هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

وقال في الدروس (١) «لا يجوز التصرّف في المفتوحة عنوة إلّا بإذن الإمام ، سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما (٢).

______________________________________________________

(١) غرضه أنّ الشهيد رحمه‌الله فصّل بين زماني الحضور والغيبة ، بنفوذ التصرفات في زمان الغيبة ، وعدم نفوذها في عصر الحضور إلّا بإذنه عليه‌السلام.

وعبارة الدروس تضمّنت أقوالا ثلاثة :

أحدها : المنع مطلقا ، وهو كلام الشيخ في المبسوط. وقد تقدم.

وثانيها : التفصيل بين الأرض وبين الآثار المحدثة فيها ، بمنع التصرف في نفس الأرض ، وبالجواز في الثاني ، وهو مختار الحلّي قدس‌سره.

وثالثها : التفصيل بين زماني الحضور والغيبة ، وهو مختار الشهيد ، واختاره المحقق الثاني أيضا.

وهل مرادهما من جواز البيع والوقف في زمن الغيبة جواز بيع رقبة الأرض على الاستقلال ومجرّدة عن الأبنية المحدثة فيها؟ أم أنّ المراد بيعها تبعا للآثار بحيث لا يصحّ بيعها مستقلّا. فيه احتمالان ، استظهر السيد العاملي قدس‌سره الأوّل ، فنسب إلى الشهيد والمحقق الثاني التزامهما بالتفصيل بين عصر الحضور والغيبة ، بمنع البيع والوقف في زمان حضوره عليه‌السلام ، وبجوازهما في هذه الأزمنة.

قال قدس‌سره في مفتاح الكرامة : «وقضيّة ما في الدروس أنه يصح بيعها منفردة في زمن الغيبة ، ونحوه ما في جامع المقاصد» ثم نقل عبارة الدروس المذكورة في المتن (١).

وعليه فاستظهر السيد قدس‌سره من عبارتيهما جواز التصرف في رقبة الأرض على نحو الاستقلال في عصر الغيبة ، هذا.

ولكن المصنف ناقش في هذا الاستظهار ، بأنّ غرض الشهيد قدس‌سره من جواز البيع في زمن الغيبة ليس بيع رقبة الأرض مجردة عن الآثار ، بل مقصوده جعل الأرض جزءا من المبيع أو الموقوفة ، واستشهد لذلك بما أفاده الشهيد الثاني قدس‌سره وسيأتي.

(٢) المراد من هذه الجملة بنظر المصنف هو جواز بيع الأرض ووقفها ـ في زمن

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٠ ، ونحوه في ص ٢٤٣ وكذا نسبه الى الدروس صاحب الجواهر ، فراجع ، ج ٢٢ ، ص ٣٥٠.

٤٦١

نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك (١).

وأطلق (٢) (*) في المبسوط : أنّ التصرّف فيها لا ينفذ.

وقال (٣) ابن إدريس : إنّما نبيع ونوقف تحجيرنا وبناءنا (٤) وتصرّفنا ، لا نفس الأرض» انتهى (١).

وقد ينسب (٥) إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة والحضور ، فيجوز التصرّف في الأوّل (٦) ولو بالبيع والوقف ، لا في الثاني (٧) إلّا بإذن الإمام عليه‌السلام.

وكذا (٨) إلى جامع المقاصد.

______________________________________________________

الغيبة ـ تبعا للآثار ، لا مطلقا ولو بتمليك رقبة الأرض للمشتري بدون ما أحدثه فيها من بناء أو غرس أو زرع.

(١) يعني : ينفذ كلّ تصرف في حال الغيبة.

(٢) هذا الإطلاق ناظر إلى زماني الحضور والغيبة ، فلا ينفذ تصرفه في كلا الزمانين.

(٣) حاصله : أنّ ابن إدريس قدس‌سره فصّل بين الأرض وبين ما يتعلّق بها ، بجواز التصرف فيما يتعلق بها من حقّ التحجير والأبنية المبنية فيها ، وعدم جوازه في نفس الأرض.

(٤) هذه الجملة أقرب إلى ما في السرائر ، ولكن المنقول عنه في الدروس هو «انما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا .. إلخ».

(٥) الناسب هو السيد العاملي كما عرفت في عبارته المتقدمة.

(٦) وهو زمان الغيبة ، وقوله : «ولو بالبيع ..» إشارة إلى التصرفات المتوقفة على الملك.

(٧) وهو زمان الحضور ، فلا ينفذ التصرف فيها إلّا بإذن الإمام عليه‌السلام.

(٨) يعني : ونسب أيضا هذا التفصيل إلى المحقق الثاني قدس‌سره فيجوز التصرف

__________________

(*) لا يخفى أنّ مقتضى هذا الإطلاق رضا الشارع ـ بل أمره ـ بتعطيل الأراضي الخراجية. وهو كما ترى.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٤١ ، السرائر ، ج ١ ، ص ٤٧٨.

٤٦٢

وفي النسبة نظر (١) ، بل (٢) الظاهر موافقتهما لفتوى جماعة (٣) من جواز التصرّف فيه (٤) في زمان الغيبة بإحداث الآثار ، وجواز (٥) نقل الأرض تبعا للآثار ،

______________________________________________________

في زمان الغيبة دون زمان الحضور إلّا بإذن الإمام عليه‌السلام ، قال قدس‌سره معلّقا على قول العلامة قدس‌سره : «ولا يصح بيعها ـ أي الأرض المفتوحة عنوة ولا وقفها ..» ما لفظه : «هذا في حال ظهور الامام عليه‌السلام. أما في حال الغيبة فينفذ ذلك كلّه ، كما صرّح به في الدروس ، وصرح به غيره» (١).

(١) يعني : وفي نسبة التفصيل بين زماني الحضور والغيبة إلى الشهيد والمحقق الثاني نظر. ووجه النظر ما سيأتي من الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني قدس‌سره.

(٢) يعني : بل الظاهر موافقة الدروس وجامع المقاصد لفتوى جماعة من الفقهاء من جواز التصرف في الأرض المفتوحة عنوة في زمان الغيبة بإحداث الآثار من الأبنية وغرس الأشجار فيها ، وجواز نقل نفس الأرض أيضا تبعا للآثار ، لا مستقلّا. فالأرض تصير مملوكة أيضا تبعا لها ، فإذا ذهبت الآثار انقطع حق المشتري عن الأرض رأسا.

(٣) قال السيد العاملي قدس‌سره ـ بعد نقل عبارة المبسوط وعدّ جماعة ممّن منع من التصرف في رقبة الأرض ببيع وشبهه ـ ما لفظه : «وفي موضع آخر من التذكرة والتحرير : أنه يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرّف. ونحوه ما في السرائر في موضع منها ، والمختلف والمنتهى وحواشي الكتاب ـ أي حواشي الشهيد على القواعد ـ واللمعة والروضة ، وقوّاه في موضع من المسالك ، وفي آخر منه نسبته إلى جمع من المتأخرين ، وأنّ العمل عليه» (٢).

وقال العلّامة في بيع التذكرة : «نعم يصحّ بيعها ـ أي الأرض الخراجية ـ تبعا لآثار التصرف» (٣).

(٤) أي : في الأرض ، والأولى تأنيث الضمير ، و «بإحداث» متعلق بالتصرف.

(٥) معطوف على «جواز التصرف» الذي هو جواز تكليفي ، وجواز النقل جواز وضعي.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٣ ، ص ٤٠٣ ، ونسب إلى حاشيته على الشرائع أيضا ، ص ٣٠١ كما في هامش المسالك. ويستفاد من كلامه في حكم بيع بيوت مكة المشرفة ، فلاحظ ج ٤ ، ص ٩٧.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٣٩.

٤٦٣

فيفعل (١) ذلك بالأرض تبعا للآثار ، والمعنى (٢) أنّها مملوكة ما دامت الآثار موجودة. قال (٣) في المسالك ـ في شرح قول المحقّق : «ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها» ـ : «إنّ (٤) المراد لا يصحّ ذلك في رقبة الأرض مستقلّة. أمّا لو (٥) فعل ذلك (٦) بها (٧) تبعا لآثار التصرّف من بناء وغرس وزرع ونحوها فجائز على الأقوى».

قال (٨) : «فإذا باعها بائع مع شي‌ء من هذه الآثار دخل (٩) في المبيع على سبيل التبع ، وكذا الوقف وغيره (١٠. ويستمرّ كذلك ما دام شي‌ء من الآثار باقيا ،

______________________________________________________

(١) أي : فيفعل النقل بالأرض تبعا للآثار. والظاهر أنّ هذه الجملة مستدركة ، للاستغناء عنها بقوله : «وجواز نقل الأرض تبعا للآثار».

(٢) يعني : ومعنى التبعية أنّ الأرض مملوكة ما دامت الآثار موجودة ، فتنعدم الملكية بانعدامها.

(٣) الغرض من نقل عبارة المسالك الاستشهاد بها على ثبوت الفتوى التي نسبها إلى جماعة من جواز بيع أرض الخراج ونقلها تبعا للآثار.

(٤) هذا كلام المسالك ، وحاصله : أنّ مراد المحقق من عدم جواز البيع وغيره هو عدم صحة البيع وشبهه في رقبة الأرض بنحو الاستقلال ، وأمّا بنحو التبعية للآثار فلا بأس به.

(٥) كلمة «لو» لم تذكر في نسختنا ، وإنّما ذكرت في المسالك وفي بعض نسخ الكتاب.

(٦) المراد بالمشار إليه هنا وفي قوله : «لا يصح ذلك» هو بيع رقبة الأرض.

(٧) أي : برقبة الأرض.

(٨) أي : قال الشهيد الثاني في شرح عبارة الشرائع : فإذا باع الأرض المفتوحة عنوة بائع مع شي‌ء من الآثار التي أنشئت فيها دخلت نفس الأرض في المبيع على سبيل التبعية.

(٩) كذا في النسخ ، والصواب كما في المسالك «دخلت» لرجوع الضمير الفاعل المستتر إلى الأرض.

(١٠) كالهبة ، فالوقف والهبة ثابتان للأرض تبعا ، وتستمرّ هذه التبعيّة ما دام شي‌ء

٤٦٤

فإذا ذهبت أجمع انقطع حقّ المشتري والموقوف عليه وغيرهما عنها. هكذا ذكره جمع (١) ، وعليه العمل» انتهى (١).

نعم (٢) ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع والشراء في نفس الرقبة ، حيث قال (٣) «إن قال قائل : إنّ (٤) ما ذكرتموه إنّما دلّ على إباحة التصرّف في هذه الأرضين ، ولا يدلّ على صحّة تملّكها (٥) بالشراء والبيع ، ومع عدم صحّته (٦) لا يصحّ ما يتفرّع عليهما [عليها].

______________________________________________________

من الآثار باقيا ، فإذا ذهبت الآثار أجمع انقطع حقّ المشتري والموقوف عليه ـ وغيرهما كالمتّهب ـ عن الأرض ، لارتفاع التبعية بارتفاع موضوعها وهو الآثار.

(١) الظاهر أنّ هذه الجمع هي «الجماعة» المتقدمة في المتن (ص ٤٦٣) ، وعدّهم السيد العاملي في ما تقدم من كلامه.

(٢) استدراك على الملك التبعي للأرض المفتوحة عنوة ، وإشارة إلى قول رابع في المسألة ، بأن يقال : إنّه ربما يظهر من عبارة التهذيب جواز البيع والشراء في نفس رقبة الأرض ، لا جواز بيعها تبعا للآثار.

(٣) يعني : قال الشيخ مستشكلا على نفسه بما حاصله : إنّ مقتضى ما ذكرتموه من أدلة أحكام الأرض المفتوحة عنوة هو إباحة التصرف فيها ، لا ملكيّتها بالبيع والشراء ، وبدون تحقق ملكيّتها كيف يصح تفريع ما يتوقف على الملكية ـ كالبيع والوقف ـ على الأرض المذكورة؟

ولا يخفى أنّ العبارة المنقولة في المتن تغاير ما في التهذيب يسيرا ، كما سنذكره.

(٤) في التهذيب : «ان جميع ما ذكرتموه إنّما يدلّ على إباحة التصرف لكم ..».

(٥) في التهذيب : «ولم يدلّ على أنّه يصح لكم تملكها بالشراء والبيع ، فإذا لم يصحّ الشراء والبيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف والنحلة والهبة وما يجري مجرى ذلك».

(٦) أي : ومع عدم صحة تملّك هذه الأرض لا يصحّ ما يتفرّع على الملكية كالبيع

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٥٦.

٤٦٥

قلنا (١) إنّا قد قسّمنا الأرضين على ثلاثة أقسام ، أرض أسلم أهلها عليها ، فهي ملك لهم يتصرّفون فيها ، وأرض (٢) تؤخذ عنوة ، أو يصالح (٣) أهلها عليها ، فقد أبحنا شراءها (٤) وبيعها ،

______________________________________________________

ونحوه. هذا بناء على ما نقله المصنف في المتن. ولكن عرفت صراحة عبارة التهذيب في ما يتفرع على البيع والشراء ، ولذا صحّحت نسختنا ب «عليهما» بدلا عمّا في غالب النسخ من «عليها».

(١) هذا أيضا يغاير ما في التهذيب. من قوله : «قيل له : إنّا قد قسّمنا الأرضين في ما مضى على ثلاثة أقسام ، أرض يسلم أهلها عليها ، فهي تترك في أيديهم ، وهي ملك لهم ، فما يكون حكمه هذا الحكم صحّ لنا شراؤها وبيعها. وأمّا الأرضون التي تؤخذ عنوة ..» إلى آخر ما في المتن.

وكيف كان فهذا جواب الإشكال الذي تعرّض له بقوله : «إن قال قائل» ومحصل الجواب : أنّ الأرضين على ثلاثة أقسام :

أحدها : الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا ، وهي ملك لهم يتصرّفون فيها كتصرف سائر الملّاك في أملاكهم.

ثانيها : الأرض التي تؤخذ من الكفار عنوة ، وهذه الأرض ملك لكافّة المسلمين ، وقد أبيح لهم بيعها وشراؤها ، لأنّها ملك لهم. والمتصدي لبيعها يكون من المسلمين.

ثالثها : أرض الصلح ، وهي التي يصالح أهلها عليها مع المسلمين.

(٢) معطوف على «أرض أسلم» وهذا هو القسم الثاني من أقسام الأرضين.

(٣) معطوف على «تؤخذ» يعني : أو أرض يصالح أهلها عليها ، وهذا هو ثالث أقسام الأرضين.

(٤) يعني : شراء الأرض المأخوذة عنوة وبيعها. وهذه الجملة ظاهرة ـ بل صريحة ـ في جواز بيع وشراء الأرض المفتوحة عنوة.

والوجه في إباحة بيعها وشرائها هو : أنّ لنا في تلك الأراضي نصيبا ، لأنّها أراضي المسلمين. والمتصدّي للبيع والشراء أيضا من المسلمين ، فيتصرف فيما هو ملك له.

٤٦٦

لأنّ (*) لنا في ذلك قسما ، لأنّها (١) أراضي المسلمين ، وهذا القسم (٢) أيضا يصحّ الشراء والبيع فيه على هذا الوجه (٣).

وأمّا الأنفال (٤) وما يجري مجراها ، فلا يصحّ تملّكها بالشراء (٥) ، وإنّما أبيح لنا التصرّف فيها (٦) حسب» (١).

ثمّ استدلّ (٧) على أراضي الخراج برواية أبي بردة السابقة (٢) الدالّة على جواز

______________________________________________________

(١) الضمائر في «شرائها ، بيعها ، لأنّها» راجعة إلى الأرض.

(٢) يعني : الأرض المأخوذة عنوة أيضا كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا في أنّه يصحّ بيعها وشراؤها.

(٣) أي : على وجه كون هذه الأراضي المفتوحة عنوة ـ أو التي صولح عليها ـ ملكا للمسلمين ، فالتصرف في الأرض المفتوحة عنوة جائز بأيّ نحو كان ، كالتصرف في الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا.

(٤) هذا كلام التهذيب أيضا ، وغرضه بيان حكم الأنفال وما يجري مجراها كالأرض التي هلك أهلها ، فلا يصحّ تملكها بالشراء ، لأنّها ملك خاص للإمام عليه‌السلام. نعم أبيح لنا التصرف فيها فقط.

(٥) في التهذيب : «بالشراء والبيع ، وإنّما أبيح لنا التصرف فحسب».

(٦) هذا الضمير وضميرا «مجراها ، تملكها» راجعة إلى الأنفال.

(٧) أي : استدلّ الشيخ في التهذيب ـ على حكم الأراضي الخراجية ـ برواية

__________________

(*) لا يخفى ما في هذا التعليل ، إذ ليست ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين من الملكيات المتعارفة الموضوعة لتسلط الملّاك على أملاكهم ، بل هي نحو خاصّ من الملك دلّ عليه النص. وليس هو موضوعا لقاعدة السلطنة ، ولا يصح التعليل المزبور إلّا إذا كان الملك موضوعا لقاعدة السلطنة ، ومن المعلوم أنّ ملك المسلمين للأرض المفتوحة عنوة ليس كذلك ، فالتعليل المذكور عليل.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ، ج ٤ ، ص ١٤٥ ـ ١٤٦ ، ذيل الحديث : ٤٠٥.

(٢) تقدمت في ص ٤٥٣.

٤٦٧

بيع آثار التصرّف دون رقبة الأرض. ودليله (١) قرينة على توجيه (*) كلامه.

وكيف كان (٢) فما ذكروه من حصول الملك تبعا للآثار ممّا لا دليل عليه إن

______________________________________________________

أبي البردة ، المذكورة في (ص ٤٥٣) الدالة على جواز بيع آثار التصرف ، المعبّر عنه «ببيع حقّه منها» دون بيع رقبة الأرض. لكن الرواية مرميّة بضعف السند ، لجهالة أبي بردة.

(١) يعني : ودليل شيخ الطائفة قدس‌سره قرينة على توجيه كلامه الظاهر في جواز بيع نفس أرض الخراج وشرائها مستقلة. توضيحه : أنّ ما يستفاد ما رواية أبي بردة شراء الحق ، لقوله عليه‌السلام : «لا بأس أن يشتري حقّه منها ، ويحوّل حقّ المسلمين عليه» ضرورة أنّه لو كان المراد بيع نفس رقبة الأرض لم يكن للمسلمين حقّ حتى يحوّله على المشتري. فالمراد باشتراء الحقّ بيع الآثار وشراؤها لا رقبة الأرض.

فمقصود شيخ الطائفة قدس‌سره من قوله : «فقد أبحنا شراءها وبيعها» هو بيع آثار الأرض المفتوحة عنوة ، لا بيع رقبتها ، حتى يوافق مدّعاه دليله الذي مفاده بيع الآثار ، لا بيع نفس الرقبة.

(٢) أي : سواء أكانت الرواية مطابقة لكلام الشيخ في التهذيب أم لم تكن مطابقة له ، فما ذكروه من حصول ملك الرقبة تبعا للآثار ممّا لم يقم عليه دليل إن أرادوا بالملك انتقال ملكية رقبة الأرض من شخص إلى غيره ، بل دلّت النصوص السّت المتقدمة على عدم نفوذ بيع الأرض المفتوحة عنوة.

__________________

(١) لا يخفى أنّ التوجيه ـ وهو إرادة خلاف الظاهر ـ لا بدّ من ارتكابه هنا ، ودليله قرينة على التوجيه ، فإنّ قوله : «أبحنا شراءها وبيعها» لرجوع الضميرين إلى نفس الأرض ، وكذا تعليله بقوله : «لأن لنا في ذلك قسما» كالصريح في إرادة بيع نفس الرقبة ، وذلك يلائم بيع وشراء نفس الرقبة ، لأنّ نصيب كل مسلم من عين الأرض.

مضافا إلى جعل الأرض المفتوحة عنوة كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا ، في جواز كل تصرف ـ من بيع الرقبة وغيره ـ في أرض الإسلام الطوعي.

وعليه ، فلا بدّ من توجيه بيع العين وشرائها ، وصرفها إلى بيع الآثار وشرائها بما يصلح أن يكون قرينة عليه. واستدلاله بالرواية واختياره لمضمونها قرينة على إرادة خلاف ظاهر كلامه.

٤٦٨

أرادوا الانتقال. نعم (١) المتيقّن هو ثبوت حقّ الاختصاص (٢) للمتصرّف ما دام شي‌ء من الآثار موجودا.

فالذي (٣) ينبغي أن يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز التصرّف معه حتّى يثبت حقّ الاختصاص ، فنقول :

أمّا في زمان الحضور والتمكّن من الاستئذان ، فلا ينبغي الإشكال (*) في توقّف التصرّف على إذن الإمام ، لأنّه وليّ المسلمين ، فله نقلها عينا ومنفعة. ومن الظاهر أنّ كلام الشيخ ـ المطلق في المنع عن التصرّف ـ محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه‌السلام مع حضوره.

______________________________________________________

(١) استدراك على عدم الدليل على حصول الملك لرقبة الأرض تبعا للآثار ، وحاصل الاستدراك : أنّ المتيقن من الأدلة هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ما دام شي‌ء من الآثار موجودا ، وهذا الحق قابل للانتقال إلى الغير.

(٢) يعني : لا ملكية رقبة الأرض للمتصرّف ، وهذا الحقّ باق ببقاء الآثار ، فمع ارتفاعها ينتفي الحق.

(٣) بعد أن ضعّف المصنف قدس‌سره بيع الأرض المفتوحة عنوة ولو تبعا للآثار ، صار بصدد تحقيق المطلب بالنظر في جهتين :

الأولى : في التصرف في نفس الأرض.

الثانية : في حكم ما ينفصل عنها كأثمار الأشجار وأخشاب الأبنية.

والكلام فعلا في الجهة الاولى ، وهي بيان الوجه المجوّز للتصرف الموجب لحقّ الاختصاص ، فنقول : أمّا في زمان الحضور والتمكن من الاستيذان فلا ينبغي الإشكال في توقف جواز التصرف في الأرض المفتوحة على إذن الامام عليه‌السلام ، لأنّه وليّ المسلمين.

__________________

(١) بناء على عدم انصراف ما دلّ على «حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه أو إذن وليّه» عن هذا السّنخ من الملك الذي ليس لمالكه شي‌ء من التصرف ، وإنّما التصرف لوليّه. لكن لا مطلقا ، بل التصرف في منافعه بصرفها في خصوص المصلحة العامّة لملّاكه ، إذ مع هذا الانصراف يرجع إلى الأصل العملي ، وهو أصالة الإباحة.

٤٦٩

وأمّا في زمان الغيبة ، ففي عدم جواز التصرّف إلّا فيما أعطاه السلطان الذي حلّ قبول الخراج والمقاسمة منه.

______________________________________________________

ومقتضى ولايته عدم جواز التصرف فيها إلّا بإذنه.

والظاهر أنّ إطلاق كلام الشيخ في التهذيب ـ في المنع عن التصرف ـ محمول على صورة عدم إذن الامام عليه‌السلام مع حضوره والتمكن من استيذانه. وأمّا في زمان الغيبة ، ففي التصرف فيه وجوه خمسة :

أحدها : عدم جوازه إلّا في الأرض التي أعطاها السلطان الذي حلّ قبول الخراج والمقاسمة منه ، وهو السلطان المخالف المدّعي للخلافة ، كما ذهب إليه ـ في مسألة ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج والمقاسمة ـ بقوله : «والحاصل : أنّ أخذ الخراج والمقاسمة لشبهة الاستحقاق في كلام الأصحاب ليس إلّا الجائر المخالف» (١).

وقال في جواز أخذ الخراج منه بعد الاستدلال بصحيحة الحذاء : «والمراد بالحلال هو الحلال بالنسبة إلى من ينتقل إليه ، وإن كان حراما بالنسبة إلى الجائر الآخذ له» (٢).

وكيف كان فهذا الوجه الأوّل حكاه صاحب الجواهر عن المحقق الثاني ، وهو قوله : «ولو لم يكن عليها ـ أي على الأرض ـ يد لأحد فقضية كلام الأصحاب توقف جواز التصرف فيهما على إذنه ، حيث حكموا بأنّ المقاسمة والخراج منوط برأيه ، وهما كالعوض عن التصرف ، وإذا كان العوض منوطا برأيه كان المعوّض كذلك» (٣).

ويدلّ على هذا القول النصوص المستفيضة الواردة في أحكام تقبّل الأرض الخراجية ، التي يستفاد منها كون أصل التقبّل من السلطان مفروغا عنه ومسلّم الجواز عندهم ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس أن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان ..» (٤).

__________________

(١) كتاب المكاسب ، ج ٢ ، ص ٢٣٠ ، طبعة مجمع الفكر الإسلامي.

(٢) المصدر ، ص ٢٠٤.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٦٤ ، نقله عن فوائد الشرائع للمحقق الثاني ، وحكاه عنه سيدنا الأستاذ قدس‌سره في نهج الفقاهة ، ص ٣٣٦.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢١٤ ، الباب ١٨ من أبواب أحكام المزارعة ، ح ٣.

٤٧٠

أو جوازه (١) مطلقا (٢) ، نظرا إلى عموم ما دلّ على تحليل مطلق الأرض للشيعة (٣) ، لا خصوص (٤) الموات التي هي مال الإمام عليه‌السلام.

______________________________________________________

ثانيها : جوازه مطلقا ، لعموم دليل تحليل مطلق الأرض للشيعة ، وخصوص الموات التي هي من الأنفال التي هي ملك الإمام عليه‌السلام.

وقال بهذا غير واحد كشيخ الطائفة في التهذيب ، حيث قال : «وأما أراضي الخراج والأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها فإنّا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام عليه‌السلام مستترا» (١). واستدل عليه بالنصوص كصحيحة عمر بن يزيد.

وحكاه الفاضل النراقي عن ظاهر الكفاية (٢) ، وقوّاه صاحب الجواهر أيضا (٣). ونسب إلى المحقق القمي (٤).

(١) معطوف على «عدم جواز» وهذا ثاني الوجوه المتقدم بقولنا : «ثانيها : جوازه مطلقا .. إلخ».

(٢) أي : سواء أكانت الأرض ممّا أعطاه السلطان أم لا ، وسواء أكان التصرف بإذن الحاكم أم لا.

(٣) كقوله عليه‌السلام : «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم ..» الحديث (٥) فإنّ «الأرض» مطلق تشمل الأراضي الخراجية ، ولا تختص بأرض الأنفال.

(٤) معطوف على «مطلق الأرض» وغرضه دفع توهم اختصاص التحليل بأرض الموات التي هي من الأنفال ، وهذا الاختصاص يظهر من بعض كلمات صاحب الجواهر قدس‌سره ، كقوله : «وربّما كان المراد منها ـ أي : من نصوص التحليل ـ خصوص الموات الذي هو من الأنفال ، أو غير ذلك دون الأراضي الخراجية ..» (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ، ج ٤ ، ص ١٤٤.

(٢) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٢٢ ، كفاية الأحكام ، ص ٧٧.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ١٩٧.

(٤) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٢٤ (الحجرية).

(٥) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٢.

(٦) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ١٩٧.

٤٧١

وربما يؤيّده (١) جواز قبول الخراج الذي هو كاجرة الأرض ، فيجوز التصرّف في عينها (٢) مجّانا.

أو عدم (٣) جوازه إلّا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام.

أو التفصيل (٤) بين من يستحقّ اجرة

______________________________________________________

وارتضاه المصنف في كتاب الخمس بقوله : «فالظاهر أنّ ما عدا الموات من الأنفال لم يحصل لنا اطمئنان بجواز التصرف فيه لأيّ شخص وبأيّ وجه» (١).

وعليه فكلامه هنا عدول عمّا استظهره هناك. كما أنّه تعريض بما في الجواهر.

(١) يعني : ويؤيّد الاحتمال الثاني ، وهو جواز التصرف مطلقا في الأرض الخراجية. ومحصل وجه التأييد : أنّ النصوص دلّت على جواز تقبّل الشيعي خراج الأرض لنفسه من السلطان ، والخراج بالنظر الى الواقع يكون أجرة الأرض الخراجية ، والتصرف في أجرتها يوجب جواز التصرف في عينها.

(٢) أي : في عين الأرض الخراجية ، والتعبير بالتأييد إنّما هو لأجل احتمال كون الخراج حكما تعبديا.

(٣) معطوف على «عدم جواز» وهذا هو الاحتمال الثالث ، وحاصله : عدم جواز التصرف في الأرض المفتوحة عنوة في زمان الغيبة إلّا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام عليه‌السلام وجعل المصنف قدس‌سره في (ص ٤٧٦) هذا الاحتمال أوفق بالقواعد.

وهو ظاهر الشهيد الثاني قدس‌سره ، وقد نقل المصنف كلامه في بحث الخراج والمقاسمة ، فراجع (٢).

(٤) معطوف أيضا على «عدم» وهذا هو الاحتمال الرابع ، وحاصله : التفصيل في جواز التصرف بين من يستحق أجرة الأرض الخراجية وبين غيره ممّن يجب عليه حقّ الأرض ، بجواز التصرف في الأوّل ، لأنّه على ما في رواية أبي بكر الحضرمي : «ذو نصيب في بيت المال» وهو يقتضي جواز تصرفه في الأرض. وبعدم جواز التصرف في الأرض لغير من يستحق أجرة الأرض.

وهذا التفصيل يظهر من المحقق الثاني وغيره ، على ما نقله المصنف عنه في بحث

__________________

(١) كتاب الخمس ، ص ٣٧٣.

(٢) كتاب المكاسب ، ج ٢ ، ص ٢٢٢ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٥٥.

٤٧٢

هذه الأرض (١) ، فيجوز له التصرّف فيها ، كما (٢) [لما] يظهر من قوله عليه‌السلام للمخاطب في بعض أخبار حلّ الخراج : «وإنّ لك نصيبا في بيت المال» (١) ، وبين (٣) غيره الذي يجب عليه حقّ الأرض. ولذا (٤) أفتى غير واحد ـ على ما حكي (٥) ـ بأنّه لا يجوز

______________________________________________________

الخراج والمقاسمة بقوله بعد نقل رواية الحضرمي المشار إليها هنا : «فالاستشهاد بالتعليل المذكور في الرواية المذكورة .. على اعتبار استحقاق الآخذ لشي‌ء من بيت المال كما في الرسالة الخراجية محل نظر» (٢).

والفرق بين هذا الاحتمال والاحتمال الأوّل : أن جواز التصرف في الأوّل منوط بإعطاء السلطان ، سواء أكان المتصرف مستحقا أم لا. بخلاف الاحتمال الرابع ، فإنّ الجواز يدور مدار الاستحقاق ، سواء أكان بإعطاء السلطان أم باستقلال المتصرّف ، وعدم استيذانه منه.

(١) أي : الأرض المفتوحة عنوة ، وضمير «فيها» راجع إلى الأرض.

(٢) كذا في نسختنا ، وفي بعض النسخ «لما» وهذا تعليل لجواز التصرف في الأرض لمن يستحقّ أجرتها.

(٣) معطوف على «بين من يستحق» وضمير «غيره» راجع إلى «من يستحق».

(٤) أي : ولأجل التفصيل بين مستحقّ اجرة هذه الأرض وبين غيره ـ بجواز التصرف في الأوّل ، وعدمه في الثاني ـ أفتى غير واحد من الفقهاء «رضوان الله عليهم» بعدم جواز حبس الخراج ، وعدم جواز سرقته عن السلطان المخالف. وهذا دليل على أنّ من لا حقّ له في الخراج يحرم عليه أن يتصرف في أرض الخراج بدون إذن الحاكم الشرعي ، ومن دون التقبل من السلطان.

والحاصل : أنّ غير المستحق للخراج يحرم عليه التصرف في الأرض.

(٥) الحاكي غير واحد ، كالمحقق الكركي في الرسالة الخراجية ، حيث قال : «ما زلنا

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٥٧ ، الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٦.

(٢) كتاب المكاسب ، ج ٢ ، ص ٢٣٧ ، ولاحظ قاطعة اللجاج ، ج ١ ، ص ٢٨٣ ، وفيها : «فهل تكون ـ أي الخراج والمقاسمة والزكاة ـ حلالا للآخذ مطلقا ، حتى لو لم يكن مستحقا للزكاة ، ولا ذا نصيب في بيت المال حين وجود الإمام؟ أو إنّما يكون حلالا بشرط الاستحقاق .. وتعليلهم للآخذ نصيبا في بيت المال ، وأنّ هذا حقّ لله يشعر بالثاني. وللتوقف فيه مجال».

٤٧٣

حبس الخراج وسرقته عن السلطان الجائر والامتناع عنه (١). واستثنى (٢) بعضهم ما إذا دفعه إلى نائب الإمام عليه‌السلام.

أو بين (٣) ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح ،

______________________________________________________

نسمع من كثير ممّن عاصرناهم لا سيّما شيخنا الأعظم الشيخ على بن هلال قدس‌سره أنه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته ، ولا جحوده ، ولا منعه ، ولا شي‌ء منه ، لأنّ ذلك حقّ واجب عليه» (١).

(١) أي : عن الخراج ، أي عن أدائه إلى السلطان الجائر.

(٢) يعني : واستثنى بعض الفقهاء ـ كأصحاب الرياض والمناهل ومفتاح الكرامة والجواهر قدس‌سرهم ـ من عدم جواز منع الخراج عن السلطان الجائر : ما إذا دفعه إلى الحاكم الشرعي الذي هو نائب عن الإمام عليه‌السلام ، قال في الجواهر : «فلو فرض عدمها ـ أي عدم التقية ـ في بعض الأحوال والأمكنة والأزمنة ، ولو بالنسبة الى بعض الخراج ، دفعه إلى الحاكم المنصوب من قبلهم عليهم‌السلام في زمن الغيبة ..» (٢).

(٣) معطوف على قوله : «بين مستحق الأجرة» وهذا إشارة إلى الاحتمال الخامس ، ومحصّله : التفصيل في الأرض بين عروض الموت لها بعد أن كانت محياة حين الفتح ، وبين بقائها على عمارتها ، بجواز إحياء الأوّل ، لعموم أدلة الإحياء ، فإنّ قولهم عليهم‌السلام : «من أحيى أرضا ميتة فهي له» يشمل هذه الأرض التي عرض لها الموت إن لم تكن منصرفة إلى خصوص الأنفال التي هي مال الامام عليه‌السلام. وإن كانت الأرض تحت ولايته كالمفتوحة عنوة التي هي ملك قاطبة المسلمين.

ويستفاد هذا الاحتمال الخامس ممّا نقله صاحب الجواهر قدس‌سره عن المحقق الكركي من قوله : «ما يوجد من هذه الأرض ـ أي المفتوحة عنوة ـ مواتا في هذه الأزمنة ، إن

__________________

(١) قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) ج ١ ، ص ٢٨٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ، ج ٣ ، ص ٥٥ و ٥٦ وتقدم أيضا في المكاسب المحرّمة ، ج ٢ ، ص ٢١٤.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ١٩٥ ، رياض المسائل ، ج ٨ ، ص ١١٧ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٥ ، المناهل ، ص ٣١٣.

٤٧٤

وبين (١) الباقية على عمارتها من حيث الفتح ، فيجوز إحياء الأوّل (٢) ، لعموم (٣) أدلّة الإحياء ، وخصوص رواية سليمان بن خالد (٤) ونحوها (١).

______________________________________________________

دلّت القرائن على أنّه كان معمورا من القديم ومضروبا عليه الخراج ككثير من أرض العراق ، يلحق بالمعمور وقت الفتح. وحيث إنّه لا أولوية لأحد عليه ، فمن أحياه كان أحقّ به ، وعليه الخراج والمقاسمة» ثم قال في الجواهر : «بل ظاهره المفروغية من ذلك» فراجع (٢).

(١) معطوف على «بين» في قوله : «أو بين ما عرض له الموت».

(٢) وبالإحياء يصير أولى من غيره بهذه الأرض.

وأهمل المصنف قدس‌سره حكم ما لو كانت عمارة الأرض باقية ، وذلك اتكالا على وضوحه ، من أنّها ملك للمسلمين قاطبة ، وليس بعضهم أولى بها من بعض ، لكونها معمورة حسب الفرض ، ولا مورد لإحداث عمارة فيها توجب حقّ الاختصاص.

(٣) مثل ما في معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» (٣).

والتعبير بالعموم من جهة إطلاق «شيئا من الأرض» لما كانت مواتا بالأصل ، ولما طرأ عليها الخراب ، بخلاف ما سيأتي في صحيحة سليمان بن خالد من كون موضوعها عمران الأرض الموات بالعرض.

(٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الأرض ، فيستخرجها ، ويجري أنهارها ويعمّرها ويزرعها ، ماذا عليه؟ قال عليه‌السلام : الصدقة. قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال عليه‌السلام : فليؤدّ إليه حقّه» (٤).

فإنّ تأدية الحقّ إلى صاحبها تكشف عن بقاء ملك المالك الأوّل وعدم زواله بالموت. فصدرها دليل على مملّكية الإحياء للمحيي ، وذيلها يدلّ على أنّ الأرض الميتة

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٦٥.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، ح ٣.

٤٧٥

وجوه (١) ، أوفقها بالقواعد الاحتمال الثالث (٢) ، ثمّ الرابع (٣) ، ثمّ الخامس (٤).

______________________________________________________

إن كان لها مالك لا تخرج عن ملكه بعروض الموت عليها.

ووجه الخصوصية : أنّ مورد الرواية خصوص الأرض الخربة المسبوقة بالعمارة التي هي موضوع البحث ، ودلالتها على المقام إنّما هي بالإطلاق الشامل لها ولغيرها.

(١) مبتدء مؤخّر لخبر مقدّم ، وهو قوله : «ففي عدم جواز التصرف».

(٢) وهو عدم جواز التصرف إلّا بإذن الحاكم ، لأنّه وليّ أمور المسلمين في عصر الغيبة ، كما هو شأن كل مال مملوك للنوع ك «المسلمين» فإنّ أمره بيد الولي ، وهو الإمام عليه‌السلام في زمان حضوره ، وفي عصر الغيبة هو الفقيه الجامع لشرائط الحكم والفتوى. ولا وجه لسائر الأقوال.

(٣) وهو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الأرض ، فيجوز له التصرف ، وبين غير المستحق فلا يجوز.

والوجه فيه ـ أنه بعد التنزل عن الاستئذان من الفقيه ـ يتجه الفرق بين الفقير فيحلّ له التصرف والانتفاع بالأرض ، لقوله عليه‌السلام : «وإنّ لك نصيبا في بيت المال» فإذا حلّ أخذ شي‌ء من بيت المال ـ المؤلّف من الخراج والمقاسمة اللذين هما نماء الأرض ـ جاز التصرف في رقبتها. وبين الغنيّ فلا يحلّ ، إذ لا نصيب له في بيت مال المسلمين.

(٤) وهو التفصيل بين ما عرض له الموت ـ من الأرض المحياة حال الفتح ـ وبين الباقية على عمارتها.

والوجه فيه : أمّا بالنسبة إلى المنع ـ مع بقاء العمارة ـ فلكون الأرض ملكا لجميع المسلمين. وأمّا بالنسبة إلى المحيي ـ مع فرض طروء الموت عليها ـ فلما دلّ على ثبوت الحقّ بالإحياء.

ولعلّ وجه كون هذا الاحتمال الخامس بعيدا ـ بالقياس إلى الاحتمال الثالث والرابع ـ هو ابتناؤه على استفادة الإذن من أدلة الإحياء حتى بالنسبة إلى الأراضي التي ليست رقبتها للإمام عليه‌السلام ، وإنّما هو وليّ على ملّاكها ، فلا يبعد اختصاص أدلة الإحياء بغير مملوك الناس.

٤٧٦

وممّا ذكرنا (١) يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة ، كأوراق الأشجار وأثمارها ، وأخشاب الأبنية ، والسقوف الواقعة ، والطين المأخوذ من سطح الأرض ، والجصّ والحجارة ونحو ذلك ، فإنّ مقتضى القاعدة (٢) كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين ، ولذا (٣) صرّح جماعة كالعلّامة والشهيد

______________________________________________________

وعلى كلّ فلا وجه للاحتمال الأوّل والثاني. أمّا الأوّل فلعدم ولاية السلطان الجائر حتى ينفذ في ما أعطاه إلى شخص.

وأمّا الثاني فلمنافاته لعموم ولاية الفقيه في زمان الغيبة.

حكم ما ينفصل عن الأرض المفتوحة عنوة

(١) هذه هي الجهة الثانية التي أشرنا إليها في (ص ٤٦٩). أي : ومن ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين كافة ـ وعدم جواز التصرف فيها إلّا بمراجعة الحاكم الشرعي أو السلطان الجائر ـ يعلم حال ما ينفصل عن تلك الأرض كأوراق الأشجار وأثمارها ، إلى غير ذلك ، وأنّ المنفصل عنها كأجزائها المتصلة في حرمة التصرف فيها إلّا بمراجعة من عرفت.

وقد تعرض المصنف في الأجزاء المنفصلة لوجهين ، هذا أحدهما ، وسيأتي الوجه الثاني بقوله : «ويحتمل» ورجّحه بالسيرة.

(٢) وهي : استصحاب ملكية المنفصلات للمسلمين ، لكون الاتصال والانفصال من الحالات المتبادلة ، لا من مقوّمات الموضوع. فلا وجه للإشكال في هذا الاستصحاب بتبدل الموضوع.

ويمكن جريان الأقوال المذكورة ـ في نفس الأرض ـ فيما ينفصل عنها.

(٣) أي : ولأجل القاعدة المذكورة صرّح جماعة بأنّ جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة مشروط بأن لا تكون آلات تلك الأبنية من تراب الأرض ، إذ لو كانت من ترابها كانت بحكم نفس الأرض ، وملكا لقاطبة المسلمين.

قال صاحب الجواهر ـ في رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة وأشجارها ـ

٤٧٧

والمحقّق الثاني وغيرهم ـ على ما حكي عنهم ـ بتقييد (١) جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما (٢) إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض (٣).

نعم (٤) ، الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين (٥) ، لأنّها (٦) ممّا ينقل.

______________________________________________________

ما لفظه : «وقد قيّد جماعة البناء بما إذا لم يكن معمولا من ترابها ، وإلّا كان حكمه حكمها» (١) يعني في عدم الجواز.

(١) متعلّق ب «صرّح».

(٢) متعلق ب «تقييد».

(٣) حكاه السيد العاملي عن هؤلاء صريحا بقوله : «مع التقييد في الأربعة الأخيرة ـ وهي التذكرة والدروس وجامع المقاصد ومجمع البرهان ـ بما إذا لم يكن البناء معمولا من ترابها» (٢).

وقد نسبه صاحب الجواهر أيضا إلى جماعة كما تقدم آنفا. ولكن لم أظفر بهذا التقييد في الدروس وجامع المقاصد بعد ملاحظة مواضع منهما. نعم هو مصرّح به عن العلّامة والمحقق الأردبيلي قدس‌سرهما. ولا بدّ من مزيد التتبع.

(٤) حاصله : أنّ ما تقدم من أوراق الأشجار وغيرها كان ممّا يحدث بعد فتح الأرض. وأمّا إذا كانت تلك الأشياء موجودة في الأرض حال الفتح ، فهي لخصوص المقاتلين ، لأنّها من الغنائم المنقولة التي هي ملك المقاتلين فقط. وقاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه تقتضي عدم جواز التصرف إلّا بإذن الحاكم أو السلطان.

(٥) خبر لقوله : «الموجودة» وضمير «فيها» راجع إلى الأرض».

(٦) تعليل لكون الموجودة في الأرض المفتوحة للمقاتلين ، وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «لأنّها من الغنائم .. إلخ».

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ١٢٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٨٢ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ١٧ (الحجرية) ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ١٤٥.

٤٧٨

وحينئذ (١) مقتضى القاعدة (٢) عدم صحّة أخذها إلّا من السلطان الجائر ، أو (٣) من حاكم الشرع.

مع (٤) إمكان أن يقال : لا مدخل لسلطان الجور ، لأنّ القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض ، لا أجزاؤها ، إلّا أن يكون الأخذ على وجه الانتفاع

______________________________________________________

(١) يعني : وحين البناء على كون الموجودة في الأراضي الخراجية حال الفتح للمقاتلين كلّهم ، فمن أراد من المسلمين غير المقاتلين أن يأخذ هذه الآثار الموجودة حال الفتح ، فيعتبر أن يكون الأخذ بإجازة من السلطان الجائر ، أو الحاكم الشرعي ، لأنّ المفروض أنّ الموجودة في الأرض المفتوحة عنوة ملك للمقاتلين. فمقتضى قاعدة عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه لزوم كون التصرف بالإذن.

(٢) وهي حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

(٣) الترديد ـ مع أنه قدس‌سره رجّح الاحتمال الثالث ، وهو : إناطة جواز التصرف بإذن خصوص الفقيه ـ إمّا لأجل بيان الحكم بناء على الاحتمال الأوّل أو الرابع ، وإمّا لأجل عدم إمكان الاستيذان من الحاكم الشرعي.

(٤) هذا وجه لعدم الحاجة في أخذ الأشياء ـ المذكورة في المتن ـ إلى إجازة الجائر أو حاكم الشرع. ومحصل هذا الوجه : خروج الأمور المذكورة عن دائرة ما يتوقف جواز أخذه على إجازة الحاكم أو الجائر ، بأن يقال : إنّ مورد التوقف على الإجازة هو منفعة الأرض ، لا أجزاؤها كالأشياء المذكورة. إلّا أن يكون أخذها على وجه الانتفاع لا التملك ، فحينئذ يجوز الأخذ بإجازة السلطان ، مع فرض أنّ الشارع أمضى تصرفاته في عصر الغيبة.

وبعبارة أخرى : الغرض من قوله : «مع إمكان أن يقال» منع ما أفاده قبل أسطر من كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض المفتوحة عنوة بحكم نفس الرقبة في توقف التصرف فيها على إذن السلطان الجائر.

ووجه المنع : أنّ مورد نفوذ إذن الجائر هو ما حلّ أخذه منه ، على ما ذكرناه في توضيح قوله : «إلّا فيما أعطاه السلطان الجائر الذي حلّ قبول الخراج منه».

وحيث إنّ الخراج كالمقاسمة أجرة الأرض ، كان حكم الأجزاء المنفصلة عن الأرض أجنبيا عما دلّ على اعتبار إذن السلطان في حلّ التصرف في الأرض المفتوحة

٤٧٩

لا التملّك ، فيجوز (١) (*).

ويحتمل (٢) [٢] كون ذلك بحكم المباحات ،

______________________________________________________

عنوة. وذلك لعدم صدق «المنفعة والخراج» على ما ينفصل من الأرض حتى يلزم الرجوع إلى الجائر في تملّك ما يكون فيها نعم من خشب البناء المهدوم ، أو يتولّد منها.

نعم لو قصد المتصرّف مجرّد الانتفاع بتلك الأجزاء لا تملكها جاز الاستيذان من الجائر الذي أمضى الشارع إعطاءه الأرض المفتوحة عنوة للانتفاع بها.

ولا فرق في ما ذكر ـ من التفصيل بين قصد التملك وقصد الانتفاع ـ بين كون الأجزاء المنفصلة مقوّمة للأرض المعمورة بما هي معمورة ، كأجزاء الدار من الجدران والأخشاب ، وبين منافع الأرض وإن كانت هي أعيانا كالأشجار النابتة فيها والجصّ المطبوخ منها ، والطين والآجر المعمولين منها.

ووجه عدم الفرق ما ذكر آنفا من : أنّ مورد اعتبار إذن الجائر هو الانتفاع لا التملّك.

(١) يعني : فيجوز الأخذ من السلطان للانتفاع دون التملك.

(٢) هذا راجع إلى الاحتمال الآخر في المسألة ، أعني به ما ينفصل عن الأرض

__________________

(١) يمكن القول بعدم الجواز أيضا ، لأنّ الانتفاع خارج عن المنفعة التي هي مورد إجازة السلطان ، وداخل في المحرّم الذي هو الركون إلى الظالم.

نعم يمكن أن تكون الأشياء المذكورة داخلة فيما أحلّه الأئمة الطاهرون عليهم أفضل الصلاة والسلام للشيعة إن لم يختص ذلك بالأنفال.

(٢) هذا الاحتمال بعيد جدّا ، لأنّه مخالف لقاعدة تبعية المنفعة للعين في الملكية ، وذلك لأنّ منافع الأرض كنفسها مملوكة للمسلمين ، لقاعدة التبعية ، غاية الأمر أنّه يجوز بيعها وصرف ثمنها في مصالح المسلمين ، كصرف سائر منافعها في مصالحهم.

بخلاف نفس الأرض المفتوحة عنوة ، فإنّها مملوكة للمسلمين ، لكن لا يجوز بيعها وشراؤها.

٤٨٠