هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

فالأقوى فيهما (١) الاشتراك في المبيع [البيع] تحكيما (٢) لظاهر «النصف» إلّا (٣) أن يمنع

______________________________________________________

ولا يخفى أن ظاهر المصنف تسليم الإشكال بالنسبة إلى الصورة الأولى بناء على مقالة الشهيد قدس‌سره ، والظاهر أنّه تنزّل منه ، وإلّا فقد سبق في بيع المكره وغيره توجيه كلام الشهيد ، وأنّ الفضولي قاصد للمدلول جدّا ، فراجع (١).

(١) أي : في الوكيل والولي ، وهذا متفرع على قوله : «الأقوى هو الأوّل».

فالمتحصّل : أنّ الأقوى عند المصنف قدس‌سره كون المبيع النصف المشاع بين الحصتين ، وقد مرّ آنفا أنّ الأوفق بالقواعد كون المبيع في كلا الفرضين ـ وهما الأجنبية والوكالة والولاية ـ صحة البيع في خصوص حصة البائع ، ولزومه فعلا ، والله العالم.

(٢) تعليل لقوله : «فالأقوى فيهما» ، وحاصله : أن ورود ظاهر «النصف» وهو المشاع بين الحصتين على ظاهري البيع وأصالته ـ المقتضيين لكون المبيع خصوص حصة البائع ـ تقتضي اشتراك المبيع بين الحصتين ، وورود البيع على نصف حصة كل من الشريكين.

(٣) هذا عدول عمّا قوّاه ـ من اشتراك بائع نصف الدار وموكّله أو المولّى عليه في المبيع ـ بمنع ظهور «النصف» في الإشاعة بين الحصتين حتى يكون المبيع النصف المشاع منهما. بل الظاهر أنّ المراد بالنصف هو المشاع في المجموع القابل لانطبقاه على كلّ واحدة من الحصتين ، فإنّ ظاهر «نصف الدار» عرفا هو النصف المشاع في مجموع الدار ، لأنّ العين

__________________

البائع ، فلا موضوع للاستشهاد بكلام الشهيد.

ثم إنّ تقرير الاشكال بما في المتن لا يخلو من شي‌ء ، لما بين التعبير بالورود وعدم القصد الحقيقي في الفضولي من التنافي ظاهرا ، إذ انتفاء القصد يسقط ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين ، لعدم كونه مرادا جديّا حسب الفرض ، ومعه لا مجال لجعل ظهور حال المتكلم واردا على ظهور «النصف» في المشاع ، مع اقتضاء التقديم بالورود وشبهه حجية المورود لولا الدليل الوارد ، كما مثّلوا له بتقدم خبر الثقة مثلا على «حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان» لكون الخبر بدليل اعتباره بيانا رافعا لموضوع قاعدة القبح حقيقة بعناية التعبد ، ولولا هذا التقدم كان الحكم العقلي متبعا في الشبهات البدوية. فتأمل في العبارة حقّه.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٦٦ و ١٠١ و ١٦٦.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

بما هي ليس لها إلّا نصفان على وجه الإشاعة. لا النصف المشاع من الحصتين ، إذ المفروض عدم تعلق القصد إلّا بمفهوم النصف ، ولم يتعلّق بالنصف المشاع من الحصتين ، ولم يلاحظ أصلا ، بل لحاظه خلاف الفرض وهو تعلق قصده بمفهوم النصف.

وبعبارة أخرى : كلمة «النصف» وإن كانت ظاهرة في المشاع ، إلّا أنّه لا ظهور له في ما تقدم من النصف المشترك بين المالكين. وذلك لأنّ «النصف» كلّي له مصاديق ثلاثة ، إذ تارة يراد به المشاع في مجموع الدار ، وهو قابل الانطباق على حصة البائع خاصة ، وعلى حصة الشريك.

واخرى يراد به المركّب من الحصتين ، بمعنى كون المبيع نصف الدار وهو مؤلّف من ربعها من حصّته ، وربعها من حصة صاحبه. وهذا الاحتمال الأخير هو مبنى ما تقدم في المتن من ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين ، ولهذا صارت المسألة من موارد بيع ما يملك وما لا يملك.

وغرض المصنف قدس‌سره منع ظهور «النصف» في هذا الاحتمال بالخصوص ، والوجه في المنع : كون عنوان «النصف» كلّيا ، ولا وجه لصرفه إلى ملك الغير في مورد الوكالة عنه ، أو الولاية عليه منضما إلى ملك البائع ، أو منفردا ليقع البيع للشريك.

وعليه فيكون بيع الوكيل أو الولي نظير بيع العبد المسمّى ب «غانم» في قابلية المبيع للانطباق على كلّ من العبدين ، لكن بمقتضى الأصالة يحمل على مملوك نفسه ، لا مملوك الغير.

فإن قلت : إنّ لفظ «النصف» وإن كان كلّيا قابلا للانطباق على النصف المختص بالبائع ، والنصف المشاع بين الشريكين ، إلّا أنّه يترجح إرادة الاحتمال الثاني من جهة أنّ البائع لاحظ حقّ المالكين ، فقصد بيع النصف المشاع من الحصتين ، لا بيع تمام حصته ، ولا تمام حصة شريكه. ومن المعلوم أنّ هذه الملاحظة ترجّح ظهور «النصف» في المشاع بينهما ، وتمنع من ظهوره في الحصة المختصة به.

قلت : الترجيح بملاحظة حق المالكين خلاف الفرض ، لأنّ موضوع هذه المسألة هو ما لو باع النصف قاصدا لمفهوم لفظ «النصف» من دون إحراز قصده لحصته أو لحصة

٢٢

ظهور النصف إلّا في النصف المشاع في المجموع (١).

وأمّا (٢) ملاحظة حقّي المالكين إرادة الإشاعة في الكلّ (٣) من حيث إنّه مجموعهما ، فغير (٤) معلومة ، بل معلومة العدم بالفرض (٥).

______________________________________________________

صاحبه ، أو المركّب من الحصّتين. والمدّعى صدق «النصف» على حصته ، فيحكم بوقوع البيع لنفسه.

وأمّا الحكم بكون المبيع النصف المشاع بين الشريكين ، فيتوقف على مئونة زائدة ثبوتا وإثباتا.

أما ثبوتا فلتوقفه على ملاحظة «النصف» مضافا إلى حصتين ، أي قصد تمليك ربع الدار من حصته ، وربعها من حصة صاحبه ، والمفروض عدم هذا اللحاظ ، إذ المقصود مفهوم النصف ، لا شي‌ء آخر.

وأمّا إثباتا فلتوقفه على أن يكون إطلاق «النصف» مقتضيا لإضافته إليهما معا ، ليقع البيع لهما ، وهذا الاقتضاء ممنوع ، لأنّ مفاد الإطلاق عدم إضافة النصف إلى كل منهما بالخصوص ، وهذا لا يستلزم إضافته إليهما معا ، فعدم التقييد بما يدلّ على أحدهما لا يكون دالا على التقييد بهما.

(١) أي : في النصف المشاع في مجموع العين ، لا في النصف المشاع من الحصتين.

(٢) غرضه أنّ استناد القول بالاشتراك إلى ملاحظة حقّي المالكين ممنوع ، لتوقف هذه الملاحظة على مئونة زائدة على الإشاعة المحضة الثابتة للعين بما هي هي. وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «إن قلت .. قلت».

(٣) يعني : حتى يقع البيع في ربع الدار من البائع ، وربعها من الشريك.

(٤) جواب الشرط في «وأمّا ملاحظة».

(٥) إذ المفروض إرادة البائع مفهوم نصف الدار ، لا خصوص فرد من أفراد كلّي النصف المشاع ، فعدم لحاظ النصف المشاع بين الحصتين للبائع معلوم ، ومعه كيف يمكن الحكم بكون المبيع النصف المشاع في الحصتين؟

ولا يخفى أن المصنف قدس‌سره اقتصر على بيان فقد المقتضي الثبوتي ، ومعه لا حاجة إلى قصور مقام الإثبات. ولكن ذكرنا في «قلت» عدم المقتضي للإشاعة بين الحصتين ثبوتا وإثباتا.

٢٣

ومن المعلوم (١) أنّ النصف المشاع بالمعنى المذكور (٢) يصدق على نصفه المختصّ ، فقد (٣) ملّك كليّا يملك مصداقه. فهو كما (٤) لو باع كلّيّا سلفا ، مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا ، لكنّه (٥) لم يقصد إلّا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه

______________________________________________________

(١) هذا متمّم الرد على القول باشتراك الوكيل أو الولي في البيع.

(٢) وهو النصف المشاع في المجموع ، لا النصف المشاع في الحصتين. وصدق كلّي النصف المشاع على النصف المختص بالبائع وقابليته للانطباق عليه كاف في كون المبيع تمام حصته ، لصدق نصف الدار عليه. وقد مرّ سابقا أنّه الحقّ.

(٣) هذا تفريع على صدق الكلّي ـ وهو النصف المشاع ـ على النصف المختص به ، يعني : أنّ مجرد الصدق والقابليّة كاف في تمليك الكلي المنطبق على حصة البائع ، فإنّ مالك الكلي مالك لمصداقه ، وتعيينه فيه.

(٤) غرضه الاستشهاد للمقام ، بما يقال في السّلف ، ومحصله : أنّه لو أراد بيع عشرين منّا من الحنطة سلما بمائة دينار لنفسه ، ووكّله شخص في بيع هذا المقدار بنفس العوض ، ثم أنشأ البيع من دون إضافة المبيع إلى ذمة نفسه أو عهدة موكّله. كما أنّه لم يقصد أحد الأمرين ، بل اقتصر على قوله للمشتري : «أسلمت إليك عشرين منّا من الحنطة بكذا» فالمبيع الكلّي قابل للانطباق على ما في عهدة نفسه وما في عهدة موكّله. فيحكم بوقوع البيع لنفسه ، لكونه مالكا لما في ذمته ، وأنّ وقوعه للموكّل متوقف على مئونة زائدة وهي إضافة العقد في الإنشاء إليه أو قصده.

وقد نبّه صاحب المقابس على هذا في مسألة اعتبار القصد من لزوم تعيين من يقع له البيع أو الشراء ، وأنّه ينعقد لنفسه أو لغيره من موكّل أو مولّى عليه ، فراجع (١).

وكيف كان فهذا الفرع شاهد على كفاية انطباق كلّيّ «النصف» على خصوص حصة البائع في العين الخارجية المشتركة.

(٥) أي : بائع الكلي سلفا لم يقصد إلّا مدلول بيع الكلي ـ كعشرين منّا من الحنطة ـ من دون إضافته إلى نفسه أو موكّله ، فإنّ الظاهر الناشئ من الانصراف وغيره وقوعه لنفسه ، فإنّ البيع عن الغير في غير العين الشخصية الخارجية منوط بقصد الغير.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ١٠٤ ـ ١٠٧.

٢٤

عنه أو عن غيره ، فإنّ (١) الظاهر وقوعه لنفسه ، لأنّه (*) عقد (٢) على ما يملكه (**)

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «فهو كما لو باع» أي : فإنّ وقوع البيع لنفس البائع.

(٢) أي : لأنّ البائع عقد على ما قبل الانطباق على ما يملكه ، فقوله قدس‌سره : «لأنّه عقد على ما يملكه» لا يخلو من مسامحة ، فإنّه لو عقد على ما يملكه بأن قال للمشتري : «بعتك عشرين منّا من الحنطة في ذمتي» لم يكن إشكال ، وكان خارجا عن مورد البحث ، للقطع بكون البيع لنفسه ، ولا وجه لإثبات كون البيع له بالتشبث بما يوجب الظهور الذي لا يفيد إلّا الظن.

__________________

(*) ظاهر هذا التعليل قطعية وقوع العقد على ما يملكه ، وهو لا يناسب قوله : «فان الظاهر وقوعه» بل المناسب أن يقال : «فان المقطوع به وقوعه لنفسه».

(**) ويمكن توجيه الحمل على النصف المختص بالبائع بما ذكروه (١) من وجوه :

أوّلها : أنّ الأصل والغالب إرادة المملوك عند دوران الأمر بين إرادته وإرادة غيره.

ثانيها : تبادر ذلك إلى الفهم.

ثالثها : كون التمليك ظاهرا في وقوعه في ماله.

رابعها : أنّ مقام التصرف يجعله ظاهرا في ماله. وهذه قرينة مقامية.

خامسها : أنّ خصوص التصرف البيعي يوجب هذا الظهور.

سادسها : أنّ الأصل في العقود اللزوم على ما يقتضيه قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وعقد نصف الدار من العقود ، فيحكم بلزومه ، فتأمّل.

سابعها : ظهور مطلق الإنشاء في كون متعلّقه مملوكا.

وقد استندوا لصحة القول بالحمل على النصف المملوك للبائع إلى هذه الوجوه السبعة ، وإن كان إنكار أصل الظهور في بعضها وإنكار اعتبار بعضها لمحكوميته بغيره في محله. لكن مجموعها ربما يوجب الظن المتآخم بالعلم بإرادة النصف المختص بالبائع.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣١٧.

٢٥

فصرفه (١) إلى الغير من دون صارف لا وجه له.

ولعلّه (٢) لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين (٣) والشهيدين

______________________________________________________

(١) أي : فصرف البيع إلى غيره من دون صارف لا وجه له.

(٢) الضمير للشأن ، والمراد بالموصول في قوله : «لما ذكرنا» هو حمل نصف الدار على النصف المختص بالبائع ، لا النصف المشاع في الحصتين ، لما قلنا من عدم منافاة حمل النصف على المختص بالبائع لظهور النصف في الإشاعة ، فتمليكه تمليك للكلّي الذي كان البائع مالكا لمصداقه ، فالواجب دفعه إلى المشتري.

والغرض من قوله : «ولعلّه لما ذكرنا» بيان نظير لحمل نصف الدار على النصف المشاع المختص ، دون المشاع بين الحصتين. وذلك النظير هو ما ذكره جماعة من «أنّه لو أصدق المرأة عينا ، فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق ، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقي» فإنّهم حملوا النصف الموهوب على النصف المختص بها الذي استقرّ للزوجة بمجرّد العقد ، كحمل النصف المبيع من الدار على النصف المختص بالبائع. والنصف الآخر الذي هو النصف المشاع للعين بما هي ملك متزلزل لها ، واستقرار ملكيته لها منوط بالدخول. وهذا النصف المشاع استحقّه الزوج بسبب الطلاق.

والظاهر أنّ التنظير إنّما يكون في مجرد كون الإشاعة مضافة إلى نفس العين المملوكة للزوجة ، غاية الأمر ملكية نصفها بنحو الاستقرار ، ونصفها الآخر بنحو التزلزل ، وهذا المتزلزل المشاع بوصف الإشاعة انتقل بالطلاق قبل المواقعة إلى الزوج ، والنصف الموهوب انطبق على النصف المختص بها المستقرّ بالعقد.

(٣) قال المحقّق قدس‌سره : «العاشرة : لو وهبته نصف مهرها مشاعا ، ثم طلّقها قبل الدخول ، فله الباقي ، ولم يرجع عليها بشي‌ء ، سواء كان المهر دينا أو عينا ، صرفا للهبة إلى حقّها منه» (١).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٣٣٠ ، ويستفاد من كلام العلامة في إرشاد الأذهان ، ج ٢ ، ص ١٧ ، وجعله في القواعد أحد الاحتمالين. كما في ج ٣ ، ص ٨٦ ، اللمعة الدمشقية ، ص ١٩٧ ، الروضة البهية ، ج ٥ ، ص ٣٦٧ ، مسالك الأفهام ، ج ٨ ، ص ٢٥٥.

٢٦

وغيرهم (١) : أنه لو أصدق المرأة عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق ، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقي (٢) ، لا نصف الباقي وقيمة (٣) نصف الموهوب ، وإن ذكروا ذلك (٤) احتمالا. وليس (٥) إلّا من جهة صدق «النصف» على الباقي ، فيدخل في قوله تعالى «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ».

______________________________________________________

(١) كفخر المحققين والفاضل السبزواري ، وصاحب الرياض والجواهر (١).

(٢) الذي هو نصف العين ، لا نصف الحصتين ، إذ لو كان هو نصف النصيبين لزم أن يكون المردود إلى الزوج بالطلاق نصف الباقي ، وقيمة نصف النصف الموهوب ، حيث إنّه تلف بالهبة ، فينتقل إلى القيمة.

(٣) معطوف على «نصف» ويمكن كون «الواو» للمعية ، أي : مع قيمة النصف.

(٤) أي : استحقاق الزوج لنصف الباقي وقيمة ربع العين الذي هو نصف الموهوب. لكن فتواهم على الأوّل. فذكرهم لاستحقاق الزوج لنصف الباقي وقيمة ربع العين يكون بطور الاحتمال.

(٥) يعني : وليس إفتاؤهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي من العين إلّا لأجل صدق «النصف» على الباقي ، كصدقه على نصف الدار كما تقدم ، فيشمله «النصف» المذكور في الآية الشريفة (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (٢).

فكما يكون قوله : «أعطوا زيدا نصف أموالي» ظاهرا في المشاع ، فكذا في الآية ، وحيث إنّها وهبت نصفا مشاعا من العين ، وكان الباقي نصفا مشاعا أيضا ، صدق عليه «أنّه نصف ما فرضتم» (٣).

__________________

(١) لاحظ : إيضاح الفوائد ، ج ٣ ، ص ٢٣٣ ، كفاية الأحكام ، ص ١٨٢ ، رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ١٤٦ ، جواهر الكلام ، ج ٣١ ، ص ١٠٤ و ١٠٥.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٣٣٧.

(٣) الذاكر لهذا الاحتمال جماعة ، منهم العلامة في القواعد ، ج ٣ ، ص ٨٦ ، والسيد العميد في كنز الفوائد ، ج ٢ ، ص ٥٠٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ، ج ٨ ، ص ٢٥٥ ، وفي الروضة البهية ، ج ٥ ، ص ٣٦٨.

٢٧

وإن (١) كان يمكن توجيه هذا الحكم (٢) منهم بأنّه (٣) لمّا كان الربع الباقي للمرأة من الموجود (٤) مثلا للربع التالف من الزوج ومساويا له من جميع الجهات ، بل لا تغاير بينهما إلّا بالاعتبار (٥) ، فلا (٦) وجه لاعتبار القيمة (٧) ،

______________________________________________________

(١) غرضه من هذه العبارة إخراج هذا الفرع عن كونه نظيرا لما نحن فيه من بيع نصف الدار. توضيحه : أنّه يمكن توجيه إفتائهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي لا لأجل إرادة الإشاعة في العين حتى يستحق النصف الباقي ، بل للإشاعة في حصّتي المرأة والزوج ، بأن يقال في وجه كون النصف الباقي للزوج المطلق : إن ملكيته لنصف هذا النصف تستند إلى أنّ للزوج ربع العين الموجود عند المرأة ، وله أيضا ربع آخر ، وهو نصف النصف الموهوب الذي هو عند الموهوب له. والربع الموجود للمرأة مثل الربع الذي أتلفته بسبب هبتها نصف العين ، ومساو له من جميع الجهات. وهذا الربع يدفع إلى الزوج ، ولا تصل النوبة إلى دفع قيمة الربع الموهوب إليه.

وبالجملة : فالنصف المعطى إلى الزوج المطلق يكون نصفه ـ وهو ربع العين ـ حقّه ، ونصفه الآخر بدلا عن حقّه ، وهو الربع التالف بالهبة.

(٢) وهو حكم الفقهاء باستحقاق الزوج للنصف الباقي.

(٣) متعلق ب «توجيه» وبيان للتوجيه الذي اتّضح بقولنا : «توضيحه أنّه يمكن .. إلخ».

(٤) أي : من النصف الباقي عندها بعد هبة النصف ، فإنّ هذا الرّبع مثل الربع التالف.

(٥) وهو اعتبار كون هذا الربع للمرأة ، وذلك الربع للرجل المطلق.

(٦) جواب الشرط في قوله : «لمّا كان».

(٧) يعني : مع المماثلة في جميع الجهات إلّا في الأمر الاعتباري ـ وهو المالكية ـ لا وجه لاعتبار قيمة الربع التالف بسبب الهبة وإن كان ذلك من القيميات ، لأنّ مثل التالف من جميع الجهات أقرب إليه من القيمة التي هي أقرب إليه في جهة واحدة وهي المالية فقط.

نظير دفع المديون نفس العين المقترضة إلى الدائن ، فإنّ دفعها إليه يوجب براءة ذمة المديون ، ولا تتوقف براءتها على بذل قيمتها وإن كانت قيمية.

وهذه المسألة تعرّض لها المصنف في ضمان المثلي بالمثل ، فقال في جملة كلامه :

٢٨

نظير (١) ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيميّة.

لكن (٢) الظاهر أنّهم لم يريدوا

______________________________________________________

«نعم ذهب جماعة منهم الشهيدان إلى جواز ردّ العين المقترضة إذا كانت قيميّة» فراجع (١).

(١) هذا نظير للمقام في مجرد براءة الذمة بدفع العين المقترضة إلى المقرض ، لا في إلزام المديون بدفع العين ، لصيرورة العين ملكا للمقترض ، ولا يستحق المقرض إلّا بدلها من المثل أو القيمة.

وهذا بخلاف المقام ، فإنّهم يلزمون الزوجة بدفع ما بقي من عين الصداق إن كان الصداق عينا خارجية.

(٢) هذا إضراب على قوله : «ولعلّه لما ذكرنا» توضيحه : أنّ الظاهر عدم كون حكم الفقهاء «باستحقاق الزوج للنصف الباقي من الصداق» مبنيّا على أنّ المراد بالنصف هو المشاع في العين ـ لا المشاع بين الحصتين ـ بل أرادوا أنّ استحقاقه للنصف الباقي ينشأ من كون الربع الباقي للمرأة مماثلا للربع من الزوج ، الذي أتلفته الزوجة بالهبة. وذلك بقرينة تعليلهم استحقاق الزوج للنصف الباقي ب «بقاء مقدار حصته» فإنّ هذا التعليل يناسب الكلي في المعيّن ، إذ لو أرادوا المشاع في العين ـ دون الإشاعة في الحصتين ، ودون الكلّي في المعيّن ـ لكان الصواب أن يعلّلوا ذلك ببقاء حقّه ، لا «مقدار حقه» لأنّه بناء على الإشاعة في العين بما هي يكون النصف الموجود عين حقه ، لأنّه مصداقه ، لا مقدار حقه. كما أنّ النصف الموهوب عين حق الزوجة.

وبعبارة اخرى : كان الغرض من نقل فتوى الفقهاء باستحقاق الزوج للنصف الباقي من الصداق هو الاستشهاد للمقام من ظهور «النصف» في المشاع في تمام العين ، لا المشاع بين الحصّتين. والوجه في الاستشهاد : ظهور كلمة «النصف» في الآية المباركة «فنصف ما فرضتم» في النصف المشاع من الصداق ، وحيث إنّها وهبت نصفا مشاعا وهي ملكها المستقرّ لها بالعقد ، كان النصف الباقي بتمامه ملكا للزوج بالطلاق.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٣٤٩.

٢٩

هذا الوجه (١) ، وإنّما علّلوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقّه ، فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام (٢) (*).

______________________________________________________

ولكن يشكل هذا الاستشهاد بأنّ حكم الفقهاء باستحقاق النصف الباقي يمكن أن يستند إلى ما ذكر من ظهور «النصف» في المشاع في تمام العين ، فيصدق على الباقي بعد الهبة «أنّه نصف ما فرضتم» ويتم الاستشهاد المزبور.

ويمكن أن يستند إلى أمر آخر ، وهو كون حقّ الزوج نصفا مشاعا بين الحصتين ، أو كلّيّا في المعيّن كصاع من صبرة.

ويترجّح هذا الاحتمال الثاني على الاحتمال الأوّل ، لمناسبة تعليلهم استحقاق الزوج للنصف الباقي «بأنّه مقدار حقه» وبيانه : أنّ «النصف الباقي» لو كان متعيّنا بنفسه للزوج ـ من جهة أنّ الزوجة وهبت حقّها وهو النصف المشاع من تمام الصداق ـ لكان الباقي نفس حقّ الزوج ، لا مقدار حقه. فالتعليل ببقاء المقدار يلائم أحد احتمالين آخرين :

الأوّل : أنّ الزوجة وهبت نصف حصّتها من الصداق ـ أي ربعه ـ وربعا من حصّة الزوج ، فبقي نصف الصداق مشاعا بينهما إلى حين الطلاق ، فيكون الباقي مقدار حقّ الزوج ، لكونه مشاعا بين الزوجين.

الثاني : أنّ الزوج يستحق النصف بنحو الكلّي في المعيّن ، أي : نصف هذا الصداق المعيّن خارجا ، فيكون الباقي بعد الهبة مقدار حقّ الزوج ، فيتعيّن فيه قهرا.

وبناء على هذين الاحتمالين لا يبقى مجال للاستشهاد للمقام بما ذكروه في هبة الزوجة نصف المهر قبل الطلاق.

(١) وهو استحقاق الزوج للنصف الباقي على الإشاعة في العين ، وكون النصف الباقي هو حقّه ، لانطباق النصف المشاع عليه.

(٢) أي : مقام بيع نصف الدار ، غرضه أنّ حمل الفقهاء بيع نصف الدار على النصف المختص بالبائع ـ بناء على الإشاعة في العين ، لا الإشاعة في الحصتين ـ ينافي حملهم نصف

__________________

(*) لا يخفى أن الوجوه المحتملة ثبوتا في النصف الذي يستحقه الزوج بالطلاق قبل الدخول ثلاثة :

أحدها : النصف الباقي بناء على الإشاعة في العين لا في الحصتين ، فإنّ النصف المشاع

٣٠

ونظيره (١) في ظهور المنافاة

______________________________________________________

الصداق للزوج على الإشاعة بين الحصتين أو على الكليّ في المعيّن.

(١) يعني : ونظير حكمهم في هبة نصف الصداق ـ في ظهور المنافاة لكلامهم في

__________________

في العين ينطبق على النصف الباقي. فهذا النصف نفس حقه كما أفتى به الفقهاء ، لا نصف حقه ، ونصفه الآخر ـ وهو ربع العين ـ بدل حقه الفائت بالهبة كما هو مقتضى الإشاعة بين الحصتين.

ثانيها : النصف من الباقي والتالف ، وهو الذي حكاه المصنف قدس‌سره احتمالا عن جماعة.

ثالثها : النصف بنحو الكلي في المعيّن ، وهو يتعين بالمقدار الباقي ، لا أنّه مقدار حقه ، بل هو نفس حقه ، بناء على الكلّي في المعيّن ، وعلى الإشاعة في العين ، لا الإشاعة بين الحصتين. وقد تقدم آنفا أنّ الظاهر في مقام الإثبات هو الإشاعة في العين كما هو ظاهر فتوى جماعة كالفاضلين والشهيدين وغيرهم قدس‌سرهم مع الغض عن تعليلهم لها ببقاء مقدار حقه ، إذ مع النظر إليه يحتمل كل من الإشاعة بين الحصتين والكلي في المعين.

إذ على الأوّل لمّا كان الربع التالف بالهبة مثل الربع الباقي في جميع الجهات ذهبوا إلى تعيّن النصف الباقي ، معلّلين ذلك ببقاء مقدار حقه ، لا ببقاء نفس حقه.

وعلى الثاني يتعيّن حقّه بالمقدار الباقي قهرا ، كما في سائر موارد الكلّي في المعيّن مع تلف ما عدا المقدار الذي أنشأ عليه العقد كصاع من الصبرة إذا تلفت الصيعان إلّا واحدا. وهو المناسب للتعليل ببقاء مقدار حقه.

والفرق بينه وبين المشاع بين الحصتين هو : أنّ النصف الباقي متعيّن في حقيّته للزوج بناء على الكلّي في المعيّن. بخلاف الإشاعة بين الحصّتين ، فإنّه لا يتعيّن حق الزوج في النصف الباقي بناء على هذا المبنى ، إذ يجوز للزوجة دفع قيمة الربع التالف بالهبة ، ولا يتعيّن عليها دفع نفس الربع الباقي ، وإن كان أقرب إلى التالف من جميع الجهات.

وبالجملة : يدور حكمهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي ـ مع تعليله ببقاء مقدار حقه ـ بين ابتنائه على الإشاعة بين الحصتين والكلّي في المعين. وعلى التقديرين يتحقق التنافي بين حكمهم في بيع نصف الدار بكون المبيع حصة البائع ، وبين حكمهم بكون حصة الزوج النصف الباقي ، لكونه بمقدار حقه.

٣١

لما هنا (١) ما (٢) ذكروه في باب الصلح (٣) من «أنّه إذا أقرّ من بيده المال لأحد المدّعيين

______________________________________________________

مسألة بيع نصف الدار ـ حكمهم في باب الصلح بأنّ المراد بصلح النصف هو النصف المشاع ، وأنّ المراد بالنصف في بيع نصف الدار هو النصف المختص بالبائع كما تقدم تفصيله ، فحكمهم في باب الصلح ينافي أيضا حكمهم في باب البيع.

(١) أي : في باب بيع نصف الدار. والمراد بالموصول حكمهم ببيع النصف المختص في بيع نصف الدار.

(٢) هذا خبر «نظيره» وبيان له ، توضيحه : أنّه إذا كان مال كدار بيد زيد مثلا ، وادّعاها شخصان كعمرو وبكر ، وقد أقرّ زيد لأحد المدّعيين بسبب موجب للشركة ، ككون الدار ملكا لأبيهما المتوفى ، وانتقالها إلى المدعيين إرثا بالمناصفة ، مع فرض انحصار الورثة بهما. فإذا صالح المقرّ له حينئذ مع المقرّ على ذلك النصف المقرّ به كان ذلك النصف مشاعا بين نصيبهما ، وكان الصلح بالنسبة إلى الربع الذي هو نصيب المقرّ له لازما ، وبالنسبة إلى ربع شريكه موقوفا على إجازته.

وهذا الحكم ـ أي الإشاعة بين الحصتين ـ مناف لما أفتوا به في بيع نصف الدار من كون المبيع خصوص حصة البائع.

(٣) هذا الفرع مذكور في صلح الشرائع بقوله : «ولو ادّعى اثنان دارا في يد ثالث ، بسبب موجب للشركة كالميراث ، فصدّق المدّعى عليه أحدهما ، وصالحه على ذلك النصف بعوض. فإن كان بإذن صاحبه صحّ الصلح في النصف أجمع ، وكان العوض بينهما. وإن كان بغير إذنه صحّ في حقّه ، وهو الرّبع ، وبطل في حصة أو حصته الشريك ، وهو الرّبع الآخر» (١). وقريب منه عبارة القواعد.

وظاهر المتن من قوله : «ما ذكروه» كون الحكم مشهورا أو متفقا عليه ، وهو كذلك كما يظهر من السيد العاملي وصاحب الجواهر قدس‌سرهما ، قال في مفتاح الكرامة : «وفي الأخير ـ أي كفاية الأحكام ـ أنه المشهور. وكأنّه أشار بذلك الى ما ستسمعه من

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٢٢ ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٧٦.

٣٢

للمال بسبب (١) موجب للشركة كالإرث ، فصالحه (٢) المقرّ له على ذلك النصف ، كان (٣) النصف (٤) مشاعا في نصيبهما. فإن أجاز شريكه (٥) نفذ في المجموع (٦) ، وإلّا (٧) نفذ في الربع» فإنّ (٨) مقتضى ما ذكروه هنا (٩)

______________________________________________________

المسالك ، وإلّا فلا خلاف في ذلك» (١).

(١) متعلق ب «المدّعيين» ويحكم بهذا الإقرار بملكية النصف ظاهرا للمقرّ له ، وبملكية النصف الآخر ظاهرا أيضا لذي اليد. وأمّا ملكيته واقعا فهي مردّدة بينه وبين المدّعي الآخر.

(٢) أي : فصالح المقرّ له من كان بيده المال ـ كالدار ـ على ذلك النصف المقرّ به.

(٣) جواب الشرط في قوله : «إذا أقرّ».

(٤) أي : كان النصف المقرّ به مشاعا في نصيب المدعيين للمال إرثا من أبيهما.

(٥) أي : شريك المقرّ له الذي ثبتت ملكيته لنصف الدار مع المقرّ له ، لاعترافه بالإرث الموجب للشركة.

(٦) أي : في مجموع النصف الذي وقع عليه الصلح.

(٧) أي : وإن لم يجز شريكه الصلح الواقع على نصف حصته ـ وهو الربع ـ نفذ الصلح في خصوص الربع الذي هو نصف نصيب المصالح دون غيره.

(٨) هذا بيان وجه المنافاة التي أشار إليها بقوله : «ونظيره في ظهور المنافاة» توضيحه : أنّ حمل «النصف» في الإقرار على الإشاعة بين النصيبين ـ السارية إلى صلح النصف أيضا ـ ينافي ما ذكروه في بيع نصف الدار من كون المبيع خصوص النصف المختص بالبائع ، فإنّ «للنصف» في البيع والصلح والإقرار معنى واحدا ، ولا وجه للتفكيك بينها بإرادة النصيب المختصّ بالبائع في مسألة بيع نصف الدار ، وإرادة المشاع بين الحصتين في مسألتي الإقرار والصلح.

(٩) أي : في بيع نصف الدار. والمراد بالموصول في «ما ذكروه» كون النصف مشاعا في نصيبهما.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٤٩٢ ، ولاحظ جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ٢٣٨.

٣٣

اختصاص (١) المصالح بنصف المقرّ له ، لأنّه (٢) إن أوقع الصلح على نصفه الذي أقرّ له به ، فهو كما لو صالح نصفه قبل الإقرار مع غير المقرّ أو معه. وإن أوقعه (٣) على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلى حصّته ، فلا وجه لاشتراكه (٤) بينه وبين شريكه ، ولذا (٥) اختار سيّد (٦) مشايخنا قدّس الله أسرارهم اختصاصه (٧) بالمقرّ له.

______________________________________________________

(١) خبر «فإن مقتضى».

(٢) أي : لأنّ المصالح ، وهذا تعليل لقوله : «فإنّ مقتضى» وملخّصه : أنه يحمل «النصف» على النصف المختصّ به إذا أوقع الصلح على نصفه المقرّ به ، كما لو صالح قبل الإقرار مع غير المقرّ ، أو معه. وإذا أوقعه على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلى حصته المختصة به ، بقرينة التصرف الصلحي الذي هو كالتصرف البيعي.

(٣) أي : وإن أوقع المصالح الصلح على مطلق النصف انصرف الصلح إلى حصة المصالح ، كما لو أوقع الصلح على خصوص النصف المقرّ به.

(٤) أي : فلا وجه لاشتراك النصف الذي وقع عليه الصلح ، فإنّ هذه الشركة مبنية على الإشاعة بين النصيبين ، لا الإشاعة في العين كما هي مبنى بيع نصف الدار.

(٥) أي : ولأجل الانصراف وعدم وجه لاشتراك النصف بين حصّتي الشريكين المدّعيين ـ اختار .. إلخ.

(٦) الظاهر أنّه السيد المجاهد قدس‌سره ، حيث قال ـ في المناقشة في ما أورده المحقق الأردبيلي على الشهيد الثاني قدس‌سرهم ـ ما لفظه : «بل الأقرب أن يفصّل ، فيقال .. وإن وقع الصلح على النصف المشاع الذي هو كلّي ، وليس بمتشخص في الخارج بوجه من الوجوه ، ويستحقه المقرّ له باعتقاد المقرّ ـ وهو المدعى عليه ـ واعتقاد صاحبه المشارك له في السبب ، فيختص المقرّ له بما وقع الصلح عليه ، ولا يشاركه أحد في شي‌ء. وذلك لأنّه مقتضى الأصول والقواعد الشرعية كما لا يخفى ، وليس لها هنا معارض من شي‌ء من الأدلة الأربعة .. إلخ» (١) فراجع.

(٧) أي : اختار اختصاص النصف المصالح عليه بالمقرّ له وهو المصالح ، كاختصاص النصف بالبائع في بيع نصف الدار.

__________________

(١) المناهل ، ص ٣٥٨.

٣٤

وفصّل في المسالك (١) بين ما لو وقع الصلح على نصفه أو مطلق النصف ، وبين ما إذا وقع على النصف الذي أقرّ به ذو اليد. فاختار مذهب المشهور في

______________________________________________________

(١) محصل تفصيل الشهيد قدس‌سره في المسالك هو : أنّ الصلح تارة يقع على نصفه ، كأن يقول المقرّ له : «صالحت على نصفي الذي هو ملكي من الدار» وأخرى يقع على النصف بنحو الإطلاق ، كأن يقول : «صالحت على نصف الدار» وثالثة يقع على النصف الذي أقرّ به ذو اليد ، كأن يقول : «صالحت على النصف الذي أقرّ لي ذو اليد به».

فإن وقع الصلح على الوجه الثالث ـ وهو النصف الذي أقرّ به ذو اليد ـ فاختار فيه الشهيد مذهب المشهور ، وهو حمل النصف المصالح عليه على النصف المشاع بين النصيبين ، فيكون النصف المصالح عليه مشتركا بين المقرّ له وشريكه.

وإن وقع الصلح على أحد الوجهين الأوّلين اختصّ بنصفه ، لا المشاع بين النصيبين ، وهذا مخالف لمذهب المشهور. وأمّا وجه الاختصاص في هذين الوجهين فسيأتي قريبا.

ولا بأس بنقل جملة من كلامه قدس‌سره ، فإنه بعد الاستدلال للمشهور ـ من أنّ إقرار ذي اليد مقتض لشركة المدعيين ، لوحدة السبب المملّك لهما ـ قال : «وفيه بحث ، لأنّ هذا لا يتمّ إلّا على القول بتنزل البيع والصلح على الإشاعة ، كالإقرار. وهم لا يقولون به ، بل يحملون إطلاقه على ملك البائع والمصالح .. بخلاف الإقرار ، فإنّه إخبار عن ملك الغير بشي‌ء ، فيستوي فيه ما هو ملكه وملك غيره. وحينئذ فاللازم هنا أن ينصرف الصلح إلى نصيب المقرّ له خاصة ، فيصحّ في جميع الحصة بجميع العوض ، وتبقى المنازعة بين الآخر والمتشبّث.

هذا إن وقع الصلح على النصف مطلقا ، أو النصف الذي هو ملك المقرّ له. أمّا لو وقع على النصف الذي أقرّ به المتشبّث توجّه قول الجماعة ، لأنّ الإقرار منزّل على الإشاعة ، والصلح وقع على المقرّ به ، فيكون تابعا له فيها. وعلى هذا ينبغي حمل كلامهم ، لئلّا ينافي ما ذكروه من القاعدة التي ذكرناها .. إلخ» (١).

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٤ ، ص ٢٧٢.

٣٥

الثالث (١) ، لأنّ (٢) الإقرار منزّل على الإشاعة ، وحكم (٣) بالاختصاص في الأوّلين (٤) ، لاختصاص (٥) النصف وضعا في الأوّل

______________________________________________________

(١) وهو وقوع الصلح على النصف الذي أقرّ به ذو اليد.

(٢) هذا كلام الشهيد الثاني قدس‌سره ، وهو تعليل لمذهب المشهور ، ومحصله : أنّه لمّا كان المقرّ له معترفا بكون العين ملكا له ولشريكه بنحو الإشاعة ، كان إقرار المقرّ لأحد المدّعيين منزّلا على الإشاعة ، لأنّ الإقرار حقيقة إخبار عن صدق دعوى أحد المدّعيين ، والمفروض أنّ الدّعوى كانت على الإشاعة النصف ، فالإقرار يتعلّق بما ادّعاه المقرّ له من إشاعة النصف.

فحكم المشهور هنا بالإشاعة لا ينافي حكمهم في بيع نصف الدار بالاختصاص بحصّة البائع ، لأنّ حكمهم هنا بالإشاعة بين الحصّتين يكون مع القرينة ، وهي كون الإقرار إخبارا عن دعوى أحد المدّعيين للنصف المشاع. فلا منافاة بين هذه المسألة وبين مسألة بيع نصف الدار ، لأنّ الحمل على إشاعة العين هناك كان بلا قرينة ، والحمل على إشاعة الحصتين هنا يكون مع القرينة ، هذا (*).

(٣) يعني : وحكم الشهيد قدس‌سره بالاختصاص.

(٤) وهما : وقوع الصلح على نصفه ، ووقوعه على النصف المطلق.

(٥) تعليل لحكم الشهيد قدس‌سره باختصاص النصف ـ في الفرضين الأوّلين ـ بالمقرّ

__________________

(*) لم يظهر وجه قرينية دعوى أحد المدّعيين على الإشاعة بين الحصتين بعد ما مرّ من ظهور الإشاعة في الإشاعة في العين ، لا في انقسام العين إلى نصفين سواء أكان مالك العين متحدا أم متعددا.

وأمّا الإشاعة بين النصيبين ، فهي خلاف الظاهر إن لم يكن خلاف الوضع ، فتحتاج إرادتها إلى القرينة ، فبدونها تحمل الإشاعة على ظاهرها من الإشاعة في العين دون النصيبين. ولا قرينيّة في شي‌ء من دعوى المدّعيين ولا في إقرار المقرّ على إرادة الإشاعة بين الحصتين ، لأنّ المدّعى والمقرّ به هو المعنى الظاهر العرفي ، بل اللغوي. ولا وجه للعدول عنه إلّا بالقرينة ، وهي مفقودة هنا ، لعدم صلاحية ما ذكروه للقرينية.

٣٦

وانصرافا (١) في الثاني إلى النصف المختصّ.

واعترضه (٢) في مجمع الفائدة «بأنّ (٣) هذا ليس تفصيلا ، بل مورد كلام المشهور هو الثالث (٤) ، لفرضهم (٥)

______________________________________________________

ومنشأ هذا الاختصاص في الفرض الأوّل ـ أعني به وقوع الصلح على نصفه ـ هو : أن إضافة «النصف» إلى «ياء» المتكلّم قرينة على وضع «النصف» لإشاعة نصف العين ، أي حصّته من العين ، لا للإشاعة بين النصيبين. ومنشأ الاختصاص في الفرض الثاني هو : أنّ التصرف الاعتباري في نصف العين منشأ للانصراف إلى النصف المختصّ به ، لا المشاع بين النصيبين.

(١) معطوف على «وضعا» وغرضه بيان منشأ الاختصاص بالمقرّ في الفرض الثاني.

(٢) الضمير المستتر راجع إلى المحقق الأردبيلي قدس‌سره ، والضمير البارز إلى تفصيل الشهيد الثاني المستفاد من قوله : «وفصّل في المسالك».

ولا يخفى أنّ ما في مجمع الفائدة وجوه ثلاثة من الاعتراض ، وما أشار إليه المصنف قدس‌سره هو الوجه الثالث ، قال المحقق الأردبيلي : «وأمّا ثالثا فلأنّه لا يحتاج هنا إلى بحث وتوجيه ، فإنّ كلامهم ظاهر ـ بل صريح ـ في أن المصالح عليه إنّما هو النصف المقرّ به ، إذ لم يصالح المقرّ إلّا عليه ، وما ثبت بحسب ظاهر الشرع للشريك المصالح إلّا ذلك .. إلخ» (١).

(٣) متعلق ب «اعترضه» وهذا تقريب الاعتراض ، ومحصله : أنّ كلام المشهور ليس مجملا حتى يفصّل بين الوجوه التي ذكرها الشهيد قدس‌سره ، بل مورد كلامهم هو وقوع الصلح على المقرّ به الذي لا بدّ من الحكم بالإشاعة فيه.

(٤) وهو وقوع المصالحة على ما أقرّ به ذو اليد.

(٥) أي : لفرض المشهور المصالحة على النصف المقرّ به ، وهو مورد البحث والنزاع.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٦ ، ص ٣٤٩.

٣٧

المصالحة على ذلك النصف المقرّ به» (*). وتمام الكلام في محلّه (١).

______________________________________________________

(١) يعني : في كتاب الصلح.

__________________

(*) ينبغي أن يقال : إنّ الكسر المشاع كالنصف يقع تارة : في كلام أحد المالكين في مقام التصرف الاعتباري كالبيع والصلح والهبة وغيرها.

وأخرى : في كلام الأجنبي عن المالكين ، كبيع الفضولي نصف العين المشتركة بين شخصين على الإشاعة.

وثالثة : في كلام المقر ، كما إذا أقرّ أحد الشريكين في عين كدار أو دكان «بأن نصف هذه العين لزيد مثلا».

فإن وقع في كلام أحد المالكين في مقام التصرف الاعتباري حمل على النصف المختص به ، لا على الإشاعة بين الحصتين ، لأنّ الحمل على الإشاعة في الحصتين يكون للإطلاق وعدم القرينة. وأمّا معها ـ كما في المقام ـ فيحمل النصف على حصّته ، لا الإشاعة بين الحصتين ، حيث إنّ إنشاء البيع ونحوه قرينة عرفا على بيع أو صلح ما يملكه ويختص به ، إذ بيع مال غيره وإن كان موكّله أو من للعاقد ولاية عليه محتاج إلى مئونة زائدة.

والأصل يجري في عدم قصد البيع عن الغير ، وليس بمثبت ، لعدم إناطة صحة البيع لنفسه بقصد البيع لنفسه حتى يكون الأصل عدمه كي يلزم إثبات أحد الضدين بنفي الآخر ، أو تعارض الأصلين وتساقطهما.

والحاصل : أنّه لا يجري أصل عدم قصد البيع لنفسه حتى يلزم الإثبات والتعارض.

وعليه فما لم يقصد الغير يحمل على الحصة المختصة به ، لوجود المقتضي ، وهو وقوع العقد من مالك المال على عنوان صالح للانطباق على ماله ، مع وجود شرائط فعلية تأثير العقد ، وعدم مانع عن تأثيره. إذ المانع ـ وهو وقوع العقد عن الغير ـ محكوم بالعدم ، فيشمله عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

وإن وقع «النصف» في كلام الفضولي ، فلا بدّ من حمله على الإشاعة بين الحصتين ، لعدم قرينة على حمله على تمام حصة أحد الشريكين. فالإطلاق الموجب للحمل على إحدى الحصتين بالخصوص مفقود هنا ، ومقتضاه الحمل على الإشاعة في كلتا الحصتين. فالحمل على خصوص إحداهما ترجيح بلا مرجح.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن إجازة كل منهما هذا العقد الفضولي. فإن أجازا صحّ العقد في تمام النصف للشريكين ، لكلّ منهما ربع العين. وإن أجاز أحدهما صحّ في الربع ، وهو نصف حصته.

وإن وقع في كلام المقرّ ، فيحمل على الإشاعة بين الحصتين أيضا ، للإطلاق الموجب للحمل على الإشاعة بين الحصّتين ، وعدم كون الإقرار كالبيع أو الصلح قرينة على الاختصاص بتمام حصة المقرّ. وذلك لأنّ الإقرار ليس تصرفا في المقرّ به ، بل هو أمارة كاشفة عن ضيق دائرة ملك الشريكين بمقدار تعلق به الإقرار ، وكون ذلك خارجا من أوّل الأمر عن ملكهما ، وأنّ شركتهما تختص بما عدا النصف المشاع.

وهذا بخلاف البيع الذي هو إزالة الملك ، فإنّ هذا التصرف قرينة عرفية على التصرف في ملكه دون ملك غيره ، فيختص بملكه.

لكن الكلام في نفوذ الإقرار ، لعدم نفوذه في حصة غيره ، لكونه إقرارا على الغير.

وقد يقال كما عن كاشف الغطاء قدس‌سره : بأنّ المقرّ لو قال : «أنا مقرّ بأن نصف هذه الدار لزيد» يحمل على نصفه المختص ، بخلاف ما لو قال : «نصف هذه الدار لزيد» فإنّه يحمل على الإشاعة بين النصيبين ، هذا.

وفيه إشكال ، لعدم الفرق بينهما ، إلّا إذا كان قوله : «أنا مقرّ» ظاهرا فيما يكون نافذا ، وهو الحصة المختصة به. وذلك مشكل جدا ، لعدم ظهور الإقرار في ذلك. وإلّا إذا حمل قوله : «نصف هذه الدار لزيد» على الشهادة التي لا تقبل إلّا مع شرائطها. بل في كلتا الصورتين يحمل على الإقرار في نصف حصته ، وعلى الشهادة في نصف حصة شريكه.

نعم قوله : «أنا مقرّ» نصّ في الإقرار. لكنه ليس نصّا في كيفية المقرّ به ، وأنه النصف المختص به أو نصف النصيبين ، فإنّ الألفاظ الدالة على الإقرار مختلفة وضوحا وخفاء في الدلالة على نفس الإقرار ، مع عدم دلالتها على كيفية المقرّ به ، كما في قوله : «يجب إكرام زيد» فإنّه صريح أو أظهر في الوجوب من قوله : «أكرم زيدا» مع عدم دلالة شي‌ء منهما على نوع متعلق الأمر ، وأنّ المراد بالإكرام إضافة زيد أو تقبيل يده أو إعطاء الفلوس أو غيرها.

ومحل الكلام هو المراد من المقرّ به ، لا ما يدل على نفس الإقرار. وليس شي‌ء من العبارتين المزبورتين ما يبيّن المراد من النصف المقرّ به ، فيحمل في كلتا الصورتين على المشاع في الحصتين.

٣٩

وعلى كلّ حال (١) فلا إشكال في أنّ لفظ «النصف» المقرّ به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع ـ مجرّدا عن حال أو مقال يقتضي (٢) صرفه إلى نصفه ـ يحمل (٣) على المشاع في نصيبه ونصيب شريكه (٤) ، ولذا (٥) أفتوا ظاهرا على أنّه

______________________________________________________

(١) أي : سواء حمل النصف «في بيع نصف الدار» على المشاع في العين ، أم على النصف المختص بالبائع ـ كما هو المنسوب إلى المشهور ـ فلا إشكال في أنّ لفظ النصف الواقع في كلام المالك للنصف المشاع إن كان محفوفا بقرينة حالية أو مقالية توجب صرف لفظ «النصف» إلى نصفه المختص به ، كأن يقول : «صالحتك على نصفي» يحمل على النصف المختص به.

وإن كان مجرّدا عن القرينة يحمل على المشاع في نصيبه ونصيب شريكه.

(٢) صفة ل «حال أو مقال» وضمير «صرفه» راجع إلى النصف.

(٣) جواب الشرط في قوله : «إذا وقع» وجملة الشرط والجواب خبر لقوله : «ان لفظ».

(٤) هذا الضمير وضميرا «نصيبه ، نصفه» راجعة إلى المالك.

(٥) أي : ولأجل حمل لفظ «النصف» المقرّ به ـ إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع ـ على النصف المشاع في نصيبه ونصيب شريكه ، أفتوا ظاهرا ـ في مسألة إقرار أحد الرجلين الشريكين اللّذين لكلّ منهما يد على نصف عين كدار أو دكان أو غيرهما من الأعيان بكون ثلث هذه العين لزيد مثلا ـ بأنّه يحمل الثلث المقرّ به على «الثلث المشاع بين النصيبين» كما سيتضح.

ولا يخفى ظهور قول الماتن : «أفتوا ظاهرا» في الإجماع على حمل الثلث المقرّ به على المشاع بين حصتي الشريكين. ففرق بين بيع «النصف» المنصرف إلى حصة البائع بقرينة التصرف ، وبين الإقرار الذي هو إخبار عن ملك الغير لشي‌ء ، ولا يعتبر فيه وقوعه في ملك المقرّ ، لجواز الإخبار بما في يد الغير ، فيكون شهادة عليه ، فإن اجتمعت شروط الشهادة نفذ ، وإلّا فلا.

وهذه المسألة تعرّضوا لها في مقام الفرق بين فرعين.

أحدهما : ما سيأتي الإشارة إليه في المتن من الإقرار بالنسب ، كما لو أقرّ أحد الأخوين بأخت ، وكذّبه الآخر. فقالوا باستحقاقها لخمس حصة المقرّ ، وليس لها في حصة المنكر نصيب. وهذا الخمس هو الفاضل عمّا يستحقه المقرّ من التركة لو كانت الأخت وارثة مع الأخوين.

٤٠