هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن لمّا كان المورد من الموارد الثلاثة التي انقلبت فيها أصالة البراءة إلى أصالة الاحتياط ، فلا بدّ من الرجوع إليها ، ومقتضاها اعتبار إذنه عليه‌السلام في وجوب الجهاد.

ثم انه على تقدير شرطية إذن الامام عليه‌السلام في مشروعية الجهاد حال حضوره ، فهل المراد بالاذن مجرّد الرضا الباطني كما في التصرفات الخارجية كالأكل والشرب واللبس ونحوها؟ أم إنشاء الإذن ، كما في التصرفات الاعتبارية كالإجازة في العقود كبيع الفضولي ، حيث إنّ المعتبر فيه هو إنشاء الإجازة فيه ، وعدم الاكتفاء بمجرّد الرضا الباطني كما قرر في محلّه ، حتى يعدّ ولاة الجهاد والغزاة منصوبين من قبل الإمام عليه‌السلام.

مقتضى بعض النصوص هو الأوّل ، كما في رواية الخصال عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ القائم بعد صاحبه ـ يعني عمر ـ كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها ، فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها ، فيمضيها عن رأيي» (١).

فإنّ ظاهره ـ كما قيل ـ كفاية رضا الامام عليه‌السلام في مشروعية الجهاد الذي يترتّب عليه الآثار من كون الأرض المأخوذة بهذا القتال خراجية ، وعدم توقف اتصافها بالخراجية على إنشاء الإذن والأمر بالجهاد ، بحيث يكون هو وليّ أمر الجهاد وناصبا لغزاته. ويشهد بذلك النصوص الدالة على «أنّ أرض السواد للمسلمين» مع بداهة أنّ فاتحها لم يكن منصوبا من ناحية المعصوم عليه‌السلام ، ولا مأمورا من قبله عليه‌السلام ، هذا.

لكن الإنصاف ظهور قوله عليه‌السلام : «فيصدرها عن أمري» في الأمر الحقيقي ، لا مجرّد الاذن ، حتى يقال بعدم كفاية مجرّد الإذن في مشروعية الجهاد ، وترتيب آثاره من صيرورة الأرض المغنومة بهذا الجهاد خراجية ، هذا.

ثم إنّه وقع الكلام في اعتبار العمران حال الفتح في خراجية الأراضي المفتوحة عنوة بحيث لو كانت مواتا حال الفتح لم تكن خراجية وكانت من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام يظهر من الشرائع أنّ الموات حال الفتح للإمام عليه‌السلام خاصة ، ولا يجوز إحياؤه إلّا بإذنه إن كان موجودا. ولو تصرف فيها من غير إذنه كان على المتصرف طسقها ، ويملكها المحيي عند عدمه (٢) أي غيبة الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) الخصال ، ج ٢ ، ص ١٣٥ ، باب السبعة ، ح ٤٥.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ١ ، ص ٣٢٢.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في الجواهر ـ بعد نقل كون الموات من الأرض وقت الفتح للإمام عليه‌السلام ـ : «بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه. مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على أنّ موات الأرض مطلقا من الأنفال للإمام عليه‌السلام» (١).

والحاصل : أنّ اعتبار العمران حال الفتح في ملكية الأرض المفتوحة عنوة لقاطبة المسلمين مشهور ، بل المجمع عليه. ونصوص الباب على طوائف :

منها : ما تدل على أنّ الموات كلها للإمام عليه‌السلام ، كمرسلة أحمد بن محمد (٢).

ومنها : ما تدلّ على «أنّ كل أرض لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام» كموثقة إسحاق بن عمّار ورواية أبي بصير (٣).

ومنها : ما تدلّ على «أن كل أرض ميتة لا ربّ لها له عليه‌السلام» كمرسلة حمّاد (٤).

ومنها : غير ذلك.

والنسبة بين دليل ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين الشامل للموات حين الفتح ، وبين دليل ملكية الموات مطلقا ـ وإن كان من المفتوحة عنوة للإمام عليه‌السلام ـ عموم من وجه ، لأنّ ما دلّ على كون المفتوحة عنوة للمسلمين شامل لكلّ من الموات والعامر ، وما دلّ على «أنّ الموات للإمام عليه‌السلام» شامل للمفتوحة عنوة وغيرها. وفي المجمع ـ وهو موات المفتوحة عنوة ـ يتعارضان ، إذ مقتضى دليل المفتوحة عنوة هو كون مواتها كعامرها ملكا لقاطبة المسلمين ، ومقتضى دليل الموات كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه‌السلام.

لكن يقدّم دليل الموات ، لأنّ دلالته على كون الموات للإمام عليه‌السلام بالوضع ، ودلالة دليل المفتوحة عنوة بالإطلاق الناشئ عن مقدمات الحكمة ، ومن المعلوم تقدم الظهور الوضعي على الإطلاقي. فما عن المشهور «من كون موات المفتوحة عنوة من الأنفال ، واختصاص عامرها بالمسلمين» متين.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٦٩.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٩ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١٧.

(٣) المصدر ، ص ٣٧١ ، ح ٢٠ وص ٣٧٢ ، ح ٢٨.

(٤) المصدر ، ص ٣٦٥ ، ح ٤.

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فتلخص من جميع ما ذكرنا : أنّ ملكية الأرض المغنومة من الكفار لقاطبة المسلمين مشروطة بأمور ثلاثة :

الأوّل : أن يكون استيلاء المسلمين على الأراضي بالقهر والغلبة ، أو بالصلح مع الكفار على أن تكون أراضيهم ملكا لعامّة المسلمين.

الثاني : أن يكون الاستيلاء المزبور بإذن الإمام عليه‌السلام.

الثالث : أن تكون الأراضي معمورة حال الفتح ، إذ الموات منها من الأنفال التي هي ملك الامام عليه‌السلام ، سواء أكان موتانها أصليا أم عارضيا ، بأن كانت عامرة ثم ماتت ، فمن أحياها ملكها. وذلك لإطلاق النصوص الدالة على تملك محي الأرض بالإحياء ، كصحيحتي الفضلاء عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليهما‌السلام : «قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيى أرضا مواتا فهي له» (١). فإذا ماتت الأرض المفتوحة عنوة ، وأحياها شخص ، ملكها ، إذ المفروض أنّ أرض المسلمين متقومة بالحياة ، لما تقدم آنفا من تقدم دليل ملكية الموات من الأرض المفتوحة عنوة للإمام عليه‌السلام على دليل ملكيته للمسلمين.

ومن هنا يسهل الأمر في من يكون بيده فعلا أرض كانت معمورة حال الفتح ، وشكّ في بقائها على حالة العمران ، حيث إنّ استصحاب بقائها بوصف الحياة وإن كان جاريا في نفسه ، إلّا أنّ قاعدة اليد حاكمة عليه ، وقاضية بأنّها ملك المتصرف فعلا ، فإنّ احتمال خروجها عن ملك المسلمين بالشراء أو الهبة ، أو عروض الموت عليها وقيام هذا الشخص بإحيائها موجود ، وهو يحقق موضوع قاعدة اليد التي مقتضاها ملكية الأرض المذكورة فعلا للمحيي ، هذا.

ثم إنّه إذا أحرزت العناوين المذكورة فلا إشكال. لكنه لا يمكن إحرازها بالعلم الوجداني ، ولا بالأمارات غير المعتبرة التي منها التواريخ ، خصوصا مع تعارضها. ولا بالأصول العملية ، لأنّها نافية لوجود تلك العناوين الوجودية لا مثبتة لها ، فلا يمكن إحراز وجودها بالأصل أيضا.

كما أنّ إحراز عدمها لنفي الحكم الشرعي المترتب على وجودها غير ممكن ، لأنّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٥.

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ترتب عدم الحكم على نفي موضوعه عقلي لا شرعي ، هذا.

مسألة : إذا أحيى شخص أرضا مواتا ، وبنى فيها أبنية ، ثم خربت وصارت ميتة ، ثم أحياها محي آخر ، فهل تكون الأرض ملكا للمحيي الأوّل أم الثاني؟ فيه تفصيل.

فإن كان المحيي الأوّل وملك الأرض بشراء ونحوه لم يزل ملكه عنها إجماعا ، نقله الشهيد الثاني رحمه‌الله عن العلامة في التذكرة «عن جميع أهل العلم» (١).

وإن ملكه المالك الأوّل بالإحياء ففيه خلاف.

وقال المحقق التقي الشيرازي قدس‌سره : «تفصيله : أنّه اختلف أقوال العلماء في أنّ الموات من الأرض بعد الإحياء المملّك هل يجوز إحياؤه ثانيا لغير المحيي الأوّل أم لا» (٢). فالخلاف يكون فيما إذا كانت ملكية الأرض للمحي الأوّل بسبب الإحياء ، لا ببيع ونحوه ، وإلّا فلا تخرج الأرض عن ملك المحيي الأوّل بسبب الخراب ولا بإحياء المحيي الثاني.

فنصرف الكلام إلى ما إذا كانت ملكية الأرض للمحيي الأوّل بالإحياء لا بالبيع ونحوه ، فنقول وبه نستعين :

إنّه قد استدلّ على صيرورة الأرض ملكا للمحيي الثاني بروايات.

منها : رواية معاوية بن وهب «قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيّما رجل أتى خربة بائرة ، فاستخرجها ، وكرى أنهارها ، وعمّرها ، فإنّ عليه فيها الصدقة. فإن كانت أرض لرجل قبله ، فغاب عنها وتركها فأخربها ، ثم جاء بعد يطلبها ، فإنّ الأرض لله ولمن عمّرها» (٣).

ومنها : عموم قولهم عليهم‌السلام : «من أحيى أرضا مواتا فهي له» (٤) فإنّ عمومه يشمل المحيي الثاني. وإطلاق الأرض ـ إن لم نقل بعمومه المستفاد من وقوع النكرة في سياق الموصول الدالة على العموم ـ يشمل الأرض الموات المسبوق بالإحياء ، فيدلّ على صيرورة الأرض المذكورة ملكا للمحيي الثاني بسبب إحيائه ، وهو المطلوب.

وأورد عليه بما حاصله : أنّ الأرض الميتة قيّدت بعدم المالك لها قطعا ، للنص الدال

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٥٩ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٠١ (الطبعة الحجرية).

(٢) حاشية المكاسب ، ص ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٨ الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ٥.

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

على «أنّ من أحيى أرضا ميتة لا ربّ لها فهي له» فالأرض المملوكة إذا كانت ـ أو صارت ـ خرابا لا تملك بإحياء غير المالك جزما. ولا تخرج عن ملكه إلّا بالنواقل الشرعية غير الاحياء. وكذا الأرض التي هي محل الكلام بناء على عدم خروجها عن ملك المحيي الأوّل بالموت والخراب ، والمفروض أنّ القائلين بملك المحيي الثاني يدّعون الخروج عن ملك المحيي الأوّل.

بل لعلّه لا خلاف بينهم في عدم صيرورته ملكا للثاني لو لم يخرج عن ملك الأوّل بالخراب ، بأن يكون الإحياء الثاني ناقلا عن ملك الأوّل إلى ملك الثاني.

وحينئذ فالشك في بقائها بعد الموت على ملك مالكه الأوّل وعدمه كاف في عدم جواز التمسك بالعموم المزبور ، لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص. بل مقتضى استصحاب ملك المحيي الأوّل ذلك. بل إطلاق دليل ملكيته ، حيث إنّ الظاهر من اللام في قوله عليه‌السلام : «فهي له» هو إطلاق الثبوت والاختصاص المقتضي للملكية الدائمة المنافي للملكية الموقتة ، هذا.

ويمكن أن يجاب عنه بعدم إرادة نفي المالك مطلقا حتى ممّن ملك الأرض بالإحياء ، فيصير خروج من ملك بالإحياء مشكوكا فيه ، فيرجع فيه إلى عموم قوله عليه‌السلام : «من أحيى أرضا ميتة فهي له» لا إلى إطلاق دليل القيد ، إذ المفروض عدم إطلاقه بعد خروج من ملك الأرض بالشراء ونحوه ـ بإجماع العلماء وتسالمهم ـ عن إطلاق دليل القيد ، فيصير خروج من ملك الأرض بالإحياء عن عموم «من أحيى» مشكوكا فيه ، والعموم حجة في الشك في التخصيص الزائد كحجيته في الشك في أصل التخصيص.

فالنتيجة : أن إحياء الأرض الميتة بعد الإحياء المملّك يوجب ملكيتها للمحيي الثاني. لكن الأحوط الأولى مراعاة حقّه إلى ثلاث سنين ، لروايتي يونس (١) عن العبد الصالح وأبي عبد الله عليهما‌السلام. لكنهما ضعيفان سندا ، فراجع.

وأمّا إحياؤها مع كون ملكيتها للمالك الأوّل بغير الإحياء ـ كالشراء والهبة ونحوهما ـ فمقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي عن العلامة قدس‌سره ورواية معاوية بن وهب المتقدمة عدم صيرورتها ملكا للثاني ، وبقاؤها على ملك الأوّل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٤٥ ، الباب ١٧ من أبواب إحياء الموات ، ح ١ و ٢.

٤٠٥

ثمّ (١) إنّ كون هذه الأرض للمسلمين ممّا ادّعي عليه الإجماع (٢) ، ودلّ عليه النصّ ، كمرسلة حمّاد الطويلة (٣) وغيرها (٤).

______________________________________________________

(١) غرضه قدس‌سره إقامة الدليل على ما هو المعروف من ملكية الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين.

(٢) المدّعي للإجماع أو عدم الخلاف جماعة ، كشيخ الطائفة (١) والعلّامة (٢) والفاضل السبزواري (٣) ، وأصحاب الرياض ومفتاح الكرامة والمستند والجواهر (٤).

قال السيد العاملي قدس‌سره في الأرض التي فتحت عنوة : «وهذه للمسلمين قاطبة بإجماع علمائنا قاطبة ، وقد نقل الإجماع على ذلك في الخلاف والتذكرة والمنتهى».

وفي جهاد الجواهر : «بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا» (٥). وفي البيع :

«إجماعا محكيا عن الخلاف والتذكرة ، وهي إن لم يكن محصّلا» (٦) فراجع.

(٣) وفيها : «والأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب ، فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمّرها ويحييها» (٧) ، فإنّها تدلّ على الكبرى ، وهي أن الأرض المفتوحة عنوة ملك المسلمين ، وأنّها موقوفة وممنوعة عن التصرفات الاعتبارية كالبيع والهبة والصلح.

(٤) كرواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تشتر من أرض السواد شيئا ، فإنّما هو في‌ء للمسلمين» (٨). وظهورها في منع بيع جزئيّ ممّا هو مفتوح عنوة ـ أعني أرض العراق ـ ممّا لا ينكر.

__________________

(١) الخلاف ، ج ٢ ، ص ٦٧ ـ ٧٠ ، كتاب الزكاة ، المسألة ٨٠.

(٢) منتهى المطلب ، ج ٢ ، ص ٩٣٤ ، وفي التذكرة : «ذهب إليه علماؤنا أجمع» ج ٩ ، ص ١٨٤.

(٣) كفاية الأحكام ، ص ٧٥.

(٤) رياض المسائل ، ج ٨ ، ص ١١٤ (ج ١ ، ص ٤٩٥ الحجرية) ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٣٩ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١٦.

(٥) جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٥٧.

(٦) المصدر ، ج ٢٢ ، ص ٣٤٧.

(٧) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٨٥ ، الباب ٤١ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، ح ٢.

(٨) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٤ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع ، ح ٥ وكذا الحديث ٤ و ٩.

٤٠٦

وحيث جرى الكلام في ذكر بعض أقسام الأرضين (١) ، فلا بأس بالإشارة إجمالا إلى جميع أقسام الأرضين وأحكامها ، فنقول ومن الله الاستعانة :

الأرض إمّا موات ، وإمّا عامرة ، وكلّ منهما إمّا أن يكون كذلك أصليّة ، أو عرض لها ذلك ، فالأقسام أربعة لا خامس لها (٢).

الأوّل (٣) ما يكون مواتا بالأصالة ، بأن لم تكن مسبوقة بعمارة.

ولا إشكال ولا خلاف منّا في كونها للإمام عليه‌السلام. والإجماع عليه محكيّ (٤)

______________________________________________________

(١) أي : الموت والعمران ، فلكلّ منهما قسمان : الموات بالأصالة والعرض ، وكذا العامرة.

(٢) لكون الحصر عقليا ، حيث إنّه دائر بين النفي والإثبات ، لأنّ الأرض لا تخرج عقلا عن هذه الحالات الأربع ، وهي كونها مواتا بالأصل أو بالعرض ، أو عامرة كذلك ، فلا يتصوّر قسم خامس.

أقسام الأراضي وأحكامها

القسم الأوّل : الموات بالأصالة

(٣) يعني : أوّل هذه الأقسام الأربعة هو الموات بالأصالة ، بمعنى عدم كونها مسبوقة بعمارة معمّر في زمان من الأزمنة. ولا إشكال ولا خلاف في كون هذا القسم من الأراضي للإمام عليه‌السلام. ودعوى الإجماع على ذلك متكرّرة في كلامهم كما نقله المصنف.

(٤) الحاكي للإجماع صريحا وظاهرا هو السيد العاملي قدس‌سره ، قال في حكم الأرض الموات ـ وأنّها للإمام عليه‌السلام لا تملك بمجرد الإحياء ـ ما لفظه : «أمّا أنّ الميت للإمام فقد طفحت به عباراتهم في الباب وغيره ، وحكى عليه الإجماع في الخلاف والغنية وجامع المقاصد والمسالك ، وظاهر المبسوط والتذكرة والتنقيح والكفاية» (١). وكذا نقله صاحب الجواهر عن جملة منها وعن محكيّ بعضها ، فراجع (٢).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٤ ، ولاحظ الخلاف ، ج ٣ ، ص ٥٢٥ ، كتاب إحياء الموات ، المسألة ٣ ، الغنية ، ص ٢٩٣ ، جامع المقاصد ، ج ٧ ، ص ٩ ، مسالك الافهام ، ج ١٢ ، ص ٣٩١.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٣٨ ، ص ١١.

٤٠٧

عن الخلاف والغنية وجامع المقاصد والمسالك ، وظاهر (١) جماعة أخرى ، والنصوص بذلك مستفيضة (٢) (*) ،

______________________________________________________

(١) معطوف على «الخلاف» ويمكن عطفه على «محكي» وعلى كلّ فالتعبير بالظاهر لقولهم : «عندنا» كما في المبسوط والتذكرة ، ففي المبسوط : «الأرضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلّا أن يأذن له» (١) ونحوه في التذكرة (٢). وفي الكفاية : «لا أعرف فيه خلافا» (٣) وفي الرياض «بلا خلاف» (٤).

(٢) كما في مفتاح الكرامة والجواهر (٥) وغيرهما ، ومنها : رواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الأنفال ما لم يوجف بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم. وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو

__________________

(*) ظاهره استفاضة النصوص بذلك أي : بكون الموات بالأصالة للإمام عليه‌السلام. لكنها ممنوعة فضلا عن تواترها ، فإنّ لسان النصوص مختلف ، ولم ترد على عنوان واحد ، إذ بعضها وارد في «أنّ الأرض الخربة للإمام عليه‌السلام».

وبعضها تضمّن «أنّ الخربة التي باد أهلها للإمام عليه‌السلام» ومن المعلوم أنّهما لا يشملان الموات بالأصل الذي هو مورد البحث ، بل موردهما هو الموات بالعرض.

وبعضها تضمّن «أنّ الأرض التي لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام».

وبعضها تضمّن «أنّ الأرض الميتة الّتي لا ربّ لها للإمام عليه‌السلام».

نعم دعوى استفاضتها أو تواترها بالنسبة إلى الأنفال غير بعيدة.

وبالجملة : لم يظهر استفاضة النصوص فضلا عن تواترها بالنسبة إلى كون الموات بالأصالة ـ بما هي موات ـ للإمام عليه‌السلام.

وأمّا النبويّان المذكوران في المتن فهما مرويّان من غير طريقنا. لكن الحكم ـ وهو

__________________

(١) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٢٧٠ ، وفي ص ٢٧٨ أيضا بالنسبة إلى الأرض المفتوحة عنوة.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٠٠ (الطبعة الحجرية).

(٣) كفاية الأحكام ، ص ٢٣٨ ، السطر الأخير.

(٤) رياض المسائل ، ج ١٤ ، ص ١٠٧ ج ٢ ، ص ٣١٨ (الحجرية).

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٤ ، جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ١٦٩.

٤٠٨

بل قيل (١) إنّها متواترة.

وهي (٢) من الأنفال.

نعم (٣) أبيح (*) التصرّف فيها بالإحياء بلا عوض. وعليه (٤) يحمل ما في

______________________________________________________

للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» (١).

(١) القائل ـ ظاهرا ـ هو صاحب الجواهر ، وفيه بعد دعوى الإجماع المحصّل : «مضافا إلى النصوص التي يمكن دعوى تواترها» (٢).

(٢) أي : الأرض الموات بالأصالة تكون من الأنفال التي هي للإمام عليه‌السلام.

(٣) يعني : أنّ الأرض الموات بالأصل وإن كانت ملكا للإمام عليه‌السلام ، ومقتضى حكم العقل والنقل عدم جواز التصرف فيها. لكن أبيح التصرف فيها شرعا بالإحياء مجّانا ، كما هو ظاهر ما في النبويين المذكورين في المتن ، فإنّ ظاهر «ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» هو الإذن بالتصرف للمسلمين ، أو تملكهم لها بلا عوض ، فلا تجري هنا قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

(٤) أي : وعلى كون إباحة التصرف فيها بالإحياء بلا عوض يحمل ما في النبويين.

وغرضه قدس‌سره دفع توهم. وحاصل التوهم : التنافي بين ما دلّ على كون الأرض الميتة ملكا

__________________

كون الموات بالأصل للإمام عليه‌السلام ـ متفق عليه.

(*) بل يستفاد من جملة من الروايات مملكية التصرف الإحيائي لرقبة الأرض مجّانا للمخالف والكافر ، ففي مضمرة محمّد بن مسلم : «وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها ، وهي لهم» (٣).

وفي رواية أخرى عنه عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» (٤).

وفي رواية أخرى عنه عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها ، وهي لهم» (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٤ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٣٨ ، ص ١١.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٦ ، الباب ١ من كتاب إحياء الموات ، الحديث : ١.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من كتاب إحياء الموات ، الحديث : ٣.

(٥) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٧ ، الباب ١ من كتاب إحياء الموات ، الحديث : ٤.

٤٠٩

النبوي [النبويين] (١) «موتان الأرض لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» (١).

ونحوه الآخر : «عادي (٢) الأرض لله ولرسوله ، ثمّ هي لكم منّي» (٢).

وربما (٣) يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجها إلى الإمام عليه‌السلام كما في

______________________________________________________

للمعصوم عليه‌السلام ، وأنّهم عليهم‌السلام أباحوا التصرف فيها بالإحياء بلا عوض من اجرة ونحوها ، وبين النبويين الظاهرين في أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل هذه الأرض ملكا للمسلمين من بعده ، أو مباحة لهم ، بلا دخل للإعمار في ذلك أصلا.

وحاصل الدفع : أنّ اللام في النبوي «هي لكم منّي» وإن كان ظاهرا في كون الأرض ملكا للمسلمين مطلقا سواء أحيوها أم لا ، وسواء بذلوا العوض أم لا. إلّا أن المراد الترخيص في التصرف بلا عوض ، فتكون كالملك في جواز الانتفاع ، لا حصول الملك مطلقا ولو بدون الإحياء ، فإنّه مخالف للنص والإجماع. ولا منافاة حينئذ بين النبوي وبين ما دلّ على «أنّ الأرض الميتة ملك المعصوم عليه‌السلام ، وإنّما أباح إحياءها».

نعم هناك منافاة بين إطلاق جواز الإحياء وبين اعتبار بذل الخراج ، وسيأتي وجه الجمع.

(١) كذا في نسختنا ، والأولى الأفراد كما في سائر النسخ ، ليتمّ العطف عليه بقوله : «ونحوه الآخر».

(٢) قال العلّامة الطريحي : «والعادي : القديم ، والبئر العادية : القديمة ، كأنّها نسبة إلى عاد قوم هود ، وكل قديم ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم» (٣). ومعنى الحديث : كل أرض لم تعمّر فهي لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) غرضه أنّ ما ذكر ـ من الإباحة بلا عوض ـ معارض ببعض النصوص الظاهرة في وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه‌السلام كما في صحيحة الكابلي ، فإنّ ظاهر قوله عليه‌السلام :

__________________

(١) هذا النبوي مروي بطرق العامة ، كما قاله العلامة قدس‌سره : في التذكرة ، ج ٢ ، ص ٤٠٠ ، سنن البيهقي ، ج ٦ ، ص ١٤٣ ، كنز العمال ، ج ٢ ، ص ١٨٥.

(٢) مجمع البحرين ، ج ١ ، ص ٢٨٧.

(٣) عوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٤٨١ ، ح ٥ ، ورواه عنه في المستدرك ، ج ١٧ ، ص ١١٢ ، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات ، ح ٥.

٤١٠

صحيحة الكابلي ، قال : «وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام (إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، أنا (١) وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيى أرضا (٢) من المسلمين فليعمّرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها» (١) الخبر (٣).

ومصحّحة (٤) عمر بن يزيد

______________________________________________________

«وليؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي» هو وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه‌السلام ، وكون إباحة التصرف مع العوض.

ولا بدّ من علاج هذا التعارض ، وقد عالجه المصنف قدس‌سره بأحد وجهين آتيين.

(١) كذا في الوسائل ، وفي نسختنا زيادة «قال : أنا ..».

(٢) كذا في الوسائل ، وفي نسختنا «من الأرض».

(٣) بقية الحديث : «فإن تركها وأخربها ، فأخذها رجل من المسلمين من بعده ، فعمّرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها حتى يظهر القائم عليه‌السلام من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ، ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنعها ، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا ، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم».

(٤) معطوف على «صحيحة». وهذه رواية ثانية دلّت على أنّ الترخيص في الإحياء مشروط بأداء العوض إلى الامام عليه‌السلام. وقد عبّر عنها بالصحيحة كما في جملة من الكتب (٢) ولعلّه لأجل انصراف عمر بن يزيد إلى عمر بن محمد بن يزيد بيّاع السابري ، الثقة ، لكثرة رواياته وشهرته ، فلا يراد منه هنا عمر بن يزيد الصيقل الذي لم يرد فيه توثيق.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٩ ، الباب ٣ من أبواب إحياء الموات ، ح ٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٤٣ ، مستند الشيعة ، ج ١٠ ، ص ١٤٨ ، جواهر الكلام ، ج ١٦ ، ص ١٣٧ وج ٣٨ ، ص ٢٥ ، وكذا عبّر صاحب الحدائق عن الرواية الآتية بصحيحة عمر بن يزيد في حديث مسمع بن عبد الملك» ، فلاحظ الحدائق الناضرة ، ج ١٢ ، ص ٤٣٥.

٤١١

«أنّه (١) سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها ، فعمّرها ، وأجرى (٢) أنهارها ، وبنى فيها بيوتا ، وغرس فيها نخلا وشجرا. فقال (٣) أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيى أرضا من المؤمنين فهي (٤)

______________________________________________________

ولكن المصنف عبّر عنها بالمصحّحة لأجل أنّ الراوي عن عمر هو الحسن بن محبوب المعدود من الّذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم. ولمّا كان سند الرواية صحيحا إلى ابن محبوب فلذا عبّر عنها بالمصححة ، حيث إنّ رواية ابن محبوب عنه كافية في حجية روايته هنا كما قيل.

وكيف كان فالغرض من الاستشهاد بهذه الرواية دلالة قوله عليه‌السلام : «وعليه طسقها يؤتى به إلى الامام عليه‌السلام» على إناطة جواز التصرف والإحياء ببذل العوض ـ وهو خراجها ـ إلى الإمام عليه‌السلام.

فإن قلت : السؤال في هذه المصحّحة عن حكم إحياء الأرض الموات بالعرض ، لا بالأصل ، لقول السائل : «تركها أهلها فعمّرها» فهي كانت محياة ، ثم عرض عليها الموت. وجوابه عليه‌السلام : «هي له وعليه طسقها» ناظر إلى حكم هذه الأرض. ومن المعلوم أنّه أجنبي عمّا نحن فيه ، وهو الأرض الموات بالأصل. وعليه فلا وجه للاستشهاد بهذه المصححة على وجوب بذل العوض في قبال إحياء الأرض الموات بالأصل.

قلت : نعم ، وإن كان السؤال عن ذلك ، إلّا أن جوابه عليه‌السلام : «من أحيى أرضا» مطلق شامل للموات بالأصل أيضا. والمناط في استظهار الحكم الشرعي هو الجواب ، لا ما ورد في خصوص السؤال.

(١) صدر الرواية كما في الوسائل هكذا : «قال ـ أي عمر بن يزيد ـ سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل .. إلخ».

(٢) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في الوسائل : «وكرى أنهارها».

(٣) في الوسائل : «قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام».

(٤) جواب الموصول في «من أحيى» المتضمن للشرط.

٤١٢

له ، وعليه طسقها (١) يؤدّيه إلى الإمام عليه‌السلام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه» الخبر (١).

ويمكن (٢) حملها (*) على بيان الاستحقاق ووجوب إيصال الطّسق إذا طلبه (٣) الإمام عليه‌السلام ، لكنّ (٤) الأئمة عليهم‌السلام بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام حلّلوا شيعتهم ، وأسقطوا ذلك عنهم ، كما يدلّ عليه (٥) قوله عليه‌السلام : «وما كان لنا فهو لشيعتنا» (٢) ،

______________________________________________________

(١) الطّسق ـ بالفتح كفلس ـ ما يوضع من الوظيفة على الجربان من الخراج المقرّر على الأرض ، وهي فارسي معرّب (٣).

(٢) هذا أوّل وجهي علاج التعارض بين الطائفتين الدالة إحداهما على كون التصرف في الموات بالأصل بلا عوض ، والأخرى على كون التصرف فيها مع العوض.

وحاصل هذا الوجه : أنّ ما دلّ على وجوب أداء العوض مشروط بطلب الامام عليه‌السلام ، وبدون الطلب لا يجب أداؤه.

(٣) أي : طلب الإمام عليه‌السلام ذلك الطّسق.

(٤) يعني : أنّ وجوب إيصال الطّسق إلى الامام عليه‌السلام قد أسقطه الأئمة الطاهرون بعد مولانا أمير المؤمنين «على جميعهم أفضل صلوات المصلين» وهذا الإسقاط حكم ولائي. ويمكن أن يكون ذلك في زمان بعض الأئمة عليهم‌السلام دون بعض.

(٥) أي : يدل على أنّهم عليهم‌السلام حلّلوا شيعتهم من ذلك الطّسق وأسقطوه عنهم

__________________

(*) لكن يأبى هذا الحمل قوله عليه‌السلام في رواية الكابلي : «وليؤدّ خراجها إلى الامام» وقوله عليه‌السلام في مصححة عمر بن يزيد «وعليه طسقها يؤديه الى الامام» فإنّ ظاهرهما إطلاق وجوب أداء الخراج ، وعدم إناطته بمطالبة الإمام. نعم هو صالح للتقييد ، لكن لا دليل عليه ، ومجرد الصلاحية له ثبوتا لا يكفي في مقام الإثبات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٣ ، ولا وجه لكلمة «الخبر» إذ المنقول تمام الحديث.

(٢) المصدر ، ص ٣٨٤ ، ح ١٧.

(٣) مجمع البحرين ، ج ٥ ، ص ٢٠٦ ، لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٢٢٥.

٤١٣

وقوله عليه‌السلام : في رواية مسمع بن عبد الملك : «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض ، فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجبيهم (١) طسق ما (٢) كان في أيدي سواهم ، فإنّ كسبهم في الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا ويأخذ الأرض من أيديهم ، ويخرجهم عنها صغرة» (١).

نعم (٣) ذكر في التذكرة : «أنّه لو تصرّف في الموات أحد بغير إذن الإمام كان عليه طسقها» (٢).

ويحتمل (٤) حمل هذه الأخبار المذكورة

______________________________________________________

قول مولانا أبي عبد الله عليه‌السلام في خبرين ، روى أحدهما معلّى بن خنيس عنه : «وما كان لنا فهو لشيعتنا» والآخر أبو سيّار مسمع بن عبد الملك.

(١) هو من جباية الخراج ، يعني : يجمع الخراج ويأخذه منهم ، ويترك الأرض في أيديهم. هذا بناء على ما في المتن من قوله : «فيجبيهم» ولكن في الوسائل : «فيجيبهم».

(٢) كذا في نسختنا ، وهو موافق لما رواه في الوسائل عن التهذيب. ولكنه نقل عن الكافي زيادة ، وهي «فيجيبهم طسق ما كان في أيديهم ، وترك الأرض في أيديهم ، وأمّا ما كان ..».

(٣) هذا استدراك على قوله : «لكن الأئمة عليهم‌السلام .. حلّلوا شيعتهم».

وحاصل الاستدراك : أنّ العلّامة قدس‌سره خالف مضمون هاتين الروايتين ، وحكم بوجوب أداء الطّسق على من تصرّف في هذه الأرض بدون إذن الامام عليه‌السلام ، هذا.

(٤) معطوف على قوله قبل أسطر : «ويمكن حملها». وهذا ثاني وجهي علاج التعارض بين ما دلّ على كون التصرف في الموات بالأصل مجّانا ، وما دلّ على كونه بالعوض.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٢ ، و «الصغرة» جمع صاغر بمعنى الذليل. وفي بعض نسخ التهذيب بالفاء ، فيكون بكسر الصاد على وزن «حبر» ومعناه الخالي. لكن يبعده ما في المجمع من أنّ «الصفر» بمعنى الخالي لا يدخل عليه هاء التأنيث «بل يستعملونه على صيغته هذه في المذكر والمؤنث والتثنية والجمع» فراجع مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص .٣٦٧

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٠٢.

٤١٤

على حال الحضور (*) ، وإلّا (١) فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام (٢) [مال للإمام] في الأراضي في حال الغيبة ، بل (٣) الأخبار متّفقة على أنّها لمن أحياها (٤). وستأتي (٥) حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها

______________________________________________________

وحاصل هذا الوجه : حمل الأخبار الدالة ـ على كون التصرف في الأرض الموات مع العوض ـ على حال الحضور ، وحمل الأخبار الدالة على كون التصرف فيها مجانا على حال الغيبة.

(١) أي : ولو لم تحمل الأخبار على حال الحضور ، تعيّن رفع اليد عنها ، لمخالفتها للإجماع على عدم وجوب شي‌ء للإمام عليه‌السلام في عصر الغيبة في تلك الأراضي. ولعلّ الأولى أبدال «وإلّا فالظاهر» ب «إذ الظاهر ..».

(٢) كذا في نسختنا ، والأولى ما في نسخة اخرى من قوله : «مال للإمام».

(٣) يعني : بل الأخبار متفقة على خروج الأرض عن ملكه عليه‌السلام ودخولها في ملك المحيي في عصر الغيبة ، كقوله عليه‌السلام في مصححة عمر بن يزيد المتقدمة في (ص ٤١٢) : «من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له».

وعليه فلا يبقى موضوع لوجوب الطّسق.

(٤) هذا الضمير وضمير «أنها» راجعان إلى الأراضي.

(٥) أي : وستأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورة تلك الأراضي ملكا

__________________

(*) لا يخفى ما في هذا الحمل أيضا ، لمنافاته لما في ذيل رواية الكابلي من قوله عليه‌السلام : «حتى يظهر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف» ولما في ذيل رواية مسمع : «حتى يقوم قائمنا» ، لأنّهما يدلّان على أنّ زمان الاحياء مع الأجرة ينتهي إلى عصر الحضور فالإحياء في زمان الغيبة لا يكون مجانا.

ولعلّ الجمع بين الأخبار المزبورة يقتضي القول بجواز الإحياء لغير الكفار مع العوض. فإن كان شيعيا تشمله أخبار التحليل ، وإلّا فيجب عليه دفع الطسق في عصر الغيبة إلى نائبها ، إن لم يكن إجماع على عدم وجوب دفعه في زمان الغيبة ، وإلّا كان الإحياء في عصرها مجانا ، بل ادعي الإجماع على مالكية المحيي مطلقا وإن كان كافرا ، كما دلّت عليه جملة من النصوص أيضا ، فلا يبقى حينئذ مجال للعمل بروايات الطّسق.

٤١٥

ملكا بالإحياء (*).

______________________________________________________

بالإحياء. والظاهر أنّ غرضه من الإجماع ما نقله في القسم الثالث ـ وهو ما عرض له الحياة بعد الموت ـ بقوله : «بإجماع الأمة ..» فلاحظ (ص ٤٣٦).

__________________

(*) ينبغي الكلام في أوّل أقسام الأراضي في مواضع :

الأوّل : في معنى الموات بالأصل ، إذ فيه احتمالان ، فبناء على تفسيره «بعدم كون الأرض مسبوقة بعمارة» يمكن إحرازه بالاستصحاب القهقرى. وبناء على تفسيره بالأرض الّتي خلقت مواتا ، وكانت باقية على هذه الحالة ، ولم تعمّر إلى الآن ، فإحرازه بالاستصحاب مشكل ، لعدم العلم مع احتمال خلقتها معمورة كما لا يخفى.

نعم بناء على جريان الأصل في الأعدام الأزلية يجري استصحاب عدم عمرانها حين خلقتها. لكن في اعتباره بحث مذكور في محلّه.

لكن الظاهر عدم المجال لهذه الأبحاث ، لعدم موضوع لها ، إذ الموضوع في النصوص عنوان «الموات» بلا قيد الأصالة ، والأرض التي لا ربّ لها.

وكذا لا مجال لهذه الأبحاث بناء على أن يراد من الموات بالأصالة الموت في صدر الإسلام حال استيلاء المسلمين على أراضي الكفار ، وذلك لإمكان إحراز مواتها بالأصل إن كانت حالتها المعلومة قبل الإسلام عدم العمران.

الموضع الثاني : في كون الموات بالأصل ملكا للإمام عليه‌السلام ، وهو ممّا لا إشكال فيه ، فإنّه من الأنفال التي اتّفقت الكلمة على أنّها له عليه الصلاة والسلام ، وإن لم تكن النصوص بعنوان «الموات بالأصل» متواترة ولا مستفيضة ، ولكنها تدل عليها بعنوان آخر ، وهو كاف في المسألة. ولا يناط حكم الموات بالأصل بتواتر النصوص أو استفاضتها بعنوانه.

الموضع الثالث : في أنّه هل يعتبر في صيرورة الموات ملكا أو مباحا للمحيي إذن الامام أم لا؟ لا ريب في أنّ القاعدة العقلية والنقلية تقتضي عدم جواز التصرف إلّا بالإذن ، سواء أكان عليه‌السلام مالكا للموات بالإمامة ، أو ملكا شخصيّا له يرثه الوارث ، أم وليّا على الموات ، فإنّ اللازم الاستيذان منه في التصرف على كل تقدير ، فإنّ الوليّ وإن لم يكن مالكا ، لكن يلزم الاستيذان منه ، كما في التصرف في أموال القصّر من الأطفال والمجانين والغيّب.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وبدون الاستيذان يكون المتصرف آثما وغاصبا ، فإنّ التصرف في مورد سلطان الغير حرام ، لاقتضاء سلطنته ذلك ، فيجب الاستيذان منه في حال الحضور وبسط اليد ، وفي حال الغيبة من نائبه العامّ ، وهو الفقيه الجامع للشرائط بناء على ولايته العامّة. فالإحياء بدون إذنه عليه‌السلام أو نائبه لا أثر له لا ملكا ولا إباحة.

والحاصل : أنّ قاعدتي العقل والنقل تقتضيان اعتبار الإذن ولو من الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة ، هذا.

وهنا قولان آخران :

أحدهما : اعتبار الاستئذان في حال الحضور دون الغيبة.

ثانيهما : سقوط اعتبار الإذن مطلقا ، بل امتناعه في زمان الغيبة.

ولعلّ وجه الأوّل إمكان الاستيذان حال الحضور ، فيجب للقاعدة ، بخلاف زمان الغيبة ، فيجوز بلا إذن بعد البناء على عدم ولاية نائب الغيبة على الاذن.

ووجه الثاني : إمّا كفاية إذن مالك الملوك في جواز الإحياء ، وعدم الحاجة الى إذن المالك الشرعي كما في حقّ المارة. ونظيره في التملك بالاحياء التملك بالالتقاط ، فإنّ الملتقط بعد التعريف يتملكه بإذنه تعالى شأنه ، لا بإذن مالكه الشرعي.

وإمّا عدم الفرق بين الحضور والغيبة ، مع البناء على امتناع الاذن ، لعدم ولاية الفقيه على الإذن ، هذا.

ثم إنّ القائل باعتبار الإذن مطلقا يدّعي صدور الإذن منه عليه‌السلام بحيث لا يصدر الإحياء بدون الإذن أصلا حتى في زمان الغيبة ، أو عدم بسط اليد ، رعاية لقاعدتي العقل والنقل القاضيتين بعدم جواز الإحياء بدونه ، كسائر النواقل الشرعية المنوطة بالاذن.

ولإثبات الإذن طرق.

منها : نفس النص الدال على سببية الإحياء للملكية ، كقولهم عليه‌السلام : «من أحيى أرضا ميتة فهي له» بتقريب : أنّ الإذن في تشريع الإحياء ـ لصدوره عن المالك ـ يكون إذنا مالكيا أيضا ، فيكون دالّا على تشريع الإحياء والإذن فيه. نظير قوله : «من دخل داري أو مسجدي مثلا فله كذا» فإنّه كما يدلّ على سببية الدخول للجزاء ، كذلك يدل على الإذن المالكي في

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الدخول. وهذا هو الفارق بين دليل الإحياء وأدلة سائر الأسباب الناقلة.

ومنها : أنّ دلالة الاقتضاء تقتضي اقتران الإحياء بالإذن ، وإلّا يلزم لغوية تشريع الإحياء.

توضيحه : أنّ تشريع الإحياء المشروط بالإذن مع امتناع تحققه في زمان ممتدّ ـ وهو زمانا الغيبة الكبرى وعدم بسط اليد ، مع مطلوبية إحياء الأرض في جميع الأزمنة ، وتعميرها شرعا كذلك ، وعدم إبقائها خربة كما دلّت عليه الآيات والنصوص ـ لغو. ولا تندفع اللغوية إلّا بالالتزام باقتران كلّ إحياء بالإذن المالكيّ ، وهو المطلوب.

ومنها : أخبار التحليل ، خصوصا رواية مسمع بن عبد الملك ، حيث قال عليه‌السلام : «وكلّ ما كان من الأرض في أيدي شيعتنا فهم فيه محلّلون يحلّ [ومحلل] لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا» (١) الخبر. لأنّ ظهورها في حلية التصرف الكاشفة عن الاذن والرضا به ممّا لا ينكر ، فتكون الملكية أو الإباحة بالإحياء المأذون فيه. وأمّا مشروعيّة نفس الإحياء المملّك ، فتستفاد من أدلة أخرى.

ومنها : النبويّان المذكوران في المتن ، لكونهما كالصريح في التمليك عن الرضا المالكي ، غاية الأمر أنّه لا بدّ من تقييد الملكية بأدلة الإحياء ، إذ التمليك بدون الإحياء لا يندرج تحت أحد الأسباب المملكة الشرعية. لكن هذين النبويّين ضعيفان ، لعدم كونهما مرويّين من طرقنا.

ومنها : ما عن كاشف الغطاء قدس‌سره من دلالة شاهد الحال على رضاهم بالإحياء وطيب نفسهم بعمارة الأرض ، وعدم رضاهم ببقائها على الخراب.

توضيحه : أنّ دليل تشريع الإحياء يكشف عن وجود مصلحة في عمارة الأرض ، وحيث إنّها ملك الامام عليه‌السلام ، والقاعدة تقتضي اعتبار إذنه ، فلو لم يكن في الواقع إذن منه عليه‌السلام كان هذا التشريع لتلك المصلحة لغوا ، لعدم ترتب تلك المصلحة على تشريع الإحياء ، مع عدم إمكان الاستيذان منه عليه‌السلام في زماني الغيبة وعدم بسط اليد ، فتبقى الأرض مخروبة غير محياة. وهذا خلاف ما أرادوه من إحياء الأرض وتعميرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٨٢ ، الباب ٤ من أبواب الأنفال ، ح ١٢.

٤١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى إمكان الاستيذان من نائبه العام غير مسموعة ، لأنّ المسلّم من نيابة الفقيه هو كونه نائبا عنه عليه‌السلام فيما يرجع إلى أمور المسلمين التي تكون وظيفة الإمام عليه‌السلام بما هو رئيس أن يتصدّى لها. وأمّا ما يتعلق باموره الشخصية كأمواله مثل الموات من الأرض وسهم الامام عليه‌السلام فليس من الأمور النظامية الراجعة إلى المجتمع حتى يجري فيها النيابة.

وبالجملة : فمجموع ما ذكر من القرائن كاف في الدلالة على الإذن ، وإثبات أنّ إحياء الموات في الأراضي الميتة مأذون فيه.

ومع هذه الوجوه الظاهرة في اقتران الإحياء بالإذن المالكي لا يبقى مجال لدعوى سقوط اعتبار الإذن في الإحياء ـ مع كون السقوط على خلاف القاعدة ـ استنادا في ذلك تارة إلى امتناع اعتباره في زمان الغيبة ، مع عدم نيابة الفقيه في مثل هذه الأمور.

وجه عدم المجال : أنّه مع ظهور الوجوه المزبورة في صدور الاذن منهم عليهم‌السلام لا وجه لدعوى الامتناع وسقوط اعتبار الإذن.

وأخرى : إلى كفاية إذن مالك الملوك في جواز الإباحة أو التملّك ، نظير حقّ المارة والتملك بالالتقاط بعد التعريف في عدم اعتبار إذن المالك الشرعي ، وكفاية إذن المالك الحقيقي ، استنادا إلى ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيى أرضا ميتة ، فهي له ، قضاء من الله ورسوله» (١).

وذلك لأنّه قياس لا يصلح الاستناد إليه في سقوط اعتبار الإذن في المقام ، ومخالفة قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

وأمّا الرواية فبعد الغض عن ضعف سندها يصلح إطلاقها للتقييد ، لأنّ ظهور قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كفاية القضاء وعدم الحاجة إلى إذن الامام عليه‌السلام إنّما يكون بالإطلاق الذي يقيّد بما دلّ على اعتبار إذن الامام عليه‌السلام. نظير قوله : «من اشترى شيئا ملكه» في صحة تقييده بما إذا كان ذلك الشي‌ء معلوما أو بما إذا لم يكن خمرا وخنزيرا ، وهكذا.

فالمتحصل : من جميع ما ذكرناه في الموضع الثالث : افتقار الإحياء إلى إذن الامام عليه‌السلام

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٢٨ ، الباب ١ من أبواب إحياء الموات ، ح ١.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

في كلا زماني الحضور والغيبة ، وتحقق الإذن منه عليه‌السلام في كلا الزمانين كما تقدم.

ثم إنّه وقع الكلام في أنّ الإذن في الإحياء هل يختصّ بالشيعة ، أم يعمّ سائر المسلمين ، أم يعمّ غير المسلمين؟ وينبغي قبل التعرّض للروايات التي هي دليل اجتهادي على حكم المسألة بيان الأصل العملي على فرض عدم تمامية الدليل الاجتهادي ، فنقول وبه نستعين :

إنّ مرجع الشك في المقام إلى إطلاق الإذن لكلّ محي ، سواء أكان شيعيّا أم مخالفا أم كافرا ، وعدمه. فإن لم يكن لدليل الإذن إطلاق يشمل الجميع فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن ، وهو خصوص الشيعة الاثني عشرية كثّرهم الله تعالى في البريّة. وأمّا غير هم فيشك في شمول دليل الإذن لهم ، والمرجع حينئذ استصحاب عدم الإذن ، حيث إنّه من الحوادث المسبوقة بالعدم ، وبه يتم الموضوع المركّب من الاستيلاء الإحيائي المحرز بالوجدان ، وعدم الاذن المحرز بالتعبد وهو الاستصحاب ، كسائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعض أجزائها بالوجدان ، وبعضها بالأصل.

فالنتيجة : عدم جواز إحياء غير الشيعي ، وكونه غاصبا ومرتكبا للحرام.

إذا تقرّر هذا ، فاعلم : أنّ روايات الباب على طائفتين :

إحداهما : ما تدل على اختصاص الإذن بالشيعة.

وثانيتهما : ما تدلّ على عموم الاذن لغير الشيعة من الكافرين فضلا عن المخالفين.

أمّا الطائفة الأولى ، فهي بين ما يختلّ فيه كلتا أصالتي الصدور والظهور ، أمّا الأوّل فلعدم المقتضى ، وذلك لضعف السند. وأمّا الثاني فلوجود المانع ، وهو الإعراض المانع عن حجيته كما سيجي‌ء.

أما اختلال أصالة الصدور فكما في رواية عمر بن يزيد ، فإنّ عمر بن يزيد مشترك بين الثقة وهو عمر بن يزيد بياع السابري ، وبين من لم يرد فيه توثيق وهو عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل ، فإنّ في تلك الرواية «كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ، وترك الأرض في

٤٢٠