هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

وفي إلحاق الأحاديث النبويّة بالمصحف ـ كما صرّح به (١) في المبسوط (١) ـ

______________________________________________________

وغيره من المقدّسات الإلهيّة وإن كان حسنا عقلا بلا شبهة ، إلّا أنّ قبح ترك التعظيم ما لم ينطبق عنوان قبيح عليه ـ كالإهانة ـ غير ثابت. ومجرد إضافة الملكية إلى الكافر بدون ترتيب أثر خارجي واعتباري ليس إهانة حتى يكون قبيحا.

(١) أي : بالإلحاق ، فيحرم تملك الكافر للأحاديث النبوية كالمصحف الشريف وحكي أيضا عن المحقق الثاني (٢).

__________________

هذا ما يرجع إلى الدليل الأوّل ، وهو وجوب احترام المصحف.

وأما الدليل الثاني ، ففيه : أنّ الأولوية متوقفة على دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر. وقد ذكر المصنف قدس سره منع دلالة الآية على حرمة بيع العبد المسلم من الكافر ، وقال في (ص ٢٩٨) : «وأما الآية فباب الخدشة فيها واسع». ومع الخدشة في الاستدلال بالآية على الأصل لا يبقى مجال لدعوى الفحوى.

وبالجملة : فلا يتمّ الاستدلال بآية نفي السبيل على حرمة نقل المصحف الى الكافر ، لا من جهة السّبيل ، لما مر سابقا من عدم كون مجرد إضافة الملكية سبيلا منهيّا عنه.

ولا من جهة العلّة المستنبطة ، لاحتمال كون المحترم المنفي عنه السبيل هو إيمان المسلم ، أي : تصديقه بالعقائد الحقّة القائم بنفس المؤمن. لا ما آمن به خصوصا مع تعميمه لوجوده العلمي الموجود في صدر المؤمن ، ولوجوده الخارجي الذي هو بين الدّفتين. ومع عدم العلم بالعلّة لا يصحّ الاستدلال بها ولو كانت مظنونة ، لكونه من القياس الممنوع استشمام رائحته ، هذا.

ولا من جهة الفحوى ، للإشكال في دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز الأصل ، وهو تملك الكافر للعبد المسلم. ومع هذا الاشكال لا مجال لدعوى الفحوى كما تقدم آنفا.

وأما الاستدلال بالنبوي «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» فهو مبني على كون مجرّد الملكية علوّا للكافر على المصحف. وقد مرّ غير مرّة عدم كون ذلك سبيلا وعلوّا ، فلا يتم الاستدلال به أيضا.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٦٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٦.

٣٨١

أو الكراهة (١) (*) كما هو صريح الشرائع (١).

______________________________________________________

(١) معطوف على «إلحاق الأحاديث» ولعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا : «وفي إلحاق الأحاديث النبوية بالمصحف فالحرمة ـ كما في المبسوط التصريح به. وعدمه فالكراهة كما هو صريح الشرائع ، بل نسبه الصيمري إلى المشهور قولان».

__________________

ومع الشك في صدق السبيل والعلوّ على ملكية المصحف الشريف للكافر لا يمكن التمسك بالآية والنبوي ، لكون الشك في الموضوع ، ومن المعلوم عدم حجية الدليل مع الشك في موضوعه.

فالنتيجة : أنّه لم ينهض دليل تامّ على عدم جواز تملك الكافر للمصحف الشريف.

ولو كان مجرّد إضافة الملكية علوّا وسبيلا كان تعليم المصحف للكافر ووضعه في مكتبته ـ مع مراعاة آداب الاحترام والتعظيم ـ علوّا منهيّا عنه. وهو كما ترى.

فلم يبق في البين إلّا المرتكزات المتشرعية إن كانت بمثابة تصلح لتقييد الإطلاقات وتخصيص عمومات صحة البيع ببيع المصحف من الكافر ، وإلّا فلا دليل على بطلان بيع المصحف منه. والوجوه الاستحسانية لا عبرة بها ، هذا.

ولا يخفى أنّ مقتضى بعض الروايات التي ذكرها المصنف قدس‌سره في الخاتمة ـ التي أشرنا إليها آنفا مثل «لن تشترى المصاحف» ونظيره مما يدلّ عليه النفي المؤبّد ـ هو عدم قابلية المصحف في نفسه للبيع مع الغضّ عمّن ينتقل إليه المصحف من حيث الإسلام والكفر. والمعتمد إجمالا هو تلك الروايات.

فالنتيجة : أنّ المصحف ـ وهو نفس الخطوط والنقوش ـ غير قابل للنقل والانتقال.

(*) لا يخفى أن القول بالكراهة مشكل ، لأنّه بناء على تمامية الحكم في الأصل بالوجوه المتقدمة وصحة الإلحاق لا محيص عن الحكم بالحرمة. وبناء على عدم تماميته وعدم صحة الإلحاق لا بدّ من الحكم بالجواز بلا كراهة ، لكون المقام مشمولا لأدلة صحة البيع ، كسائر الموارد ، وعدم نصّ خاصّ يدلّ على الكراهة هنا ، هذا.

ثم إنّه بناء على الجمود على ظاهر لفظ «كلام الله» في النصوص لا دليل على الإلحاق

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ١ ، ص ٣٣٥.

٣٨٢

ونسبه الصيمريّ (١) إلى المشهور ، قولان (٢) ، تردّد بينهما العلّامة في التذكرة (٣).

ولا يبعد (٤) أن تكون الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق الآحاد

______________________________________________________

(١) قال في غاية المرام ـ بعد نقل المنع عن الشيخ ـ : «والمشهور الكراهية ، لأصالة الجواز ، ولأنّ حرمتها ـ أي احترامها ـ أقل من حرمة المصاحف ..» (١).

(٢) مبتدء مؤخر لقوله : «وفي إلحاق».

(٣) لقوله قدس‌سره : «وفي أخبار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندي تردد» (٢).

(٤) ظاهر إطلاق النسبة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعمّ ممّا يشمله دليل الحجية ، بأن يدّعى أنّ مجرد النسبة يوجب احترام الحديث وحرمة هتكه.

لكن قد تقدم الإشكال في أصل المسألة ، أي عدم نهوض دليل تامّ على حرمة نقل المصحف إلى الكافر. فالإلحاق مشكل.

ثم إنّه بناء على الإلحاق يكون معلوم الصدور منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملحقا بالمصحف ، وكذا ما يشمله دليل حجية الخبر الواحد ، فإنّه ـ مع شمول دليل الحجية له ـ بمنزلة معلوم الحجية في ترتيب جميع آثار الحجية التي منها حرمة نقله إلى الكافر ، لأنّ العلم طريقي يقوم مقامه الأمارات والأصول التنزيلية كما ثبت في محلّه ، إن لم يكن دليل الحجية ناظرا

__________________

إلّا دعوى كون العلّة في عدم جواز تملك الكافر للمصحف هو الاحترام الموجود في الأحاديث النبوية والولوية.

لكن هذه الدعوى غير تامة ، لاحتمال دخل لخصوصية كلام الله تعالى في الحكم ، فتكون هذه العلة من العلة المستنبطة الظنيّة التي لا تخرج عن القياس المسدود بابه.

نعم بناء على إرادة الأعم من ظاهر القرآن وباطنه كانت الأحاديث النبوية والولوية ملحقة بالمصحف ، بل هي نفسه ، لكونها مفسّرة للقرآن حقيقة. لكن إرادة ذلك محتاجة إلى القرينة.

__________________

(١) غاية المرام ، مخطوط ، ص ٢٦٨.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢٣.

٣٨٣

حكمها حكم ما علم صدوره منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وإن كان ظاهر (١) ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبي المعلوم صدورها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكيف كان (٢) فحكم أحاديث الأئمة صلوات الله عليهم حكم أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

______________________________________________________

إلى ترتيب آثار المؤدّى ، كما هو مورد آية النبإ ، لا مطلق الآثار حتّى آثار العبارة الصادرة من المعصوم من حرمة نقلها ، وذلك لأنّ دليل حجية الخبر ناظر إلى طريقيته للمؤدّي وإثباته بما له من الأحكام ولذا يقال : إنّ دليل حجيته إمضاء لما في الطريقة العقلائية.

(١) لعلّ منشأ الظهور هو تعبيرهم بكتب الأحاديث. وفي المبسوط : «وهكذا حكم الدفاتر التي فيها أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» لظهور إضافة الأحاديث إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العلم بصدورها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) يعني سواء قلنا بأنّ المراد من أحاديث النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الأقوال المعلوم صدورها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أم الأحاديث المرويّة عنه من طرق الآحاد ، فحكم أحاديث الأئمة الأطهار «صلوات الله عليهم أجمعين» حكم أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرمة نقلها إلى الكفّار على الأحوط ، مراعاة لاحتمال لحوق الأحاديث مطلقا بالمصحف.

هذا ، وقد حكى صاحب الجواهر عن شيخه كاشف الغطاء قدس‌سرهما إلحاق ما هو أعم من نصوص أقوال الأئمة «عليهم الصلاة والسلام» بالمصحف في حرمة البيع ، فقال : «انه يقوى إلحاق كتب الحديث والتفسير والمزارات والخطب والمواعظ والدعوات والتربة الحسينية ، وتراب الضرائح المقدسة ، ورضاض الصناديق الشريفة وثوب الكعبة» (١).

هذا تمام الكلام في هذه المسألة وبذلك تم البحث في شرائط المتعاقدين.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٩.

٣٨٤

يشترط (*) في كلّ منهما (١)

______________________________________________________

الكلام في شرائط العوضين

الأوّل : التموّل

(١) أي : في كلّ من العوضين في البيع ، وهما المثمن والثمن.

ثم إنّ شروط العقد المؤثر على أقسام :

أحدها : الشرط العرفي المقوّم للعقد العرفي كمالية العوضين ، فإنّها معتبرة عرفا في البيع.

ثانيها : الشرط الشرعي كبلوغ المتعاقدين.

ثالثها : الشرط في الجملة.

والثمرة بين الشرط العرفي والشرعي تظهر في الشك. فإذا شكّ في أنّ الشي‌ء الفلاني شرط عرفا في العقد العرفي أو لا ، لم يجز التمسك في نفيه بالعمومات المقتضية للصحة ، لأنّ موضوع أدلة الصحة هو الشك في شرطية شي‌ء للعقد بعد إحراز صدقه عرفا ، فمع الشك في صدق العقد العرفي لا وجه للتمسك بالعمومات لدفعه ، بل لا بدّ من

__________________

(١) لا يخفى أنّه بناء على كون ماهية البيع «مبادلة مال بمال» تكون مالية العوضين من مقوّمات البيع العرفي ، ومقوّم الماهية أجنبي عن الشرط الخارج عن الماهية. فالتعبير عن مقوّم الماهية بالشرط لا يخلو من المسامحة. نعم يصح تعبير الشرط بالمال الشرعي بعد كونه مالا عرفا. فلو أبدل قوله : «يشترط» ب «يعتبر» كان أولى ، لشمول لفظ الاعتبار لكلّ من مقوّم الماهية والشرط الخارج عنها.

٣٨٥

كونه متموّلا (١) ، لأنّ (٢) البيع لغة «مبادلة مال بمال» (١).

______________________________________________________

إجراء أصالة الفساد.

وأمّا إذا شك في شرطية شي‌ء شرعا في العقد بعد إحراز عرفيته فلا مانع من التمسك بالعمومات لدفعه ، وإثبات عدم اعتباره.

(١) المراد بالمال ما تنافس عليه العقلاء ، لاحتياجهم إليه في أمور الدنيا أو العقبى.

ويعتبر في تحقق مفهومه أمران ، الأوّل : احتياج الناس إليه. الثاني : توقف الوصول إليه على عمل. ومن هنا لا يعدّ الماء على الشط مالا.

والتعريف المزبور ـ وهو «ما تنافس عليه الناس» ـ تعريف باللازم. وأمّا حقيقة المال وماهيته فهي الخصوصية التكوينية الثابتة في العين المتنافس عليها العقلاء. وتسمّى تلك الخصوصية بالخاصية إن توقف وجودها على ذهاب العين كالإشباع ، فإنّ استيفاءه منوط بإتلاف المأكول من الخبز ونحوه.

وتسمّى بالمنفعة إن لم يتوقف وجودها على ذهاب العين ، كاستيفاء منافع المساكن والدواب ونحوهما ، فإنّ استيفاء منافعها من السكنى والركوب والحمل لا يتلف أعيانها ، بل ينتفع بها مع بقاء أعيانها.

ولا فرق في استيفاء الخصوصية بين كونه أمرا عاديّا ، كاقتناء المأكول من الحنطة وغيرها للاقتيات ، وبين كونه نادرا مختصا ببعض الحالات كالأدوية التي لا تستعمل إلّا في حال المرض.

والتعريف المذكور تعريف للمال عرفا ، وأمّا المال الذي يترتب عليه الآثار الشرعية من النقل والانتقال وجواز الاستعمال ، فيشترط فيه أن لا يقع موردا لنهي الشارع ، وإلّا فوجود ما فيه من الخصوصية كالعدم كالخمر والخنزير.

(٢) تعليل لشرطية المالية في العوضين ، وأنّ وجه شرطيتها فيهما هو مفهوم البيع لغة.

__________________

(١) المصباح المنير ، ص ٦٩ ، وتقدم الكلام في اعتبار المالية في الجزء الأول من هذا الشرح ، فراجع ج ١ ، ص ١٧ و ٢٣.

٣٨٦

وقد احترزوا بهذا الشرط (١) عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء ، محلّلة (٢) في الشرع ، لأنّ (٣) الأوّل (٤) ليس بمال عرفا كالخنافس والديدان ، فإنّه (٥) يصحّ عرفا سلب المصرف لها ، ونفي الفائدة عنها. والثاني (٦) ليس بمال شرعا كالخمر والخنزير.

ثمّ قسّموا عدم الانتفاع (٧) إلى ما يستند

______________________________________________________

(١) أي : شرطية مالية العوضين.

(٢) نعت ل «منفعة» وهذا القيد لإخراج المالية العرفية فقط ، حيث إنّها لا تكفي في ترتيب الآثار الشرعية وإن كان فيه الخصوصية الموجبة للمالية العرفية ، فإنّ وجودها مع النهي الشرعي كعدمها في عدم المالية شرعا ، فهو في ترتب الأثر كعدم المال عرفا.

(٣) تعليل للاحتراز ـ بشرطية المالية في العوضين ـ عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء ، وحاصل التعليل : أنّ ما لا ينتفع به كذلك ليس بمال عرفا كالخنافس والديدان ، والمفروض اعتبار المالية في العوضين.

(٤) وهو ما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء.

(٥) الضمير للشأن ، وغرضه إثبات مجازيّة استعمال «المال» ـ فيما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء ـ بصحة السلب التي هي من علامات المجاز ، لوضوح صحة سلب المال عن الخنافس والديدان ، حيث إنّ سلب المصرف عنه ـ أي سلب الحاجة عنه الذي هو ممّا يتوقف تحقق مفهوم المال عليه ـ يكشف عن عدم كونه مالا عرفا.

(٦) معطوف على «الأوّل» والمراد بالثاني قوله : «محلّلة في الشرع» فإنّ الخمر والخنزير وإن كانا مالا عرفا ، لكنهما ليسا مالا شرعا ، ولذا لا تصحّ المعاملة بهما.

(٧) هذا التقسيم ناظر إلى منشأ عدم الانتفاع ، فإنّ منشأه إمّا خسّة الشي‌ء كالحشرات ، وهي هوامّ الأرض وصغار دوابّها. وإمّا قلّته كحبّة حنطة وشعير وعدس ونحوها ، فإنّ الحبّة منها ملك وليست مالا ، إذ النسبة بين المال والملك عموم من وجه ، لاجتماعهما في الدور والدكاكين ونحوهما ، فإنّها مال وملك ، وافتراقهما في المباحات الأصلية كالحيتان والمعادن قبل حيازتها ، فإنّها أموال وليست أملاكا. وفي الحبة من الحنطة ونحوها ، فإنّها ملك وليست مالا ، فيفترقان.

ثم إنّ هذا التقسيم يستفاد ممّا فرّعوه على اشتراط المنفعة والملك ، ففي التذكرة :

٣٨٧

إلى خسّة الشي‌ء (*) كالحشرات ، وإلى ما يستند إلى قلّته كحبّة حنطة (١) ، وذكروا أنّه (٢) ليس مالا وإن كان يصدق عليه الملك (٣) ، ولذا (٤) يحرم غصبه إجماعا.

______________________________________________________

«لا يجوز بيع مالا منفعة فيه ، فلا يؤخذ في مقابلته المال ، كالحبة والحبّتين من الحنطة». وقال أيضا : «لا يجوز بيع ما لا ينتفع به من الحيوانات ، كالخفّاش .. لخسّتها» (١).

وقال السيد العاملي قدس‌سره : «ولخلوّ الشي‌ء عن المنفعة سببان : القلّة والخسّة ، فالقلّة كالحبة والحبّتين من الحنطة ، والزبيبة الواحدة .. وأما ما لا منفعة فيه لخسّته فكالحشار ..» (٢).

(١) قال السيد العاملي قدس‌سره في الحبة من الحنطة : «وليس المراد أنها لا تملك أصلا لأنّه خلاف الإجماع ، لأنّه لا يجوز أخذها غصبا إجماعا ، نقله هو ـ أي المحقق الثاني ـ في جامع المقاصد .. بل الإجماع على الملكية لا ريب فيه» (٣).

(٢) أي : أنّ ما يستند إلى قلّته ليس مالا وإن كان مصداقا للملك ، فيفترق الملك عن المال.

(٣) ظاهر نقل هذا الكلام عن الفقهاء وعدم ردّه ارتضاؤه عدم ترادف المال والملك.

(٤) يعني : ولأجل صدق «الملك» على القليل كالحبة يحرم غصبه إجماعا ، كما تقدم

__________________

(*) لعلّ استناد عدم الانتفاع إلى عدم المقتضي في الحشرات أولى من استناده إلى خسّتها ، فإنّ الدود المسمى في الفارسية ب «زالو» مع خسّته يكون مالا ، لإخراجه الدم الفاسد من الإنسان بالامتصاص. وهذا هو الخصوصية التي خلقت فيه ، وتجلب رغبات الناس إليه ، وبذل المال لشرائه. فمجرّد الخسّة لا يوجب عدم الانتفاع ، بل عدم الانتفاع إنّما هو لأجل عدم تلك الخصوصية فيه المقتضية لرغبات الناس إليه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٣٥.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٢٠.

(٣) نفس المصدر.

٣٨٨

وعن (١) التذكرة أنّه لو تلف لم يضمن أصلا.

واعترضه (٢) غير واحد ممّن تأخّر عنه بوجوب ردّ المثل.

والأولى (٣) أن يقال : إنّ ما تحقّق أنّه ليس بمال عرفا ،

______________________________________________________

دعواه آنفا من السيد العاملي ، لأنّ حدّ الغصب ـ وهو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ عدوانا ـ صادق عليه. فالحبّة من الحنطة مثلا تضمن ، لكن لا تباع ، لعدم ماليتها.

ولا تنافي بين الضمان وعدم جواز البيع ، لأنّ موضوع الضمان الاستيلاء على مال الغير أو حقّه. ومن المعلوم أنّ الحبّة لو لم تكن مالا وملكا لكن تكون متعلّقة للحق ، وهو حقّ الاختصاص ، وذلك كاف في ثبوت الضمان. بخلاف البيع ، لاعتبار المالية في العوضين ، والمفروض عدم مالية الحبّة ، فلا يجوز بيعها.

(١) الغرض من نقل كلام التذكرة بيان منافاته للإجماع المدّعى على حرمة غصب حبة حنطة أو زبيبة ، وضمان الغاصب ، فالعلّامة يظهر منه التفصيل ، فيقول بحرمة أخذ الحبّة ووجوب ردّها ، لكن لا ضمان لعدم تموّلها. قال في التذكرة : «ومع هذا فلا يجوز أخذ حبة من صبرة الغير ، فإن أخذت وجب الرد ، فإن تلفت فلا ضمان ، لأنّه لا مالية لها» (١).

(٢) يعني : واعترض على العلّامة قدس‌سره غير واحد ممّن تأخّر عنه : بوجوب ردّ مثل الحبّة ، فالضمان في غصب الشي‌ء القليل الذي لا مالية له ثابت ، خلافا للعلّامة قدس‌سره (٢).

(٣) هذا تحقيق المصنف في اشتراط التموّل ، يعني : والأولى أن يقال ـ في اعتبار مالية كلّ واحد من العوضين ـ : إنّ هنا وجوها ثلاثة :

أحدها : أن يحرز عدم مالية شي‌ء عرفا كالخنافس والديدان. وحكمه عدم جواز جعله أحد العوضين في البيع بلا إشكال ولا خلاف.

ثانيها : أن لا يحرز عدم ماليته ، بأن كانت مشكوكة ، وهو يتصور على وجهين :

أحدهما : حكم العرف فيه بكون بذل المال في مقابله وعوضا منه أكلا للمال

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٣٥.

(٢) كما في الدروس ، ج ٣ ، ص ٢٠١ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٠ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٤٧ ، وفي مفتاح الكرامة كما تقدم آنفا.

٣٨٩

فلا إشكال (١) ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين ، إذ (٢) لا بيع إلّا في ملك (*).

______________________________________________________

بالباطل ، فالظاهر فساد المقابلة وعدم صحة المعاملة ، نظير العقرب الذي يعالج بلسعه بعض الأمراض الناشئة من الحرارة ، فإنّ ماليته العرفية بحيث يصحّ بذل المال في مقابله مشكوكة.

ثانيهما : أنّ لا يثبت كون بذل المال ـ بإزاء ما لم يحرز ماليته عرفا ـ أكلا للمال بالباطل. وحينئذ فإن قام دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو المتّبع كالميتة ، فإنّ النص كرواية السكوني (١) وإجماع المنتهى والتنقيح (٢) ـ على عدم صحة المعاوضة على الميتة ـ يدلّان على عدم جواز بيع الميتة ، وإن لم يقم دليل على عدم جواز بيعه ، فيرجع فيه إلى عمومات صحة البيع والتجارة ك «أحل الله البيع» و «تجارة عن تراض» وغيرهما.

(١) خبر قوله : «انّ ما تحقق» ولا حاجة إلى الفاء ، لعدم دخولها على الخبر عند مشهور النحاة.

(٢) هذا تعليل لعدم جواز جعل ما ليس مالا عرفا أحد العوضين ، ولا يستقيم هذا التعليل إلّا بتساوي الملك والمال. وليس الأمر كذلك ، لوضوح أنّ النسبة بينهما عموم من وجه.

فالأولى التعليل بهذه العبارة «لا بيع إلّا في ملك» ـ التي هي متن الحديث ـ لاعتبار الملكية في العوضين ، لا لاعتبار المالية فيهما. ولم يظهر وجه نظر المصنف قدس‌سره إلى تعليل اعتبار المالية في العوضين بهذه العلة.

__________________

(*) هذا ظاهر في ترادف المال والملك ، لتوقّف حسن التعليل عليه. وهو ينافي ارتضاءه عدم الترادف بقوله : «وذكروا أنه ليس مالا وإن كان يصدق عليه الملك».

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٦٢ ، الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٥.

(٢) منتهى المطلب ، ج ٢ ، ص ١٠٠٩ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٥.

٣٩٠

وما (١) لم يتحقّق فيه ذلك (٢) ، فإن كان أكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا ، فالظاهر فساد المقابلة. وما لم يتحقّق فيه (٣) ذلك (٤) ، فإن ثبت دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو ، وإلّا (٥) فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحّة البيع والتجارة (*) ،

______________________________________________________

وكيف كان فهذا التعليل راجع إلى الصورة الأولى ، وهي ما ثبت عدم مالية شي‌ء.

(١) منصوب محلّا بالعطف على «ما تحقق» وهذا إشارة إلى الصورة الثانية ، وهي ما لم يتحقق فيه المالية ، ولم تحرز.

(٢) أي : عدم ماليته عرفا ، أي الجهل بماليّته وعدمها.

(٣) هذه هي الصورة الثالثة أعني بها عدم إحراز كون أكل المال في مقابله أكلا للمال بالباطل ، وقد تقدّمت بقولنا : «ثانيهما أن لا يثبت كون بذل المال بإزاء .. إلخ».

(٤) أي : كون أكل المال في مقابله أكلا له بالباطل. والأنسب بالمقابلة أن يقال : «وإن لم يكن أكل المال في مقابله أكلا بالباطل ، فإن ثبت .. إلخ».

(٥) أي : وإن لم يثبت دليل على عدم جواز بيعه ، وجب الرجوع إلى أدلة صحة البيع والتجارة ، لكن فيه إشكال نبهنا عليه في التعليقة.

__________________

(١) بل الأوفق بالقواعد هو الحكم ببطلان البيع في صورة عدم إحراز كون أكل المال في مقابله أكلا له بالباطل ، لعدم إحرازها ماليّته ، سواء أكان هناك دليل خاصّ على البطلان أم لم يكن. ومع عدم الدليل الخاصّ على البطلان لا وجه للرجوع إلى أدلة صحة المعاملة بعد البناء على اعتبار المالية في العوضين عرفا وشرعا ، فإنّه مع الشك في المالية كيف يصح التمسك بأدلة صحة البيع؟

بل نفس دليل شرطية المالية يقتضي اعتبار إحرازها في صحة البيع.

بل لو كانت المالية شرطا عرفيا ـ كما هو كذلك ـ كان التمسك بأدلة صحة البيع تشبثا بالدليل في الشبهة الموضوعية ، لعدم إحراز البيع العرفي الذي هو موضوع أدلة الصحة شرعا.

والحاصل : أنّه مع الشك في مالية شي‌ء لا يمكن التمسك فيه بأدلة صحة البيع. والعرف إذا شك في مالية شي‌ء فلا محالة يشك في كون بذل المال بإزائه أكلا بالباطل. ولا يتصور حكمه بكون بذل المال بإزائه حلالا مع شكّه في المالية. فالضابط في حكمه

٣٩١

وخصوص (١) (*) قوله عليه‌السلام في المروي عن تحف العقول : «وكلّ شي‌ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، فكلّ ذلك حلال بيعه» إلى آخر الرواية (١). وقد تقدّمت (٢) في أوّل الكتاب.

ثمّ إنّهم احترزوا باعتبار الملكيّة (**) في العوضين من (٣) بيع

______________________________________________________

(١) معطوف على «عمومات» يعني : فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات الصحة ، وإلى خصوص قوله عليه‌السلام في تحف العقول .. إلخ ، الدال على أنّ كلّ ما كان فيه الصلاح من جهة مّا حلال ، وإن شكّ في كونه مالا ، وفي حلية أكل المال في مقابله.

(٢) حيث نقل المصنف قدس‌سره هذا الحديث بطوله ـ بعد الحمد والصلاة ـ عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة ، وذكر أكثر الحديث هنا في نسختنا ، لكن كتب عليها «زائد» فلذا تركنا إيرادها في المتن.

(٣) متعلق ب «احترزوا».

__________________

بالبطلان هو إحراز عدم المالية أو الشك فيها ، لأنّه مقتضى شرطية المالية.

ومن هنا يظهر ضعف ما أفاده بقوله : «فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع والتجارة» بل المرجع حينئذ أصالة الفساد.

(*) لا يخفى أنّ الاستدلال به ـ بعد البناء على اعتباره وشمول دليل حجية الخبر له ـ مبني على عدم تقيد إطلاق قوله : «الصلاح» بما دلّ على اعتبار المالية في ما فيه الصلاح من جهة من الجهات ، إذ مع تقييده بالمالية لا يصحّ التمسك به مع الشك فيها ، ومن المعلوم لزوم تقييده بما دلّ على اعتبار المالية في عوضي البيع كما لا يخفى.

(**) لم يذكر اعتبار الملكية قبل ذلك حتى يحترز بها عن المباحات قبل حيازتها ، والمفروض أنّ الاحتراز عنها مترتب على اعتبار الملكية في العوضين ، ولم يظهر وجه الاحتراز عن المباحات مع عدم ذكر اعتبار الملكية قبله.

وإن أراد قدس‌سره بقوله «الملكية» المالية فالاحتراز غير ظاهر ، لوضوح كون المباحات قبل حيازتها أموالا.

__________________

(١) تحف العقول ، ص ٣٣٣ ، ورواه عنه في الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٥٤ ، الباب ٢ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١

٣٩٢

ما يشترك (١) فيه الناس كالماء والكلاء ، والسموك والوحوش قبل اصطيادها (٢) ، لكون هذه كلّها غير مملوكة (٣)

______________________________________________________

الاحتراز بقيد «الملك» عن بيع ما يشترك فيه الكلّ

(١)أي : اشتراكا إباحيّا لا ملكيّا ، وإلّا لا يصح الاحتراز باعتبار الملكية عن المباحات الأصلية.

(٢) هذا الضمير راجع إلى الماء والكلاء والسموك والوحوش ، لكن المظنون قويّا أنّ العبارة «اصطيادهما» بالضمير المثنّى ، لعدم صحة رجوع الضمير إلى الكل.

فالأولى أن تكون العبارة هكذا «قبل الحيازة والاصطياد» بل يكفي لفظ الحيازة من دون حاجة إلى الاصطياد ، لكفاية الحيازة في تحقق الملك في الجميع.

(٣) تعليل للاحتراز عن بيع ما يشترك فيه الناس ، كأنّه قيل : احترزوا بقيد الملكية عن بيع المباحات قبل حيازتها ، لأنّ المباحات الأصلية وإن كانت أموالا ، لكنها غير مملوكة بالفعل لأحد ، والمفروض اعتبار ملكية العوضين كاعتبار ماليّتهما.

__________________

ثمّ إنّه قيل في توضيح حال هذا القيد ما محصله : إن اعتبار ملكية العوضين يوجب خروج بعض أفراد البيع عن حقيقة البيع ، كخروج بيع الكلي مثمنا وثمنا ، لجواز بيع الكلي الذمي بمثله ، مع تسالم الجل بل الكل على فرديّته وصحته ، حيث إنّ الكلي قبل إضافته إلى ذمّة ليس ملكا. وهذه الإضافة تحصل بنفس البيع ، فلا يقع البيع على المبيع المملوك قبل إنشائه. وهذا يكشف عن عدم تقوم ماهية البيع بالملكية وإن أفادها ، لكنه لا ينبعث عنها ، فلا يعتبر فعلية للملكية في المبيع للبائع ، ولا فعلية الملكية في الثمن للمشتري ، بل المعتبر قابلية المثمن لملكيته للمشتري ، وقابلية الثمن لملكيته للبائع. فبيع الكلي غير المضاف إلى ذمة ، وبيع المباحات قبل حيازتها مشتركان في جهة ، ويختص الأوّل بجهة.

أمّا الجهة المشتركة فهي عدم جواز بيع الكلّي غير المضاف إلى ذمّة ، لعدم سلطانه عليه ، لعدم تعهده في ذمّته ، فلا سلطنة له على بيعه. وكذا المباحات قبل حيازتها ، فإنّها متساوية النسبة إلى الناس من البائع وغيره ، فلا سلطنة لأحد على بيعه ، فليس لأحد أن يبيع أو يشتري شيئا من المباحات قبل حيازتها ، كعدم جواز بيع الكلي بلا إضافته إلى ذمة ، فلا ينفذ البيع في شي‌ء منهما ، لعدم سلطانه عليهما ، وعدم كونه مالكا لأمرهما. فليس أمر بيعها بيد أحد ، إذ نفوذ التمليك من البائع متوقف على مالكية البائع لإنشاء البيع وإن لم يكن

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مالكا لرقبة المبيع.

والحاصل : أن بيع الكلي غير المضاف إلى ذمة ، والمباحات الأصلية قبل حيازتها سيّان في عدم الجواز. والمراد بقولهم عليهم‌السلام : «لا بيع إلّا في ملك» هو مالكية أمر البيع ، لا مالكية الرقبة.

وأمّا الجهة المختصة بالكلي غير المضاف فهي : أنّ المبيع لا بدّ أن يكون له نحو تعين ذمّي أو خارجي ، ومن المعلوم أنّه لا تعيّن للكلي غير المضاف ، لا خارجيا ولا ذميّا. بخلاف الكلّي المضاف إلى ذمّة ، فإنّ له نحو تعيّن في الذمة ، فيصحّ بيعه ، لسلطنته على نفسه بأن يملّك شيئا في ذمته لغيره. وبخلاف المباحات الأصلية ، فإنّ لها تعينا خارجيا ، إلّا أنّه لا يجوز بيعها ، لعدم السلطنة عليها مع تساوي البائع والمشتري بالنسبة إلى المباحات كما تقدم آنفا (١).

والحاصل : أنّ غرض هذا المحقق أنّه لا دليل على اعتبار الملكية في عوضي البيع ، هذا.

أقول : الظاهر أنّه لا دليل على اعتبار الملكية في العوضين إلّا الحديث المعروف «لا بيع في ما لا يملك» (٢). ويحتمل أن يكون المراد به الملك المقابل للوقف بأقسامه من المساجد والحسينيات والمدارس العلمية. فغير الأوقاف بأنحائها يجوز بيعه.

لكنه بعيد جدّا ، إذ لازمه جواز بيع المباحات قبل حيازتها.

إلّا أن يقال : إنّ عدم جوازه إنّما هو لأجل عدم الولاية مع فرض عدم الحيازة وتساوي الناس بالنسبة إلى المباحات ، فتدبّر.

ويحتمل أن يراد بالملك في الحديث المزبور الملك الاعتباري. لكنه بعيد أيضا ، لاستلزامه تخصيص الأكثر ، لخروج البيوع الواقعة على الكلّيّات الذميّة عن البيع ، لما مرّ من عدم وقوعها على ملك المتعاقدين ، وإن أفاد بيعها ملكية المعوّض للمشتري ، وملكية العوض للبائع.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ٢٤٠.

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ١٥ ، ص ٢٩٣ ، الباب ١٢ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ، ح ١٥ ، رواه عن عوالي اللئالي ، وفيه «ولا بيع إلّا في ما تملك» فراجع ج ٢ ، ص ٢٤٧ ، ح ١٦.

٣٩٤

بالفعل (١).

واحترزوا به (٢) أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة (*) ، ووجه (٣) الاحتراز

______________________________________________________

(١) أي : قبل الحيازة ، ولا تصير مملوكة بالفعل إلّا بالحيازة.

(٢) الاحتراز بالملك عن بيع الأرض المفتوحة عنوة أي : احترزوا باعتبار ملكية العوضين أيضا ـ يعني : كالاحتراز به عن المباحات الأصلية قبل حيازتها ـ عن الأرض المفتوحة عنوة أي قهرا وغلبة على أهلها.

(٣) يعني : وتقريب الاحتراز باعتبار الملكية عن الأرض المفتوحة عنوة هو : أنّ تلك الأرض ليست ملكا لملّاكها على حدّ سائر الأملاك ، بأن يكون لكل واحد منهم جزء معيّن من عين الأرض وإن قلّ ذلك الجزء.

__________________

أو استلزامه خروجها عن ماهية البيع تخصّصا ، وهو خلاف قول الجلّ بل الكلّ من كونها من أفراد البيع. فمصداقيتها لمفهوم البيع قرينة على إرادة سلطنة البيع من قولهم عليهم‌السلام : «لا بيع إلّا في ملك». فعليه لا يمكن إرادة الملكية الاعتبارية من هذا الحديث.

فالنتيجة : عدم إمكان الالتزام باعتبار ملكية العوضين للبائع والمشتري قبل البيع كما هو ظاهر المتن.

ولا يخفى أنّه بناء على اعتبار الملك في العوضين لا يلزم إلّا الخروج الموضوعي دون الخروج الحكمي ، ضرورة أنّ التخصيص خروج حكمي ، ومع فرض اعتبار الملك يكون خروج بيع الكلّيات الذمّية عن حريم البيع موضوعيّا أي تخصيصيّا ، لا تخصيصيّا.

(*) الاحتراز باعتبار الملك في العوضين لا يصحّ إلّا عن غير الملك ، الذي هو نقيض الملك ، فإنّ الاحتراز بوجود شي‌ء يكون عن نقيضه ، فالاحتراز المزبور لا بدّ أن يكون عن عدم ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين بجميع أنحاء الملكية حتى يصحّ الاحتراز المزبور ، بأن تكون المفتوحة عنوة من باب التحرير كالمسجد ، غاية الأمر أنّ لوليّ الأمر صرف منافعها في مصالح المسلمين. والمفروض عدم كون المفتوحة عنوة من فكّ الملك ،

٣٩٥

عنها أنّها غير مملوكة لملّاكها على نحو سائر الأملاك ، بحيث يكون لكلّ منهم جزء

______________________________________________________

بل هي ملك للمسلمين ، بشهادة أنّه عند الحاجة يجوز لوليّ الأمر بيعها وصرف ثمنها في مصالحهم. إلّا أنّه ليس لغير وليّ الأمر هذا التصرف.

فالاحتراز بالملك المعتبر في العوضين لا بدّ أن يكون عن غير الملك كالمباحات الأصلية قبل حيازتها ، والأوقاف العامة من المدارس والخانات الموقوفة على المسافرين ، ونحوهما مما يكون من فكّ الملك.

فالأولى تفريع خروج الأراضي المفتوحة عنوة على اعتبار الطلق في ملكية العوضين ، لأنّ المفقود في الأرض المفتوحة عنوة هو الطّلقية لا الملكية.

ثم إنّه يمكن أن يكون مقتضى الجمع بين الروايات ملكية الأرض المفتوحة عنوة وقهرا لطبيعيّ المسلمين ، لا لآحادهم. وهذا الملك لا يختص بزمان دون زمان ، بل يعمّ جميع الأزمنة ، ولذا يصحّ أن يقال : إنّه ملك لجميع المسلمين ممّن وجد وممّن لم يخلق بعد.

ويفترق عن الخمس والزكاة ـ اللّذين هما ملكان لطبيعي السيّد والفقير ، ويصيران ملكا شخصيّا بالقبض ـ في أنّ المتولّي لإخراجهما مختار في صرفهما إلى أفراد السّادة والفقراء. وفي كونهما من الملك النوعي الذي يصير ملكا شخصيّا بالقبض ، فإنّ السيّد والفقير يملكان الخمس والزكاة بالقبض ملكا شخصيّا ، ويضمنان بالغصب ، لأنّهما مالان مملوكان للسيد والفقير ، فيصدق عليه حدّ الغصب. بخلاف الأرض المفتوحة عنوة ، فإنّ منافعها تصرف في مصالح المسلمين العامة دون غيرها ، ولا يملك آحاد المسلمين شيئا من منافعها بالقبض.

ويفترق أيضا ملك الأرض المفتوحة عنوة عن الوقف الخاص ـ الذي هو من الملك النوعي أيضا ـ في أنّ الموقوف عليهم يملكون منافعها ملكا شخصيا من دون توقف الملكية على قبضهم ، لأنّهم ملكوا المنافع بنفس الوقف ، ولذا يصحّ للموقوف عليهم المعاوضة عليها ، وتجب عليهم الزكاة لو كانت جنسا زكويا ، وبلغت حصة كلّ منهم النصاب ، ويضمنها من غصبها.

٣٩٦

معيّن من عين الأرض وإن قلّ ، ولذا (١) لا تورّث.

بل (٢) ولا من قبيل الوقف الخاص على معيّنين ، لعدم تملّكهم للمنفعة مشاعا.

ولا (٣) كالوقف على غير معيّنين ، كالعلماء والمؤمنين.

ولا (٤) من قبيل تملّك الفقراء للزكاة ، والسادة للخمس ،

______________________________________________________

(١) أي : ولكون الأراضي المفتوحة عنوة غير مملوكة لملّاكها ـ على نحو سائر الأملاك ـ لا تورث ولا تباع ولا توهب.

(٢) يعني : وليست الأراضي المفتوحة عنوة كالوقف الخاصّ على معيّنين ، كالوقف على الذرية ، فإنّ الموقوف عليهم يملكون منافع الوقف الخاصّ ، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة ، لأنّ المسلمين لا يملكون منافع تلك الأراضي بنحو الإشاعة ، ولذا لا تنتقل إلى الورثة ، بل تصرف في مصالح المسلمين.

(٣) يعني : وليست الأراضي المفتوحة عنوة كالأوقاف العامة ، حيث إنّ الموقوف عليهم يملكون منافعها بالقبض ، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة ، فإنّ المسلمين لا يملكون منافعها به.

(٤) يعني وليست الأراضي المفتوحة عنوة من قبيل تملّك السادة للخمس ، والفقراء للزكاة ، فإنّ الخمس والزكاة ملك لطبيعي السيد والفقير ، ويصير كلّ من الخمس والزكاة بالقبض ملكا شخصيا لأفراد الطبيعة. بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة ، فإنّ المسلمين لا يملكون منافعها بالقبض ، بل لا بدّ من صرفها في مصالح المسلمين العامة ، كبناء المدارس الدينية والقناطر والمستشفيات وغيرها ممّا يحتاج إليه المسلمون.

__________________

والحاصل : أنّ الملك النوعي تارة يكون شخصيا كالخمس والزكاة بالقبض.

واخرى لا يصير شخصيا كالوقف على الذريّة بنحو تمليك المنفعة ، كوقف البستان على الذرية على أن يكون منفعتها ملكا لهم ، فإنّ أفراد الذرية يملكون ـ شخصا ـ منافع البستان بنفس الوقف ، لكنهم لا يملكون نفس البستان شخصيا ، بل ملكهم له نوعي ، ولكن منافعه ملك لهم شخصيا.

٣٩٧

بمعنى كونهم (١) مصارف له (٢) ، لعدم (٣) تملّكهم منافعه بالقبض ، لأنّ مصرفه منحصر في مصالح المسلمين ، فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم.

فهذه الملكيّة (٤) نحو مستقلّ من الملكيّة قد دلّ عليها الدليل ، ومعناها صرف حاصل الملك في مصالح الملّاك (*).

______________________________________________________

(١) أي : كون السادة والفقراء مصارف للخمس والزكاة.

(٢) الأولى تثنية الضمير ، لرجوعه إلى الخمس والزكاة.

(٣) تعليل لعدم كون الأراضي المفتوحة عنوة كالأوقاف العامة والخمس والزكاة. وحاصل التعليل : أنّ الأوقاف العامة والخمس والزكاة تملك ملكا شخصيا بالقبض ، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة ، فإنّ منافعها لا تملك ملكا شخصيا بالقبض ، بل تصرف في المصالح العامة للمسلمين كما مرّ آنفا.

والاحتراز باعتبار الملكية في العوضين عن الأراضي المفتوحة عنوة ـ مع كونها ملكا للمسلمين ـ إنّما هو باعتبار كون الملكية المعتبرة في العوضين هي الملكية الشخصية التي تترتب عليها السلطنة الاعتبارية والخارجية. وهذه الملكية منفية في الأراضي المفتوحة عنوة ، ولذا احترزوا عنها.

وأمّا بناء على إرادة مجرّد إضافة الملكية من اعتبار الملك في عوضي البيع ، فيتعيّن الاحتراز عن الأراضي المفتوحة عنوة بقيد الطلقية ، وسيأتي في (ص ٤٨٣).

(٤) أي : ملكية الأراضي المفتوحة عنوة نحو خاصّ من الملكية قد قام عليها الدليل ، ومعناها : صرف حاصل الملك ومنافعه في مصالح المالكين.

__________________

(*) وهل يعتبر في كون الأرض المفتوحة عنوة من الأراضي الخراجية إذن الإمام عليه‌السلام أو نائبه الخاص في مشروعية الجهاد أم لا؟ قد استدل للاعتبار بوجهين :

أحدهما : الإجماع. وفيه : عدم ثبوته ، لعدم تعرض جماعة للمسألة ، ولذا استشكل السبزواري في الكفاية في الحكم بقوله : «ويشترط في وجوب الجهاد وجود الامام عليه‌السلام أو من نصبه ، على المشهور بين الأصحاب. ولعلّ مستنده أخبار لم تبلغ درجة الصحة ، مع

٣٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

معارضتها بعموم الآيات ففي الحكم به إشكال» (١).

نعم الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن وليّ الأمر من النبي أو الوصي عليهما الصلاة والسلام.

ثانيهما : الروايات ، والعمدة فيها روايتان.

إحداهما : رواية سويد القلاء عن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : قلت له : إنّي رأيت في المنام أنّي قلت لك : إنّ القتال مع غير الامام المفترض طاعته حرام ، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير. فقلت لي : نعم هو كذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام هو كذلك ، هو كذلك» (٢).

وفيه : مناقشة سندا ودلالة. أمّا السند فلأنّ البشير الواقع فيه لم يظهر أنّه هو بشير الدهان أو غيره ، مع تعدد المسمى بهذا الاسم ، ووحدة الطبقة ، وعدم المائز.

مع أنّه إن كان هو الدّهان ـ كما صرّح به في سند آخر لهذا الحديث ـ لم يجد أيضا ، لعدم إحراز وثاقته إلّا بالاعتماد على عموم شهادة ابن قولويه قدس‌سره ، وهو لا يخلو من بحث أو منع.

وأمّا الدلالة ، فلأنّ ظاهره هو حرمة القتال بأمر غير الامام المفترض الطاعة من الأعداء المدّعين للخلافة الباطلة ، ولا تدل هذه الرواية على حرمة القتال على المسلمين مع الكفار إذا رأى المسلمون ذوي العقول والآراء في الجهاد مع الكفار مصلحة مهمة عامة للإسلام ، ورفع أعلامه وإعلاء كلمة الحقّ.

لكن يمكن أن يقال : إنّه لو كان المراد ذلك لكان الأولى أن يقال : «القتال مع الجائر أو مع الامام غير المفترض الطاعة حرام» إذ كلمة «غير» تشمل مطلق غير الامام العادل ، ولو كان جمعا من المسلمين ذوي العقول والعدل.

إلّا أن يدّعى : أنّ كلمة «مع غير الامام» تدلّ على أنّ المعية ظاهرة في نشؤ القتال والأمر به من غير الامام ، وهذا لا يشمل قتال جماعة من المسلمين ، بحيث ينشأ القتال من رأيهم واعتقادهم كون القتال صلاحا للإسلام والمسلمين ، لا من شخص واحد.

__________________

(١) كفاية الأحكام ، ص ٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٢ الباب ١٢ من أبواب جهاد العدو ، ح ١.

٣٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فلا تشمل الرواية قتال المسلمين إذا رأوا كون القتال صلاحا للمسلمين.

ثانيتهما : رواية عبد الله بن مغيرة : «قال محمّد بن عبد الله للرضا عليه‌السلام وأنا أسمع : حدّثني أبي عن أهل بيته عن آبائه : أنّه قال له بعضهم : إنّ في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين ، وعدوّا يقال له الديلم ، فهل من جهاد أو هل من رباط؟ فقال : عليكم بهذا البيت فحجّوه. فأعاد عليه الحديث ، فقال : عليكم بهذا البيت فحجّوه. أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته وينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا ، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول الله بدرا. وإن مات منتظرا لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات الله عليه» (١).

وقد أورد على دلالته : بأنّ الظاهر أنّها في مقام بيان الحكم الموقّت ، لا الحكم الدائم ، بمعنى أنّه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص. ويشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد ، مع أنّه لا شبهة في عدم توقفه على إذن الامام عليه‌السلام وثبوته في زمان الغيبة.

أقول : حمله على وقت خاصّ ـ حتى يكون عدم الجواز لأجل عدم المصلحة في وقت خاص ، لا لأجل عدم إذن الإمام عليه‌السلام كما يقول المستدلّ به على اعتبار إذن الامام عليه‌السلام في مشروعية الجهاد ـ خلاف الظاهر وبلا قرينة. وما ذكره من ذكر الرباط لا يشهد بذلك ، حيث إنّه من توابع القتال وإن كان في نفسه جائزا.

نعم لا بأس بأن تكون الرواية ناظرة إلى عدم الجواز ، لكون القتال في ذلك الزمان بأمر خلفاء الجور ، فلا تدلّ على عدم جواز قتال المسلمين المعتقدين بكون الجهاد صلاحا للإسلام والمسلمين حتى يكون عدم الجواز لأجل اعتبار إذن الامام عليه‌السلام في مشروعية الجهاد. وهذا الحكم ـ أعني به عدم الجواز لا يدلّ على اعتبار إذن الامام عليه‌السلام في جواز القتال.

فالمتحصل : أنّه لم يظهر دليل واضح على اعتبار إذنه عليه‌السلام في جواز القتال حتى لا يكون قتال المؤمنين في عصر الغيبة جائزا. فإذا شك في اعتباره يتمسك في دفع اعتباره بالعمومات القرآنية.

وإن نوقش في العمومات بأنّها في مقام تشريع أصل الجهاد ، وليست في مقام بيان الخصوصيات الدخيلة فيه ، فالمرجع أصالة عدم شرطية إذنه عليه‌السلام في مشروعية الجهاد ، هذا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٣ الباب ١٢ من أبواب جهاد العدو ، ح ٥.

٤٠٠