هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

السابقة كأن لم تزل ، وقد أمضاها الشارع وأمر بإزالتها ، بخلاف (١) ما لو كانت الملكيّة الحاصلة غير السابقة ، فإنّ الشارع لم يمضها (٢).

______________________________________________________

(١) يعني : بخلاف ما لو كانت الملكية المتجددة مغايرة للملكية السابقة ، فلا يثبت فيها الخيار ، حيث إنّ الشارع لم يمضها ، لأنّها سبيل منفي كما تقدم آنفا.

(٢) لكونها من السبيل المنفي شرعا.

__________________

باع زيد دكّانه مثلا من عمرو بشرط أن يكون له إلى سنة خيار فسخ هذا البيع ، ثم باع المشتري عمرو في مدة الخيار ـ قبل وقوع الفسخ من البائع ذي الخيار ـ ذلك الدّكان من بكر. فزال ملك الدّكان من عمرو المشتري ، حتى إذا فسخ زيد حينئذ بيع الدكان لم يكن له مطالبة عين الدكان من عمرو ، بل يستحق بدله. فإذا فرض عود الدكان إلى ملك عمرو بسبب ناقل فهل لزيد مطالبة عين الدكان من عمرو ، بدعوى : أنّ الزائل العائد كأنّه لم يزل؟ أم ليس له مطالبة العين ، لأنّ الزائل كأنّه لم يعد. ففي هذا المثال يوجد كلّ من الزوال والعود ، فيكون من موارد هذه الجملة ومصاديقها.

وأمّا مقامنا فليس كذلك ، لأنّه ليس فيه عود مسلم حتى يبحث في كونه كأن لم يزل ، أو كأن لم يعد حتى يكون كالمثال المذكور ، حيث إنّ ثبوت الخيار للبائع الكافر حتى يترتب على فسخ البيع بذلك الخيار عود المبيع وهو العبد المسلم إلى بائعه الكافر ـ حتى يقال : إنّ هذا العود هو الوجود السابق أو وجود حادث ـ غير مسلّم. بل قد تقدّم أنّ ولاية المالك الكافر على بيع عبده المسلم غير ثابتة ، بل عدمها ثابت.

فعلى هذا يكون المقام أجنبيا عن مفاد هذه الجملة : «الزائل العائد كالذي لم يزل .. إلخ».

والحق أنّ الخيارات لكلّ من البائع الكافر والحاكم ساقطة ، من غير فرق بين الخيارات المجعولة شرعا كخياري المجلس والحيوان ، والمجعولة بجعل المتعاقدين ، ومن غير فرق بين الخيارات الناشئة من قاعدة الضرر ، ومن تخلّف الشرط الضمني كخيار الغبن على الخلاف من كونه لأجل قاعدة الضرر ، أو تخلّف الشرط الضمني.

وذلك لحكومة قاعدة نفي السبيل على أدلة الخيار مطلقا ، وإباء نفي السبيل عن

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

التخصيص.

مضافا إلى أنّ المستفاد من قوله عليه‌السلام : «لا تقروه» هو النهي عن المسبّب أعني الملكية بقاء ، وبعد إلغاء خصوصية البقاء ـ التي هي مورد الحديث ـ يفهم العرف بأنّ المبغوض المنهي عنه هو نفس الملكية من غير فرق بين حدوثها وبقائها. والنهي الدال على الفساد يدلّ على فساد كلّ سبب يتسبب به إلى ذلك المسبّب ، سواء أكان بيعا أم صلحا أم فسخا أم غيرها.

والحاصل : أنّ كلّ ما يوجب ملكية العبد المسلم للكافر حدوثا وبقاء فاسد.

ولا يترتب عليه الملكية أصلا. وبذلك تسقط التفاصيل التي ذكروها من الخيارات الأصلية كخياري المجلس والحيوان ، والخيارات الناشئة من أدلة نفي الضرر ، بالسقوط في الأوّل ، لحكومة دليل نفي السبيل على أدلة الخيارات الأصلية ، والثبوت في الثاني ، بتوهم : تقدم دليل نفي الضرر لقوّته على دليل نفي السبيل.

وكذا يسقط التفصيل بين ضرر المشتري المسلم وبين ضرر البائع الكافر ، بثبوت الخيار للأوّل ، لقاعدة الضرر ، وعدم ثبوته في الثاني أي الكافر ، لأنّه لكفره بسوء اختياره أقدم على ضرره ، فلا تشمله قاعدة الضرر.

وجه سقوط هذا التفصيل : عدم جريان قاعدة نفي الضرر في كليهما ، لحكومة نفي السبيل على قاعدة الضرر بعد وضوح عدم تخصيص نفي السبيل بها ، لإبائها عن التخصيص ، هذا.

وأمّا ما ذكروه من خروج الإقدام عن قاعدة الضرر ، وعدم شمولها لمورد الإقدام الحاصل باختيار الكفر ، ففيه : أنّ الخارج عن قاعدة الضرر إنّما هو الاقدام على نفس الضرر ، كالإقدام على المعاملات الغبنية مع العلم بالغبن. وأمّا الإقدام على شي‌ء يترتب عليه الضرر أحيانا وقد لا يترتب ـ كالإقدام على الكفر فيما نحن فيه ـ فهو أجنبي عن قاعدة الإقدام.

فالمتحصل : أنّ جميع الخيارات ساقطة ، ولا يترتب شي‌ء منها على بيع العبد المسلم من المسلم ، سواء أكان المباشر للبيع نفس المولى الكافر أم حاكم الشرع.

٣٦٢

لكن هذا المبني (١) ليس بشي‌ء ، لوجوب (٢) الاقتصار [١] في تخصيص نفي السبيل على المتيقّن (٣).

نعم (٤) يحكم بالأرش (٥) لو كان العبد

______________________________________________________

(١) أي : جملة «الزائل العائد .. إلخ» ليس بشي‌ء.

(٢) تعليل لعدم صحة جملة «الزائل العائد .. إلخ» ومحصّله : أنّ عموم نفي السبيل يشمل الملكية مطلقا ، حتى الملكية التي لا تزول ، وهذا العموم ليس قابلا للتخصيص. والمتيقّن من تخصيصه هو ثبوت الملكية القهرية الابتدائية للكافر كالإرث.

وبالجملة : فالملكية الزائلة العائدة مشمولة لعموم نفي السبيل ، ولا مخرج لها منه ، لعدم دليل على اعتبار هذه الجملة حتى يخرج بها عن عموم دليل نفي السبيل.

وبهذا ظهر أنّ نظر المصنف هو منع الكبرى التي هي مبنى التفصيل ، لا منع صغروية المقام ـ وهو الفسخ بالخيار ـ لها.

(٣) وهو ثبوت الملكية القهرية الابتدائية فقط للكافر كالإرث ، دون الملكية الحاصلة بالفسخ ، فإنّها مغايرة للملكية القهرية. فخروجها عن عموم آية نفي السبيل مشكوك ، فالعموم يشملها.

(٤) بعد منع الخيار المجوّز للرّد ، استدرك عليه بأنّه في خصوص خيار العيب الموجب للرّد أو الأرش يحكم بالأرش ، لتعذر الرد ، كسائر الواجبات التخييرية التي تعذّر أحد عدليها. كما إذا باع الكافر عبده المسلم بثوب ، وكان أحد العوضين معيبا حال العقد ، فإن كان المعيب هو العبد جاز للمشتري المسلم مطالبة الأرش من الكافر. وإن كان المعيب هو الثوب جاز للكافر أخذ الأرش من المشتري.

وعلى كلّ فالبيع من حيث حقّ الرد والفسخ لازم ، لا سلطنة لأحدهما على حلّه. بل يثبت ما يختص بخيار العيب وهو الأرش.

(٥) هو جزء من الثمن ـ لو كان العيب في المبيع ـ يكون نسبته إلى الثمن كنسبة

__________________

(١) لعلّ الأولى التعليل بعدم اعتباره أوّلا ، وعدم انطباقه على المقام ثانيا ، لعدم العلم بالموضوع وهو الزوال والعود كما أوضحناه في التعليقة ، فلاحظ.

٣٦٣

أو ثمنه (١) معيبا.

ويشكل (٢) في الخيارات الناشئة عن الضرر ،

______________________________________________________

التفاوت بين الصحيح والمعيب ، كما إذا فرض أنّه اشترى المبيع بخمسة دنانير ، وكانت قيمته السوقية صحيحا عشرة دنانير ، وقيمته كذلك معيبا ثمانية دنانير ، فالتفاوت بين الصحيح والمعيب اثنان ، وهما خمس العشرة ، فيؤخذ خمس الثمن ، وهو الواحد من الخمسة.

هذا كله في الوجه الأوّل ، وهو نفي الخيار بقول مطلق ، إلّا خيار العيب بالنسبة إلى الأرش. كما تقدّم التفصيل المبتني على قاعدة «الزائل العائد» ، وسيأتي الكلام في تفصيل آخر.

(١) المراد به الثمن المعيّن ، لا ما هو فرد من الثمن الكلّي ، إذ في الثمن الكلّي لا بدّ من تسليم الثمن الصحيح ، ولا مورد للخيار.

(٢) يعني : ويشكل الحكم ـ بعدم ثبوت شي‌ء من الخيارات ـ في الخيارات الناشئة من الضرر.

وهذا إشارة إلى التفصيل بين الخيارات بلحاظ أدلّتها ، فيقال : بعدم ثبوت الخيار المستفاد من دليل خاص ، كخيار المجلس والحيوان والشرط ، وبثبوت الخيار المستند إلى قاعدة نفي الضرر بشرط كون المتضرر هو المسلم.

أمّا عدم ثبوته في القسم الأوّل فلأنّ دليل خيار المجلس ـ مثلا ـ لا يقاوم ما دلّ على نفي السبيل ، ويكون محكوما به ، ونتيجة هذه الحكومة اختصاص خيار المجلس بما إذا لم يكن المبيع عبدا مسلما باعه مولاه الكافر ، فكأنّه قيل : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا إلّا إذا باع الكافر عبده المسلم من مسلم ، فإنّه لا خيار للمتبايعين» إذ لو كان لأحدهما الخيار لزم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، وهو سبيل منفيّ شرعا.

وأمّا ثبوت الخيار في القسم الثاني كخيار الغبن ، فلأنّ قاعدة نفي الضرر وإن تعارضت مع قاعدة نفي السبيل ، في ما لو تضرّر أحد المتبايعين في بيع العبد المسلم ـ لاقتضاء قاعدة نفي السبيل انتفاء الخيار ولزوم العقد ، واقتضاء قاعدة نفي الضرر التزلزل ـ الّا أنّ الترجيح لدليل نفي الضرر ، لقوة الدلالة وإن استفيدت من الشهرة العملية

٣٦٤

من (١) جهة قوّة أدلّة نفي الضرر ، فلا يبعد (٢) الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع ، بخلاف ما لو تضرّر الكافر ، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من كفره (٣) الموجب لعدم قابليّته تملّك المسلم إلّا فيما خرج بالنص.

______________________________________________________

على ثبوت الخيار.

واللازم من تقديم قاعدة نفي الضرر وإن كان ثبوت الخيار لمن تضرّر ـ سواء أكان المتضرر هو الكافر كما إذا باع العبد بأقلّ من قيمته السوقية ، أم المشتري كما إذا اشتراه بأزيد من ثمن المثل ـ إلّا أنّ القاعدة مختصّة بعدم إقدام المتضرر على ضرر نفسه. وبما إنّ الكافر بسوء اختياره للكفر أقدم على الإضرار بنفسه لعلمه بعدم قابليته لتملك العبد المسلم ، فلم يكن هذا الضرر مستندا إلى الشارع حتى ينفى بالقاعدة ، إذ الضرر عنوان للحكم المجعول شرعا ، كلزوم العقد ، ولا يشمل ما استند إلى المقدم على إزالة ملكه عن العبد.

هذا توضيح نظر المصنف قدس‌سره في هذا التفصيل. وإن أمكن التأمل فيه كما تقدم في التعليقة ، ولا أقلّ من منع كون قاعدة نفي الضرر أقوى من قاعدة نفي السبيل ، وحاكمة عليها ، بعد اعترافه في أوّل المسألة بإبائها عن التخصيص ، مع أن لازم تقديم «لا ضرر» ثبوت حقّ الفسخ وإثبات السبيل مرّة أخرى للكافر ، هذا.

(١) متعلق ب «يشكل» وقوله : «من جهة قوّة أدلة .. إلخ» ناظر إلى حكومة القاعدة على نفي السبيل.

(٢) هذه نتيجة قوة أدلة الضرر ، فإنّ تقديم قاعدة الضرر على نفي السبيل يقتضي ثبوت الخيار للمسلم المتضرر من ناحية لزوم البيع. بخلاف تضرر الكافر ، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من اختياره الكفر الذي أوجب عدم قابليته لتملك المسلم إلّا فيما خرج بالنص ، وهو ما تقدم من قول مولانا أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقرّوه عنده».

(٣) يعني : أنّ الضرر نشأ بسوء اختياره الكفر الذي أوجب عدم قابليته لتملك المسلم ، إلّا فيما خرج بالنص المتقدم آنفا ، ولم ينشأ الضرر بجعل الشارع.

٣٦٥

ويظهر ممّا ذكرنا (١) حكم الرجوع في العقد الجائز ، كالهبة.

وخالف في ذلك (٢) كلّه جامع المقاصد ، فحكم بثبوت الخيار والردّ بالعيب تبعا للدروس (٣) ، قال (٤) «لأنّ العقد لا يخرج

______________________________________________________

(١) أي : يظهر من عدم الخيار ـ للكافر وللمشتري ـ حكم الرجوع في العقد الجائز ، وهو عدم جواز الرجوع. فإذا وهب الكافر عبده المسلم لمسلم ، ثم رجع عن الهبة. لم يصحّ له الرجوع ، لا لعدم قابلية الهبة للرجوع ، بل لعدم قابلية الكافر لأن يرجع العبد المسلم إلى ملكه.

(٢) أي : في عدم الخيار للكافر والمشتري ، وفي عدم جواز رجوع الكافر إلى عبده المسلم إذا وهبه لمسلم هبة جائزة.

وهذا في قبال ما تقدّم أوّلا من المصنف من سقوط جميع الخيارات ، سواء أكان الخيار أصليّا كخياري المجلس والحيوان ، أم جعليّا بجعل المتعاقدين كخيار الشرط ، وسواء نشأ من دليل نفي الضرر ، أم من تخلّف الشرط الضمني.

وفي قبال ما تقدم من التفصيلين.

فالغرض هنا التعرض لقولين آخرين :

أحدهما : مختار الشهيد والمحقق الثاني قدس‌سرهما من جريان كافة الخيارات ، وجواز الرجوع في الهبة.

وثانيهما : سقوط الخيارات بالنسبة إلى العين ، فلا يجوز للكافر استرداد العبد المسلم بالفسخ في العقد اللازم ، وبالرجوع في العقد الجائز ، وبقاء حقه الفسخ في القيمة ، كما سيظهر.

(٣) قال الشهيد قدس‌سره : «ولو أسلم عبد الكافر بيع عليه قهرا بثمن المثل .. ويجري فيه أحكام العقد من الخيار والرّد بالعيب فيه أو في ثمنه المعيّن ، فيقهر على بيعه ثانيا» (١).

(٤) أي : قال المحقق الثاني في جامع المقاصد ، ومحصل ما أفاده من التعليل لثبوت الخيار : أنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه ، وهو جواز الرد بالعيب ، ولا نرفع اليد عن هذا

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩.

٣٦٦

عن مقتضاه [١] بكون (١) المبيع عبدا مسلما لكافر ، لانتفاء (٢) المقتضي ، لأنّ (٣)

______________________________________________________

المقتضي لأجل كون المبيع عبدا مسلما لكافر ، فلا بأس بأن يردّ المشتري العبد المسلم المبيع المعيب إلى بائعه الكافر. لا أن يأخذ الأرش منه بإزاء العيب والنقيصة.

(١) الباء للسببية ، يعني : لا يخرج عن مقتضى العقد بسبب كون المبيع عبدا مسلما لكافر.

(٢) تعليل لعدم خروج العقد عن مقتضاه ، يعني : لا مقتضي للخروج عن مقتضى العقد ، وهو الخيار الموجب لجواز الرد.

(٣) تعليل لانتفاء المقتضي ، ومحصله : أنّ نفي السبيل لو كان مقتضيا لخروج العقد عن مقتضاه ـ وهو جواز الردّ بالعيب ، ورجوع المبيع إلى بائعه ـ لكان مقتضيا لخروج العبد عن ملك الكافر أيضا ، لعدم التفاوت بينهما مع وجود السبيل في كليهما. ومن المعلوم بطلان التالي ، وهو خروج العبد عن ملك الكافر ، فإنّ بيع العبد عليه ـ ودفع ثمنه إليه كما هو مقتضى النص ـ دليل على بقاء ملكه.

وكذا الملزوم ـ وهو خروج العقد عن مقتضاه أعني به جواز الرد بالعيب ـ فإنّه

__________________

(١) لا يبعد أن يكون مراد صاحب جامع المقاصد عينية الملكية المترتبة على فسخ العقد مع الملكية السابقة على العقد ، حيث إنّ العرف يحكم بذلك بسبب الفسخ الّذي هو حلّ العقد ، وإن لم يحكم العقل بالعينية ، لاختلاف المشخّصات. والمفروض أنّ الملكية السابقة الإرثية لم تكن مشمولة لآية نفي السّبيل. فلا بدّ أن تكون الملكية الآتية من فسخ العقد أيضا كذلك ، لأنّها عينها عرفا. فإذا لم تكن منفيّة بآية نفي السبيل لم يكن مانع من ترتب مقتضى العقد عليها ، لفرض عينية الملكية الفسخية مع الملكية الإرثية. فترتب الخيار حينئذ ليس لاقتضاء العقد له اقتضاء عقليّا غير منفكّ عنه ، ولا لأقوائيّة دليله من آية نفي السبيل ، هذا.

لكن العينية العرفية غير كافية بعد كون الموضوع الملك الإرثي ، وهذا العنوان لا يصدق على الملك المترتب على الفسخ ، لأنّه ملك جديد لم ينتقل إليه بالإرث ، فيشمله عموم آية نفي السبيل.

٣٦٧

نفي السبيل لو اقتضى ذلك (١) لاقتضى خروجه عن ملكه (٢).

فعلى هذا (٣) لو كان البيع معاطاة فهي على حكمها (٤).

ولو أخرجه (٥) عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها.

نعم (٦) لا يبعد أن يقال : للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس ، أو مطالبته (٧) بسبب ناقل يمنع الرجوع

______________________________________________________

باطل أيضا ، كبطلان خروج العبد عن ملك الكافر.

(١) أي : لو اقتضى رفع اليد عن مقتضى العقد لاقتضى .. إلخ ، وفي جامع المقاصد زيادة «بمجرّده».

(٢) كذا في النسخ ، وفي جامع المقاصد : «عن الملك بالإسلام».

(٣) يعني : فبناء على ثبوت الخيار ـ والرّد بالعيب ـ لو كان البيع واقعا بنحو المعاطاة لجرى فيه أحكام البيع المعاطاتي ، كجواز ترادّ العينين ما دامتا باقيتين ، لكونها عند المحقق الثاني قدس‌سره تفيد الملك الجائز (١) ، وتقدّم تفصيله في بحث المعاطاة ، فراجع.

(٤) أي : حكم المعاطاة كجواز التراد كما مرّ آنفا ، سواء قلنا بما هو المشهور عند القدماء من إفادتها للإباحة ، أم بما اختاره المحقق الثاني من الملك المتزلزل.

(٥) أي : ولو أخرج الكافر العبد المسلم عن ملكه بعنوان الهبة جرت عليه أحكام الهبة من عدم جواز الرجوع فيها إن كانت لذي رحم ، وجواز الرجوع إن كانت لغير ذي رحم.

وقوله : «ولو أخرجه» وكذا قوله : «لو كان البيع معاطاة» متفرعان على ما في جامع المقاصد من ثبوت الخيار في بيع العبد المسلم ، إذا تولّاه مولاه الكافر بنفسه.

(٦) هذا من كلام جامع المقاصد ، وهو استدارك على ما أفاده من ثبوت الخيار والرد للكافر. وحاصل الاستدراك : أنّ للحاكم الشرعي إسقاط حق الخيار للكافر في خيار المجلس.

(٧) معطوف على «إلزامه» يعني : للحاكم مطالبة الكافر بأن ينقل ثمن العبد إلى غيره بسبب ناقل لازم من النواقل الشرعية حتى لا يرجع المشتري بسبب خياره إلى الثمن ،

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٥٨.

٣٦٨

إذا لم يلزم (١) منه تخسير للمال» انتهى (١).

وفيما ذكره (٢) نظر ، لأنّ (٣) نفى السبيل لا يخرج منه إلّا الملك الابتدائي (٤) ، وخروجه لا يستلزم خروج عود الملك إليه (٥) بالفسخ. واستلزام (٦) البيع للخيارات

______________________________________________________

فينفسخ البيع ، وتعود ملكية العبد إلى بائعه الكافر.

(١) يعني : إذا لم يلزم منه ـ أي : من كلّ واحد من إلزام الحاكم بإسقاط الخيار أو مطالبته ـ خسارة مالية على الكافر ، كما إذا كانت قيمة العبد مائة دينار ، وباعه بستين دينارا ، فإنّ إلزامه بإسقاط الخيار أو مطالبته بنقل الثمن يوجب الخسارة على الكافر ، فيقيّد الإلزام والمطالبة بعدم الخسارة.

(٢) يعني : وفيما ذكره المحقق الثاني قدس‌سره من أنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه ـ وهو جواز الرد والفسخ بالخيار ـ نظر. وقد ناقش المصنف قدس‌سره في مواضع من كلام جامع المقاصد.

منها : قوله : «لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه .. الى قوله لاقتضى خروجه عن ملكه» تقريب المناقشة فيه : أنّ تخصيص عموم نفي السبيل بالملك الابتدائي القهري لا يلازم تخصيصه بالملك الحاصل للكافر بالفسخ ، حيث إنّ العام المخصّص حجة في الباقي. وعليه فعموم نفي السبيل ينفى ملكية العبد المسلم للكافر بسبب الفسخ ، لأنّه تخصيص زائد ينفيه العموم.

(٣) تعليل للنظر والمناقشة. وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «تقريب المناقشة فيه».

(٤) القهري كالإرث ، وضمير «وخروجه» راجع الى الملك الابتدائي.

(٥) أي : إلى الكافر ، وحاصله : أنّ خروج الملك الابتدائي القهريّ كالإرث عن عموم نفي السبيل لا يستلزم خروج عود ملك العبد المسلم إلى الكافر عنه بسبب الفسخ ، لكونه تخصيصا زائدا.

(٦) هذا إشارة إلى المناقشة في موضع آخر من كلام المحقق الثاني ، وهو قوله : «ان العقد لا يخرج عن مقتضاه وهو الخيار حتى إذا كان المبيع عبدا مسلما والبائع كافرا ، فإنّ

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٥.

٣٦٩

ليس عقليّا ، بل تابع لدليله الذي هو أضعف من دليل صحّة العقد (١) الذي خصّ بنفي السبيل. فهذا (٢) [فهذه] أولى بالتخصيص به.

مع (٣) أنّه على تقدير المقاومة يرجع إلى أصالة الملك ، وعدم (٤) زواله بالفسخ والرجوع (٥) ، فتأمّل (٦).

______________________________________________________

الخيار ثابت له وعليه».

ومحصل المناقشة هو : أنّ اقتضاء العقد للخيار ليس عقليا حتى يكون الخيار لازما غير مفارق للعقد ، بل يكون الخيار بجعل الشارع وتابعا لدليله ، ومن المعلوم أنّ دليل الخيار أضعف من دليل صحة نفس العقد الذي خصّص بدليل نفي السبيل. فتخصيص دليل الخيار بآية نفي السبيل لضعفه أولى بالتخصيص بالآية من دليل الصحة.

(١) كأوفوا بالعقود ، وأحل الله البيع ، وتجارة عن تراض ، وغيرها.

(٢) يعني : فدليل الخيار أولى بالتخصيص ـ بنفي السبيل ـ من دليل صحة أصل البيع.

فالنتيجة : أنّه لا تعارض بين دليل نفي الخيار ودليل نفي السبيل ، بل دليل نفي السبيل حاكم عليه ، فلا تخرج الملكية المستحدثة بالخيار من عموم نفي السبيل ، وإنّما الخارج منه خصوص الملك القهري الابتدائي كالإرث.

(٣) غرضه منع الخيار رأسا للكافر ـ وإن لم نقل بتقديم آية نفي السبيل على دليل الخيار ، وسلّمنا المعارضة بين دليلي الخيار ونفي السبيل وتساقطهما ـ حيث إنّه بناء على التساقط لا وجه للخيار ، بل المرجع حينئذ الأصل العملي ، وهو أصالة بقاء الملك على ملك المشتري ، وعدم زواله بفسخ الكافر ورجوعه.

ولا يرجع إلى أصالة الفساد ، لأنّ الشك ليس في الصحة والفساد ، بل في انفساخ العقد الصحيح وزواله. فالمرجع استصحاب بقاء العقد وأثره وهو الملك.

(٤) معطوف على «الملك» أي : يرجع إلى أصالة عدم زوال الملك بالفسخ والرجوع.

(٥) معطوف على الفسخ.

(٦) لعلّه إشارة إلى : أنّ تسليم المعارضة ـ والغضّ عن حكومة نفي السبيل على دليل صحة البيع ـ يقتضي الرجوع إلى أصالة الفساد ، لأنّ الشك حينئذ في أصل صحة عقد البيع ، لا في بقائه حتى يستصحب ملكية العبد المسلم لمشتريه المسلم.

وبالجملة : فلا يرجع حينئذ إلى أصالة بقاء ملك المشتري بعد فسخ البائع الكافر.

٣٧٠

وأمّا (١) ما ذكره أخيرا بقوله : «لا يبعد» ففيه : أنّ إلزامه (٢) بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع (٣) [١] ، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر إلى ملك المسلم بمنزلة (٤)

______________________________________________________

أو إشارة إلى : ما سيذكره من قوله : «إلا أن يقال : انّ مقتضى الجمع بين أدلة الخيار ونفي السبيل .. إلخ» وحاصله : أنّ الجمع بين دليلي نفي السبيل والخيار يقتضي ثبوت الخيار والحكم بالقيمة ، لأنّ نفي السبيل مانع شرعي من استرداد المثمن أعني به العبد.

أو إشارة إلى غير ما ذكر.

والحقّ جريان أصالة بقاء ملك المشتري ، وعدم تأثير فسخ البائع الكافر في انحلال العقد ، ورجوع ملك العبد المسلم إلى بائعه الكافر.

(١) هذا إشارة إلى المناقشة في موضع ثالث من كلام المحقق الثاني ، وهو قوله : «لا يبعد أن يقال للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس .. إلخ».

وحاصل مناقشة الشيخ قدس‌سره فيه هو : أنّ إلزام البائع الكافر بإسقاط الخيار ونحوه ليس بأولى من الحكم بنفي الخيار وعدم جواز الرجوع ، لتعذر الرجوع من جهة المانع ، وهو أن خروج العبد المسلم عن ملك الكافر إلى ملك المسلم من التصرف المانع من الفسخ.

(٢) أي : أنّ إلزام الحاكم للكافر بإسقاط الخيار أو بالمطالبة ليس بأولى .. إلخ.

(٣) أي : بعدم الخيار الموجب لجواز الفسخ والرجوع من أوّل الأمر حتى نحتاج إلى الاستدراك بإلزام الكافر بإسقاط نحو خيار المجلس.

ويمكن أن يقال بأولويته ، لكونه جمعا بين دليل نفي السبيل وأدلة الخيارات.

(٤) خبر قوله : «فيكون» والظرف في «من ملك ، إلى ملك» متعلق ب «خروج».

__________________

(١) ظاهره الإشارة إلى ما ذكره سابقا في (ص ٣٥٦) من قوله : «فإذا تولّاه المالك بنفسه فالظاهر أنّه لا خيار له ولا عليه». وهذه العبارة كالصريح في عدم جعل الخيار أصلا للبائع الكافر. فيفهم منها دفع الخيار بمعنى عدم تشريعه وعدم حدوثه. ولا يلائم هذا المعنى ما فرّعه عليه بقوله : «فيكون خروج المسلم» لأنّ هذا التفريع يناسب وجود الخيار ،

٣٧١

التصرّف (*) المانع من الفسخ والرجوع.

وممّا ذكرنا (١) يظهر أنّ ما ذكره في القواعد ـ من قوله : «ولو باعه من مسلم بثوب ، ثمّ وجد في الثوب [الثمن] عيبا جاز ردّ الثمن [الثوب]. وهل يستردّ (٢) العبد

______________________________________________________

(١) من قولنا في (ص ٣٥٦) : «فإذا تولّاه المالك بنفسه فالظاهر أنّه لا خيار له ولا عليه» مع تأييده بقوله في (ص ٣٧١) : «ففيه : أن إلزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع ، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر .. إلخ» وغرضه التعرض لآخر الأقوال والوجوه الموجودة في المسألة ، وهو تفصيل العلّامة قدس‌سره في القواعد.

ومحصله : أنّه لو باع الكافر العبد المسلم من مسلم بثوب ، ثمّ وجد في الثوب عيبا ، جاز للبائع ردّ الثوب. وهل يستردّ البائع الكافر نفس المبيع ـ وهو العبد المسلم ـ أم يستردّ بدله أعني القيمة؟ فيه نظر ، ينشأ من كون استرداد العبد تملكا للمسلم اختيارا ، فلا يجوز استرداده. ومن كون الرد بالعيب موضوعا على القهر كالإرث ، حيث إنّه من حكم الشارع ، وليس باختيار البائع ، فيجوز استرداد العبد بعينه.

(٢) يعني : وهل يسترد البائع الكافر العبد أم القيمة؟ فيه نظر.

__________________

ضرورة أنّ التصرف المانع من الفسخ مسقط للخيار ورافع له ، لا مانع من حدوثه. وقد تقدم أنّ المانع من حدوث الخيار للبائع الكافر قوله عليه‌السلام : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين».

مضافا إلى كون الخيار موجبا للسلطنة على حلّ العقد ، وهذه السلطنة منفيّة بآية نفي السبيل.

(*) لم يظهر مراده قدس‌سره من مانعية هذا الخروج للخيار ، وكونه بمنزلة التصرف المانع من الفسخ ، فإنّ الخروج من ملك الكافر إلى ملك المسلم موضوع الخيار ، فكيف يكون رافعا للخيار ، فإنّ الموضوع مقتض لحكمه وكالعلّة له ، ولا يعقل أن يكون مقتضى الشي‌ء رافعا له ، فلا بدّ أن يكون التصرف المانع عن الفسخ غير التصرف البيعي الذي هو موضوع للخيار. فتعليل عدم جواز الرجوع والفسخ بلزوم السبيل المنفيّ أولى.

٣٧٢

أو القيمة؟ فيه نظر ينشأ من (١) كون الاسترداد تملّكا للمسلم اختيارا ، ومن (٢) كون الردّ بالعيب موضوعا على القهر كالإرث» انتهى (١) ـ محلّ (٣) تأمّل (٤).

إلّا (٥) أن يقال : إنّ مقتضى الجمع بين أدلّة الخيار ونفي السبيل ثبوت الخيار ، والحكم بالقيمة ، فيكون (*) نفي السبيل مانعا شرعيّا من استرداد المثمن (٦) ، كنقل المبيع (٧) في زمان الخيار ،

______________________________________________________

(١) هذا وجه عموم جواز استرداد العبد ، وقد تقدم آنفا توضيحه.

(٢) هذا وجه الجواز ، وقد مرّ بيانه.

(٣) خبر «ان» في قوله : «ان ما ذكره في القواعد».

(٤) وجه التأمل : أنّ جواز ردّ الثمن يدلّ على ثبوت الخيار للكافر ، وقد تقدم في (ص ٣٧١) عدم ثبوته له ، حيث قال : «انّ إلزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع .. إلخ».

(٥) استثناء من عدم ثبوت الخيار للكافر ، وإثبات للخيار له ، ببيان : أنّ مقتضى الجمع بين أدلة الخيار ودليل نفي السبيل ثبوت الخيار للكافر ، لكن لا باسترداد شخص العبد ، بل بأخذ قيمته ، لأن نفي السبيل مانع شرعي من استرداد شخصه ، وموجب للحكم بأخذ قيمته.

(٦) وهو العبد المسلم ، حيث إنّ رجوعه إلى ملك الكافر البائع ـ بسبب الفسخ بالخيار ـ سبيل للكافر على المؤمن ، وهو منفي بالآية المباركة.

(٧) هذا تنظير لمانعية السبيل من استرداد نفس المبيع ، فإنّ نقل المثمن في زمان الخيار بأحد النواقل الشرعية مانع عن استرداد عين المبيع بالخيار ، بل لا بدّ من الأخذ

__________________

(*) لعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا : «والحكم بأخذ القيمة دون العين ، لكون نفي السبيل مانعا شرعيا من استرداد المثمن» و «ذلك لأنّ «الفاء» في «فيكون» طاهر في تفرع ما بعده على ما قبله ، مع وضوح أنّه ليس كذلك ، ضرورة أنّ الحكم بالقيمة دون استرداد عين المبيع مبنيّ على مانعية نفي السبيل من استرداد العين. فنفي السبيل علّة للحكم بالقيمة

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٨.

٣٧٣

وكالتلف (١) الذي هو مانع عقليّ.

وهو (٢) حسن إن لم يحصل السبيل بمجرّد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف (٣) باستحقاق بدله (*). ولذا (٤) حكموا بسقوط الخيار في من ينعتق على المشتري ،

______________________________________________________

ببدله من المثل أو القيمة. فإذا باع متاعه بشرط الخيار ، ونقل المشتري ـ الذي عليه الخيار ـ ذلك المتاع في زمن الخيار الى غيره ، وأخذ البائع بالخيار ، وفسخ ، لم يكن له مطالبة عين المبيع ، بل له البدل ، لأنّ نقل من عليه الخيار للمبيع مانع عن الرجوع إلى العين.

(١) هذا تنظير ثان لمانعية السبيل من استرداد عين المبيع ، فإنّ التلف السماوي يوجب الانتقال إلى البدل.

(٢) أي : الاستثناء المزبور ـ وهو قوله : «الا ان يقال ان مقتضى الجمع بين أدلة الخيار .. إلخ» ـ حسن إن لم يرد عليه إشكال نفي السبيل ، حيث إنّ استحقاق البدل كاشف عن استحقاق المبدل أي العبد ، وهو علوّ وسبيل للكافر على المسلم ، وذلك منفي بالآية.

(٣) نعت ل «استحقاق» يعني : المنكشف هذا الاستحقاق بسبب استحقاق بدل العبد ، وهو الثمن ـ أو الثوب ـ في مثال العلّامة رحمه‌الله في القواعد الذي مرّ آنفا.

(٤) أي : ولأجل كشف البدل عن استحقاق المبدل ـ وتفرّع استحقاق البدل عليه ـ حكم الفقهاء بسقوط خيار المجلس مطلقا حتى بالنسبة إلى البدل في من ينعتق على المشتري كالعمودين ، حيث إنّ الحكم بثبوت الخيار بالنسبة إلى البدل يستلزم استحقاقه للمبدل كما هو مقتضى الكشف والتفرع ، وذلك ينافي عدم ملكية العبد لمن ينعتق عليه إلّا للانعتاق.

__________________

لا معلول له ، ومتفرع عليه كما هو ظاهر الفاء.

(١) لا يخفى أنّه بناء على هذا الجمع لا يكشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل ، حيث إنّ دليل نفي السبيل ينفي استحقاق المبدل ، إذ هو مقتضى الجمع بينه وبين أدلة الخيار. ومع الدليل على نفي الاستحقاق كيف يكشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل. ومع الغضّ عن ذلك وتسليم كشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل لا ضير في هذا الاستحقاق ، لأنّه كنفس إضافة الملكية مجرّدة عن السلطنة في عدم كونها سبيلا منفيّا.

وبالجملة : فمجرد استحقاق المبدل لا يكون سبيلا.

٣٧٤

فتأمّل (١).

______________________________________________________

وبالجملة : مقتضى الكشف والتفرع امتناع استحقاق البدل بدون استحقاق المبدل. قال المحقق الشوشتري قدس‌سره : «أسقط العلّامة في التذكرة والقواعد هذا الخيار ـ أي خيار المجلس ـ في شراء القريب. وتبعه الصيمري والمحقق الكركي والشهيد الثاني والأردبيلي. وظاهر المسالك : أنّه محل وفاق ..» (١).

(١) لعلّه إشارة إلى : أنّ دليل خيار المجلس قاصر عن شموله لهذا المورد ، حيث إنّه ظاهر في اعتبار بقاء الملكية إلى زمان اللزوم ، وهو زمان الافتراق ، والمفروض أنّه ليس كذلك ، ضرورة أنّه بمجرّد حصول الملكية بعقد البيع ينعتق العبد المبيع على المشتري ، فلا تبقى الملكية إلى زمان الافتراق حتى يحصل الخيار للبائع الكافر ، هذا.

أو إشارة إلى عدم صدق السبيل للكافر على المؤمن بمجرّد استحقاق المبدل ، المنكشف باستحقاق البدل ، فإنّ هذا الاستحقاق كنفس إضافة الملكية ـ المجردة عن السلطنة ـ في عدم السبيل.

أو إشارة إلى : أنّ سقوط الخيار بالنسبة إلى العين وثبوته بالنسبة إلى القيمة إنّما هو مقتضى الجمع بين أدلة الخيار والدليل الدالّ على أنّ الحرّ لا يعود رقّا ، فإنّ المعتق كالتالف. فعلى المشتري الذي انتقل إليه العبد أن يدفع قيمته يوم الانعتاق إلى البائع ، ويسترد الثمن منه.

ولعلّ أقرب هذه الوجوه المحتملة هو الوجه الأوّل ، لأنّه ظاهر نفس دليل خيار المجلس ، حيث إنّ جعل الافتراق سببا للزوم البيع يتوقف على بقاء الملكية الجائزة الخيارية إلى حصول الافتراق الذي هو سبب لزوم الملكية ، فلا بدّ من بقاء الملكية إلى زمان الافتراق في ثبوت الخيار.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٧٦ ولاحظ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٥٤٨ ، جواهر الكلام ، ج ٢٣ ، ص ١٨ و ١٩.

٣٧٥

مسألة :

المشهور عدم جواز نقل (١) المصحف إلى الكافر ،

______________________________________________________

حرمة نقل المصحف الى الكافر

(١) عنوان المسألة «عدم جواز تملك الكافر للمصحف الشريف بشي‌ء من النواقل الاختيارية من البيع وغيره ، والقهرية كالإرث» فلو ارتدّ المسلم وكان مالكا للمصحف خرج عن ملكه بمجرّد الارتداد. وهل يدخل في ملك الإمام عليه‌السلام أو المسلمين أم يصير مباحا كالمباحات الأصلية؟ كلّ من هذه الوجوه محتمل ثبوتا ، وإثبات بعضها منوط بدلالة الدليل عليه.

والحاصل : أنّ عنوان المسألة من النقل الاختياري ـ كما هو ظاهر المتن ـ أخص من العنوان المبحوث عنه في كلمات الأصحاب هذا.

ثم إنّ المصنف قدس‌سره تعرّض لهذه المسألة في خاتمة بحث الأجرة على الواجبات ، فإنّه قدس‌سره ذكر في الخاتمة مسألتين ، إحداهما : مسألة بيع المصحف ، والأخرى : مسألة جوائز السلطان. وقد اختار المصنف في المسألة الاولى عدم الجواز ، وقال في صدر المسألة : «صرّح جماعة كما عن النهاية والسرائر والتذكرة والدروس وجامع المقاصد بحرمة بيع المصحف».

والظاهر أنّ غرضه من تعرض هذه المسألة في الخاتمة هو بيان أن بيع المصحف هل هو كبيع مشاعر العبادة ـ كالمشعر وعرفات ومنى ـ في عدم قابليّته للبيع ونحوه من النواقل الشرعية؟ أم هو ممّا يقبل البيع في نفسه ، إلّا أن يكون هناك مانع كالكفر.

ولهذه الجهة ذكر هذه المسألة في مباحث شرائط المتعاقدين ، على أن يكون عدم جواز بيع المصحف مستندا إلى كفر من ينتقل إليه المصحف ، كاستناد عدم جواز نقل العبد

٣٧٦

ذكره الشيخ (١) والمحقّق (٢) في الجهاد ، والعلّامة في كتبه (١) ، وجمهور من تأخّر عنه (٢).

______________________________________________________

المسلم إلى الكافر إلى كفره ، ولذا استدلّ على عدم جواز بيع المصحف من الكافر هنا بغير ما استدلّ به على عدم جواز بيعه في الخاتمة ، فلاحظ وتدبّر (*).

(١) عنونه العلّامة قدس‌سره في كتاب البيع ، وقال في جهاد التذكرة أيضا : «ونمنع المشرك من شراء المصاحف إعزازا للقرآن ، فإن اشترى لم يصح البيع» (٣). والتعليل بالإعزاز والإعظام جار في غير المسلم مطلقا سواء أكان مشركا أم كتابيّا.

(٢) أي : عن العلّامة ، كفخر المحققين في الإيضاح وشرح الإرشاد ، والشهيد في الدروس واللمعة ، والشهيد الثاني في المسالك والروضة ، والمحقق الكركي ، كما في مفتاح الكرامة ، فراجع (٤).

__________________

(*) ثم إنّ محصّل ما ينبغي أن يقال في بيع المصحف ـ المذكور في الخاتمة ـ هو حرمة بيع المصحف بمعنى النقوش ، وجواز بيع الورق بدون النقوش ، بحيث لا يكون كلامه تعالى جزءا ولا قيدا ، بأن يكون المبيع الورق والغلاف والحديد مجرّدة عن النقوش.

وهذا الكلام هو ما يستفاد من النصوص بلا تعارض بينها حتى يجمع بينها بحمل النصوص المانعة على الكراهة الذي هو جمع حكمي ، فإنّ نفس النصوص ظاهرة في جواز بيع ما عدا كلامه سبحانه وتعالى. وحرمة بيع نفس كلامه تعالى شأنه ، ولا تدلّ على جواز بيع ذلك أصلا.

واشتمال تلك النصوص على كتابة القرآن بترتيب خاص لا يدل على جواز تملك القرآن بتلك الكيفية. وتفصيل البحث في هذا المقام يطلب مما ذكره في الخاتمة.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٦٢.

(٢) الشرائع ، ج ١ ، ص ٣٣٤.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ٩ ، ص ٣٨٩ وج ١٠ ، ص ٢٣ ، قواعد الاحكام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، نهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٦ ، إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦٠.

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٦ ، ولاحظ الدروس ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٤٣ ، مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ٨٨ ، وص ١٦٦ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٣٣.

٣٧٧

وعن الإسكافي (١) أنّه قال : «ولا اختار أن يرهن الكافر مصحفا ، و [أو] ما يجب على المسلم تعظيمه ، ولا (٢) صغيرا من الأطفال». انتهى (١) (*).

______________________________________________________

(١) حكاه عنه العلامة في المختلف ، وفيه «ولا ما يجب» بدل «وما يجب» والمؤدّى واحد.

(٢) هذا وقوله : «وما يجب» معطوفان على «مصحفا» والمراد بالأطفال أطفال العبيد المسلمين ، لا أطفال المسلمين الأحرار ، كما لا يخفى. ومقصود ابن الجنيد قدس‌سره بيان حرمة البيع بالفحوى ، إذ لو كان رهن المصحف وغيره ممّا يجب على المسلم تعظيمه حراما ، كان تملك الكافر غير جائز بالأولوية.

__________________

(*) لا يخفى أنّ في المسألة جهات من البحث.

الاولى : أنّ المراد بالنقل هل هو خصوص النقل الاختياري كالبيع كما هو ظاهر العنوان؟ أم أعم منه حتى غير الاختياري كالإرث.

الثانية : أنّ المراد بالمصحف هل هو خصوص الخطوط؟ أم ما بين الدّفتين.

الثالثة : أنّ المراد بحرمة النقل هل هي الحرمة التكليفية أم الوضعية أم كلتاهما؟

أما الجهة الأولى فالظاهر أنّها هي المقصودة من البيع الوارد في النصوص ، بقرينة ما في بعضها من قوله عليه‌السلام : «لا تشتر كلام الله» فإنّ قوله عليه‌السلام : «كلام الله» مشعر بالتعظيم ، والمناسب للتعظيم عدم نقل كلامه تعالى كنقل سائر الأمتعة. فدعوى كون موضوع الحكم مطلق النقل ، لا خصوص النقل البيعي ، قريبة جدّا. بل دعوى كون موضوع الحكم مطلق الانتقال ـ ولو غير الاختياري ـ ليست ببعيدة.

فالمراد التملك بالسبب الاختياري وغيره كما صرّح به في أنوار الفقاهة بقوله : «ولا فرق بين البيع وجميع النواقل معاوضية أو مجانية. ولو باع على الكافر كتابا وفيه آيات من القرآن بطل البيع أو تبعضت الصفقة ..» وقال أيضا : «ولو كفر المسلم زال حكم الملك عنه على الأظهر. ولا يجري عليه حكم العبد المسلم في قهر الكافر على بيعه ، لثبوت ملكه له» فراجع (٢).

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٤٢٢.

(٢) أنوار الفقاهة (مخطوط) ، مجلّد التجارة ، ص ٤٧.

٣٧٨

واستدلّوا عليه (١) بوجوب (٢) احترام المصحف ، وفحوى (٣) المنع من بيع العبد

______________________________________________________

(١) أي : استدلّوا على عدم جواز نقل المصحف الشريف إلى الكافر بوجهين.

(٢) متعلق ب «استدلّوا» توضيح هذا الدليل : أنّ وجوب احترام المصحف الشريف يقتضي حرمة إهانته شرعا ، وقبحها عقلا. وحرمة الإهانة توجب فساد البيع ، والمفروض أن بيع المصحف من الكافر إهانة منهيّ عنها ، إمّا لكون الإهانة والاحترام من الضدّين اللذين لا ثالث لهما. وإمّا لكون الإهانة نقيضا للاحترام ، فيبطل البيع.

ثم إنّ هذا الوجه ورد الاستدلال به في كلام شيخ الطائفة وجلّ من تأخر عنه كالمحقق والعلامة وفخر المحققين وغيرهم (١).

(٣) معطوف على «وجوب» وهذا دليل ثان على حرمة نقل المصحف إلى الكافر ، تمسك به في أنوار الفقاهة بقوله : «لفحوى ما تقدم من الأدلة ان لم تكن هي القرآن أولى» (٢).

__________________

وأمّا الجهة الثانية فالمراد بها هي الخطوط كما عن الدروس التصريح بها ، لا مطلق ما بين الدّفتين. ولا بدّ أن يكون كذلك ، لأنّ قوله عليه‌السلام : «لا تشتر كلام الله» لا ينطبق على غير الخطوط ، فإنّ الورق ليس كلام الله تعالى. بل هو ظرف له ، وإطلاق المصحف على الورق إنّما هو بعلاقة الظرفية.

وأمّا الجهة الثالثة فحاصلها : أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي كون النهي هنا دالّا على الفساد ، لأنّ المناسب للنهي عن بيع كلام الله تعالى هو عدم انتقال إضافة ملكيّته إلى أحد ، بل نفس قولهم عليهم‌السلام : «لا تشتروا كلام الله» يشعر بل يدلّ على فساد بيعه ، فإنّ قوله عليه‌السلام : «لا تشتروا كلام الله» كقوله : «لا تشتروا بيت الله» في انفهام عدم القابلية للبيع والشراء ، هذا.

مضافا إلى : أنّ النهي عن أحد ركني العقد كالنهي عن بيع الخمر والخنزير يدلّ على الفساد ، كما قرّر في محلّه. وفي بعض النصوص «لن تشترى المصاحف» فإنّ النفي المزبور يدلّ على عدم قابلية المصاحف للشراء ، كسائر الأموال القابلة للبيع والشّراء.

__________________

(١) تقدمت الإشارة إلى المصادر آنفا.

(٢) أنوار الفقاهة (مخطوط) مجلد التجارة ، ص ٩٨.

٣٧٩

المسلم من الكافر.

وما ذكروه (١) حسن ، وإن كان وجهه (٢) لا يخلو من تأمّل أو منع (*).

______________________________________________________

وذكره صاحب الجواهر في مناقشة ما ذهب إليه المحقق في كتاب الجهاد من جواز بيع الأحاديث النبوية ـ على كراهة ـ على الكافر ، فقال : «وفيه : أنّه مناف للدليل المشترك بين الجميع ، وهو وجوب التعظيم وحرمة الإهانة ، وأنّ ملك الكافر للمحترم مناف لذلك ، كما يومي إليه ما تقدّم من عدم تملكه للعبد المسلم الذي ما نحن فيه أولى منه من وجوه ، .. إلخ» (١). لكنه تأمّل فيه في آخر كلامه ، فراجع.

وكيف كان فتقريب الفحوى : أنّ حرمة بيع العبد المسلم من الكافر تقتضي حرمة نقل المصحف إلى الكافر بالأولوية ، لأنّ مجرّد الإضافة إلى الإسلام إن كان موجبا لحرمة النقل إلى الكافر ، فالقرآن المجيد الذي هو أقوى من العبد في هذه الإضافة ـ بل قيل : إنّه حقيقة الإسلام ـ يكون أولى منه بعدم جواز النقل إلى الكافر ، فإنّ القرآن مصدر الإسلام ، والعبد المسلم مورده.

(١) من عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر.

(٢) يعني : وجه ما ذكروه لا يخلو من تأمل أو منع ، لأنّ تعظيم المصحف الشريف

__________________

(*) لأنّ وجوب الاحترام حكم تكليفي محض ، ومخالفته لا تقتضي فساد البيع ، فتأمّل.

مضافا إلى : أنّه أخص من المدّعى ، لأنّا نفرض كون المصحف تحت يد المسلم وفي مكتبته ، لا تحت يد الكافر حتى يلزم هتك المصحف ، إذ ليس مجرّد الملكية الاعتبارية إهانة وهتكا للاحترام. قال في الجواهر : «بل لا يخلو أصل المسألة ـ وهو منع بيع المصحف من الكافر ـ من ذلك ـ أي من بحث لا مكان منع منافاة ملكية الكافر للاحترام ، خصوصا إذا اتخذه على جهة التّبجيل والتبرك والاحترام ، كما يصنعه بعض النصارى في تراب الحسين عليه‌السلام عند الطوفان ..» (٢).

وإلى : أنّه لم يثبت وجوب الاحترام زائدا على حرمة الإهانة بحيث ينافي صحة المعاملة.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٣٨ و ٢٣٩.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٤٠.

٣٨٠