هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

وأمّا الثالث (١) ، فالمحكيّ (١) عن المبسوط والخلاف التصريح بالمنع ، لما (٢) ذكر في الأوّل (*).

______________________________________________________

المصنف قدس‌سره في فرائده في الشبهة المحصورة (٢).

(١) وهو قول الكافر للمسلم : «أعتق عبدك عني» فقيل كما في المبسوط والخلاف : بمنع تملك الكافر للمسلم آنا ما حتى يصحّ عتقه عنه ، لتوقف العتق على الملك ، فبدونه لا يصح العتق ، والمفروض عدم تملك الكافر له. قال في المبسوط : «إذا قال كافر لمسلم : أعتق عبدك عن كفارتي ، فأعتقه ، صحّ إن كان العبد كافرا. وإن كان مسلما لم يصحّ ، لأنّه لا يملك مسلما ..».

(٢) تعليل لمنع صحة البيع في المورد الثالث ، وهذا التعليل هو الذي ذكر في الوجه الأوّل ، من : أنّ التملك بمجرده سبيل ، والسيادة علوّ. وهذه العلّة هي التي حكاها المصنف عن المبسوط والقاضي اللّذين منعا شراء الكافر العبد المسلم الذي ينعتق عليه.

__________________

(*) إلّا أن يقال : إنّ قوله عليه‌السلام : «لا عتق إلّا في ملك» لا يقتضي إلّا كون المعتق مالكا ، ولا يقتضي كون المعتق عنه مالكا. وعليه فلا يقتضي استدعاء العتق تمليكا وتملكا ضمنيا ليكون سبيلا منفيّا. فتعليل المتن للمنع بذلك منوط باقتضاء الاستدعاء المذكور.

وعلى فرض اقتضائه لذلك وحصول التمليك الضمني لا ينبغي الإشكال في صحة تملك الكافر المترتب عليه العتق ، لعدم كونه سبيلا منفيّا ، فيكون هذا المورد الثالث كالأوّل مستثنى من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، خلافا للشيخ والقاضي ، كما تقدم في (ص ٣٣٧).

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٧ ، المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٦٨ ، الخلاف ، ج ٣ ، ص ١٩٠ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣١٧.

(٢) فرائد الأصول ، ج ٢ ، ص ٢٠٩ ، نشر مجمع الفكر الإسلامي ، عام ١٤١٩.

٣٤١

ومنها (١) ما لو اشترط البائع عتقه ، فإنّ الجواز هنا محكيّ (١) عن الدروس والروضة.

وفيه (٢) نظر ، فإنّ ملكيّته قبل الانعتاق سبيل وعلوّ ،

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «منها ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق» يعني : ومن مواضع الاستثناء ـ من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ـ : ما لو اشترط بائع العبد المسلم على مشتريه الكافر عتقه ، فإنّ جواز تملك الكافر له مع هذا الشرط محكي عن الدروس والروضة.

والظاهر عدم الفرق بين شرط النتيجة ، بأن يقول للكافر : «بعتك هذا العبد المسلم بكذا بشرط أن ينعتق» وبين شرط الفعل ـ أي الإعتاق ـ كأن يقول له : «بشرط أن تعتقه».

فبناء على صحة شرط النتيجة يحصل الانعتاق قهرا ، ولم تكن ملكية الكافر آنا سبيلا على العبد المسلم ، والمفروض صحة الشرط ، لكونه سائغا في نفسه.

وبناء على بطلان اشتراط النتائج لا بدّ أن يكون المشروط على المشتري الكافر هو الإعتاق بعد العقد. والظاهر من كلام الشهيدين هو هذا ، ولذا فرّعوا عليه كما في الجواهر ـ بأنّ الكافر إن وفي بالشرط فهو ، وإن لم يف به فإمّا أن يجبر على الإعتاق ، وإمّا أن يفسخ البائع.

(٢) أي : وفي جواز تملك الكافر للعبد المسلم هنا قبل العتق نظر ، لوضوح توقف العتق على الملك بمقتضى قوله عليه‌السلام : «لا عتق إلّا في ملك» والمفروض امتناع تملك الكافر للعبد المسلم قبل انعتاقه ، لكونه سبيلا وعلوّا له على المسلم ، وذلك منفي شرعا.

وعليه فلا يملكه الكافر حتى يصحّ شرط عتقه ، إذ لا مورد لهذا الشرط مع فرض عدم تحقق الملكية للكافر.

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي وصاحب الجواهر ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٤١ ، ولاحظ الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٤٤.

٣٤٢

بل (١) التحقيق أنّه لا فرق بين هذا (٢) وبين إجباره (٣) على بيعه في (٤) عدم انتفاء السبيل بمجرّد ذلك (٥).

والحاصل (٦) أنّ السبيل فيه ثلاثة احتمالات ـ كما عن حواشي الشهيد ـ مجرّد

______________________________________________________

(١) غرض المصنف منع كلام الشهيدين بالنقض عليهما بما لا يلتزمان به ، وبيانه : أنّه لو كان اشتراط البائع عتق العبد المسلم على مشتريه الكافر كافيا في صحة بيعه من الكافر ، لكان إجبار الكافر على بيع العبد المسلم من مسلم كافيا في صحة بيعه من الكافر أيضا ، إذ لا فرق بين الاشتراط وبين الإجبار بعد اشتراكهما في حصول الملك الذي هو السبيل في الآية المباركة للكافر على المسلم. وفي عدم استقرار ملك الكافر في كلّ من الاشتراط والإجبار.

(٢) وهو اشتراط البائع عتق العبد المسلم على الكافر الذي يشتريه.

(٣) أي : إجبار الكافر على بيع العبد المسلم.

(٤) متعلق ب : «لا فرق» وجه عدم الفرق بينهما هو : أنّ الاشتراط لا يفيد إلّا جواز الإجبار على البيع ، ومن المعلوم وجود هذا الجواز من الشارع ، لقوله عليه‌السلام : «لا تقرّوه عنده وبيعوه من المسلمين» فإن لم يكف الإجبار الشرعي في صحة تملك الكافر ، فالإجبار الناشئ من ناحية الشرط أيضا كذلك.

(٥) أي : بمجرد اشتراط البائع عتقه على الكافر ، يعني : أنّ مجرد اشتراط العتق على الكافر لا ينفي سبيل الكافر على المسلم حتى يجوز بيعه من الكافر.

(٦) الغرض من بيان هذا الحاصل الإيراد على الشهيد في حكمه بالجواز هنا ـ مع ملاحظة كلامه في محتملات السبيل ـ ولكن رتّب المصنف عليها غير ما صرّح الشهيد به ، فيكون مقصود المصنف بيان أصل الاحتمالات الثلاثة ، وما يقتضيها كل منها بنظره مع الغضّ عمّا رتّبه الشهيد عليها.

والأولى نقل نصّ عبارة الحواشي المنقولة في مفتاح الكرامة ، وهي : «أن السبيل المنفي بالآية الشريفة قد فسّر بثلاثة تفاسير ، بمجرد الملك وبالملك القارّ وبقابليته. فعلى الأوّل يمتنع شراء من ينعتق عليه. وعلى الثاني والثالث يصح. ومشروط العتق يبطل على الأوّل والثاني ، ويصحّ على الثالث» (١).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨.

٣٤٣

الملك (١) ، ويترتّب عليه (٢) عدم استثناء ما عدا (٣) صورة الإقرار بالحرّيّة.

والملك (٤) المستقر ولو بالقابليّة ـ كمشروط العتق ـ ويترتّب عليه (٥) استثناء

______________________________________________________

وهي صريحة في أن صحة البيع بشرط العتق متوقفة على كون السبيل المنفي بقاء الملك أو القابلية وإن لم يكن ملك فعلا. وأمّا بناء على كون السبيل المنفي أصل التملك ـ ولو آنا ـ فيبطل البيع المزبور.

(١) هذا أوّل احتمالات السبيل في الآية المباركة ، والمراد به إضافة الملكية مجردة عن الاستقرار وعدمه ، فنفس الملكية سبيل للكافر على المسلم ، فلا يملكه الكافر ولو مع اشتراط العتق ، لأنّه لا يسوّغ تملك الكافر للعبد المسلم.

(٢) أي : على الاحتمال الأوّل ، وهو مجرّد إضافة الملكية ، وحاصل ما يترتّب على هذا الاحتمال : عدم استثناء ما عدا صورة الإقرار بالحرية ، وهو الصورة الاولى أعنى بها انعتاق من ينعتق على الكافر قهرا.

والصورة الثالثة أعني بها : قول الكافر للمسلم «أعتق عبدك عنّي».

توضيح وجه عدم الاستثناء من الاحتمال الأوّل ـ وهو مجرد إضافة الملكية ـ : أنّ الملكية المجرّدة ثابتة في هاتين الصورتين ، لتوقف الانعتاق على الملك ولو آنا ما ، فلا يستثنى شي‌ء منهما من السبيل المنفي في الآية المباركة.

فالمستثنى من هذا الاحتمال هي الصورة الثانية أعني بها صورة إقرار الكافر المشتري بالحرية ، حيث إنّه لا يملك العبد ، لاعترافه بحرّيته ، فلا تشملها الآية المباركة ، لانتفاء السبيل له على المسلم بسبب اعترافه بحرّيته. والمراد بالاستثناء الخروج الموضوعي لا الحكمي ـ كما هو ظاهر الاستثناء ـ لإباء آية السبيل عن التخصيص الذي هو إخراج حكمي.

(٣) قد عرفت أنّ ما عدا صورة الإقرار بالحريّة : الصورتان الاولى والثالثة.

(٤) معطوف على : «مجرّد الملكية» وهذا هو الاحتمال الثاني من احتمالات السبيل المذكور في الآية المباركة ، والمراد به هو الملكية المستقرة ولو بالقابلية ، لا الفعليّة كمشروط العتق ، فإنّه بالشرط لا يخرج عن قابليته للاستقرار ، وإنّما تخرج عن فعلية الاستقرار ، على ما أفاده المصنف قدس‌سره.

(٥) يعني : ويترتّب على هذا الاحتمال الثاني خروج واستثناء الصور الثلاث

٣٤٤

ما عدا صورة اشتراط العتق.

والمستقرّ (١) فعلا ، ويترتّب عليه (٢) استثناء الجميع (*).

وخير الأمور أوسطها (٣).

______________________________________________________

المذكورة عن السبيل ، وهي صورة الانعتاق القهري كالأقارب ، وصورة الاعتراف بحرّيّة مسلم ، ثم شراؤه ، وصورة قول الكافر للمسلم : «أعتق عبدك عنّي» حيث إنّ الملكية المستقرة ـ ولو بالقابلية ـ غير ثابتة في هذه الصور ، فلا تشملها آية نفي السبيل ، لخروجها عن مدلول الآية الشريفة.

وأمّا صورة اشتراط العتق فتشملها الآية المباركة ، لأنّ الشرط لا يخرج الملكية عرفا عن قابلية الاستقرار.

(١) معطوف أيضا على «مجرّد الملكية» وهذا هو الاحتمال الثالث ، والمراد به الملكية المستقرة فعلا ، يعني : أنّ المنفي للكافر هو الملكية المستقرة الفعلية.

(٢) يعني : ويترتب على الاحتمال الثالث : استثناء جميع الصور الأربع ، وخروجها عن السبيل المذكور في آية نفي السبيل ، لعدم استقرار الملكية الفعلية في شي‌ء منها.

(٣) وهو الملكية المستقرّة ولو بالقابلية. وهذا مختار المصنف قدس‌سره من المعاني الثلاثة المحتملة في السبيل المنفي في الآية الشريفة. فالآية تنفي الملكية المستقرّة ولو بالقابلية ، ولا تنفي الملكية الفعلية المستقرة غير الدائمة ، ولا مجرّد الملكية ، فإنّ هاتين الملكيّتين ليستا سبيلا حتى تنفيا بالآية المباركة. وبهذا ينتهي الكلام في الجهة الثالثة.

__________________

(*) كيف يترتب على المستقر الفعلي استثناء الجميع؟ مع أنّ الظاهر عدم رافعية العتق لفعلية الملكية واستقرارها ، إذ قبل حصول البيع من الكافر المشروط عليه العتق يكون ملكه باقيا على الفعلية والاستقرار. فتشمل آية نفي السبيل اشتراط العتق ، ولا يستثنى منها ، فلا يملك الكافر العبد المسلم المشروط عتقه ، لكون ملكه مستقرّا ولو بالقابلية على ما صرّح به المصنف قدس‌سره.

٣٤٥

ثمّ (١) إنّ ما ذكرنا (٢) كلّه حكم ابتداء تملّك الكافر المسلم اختيارا.

أمّا التملّك القهريّ فيجوز ابتداء ، كما لو ورثه الكافر من كافر أجبر (٣) على البيع ، فمات قبله ، فإنّه (٤) لا ينعتق عليه ولا على الكافر الميّت ، لأصالة (٥) بقاء رقّيّته

______________________________________________________

حكم تملك الكافر للمسلم قهرا

(١) هذا شروع في الجهة الرابعة في هذه المسألة ، وهي حكم دخول العبد المسلم في ملك الكافر ابتداء بسبب قهري كالإرث.

(٢) أي : ما ذكرناه ـ من عدم تملك الكافر للعبد المسلم بجميع أنحاء الملكية ـ إنّما هو حكم ابتداء تملك الكافر للمسلم اختيارا. أمّا التملك القهري فيجوز ابتداء ، كما إذا ورث العبد المسلم كافر من كافر اجبر على بيعه ومات قبل تحقق البيع ، فإنّ هذا العبد ينتقل إلى الوارث الكافر ، ولا ينعتق عليه ولا على الكافر الميت الذي أجبر على بيعه.

(٣) نعت ل «كافر» يعني : مات الكافر الذي أجبر على البيع قبل تحقق البيع منه ، فانتقل عبده المسلم إلى وارثه الكافر.

(٤) أي : فإنّ العبد المسلم لا ينعتق على الوارث الكافر ولا على الكافر الميت الذي انتقل عنه العبد المسلم إلى وارثه الكافر.

أمّا عدم انعتاقه على الميّت فلليقين به ، لعدم الوجه في انعتاقه عليه.

وأمّا عدم انعتاقه على الوارث فلعدم كونه ملكا للوارث حتى ينعتق عليه. ولو شكّ في انقلاب هذا العدم جرى استصحاب عدمه.

وكيف كان فانتقال العبد المسلم إلى الوارث الكافر ملك ابتدائي قهري.

(٥) أي : استصحاب بقاء رقيّته ، وإنّما يرجع إلى هذا الأصل العملي لعدم الدليل الاجتهادي ، حيث إنّ دليل نفي السبيل يقتضي عدم تملك الكافر العبد المسلم ، وعموم دليل الإرث يقتضي تملك الوارث لما تركه الميت وإن كان الوارث كافرا ، وكان ما تركه الميت عبدا مسلما ، فيتعارض الدليلان وهما متكافئان ، وبعد تساقطهما يرجع إلى استصحاب رقيّته.

وهذا الاستصحاب هو القسم الثالث من استصحاب الكلي ، حيث إنّ رقّيّته للمورّث زالت بالموت قطعا ، وحدوثها للوارث مقارنا لزوالها مشكوك فيه. وهذا

٣٤٦

بعد تعارض (١) (*) دليل نفي السبيل وعموم أدلّة الإرث ، لكن لا يثبت بهذا الأصل تملّك الكافر (٢).

______________________________________________________

الاستصحاب ليس حجّة عند المصنف وغيره من المحققين.

(١) المقصود منه تنافي المتكافئين ، وأنّه بعد تساقطهما يرجع الى الأصل العملي.

وهذا لا يخلو من تعريض بصاحب الجواهر الذي رجّح دليل الإرث على دليل نفي السبيل ، وحكم بتملك الكافر للعبد المسلم به ، وخصّ دليل نفي السبيل بالملك الاختياري الابتدائي لا المستدامي ، فلاحظ قوله : «وبذلك افترق عن الملك المستدام الذي كان مقتضى الاستصحاب بقاءه ، والموروث الذي أدلته في غاية القوة» (١). ولكن يجبر على بيعه إن كان المشتري موجودا ، وإلّا حيل بين العبد وبين مولاه إلى أن يوجد الراغب.

وعلى هذا يكون قول الماتن : «بعد تعارض» إيرادا عليه بأنّ الآية وأدلّة الإرث متكافئان دلالة ، فيسقطان في المجمع ، وهو العبد المسلم الذي كان ملكا لمولى كافر ، فانتقل إلى وارثه الكافر ، وليس الدليلان متفاضلين حتى يؤخذ بالراجح منهما.

(٢) أي : الوارث الكافر. ووجه عدم ثبوته بهذا الأصل عدم حجيّته كما مرّت الإشارة إليه.

مضافا إلى : أنّه على فرض حجيته لا يثبت به تملك الكافر الوارث إلّا على القول بالأصل المثبت.

__________________

(*) الظاهر أنّ التعارض مبني على إرادة الملك من «السبيل» في الآية الشريفة حتى يتحد موضوع المتعارضين ومورد النفي والإثبات. وأمّا إذا كان المراد بالسبيل السلطنة دون الملك فلا تعارض ، إذ أدلة الإرث لا تدلّ إلّا على انتقال ملك التركة ـ على النحو الذي كان الميّت مالكا لها ـ إلى وارثه. ومن المعلوم أنّ العبد المسلم كان ملكا للميت الكافر الذي أجبر على بيعه ، والآية الشريفة لا تنفي هذه الملكية. ودليل الإرث يثبتها بذلك النحو ، فيجبر

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٥ ونحوه في ص ٣٣٧.

٣٤٧

فيحتمل (١) أن ينتقل إلى الإمام عليه‌السلام ، بل هو (٢) مقتضى الجمع بين الأدلّة ، ضرورة (٣) أنّه إذا نفي إرث الكافر

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على تعارض آية نفي السبيل وأدلة الإرث وتساقطهما ، وحاصله : أنّه بعد التساقط يحتمل أن ينتقل هذا العبد المسلم إلى الامام عليه‌السلام ، لأنّه عليه‌السلام وارث من لا وارث له ، والمفروض أنّ الميّت هنا بالنسبة إلى هذا العبد ممّن لا وارث له ، بمقتضى منع آية السبيل مالكية الوارث الكافر لهذا العبد المسلم.

(٢) أي : بل الانتقال إلى الامام عليه‌السلام مقتضى الجمع بين طوائف ثلاث.

أولاها : عدم جعل سبيل للكافر على المسلم.

وثانيتها : عموم «ما تركه الميت من مال أو حقّ فهو لوارثه» سواء أكان المال عبدا مسلما أم شيئا آخر.

وثالثتها : أنّ الامام عليه‌السلام وارث من لا وارث له.

(٣) تعليل للانتقال إلى الإمام عليه‌السلام ، وقد تقدم تقريبه آنفا.

ثم إنّ قوله : «إذا نفي إرث الكافر بآية نفي السبيل» لا يخلو من منافاة لقوله قبل قليل : «بعد تعارض دليل نفي السبيل وعموم أدلة الإرث».

وجه المنافاة : أنّه قدس‌سره فرض في العبارة السابقة تكافؤ آية نفي السبيل وأدلة الإرث ، وجعل التعارض بينهما في المجمع ـ وهو العبد المسلم الذي مات مولاه ـ موجبا

__________________

الوارث على بيعه كإجبار مورّثه.

وأمّا بناء على التعارض والتساقط ، فيمكن استصحاب رقّية هذا العبد أو عدم حرّيته إلى زهوق روح سيّده ، وعدم صيرورته حرّا ، فيشمله عموم «ما تركه الميت فلوارثه» بدون إشكال الإثبات ، إذ لا تضاف رقّية العبد إلى شخص حتى يقال : إنّ خروجه عن ملك سيّده حين موته قطعي ، ودخوله في ملك غيره مشكوك فيه. بل يقال : إنّ هذا العبد باق على رقّيّته ، واستصحاب رقيّته أو عدم حرّيته من استصحاب الشخص ، لا من استصحاب الكلّي. فلا يكون من استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي. فموت السيّد من قبيل الشك في رافعية الموجود ، ولا شك في حجية الاستصحاب فيه.

٣٤٨

بآية نفي السبيل (*) كان الميّت بالنسبة

______________________________________________________

لتساقطهما ، والرجوع إلى الأصل العملي. وكلامه هنا من نفي إرث الكافر للعبد المسلم تمسّكا بآية نفي السبيل ظاهر في عدم تساقط المتعارضين ، وإنّما يقدّم دليل نفي السبيل على دليل الإرث ، ومقتضى هذا التقديم عدم بقاء الموضوع للتمسك باستصحاب مملوكية العبد المسلم ، هذا.

ويمكن دفع المنافاة بوجهين :

أحدهما : أنّ قوله : «بعد تعارض دليل نفي السبيل وعموم أدلة الإرث» مبني على ما أفاده في أوّل المسألة من المناقشة في دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز تمليك العبد المسلم للكافر ، حيث قال بعدها : «وحكومة الآية عليها ـ أي على عمومات صحة العقود ـ غير معلومة» فتكون الآية مكافئة دلالة لأدلة الإرث ، فيتساقطان.

كما أنّ قوله هنا : «إذا نفي إرث الكافر» مبني على الالتزام بتحكيم الآية على أدلة أسباب التملك من البيع وغيره ، ونتيجة هذه الحكومة تخصيص عمومات أدلة العقود.

ومن المعلوم عدم ملاحظة قوة الدلالة وضعفها بين الحاكم والمحكوم ، ولا يبقى وجه لما تقدم من صاحب الجواهر من قوة أدلة الإرث ، ولذا رجّح كلام الشهيدين.

ثانيهما : أنّ التعارض ناظر إلى لحاظ الآية من حيث هي مع الغضّ عن شهرة الاستدلال بها على اشتراط إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم عينا أو منفعة. كما أنّ كلامه هنا من نفي الإرث ناظر إلى شهرة تقدمها على غيرها.

والظاهر من قوله : «بل» هو الالتزام بتقديم الآية الشريفة على أدلة الإرث بالحكومة ، ويكون قوله قبله : «بعد تعارض دليل نفي السبيل» لمجرّد نفي ما ادّعاه بعض من تقديم أدلة الإرث على الآية.

__________________

(*) لا يخفى أنّ آية نفي السبيل لا تنفي الوارث بقول مطلق حتى يرثه الامام عليه‌السلام ، بل تنفي وراثة الكافر فقط ، فلو كان في بعض الطبقات مسلم لكان هو الوارث للعبد المسلم ، فلا يصدق حينئذ على الكافر الميّت : «أنّه ممّن لا وارث له ، حتى يرثه الامام عليه‌السلام.

٣٤٩

إلى هذا المال (١) ممّن لا وارث (*) له ، فيرثه الإمام عليه‌السلام.

وبهذا التقرير (٢) يندفع (٣) ما يقال (١) : إنّ إرث الإمام مناف لعموم أدلّة ترتيب طبقات الإرث.

توضيح الاندفاع : أنّه إذا كان مقتضى نفى السبيل عدم إرث الكافر ، يتحقّق نفي الوارث الذي هو مورد إرث الإمام عليه‌السلام ، فإنّ (٤) الممنوع من الإرث كغير الوارث.

______________________________________________________

(١) وهو العبد المسلم الذي مات عنه مولاه الكافر.

(٢) وهو نفي وارثية الكافر للعبد المسلم بآية نفي السبيل وصيرورته كالعدم. وقد يستشكل في إرث الإمام عليه‌السلام بأنّه مناف لترتيب طبقات الإرث. حيث إنّ إرث الإمام عليه‌السلام متأخر عن موجبات الإرث من النسب والسبب والولاء ، فكل طبقة سابقه منها متقدمة على المتأخرة عنها ، ولا تكون وارثة مع وجود السابقة.

(٣) اندفاعه منوط بدلالة آية نفي السبيل على أنّ الميّت الّذي لا وارث له مسلم في جميع طبقات الوارث. وهذه الدلالة غير ظاهرة ، بل مدلولها عدم إرث وارث كافر له. فإن كان في طبقات الإرث مسلم ينتقل إليه العبد المسلم ، ولا ينتقل إلى الإمام عليه‌السلام ، فلا بدّ من تقييد إرثه عليه‌السلام بعدم مسلم في جميع الطبقات.

(٤) تعليل لقوله : «يتحقق نفي الوارث» وحاصله : أنّ نفي الوارث أعمّ من عدمه

__________________

(*) بناء على صدق عنوان تركة الميت على العبد ، وعنوان «التركة» لا يصدق عليه إلّا ببقائه على الرقّيّة ، وعدم خروجه عنها بالموت ، لعدم صدق «ما تركه الميت» حينئذ عليه ، لحريته. واستصحاب الرقية لا يثبت هذا العنوان.

نعم بناء على تركّب التركة ـ من الموت وبقاء المالية في مال الميت ـ لا مانع من استصحاب رقيته ، فيقال : إنّ هذا الموضوع المركّب يحرز أحد جزئية ـ وهو الموت ـ بالوجدان ، والآخر ـ وهو بقاء العبد على الرقية التي هي ماليته ـ بالأصل ، فلا يلزم إشكال المثبتية. وحينئذ إن كان في طبقات الوراث مسلم كان هو الوارث ، وإلّا فيرثه الامام عليه‌السلام.

__________________

(١) لم أعثر على القائل.

٣٥٠

فالعمدة (١) في المسألة ظهور الاتّفاق المدّعى صريحا في جامع المقاصد.

ثمّ هل يلحق بالإرث كلّ ملك قهريّ (٢) ، أو لا يلحق ، أو يفرّق بين ما كان

______________________________________________________

ومن محجوبيّته شرعا ، فإذا كان للميّت ولد ، ولم يكن أحد من طبقات الإرث إلّا الإمام عليه‌السلام ، وكان الولد قاتلا لأبيه ، ورثه الإمام عليه‌السلام ، لأنّ حجب الولد عن الإرث ـ بسبب القتل ـ يكون كعدم الولد خارجا ، في وصول نوبة الإرث إلى الامام عليه‌السلام.

والحاصل : أنّ مقتضى هذا التقريب انتقال العبد المسلم في مفروض مسألتنا إليه عليه‌السلام. لكن قد مرّ آنفا لزوم تقييده بما إذا لم يكن في طبقات الإرث مسلم ، وإلّا كان هو الوارث.

(١) يعني : فالعمدة في دليل إرث الكافر العبد المسلم من كافر ظهور الاتفاق المدّعى صريحا في جامع المقاصد. قال المحقق الثاني قدس‌سره في أثناء شرح قول العلامة قدس‌سره : «إلّا أباه ومن ينعتق عليه» ما لفظه : «لأنّ الله تعالى نفى جعل السبيل للكافر على المسلمين فلو أراد به مطلق ما يترتب على الملك لامتنع إرث الكافر العبد المسلم من كافر آخر ، والتالي باطل اتفاقا» (١).

والمراد بالتالي امتناع إرث الكافر العبد المسلم من كافر آخر ، وقد اتّفق الفقهاء على بطلان التالي ، وعلى أنّ العبد المسلم ينتقل إرثا من كافر إلى كافر آخر.

(٢) بعد ما تقدم من اقتضاء الإجماع دخول العبد المسلم ـ قهرا بالإرث ـ في ملك الكافر ، يتجه البحث عن اختصاصه بالإرث وعدمه ، والوجوه المحتملة في المسألة ثلاثة.

الوجه الأوّل إلحاق كلّ ملك قهري بالإرث ، فيختص نفي السبيل بالأسباب الاختيارية من البيع والهبة ونحوهما ممّا تقدّم في المقام الأوّل.

الوجه الثاني : عدم إلحاق شي‌ء من الأسباب القهرية بالإرث ، فحكمها حكم الأسباب الاختيارية ، فيمنع من تملك الكافر للعبد الإسلام في ما عدا الإرث.

الوجه الثالث : التفصيل بين كون مقدمة الملك القهري اختياريّة ، وكان حصول الملك محتاجا إلى سبب قهري ، فلا يلحق ، وبين كونها غير اختيارية فيلحق بالإرث.

وقد ذكروا أمثلة لكل واحد من القسمين ، فمن أمثلة السبب الاختياري ، ما حكي عن الشيخ الفقيه الأعسم من : أنّه لو كان للكافر عبد وأمة كافران ، فزوّج أمته من

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٣.

٣٥١

سببه اختياريا (١) أو غيره (٢)؟ وجوه (٣) ، خيرها أوسطها (٤) ثمّ أخيرها (٥).

______________________________________________________

عبده ، وأسلما ، فيجبر مولاهما على بيعهما من مسلم ، ولكن حملت الأمة قبل بيعهما ، فإنّ الولد لكونه نماء لملكه يتملّكه المولى قهرا ، والمفروض أنّ مقدمة هذا التملك فعله الاختياري أعني به التزويج الذي هو أوّل مقدمة معدّة لدخول الولد في ملكه.

ومنها : ما لو أسلم عبد الكافر ، فباعه من مسلم ببيع خياري ، وفسخ المشتري ، فإنّ الفسخ فعل اختياريّ يترتب عليه تملك الكافر للعبد قهرا.

ومن أمثلة التملك القهري بالسبب غير الاختياري ما لو وطأ العبد المسلم أمة مولاه الكافر شبهة ، فحملت منه ، فإنّ الولد ملك قهري للمولى بسبب غير اختياري ، فإنّ الوطي وان كان فعلا اختياريا لكن تعنونه بكونه شبهة غير اختياري.

وكذا لو باع المولى الكافر عبده المسلم ، ومات قبل تسليمه للمشتري ، فإنّ التلف قبل القبض يوجب انفساخ العقد وعود المبيع إلى ملك بائعه آنا ما قبل التلف كما هو المشهور. وهذا التملك ملك جديد قهري لا بسبب اختياري ، لعدم كون البيع مقدمة للتلف الذي هو سبب رجوع الملك إلى البائع.

وكذا الحال لو كان في البيع المزبور خيار للمشتري ، فتلف العبد في زمان الخيار.

(١) كالمثالين المذكورين أوّلا بقولنا : «فمن أمثلة السبب الاختياري ..».

(٢) أي : غير الاختياري ، فيلحق بالإرث ما يكون سببه غير اختياري ، دون ما يكون سببه اختياريا.

(٣) مبتدء مؤخّر ، وخبره مقدر ، وهو : «فيه» أي : في الإلحاق وعدمه وجوه.

(٤) وهو عدم الإلحاق مطلقا ، سواء أكان سببه اختياريا أم غيره ، إذ لا وجه للإلحاق بعد كون الدليل في التملك بالإرث هو الإجماع الّذي لا بدّ من الاقتصار على مورده ، وهو الإرث.

فدليل نفي السبيل كما يكون مقدّما على دليل التملك الاختياري ببيع وشبهه ، فكذا يتقدم على أدلة الملك القهري. ويختص الإجماع بالتملك القهري بالإرث.

(٥) وهو التفصيل بين كون سببه اختياريّا وغيره ، بالإلحاق في الثاني دون الأوّل ، بدعوى أنّ السبب غير الاختياري ـ كما في مثل تلف المبيع قبل القبض ـ يكون بحكم

٣٥٢

ثمّ (١) إنّه لا خلاف ولا إشكال في أنّه لا يقرّ المسلم على ملك الكافر (٢) ، بل يجب بيعه عليه (٣) ، لقوله عليه‌السلام في عبد كافر أسلم : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا إليه ثمنه ولا تقرّوه عنده» (٤).

ومنه (٥) يعلم أنّه لو لم يبعه (*).

______________________________________________________

الإرث ، لعدم استناد التملك الحادث إلى فعل الكافر ، وهذا بخلاف السبب الاختياري.

(١) هذا ناظر إلى حكم ما تقدم في (ص ٣٤٦) بقوله : «أما التملك القهري فيجوز ابتداء .. كما لو ورثه الكافر من كافر ..» وغرضه أنّ التملك القهري الابتدائي لا يقتضي بقاء العبد على ملك مولاه الكافر ، بل يجب إزالة ملكه ، وذلك لدليلين : الأوّل نفي الخلاف ، والثاني المرفوعة المروية عن أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين.

(٢) لأنّ ملكه المستقرّ سبيل له على المسلم ، وهو منفيّ.

(٣) الظرف متعلق ب «يجب» والضمير راجع إلى الكافر ، يعني : أنّ المخاطب ببيع العبد المسلم اثنان ، ففي المرتبة الأولى يجب على المولى الكافر. فإن باع فهو ، وإن أبى وجب على الحاكم الذي هو وليّ الممتنع.

وهذا الترتيب يستفاد من قوله : «ومنه يعلم أنّه لو لم يبعه باعه الحاكم» لظهوره في إناطة ولاية الحاكم ـ على البيع ـ بامتناع نفس المولى الكافر عن البيع. وقال في التذكرة في ما لو أسلم العبد دون مولاه : «أمره الحاكم بإزالة الملك عنه ..» ثم قال : «لو امتنع الكافر من إزالة الملك حيث يؤمر باعه الحاكم بثمن المثل» (١).

(٤) هذا الضمير وضمير «إليه» راجعان إلى «كافر».

(٥) أي : ومن قول الإمام عليه‌السلام : «اذهبوا فبيعوه» فإن أمر المسلمين ببيعه ظاهر في توجّه الخطاب إلى عامّة المسلمين ، وأنّ بيعه واجب عليهم ، ولا يرضى الشارع بإهماله. وفي مثل هذه الواجبات لا بدّ من تصدّي الحاكم لها ، لأنّه القدر المتيقن.

__________________

(*) قد يستشكل في جواز تصدّي المولى الكافر لبيع عبده المسلم من المسلمين

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢٢ و ٢٣.

٣٥٣

باعه الحاكم (١). ويحتمل (٢) أن يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا (٣) ، لكون (٤) المالك

______________________________________________________

(١) لولايته في الأمور العامّة التي لا يرضى الشارع بإهمالها وتعطيلها.

(٢) هذا الاحتمال في قبال تأخّر ولاية الحاكم عن ولاية نفس الكافر ، حيث قال : «ومنه يعلم أنه لو لم يبعه باعه الحاكم» ومنشأ هذا الاحتمال وجهان :

أحدهما : أنّ بيعه استيلاء على المسلم ، وسبيل له عليه ، وذلك منفي بالآية المباركة.

وثانيهما : كون المأمور ببيعه ـ في الحديث المذكور ـ المسلمين ، لا مولاه الكافر ، فلا ولاية له على بيعه. هذا.

لكن كلا الوجهين ممنوع ، لما ذكر في التعليقة ، فلاحظ.

(٣) يعني : من غير فرق بين امتناع الكافر عن بيع عبده المسلم وعدم امتناعه عنه ، فإنّ للحاكم الشرعي ولاية على البيع مطلقا ، وهذا الاحتمال هو الأظهر.

(٤) هذا تعليل لإطلاق ولاية الحاكم على البيع في كلتا صورتي امتناع الكافر عن البيع وعدمه ، وحاصله : أنّ المالك الكافر لا سلطنة له على هذا المال وهو العبد المسلم ، لأنّها سبيل منفي بالآية المباركة. وتملكه للمسلم إنّما هو لأجل النص والفتوى.

ويمكن تأييد إطلاق ولاية الحاكم بإطلاق الأمر ببيعه في الحديث المزبور ، حيث إنّ إطلاقه يشمل صورتي امتناع الكافر عن البيع وعدمه. وهذا الإطلاق يكشف عن

__________________

بما حاصله : أنّ سلطنة مالكه على بيعه سبيل وسلطنة للكافر على المسلم ، وذلك منفي شرعا ، ولذا خوطب المسلمون ببيعه ، هذا.

لكنه مندفع بأنّ السبيل المنفي هو السلطنة على المؤمن والاستيلاء عليه ، ومن المعلوم أن بيع السيد عبده من المسلمين إزالة للملك ورفع لسلطنته عليه. وهذا ضدّ السبيل.

وأمّا أمر المسلمين ببيعه على مولاه الكافر ، فلأنّه لعدم اعتقاده بوجوب إخراجه عن ملكه في شرع الإسلام لا يبيع عبده ، هذا.

لكن الأظهر أنّ ولاية البيع للحاكم ، لظهور قوله : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين» في عدم ولاية المالك الكافر على البيع كما تقدمت الإشارة إليه في التوضيح آنفا ، وثبوت الولاية لغيره.

٣٥٤

غير قابل للسلطنة على هذا المال ، غاية الأمر أنّه دلّ النص (١) والفتوى (٢) على تملّكه له (٣) ، ولذا (٤) ذكر فيها (٥)

______________________________________________________

عدم قابلية الكافر للبيع.

(١) وهو قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المذكور : «فبيعوه» حيث إنّ البيع منوط بالملك.

(٢) هي فتوى فقهائنا الإماميّة (شكر الله مساعيهم الجميلة) بمالكية الكافر للعبد المسلم بالملك القهري كالإرث.

(٣) أي : للعبد المسلم ، وضمير «تملكه» راجع إلى الكافر.

(٤) هذا تعليل لعدم قابلية الكافر للاستيلاء والعلوّ على العبد المسلم. توضيحه : أنّه لأجل عدم قابلية الكافر للسلطنة على المسلم لم يذكر الفقهاء «رضوان الله عليهم» مباشرة الكافر لبيع العبد المسلم ، بل ذكروا في فتاواهم «أنّه يباع عليه قهرا» وهذه الفتوى كقوله عليه‌السلام : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين» ـ ولم يقل : «ألزموه بالبيع» ـ تكشف عن عدم قابلية المالك لبيع عبده المسلم.

(٥) أي : في الفتوى ، ومقصوده مطابقة فتوى الأصحاب هنا لما ورد في النصّ من إلزام الكافر بإزالة الملك. والظاهر أنّه نقل بالمعنى ، إذ الموجود في الفتاوى «اجبر على بيعه من مسلم» كما في الشرائع (١).

أو «طولب ببيعه» كما في القواعد (٢) ، أو «ولو امتنع الكافر من البيع حيث يؤمر ، باع الحاكم» (٣) كما في موضع آخر منه.

وفي الدروس «بيع عليه قهرا» (٤).

نعم نقل السيد العامليّ عن حواشي الشهيد : «أنه يباع» (٥). وتقدمت عبارة التذكرة من أنه بعد الأمر والامتناع «باعه الحاكم».

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٥٦.

(٢) قواعد الاحكام ، ج ٢ ، ص ١٧.

(٣) المصدر ، ص ١٨.

(٤) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩.

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٠.

٣٥٥

«أنّه (١) يباع عليه» بل (٢) صرّح فخر الدين رحمه‌الله في الإيضاح (١) بزوال ملك السيّد عنه (٣) ، ويبقى له حقّ استيفاء الثمن منه. وهو (٤) مخالف لظاهر النصّ والفتوى ، كما عرفت.

وكيف كان (٥) (*) فإذا تولّاه المالك

______________________________________________________

والمقصود أنّ فتاوى الأصحاب تدل على أمرين : أحدهما : بقاء العبد المسلم على ملك مولاه الكافر ، وثانيهما : بيعه عليه قهرا ، إمّا في خصوص مورد الامتناع ، أو مطلقا.

(١) أي : أن العبد يباع على الكافر.

(٢) يعني : بل زاد فخر المحققين قدس‌سره ـ على عدم قابلية الكافر لبيع عبده المسلم وانقطاع سلطنة البيع ـ زوال ملكه عن المسلم أيضا ، وأنّه لا يبقى له إلّا حقّ استيفاء ثمنه من المسلم الذي يشتريه.

وهذا نظير إرث الزوجة من قيمة الأبنية ، وحرمانها عن أعيانها.

والوجه في التعبير ب «بل» هو أنّ مقتضى كلام المشهور بقاء ملك الكافر وبيعه عليه. ولكن صريح كلام الفخر قدس‌سره زوال إضافة الملكية ، وانتقال الحق إلى البدل وهو الثمن ، ومن المعلوم أن سلطنة البيع حينئذ لا تكون إلّا للحاكم. قال قدس‌سره : «الأقوى عندي أن الكافر إذا أسلم يباع على سيده من مسلم ، لأنه قد زال ملك السيد عنه ..».

(٣) أي : عن العبد المسلم.

(٤) أي : زوال ملك السيد الكافر عن العبد المسلم مخالف للنص المتقدم من قول أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» : «فبيعوه» ومخالف للفتوى المتقدمة ، وهي فتوى علماء الإمامية : بأنّ الكافر يملك العبد المسلم بالملك القهري كالإرث ، وقد تقدّم كلّ من النص والفتوى آنفا.

(٥) يعني : سواء أقلنا بتملّك الكافر للعبد المسلم ، وقلنا بأنّه المخاطب أوّلا بالبيع ،

__________________

(*) هذا لا يخلو من شي‌ء ، وهو : أنّه بناء على عدم ولاية المالك الكافر على بيع عبده

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٤.

٣٥٦

بنفسه (١) (*) ،

______________________________________________________

لا الحاكم ، أم قلنا بعدم تملكه له ـ كما اختاره فخر المحققين قدس‌سره من زوال ملكه عنه ـ فإذا تولّى المولى البيع فهل يثبت له حقّ إعادة العبد المسلم في ملكه بفسخ ذلك البيع أم لا؟ فالغرض من هذا الكلام إلى آخر المسألة تحقيق الجهة الخامسة ، وهي حكم الخيار في بيع العبد المسلم ، وقد ذكر المصنف قدس‌سره وجوها ـ وجملة منها أقوال ـ نشير إليها ، وسيأتي التفصيل في شرح العبارة.

الأوّل : أنّه لا يثبت شي‌ء من الخيارات ، سواء أكان ثابتا بجعل الشارع تعبدا كخيار المجلس ، أم بجعل المتبايعين كخيار الشرط. وسواء أكان مستند الخيار قاعدة نفي الضرر كخيار الغبن أم الأدلة الخاصة.

الثاني : الثبوت مطلقا.

الثالث : التفصيل المبتني على ما حكي عن بعض العامة من : أنّ الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل ، فيثبت الخيار ، أم أنه كالذي لم يعد ، فلا يثبت؟

الرابع : التفصيل بين الخيار المستند إلى قاعدة نفي الضرر مع كون المتضرر هو المسلم المشتري للعبد ، فيثبت له الخيار ، وبين الخيارات الأصلية غير المستندة إلى قاعدة نفي الضرر ، أو استندت إليه ، ولكن كان المتضرر هو المولى الكافر ، فلا يثبت.

الخامس : التفصيل في ثبوت خيار العيب خاصّة بين القيمة دون العين. هذه وجوه المسألة ، وسيأتي تفصيل كلّ منها.

(١) لعل تقييد تولّي البيع بنفسه ـ مع أنّه لا خيار في هذا البيع للمشتري ولا للحاكم إذا كان هو المتصدّي للبيع ـ لأجل أنّ جعل الخيار للمولى الكافر سبيل فعليّ

__________________

المسلم ـ كما هو أحد الأمرين المشار إليهما بقوله : «وكيف كان ..» ـ يكون البيع فضوليّا وغير صحيح ، فليس موردا للخيار قطعا. إلّا أن يراد بيعه بإذن الحاكم. لكنه غير فرض ولاية المالك على بيع العبد كما لا يخفى.

فينبغي أن تكون العبارة بهذا النحو : «ثم إنّه بناء على ولاية الكافر على البيع إذا باع المولى الكافر عبده المسلم فالظاهر .. إلخ».

(*) لكن قد يورد عليه تارة بمنافاة هذا التقييد للتعليل الآتي بقوله : «لأنه إحداث ملك فينتفي بعموم نفي السبيل» لظهوره في أنّ المنفي شرعا هو المسبب أعني به تملك

٣٥٧

فالظاهر (١) أنه لا خيار له ولا عليه ، وفاقا للمحكيّ

______________________________________________________

العبد المسلم حتى إذا لم يؤل إلى الفسخ وإعادة العبد في ملكه ، والمفروض نفي السبيل بقول مطلق.

ولا فرق في عدم ثبوت الخيار بين كون الخيار متعلقا بالعقد ، ويلزمه حينئذ جواز استرداد العين ، أم كان متعلقة العين ، أي : حق استرداد العين وانتزاعها ابتداء ، وانفساخ العقد قهرا.

(١) جواب «فإذا تولّاه» وهذا إشارة إلى الوجه الأوّل ، وهو نفي مطلق الخيارات في بيع العبد المسلم ، فلا يستحق البائع ولا المشتري فسخ هذا البيع ، ليعود العبد في ملك مولاه الكافر.

__________________

الكافر للمسلم ، سواء أكان بسبب إعمال الخيار أم بغيره. ومن المعلوم ترتب هذا اللازم على ما إذا كان الخيار للمشتري أو للحاكم إن كان هو البائع ، ضرورة عود العبد إلى ملك الكافر لو فسخ كلّ منهما. مع أنّ السلطنة على الفسخ أو الاسترداد للمسلم لا للكافر.

وعليه فلا وجه لتقييد منع الخيار بما إذا كان المتولّي هو الكافر (١).

وأخرى بأنّ الخيار بنفسه ليس سبيلا ، ولا هو مستلزم للسبيل ، فلا يعارض دليله دليله ، لعدم استلزام الخيار استرداد العوضين ، وإنّما هو حلّ العقد ابتداء ، فإن صادف هذا الحل حال قيام العوضين مع عدم المانع من استردادهما استردّا ، وإن صادف تعذره بالتلف ، أو حصل المانع الشرعي منه انتقل الحق إلى القيمة. والمقام من هذا القبيل ، لأنّ دليل نفي السبيل يمنع عن قابلية عين العبد المسلم للرجوع إلى ملك الكافر ، ولا يمنع استرداد قيمته ، فيأخذها جمعا بين الدليلين (٢).

إلّا أن يقال بما في تقرير شيخ مشايخنا الميرزا النائيني قدس‌سره من عدم ثبوت الخيار هنا من جهة امتناع رجوع العين إلى الكافر ، سواء قلنا بتعلّق الخيار بالعقد ابتداء أم باسترداد

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ٢٣٦.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٦٤.

٣٥٨

عن الحواشي (١) في خيار المجلس والشرط ، لأنّه (٢) إحداث ملك فينتفي (٣) بعموم (٤) [لعموم] نفي السبيل ، لتقديمه على أدلّة الخيار ، كما يقدّم على أدلّة البيع.

______________________________________________________

والوجه فيه : أنّ المولى الكافر لا ولاية له على البيع ، وإنّما يباع العبد عليه قهرا كما قيل. وعلى فرض ولايته عليه تختصّ ولايته بإخراج العبد من ملكه إخراجا قطعيا لا يبقى معه علاقة وتزلزل ، ومن المعلوم أنّ ثبوت الخيار في هذا البيع يوجب تزلزل العقد ، فيعود سبيل الكافر على المسلم ، وهو منفي حسب الفرض.

(١) قال السيد العاملي قدس‌سره : «وفي حواشي الشهيد : أنّه يباع ، ولا يثبت له خيار المجلس والشرط» (١).

(٢) تعليل لعدم خيار الكافر إذا باشر البيع بنفسه ، وحاصله : أنّ جعل الخيار للكافر ليتمكّن من الفسخ يوجب جواز رجوع الملك إليه ، وهو إيجاد ملك جديد له ، والمفروض انتفاء هذه الملكية الجديدة بعموم نفي السبيل ، حيث إنّه عامّ يشمل الملكية مطلقا من المستقرّة والمستحدثة.

(٣) أي : إحداث الملك ، وضميرا «لتقدمه» والمستتر في «يقدّم» راجعان إلى نفي السبيل.

(٤) تعليل لانتفاء الملك ، وحاصله : أنّ عموم نفي السبيل مقدّم حكومة على أدلة الخيار ، كما يقدّم على أدلة البيع. فكما لا يجوز تمليك العبد المسلم للكافر بالبيع ، فكذا لا يجوز تمليكه إيّاه بفسخ البيع.

__________________

العين. وذلك لأنّ مورد الرجوع إلى البدل هو إمكان استرداد العين بالفسخ أوّلا حتى ينتهي الأمر ـ بعد تعذر تسليمه ـ إلى البدل ، والمفروض في المقام امتناع الرجوع إلى العين ، لما ورد من الأمر بالبيع وعدم إقراره في يد الكافر ، فلا موقع للرجوع إلى البدل ، هذا (٢).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٠.

(٢) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٣٦٢.

٣٥٩

ويمكن أن يبتني (١) على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد (٢) (*). فإن قلنا بالأوّل (٣) ثبت الخيار ، لأنّ (٤) فسخ العقد يجعل الملكيّة

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى وجه ثان في حكم الخيار ، أي : يبتني وجود الخيار وعدمه ـ للبائع الكافر أو المشتري ـ على : أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أي كأنّه باق ولم ينعدم ، أو كالذي انعدم وتجدد ، ولم يعد ذلك الوجود السابق.

فعلى الأوّل يثبت الخيار ، لأنّ الملكية بعد الفسخ هي الملكية السابقة الممضاة شرعا ، والتي أمر المسلمون بإزالتها.

وعلى الثاني لا يثبت الخيار ، لأنّ الملكية المتجددة الحاصلة بالفسخ غير الملكية السابقة الممضاة شرعا ، والملكية المتجددة سبيل منفيّ بآية نفي السبيل.

ثم إن هذه القاعدة وما يتفرع عليها من فروع ـ كالفسخ بالخيار ـ نقلها الشهيد قدس‌سره في القواعد ، ولم يظهر منه ترجيح أحد الاحتمالين ، فقال : «طريان الرافع للشي‌ء هل هو مبطل له ، أو بيان لنهايته؟ .. وقد يعبّر عنها بأنّ الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل؟ أو كالّذي لم يعد ، فإنّ القائل بأنها كالذي لم يزل يجعل العود بيانا لاستمرار الحكم الأوّل ، والقائل بأنّها كالذي لم يعد يقول برفع الحكم الأوّل بالزوال ، فلا يرجع حكمه بالعود» (١).

(٢) يعني : بل هو ملك متجدد غير الملك الأوّل.

(٣) وهو كون الزائل العائد كالذي لم يزل.

(٤) تعليل لثبوت الخيار ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «لأنّ الملكية بعد الفسخ هي الملكية .. إلخ».

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذه الجملة وإن كانت كلاما معجبا جميلا ، لكن لا عبرة بها ، لعدم كونها آية ولا رواية ولا معقد إجماع.

مضافا إلى : أنّها لا تنطبق على المقام ، لأنّ موردها هو ما إذا كان هناك زوال وعود ، حتى يصحّ أن يقال : إنّ هذا الذي زال وعاد هل هو كالّذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟ كما إذا

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٢٦٨ ، القاعدة ٨٥.

٣٦٠