هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لطبيعي المسلمين لا لآحادهم ، والمراد بما ورد من «أنّها ملك لجميع المسلمين من الموجودين والمعدومين» عدم اختصاص ملك الطبيعي بزمان دون زمان ، وقابلية كلّ واحد من المسلمين لانطباق الطبيعي عليه.

لكنه مع الفرق بين تعلق الخمس والزكاة بطبيعي السيد والفقير ، بأنّ المتولي لأمر الخمس والزكاة هو من وجبا عليه ، فإنّه يقبضهما إلى من شاء من السادة والفقراء. بخلاف مالكي الأرض المفتوحة عنوة ، فإنّه ليس لمالكيها حق التصرف لا عينا ولا منفعة ، بل كل ذلك لولي الأمر. فإن اقتضت المصلحة بذل العين أو منفعتها لشخص جاز ذلك. وإن اقتضت بناء مسجد أو مدرسة في الأرض المفتوحة عنوة ، وكان ذلك مصلحة عامة للمسلمين ، جاز ذلك كله.

ومن هنا يسهل الخطب في الدور والخانات وغيرهما ممّا هو في تصرف المسلمين حتى مع العلم بكونها معمورة حال الفتح ، فإنّ اليد مع العلم بعمرانها حين الفتح حجة مع الاحتمال المزبور ، وهو جواز إعطاء وليّ الأمر نفس الأرض أو منفعتها لشخص. وهذه اليد حجة على الملكية ، ويجوز الاعتماد عليها في جميع التصرفات الخارجية والاعتبارية.

المقام الثاني : في اعتبار إذن الامام عليه‌السلام في صيرورة الأرض خراجية وعدمه.

وقد ظهر ممّا تقدّم اعتباره ، وثبت تحققه في زمان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه. كما يدلّ عليه مرسلة العباس الوراق عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا ، كانت الغنيمة كلها للإمام. وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» (١).

وإنّما الإشكال في الأراضي المفتوحة عنوة بعد عصره عليه أفضل الصلاة والسلام ، فإنّ الإذن فيها غير محرز. ومقتضى الأصل عدمه ، وكونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام ، وعدم جريان أحكام الأراضي المفتوحة عنوة عليها ، وأنّ من أحيى شيئا منها ملكه.

فإن كان الموضوع لآثار المفتوحة عنوة وأحكامها مركّبا من الحرب مع الكفار مقرونا بإذن الإمام عليه‌السلام ، أمكن إحراز عدم الإذن بالأصل ، وإحراز الفتح بالوجدان ، وهذا هو موضوع الأنفال.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٩ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١٦.

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا إذا كان القيد الآخر ـ وهو كون الأرض محياة ـ مشكوكا فيه ، فيثبت عدم كونها محياة ـ حال الفتح ـ بالاستصحاب.

وكذا في الشكّ في بعض العناوين الأخر مع سبق عدمها ، كالشك في وقوع الصلح عليها على أن تكون الأرض للمسلمين ، أو على أن تكون للكفّار ، وعليهم الجزية ، فإنّ استصحاب عدم وقوع الصلح عليها وعدم كونها ممّا يوجف عليه بخيل وركاب يقتضي كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام.

والحاصل : أنّ المعتبر في الأرض الخراجية قيود ثلاثة :

أحدها : كونها مفتوحة عنوة.

ثانيها : كون الفتح بإذن الإمام.

ثالثها : كونها محياة حال الفتح. وهذا هو المشهور بين الأصحاب. والأصل في جميعها يقتضي العدم ، فتصير الأرض بناء على هذا من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام.

المقام الثالث : في طريق ثبوت الموضوع من الفتح عنوة ، وإذن الامام ، وحياة الأرض حال الفتح. لا إشكال في ثبوتها بما يثبت به سائر الموضوعات من العلم الحاصل من الشياع ، والاطمئنان الذي هو علم عقلائي ، والبينة المستندة إلى العلم. وأمّا الظن الحاصل من الشياع أو غيره فلا عبرة به.

ويشترط في الشياع المفيد للعلم أن يكون الشياع في كل طبقة إلى زمان وقوع القضية ، فلو كانت قضية شائعة في عصر كمال الشيوع ، لكن كان الشياع مستندا إلى عدد قليل من أهل التاريخ مثلا ، لم يحصل به العلم بنفس القضية ، وإن حصل العلم بوجودها في كتب التاريخ ، لكنه لا يفيد شيئا.

وأمّا البينة فلا بدّ في اعتبارها من قيامها على بينة سابقه عليها سماعا ، وتلك السابقة على سابقتها سماعا أيضا ، وهكذا إلى زمان وقوع القضية. وإلّا كما إذا شهد عدلان في عصرنا بما حدث في صدر الإسلام ، واستندت شهادتهم وعلمهم إلى ما لا يوجب العلم بالقضية ، كانت حجية هذه البينة محل التأمل والمنع ، إذ لا بدّ في حجية البينة من استنادها إلى الحسّ.

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المقام الرابع : قد عرفت عدم طريق لإحراز الشروط الثلاثة المذكورة في الأراضي المفتوحة عنوة ، كما عرفت مقتضى الأصول النافية فيها. لكن الشيخ الأعظم قدس‌سره قد تشبّث لثبوت الاذن في أرض العراق بوجوه :

أحدها : ما دلّ على أنّها ملك المسلمين.

ثانيها : رواية الخصال المتقدمة (في ص ٤٠١).

ثالثها : ما اشتهر من حضور أبي محمد الحسن المجتبى عليه‌السلام في بعض الغزوات ، ودخول بعض خواصّ أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه من الصحابة ـ كعمّار رضوان الله عليه ـ في أمرهم.

رابعها : إمكان الإكتفاء عن الإذن ـ المنصوص في مرسلة الورّاق المتقدمة في (ص ٤٤١) ـ بالعلم من شاهد الحال برضاهم صلوات الله عليهم بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأيّد هذا الدين وقوّته.

خامسها : حمل ما صدر من الغزاة من فتح البلاد الإسلامية على الوجه الصحيح ، وهو كونه بأمر الإمام عليه‌السلام ، هذا.

أمّا الوجه الأوّل ، ففيه : أنّ ما استدلّ به الشيخ قدس‌سره من الروايات الدالة على أنّ العراق ملك المسلمين كصحيحة الحلبي (١) وفي‌ء للمسلمين» كرواية أبي الربيع الشامي (٢) على : أنّ أرض العراق مفتوحة بإذن الإمام عليه‌السلام غير ظاهر ، لاحتمال عدم اعتبار إذنه في خصوص أرض السواد كما قيل ، فتأمّل. أو في الأرض مطلقا. ولاحتمال عدم اعتباره إذنه في زمان عدم بسط يده عليه‌السلام. ولاحتمال إلحاقها بالأراضي الخراجية حكما لا موضوعا تقية أو لمصلحة المسلمين.

ومع هذه الاحتمالات كيف يدلّ النص على كون الحرب بإذن الإمام عليه‌السلام؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٤ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، ح ٤.

(٢) المصدر ، ح ٥.

٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الوجه الثاني ـ وهو رواية الخصال ـ ففيه : أنّه لا يدلّ على كون الحرب بإذنه عليه‌السلام.

وأمّا الوجه الثالث ـ وهو حضور الامام المجتبى عليه‌السلام ـ ففيه أولا : عدم ثبوت حضوره عليه‌السلام في الحرب.

وثانيا ـ بعد تسليمه ـ لا يدلّ على الإذن والرضا ، لقيام احتمال التقية.

وأمّا الوجه الرابع : ففيه : أنّ مقتضى مرسلة الوراق المتقدمة في (ص ٤٤١) ومقتضى صحيحة معاوية بن وهب (١) اعتبار أمير أمّره الإمام عليه‌السلام. والعلم بالرضا على فرض تحققه لا يثبت شيئا من الإذن ، وأمر أمير أمّره الإمام عليه‌السلام ، بل مقتضاهما عدم كفاية الرضا في خراجية الأرض. بل الرضا يوجب كون الغنيمة ـ من المنقول وغيره ـ ملك الامام عليه‌السلام.

وأمّا الوجه الخامس ، ففيه أوّلا : أنّ الحرب لا تتصف بالصحة والفساد ، لأنّ مورد الصحة والفساد ـ بمعنى التمامية والنقصان ـ هو المركّبات ذوات الأجزاء ، والحرب ليست من المركبات.

وثانيا : أنّ كلّا من الإذن وعدمه ذو أثر شرعي ، وهو ملكية الأرض للمسلمين بناء على ثبوت الإذن ، وملكية الأرض للإمام عليه‌السلام وكونها من الأنفال بناء على عدم الاذن ، فالحمل على أحدهما لا وجه له.

وثالثا : أنّ مورد الحمل على الصحة هو ما إذا كان الفاعل معتقدا للشرط ، وبدون اعتقاده للشرط لا تجري قاعدة الصحة. والمفروض أنّ المتصدّين للحرب لا يرون إذن الامام شرطا حتى يحمل فعلهم على الصحة ، وهو كون الحرب بإذن الإمام عليه‌السلام ، بل هم لا يعتقدون بإمامتهم فضلا عن اعتبار إذنهم.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في تصرفات المسلمين في أرض السواد وغيرها من الأراضي المفتوحة عنوة ، سواء علم باجتماع الشرائط فيها من الحرب والقتال وإذن الامام عليه‌السلام والعمران حال الحرب ، أم لم يعلم بوجودها ، أم علم بوجود بعضها دون الكل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٨٤ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو ، ح ١.

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وجه عدم الاشكال هو : أنّه مع العلم بوجود الشرائط من القتال والإذن والحياة تكون الأرض مفتوحة العنوة موضوعا ، وهي وإن كانت ملكا لكافة المسلمين ، إلّا أنّه يجوز لولي المسلمين بعض التصرفات فيها من الإقطاع وإخراج خمسها منها ، بناء على تعلق الخمس بالأرض كتعلقه بالغنائم المنقولة. ومع هذا الاحتمال تكون اليد حجة.

ولا مجال معها لاستصحاب بقائها على ملك المسلمين ، أو عدم انتقالها عنهم ، لحكومة اليد عليه. فكلّ من جرت يده على قطعة من الأرض المفتوحة عنوة حكم بملكيتها له ، وصحة نقلها وانتقالها عنه بإرث وغيره.

ومع العلم بفقدان الشرائط كلّا أو بعضا تكون الأرض من الأنفال المختصة بالإمام صلوات الله عليه ، فمن أحياها ملكها ، وتنتقل بالسبب الاختياري والقهري إلى غيره.

ولا يصغى إلى دعوى العلم الإجمالي بكون كثير من أرض العراق محياة حال الحرب ، فلا بدّ من الاحتراز عن كلّ العراق. وذلك لأنّه مع العلم التفصيلي بعمران أرض العراق لا مانع من التصرف ، لجواز الإقطاع أو إخراج خمسها ، فضلا عن العلم الإجمالي.

ومع الغضّ عنه لا أثر للعلم الإجمالي هنا أيضا ، لخروج بعض أطرافه عن مورد الابتلاء. ولاحتمال كونها من موات أرض العراق التي هي ملك الامام عليه‌السلام ، ويملكها من يحييها.

والحاصل : أنّ التصرف في أرض العراق ولو فرض كلّها ـ فضلا عن معظمها ـ عامرة حين الفتح لا إشكال فيه. فيد كلّ من استولى على قطعة من قطعاتها حجة كسائر الأيدي المالكية.

هذا كله في الطبقة الأولى التي ملكت قطعات الأرض المفتوحة عنوة ، ثم انتقلت إلى الطبقة الثانية بالناقل الاختياري أو القهري ، وهكذا إلى هذه الطبقة المعاصرة ، فجميع هذه التصرفات نافذة ، والله العالم.

٤٤٥

الرابع (١) ما عرض له الموت بعد العمارة.

فإن كانت (٢) العمارة أصلية ، فهي مال الإمام عليه‌السلام. وإن كانت (٣) العمارة من معمّر ، ففي بقائها على ملك معمّرها أو خروجها عنه وصيرورتها ملكا لمن عمّرها ثانيا خلاف (٤) معروف في كتاب إحياء الموات ،

______________________________________________________

٤ ـ ما عرض له الموت بعد العمارة

(١)أي : القسم الرابع من الأقسام الأربعة التي ذكرها المصنف في (ص ٤٠٧) هو الأرض التي عرض لها الموت بعد العمارة. وهذا القسم يتصور على نحوين :

أحدهما : أن تكون عمارة الأرض أصلية لا من معمّر ، ثم عرضها الموت.

والآخر : أن تكون عمارتها من معمّر ، ثم عرضها الموت.

فإن كانت عمارتها أصلية ، فهي ملك الإمام عليه‌السلام ، كما كانت ملكه عليه‌السلام في حال عمرانها. وقد تقدم في القسم الثاني دليل كون العامرة بالأصل ملك الامام عليه‌السلام ، فإنّه يصدق عليها بعد الموتان «أنّها أرض لا ربّ لها» وهذا العنوان من الأنفال.

(٢) هذا هو النحو الأوّل الذي تقدم بقولنا : «أحدهما : أن تكون عمارة الأرض .. إلخ».

(٣) هذا إشارة إلى النحو الثاني ، وهو كون العمارة من معمّر لا أصلية ، ففي بقائها على ملك معمّرها ، أو خروجها عن ملكه وصيرورتها ملكا للمعمّر الثاني خلاف ، منشؤه اختلاف الأخبار.

(٤) مبتدء مؤخّر ، وخبره «ففي بقائها» يعني : اختلف الفقهاء في حكم الأرض المعمورة التي خربت مع كون المعمّر أو وارثه معلوما ، فعمّرها شخص آخر ، وأنّها تبقى على ملك الأوّل أم يتملّكها المحيي الثاني؟

وقد نقل السيد الفقيه العاملي قدس‌سره بعض كلماتهم ، وأشار إلى آراء جماعة آخرين ، فقال : «ففي المبسوط والمهذّب : أنّها في حكم العامر. وفي الجامع [الخلاف] أنّها لا تملك. وفي التحرير واللمعة : أنّها لا تخرج بإحياء الغير عن ملك الأوّل. وبالثلاثة صرّح في السرائر. وفي جامع المقاصد : أنّه لا يجوز إحياؤها مطلقا ولا تملك بالإحياء .. وبه ـ أي بعدم ملكية المحيي الثاني ـ صرّح في النهاية وجهاد الشرائع والنافع والكتاب

٤٤٦

منشؤه اختلاف الأخبار (١) (*).

______________________________________________________

ـ أي القواعد ـ والتحرير والإرشاد والمختلف. ونسبه في المسالك إلى الأكثر».

ثم قال : «قلت : لم نجد الخلاف نحن من أحد قبل المصنف في التذكرة ، فإنّه نقل عن مالك : أنّ المحيي الثاني يملك. وقال ـ أي العلامة ـ لا بأس بهذا القول عندي. وحكاه عنه في بعض فتاواه في المسالك ، واختاره هو في موضعين منه والروضة. وفي الكفاية : أنه أقرب. وفي المفاتيح : أنه أوفق بالجمع بين الأخبار .. إلخ» فراجع (١).

(١) حيث إنّها على طائفتين : إحداهما تدلّ على بقائها على ملك المعمّر الأوّل ، كرواية سليمان بن خالد ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة ، ويستخرجها ، ويجري أنهارها ويعمّرها ويزرعها ، ماذا عليه؟ قال عليه‌السلام : الصدقة. قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال : فليؤدّ إليه حقّه» (٢) وقريب منها غيرها (٣).

ثانيتهما : تدلّ على أنّها للمعمّر الثاني ، كعموم الأخبار الدالة على أنّ «من أحيى أرضا ميتا فهي له» (٤) الشامل لإحياء ما عرضه الموت. وخصوص صحيحة الكابلي المتقدمة في (ص ٤١١) ، والمراد بالخراب الخراب العرضي ، إذ يطلق على الخراب الأصلي كلمة «الميّت والميتة».

واختلاف الأخبار صار منشأ للخلاف ، وصيرورة المسألة ذات قولين ، أحدهما : أن الأرض لمعمّرها الأوّل ، وثانيهما : أنّها للمعمّر الثاني.

__________________

(*) لا إشكال في كون القسم الرابع ـ وهو ما عرض له الموت بعد العمارة الأصلية له ، ولم يتملكه أحد قبل صيرورته مواتا ـ مال الامام عليه‌السلام ، لعدم حدوث سبب ملكيته لأحد حتى يخرج عن ملكه عليه‌السلام. وأمّا إذا تملكه أحد قبل الموات ، وكذا الموات بالأصل إذا ملكه

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٩ و ١٠ ، وحكى هذه الأقوال في الجواهر بقوله : «فالمحكي عن ..» فلاحظ جواهر الكلام ، ج ٣٨ ، ص ٢٢ و ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٢.

(٣) المصدر ، ص ٣٢٩ ، الباب ٣ ، ح ٣.

(٤) المصدر ، الحديث : ١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧.

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

شخص بالإحياء ثم عرضها الموات ، ففي بقائها على ملكه مطلقا ، فلا يجوز تصرف أحد إلّا بإذنه؟ أو زوالها كذلك ، وصيرورتها ملكا للإمام عليه‌السلام ولمن عمّرها ، بناء على كون الخراب مزيلا للملكية ، أو بقائها على ملك المحيي ، لكن يجوز للغير إحياؤها ، وبه يصير أحقّ بها ، وعليه أجرة الأرض أو زوالها إذا كان تملكها بالإحياء ، وبقائها إذا كان تملكها بغير الإحياء كالشراء ونحوه. وجوه بل أقوال.

لعلّ الأوفق منها بالقواعد ـ الذي هو مقتضى الجمع العرفي بين شتات الروايات أيضا ـ أن يقال : ببقاء الأرض على ملك المحيي ، وعدم خروجها عنه بمجرّد الخراب ، وإنّما تخرج عنه بالإعراض ، فإذا أحياها شخص بعد إعراض المحيي الأوّل ملكها.

فإنّ روايات الباب المشتملة على قيود وعناوين ـ «كالأرض الخربة التي هي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللإمام عليه‌السلام» كصحيحة حفص بن البختري (١) وصحيحة محمّد بن مسلم (٢) وغيرهما (٣). و «كالأرض التي جلا أهلها» (٤) و «كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها» (٥) وكقوله عليه‌السلام : «كل أرض خربة باد أهلها» (٦) وقوله عليه‌السلام : «وهي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها» (٧) وغير ذلك (٨) من قبيل هذه القيود التي هي في مقام تحديد الأراضي الأنفال ، الظاهر في اعتبارها في الموضوع وفي ثبوت المفهوم لها ـ تقيّد المطلقات ، ونتيجة التقييد هي : أنّ الأرض التي لا مالك لها ـ كالتي هلك أهلها ولا وارث لهم ، أو كان لها

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٤ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١.

(٢) المصدر ، ص ٣٦٨ ، ح ١٢.

(٣) المصدر ، ص ٣٦٧ ، ح ١٠.

(٤) المصدر ، ح ٩.

(٥) المصدر ، ح ٧ ، وص ٣٧٢ ، ح ٢٥.

(٦) المصدر ، ص ٣٦٥ ، ح ٤.

(٧) المصدر ، ص ٣٧١ ، ح ٢٠.

(٨) المصدر ، ص ٣٦٧ ، ح ١٠ وغيره.

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مالك ولكن أعرض عنها ـ تكون في كلتا الصورتين ملك الامام ، فمن أحياها ملكها. وهذا الإعراض يستفاد من روايتين :

إحداهما : صحيحة معاوية بن وهب (١) والأخرى رواية الكابلي (٢).

إذ في الأولى : «فإن كانت أرض لرجل قبله ، فغاب عنها وتركها فأخربها ، ثم جاء بعد يطلبها ، فإنّ الأرض لله ولمن عمّرها».

وفي الثانية : «فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها ويؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها. فإن تركها وأخبرها ، فأخذها رجل من المسلمين من بعده ، فعمرها وأحياها ، فهو أحق بها من الذي تركها».

فإنّ مورد هاتين الروايتين هو الترك ، ومن المعلوم أنّ المراد بهذا الترك هو رفع اليد عن الملك والإعراض عنه ، إذ من الواضح عدم صدق الترك على من ذهب إلى سفر مريدا للرجوع عنه إلى محله ، وتعمير الخربة ، ولا يقال : انّه غاب عنها وتركها ، بل يقال : إنّه سيشتغل بتعمير هذه الخربة وإحيائها. ويستفاد الإعراض من ترك الأرض بقول مطلق ، إذ لا يقال لمن ترك زرع أرض سنة أو سنتين ـ لإصلاح الأرض وإعدادها للزرع الأحسن ـ : إنّه ترك الأرض.

وبالجملة : المستفاد من النصوص على اختلافها عنوانان :

أحدهما : الأرض التي لا ربّ لها.

والآخر : الأرض التي أعرض عنها مالكها ، وهذا أيضا راجع إلى سابقه ، لأنّ رفع المانع عن تملك الغير كرفع اليد عن أصل الملكية ، فمن أحيى أرضا لا ربّ لها أو أرضا أعرض عنها مالكها ملكها. فلو دلّ نص على الترك الأعمّ من الإعراض ـ كصحيح الحلبي ورواية الكابلي اللذين مفادهما أعمّ من الإعراض ـ فيقيّد بما ظاهره عدم الإعراض ، كصحيحتي الحلبي وسليمان ، فيقيّد بهما إطلاق صحيح الحلبي ورواية الكابلي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٨ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، ح ١.

(٢) المصدر ، ص ٣٢٩ ، ح ٢.

٤٤٩

ثمّ القسم الثالث (١) إمّا أن تكون العمارة فيه من المسلمين ، أو من الكفّار ، فإن كان (٢) من المسلمين فملكهم لا يزول إلّا بناقل أو بطروء الخراب ، على أحد القولين (٣).

وإن كان (٤) من الكفّار

______________________________________________________

أحكام القسم الثالث

(١) أعني به : ما عرض له الحياة بعد الموت الأصلي ، وهذا الكلام تمهيد لبيان حكم الأرض المفتوحة عنوة.

لما كانت مملّكية إحياء الأرض الموات إجماعيا في الجملة ، فلذا تصدّى للبحث عن فروع المسألة من اعتبار شرط في أصل التملك ، ككون المعمّر مسلما ، وعدمه.

ومن زوال الملك بطريان الخراب وعدمه.

ومن كون الأرض المحياة في دار الكفر أو في دار الإسلام. وغير ذلك مما سيأتي بالتفصيل.

وحاصل ما أفاده المصنف قدس‌سره هو : أنّه لا يخلو إمّا أن يكون معمّر هذه الأرض مسلما وإمّا أن يكون كافرا. فإن كان مسلما فملكه لا يزول إلّا بأحد أمرين :

الأوّل : الناقل الشرعي من بيع أو صلح أو غيرهما.

الثاني : طروء الخراب على الأرض ، فإنّه مزيل للملك بناء على أحد القولين المتقدمين في القسم الرابع من صيرورتها بالموت من المباحات ، فتكون ملكا لمن عمّرها ثانيا.

وأمّا بناء على بقائها على ملك المحيي الأوّل لم يكن طروء الخراب مزيلا للملك.

وإن كان المعمّر كافرا فسيأتي حكمه.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب «كانت» لرجوع الضمير إلى العمارة ، وكذا في «كان» الآتي.

(٣) اللّذين أشار إليهما في (ص ٤٤٦) بقوله : «وإن كانت العمارة من معمّر ، ففي بقائها على ملك معمّرها ، أو خروجها عنه .. خلاف معروف ..» (١).

(٤) معطوف على «إن كان من المسلمين» يعني : إن كان معمّرها من الكفار ، فحكمه

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، الحديث : ٣ و ١.

٤٥٠

فكذلك (١) إن كان في دار الإسلام ، وقلنا بعدم اعتبار الإسلام ، وإن اعتبرنا (٢) الإسلام كانت باقية على ملك الإمام عليه‌السلام.

وإن (٣) كان في دار الكفر فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم (٤) ، وبالاغتنام (٥) ، كسائر أموالهم.

ثمّ (٦) ما ملكه الكافر من الأرض : إمّا أن يسلم عليه طوعا ، فيبقى على ملكه

______________________________________________________

كالسابق من عدم زوال ملكه إلّا بالناقل أو الخراب إن كان في دار الإسلام ، وقلنا بعدم اعتبار الإسلام في المعمّر. وإن قلنا باعتبار الإسلام في معمّرها كان باقيا على ملك الامام عليه‌السلام.

(١) أي : لا يزول ملك المعمّر إلّا بالناقل أو بالخراب إن كان في دار الإسلام ، وقلنا بعدم اعتبار الإسلام في المحيي.

وإن اعتبرنا الإسلام فيه ـ للنبوي : «موتان الأرض لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عادي الأرض لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم هي لكم منّي أيّها المسلمون» ـ كان باقيا على ملك الإمام عليه‌السلام.

(٢) معطوف على «وقلنا» والترديد لأجل كون المسألة خلافية ، فمنهم من اعتبر إسلام المحيي ، ومنهم من لم يعتبره.

(٣) معطوف على «إن كان في دار الإسلام» وحاصله : أنّه إن كانت الأرض المحياة ـ بعد الموت ـ في دار الكفر التي يكون فيها الكفار ، زال ملكها بمزيل ملك المسلم ، وبالاغتنام.

(٤) من زواله بناقل شرعي أو بطروء الخراب ، على أحد القولين ، كما مرّ آنفا.

(٥) معطوف على «بما» يعني : يزول ملك الكافر بما يزول به ملك المسلم ، وبالاغتنام أيضا ، إذ تكون هذه الأرض العامرة بعد الموت من الغنائم التي يتملّكها المسلمون بالغنيمة ، كسائر أموال الكفار التي تملك بالغنيمة.

(٦) كان البحث المتقدم في حكم الأراضي باعتبار العمران والموتان ، ويكون

٤٥١

كسائر أملاكه.

وإمّا أن لا يسلم عليه طوعا.

فإن بقي يده عليه كافرا (١) فهي (٢) [فهو] أيضا كسائر أملاكه تحت يده.

وإن (٣) ارتفعت يده عنها ، فإمّا أن يكون بانجلاء المالك عنها (٤) وتخليتها للمسلمين ، أو بموت (٥) أهلها وعدم الوارث ،

______________________________________________________

البحث فعلا في أحكامها باعتبار المالكين ، وتفصيله : أنّ الأرض التي ملكها الكافر إن أسلم عليها طوعا ، فتبقى على ملكه كسائر أملاكه. وإن لم يسلم عليها طوعا ، وكانت تحت يده ، فهي أيضا ملكه كسائر أملاكه.

وإن لم تكن الأرض تحت يده وارتفعت عنها ، ففيه صور :

إحداها : انجلاء المالك عنها.

ثانيتها : موت أهلها وعدم الوارث له. والأرض في هاتين الصورتين ملك الامام عليه‌السلام ، لأنّها من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

ثالثتها : ارتفاع أيدي أهلها عنها قهرا وعنوة ، والأرض في هذه الصورة كغيرها ممّا لا ينقل ـ كالأشجار والأبنية ـ ملك لكافة المسلمين بالإجماع والنص. وهذه الأراضي هي المسماة بالمفتوحة عنوة.

(١) وهو كما إذا استولى عليها المسلمون ، وصالحوا الكفّار على أن تكون الأرض ملكا لهم.

(٢) كذا في نسختنا والأولى بمرجع الضمير ـ وهو الموصول في «ما ملكه» ـ تذكير الضمير كما في بعض النسخ.

(٣) معطوف على «فان بقي» وتأنيث الضمير في «عنها» باعتبار المرجع وهو الأرض.

(٤) إشارة إلى الصورة الأولى التي تقدّمت بقولنا : «إحداها انجلاء المالك عنها» والضمير المستتر في «يكون» راجع إلى الارتفاع. يعني : إما أن يكون ارتفاع يدهب بانجلاء المالك أي خروجه وإعراضه عنها ، وإمّا بموت أهلها بدون وارث لهم.

(٥) معطوف على «بانجلاء» وهذه إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة بقولنا :

٤٥٢

فيصير (١) ملكا للإمام عليه‌السلام ، ويكون من الأنفال الّتي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.

وإن رفعت (٢) يده عنها قهرا وعنوة ، فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة ـ كالنخل والأشجار والبنيان ـ للمسلمين كافّة إجماعا (٣) ، على ما حكاه غير واحد ، كالخلاف والتذكرة وغيرهما. والنصوص به مستفيضة.

ففي رواية أبي بردة المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج ، قال عليه‌السلام : «من يبيعها؟ هي أرض المسلمين. قلت : يبيعها الذي هي في يده؟ قال : يصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثمّ قال : لا بأس أن يشتري (٤) حقّه منها ، ويحوّل حقّ المسلمين

______________________________________________________

«ثانيتها موت أهلها .. إلخ».

(١) يعني : فتصير الأرض في هاتين الصورتين ملكا للإمام عليه‌السلام. وينبغي تأنيث جميع الضمائر الراجعة إلى الأرض.

(٢) معطوف على «وإن ارتفعت» ولعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا «أو بارتفاع يده عنها قهرا وعنوة» ليكون معطوفا على «بانجلاء» ، كعطف «بموت» عليه.

(٣) هذا هو الدليل الأوّل على كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا لجميع المسلمين ، وقد ادّعاه جماعة كشيخ الطائفة والسيد أبى المكارم والعلّامة والسيد العاملي وغيرهم قدس‌سرهم (١).

لكن صحة الاستدلال به على المطلب منوطة بعدم استناد المجمعين إلى الروايات ، وإلّا كانت هي الحجة على المقصود. واحتمال استنادهم إلى النصوص كاف في عدم حجية الإجماع. فحينئذ لا بدّ من البحث فيما يستفاد من النصوص التي ادعي أنّها مستفيضة. منها : رواية أبي بردة المذكورة في المتن.

(٤) كذا في النسخة ، وفي الوسائل : «اشترى».

__________________

(١) الخلاف ، ج ٢ ، ص ٦٧ ـ ٧٠ ، كتاب الزكاة ، المسألة : ٨٠ ، غنية النزوع ، ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٩ ، ص ١٨٤ ، وادّعاه العلامة في المنتهى أيضا ، ج ٢ ، ص ٩٣٤ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٣٩ ، جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٥٧.

٤٥٣

عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه» (١).

وفي مرسلة حمّاد الطويلة : «ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين ، وما غلبوا عليه ، إلّا ما حوى العسكر (١) .. إلى أن قال : والأرض التي أخذت بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمّرها ويحييها ، ويقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج ، النصف (٢) أو الثلث أو الثلثين ، على قدر ما يكون لهم صالحا (٣) ولا يضرّ بهم. فإذا أخرج منها ما أخرج ، بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا (٤) ، ونصف (٥) العشر ممّا سقي بالدوالي (٦) والنواضح (٧) .. إلى أن قال : فيؤخذ ما (٨) بقي بعد العشر ، فيقسّم بين الوالي وبين شركائه الّذين هم عمّال الأرض وأكرتها (٩) ،

______________________________________________________

(١) في الوسائل : «ولا ما غلبوا عليه الّا ما احتوى عليه العسكر».

(٢) هذا و «الثّلث والثّلثين» عطف بيان أو بدل ل «الخراج» والمراد به نصف غلّة الأرض أو ثلثها أو ثلثيها.

(٣) كذا في النسخة ، وفي الوسائل : «صلاحا».

(٤) أي : بالماء الجاري على وجه الأرض (٢).

(٥) معطوف على «العشر» أي : أخرج معمّر الأرض نصف العشر إن كان سقيها بالدوالي والنواضح.

(٦) جمع الدالية ، وهي الناعورة.

(٧) جمع «ناضح» وهو البعير الذي يحمل الماء من النهر أو البئر للسقي (٣).

(٨) في الوسائل : «يؤخذ بعد ما بقي العشر».

(٩) معطوف على «عمال» وهو بفتح الألف والكاف والراء ، جمع «آكر» ك «حفدة» جمع «حافد» مأخوذ من «أكر» بمعنى الحفر والحرث والزرع (٤) فالمراد هنا الزارعون.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ١١٨ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو ، ح ١.

(٢) مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ٣٧٧ ، لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٤٩٢.

(٣) المصدر ، ص ٤١٩ ، ولسان العرب ، ج ٤ ، ص ٦١٩.

(٤) مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٣٠٨ ، لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٦.

٤٥٤

فيدفع عليهم أنصباؤهم (١) على قدر ما صالحهم عليه ، ويأخذ الباقي ، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله ، وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد ، وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير» الخبر (١).

وفي صحيحة الحلبي ، قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السواد ما منزلته؟ قال : هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ، ولمن يدخل (٢) [دخل] في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد (٣). فقلنا : أنشتريه من الدّهاقين؟ قال : لا يصلح إلّا أن تشتريها منهم على أن تصيّرها للمسلمين ، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها. قلت : فإن أخذها منه؟ قال : يردّ عليه رأس ماله ، وله ما أكل من غلّتها بما عمل» (٢).

ورواية ابن شريح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج؟ فكرهه ، وقال (٤) [قال] إنّما أرض الخراج للمسلمين. فقالوا له : فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها. فقال : لا بأس ، إلّا أن يستحيي من عيب ذلك» (٥) (٣).

______________________________________________________

(١) بفتح الهمزة وسكون النون ، جمع «نصيب».

(٢) كذا في الوسائل وفي بعض نسخ الكتاب ، وفي نسختنا «دخل».

(٣) هذه الجملة صريحة في أنّ الأرض المفتوحة عنوة ـ كالعراق ـ ملك لجميع المسلمين ، وأنّ شراءها من الدّهاقين ليس بمعنى تملكها منهم ، بل بمعنى جعلها للمسلمين وأن يكون الأمر مفوّضا إلى الوالي.

(٤) كذا في الوسائل وبعض نسخ الكتاب ، وفي نسختنا «قال».

(٥) يعني : أن يستحيي المشتري من عيب هذه الأرض. والمراد بالعيب صيرورة

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٨٤ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو ، ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٤ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ٤.

(٣) المصدر ، ص ٢٧٥ ، ح ٩.

٤٥٥

ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، ففيها : «وسألته عن رجل اشترى أرضا من أراضي الخراج ، فبنى بها أو لم يبن ، غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها ، له أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدّوا (١) جزية رؤوسهم؟ قال : يشارطهم ، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال [أخذها] (٢) (١).

______________________________________________________

المشتري كالكفار في دفع الجزية ، ومن المعلوم أن في دفع الخراج نوع حقّة على المسلم. فإن ترك الشراء لأجل هذا العيب فهو ، وإن تحمّله واشتراها فلا بأس.

وعلى كلّ فالشاهد في قوله عليه‌السلام : «إنّما أرض الخراج للمسلمين» الدال على عدم تملك آحاد المسلمين للأرض المفتوحة عنوة ، وأنّ المقصود من الترخيص في الشراء هو تفويض حق الانتفاع ، لا تمليك رقبة الأرض.

(١) يعني : إذا أدّوا جزية رؤوسهم إلى وليّ أمر المسلمين.

(٢) كذا في نسختنا ، ولم ترد هذه الكلمة في الوسائل وفي بعض نسخ الكتاب ، ولعلّه الصواب ، لرجوع ضمير «هو» إلى المأخوذ.

وتوضيح دلالة الرواية على منع بيع الأرض المفتوحة عنوة هو : أنّ السؤال عن جواز أخذ الأجرة من أهل الذمة الّذين نزلوا في بيوت مبنيّة في الأرض الخراجية لأجل الحرث والزرع ، وهم يؤدّون جزية رؤوسهم إلى وليّ المسلمين.

ولعلّ منشأ السؤال احتمال سقوط اجرة البيوت ، لأنّ المسلم الذي بيده الأرض عند ما يبذل اجرة عمل الزارع يجعل شيئا من الأجرة بدلا عن سكناهم في تلك الأبنية ، فليس له أخذ أجرة السّكنى فيها.

فأجاب عليه‌السلام : بأنّ جواز مطالبة الأجرة من أولئك العاملين في الأرض منوط بالاشتراط في عقد الإجارة بين المسلم الذي تكون الأرض بيده وبين أهل الذمة الزارعين فيها. فإن اتفق الطرفان على بذل بدل السكنى فهو ، وإلّا لم يجز أخذ شي‌ء من العاملين.

وهذه الرواية سؤالا وجوابا أجنبية ظاهرا عمّا رامه المصنف من نقل النصوص

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٥ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١٠.

٤٥٦

وفي خبر أبي الربيع : «لا تشتر من أرض السواد شيئا ، إلّا من كانت له ذمّة (١) ، فإنّما هي في‌ء للمسلمين» (١).

إلى غير ذلك (٢).

وظاهره (٣) كما ترى عدم جواز بيعها حتّى تبعا للآثار المملوكة

______________________________________________________

الدالة على كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين ، ولا يجوز تملك رقبتها.

لكن يمكن توجيه الاستدلال بها بما أفاده بعض أجلّه المحشّين من : أنّ مفهوم قوله عليه‌السلام : «يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال» هو حرمة أخذ الأجرة بدون الشرط ، ولا وجه لحرمة الأخذ حينئذ إلّا كون الأرض ملكا للمسلمين كافة لا لخصوص هذا المتصرّف ، والمفروض أنّ العمّال الذّميّون قد أدّوا جزية رؤوسهم إلى الوالي ، وخرجوا عن الحق الثابت عليهم ، فلا موجب لأخذ شي‌ء آخر منهم. وأما حلّ الأخذ في ما اشترط ، فلعلّه لكونه بإزاء إذنه لهم في التصرف في البيوت التي تعلّق حقّه بها ، هذا ما أفيد (٢).

(١) حاصله : أنّه لا بدّ أن يكون البائع كافرا ذمّيا ، فإنّ أمواله ـ التي منها هذه الأرض ـ محترمة ، والمفروض قيامه بعهدة خراج الأرض ، وهذا بخلاف المسلم ، فإنّه لا يصحّ أن يبيعها ، لعدم كونها ملكا له.

(٢) كمضمرة محمّد بن مسلم ، قال : «سألته عن شراء أرضهم ، فقال : لا بأس أن تشتريها ، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم ، تؤدي فيها كما يؤدون فيها» (٣).

(٣) كذا في النسخ ، والأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى النصوص في قوله : «والنصوص به مستفيضة». أي : ظاهر النصوص المستفيضة ـ لإطلاق المنع فيها الشامل للأرض منفردة ومنضمّة مع الآثار ـ هو عدم جواز بيع أرض الخراج مطلقا حتى تبعا

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٤ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، ح ٥.

(٢) حاشية المكاسب ، للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٦٨ ، وأشار إليه العلامة السيد الاشكوري في بغية الطالب ، ج ١ ، ص ١٤٤.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٥ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، ح ٧.

٤٥٧

فيها (١) على أن تكون جزءا من المبيع ، فيدخل في ملك المشتري.

نعم (٢) يكون للمشتري على وجه كان (٣) للبائع ، أعني (٤) مجرّد الأولويّة وعدم جواز مزاحمته (٥) إذا (٦) كان التصرّف وإحداث تلك الآثار بإذن الإمام أو بإجازته ولو لعموم الشيعة ، كما (٧) إذا كان التصرّف بتقبيل السلطان الجائر ، أو بإذن الحاكم

______________________________________________________

للآثار المملوكة فيها من الأبنية والأشجار ، على أن تكون الأرض جزءا من المبيع حتى تدخل الأرض لهذه التبعية في ملك المشتري.

(١) هذا الضمير وضمير «بيعها» والمستتر في «تكون ، فيدخل» راجعة إلى أرض الخراج. والأولى «فتدخل» بدل «فيدخل».

(٢) استدراك على عدم جواز بيع رقبة أرض الخراج ، بحيث يكون بيعها كبيع سائر الأموال المملوكة في ترتب ملكية الرقبة عليه.

وحاصل الاستدراك : أنّه يترتب على هذا البيع أولوية المشتري بأرض الخراج ، كأولويّة البائع بها ، وعدم جواز مزاحمته إن كان تصرفه وإحداث الآثار من الأبنية والأشجار بإذن الإمام عليه‌السلام حين التصرف ، أو بإجازته بعد التصرف ، ولو كان الإذن بلسان العموم ، كقولهم عليهم‌السلام : «ما كان لنا فهو لشيعتنا» و «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيها محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم .. إلخ».

(٣) الضمير المستتر فيه وفي «يكون» راجعان إلى الأرض ، فالأولى «تكون ، كانت».

(٤) هذا بيان لقوله : «على وجه» يعني : ذلك الوجه هو الأولويّة ، لا الملكيّة.

(٥) أي : مزاحمة البائع ، ولفظ «عدم» عطف تفسيري للأولوية ، ويمكن عطفه على مجرد.

(٦) قيد للأولويّة وعدم جواز المزاحمة ، يعني : أنّ أولوية البائع بأرض الخراج من غيره منوطة بأن يكون تصرفه وإحداث الآثار فيها ـ من البنيان والأشجار ـ بإذن الإمام عليه‌السلام أو إجازته ولو بنحو العموم للشيعة كما مرّ آنفا.

(٧) مثال للإذن والإجازة ، يعني : أنّ التصرف بإذن الحاكم الشرعي أو تقبيل السلطان المخالف يكون من التصرف الجائز المأذون فيه.

٤٥٨

الشرعي ، بناء (١) على عموم ولايته لأمور المسلمين ، ونيابته عن الإمام عليه‌السلام.

لكن (٢) ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرّف فيها (٣) ، قال : «لا يجوز التصرّف فيها ببيع ولا شراء ولا هبة ولا معاوضة (٤). ولا يصحّ (٥) أن يبني فيها دورا ومنازل ومساجد وسقايات (٦) ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك.

______________________________________________________

(١) هذا قيد لإذن الحاكم الشرعي ، فإنّ نفوذ إذنه موقوف على ولايته لأمور المسلمين.

(٢) استدراك على قوله : «نعم يكون للمشتري .. إلخ» وحاصل الاستدراك : أنّ ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرف في الأرض المفتوحة عنوة بشي‌ء من التصرفات الاعتبارية كالبيع والهبة ونحوهما ، والخارجية كبناء الدور والدكاكين والمساجد وغير ذلك ، فلا ينتقل شي‌ء من البائع إلى المشتري حتى الأولوية.

وبالجملة : فكلّ تصرف يتوقف على الملك حرام وباطل ، ويكون حكم الشي‌ء الذي بنى في الأرض المفتوحة عنوة حكم أصل الأرض ، وهو كونه ملكا لعامّة المسلمين.

ولا يخفى أن المصنف بقوله : «لكن ظاهر» شرع في نقل الأقوال في المسألة ، وهي أربعة ، وكلام المبسوط أوّلها.

(٣) أي : في الأرض المفتوحة عنوة.

(٤) هذا من عطف العام على الخاص ، والعبارة منقولة بالمعنى ، وإلّا فنصّ المبسوط هو : «ولا يصحّ بيع شي‌ء من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تمليكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه. ولا يصح .. إلخ».

(٥) الأولى التعبير بعدم الجواز ، فإنّ الصحة والفساد من أوصاف المركبات ، لا البسائط كالملكية.

(٦) جمع «سقاية» ولها معان ، منها «الموضع الذي يتخذ فيها الشراب في المواسم وغيرها» (١) فالمراد هنا بناء مكان يوضع فيه الماء للشرب.

__________________

(١) لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٣٩٢.

٤٥٩

ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرّف باطلا (١) ، وهو (٢) على حكم الأصل» (١).

ويمكن حمل كلامه (٣) على صورة عدم الإذن من الإمام عليه‌السلام حال حضوره.

ويحتمل (٤) إرادة التصرّف بالبناء على وجه الحيازة والتملّك.

______________________________________________________

(١) الأولى أن يقال : «حراما» لكون المنهي عنه في عبارة المبسوط مطلق التصرف من الخارجي والاعتباري ، ومن المعلوم عدم اتصاف بناء الدور والسقاية بالبطلان. وعلى كلّ فالوجه في البطلان كون الأرض للمسلمين لا للمتصرّف ، فلا ينفذ شي‌ء من تصرفاته فيها.

(٢) هذه الجملة منقولة بالمعنى أيضا ، ففي المبسوط : «وهو باق على الأصل» يعني : أنّ الشي‌ء الذي فعله المتصرف في هذه الأرض المفتوحة عنوة من الأبنية تابع لأصل الأرض في كونها فيئا للمسلمين.

(٣) أي : حمل كلام صاحب المبسوط قدس‌سره المانع عن مطلق التصرف في الأرض المفتوحة عنوة. وحاصل هذا التوجيه : أنّ كلامه محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه‌السلام في التصرف مع حضوره. وحينئذ يكون المنع عن مطلق التصرف في محله ، إذ لا بدّ من إذن وليّ الأمر في التصرف في الأرض.

وهذا الحمل مذكور في مفتاح الكرامة ، لقوله ـ بعد نقل إجماع المسالك على المنع من التصرف ـ : «ويمكن حمل هذا الإجماع وما ضاهاه على أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها بشي‌ء قبل أن يسلّمها إليه الامام .. وهذا ممّا لا ريب فيه ، لأنّه إذا فتحها الامام عليه‌السلام كان أمرها إليه ..» (٢).

(٤) هذا توجيه ثان لكلام الشيخ في المبسوط ، ومحصله : أنّه يمكن أن يكون مورد المنع عن التصرف هو التصرف الذي أريد به الحيازة والتملك ، لا مجرّد الأولوية.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٣٤ ، وحكي هذا المطلب عن جماعة آخرين ، فلاحظ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٠ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٤٨ و ٣٤٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٤.

٤٦٠