هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

لعموم (*) «من سبق إلى ما لم يسبق (١) [يسبقه] إليه مسلم فهو أحقّ به» (١).

ويؤيّده (٢) ـ بل يدلّ عليه ـ استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة من تربة أرض العراق من الآجر والكوز والأواني (**) وما عمل من التربة الحسينية (***).

______________________________________________________

المفتوحة عنوة من الأجزاء. وحاصل هذا الاحتمال هو كون تلك الأجزاء بحكم المباحات الأصلية في عدم الحاجة في تملكها إلى إجازة أحد ، بل من سبق إليه فهو أحقّ من غيره به.

(١) كذا في نسختنا ، وفي المستدرك وبعض نسخ الكتاب «لم يسبقه».

(٢) أي : ويؤيّد احتمال كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض المفتوحة عنوة بحكم

__________________

ولا سبيل إلى الخروج عن قاعدة التبعية بالنسبة إلى منافع الأرض المفتوحة عنوة ، فلا وجه لتملكها بالحيازة كحيازة المباحات ، لاختصاص دليل الحيازة بغير أملاك الناس.

(*) لكنه لا يفيد الملكية ، بل الأولوية. مع أنه سيق لبيان حكم آخر ، وهو أولوية السابق من اللاحق ، فلا إطلاق له بالنسبة إلى المفتوحة عنوة وغيرها.

(**) يمكن دعوى انصراف الأدلة عن مثل هذه التصرفات ، فيرجع فيها إلى قاعدة الحل.

(***) يمكن أن يقال ـ بعد الغض عن دعوى الانصراف المتقدمة ـ : إنّ ما دلّ على الحثّ والترغيب في أخذ التربة الحسينية والتبرك بها في الصلاة وغيرها إذن عامّ ، ومعه لا حاجة إلى إجازة الفقيه أو السلطان الجائر ، هذا.

ثمّ إنّ التمسك بالسيرة إنّما يتجه فيما إذا أحرز كون موردها الأشياء المعمولة من أرض العراق المحياة في حال الفتح. ولا سبيل إلى إحرازه.

فالمستند في جواز الأمور المذكورة هو قاعدة الحل الجارية في الشبهات الموضوعية التي منها مورد بحثنا ، إذ لا يعلم أنّ تلك الأمور معمولة من قسم المعمور من المفتوحة عنوة ، أو من قسم الموات منها.

__________________

(١) عوالي اللئالى ، ج ٣ ، ص ٤٨٠ ، ح ٤ ، ورواه عنه في مستدرك الوسائل ، ج ١٧ ، ص ١١٢ ، ح ٤.

٤٨١

ويقوّي هذا الاحتمال (١) بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض (٢).

______________________________________________________

المباحات ـ بل يدلّ عليه ـ استمرار السيرة واستقرارها خلفا عن سلف على بيع ما يعمل من تربة أرض العراق من الآجر والكوز والأواني ، وكذا بيع ما يعمل من التربة الحسينية على ساكنها أفضل الصلاة والتحية ، فإنّ هذه السيرة المتصلة بزمان أصحاب الأئمة عليهم‌السلام دليل على إباحة التصرف فيها ، وعدم الحاجة إلى إجازة الحاكم أو الجائر.

وهذه السيرة ذكرها السيد العاملي قدس‌سره بقوله : «وقد يقال بالجواز في ذلك ـ أي بجواز رهن بناء الأرض المفتوحة عنوة المأخوذ من ترابها ـ كما هو ظاهر إطلاق الباقين ، عملا بما استمرّت عليه السيرة من بيع الأباريق والحجلات ـ وهي الزقاق للشرب ـ والحبوب والسبح الحسينية على مشرّفها السلام ، وغير ذلك مما يعمل من ترابها» (١) لكنه قدس‌سره أمر بالتأمّل. ولعلّه لذا عبّر المصنف بالتأييد أوّلا ، لكنه لقوة السيرة عدل إلى الدلالة.

(١) يعني : ويؤيّد احتمال كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض بحكم المباحات بعد بقائها بعد انفصالها على جزئيتها من الأرض.

(٢) العبارة لا تخلو من اضطراب ، إذ لو كان انفصال هذه الأجزاء عن الأرض بعيدا لزم الحكم عليها بما يحكم على نفس الأرض من كونها ملكا للمسلمين ، ولا وجه لتقوية الإباحة ، مع أنّ مقصوده قدس‌سره تأييد احتمال الإباحة.

فالأولى أن يقال : «بعد كون هذه الأجزاء من الأرض بعد انفصالها».

هذا تمام الكلام في حكم الأراضي ، وبذلك تمّ البحث عن اشتراط البيع بالملك ، وسيأتي الكلام في اشتراط الطلق إن شاء الله تعالى.

__________________

فإن كان من القسم الثاني صار الآخذ لها مالكا لها. والعلم الإجمالي بوجود قطعات معمورة حال الفتح في أرض العراق لا أثر له بعد خروج بعضها عن الابتلاء. فقاعدة الحلّ تجري فيها بلا مانع ، كجريانها في الشبهات البدوية غير المقرونة بالعلم الإجمالي.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٨٢.

٤٨٢

واعلم أنّه ذكر الفاضلان (١) وجمع (٢) ممّن تأخّر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية : كونه (٣) طلقا. وفرّعوا عليه (٤) عدم جواز بيع الوقف إلّا فيما استثني ، ولا الرّهن (٥) إلّا بإذن المرتهن

______________________________________________________

الثالث من شروط العوضين : كون الملك طلقا

(١) وهما المحقق والعلّامة قدس‌سرهما ، فإنّهما جعلا الطّلقية شرطا آخر من شرائط العوضين. قال المحقق : «الثاني : أن يكون طلقا» (١).

وقال العلّامة : «ويشترط في الملك التمامية» ولم نعثر على من اعتبر هذا الشرط قبلهما ، ولذا قال المحقق الكبير التستري قدس‌سره في المقابس : «والعبارتان ـ أي الطلق والتمامية ـ متداولتان بين متأخري الأصحاب» (٢).

(٢) كالشهيدين والمحقق الثاني والفاضل السبزواري والمحدّث البحراني والفاضل النراقي قدس‌سرهم (٣).

(٣) أي : كون كلّ من العوضين طلقا.

(٤) أي : فرّعوا على اعتبار طلقية الملك في العوضين : عدم جواز بيع الوقف إلّا في الموارد المستثناة التي سيأتي تفصيل البحث فيها.

(٥) يعني : وفرّعوا أيضا على اعتبار طلقية الملك : عدم جواز بيع العين المرهونة إلّا بإذن المرتهن أو إجازته ، حيث إنّ الرهن يخرج المرهونة عن الطّلقية ، ويوجب تعلق حق المرتهن بها بحيث لا يصحّ البيع إلّا بإذنه أو إجازته.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٢.

(٣) الروضة البهية (اللمعة وشرحها) ج ٣ ، ص ٢٥٣ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧ ، كفاية الأحكام ، ص ٨٩ ، الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٣٨ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٠٧.

٤٨٣

أو إجازته (١) ، ولا (٢) أمّ الولد إلّا في المواضع المستثناة.

والمراد بالطّلق (٣) (*) تمام السلطنة على الملك ، بحيث يكون للمالك أن يفعل بملكه ما شاء ، ويكون (٤) مطلق العنان في ذلك (٥).

لكن هذا المعنى (٦) في الحقيقة راجع إلى كون الملك ممّا يستقلّ المالك بنقله ،

______________________________________________________

(١) الفرق بين الإذن والإجازة هو السبق واللحوق ، فإن أظهر المرتهن رضاه قبل أن يبيع الراهن كان إذنا له ، وإن كان بعده كان إمضاء وإجازة ، نظير إجازة بيع الفضولي.

(٢) يعني : وفرّعوا على اعتبار طلقية الملك عدم جواز بيع أمّ الولد إلّا في مواضع سيأتي التعرض لها إن شاء الله تعالى.

(٣) بعد بيان آثار شرطية الطّلق ـ من الاحتراز عن البيع في موارد ـ أراد أن يبيّن مفهوم الشرط وهو الطلق ، ومحصله : أنّ المراد بالطّلق هو السلطنة التامة للمالك على ملكه ، بأن يفعل بملكه ما شاء وأراد ، بلا توقف على إذن أحد أو إجازته.

وبعبارة أخرى : الطّلق هو الذي يكون مالكه مطلق العنان في التصرف في ملكه ، من غير فرق في ذلك بين التصرف الخارجي والاعتباري.

(٤) معطوف على «يكون» والضمير المستتر فيه راجع إلى المالك.

(٥) أي : في فعله بملكه ما شاء.

(٦) أي : تمام السلطنة على الملك. وهذا تمهيد للإشكال على تفسير «الطلق» بما ذكر ،

__________________

(١) الأولى أن يقرّر هكذا : إن أريد بالطلق السلطنة التامة على الملك بجميع أنحاء التصرفات الاعتبارية والخارجية ، فعدم اعتباره غنيّ عن البيان ، لوضوح عدم اعتباره في صحة البيع. فإذا حلف على عدم هبة ماله الخاصّ مطلقا أو من شخص خاصّ ، فلا إشكال في جواز بيعه وصحته حينئذ ، مع عدم السلطنة التامة على هذا المال ، لمكان الحلف.

وإن أريد به السلطنة التامة على البيع وإن لم يكن له سلطنة على غير البيع من التصرفات ، فمرجعه إلى اشتراط صحة البيع بصحة بيع متعلقة للمالك مستقلّا. وهذا لا معنى له ، لأنّه من قبيل جعل الشي‌ء مشروطا بنفسه.

فالطّلق بعنوانه ليس شرطا ، بل الشرط حقيقة هو انتفاء الحقوق الخاصّة المانعة عن تصرف المالك في ملكه. والطّلق منتزع عن انتفاء تلك الحقوق ، فيصحّ أن يقال : يشترط في صحة البيع أن لا يكون المبيع وقفا أو مرهونا ، وهكذا.

٤٨٤

ويكون نقله (١) ماضيا فيه ، لعدم (٢) تعلّق حقّ به مانع (٣) عن نقله بدون (٤) إذن ذي الحقّ ، فمرجعه (٥) إلى أنّ من شرط البيع أن يكون (٦) متعلّقه ممّا يصحّ للمالك بيعه مستقلّا. وهذا [ممّا] لا محصّل له.

فالظاهر (٧) أنّ هذا العنوان

______________________________________________________

وحاصله : أنّ مرجع تفسير «الطلق» ـ بما مرّ ـ إلى استقلال المالك بنقل ملكه إلى غيره ومضيّه ، لعدم تعلق حقّ أحد به يكون مانعا عن نقله بدون إذنه.

فمآل هذا الشرط إلى اشتراط صحة البيع بأن يكون متعلّقه ممّا يصح للمالك بيعه مستقلّا ، لأنّ وجود كل ممكن ـ حتى الموجود الاعتباري ـ منوط بعدم المانع ، فلو تحقق المانع امتنع وجود الممنوع ، كالرطوبة المانعة عن وجود الإحراق.

فهو نظير أن يقال : يشترط في صحة الصلاة أن تكون الصلاة صحيحة ، ويشترط في جواز البيع جواز بيع المبيع.

(١) يعني : ويكون نقل المالك ماضيا في ملكه.

(٢) تعليل لمضيّ الحق ونفوذه.

(٣) صفة ل «حق» وضمير «نقله» راجع الى الملك.

(٤) متعلق ب «نقله».

(٥) أي : مرجع قيدية «الطلق» إلى : أنّ من شرائط صحة البيع صحة بيع متعلّقه للمالك مستقلّا ، وهذا كما في المتن لا محصّل له ، إذ لا معنى له إلّا اعتبار صحة بيع المبيع في صحة البيع ، نظير أن يقال : جواز البيع مشروط بجواز بيع المبيع.

(٦) منصوب محلّا ، لكونه اسم «ان» وخبره المقدّم هو «من شرط».

(٧) بعد أن استشكل المصنف قدس‌سره بقوله : «لكن هذا المعنى في الحقيقة .. إلخ» على اعتبار الطّلق في البيع ، استظهر عدم اعتبار عنوان الطّلق بالمعنى المذكور في البيع ، وقال : إنّ عنوان الطّلق في نفسه ليس شرطا في صحة البيع حتى يتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف وغيره ، بل الشرط هو انتفاء كلّ حقّ يمنع المالك عن التصرف في ماله كالنذر والشرط والرهن وغيرها.

فليس الطّلق شرطا وجوديّا كالماليّة وغيرها من شرائط العوضين ، بل «الطلق» منتزع عن عدم تعلق حق أحد بالعوضين يمنع المالك عن التصرّف في ملكه. فحينئذ يصحّ أن يقال : يشترط في صحة البيع أن لا يكون العوضان متعلّقين لحق شخص

٤٨٥

ليس في نفسه شرطا (*) ليتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف والمرهون وأمّ الولد ، بل (١) الشرط في الحقيقة انتفاء كلّ من تلك الحقوق الخاصّة (٢) وغيرها ممّا ثبت منعه عن تصرّف المالك ، كالنذر والخيار ونحوهما. وهذا العنوان (٣) منتزع من انتفاء تلك الحقوق.

______________________________________________________

مانع عن تصرف المالك في ملكه.

وهذا التوجيه أفاده صاحب المقابس أيضا ـ بعد الاعتراض على جعل الطلق شرطا ـ بقوله : «ويمكن أن يقال : إنّهم قصدوا بذلك ما ذكروه مفصّلا من عدم كونه وقفا ولا رهنا ولا غير ذلك مما يأتي بيانه .. ووجه التعبير بالعنوان المشترك قصد الاختصار والضبط» (١).

(١) استدراك على قوله : «فالظاهر أنّ هذا العنوان ليس في نفسه شرطا».

(٢) وهي : بيع الوقف والمرهونة وأمّ الولد ، يعني : ليس تعلق مطلق الحق مانعا من صحة البيع ، حتى ينتزع شرط كلي مطّرد بعنوان «الطلق» من عدم تعلق الحق.

والوجه في انتزاعه من انتفاء بعض الحقوق هو التزامهم بصحة البيع في جملة من الموارد كالعين المنذورة لمصرف خاص ، وكالمبيع بالبيع الخياري الذي تعلّق به حقّ من له الخيار ، وغير ذلك.

(٣) أي : كون الملك طلقا ـ بحيث لا يكون المالك محجورا عن التصرف فيه ـ منتزع من انتفاء الحقوق المانعة عن نفوذ التصرف فيه ، فالطّلق أمر عدميّ أي عدم مانع من التصرف فيه ، فيصح أن يقال : يشترط في البيع أن لا يكون العوض فيه متعلّقا لحق الغير.

__________________

(*) خلافا للمحقق النائيني قدس‌سره ، حيث إنّه جعل الطلق شرطا وجوديّا ، وهو مرسليّة الملك بالنسبة إلى مالكه ، بأن يكون له تمام السلطنة عليه فيما يشاء من بيعه وإجارته وجميع تقلباته. وليس مرجعه إلى جواز البيع حتى يردّ بأنّه لا معنى لاشتراط جواز البيع بأن يكون المبيع جائز البيع. الى آخر ما أفاده المقرر وهو العلامة الآملي قدس‌سره (٢).

ولا يخفى أنّ ما أفاده الميرزا قدس‌سره من تفسير الطلق بمرسلية الملك بالنسبة إلى

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٢.

(٢) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٣٧٣.

٤٨٦

فمعنى الطّلق أن يكون المالك مطلق العنان في نقله ، غير محبوس عليه (١) لأحد (٢) الحقوق التي ثبت منعها (٣) للمالك عن التصرّف في ملكه. فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع (٤) تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرّف ، لا تأسيس لشرط (٥)

______________________________________________________

(١) أي : على النقل.

(٢) متعلق ب «محبوس» وضميره راجع الى الملك المستفاد من العبارة.

(٣) هذا الضمير راجع إلى الحقوق ، يعني : ثبتت مانعية تلك الحقوق عن تصرف المالك في ملكه.

(٤) وهو الطّلق ، حيث إنّه منتزع عن عدم تعلّق حقوق بالملك مانعة عن تصرف المالك في ملكه ، وليس عنوانا متأصّلا. فكأنّه قيل : يعتبر في البيع أن لا يكون العوضان متعلقين لحقوق تمنع المالك عن التصرف في ملكه ، فالمانع حقيقة عن صحة البيع هو تلك الحقوق التي عدمها منشأ انتزاع عنوان الطلق ، فعدمها شرط صحته ، لا أنّ الطلق المنتزع عن عدمها شرط.

(٥) على حدّ سائر شرائط العوضين حتى يتفرع عليه ما بعده من الوقف والرهن

__________________

المالك ، بأن يكون له تمام السلطنة عليه فيما يشاء ، وكذا تفسير «الطلق» بكون الملك مطلق العنان للمالك ، وكون سلطنته عليه تامة في مقابل السلطنة الناقصة.

فيه أوّلا : أنّ مرسلية الملك وتمام السلطنة ونظائرهما من التعبيرات منتزعة عن عدم تعلق حق به يمنع عن تصرف المالك ، إذ مع تعلق حق كذائي به لا يصحّ هذه التعبيرات. فالمدار على منشأ الانتزاع ، وهو عدم تعلق حق به يمنع المالك عن التصرف بدون إذن ذي الحق.

وثانيا ـ بعد الغض عنه ـ : ليس الطلق بهذا المعنى الوسيع شرطا لصحة البيع ، بل الشرط هو عدم تعلق حق به مانع عن بيع المالك ، لا كلّ حقّ كحلف المالك على عدم هبة ماله ، أو عدم بيعه من شخص خاص ، أو غير ذلك من الحقوق غير المانعة عن بيعه.

فما أفاده المصنف قدس‌سره من كون الشرط عدم تعلق حقّ مانع عن البيع متين جدّا.

٤٨٧

ليكون ما بعده فروعا ، بل الأمر في الفرعيّة والأصالة بالعكس (١).

ثمّ إنّ أكثر من تعرّض لهذا الشرط (٢) لم يذكر من الحقوق إلّا الثلاثة (٣) المذكورة ، ثمّ عنونوا حقّ (٤) الجاني ، واختلفوا في حكم بيعه (٥).

______________________________________________________

وأمّ الولد.

(١) يعني : أنّ الأصل في الشرطية هي الأمور المذكورة ، و «الطّلق» فرع ، لا أنّه الأصل وتلك فروع. فالمراد بالعكس هو كون الوقف وأخواته أصلا ، والطلق فرعا.

(٢) وهو كون الملك طلقا ، بحيث لا يكون المالك محجورا عن التصرف في ماله.

(٣) أحدها : حق الطبقات اللاحقة في العين الموقوفة.

وثانيها : حقّ المرتهن المتعلق بالعين المرهونة.

وثالثها : حق انعتاق الأمة بتشبثها بالحرية بصيرورتها أمّ ولد.

وممّن اقتصر على مانعية هذه الحقوق الثلاثة المحقق والعلّامة وصاحبا الكفاية والمستند (١). واقتصر الشهيدان في اللمعة وشرحها على حق الوقف وأمّ الولد (٢).

(٤) هذا من إضافة الحق إلى من عليه الحقّ ، وإلّا فالحقّ للمجني عليه لا للجاني ، ولذا قال العلّامة «ويجوز بيع الجاني .. ولا يسقط حق المجني عليه عن رقبته في العمد» (٣).

(٥) فجوّزه العلامة وجماعة ، كما في مفتاح الكرامة ، مع توقفه على إجازة المجني عليه ـ في صورة العمد ـ وتردد فيه المحقق (٤) ، وتعرّض له صاحب الحدائق أيضا (٥).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣ ، كفاية الأحكام ، ص ٨٩ ، السطر الأخير ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٠٧.

(٢) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٣ و ٢٥٦.

(٣) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣.

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٥ و ٢٦٦.

(٥) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٥٨.

٤٨٨

والظاهر أنّ الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة ، وقد أنهاها بعض (١) من عاصرناه إلى أزيد من عشرين ، فذكر ـ بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر (٢) ـ النذر (٣) المتعلّق بالعين قبل البيع ،

______________________________________________________

(١) وهو المحقق الشوشتري في المقابس ، وقد أنهاها إلى اثنين وعشرين سببا ، وتكلّم المصنف في الأربعة المعروفة مفصّلا ، وأشار إلى أربعة عشر منها ، وأهمل أربعة منها.

أوّلها : تعلق حق الغرماء بمال المفلّس أو الميت.

ثانيها : تعلق حق المضمون له بالمال إذا شرط أداء الضمان منه.

ثالثها : عدم تمامية سبب الملك في المتبرعات ، كالهبة والهدية والصدقة قبل القبض بناء على كون القبض شرط اللزوم لا الصحة.

رابعها : عدم تمامية سبب الملك في المعاوضات كبيع الصرف قبل القبض بناء على كونه شرطا للزوم لا الصحة.

(٢) يعني : أنّ صاحب المقابس زاد على الحقوق الأربعة المعروفة أمورا اخرى عدّها من أسباب نقص الملك. وليس المراد أنّه قدس‌سره قدّم هذه الأربعة في الذّكر ، ثم تعرض لغيرها. إذ المبحوث عنه في المقابس مرتّبا هو الوقف وأمّ الولد والعبد الجاني والارتداد والرهن والنذر ، وهكذا ، فالنذر سبب سادس في المقابس ، وخامس في المتن. كما أنّ الارتداد سبب رابع هناك وسابع في المتن.

فغرض المصنف قدس‌سره الإشارة إلى نفس الحقوق المذكورة في المقابس مع الغضّ عن ترتيبها.

(٣) مفعول قوله : «فذكر». قال في المقابس في عدّ أسباب نقص الملك : «السبب السادس : تعلق حق النذر وشبهه ، كقوله : لله عليّ أو عليّ عهد لله أنّ هذا المال المعيّن أو ما في حكمه صدقة للفقراء ، أو لفلان. أو الغنم أضحية أو هديا ، أو هذا العبد حرّا. أو تكون ـ أي تكون صيغة النذر أو العهد ـ لله عليّ أو عليّ عهد الله أن أتصدّق بهذا المال على الفقراء ..» (١).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٠٩.

٤٨٩

والخيار (١)

______________________________________________________

(١) معطوف على «النذر» قال في المقابس : «الثاني عشر : ثبوت الخيار للبائع أو للمشتري ، أو كليهما ، أو غيرهما. أمّا الأوّل ـ وهو ثبوت الخيار للبائع خاصة ـ فإنّه يمنع من تصرّف المشتري في المبيع بنقله أو نقل منافعه أو تعريضه لذلك كالرهن ، وإن كان ملكا له وجاز له الانتفاع بغير النقل كما هو الأصح ، وإنّما منع من النقل ، لمنافاته حقّ البائع من الخيار ، فلا ينفذ كما نصّ عليه العلّامة في القواعد» (١).

وتوضيحه : أنّهم اختلفوا في كون متعلّق الخيار هو العقد ، فلا أثر لبقاء العوضين وتلفهما في ثبوته ، أم هو العوضين. وتفصيل هذا البحث موكول إلى أحكام الخيار إن شاء الله تعالى. لكن لا بدّ من بيان المطلب إجمالا ، والوجه في عدّ حقّ الخيار من موانع الطّلق ، أو من أسباب نقص الملك ، فنقول :

بناء على قيام حق الخيار ابتداء بنفس العوضين ، فوجه منع من عليه الخيار من التصرف المنافي لحقّ ذي الخيار في المدّة المضروبة واضح ، لكون تصرفه تضييعا لحقّ محترم ، فلا ينفذ كما نقله صاحب المقابس عن العلّامة.

وبناء على قيام حق الخيار بالعقد ، كما لعلّه المستفاد من تعريفه بأنّه «ملك فسخ العقد وإقراره» فلأنّ من له الحق وإن جاز له الفسخ ، سواء أكانت العين باقية فيستردها ، أم تالفة فيستردّ بدلها ، ولا يتوقف استيفاء الحق على بقاء العين ، إلّا أنّ العقد المتعلّق للخيار له تعلّق بالعوضين من حيث إرجاعهما إلى مالكيهما بحلّ العقد ، فلا يجوز لمن عليه الخيار التصرف المنافي لحقّ ذي الخيار ، ولا ينفذ.

هذا بالنسبة إلى كافة أقسام الخيار. وقد يجب على من عليه الخيار إبقاء العين في المدة المضروبة من باب وجوب الوفاء بالشرط الضمني ، كما في بيع الخيار ـ المبحوث عنه في خيار الشرط ـ من أنّه لو شرط البائع على المشتري حفظ المبيع في المدة المعيّنة ليتمكّن من استرداده بعد ردّ الثمن إلى المشتري ، لزمه الوفاء به ومنع من التصرف فيه.

ثم إنّ صاحب المقابس بعد نقل كلمات القوم ، قال : «ولا يبعد أنّ للمشتري نقله عن الملك وعتقه ، ويصحّ ، ولا يتوقف على إجازة ذي الخيار .. ولكنه لا يجوز الإتلاف ،

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢٠.

٤٩٠

المتعلّق به (١).

والارتداد (٢).

والحلف (٣) على عدم بيعه.

______________________________________________________

لمنافاته لحقّ ذي الخيار» (١).

(١) أي : بالعين ، فالأولى تأنيث الضمير. والتقييد بالعين إمّا لتعلق كافة الخيارات بالعوضين ابتداء ، أو بواسطة تعلّقها أوّلا بالعقد ، وثانيا بهما. وإمّا للاحتراز عمّا لو جعل البائع الخيار لنفسه مطلقا سواء بقي المبيع بحاله ، أم أتلفه المشتري أو نقله إلى غيره ، لبقاء الخيار بعد التلف والنقل ، فيسترد البائع البدل. بخلاف ما لو اشترط بقاء العين ، فإنّه لا يجوز للمشتري نقله إلى الغير صيانة لحقّ البائع.

(٢) معطوف على «النذر» قال في المقابس : «السبب الرابع من أسباب النقص : الارتداد ، وكلّ ما حدّه القتل من المحاربة واللواط وبعض أقسام الزنا. أمّا الارتداد ففي منعه عن البيع أقوال ..» (٢).

والمراد به ارتداد المملوك. فإن كان عن فطرة فحكمه القتل. وإن كان عن ملّة فحكمه الاستتابة ثم القتل إن لم يتب. هذا حكم الرجل المرتدّ بقسميه (*). وأمّا المرأة مطلقا فحكمها الحبس والضّرب أوقات الصلاة إلى أن تتوب أو تموت.

(٣) معطوف أيضا على «النذر» ومثل الحلف على عدم البيع هو الإيصاء به كما في المقابس ، حيث قال : «السبب السابع من أسباب النقص : أن يكون منهيّا عن بيعه لحلف

__________________

(*) إن كانت المعاملة سفهية أو ممّا يوجب أكل المال بالباطل ، لسقوطه بسبب وجوب القتل عن المالية عرفا ، فلا إشكال في بطلان البيع ، وإلّا ففيه إشكال ، بل منع ، لإمكان خروج المعاملة عن السفهية وعن أكل المال بالباطل بأن يشتريه من عليه كفارة ، فيعتقه ، ثم يقتل ، فتدبّر.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢١.

(٢) المصدر ، ص ١٠٣.

٤٩١

وتعيين (١) الهدي للذّبح.

واشتراط (٢) عتق العبد في عقد لازم ،

______________________________________________________

أو وصيّة. فالأوّل كما لو حلف أن لا يبيعه ، أو لا يخرجه عن ملكه. والأصحّ أنّه يصحّ بيعه ، وإن أثم بذلك ، ووجبت عليه الكفارة مع العمد والعلم. ويلزم على قول من أفسد البيع وقت النداء أن يحكم بفساده ـ أي بفساد البيع هنا ـ أيضا».

إلى أن قال : «والثاني : كما لو أوصى بمال لشخص ، وشرط في الوصية أن لا يخرجه عن ملكه أو لا يبيعه ، فإذا انتقل إلى الموصى له وجب عليه العمل بمقتضى الوصية ، عملا بالعمومات. ولو باع فسد بيعه ، لكون التمليك وقع على نحو خاصّ كما في الوقف ، لا مطلقا ، ولأنّ حكمة النهي لا تتمّ إلّا بإبطاله» (١).

ففرّق صاحب المقابس بين الحلف على عدم البيع ، فرجّح صحة البيع لو باعه. وبين الوصية بعدم البيع ، فحكم بالبطلان لو باعه الموصى له.

وكيف كان ففي مورد الحلف يتوقف بطلان البيع على أمرين ممنوعين :

أحدهما : اقتضاء الأمر بالوفاء بالحلف ـ على عدم البيع ـ للنهي التكليفي عن ضده الخاص وهو البيع.

وثانيهما : اقتضاء الحرمة التكليفية للوضع أعني به الفساد.

(١) معطوف أيضا على «النذر» والمقصود تعيين الهدي بالإشعار أو التقليد ، لصحيحة الحلبي المعمولة بها (٢).

قال في المقابس في السبب الثامن : «تعيين الهدي للذبح ، وسياقه بإشعاره أو تقليده ، فإنّه لا يخرج بذلك عن ملك سائقه ، لكنّه لا يجوز له إبطاله ونقله عن الملك ، بل يجب ذبحه بمنى إن كان في إحرام الحج ، وفي مكة إن كان في إحرام العمرة» (٣).

(٢) هذا أيضا معطوف على «النذر» والمراد به أن يبيع عبدا ويشترط على المشتري عتقه ، أو اشتراط عتقه في ضمن عقد لازم غير البيع ، كالإجارة والصّلح ، قال

__________________

(١) مقابس الأنوار ، ص ١١٩.

(٢) وسائل ، ج ١٠ ، ص ١٢٦ ، الباب ٢٧ من أبواب الذبح ، ح ١.

(٣) مقابس الأنوار ، ص ١١٩.

٤٩٢

والكتابة (١) المشروطة أو المطلقة

______________________________________________________

في المقابس : «وهذا ـ أي بطلان البيع لو باعه المشتري ـ بناء على صيرورة الشرط لازما يجب الوفاء به بعد أخذه في العقد مطلقا أو في خصوص هذا الشرط ، لتعلّق حقّ الله تعالى به والعبد ، وعدم اختصاصه بالبائع ـ حتى يجوز البيع بإسقاط حقّه ـ أو عدم استحقاقه ـ أي البائع ـ لذلك. فعلى هذا لو باعه كان باطلا ..» (١) (*).

وعلى هذا فالبطلان مبني على كون الشرط موجبا لحدوث حقّ للمشروط له ، بحيث يكون العبد متعلّقا لحقّه ، وإلّا فلا.

(١) معطوف على «النذر» وهذا سابع الحقوق الموجبة لنقص الملك ، قال في المقابس : «السبب العاشر : المكاتبة المشروطة أو المطلقة في غير ما تحرّر منه بالأداء ، فإنّها تمنع المولى من التصرف فيه .. إلخ» (٢).

وتوضيحه : أنّ الكتابة عقد لازم يقع بين المولى والمملوك ، وهي معاملة مستقلة بينهما ثمرتها تحرّر المملوك بعد أداء مال الكتابة ، وهي على قسمين مطلقة ومشروطة ، فالمطلقة أن يقول المولى : «كاتبتك على عوض كذا في مدة كذا ، فإذا أدّيت فأنت حرّ» فإن أدّى المملوك من مال الكتابة شيئا تحرّر منه بحسابه.

__________________

(*) واستدلّ على صحة البيع ـ بعد الأصل والعمومات ـ برواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الذي يحلف على المتاع أن لا يبيعه ولا يشتريه ، ثم يبدو له ، فيكفّر عن يمينه» (٣). فهي تدل على صحة البيع مع الكفارة. بل بدونها كما في رواية أخرى «يبيع ولا يكفّر» (٤) لكن لا مجال للعمل بها ، لمخالفتها للقواعد ، مع الإعراض عنها.

والضابط المطّرد في بطلان البيع في الموارد المذكورة في المقابس وغيرها هو كون المبيع متعلّق حق الغير ، بحيث يتوقف صحة بيعه على إذن ذي الحق ، أو دلالة دليل خاص على البطلان ، وإلّا فمجرد النهي التكليفي لا يكفي في إثبات البطلان.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١١٩.

(٢) مقابس الأنوار ، ص ١١٩ و ١٢٠.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ١٤٧ ، الباب ١٨ من كتاب الايمان ، ح ١١.

(٤) المصدر ، ح ١٠.

٤٩٣

بالنسبة (١) إلى ما لم يتحرّر منه ، حيث إنّ المولى ممنوع عن التصرّف بإخراجه عن ملكه قبل الأداء.

والتدبير (٢) المعلّق على موت غير المولى ،

______________________________________________________

والمشروطة هي أن يقول المولى لمملوكه ـ زيادة على ذلك : «فإن عجزت عن الأداء فأنت ردّ في العتق» (١).

وفي كلا القسمين يكون المولى ـ في مدة الكتابة ـ ممنوعا من إخراج المملوك عن ملكه. مع فرق بين القسمين ، وهو : أنّ المنع في المشروطة يكون بالنسبة إلى تمام الرقبة ، وفي المطلقة يكون بالنسبة إلى ما لم يتحرّر منه ، كما إذا اتفقا على كون العوض مائة دينار ، فأدّى المملوك خمسين دينارا ، فقد تحرر نصفه وبقي نصفه رقّا.

وفي كلا القسمين يستمرّ منع المولى من إخراج المكاتب عن ملكه إلى أن تنفسخ الكتابة لأحد أمرين ، إمّا لعدم الأداء ، لعجز المملوك مثلا ، وإمّا لاتفاقهما على التقايل وفسخ الكتابة بناء على صحته. فإن انفسخت صار المكاتب رقّا يجوز للمولى نقله عن ملكه.

هذا توضيح ما أفاده صاحب المقابس. ثم نبّه على أمر ، وهو : أنّ جعل الكتابة من أسباب نقص الملك مبني على أمرين ، أحدهما : كون عقد الكتابة لازما حتى في المشروطة ، خلافا لما عن بعض من جوازها في المشروطة.

وثانيهما : كونه عقدا مستقلا ، لا بيعا ولا عتقا بعوض ، إذ لو كانت أحدهما كان عدم جواز بيع المكاتب لأجل انتفاء شرط أصل الملك ، لا تماميته ، فراجع (٢).

(١) قد عرفت أنّ هذا القيد ملحوظ في المطلقة ، إذ لم يتحرّر شي‌ء في المشروطة قبل أداء جميع العوض.

(٢) هذا أيضا معطوف على «النذر» وهو ثامن الموانع المذكورة في المتن ، قال في المقابس : «السبب الحادي عشر : التدبير ، وهو يوجب نقص الملك ، والمنع من التصرف في مواضع .. الثاني : إذا علّق عتقه على موت غير المولى كزوج الأمة ، ومن جعل له

__________________

(١) راجع شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٢٥.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢٠.

٤٩٤

بناء (١) على جواز ذلك ، فإذا مات المولى ولم يمت (٢) من علّق عليه العتق كان مملوكا للورثة (٣) ممنوعا من التصرّف فيه.

وتعلّق (٤) حقّ الموصى له بالموصى به بعد موت الموصى وقبل قبوله ،

______________________________________________________

الخدمة مدّة حياته ..» (١).

وتوضيحه : أنّ التدبير هو تعليق عتق المملوك على وفاة المولى ، قال المحقق قدس‌سره : «وفي صحة تدبيره بعد وفاة غيره ـ أي غير المولى ـ كزوج المملوكة ، ووفاة من يجعل له خدمته تردد ، وأظهره الجواز ، ومستنده النقل» (٢).

وعلى هذا فإن قال المولى للملوك : «أنت حرّ بعد وفاتي» جاز له الرجوع عنه ، فإذا باعه صحّ. وإن قال : «أنت حرّ بعد وفاة زيد» بأن كان التحرّر متوقفا على موت زيد. فإن مات زيد فلا كلام في حصول الحرية.

وإن مات المولى وبقي زيد حيّا ـ وهو موضوع البحث ـ انتقل العبد المدبّر إلى ملك ورثة مولاه ، ولكنّهم ممنوعون من التصرف فيه. وذلك لأنّ للمدبّر حق التحرر ـ الحاصل بالتدبير ـ وهو موجب لنقص ملكية الورثة له.

(١) إذ لو قلنا ببطلان هذا التدبير واختصاص مشروعيته بتعليق الحرية على موت المولى ـ لا الأجنبي ـ كان خارجا عن البحث ، لكون المملوك رقّا ، ولم يتشبّث بالحرّية أصلا.

(٢) إذ لو مات كلّ من المولى ومن علّق التدبير عليه ، فقد تحرّر المدبّر.

(٣) أي : لورثة المولى المدبّر.

(٤) معطوف أيضا على «النذر» وهذا تاسع الحقوق الموجبة لنقص الملك. قال في المقابس : «الثالث عشر من الأسباب : تعلق حقّ الموصى له بالموصى به قبل قبوله .. إلخ» (٣).

وتوضيحه : أنّ الوصية التمليكية تقتضي دخول المال في ملك الموصى له معلّقا على موت الموصى ، ولا يكفي إنشاء الوصية في حصول الملك المنجّز. والأمران ـ أعني بهما

__________________

(١) مقابس الأنوار ، ص ١٢٠.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١١٧.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢٥.

٤٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الإيجاب والموت ـ لا كلام فيهما. إنّما الكلام في دخل قبول الموصى له في تملكه للموصى به. فإن كانت الوصية لجهة عامّة كالفقراء والمساجد انتقل المال إليها بوفاة الموصى ، ولم يفتقر إلى القبول بلا خلاف كما في المسالك (١).

وإن كانت الوصية لمعيّن ـ كزيد ـ اعتبر قبوله أو عدم ردّه.

وبناء على اعتبار القبول ، اختلفوا في كيفية دخله على أوجه ثلاثة ذكرها صاحب المقابس. وعدّ الوصية من موجبات نقص الملك ناظر إلى بعضها.

الأوّل : كون القبول كالموت شرطا في انتقال المال إلى الموصى له ، فلو سبق قبوله موت الموصى أو قارنه تملّكه ، وإن تأخّر القبول عن الموت دخل في ملك الوارث ملكية متزلزلة. فإن قبل الموصى له انتقل إليه ، وإن ردّ الوصية صار ملكا لازما للوارث. فإن باعه الوارث قبل قبول الموصى له احتمل فساده رأسا ، لتعلق حق الغير به.

واحتمل صحة البيع ، لكنّها موقوفة على أحد الأمرين : إمّا على إجازة الموصى له ـ لو قبل الوصية ـ فيقع البيع له. وإمّا على ردّه للوصية ، فيقع البيع للوارث.

ويحتمل التفصيل بين ردّ الوصية ، فيصح البيع ، ويقع للوارث ، لاستقرار الملك له حينئذ. وبين قبول الوصية ، فيبطل البيع حتى لو أجازه ، لعدم كون الموصى حال البيع مالكا للمبيع بعد فرض انتقال المال إلى الوارث بموت الموصى وعدم قبول الموصى له.

وقد تقدم في مسألة «من باع ثم ملك» اعتبار كون المجيز أهلا للإجازة حين البيع ، وعدم كفاية أهليته لها حال الإجازة (٢).

الاحتمال الثاني : أنّ القبول شرط للزوم الملك لا الصحة الوصية ، فالمال ينتقل بالموت إلى الموصى له قبل قبوله ، كتملّك الوارث قهرا بموت مورّثه. فإن قبل الموصى له كان بيع الوارث فضوليا منوطا بإجازة من اوصى له. وإن ردّ الوصية اندرج بيع الوارث في مسألة «من باع ثم ملك».

الاحتمال الثالث : أنّ القبول كاشف عن انتقال المال بموت الوصي إلى الموصى له ،

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٦ ، ص ١٢١.

(٢) راجع هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٢٤٤ ـ ٣٣٦.

٤٩٦

بناء (١) على منع الوارث من التصرّف قبله (٢).

وتعلّق (٣) حقّ الشفعة بالمال ، فإنّه مانع من لزوم التصرّفات الواقعة من

______________________________________________________

كما أنّ ردّ الوصية كاشف عن تملك الوارث له. وحينئذ فلو باعه الوارث بعد الموت ـ وقبل الرّد والقبول ـ كان صحته منوطا بتحقق القبول من الموصى له وإجازته للبيع. أو ردّه للوصية فيقع للوارث.

وكان فساد البيع في صورة واحدة ، وهي إمضاء الوصية وردّ البيع.

ولو كان البائع غير الوارث كان فضوليّا على كلّ من تقديري قبول الوصية وردّها. هذا توضيح ما أفاده صاحب المقابس.

وهناك احتمال رابع في قبول الوصية يبتني على كون القبول جزء السبب الناقل للملك كما استظهره الشهيد الثاني من عبارة الشرائع (١) ، أو شرطا محضا كالموت ، كما استظهره شيخنا الأعظم قدس‌سره منها (٢) ، والتفصيل موكول إلى محلّه.

(١) يعني : بناء على الاحتمال الأوّل ، وهو انتقال المال إلى الوارث ، ومنعه من بيعه لتعلق حقّ الوصية به. وأمّا بناء على ما عدا الاحتمال الأوّل فليس بيع الموصى به من صغريات نقص الملك كما عرفت.

(٢) أي : قبل قبول الوصية.

(٣) معطوف أيضا على «النذر» وهذا عاشر الحقوق الموجبة لنقص الملك ، قال في المقابس : «الثامن عشر : تعلق حقّ الشفعة بالمال ، والتملك بها قبل الاستقرار. أمّا الأوّل فمانع من لزوم تصرفات من انتقل إليه المال مطلقا ما دام الحقّ ثابتا ..» (٣).

وتوضيحه : أنّ المذكور في العبارة مما يتعلق بحق الشفعة أمران ، أشار المصنف إلى الأوّل منهما ، ونقتصر على توضيحه ، وهو : أنه لو كانت دار مثلا مشتركة بين زيد وعمرو ، فباع زيد حصّته منها من بكر ، ثبت حق الشفعة لعمرو ، فلو بادر بكر الى التصرف في حصّته ببيع أو هبة أو صلح أو غيرها جاز لعمرو إبطال هذه التصرفات المنافية لحقّه ، فإنّها وإن وقعت في ملك المتصرّف ، لكنه ممنوع من التصرف فيه ، لتعلّق

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٦ ، ص ١١٧ و ١١٨.

(٢) كتاب الوصايا والمواريث ، ص ٣٢ ، ولاحظ جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٢٥٠ ـ ٢٥٢.

(٣) مقابس الأنوار ، ص ١٣١.

٤٩٧

المالك ، فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة إبطالها (١).

وتغذية (٢) الولد المملوك بنطفة سيّده فيما إذا اشترى أمة حبلى ، فوطأها ،

______________________________________________________

حقّ الشفيع بالحصة المبيعة ، فلو أخذ الشفيع بحقّه بدفع الثمن إلى بكر وضمّ المبيع إلى حصّته ، بطل ما صنعه المشتري.

(١) أي : إبطال تصرفات المشتري في حصّته. وهو مبتدء مؤخّر ، وخبره المقدّم «فللشفيع».

(٢) معطوف أيضا على «النذر» وهذا حادي عشر موجبات النقص ، قال في المقابس : «التاسع عشر : كونه مملوكا ، له ولد من أمة قد اشتراها مولاها وهي حبلى ، فإنّه لا يحلّ له وطيها حتى يمضي عليها أربعة أشهر ، ويجب عليه العزل لو وطأ بعد ذلك. فإن وطأها قبل مضيّ الأربعة أشهر ، أو بعد ذلك ولم يعزل عنها ، فإنّه لا يحلّ له حينئذ بيع الولد ، لأنّه قد غذّاه وأنماه بنطفته ..» (١).

وتوضيح حقّ تغذّي الحمل ـ المانع من بيعه ـ هو : أنّه لو كان لزيد أمة حبلى فأراد السيّد بيع أمته ثبت حقّ منع بيع الحمل لو اجتمعت أمور :

الأوّل : أن لا يكون الجنين متكوّنا من المولى حتى يكون حرّا ، بل من مملوك ، كما إذا كان للسيد عبد ، فزوّج أمته من عبده ، فحملت منه ، فإنّ الحمل مملوك ـ كوالديه ـ للسيّد.

الثاني : أن يشترط المشتري على البائع دخول الحمل في المبيع وكونه ملكا له ، فباعها السيد مع حملها ، ولم يستثن الحمل.

الثالث : أن لا ينقضي من زمان الحمل أزيد من أربعة أشهر ، كما إذا باعها في الشهر الثالث من مدة الحمل.

الرابع : أن يباشر المشتري هذه الأمة قبل مضيّ أربعة أشهر.

فبتحقق هذه الأمور يثبت حقّ للحمل يمنع من بيعه ، وهو تغذّيه من نطفة

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٣١.

٤٩٨

فأتت بالولد ، بناء على عدم جواز بيعها (١).

______________________________________________________

المشتري ، فيعتق به (*).

(١) كذا في نسختنا ، ومعناه : أنّ هذه الأمة وإن جاز بيعها ، لأنّها ولدت من مملوك ، لا من حرّ ، فليست هي بحكم أمّ الولد كي يمنع بيعها ، إلّا أنّ بيع الولد ممنوع ، وأنّه يجب عتقه على المشتري.

ولكن الأنسب موافقا لما في المقابس من قوله : «فإنّه لا يحلّ له حينئذ بيع الولد» أن يقال : «بناء على عدم جواز بيعه» حتى يكون إشارة إلى الخلاف الذي أشار إليه في المقابس من القول بحرمة بيع الولد كما هو المشهور ، والقول بكراهته كما ذهب إليه بعض المتأخرين.

__________________

(*) كما عن الديلمي في المراسم وأبي الصلاح في الكافي. هذا بدون العزل ، وأمّا معه فلا بأس ببيع الولد ، هذا.

وبعضهم قيّد الحكم بالوطي في الفرج مع الانزال قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام كما عن الشيخ في النهاية. لكن النصوص خالية عن التقييد بالمدة بأحد الحدّين المزبورين.

وكيف كان فقد علّل عدم جواز بيع الولد في النصوص بأنّ الواطي قد غذّاه وأنماه بنطفته ، كما في صحيح إسحاق بن عمّار ، قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية حاملا ، وقد استبان حملها ، فوطأها؟ قال : بئس ما صنع. إلى ان قال : إن كان عزل منها فليتق الله ، ولا يعد ، وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ، ولا يورثه ، ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله يعيش به ، فإنّه قد غذاه بنطفته» (١).

وفي رواية السكوني : «لأنّ نطفتك غذّت سمعه وبصره ولحمه ودمه» (٢).

ولتنقيح المسألة مقام آخر ، والغرض الإشارة إلى الأقوال والمدارك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٠٧ ، الباب ٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١.

(٢) المصدر ، ح ٣.

٤٩٩

وكونه (١) مملوكا ولد من حرّ شريك في أمّة حال (٢) الوطء ،

______________________________________________________

(١) أي : وكون الولد مملوكا لشريك الواطئ ، وهذا أيضا معطوف على «النذر» وأشار به إلى الحقّ الثاني عشر الموجب لنقص الملك ، قال في المقابس : «العشرون : كونه مملوكا ولد من حرّ شريك في أمّة حال الوطي ، أو كان وطؤه لشبهة نكاح أو ملك .. إلخ» (١).

وتوضيحه : أنّه لو اشترك اثنان ـ كزيد وعمرو ـ في شراء أمة ، فباشرها زيد من دون أن يستأذن عمروا ، فحملت الأمة منه وولدت ، ففي المسألة قولان :

أحدهما : انعقاد الولد حرّا تبعا لأبيه ، ويضمن الواطي للشريك قيمة ولد رقّ ، لإتلافه عليه نماء الأمة بإيجاد الولد غير القابل للملك ، فيفرض الولد رقّا ، ويقوّم على الواطئ ، وتؤخذ قيمة الولد منه وتعطى الشريك الآخر وهو عمرو. وبناء على هذا القول تكون المسألة أجنبية عن موجبات نقص الملك ، إذ لا ملك حتى يتمّ أو ينقص.

ثانيهما : انعقاد الولد رقّا تبعا لامّه ، لعدم حلية البضع للواطي ، لا بالنكاح ، ولا بالملك المستقل ، ولا بالتحليل ، فيحكم بأنّ الولد مملوك للشريك الآخر غير الواطي ، لكنه ممنوع عن بيعه من غير الواطي ، فعليه تقويمه وأخذ القيمة من الواطي ، وتسليم الولد إليه.

وبالجملة : فالولد وإن كان رقّا ، لكن ليس لمولاه غير الواطى شي‌ء من التصرفات فيه ، إلّا التقويم وأخذ قيمته من الشريك الذي وطأ الأمة المشتركة بلا استئذان من الآخر. فبناء على هذا القول يكون ما نحن فيه ـ وهو الولد الرّق ـ من صغريات نقص الملك ، لانعتاقه بمجرّد التقويم ، أو بأداء قيمته إلى الشريك ، وهو عمرو في المثال.

وألحق صاحب المقابس بوطي أحد الشريكين ما لو وطأها أجنبي لشبهة حصلت له من نكاح أو ملك فحملت منه ، فإنّ الولد لو قيل بحرّيته فلا موضوع للبحث. وإن قيل برقيّته يمنع السيد من بيعه ، بل يقوّم الولد ، وتؤدّى قيمته إلى السيد ، وينعتق.

(٢) التقييد بالشركة حال الوطي ، لأجل أنّ هذه الحالة هي حال تكوّن الولد المعدود نماء للأمة ، وإلّا فالشركة السابقة على الوطء ـ بحيث كان الواطي مالكا مستقلا حين المباشرة ـ لا توجب شبهة انعقاد الولد رقا. كما أنّ الشركة اللاحقة للوطء كذلك.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٣٥.

٥٠٠