر قدس‌سره ـ لم يكن لمنع الرهن وجه ، ضرورة صيرورته طلقا ،

__________________

البيع وصرف الثمن من كون البطن البائع وليّا على جميع الملّاك في إبطال الوقف وجعله ملكا له ، كجواز صرف سهم الامام عليه‌السلام في مورد إحراز رضاه صلوات الله وسلامه عليه ، مع عدم كونه ملكا لمن صرفه. فما أفاده المصنف قدس‌سره من «أن الشارع جعل لهم حقّ إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم» لا يخلو من تأمّل.

٥٤٣

عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن (١).

إذا عرفت أنّ مقتضى العمومات (٢) في الوقف عدم جواز البيع ، فاعلم أنّ لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة (٣) أقوالا :

أحدها : عدم الخروج عنه (٤) أصلا ، وهو الظاهر من كلام الحلّي ، حيث قال في السرائر ـ بعد نقل كلام المفيد ـ قدس‌سره ـ : «والذي يقتضيه مذهبنا : أنّه بعد وقفه

______________________________________________________

فتصح أنحاء التصرفات فيه ، الّتي منها جعله وثيقة لدين ، بحيث لو لم يؤدّ الدين استوفى المرتهن حقّه ببيع الرهن.

(١) الأولى نقل نصّ العبارة ، قال في شرح كلام العلامة : «ولا رهن الوقف» ما لفظه : «وإن بلغ مرتبة يجوز بيعه ، إمّا لخلف بين أربابه ، أو لغير ذلك. لأنّ ما يباع للخلف يشترى بثمنه ما يوقف ، وما يباع للحاجة قد يتطرّق إليه في وقت الاحتياج إلى بيعه للرهن عدمها ـ أي عدم الحاجة ـ فلا يكون مقصود الرهن حاصلا» (١).

هذا تمام ما أفاده المصنف في مناقشة كلام صاحب الجواهر قدس‌سره. وسيأتي بيان الأقوال إن شاء الله تعالى.

(٢) المتقدمة في (ص ٥١٠ ـ ٥١٣) مثل «لا يجوز شراء الوقف» و «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها».

(٣) قيد ل «الخروج» أي : خروج بعض صور الوقف عن عموم منع البيع ، فاختلف الأصحاب في هذا البعض المستثنى من عموم المنع.

الأقوال في بيع الوقف

(٤)أي : عن عموم المنع ، والظاهر أنّ المراد بكلمة «أصلا» هو منع البيع مطلقا ، سواء أكان مؤبّدا أم منقطعا ، كما يستفاد من عبارة السرائر ، حيث إنّه نقل كلاما عن الشيخ ، واعترض عليه بأنّه لا إجماع على جواز البيع بعد خراب الوقف واختلاله ، وهذا لا ينافي دعواه الإجماع على منع بيع المؤبّد ، كما سيأتي في المتن.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٥١.

٥٤٤

وتقبيضه (١) لا يجوز الرجوع فيه ، ولا تغييره عن وجوهه وسبله ، ولا بيعه ، سواء كان بيعه أدرّ (٢) عليهم أم لا ، وسواء خرب الوقف ، ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره (٣) ، أو يحصل (٤) بحيث لا يجدي نفعا ، أم لا (٥)» (١).

قال الشهيد رحمه‌الله (٦) ـ بعد نقل أقوال المجوّزين ـ : «وابن إدريس سدّ الباب ، وهو نادر مع قوّته» (٢).

وقد ادّعى في السرائر عدم (٧) الخلاف في المؤبّد ، قال : «إنّ (٨) الخلاف الذي

______________________________________________________

(١) أي : تسليم المال للموقوف عليه أو للمتولّي.

(٢) أي : كان البيع أنفع بحال الموقوف عليهم من بقاء العين الموقوفة والانتفاع بها.

(٣) كعدول المؤمنين.

(٤) أي : يصير الوقف عديم المنفعة.

(٥) ليست كلمة «أم لا» في السرائر ، وإنما قال : «لأنّا قد اتفقنا جميعا على أنه وقف ، وأنّه لا يجوز حلّه ولا تغييره عن وجوهه وسبله. فمن ادّعى حكما شرعيا ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، لأنّه لا إجماع منّا على ذلك .. ولا يرجع في مثل هذا الإجماع والأصل إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا».

(٦) الظاهر أنّ نقل كلام الشهيد قدس‌سره هنا لأجل ميلة إلى منع بيع الوقف مطلقا كما ذهب إليه ابن إدريس ، بقرينة قوله : «مع قوّته» وإن كان قولا نادرا.

(٧) تقدم آنفا أنّه لا منافاة بين دعوى الإجماع على منع بيع الوقف المؤبّد ، وبين ما تقدم أوّلا من منع بيع الوقف مطلقا ، فإنّ غير المؤبد مختلف فيه وإن كان رأيه فيه المنع كما في الدائم ، ولذا ادّعى صاحب المقابس قدس‌سره : «أن الحلّي وفخر الإسلام صرّحا بتعميم المنع» (٣).

(٨) في السرائر : «هذا» بدل «أنّ».

__________________

(١) السرائر ، ج ٣ ، ص ١٥٣.

(٢) الدروس ، ج ٢ ، ص ٢٧٩.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨.

٥٤٥

حكيناه بين أصحابنا إنّما (١) هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم ، وأمّا (٢) إذا كان الوقف على قوم ومن بعدهم على غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غيره (٣) إلى أن يرث الله الأرض ، لم يجز (٤) بيعه على وجه (٥) ، بغير خلاف بين أصحابنا» انتهى.

وفيه نظر (٦) يظهر ممّا سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوّزين في المؤبّد.

وحكي المنع مطلقا عن الإسكافي وفخر الإسلام أيضا (٧) إلّا في آلات الموقوف وأجزائه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع.

______________________________________________________

(١) غرضه بيان الفرق بين الوقف المنقطع والدائم ، فالدائم هو المشترط فيه رجوعه إلى غير الموقوف عليهم ، بأن يقول : «فإن انقرضوا فهي وقف على ذوي الحاجة من المسلمين مثلا» فإذا كان الوقف متضمنا لهذا الشرط كان مؤبّدا ، وإلّا كان منقطعا.

(٢) كذا في النسخ ، وفي السرائر : «فأمّا إذا كان الوقف على قوم ، وعلى من بعدهم».

(٣) في السرائر «إلى غير ذلك» أي : غير الموقوف عليه أوّلا.

(٤) جواب الشرط في «وأمّا إذا كان» والأولى اقتران جواب «أمّا» بالفاء كما في الذكر الحكيم من النهي عن قهر اليتيم ، وحاصل كلام الحلّي قدس‌سره : منع بيع الوقف إجماعا لو كان مشتملا على شرط الوقف على آخرين غير من أوقف عليه أوّلا ، كما تقدم نظيره في وقف أمير المؤمنين داره في بني زريق على خالاته ، ثم على ذوي الحاجة من المسلمين.

(٥) في السرائر : «على وجه من الوجوه». وقال في موضع آخر في منع بيع النخلة المنقلعة أو المكسورة من بستان موقوف : «وقد بيّنا أن الوقف لا يجوز بيعه» (١).

(٦) غرضه المناقشة في الإجماع صغرويّا ، وذلك لذهاب كثير في الوقف المؤبّد إلى الجواز ، كما سيأتي.

(٧) يعني كما ذهب ابن إدريس إلى المنع مطلقا بالنسبة إلى عين الموقوفة ، وإن خالفاه في جواز بيع الآلات (٢).

__________________

(١) السرائر ، ج ٣ ، ص ١٦٧.

(٢) حكاه في مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨.

٥٤٦

قال الإسكافي ـ على ما [فيما] حكي عنه في المختلف : «إنّ الموقوف عليه [عينه] رقيقا أو غيره (١) لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته ، فلا بأس ببيعه وإبدال مكانه بثمنه إن أمكن (٢) ، أو صرفه فيما كان تصرف إليه منفعته أو ردّ ثمنه على منافع ما بقي من أصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح (٣)» (١) انتهى.

وقال فخر الدّين في الإيضاح في شرح قول والده قدس‌سرهما : «ولو خلق حصير المسجد ، وخرج عن الانتفاع به ، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق ، فالأقرب جواز بيعه» قال (٤) ـ بعد احتمال المنع بعموم النصّ في المنع ـ : «والأصحّ عندي جواز بيعه (٥) وصرف ثمنه في المماثل (٦) إن أمكن ، وإلّا ففي غيره» (٢).

______________________________________________________

(١) العبارة تغاير ما في المختلف لفظا ، كقوله : «والموقف رقيقا أو ما يبلغ حاله إلى زوال ..».

(٢) في المختلف : «إن أمكن ذلك».

(٣) في المختلف «الصلاح» والمستفاد من قوله : «من أصل ما حبس معه» أنّ العين الموقوفة تتضمّن أجزاء وآلات كالنخلة المنقلعة أو المكسورة من بستان موقوف ، فتباع هذه الآلة ويصرف ثمنها في نفس البستان إذا كان المتولّي يرى الصلاح في بيع الآلات ، التي لا ينتفع بها إلّا بالبيع ، وصرف الثمن في أصل العين الموقوفة.

وعليه فهذه الجملة تدلّ على منع بيع الوقف كالبستان ، وهو موافق لكلام الحلّي ، لكن تجويز بيع الآلات مخالف له.

(٤) كذا في النسخ ، ولا حاجة إليها بعد ورودها في قوله : «وقال فخر الدين».

(٥) في الإيضاح : «جواز البيع».

(٦) بأن يشترى به حصير آخر للمسجد إن احتاج إليه ، وإلّا ففي غير المماثل مما يحتاج إليه المسجد كالإضاءة.

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣١٦.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤٠٧.

٥٤٧

ونسبة (١) المنع إليهما على الإطلاق (٢) لا بدّ (٣) أن تبنى على خروج مثل هذا (٤) عن محلّ الخلاف.

وسيظهر هذا (٥) من عبارة الحلبي في الكافي أيضا ، فلاحظ.

الثاني (٦) الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصّة دون المؤبّد ،

______________________________________________________

(١) غرضه أنّ عبارتي الإسكافي وفخر الإسلام صريحتان في جواز بيع آلات الوقف ، وإن منعا عن بيع أصل الموقوفة ، مع أنّ صاحب المقابس قدس‌سره نسب إليهما ـ في الصورة الأولى وهي كون البيع أنفع للموقوف عليهم من تركه ـ القول بمنع بيع الوقف.

وهذه النسبة إن قصد بها بيع نفس الموقوفة فهي تامّة ، وإن قصد بها المنع مطلقا حتى بالنسبة إلى الآلات فهي ممنوعة بعد تصريحهما بجواز بيع الآلات. قال في المقابس : «القول الثالث : أنه لا يصح البيع بذلك ـ أي بكونه أنفع من بقائه على حاله ـ وهؤلاء منهم من أنكر بيع الوقف من أصله كالإسكافي وأتباعه ، إلّا أن الإسكافي أطلق المنع .. والحلّي وفخر الإسلام صرّحا بتعميم المنع» (١).

وأراد المصنف قدس‌سره توجيه نسبة منع البيع إلى الإسكافي وفخر الإسلام بأنّ مقصود الناسب منع بيع نفس العين الموقوفة. وهي في محلها ، وليست المقصود نسبة منع بيع الآلات إليهما ، ضرورة وضوح جواز بيع الآلات ، وإنّما الكلام في بيع أصل الموقوفة. هذا.

(٢) تقدم أنّ المراد بالإطلاق هو «منع بيع الوقف» الشامل للعين وللآلات.

(٣) هذا توجيه المصنف لما نسبه صاحب المقابس إلى الإسكافي والفخر قدس‌سرهما.

(٤) أي : مثل بيع الآلات خارج عن محل الخلاف.

(٥) المشار إليه هو منع بيع العين الموقوفة ، ولم ينقل المصنف فيما سيأتي كلامه ، ونقله صاحب المقابس ، وقال : «وأمّا الحلبي فنصّ على بطلان ذلك ، وخصّ بيع المنقطع بصورة الشرط ، وأبطله فيما عداه» (٢).

(٦) أي : القول الثاني ، والأولى بوحدة السياق أن يقال : «ثانيها» في مقابل

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨ ، ولاحظ الكافي في الفقه ، ص ٣٢٥.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨ ، ولاحظ الكافي في الفقه ، ص ٣٢٥.

٥٤٨

وهو المحكيّ عن القاضي (١) ، حيث قال في محكيّ المهذّب : «إذا كان الشي‌ء وقفا على قوم ، ومن بعدهم على [إلى] غيرهم (٢) ، وكان (٣) الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك ، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز (٤) بيعه على وجه من الوجوه. فإن كان (٥) وقفا على قوم مخصوصين وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم (٦) حسب ما قدّمناه ، وحصل الخوف من هلاكه (٧) أو فساده ، أو كان (٨) بأربابه حاجة ضروريّة يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم ، أو يخاف (٩) من وقوع خلف بينهم يؤدّي إلى فساده ، فإنّه (١٠) حينئذ (١١) يجوز بيعه وصرف ثمنه في

______________________________________________________

«أحدها».

(١) قال السيد العاملي في عدّ من قال بجواز بيع الوقف إذا خيف وقوع فتنة وخلف بين أربابه موجب للفساد : «لكن القاضي في المهذّب ذكر ذلك في المنقطع» (١).

(٢) الظاهر إرادة الوقف على الطبقات.

(٣) معطوف على «كان» والمقصود باشتراط الرجوع إلى غير الموقوف عليه لو انقرضوا هو الوقف المؤبّد ، وتقدم نظيره في كلام ابن إدريس قدس‌سره.

(٤) جواب الشرط في «إذا كان».

(٥) هذا عدل لقوله : «إذا كان الشي‌ء وقفا» والمقصود هو الوقف المنقطع.

(٦) حيث إنّ شرط رجوع الوقف إلى غير الموقوف عليه يجعله مؤبّدا ، بخلاف ما لو قال : «هذا وقف على أولادي» فانقرضوا.

(٧) أي : هلاك الوقف وخرابه ، وهو إحدى الصور المجوّزة للبيع.

(٨) معطوف على «حصل» وإشارة إلى مجوّز آخر للبيع.

(٩) معطوف أيضا على «حصل» وإشارة إلى صورة ثالثة.

(١٠) جواب الشرط في قوله : «فإن كان».

(١١) أي : يجوز البيع حين حصول كلّ من خوف هلاك الوقف أو الحاجة إلى البيع ، أو خوف النزاع المؤدّي إلى فساد الوقف.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٨٦.

٥٤٩

مصالحهم على حسب استحقاقهم. فإن لم يحصل (١) شي‌ء من ذلك لم يجز بيعه على وجه من الوجوه. ولا يجوز هبة الوقف ، ولا الصدقة به أيضا (٢)» (١).

وحكي (٣) عن المختلف وجماعة نسبة التفصيل إلى الحلبي.

لكنّ العبارة المحكيّة عن كافية لا تساعده (٤) ،

______________________________________________________

(١) المستفاد من هذه الجملة : التفصيل في خصوص الوقف المنقطع بين الصور الثلاث المجوّزة للبيع ، وبين غيرها. وأمّا الوقف المؤبّد فلا يجوز بيعه. وبهذا يثبت ما رامه المصنف بقوله : «الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة».

(٢) يعني : كما لا يجوز بيعه.

(٣) الحاكي لهذا التفصيل عن العلّامة وجماعة هو المحقق صاحب المقابس ، قال قدس‌سره : «وأمّا الحلبي ، ففي المختلف : أنّه فصّل كما فصّل القاضي. وكذلك نقل عن التذكرة وغاية المراد والتنقيح والمهذّب البارع وغاية المرام وظاهر جامع المقاصد» (٢).

وقال في التذكرة بعد نقل جملة من الكلمات : «فقد اتفق هؤلاء العلماء من أصحابنا على جواز بيعه في الجملة» (٣).

وكذلك نسب التفصيل بين المنقطع والمؤبّد إلى الحلبيين المحقق الثاني ، فقال : «وجعلها ـ أي : جعل العلامة رواية ابن حنّان ـ دليلا لمن جوّز بيع الوقف الذي ليس بمؤبّد ، وهو أبو الصلاح وابن البرّاج» (٤).

(٤) أي : لا تساعد التفصيل بين الوقف المنقطع بجواز البيع ، والمؤبّد بمنعه ـ كما نسب إليه في كلام العلامة وجمع ممّن تأخر عنه. والوجه في عدم مساعدة عبارة الكافي هو ما أفاده في المقابس ـ بعد العبارة المتقدمة ـ بقوله : «والظاهر أنّ المأخذ ـ أي مأخذ نسبة التفصيل بين المنقطع والمؤبّد إلى الحلبي قدس‌سره ـ كتاب الكافي ، وهو على ما في النسخة

__________________

(١) المهذب ، ج ٢ ، ص ٩٢.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٥ ، ولاحظ : مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٢٨٧ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٢٥ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٢٩ ، المهذب البارع ، ج ٣ ، ص ٦٥ ، جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٧٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤.

(٤) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٧٠.

٥٥٠

بل ربما استظهر منه (١) المنع على الإطلاق ، فراجع.

وحكي التفصيل المذكور (٢) عن الصدوق. والمحكيّ عن الفقيه : أنّه قال

______________________________________________________

الموجودة عندي يقتضي التفصيل بغير ما ذكروه ، فإنّه قسّم الصدقة أوّلا إلى ما يقتضي تمليك الرقبة ، وما يقتضي إباحة المنافع. ثم قال : والثاني على ضربين : مشترط ومؤبّد ، والمشترط على ضروب» الى أن قال : «والمؤبد : أن يحبس الرقبة ويجعل منافعها لموجود معيّن من نسله ، أو غيرهم من الأقارب أو الأجانب ، وعلى من يتجدد من ولده ، وولد ولده أبدا ما تناسلوا. أو إلى غاية معلومة». إلى أن قال : «ويؤبّدها ، ويحرّم بيعها ونقلها عن جهاتها. فإذا وقعت الصدقة على هذا الوجه وجب إمضاؤها على شروطها ، وحرم تغيير شي‌ء منها».

ثم قال صاحب المقابس : «ومقتضاها عدم جواز بيع المؤبّد مطلقا. وأما غيره ، فإن وقع مطلقا أو مشروطا برجوعه إلى ملكه بعد الانقطاع فهذا يجب إرجاعه إليه. ولا يجوز للموقوف عليه أن يبيعه أبدا. وإن كان مشروطا بأن يكون له بيعه عند الحاجة أو خرابه جاز له ذلك» .. الى أن قال : «أمّا بعد الوقف ففي جواز الإذن في ذلك ، ومنعه قبل الانقطاع كلام آخر لم ينصّ عليه. وظاهره المنع من ذلك إلى أن يحصل الانقطاع.

وبالجملة : فكلامه صريح في أنّ الموقوف عليه ليس له البيع بمجرّد الوقف مطلقا ، فيكون مذهبه هو مذهب الإسكافي وأتباعه» (١).

(١) أي : من الكافي ، والمستظهر كما عرفت صاحب المقابس قدس‌سره ، فاستظهار المنع ترقّ من عدم مساعدة التفصيل.

(٢) وهو التفصيل بين الوقف المؤبّد والمنقطع ، بجواز بيع الثاني دون الأوّل. والحاكي جماعة كالفاضل المقداد وابن فهد والشهيد والمحقق الثاني ، ففي جامع المقاصد : «وجوّز الصدوق بيع المنقطع الآخر ، دون المؤبّد» (٢).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٥ و ٤٥ ، وراجع الكافي في الفقه ، ص ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٢) لاحظ التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٢٠ ، المهذب البارع ، ج ٣ ، ص ٦٥ ، غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٢٣ جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٦٩.

٥٥١

ـ بعد رواية عليّ بن مهزيار الآتية (١) ـ : «إنّ هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم. ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ، ومن بعد على فقراء المسلمين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم (١) يجز بيعه أبدا (٢).

ثمّ (٢) إنّ جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق والقاضي ، كما لا يخفى.

ثمّ (٣) إنّ هؤلاء إن كانوا ممّن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف

______________________________________________________

(١) جواب الشرط في «ولو كان» والعبارة ظاهرة في ما نسب إليه من التفصيل بين الوقف المؤبد والمنقطع.

(٢) لمّا كان مختار الصدوق والقاضي جواز بيع الوقف المنقطع ، فهل يختص ذلك بالبطن الأخير أم يجوز البيع لمن تقدّمهم أيضا؟ ظاهر كلاميهما كون المتصدّي هو البطن الأخير.

أمّا كلام الصدوق قدس‌سره فهو «أن هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم» ومن المعلوم أنّه لا ينطبق إلّا على الطبقة الأخيرة ، إذ لا يصدق «دومن من بعدهم» إلّا على الطبقة الأخيرة.

وأمّا كلام القاضي فهو «فإن كان وقفا على قوم مخصوصين .. إلخ» فإنّه ـ خصوصا بملاحظة قوله : «وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم» ـ ظاهر في كون المتصدّين للبيع هؤلاء المخصوصين الذين لا يكون الوقف راجعا إلى غيرهم.

(٣) هذه العبارة ـ إلى الشروع في القول الثالث ـ تتضمّن أمورا ثلاثة ترتبط بمقالة أرباب القول الثاني ، أعني به جواز بيع الوقف المنقطع دون المؤبد. وهم الصدوق والقاضي ابن البراج وأبو الصلاح الحلبي قدس‌سرهم.

__________________

(١) تأتي في الصورة العاشرة من صور بيع الوقف.

(٢) من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٢٤١ ، ذيل الحديث : ٥٥٧٥.

٥٥٢

عليه ، فللقول بجواز بيعه وجه (١). أمّا إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى الواقف أو ورثته ، فلا وجه (٢) للحكم (٣) بجواز بيعه وصرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم.

وقد حكي القول بهذين (٤) عن القاضي.

______________________________________________________

الأمر الأوّل : ما يرد على بعضهم من الإشكال ، وبيانه : أنّ الوقف المنقطع إمّا أن يبقى على ملك الواقف ، وتكون المنفعة أو الانتفاع للموقوف عليهم ، نظير حبس المال مدّة على طبقات معيّنة. وإمّا أن يكون الوقف تمليكا للبطون.

فبناء على الثاني يتّجه جواز بيع البطن الأخير العين الموقوفة مطلقا ، أو في الجملة ، لكون العين ملكا لهم. وبناء على الأوّل يشكل ذلك ، لفرض بقاء العين على ملك الواقف ، وبانقراض الموقوف عليهم تعود إليه أو إلى ورثته.

ومع وجود هذين القولين ـ بين المجوّزين لبيع الوقف المنقطع ـ لا وجه للقول بمصير كلّهم إلى الجواز. وسيأتي بيان الأمرين الآخرين.

(١) لكون البطن الأخير مالكا بالفعل للعين الموقوفة ، فله بيعها مطلقا أو في الجملة.

(٢) جواب «أمّا» الشرطية التفصيلية التي هي عدل قوله : «إن كانوا».

(٣) توضيح وجه عدم الجواز هو : أنه بناء على عود الموقوف في الوقف المنقطع ـ بعد انقراض الموقوف عليهم ـ إلى ملك الواقف أو ورثته ، ليس للموقوف عليهم بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم ، بل لا بدّ من إبقائه رعاية لحقّ الواقف أو ورثته لينقل الوقف إليه.

(٤) أي : بهذين الأمرين :

أوّلهما : رجوع الوقف في المنقطع بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف أو وارثه.

وثانيهما : جواز بيع الموقوف عليهم له ، وصرف ثمنه في مصالحهم.

وحكاية هذين الأمرين عن القاضي ، ونسبتهما إليه مذكورة في المقابس ـ في حكم الوقف المنقطع ـ بقوله : «وقد وافق القاضي على رجوعه بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف وورثته ، وحكم مع ذلك بصحة بيع الوقف في جملة من الصور المذكورة ، وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم».

٥٥٣

إلّا أن يوجّه (١) بأنّه لا يقول ببقائه على ملك الواقف حتّى يكون حبسا ، بل هو (٢) وقف حقيقيّ وتمليك للموقوف عليهم مدّة وجودهم. وحينئذ (٣) فبيعهم له

______________________________________________________

ثم اعترض المحقق الشوشتري على القاضي ـ في تجويز بيع الوقف المنقطع الموقوف عليه ـ بقوله : «وهذا عجيب منه ، لأنّ الوقف المؤبّد مملوك للموقوف عليه الموجود ، وما عداه معدوم ، فلجواز البيع حينئذ وجه ، لانحصار المالك الموجود في البائع. وأمّا المنقطع فليس ملكا له ، والمالك الموجود غيره ، فلا وجه لصحة البيع حينئذ ..» (١).

(١) استثناء من قوله : «فلا وجه للحكم بجواز بيعه» وهذا إشارة إلى الأمر الثاني ، وهو توجيه جواز بيع الوقف المنقطع.

وحاصل التوجيه : أنّ التهافت المزبور مبنيّ على كون الوقف المنقطع حبسا لا فكّا للملك ، إذ بناء على الحبس يكون باقيا على ملك الواقف ، ومع بقائه على ملكه لا وجه لجواز بيع الموقوف عليهم ، وصرف ثمنه في مصالحهم ، إذ ليس لهم إلّا المنفعة أو الانتفاع بالعين ، ولا سلطنة لهم على بيعها.

وأمّا بناء على خروجها عن ملك الواقف حين الوقف وصيرورتها ملكا موقّتا للموقوف عليهم ما داموا موجودين ، ورجوعها ملكا إلى الواقف أو وارثه ، فلا مانع حينئذ عن بيعهم لها ، إذ المفروض كون الموقوف ملكا لهم ، غاية الأمر أنّه متعلّق لحقّ الواقف ، بحيث لو لم يبعها الموقوف عليهم ، وبقيت على حالها من الوقفية حتى انقرض الموقوف عليهم رجعت إلى ملك الوارث. فيكون تعلّق حقّ الواقف نظير تعلق حقّ البطون اللاحقة بها في الوقف المؤبّد ، وهو لا يصلح للمنع عن البيع مع طروء المسوّغ له ، هذا.

(٢) أي : الوقف المنقطع تمليك للبطون كالوقف المؤبّد.

(٣) أي : وحين كون الوقف المنقطع تمليكا للعين ـ لا حبسها للمنفعة أو الانتفاع ـ فبيع الموقوف عليهم للوقف يكون نظير بيع البطن الأوّل في الوقف المؤبّد ، في أنّ تعلق حقّ سائر البطون أو تعلق حق الواقف لا يمنع من صحة البيع.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٤.

٥٥٤

ـ مع تعلّق حقّ الواقف ـ نظير (١) بيع البطن الأوّل مع تعلّق حقّ سائر البطون في الوقف المؤبّد.

لكن هذا (٢) الوجه لا يدفع الإشكال عن الحلبي المحكيّ عنه القول (٣) المتقدّم ، حيث إنّه يقول ببقاء الوقف مطلقا (٤) على ملك الواقف (*).

الثالث (٥) الخروج عن عموم المنع ، والحكم بالجواز في المؤبّد في الجملة (٦).

______________________________________________________

(١) خبر «فبيعهم» و «في الوقف» متعلق ب «تعلّق حق».

(٢) هذا هو الأمر الثالث ، وغرضه عدم إجداء التوجيه المزبور لدفع الإشكال عن أبي الصلاح وإن كان دافعا له عن ابن البرّاج ، وجه عدم الإجداء : التزام أبي الصلاح قدس‌سره بعدم مالكية الموقوف عليهم للموقوفة حتى يصحّ لهم بيعها.

(٣) نائب فاعل «المحكيّ» والمراد بالقول هو : جواز بيع الموقوف عليهم للوقف المنقطع ، مع بنائه على بقائه على ملك الواقف مطلقا سواء في المؤبّد والمنقطع.

(٤) يستفاد هذا الإطلاق من جعل الصدقة تمليك الرقبة ، وجعل الوقف إباحة المنافع ، سواء في المشترط والمؤبّد ، فراجع (١).

(٥) هذا القول الثالث تفصيل بين الوقف المؤبد بجواز البيع في الجملة ، مع اختلاف أرباب هذا القول في حكم الوقف المنقطع ، فبعضهم سكت عنه ، ويظهر من بعضهم عموم الجواز ، ويظهر من ثالث المنع عن بيع المنقطع ، لرجوعه إلى ورثة الواقف.

(٦) عكس ما تقدّم في القول الثاني من جواز بيع المنقطع في الجملة. وسيأتي نقل

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا التوجيه غير مرتبط بكلام القاضي ، إذ المنسوب إليه هو رجوع الموقوف في الوقف المنقطع إلى الواقف ، فلا بدّ من التزامه بخروجه بمجرّد الوقف عن ملك الواقف ، ودخوله في ملك الموقوف عليه. فالتهافت حينئذ يكون بين تعلق حق الواقف ـ وهو عود الموقوف بعد الانقراض إلى ملكه ـ وبين جواز بيع الموقوف عليه له ، فهذا التوجيه أجنبي عنه كما لا يخفى.

__________________

(١) الكافي ، ص ٣٢٤.

٥٥٥

وأمّا المنقطع فلم ينصّوا عليه (١) ، وإن ظهر من بعضهم التعميم (٢) ، ومن بعضهم التخصيص (٣) ، بناء (٤) على قوله (٥) برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف ، كالشيخ وسلّار قدس‌سرهما. ومن (٦) حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البرّ ـ كالسيّد أبي المكارم ابن زهرة (١) ـ فلازمه جعله كالمؤبّد.

______________________________________________________

كلام جماعة من أرباب هذا القول كالشيخ والديلمي وابن سعيد والشهيد قدس‌سرهم.

(١) يعني : لم ينصّ ـ القائلون بالجواز في المؤبّد ـ على جواز البيع في المنقطع. وحقّ العبارة إضافة «فيه» إليه ، بأن يقال : «لم ينصّوا عليه فيه».

(٢) أي : تعميم جواز البيع للمنقطع ، ويستفاد التعميم من السيد أبي المكارم قدس‌سره. بل ادّعى السيد العاملي قدس‌سره «أنّ كلام جماعة كثيرة عام شامل للمؤبّد وغيره ، وإن صرّح بعضهم بجواز بيع المؤبد» فراجع (٢).

(٣) أي : اختصاص الجواز بالمؤبّد.

(٤) يعني : أنّ الاختصاص بالمؤبّد عند هذا البعض مبنيّ على التزامه برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف ، فلا ملك للموقوف عليه حتى يباع.

وهذا البعض شيخ الطائفة ومن تبعه ، حيث قال : «ومتى وقف الإنسان شيئا في وجه من الوجوه ، أو على قوم بأعيانهم ، ولم يشترط بعد انقراضهم عوده على شي‌ء بعينه ، فمتى انقرض أرباب الوقف رجع الوقف على ورثة الواقف» (٣). وهذا صريح في عود الوقف المنقطع إلى الواقف أو ورثته.

(٥) هذا وجه اختصاص الجواز بالمؤبّد ، وهو واضح.

(٦) مبتدء متضمن معنى الشرط ، وقوله : «فلازمه» خبره. ومقصوده : أنّ مثل السيد أبي المكارم ـ القائل برجوع الوقف المنقطع إلى وجوه البرّ وصرفه فيها ـ لا بدّ أن

__________________

(١) الغنية ، ص ٢٩٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٨.

(٣) النهاية ، ص ٥٩٥ ، المراسم لسلّار الديلمي ، ص ١٩٧ ، الوسيلة لابن حمزة الطوسي ، ص ٧٧٠ من الجوامع الفقهية.

٥٥٦

وكيف كان (١) ، فالمناسب أوّلا نقل عبائر هؤلاء ، فنقول :

قال المفيد في المقنعة (٢) «الوقوف في الأصل صدقات ، لا يجوز الرجوع فيها ، إلّا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم والتقرّب إلى الله بصلتهم (٣) ، أو يكون (٤) تغيير الشروط في الموقوف أدرّ عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله.

______________________________________________________

يلتزم بجواز بيع المنقطع كالمؤبّد عند طروء المسوّغ.

(١) يعني : سواء أكان حكم السيد أبي المكارم بصرف الوقف في وجوه البرّ ـ بعد انقراض الموقوف عليهم ـ مستلزما لاتحاد حكم الوقف المؤبّد والمنقطع في جواز البيع ، أم لم يكن مستلزما له ، فالمناسب نقل عبائر أرباب القول الثالث للوقوف على مرادهم.

(٢) محصّل كلام الشيخ المفيد أعلى الله مقامه الشريف : أنّ الوقف صدقة جارية ، فإن أراد الواقف الرجوع عن وقفه ، فتارة يكون قبل إقباضها من الموقوف عليهم ، واخرى بعد الإقباض منهم.

فعلى الأوّل لا يجوز الرجوع إلّا في صورتين :

الاولى : أن يرتكب الموقوف عليهم منكرا يمتنع معونتهم شرعا ، كالارتداد والإفساد في الأرض.

الثانية : أن يكون تغيير شرط من شرائط الوقف ـ كالدوام وعدم البيع ـ أنفع بحال الموقوف عليهم. ففي ما عدا هاتين الصورتين لا يجوز للواقف الرجوع عمّا أنشأه من الوقف ، ليحلّ له بيعه.

وعلى الثاني لا يجوز الرجوع إلّا في ثلاث صور ، سيأتي بيانها.

(٣) هذا إشارة إلى الصورة الاولى ، وهي تعذر التقرب إليه تعالى بالوقف عليهم لينتفعوا به ، فيجوز رجوع الواقف قبل تسليم العين إلى الموقوف عليهم ، لعدم استحقاقهم شرعا للمعونة.

(٤) هذا إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة آنفا.

٥٥٧

وإذا أخرج (١) الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه ، لم يجز له الرجوع في شي‌ء منه ، ولا تغيير شرائطه ، ولا نقله عن وجوهه وسبله (٢). ومتى (٣) اشترط الواقف في الوقف : أنّه (٤) متى احتاج إليه في حياته ـ لفقر ـ كان له بيعه وصرف ثمنه في مصالحه ، جاز له فعل ذلك.

وليس (٥) لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرّفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيّروا شيئا من شروطه ، إلّا أن (٦) يخرب الوقف ، ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره.

أو يحصل (٧) بحيث لا يجدي نفعا ، فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه.

وكذلك (٨) إن حصلت لهم [بهم] ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه. ولا يجوز

______________________________________________________

(١) هذه الجملة قرينة على أنّ ما تقدم ـ من الصورتين لجواز الرجوع عن الوقف ـ ناظر إلى قبل إقباض العين.

(٢) محصل ما أفاده الشيخ المفيد قدس‌سره في الوقف بعد إقباضه من الموقوف عليهم : أنّه تارة يشترط الواقف ـ في مقام إنشاء الوقف ـ جواز بيع الموقوفة لو احتاج إلى صرف ثمنها في مصالح نفسه ، فيصحّ الوقف والشرط ، وللواقف البيع عند الحاجة. فإن باع فهو ، وإن لم يبع حتى مات صار وقفا لازما لم يجز للموقوف عليه بيعه إلا بطروء المسوّغ. وهذا خارج عن مورد البحث.

واخرى لا يشترط ذلك ، ولا يجوز له ولا لغيره البيع حينئذ ، إلّا في صور ثلاث :

الاولى : خراب الوقف ، وعدم قيام أحد بعمارته.

الثانية : أن لا يكون نافعا بحال الموقوف عليه وإن لم يخرب بعد.

الثالثة : الحاجة الشديدة إلى ثمنه ، وأما ما عدا هذه الصور فلا يصح بيع الوقف.

(٣) مبتدء متضمن معنى الشرط ، و «جاز» خبره.

(٤) الجملة في موضع نصب مفعول ل «اشترط» وقوله : «كان» خبر «متى احتاج».

(٥) هذا حكم الوقف الدائم ، وهو حرمة بيعه إلّا بطروء المجوّز.

(٦) استثناء من «ليس» وغرضه بيان مستثنيات منع بيع الوقف ، وأوّلها الخراب.

(٧) معطوف على «أن يخرب» والفرق بين الخراب وعدم إجداء النفع واضح.

(٨) هذا إشارة إلى الصورة الثالثة.

٥٥٨

ذلك (١) مع عدم ما ذكرناه من الأسباب والضرورات» (١) انتهى كلامه رحمه‌الله.

وقد استفاد (٢) من هذا الكلام في غاية المراد تجويز [جواز] بيع الوقف في خمسة مواضع. وضمّ (٣) صورة جواز الرجوع وجواز تغيير [تغيّر] الشرط إلى (٤) المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ، ووفاة الواقف ، فلاحظ وتأمّل (٥).

______________________________________________________

(١) أي : لا يجوز التصرف ـ ببيع أو هبة ـ بدون إحدى الحالات الثلاث المتقدمة.

(٢) الغرض من هذه العبارة التنبيه على الخلاف في ما يستظهر من عبارة المقنعة ، فقد يستفاد منها جواز العدول عن الوقف في صورتين ، لو كانتا قبل إقباض العين للموقوف عليهم. وجواز أن يبيعه الموقوف عليهم في صور ثلاث لو تحققت بعد الإقباض.

وقد يستفاد من عبارة المقنعة جواز البيع في صور خمس بضمّ ما كان قبل القبض إلى ما بعده. والمستفيد هو الشهيد والمحقق الثاني قدس‌سرهما. قال في غاية المراد : «قال المفيد : يجوز بيع الوقف إذا خرب ولم يوجد له عامر ، أو يكون غير مجد نفعا ، أو اضطرّ الموقوف عليه إلى ثمنه ، أو كان بيعه أعود عليهم ، أو يحدثون ما يمنع الشرع من معونتهم ، والتقرب إلى الله بصلتهم. فهذه خمسة مجوّزة للبيع ، ليس بعضها مشروطا ببعض» (٢). ونحوه عبارة المحقق الثاني (٣).

(٣) هذا منشأ استفادة الشهيد قدس‌سره مواضع خمسة لجواز البيع من عبارة الشيخ المفيد ، وهو ضمّ ما كان قبل القبض إلى ما بعده.

(٤) متعلق ب «ضمّ» وقوله : «جواز تغيير» معطوف على «جواز الرجوع».

(٥) لبعد ما استفاده الشهيد قدس‌سره من كلام المفيد ـ من جواز البيع في موارد خمسة ـ لخروج الصورتين المفروضتين قبل القبض ، وهما : الرجوع عن الوقف ، وتغيير الشرط. إذ الوجه في خروجهما : إمّا عدم تمامية الوقف بناء على دخل القبض في الصحة. وإمّا

__________________

(١) المقنعة ، ص ٦٥٢ ـ ٦٥٣.

(٢) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٢٤ ونقله عنه في المقابس ، ص ٤٣.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٦٨ و ٦٩.

٥٥٩

ثمّ إنّ العلّامة ذكر في التحرير : «انّ قول المفيد ـ بأنّه : لا يجوز الرجوع في الوقف إلّا أن يحدث .. إلى قوله : أنفع لهم من تركه على حاله ـ متأوّل» (١). ولعلّه (١) من شدّة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد.

وقال في الانتصار ـ على ما حكي عنه ـ : «وممّا انفردت الإماميّة به : القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه ، وأنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم

______________________________________________________

جواز الوقف وعدم لزومه بناء على دخل القبض في اللزوم ، فليست هاتان الصورتان كالصور الثلاث المذكورة بعد القبض كما لا يخفى.

(١) أي : ولعلّ كونه متأوّلا هو مخالفته .. إلخ ، ووجه مخالفته للقواعد ما عرفته من دخل القبض في اللزوم أو الصحة ، ومعه لا حاجة في جواز الرجوع إلى خروج الموقوف عليه عن قابلية المعونة شرعا. ولأجل هذا قال العلامة قدس‌سره بلزوم تأويل كلام المفيد لئلّا ينافي القواعد المسلّمة.

وعليه فالعلّامة ـ كالشهيد ـ ادّعى ظهور عبارة المقنعة في جواز بيع الوقف في صور خمس ، ولكنه في التحرير قال بعدم إرادة هذا الظاهر ، وأنّه لا بدّ من توجيهه بأن يراد من الجواز في قول المفيد : «لا يجوز الرجوع فيها إلّا أن يحدث» هو الجواز بالمعنى الأخص أي الإباحة ، فالمعنى : «أنه يكره الرجوع إلّا أن يحدث ، فالرجوع مباح حينئذ ، وليس بمكروه».

والداعي لهذا التوجيه هو أنّ فقاهة الشيخ المفيد وجلالة شأنه مانعتان عن الأخذ بظاهر كلامه من حرمة رجوع الواقف قبل القبض إلّا في صورتين ، لأنّ جواز الرجوع قبل القبض من المسلّمات ، ولا يتوقف على إحدى الصورتين.

فتحصّل : أن الشيخ المفيد قدس‌سره يقول بجواز بيع الوقف المؤبّد في الجملة أي في ثلاث صور ، وكذا في مورد اشتراط الواقف جواز بيعه في صيغة الوقف. وأمّا المنقطع فيرجع بعد انقراض الموقوف عليه إلى ورثته كما صرّح به.

__________________

(١) تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ٢٨٤.

٥٦٠