هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

وجوه (١). أقواها الثالث (٢) ، لأنّ (٣) استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل ، بخلاف استحقاقه لأخذ حقّه من ثمنه (٤).

وأمّا إعارته (٥) من كافر ، فلا يبعد المنع وفاقا لعارية القواعد (٦)

______________________________________________________

الرهن فقال : «فالأقرب المنع ، لما فيه من تعظيم شأن الإسلام ..».

(١) مبتدء مؤخر لقوله : «ففي جوازه».

(٢) وهو التفصيل بين كون العبد المسلم المرهون عند المسلم ، فيجوز ، وبين كونه عند الكافر فلا يجوز. والوجه في ذلك ثبوت السبيل للكافر على المسلم في الصورة الثانية ، وهي كون المسلم عند الكافر ، لأنّ استحقاقه لكون المسلم عنده سبيل له على المسلم. بخلاف الصورة الأولى ، فإنّ مجرد استحقاق الكافر لأخذ حقّه من ثمن العبد المسلم ليس سبيلا للكافر عليه ، كاستحقاقه لمطالبة دينه من المسلم الذي اقترض منه في عدم كونه سبيلا للكافر على المسلم.

(٣) تعليل لما اختاره من الوجه الثالث ، وقد اتّضح بقولنا : «والوجه في ذلك ثبوت السبيل للكافر على المسلم». وهذا بخلاف استحقاق الكافر لأخذ دينه من ثمن العبد المسلم ، لأنّه ليس سبيلا للكافر على المسلم ، نظير استحقاقه لمطالبة دينه من المسلم الذي اقترض منه.

(٤) أي : من ثمن العبد المسلم.

إعارة العبد المسلم من كافر

(٥) يعني : إعارة العبد المسلم من كافر. وهذا خامس الأمور المتعلقة بالتصرف في العبد المسلم ، وهو جعله عارية عند كافر.

والمصنف قدس‌سره تبعا لجماعة نفى البعد عن منعها ، لأنّ الإعارة تسليط للكافر على الانتفاع بالمسلم ، وهو سبيل منفيّ بالآية الشريفة.

(٦) قال فيها : «ويحرم إعارة العبد المسلم من الكافر» (١).

والتقييد ب «عارية القواعد» للتنبيه على إجمال ما في بيع القواعد ، لقوله :

__________________

(١) قواعد الاحكام ، ج ٢ ، ص ١٩٣ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٥.

٣٢١

وجامع المقاصد والمسالك ، بل (١) عن حواشي الشهيد رحمه‌الله «أنّ الإعارة والإيداع أقوى منعا من الارتهان» (١).

وهو (٢) حسن في العارية ، لأنّها تسليط على الانتفاع ، فيكون سبيلا وعلوّا. ومحلّ (٣) نظر في الوديعة ؛

______________________________________________________

«والأقرب جواز الإيداع له والإعارة عنده» (٢). فهل المراد جواز جعل العبد المسلم عارية عند الكافر كما استفاده السيد العميد (٣) ، فيكون مخالفا لما في عارية القواعد ، ولذا قال المحقق الثاني قدس‌سره في كتاب العارية : «هذا عدول عمّا ذكره في التجارة ، إلّا على بعض المحامل التي نزّلنا عليها العبارة هناك» (٤). أم جواز جعل المسلم عبده الذّمّي عارية عند المسلم أو عند الكافر ، وحينئذ فلا تدلّ العبارة على صحة إعارة العبد المسلم للكافر؟ كما حكي عن حواشي الشهيد قدس‌سره ، فلا يكون هناك عدول ـ عمّا في بيع القواعد ـ إلى المنع الذي هو صريح عاريته. أم أنّ المراد شي‌ء آخر ، فراجع جامع المقاصد ومفتاح الكرامة (٥).

(١) الوجه في الإتيان ب «بل» هو ظهور كلام العلّامة والمحقق الثاني قدس‌سرهما في استواء الرهن والعارية في المنع. ولكن الشهيد قدس‌سره جعل المنع في العارية والوديعة أقوى في الرهن ، لأنّ المرتهن ممنوع من التصرف واستخدام العبد ، فقد يخفى صدق «السبيل» فيه. بخلاف العارية التي يثبت بها التسلط على الانتفاع ، وهو سبيل بلا ريب ، والمفروض كون مطلق السبيل منفيا بالآية الشريفة.

(٢) يعني : وكون المنع أقوى حسن في العارية دون الوديعة ، لتحقق السبيل والعلو في الإعارة كما مرّ آنفا ، وعدم تحقق السلطنة والاستيلاء في الوديعة حتى تشملها الآية المباركة.

(٣) معطوف على «حسن» يعني : وكون المنع أقوى محل نظر في الوديعة.

__________________

(١) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٠.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٧.

(٣) كنز الفوائد ، ج ١ ، ص ٣٨٣.

(٤) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٦٢.

(٥) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٢ ـ ٦٥ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٩ و ١٨٠.

٣٢٢

لأنّ التسليط (١) على الحفظ ، وجعل (٢) نظره إليه مشترك بين الرهن والوديعة ، مع زيادة (٣) في الرهن

______________________________________________________

(١) هذا بيان لوجه النظر ، وتوضيحه : أنّ وجه المنع مشترك بين الرهن والوديعة. لكون كلّ من المرتهن والودعي مسلّطين على العين المرهونة والوديعة ، ويكون نظر كلّ منهما متّبعا في حفظهما. إلّا أنّ الفارق بين الأمرين ـ حيث قالوا بمنع رهن العبد المسلم من الكافر دون إيداعه عنده ـ هو : أنّ في الرهن زيادة لم تتحقق في الوديعة ، وهي : أنّ المرتهن منع الراهن المالك للعبد من التصرف فيه إلّا بإذنه ، وكذا له إلزام السيد ببيع العبد لاستيفاء الدين ، وهذه الزيادة أوجبت بطلان رهن العبد المسلم عند الكافر ، لكونه سبيلا له عليه.

بخلاف تسلط الودعي على الحفظ ، لكونه محض استئمان ويرجع إلى نفع المسلم ، لا إلى ضرره كي يكون سبيلا عليه ، فلذا يسهل الأمر في جواز إيداع العبد المسلم عند الكافر.

(٢) معطوف على «التسليط» وضمير «نظره» راجع إلى العبد المسلم ، وضمير «إليه» راجع إلى الكافر. وقوله : «مشترك» خبر «لأنّ».

(٣) تظهر هذه الزيادة من كلمات القائلين بصحة رهن العبد المسلم من الكافر لو وضع عند مسلم ، وقد ذكرها السيد العاملي قدس‌سره في مقام الاحتجاج لصحة هذا الرهن. إلّا أن صاحبي الرياض والحدائق تشبّثا بهذه الزيادة في مقام الإيراد على من قال بجواز رهن العبد المسلم عند الكافر إذا وضع عند مسلم ، وببطلان جعل الخمر رهنا عند المسلم إذا وضعها الراهن عند ذمّيّ.

قال سيّد الرياض : «ومن هنا ينقدح الوجه في المنع عن رهن العبد المسلم والمصحف عند كافر ولو وضع عند مسلم ، فإنّ رهنهما عنده نوع تسليط له عليهما منفيّ آية واتفاقا. وقيل بالجواز فيهما بعد الوضع في يد المسلم ، لانتفاء السبيل بذلك .. وفيه نظر ، مع غموض الفرق بينه وبين الخمر التي قد منع عن رهنها القائل المزبور» (١).

ونحوه كلام المحدّث البحراني في النقض على الأكثر القائلين ببطلان جعل الخمر رهنا عند مسلم ولو بالوضع عند ذمّيّ ، فراجع (٢).

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ٩ ، ص ١٩٦ (ج ١ ، ص ٥٨٢) الحجرية.

(٢) الحدائق الناضرة ، ج ٢٠ ، ص ٢٥٠.

٣٢٣

ـ التي قيل من أجلها بالمنع (١) ـ وهي (٢) التسلّط على منع المالك عن التصرّف فيه إلّا بإذنه ، وتسلّطه (٣) على إلزام المالك ببيعه.

وقد صرّح في التذكرة (١) بالجواز في كليهما (٤).

وممّا ذكرنا (٥) يظهر عدم صحّة وقف الكافر عبده المسلم

______________________________________________________

والمتحصل من كلامهما : أنّ يد الودعي يد المودع ، فكما أنّ جعل الخمر وديعة عند الذّميّ لا تنفي سلطنة المسلم عليها ، فكذا سلطنة الكافر المرتهن للعبد المسلم على البيع باقية ولو كان العبد في المدّة عند مسلم ، فما الفارق بين المسألتين؟

والظاهر أنّ تعبير المصنف ب «قيل» إشارة إلى ضعفه ، وأنّ مجرّد منع المالك عن التصرف في العين المرهونة وتسلّط الراهن على إلزام المالك بالبيع ، لا يقتضي بطلان الرهن. قال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره : «ولا يستلزم ـ أي الرهن ـ استحقاق تملك ، وإنّما يستلزم منع المالك عن التصرف. وذلك لا يستلزم سبيلا للغير ، لأنّه ممنوع أيضا ، ويستلزم إيفاء دينه من ثمنه .. والبائع هو الوكيل أو الحاكم. وعلى كلا التقديرين هو ليس بسبيل» (٢).

(١) أي : منع رهن العبد المسلم من الكافر.

(٢) أي : الزيادة التي تكون في الرهن عبارة عن منع المالك عن التصرف في العين المرهونة إلّا بإذن المرتهن ، وهو الكافر هنا.

(٣) معطوف على «التسلط» والضمير راجع إلى المرتهن.

(٤) الضمير راجع إلى العارية والوديعة ، والأولى أن يقال : «كلتيهما».

هذا تمام الكلام في حكم وضع العبد المسلم ـ عند الكافر ـ عارية أو وديعة.

وسيأتي الكلام في الوقف.

وقف الكافر عبده المسلم

(٥) أي : من عدم جواز إعارة المسلم من الكافر لكونه تسليطا على الانتفاع ـ وهو

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٨٣.

٣٢٤

على أهل ملّته (١).

ثمّ إنّ (٢) الظاهر من الكافر (*)

______________________________________________________

سبيل له على المسلم ، وذلك منفي بالآية المباركة ـ يظهر عدم صحة وقف الكافر العبد المسلم على أهل ملّته ، وهم الكفار. وذلك لأنّ الوقف عليهم تسليط منهم على المسلم ، وهو السبيل المنفي في الشريعة.

(١) أي : ملّة الكافر ، والملّة هي الشريعة أو الدّين.

وقيل في الفرق بين الملّة والدين : إنّ الملّة هو المنزّل من الله تعالى إلى أنبيائه ، والدّين هو العمل بذلك المنزّل. هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

المقصود من الكافر هنا

(٢) هذا شروع في ثانية جهات البحث في هذه المسألة ، والغرض من التعرض له تنقيح الموضوع ، وهو الكافر والمسلم المجعولان لأحكام ، فيقع الكلام في مقامين.

وحاصل ما أفاده المصنف قدس‌سره في المقام الأوّل : أنّ الظاهر من الكافر هو كلّ من حكم بنجاسته وإن انتسب إلى الإسلام كالنواصب ، وهم المتدينون ببغض مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وليس المراد من الكافر هنا خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة كما قيل : إنّه الظاهر من الكافر.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الكفر لغة هو الجحود ، ففي المجمع : «(وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) ، أي : أوّل من كفر به وجحد» إلى أن قال : «فقد كفر بالله جحد ، فالكافر الجاحد للخالق .. والكفور الجحود ، يجحد الخالق مع هذه الأدلة الواضحة» (١).

وعلى هذا فاستعمال الكفر في الجحود مطلقا ـ من جحود الخالق والرّسول وإنكار الضروري ـ استعمال في معناه اللغوي ، لكونه استعمالا في أفراد المعنى الكلّي اللغوي ، ولم يثبت له حقيقة ثانوية تخصّصية أو تخصيصية ، وإن كان جحود خاص موضوعا لأحكام شرعية كالسفر والحضر. لكنه لا يوجب وضعا ثانويا له.

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٤٧٤.

٣٢٥

كلّ من حكم بنجاسته (*) ولو انتحل الإسلام ، كالنواصب والغلاة والمرتدّ ، غاية الأمر عدم وجود هذه الأفراد في زمان نزول الآية (١) ، ولذا (٢) استدلّ الحنفيّة ـ على ما حكي عنهم ـ ب «لن يجعل» على حصول [لحصول] البينونة بارتداد الزوج (١).

وهل يلحق بذلك (٣) أطفال الكفّار؟

______________________________________________________

(١) لا ضير في عدم وجود هذه الأفراد ـ في عصر النزول ـ بعد كون القضية حقيقية.

(٢) أي : ولأجل كون الظاهر من الكافر كلّ من حكم بنجاسته ـ لا خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة ـ استدلّ الحنفية بالآية على حصول البينونة وانقطاع علقة الزوجية بسبب ارتداد الزوج مطلقا ولو بإنكار ضروريّ من ضروريّات الدين.

فلو كان المراد من الكافر في آية نفي السبيل خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة لم يصح الاستدلال المذكور ، لعدم كون المنكر لضروريّ مطلقا منكرا للتوحيد أو الرسالة. وتعرض المصنف لاستدلال الحنفية إنّما هو لأجل كونهم من أهل اللسان كغيرهم ممّن هو فاسد المذهب إذا كان من أهل اللسان ، فلا يرد عليه ما في بعض الحواشي من عدم حجية فهم الحنفية.

(٣) أي : هل يلحق بالكفّار أطفالهم في الأحكام ، كعدم جواز تمليك العبد المسلم وعدم تمليك منفعته ، وارتهانه ، وإعارته من الكافر؟ أم لا يلحق أطفالهم بكبارهم.

وفرض المسألة هو : أن يكون المتصدّي لشراء العبد المسلم لطفل الكافر مسلما ، كما إذا كان وصيّا له من قبل أبيه أو جدّه الكافرين ، فإنّه يتجه البحث عن حكم هذا

__________________

وعليه فتعريف الكافر بما في المتن تعريف باللازم ، لا بالذاتي ، بل ليس تعريفا باللازم أيضا ، لعدم تسلّم نجاسة الكافر مع اختلافهم في نجاسة الكتابي.

(*) لا يخفى أنّ مقتضى عكس نقيضه هو «كلّ من لا يحكم بنجاسته ليس بكافر» مع أنّه يمكن أن يكون كافرا ولا يكون نجسا ، كما قيل بطهارة الكتابي.

__________________

(١) راجع الفقه على المذاهب الأربعة ، ج ٤ ، ص ٢٢٣ ، وفيه «لأنه لا يحل للكافر أن يستولي على المسلمة بحال من الأحوال ، ويفرّق بينهما عاجلا بدون قضاء».

٣٢٦

فيه اشكال (١).

ويعمّ (٢) المسلم المخالف ،

______________________________________________________

الشراء صحة وفسادا. وأمّا لو كان المتصدي لشراء العبد المسلم ـ بمال الطفل الكافر ـ كافرا ، فهو مشمول للبحث السابق من منع سبيل الولي الكافر على العبد المسلم.

(١) من عدم صدق «الكافر» حقيقة على أطفالهم ، سواء أكان الكفر وصفا وجوديّا مضادّا للإيمان ، أم عدميّا.

أمّا على الأوّل فواضح. وأمّا على الثاني فلأنّ الكفر بمعنى عدم الإسلام ، ومن المعلوم أنّ التقابل بين الإسلام والكفر تقابل العدم والملكة ، لا تقابل السلب والإيجاب. وعدم الملكة منتف في أطفال الكفار ، فلا يلحق الأطفال بالبالغين.

ومن كون المراد بالكافر أعمّ من الحقيقي والحكمي ، فيلحقون بكبارهم ، لأنّ هذه الأعمية مقتضى حكومة (*) ما دلّ على كون أطفالهم بمنزلة كبارهم في الأحكام والآثار.

ولو شك في شمول أدلة المنع لأطفالهم فمقتضى عمومات الصحة صحة انتقال المسلم إلى طفل الكافر ، لمرجعيّة العام في المخصص المجمل المفهومي الدائر بين الأقل والأكثر ، وللاقتصار في التخصيص على القدر المتيقن وهو الكافر البالغ.

(٢) هذا هو المقام الثاني ممّا تعرّض له في الجهة الثانية ـ أي المراد بالمسلم في هذه المسألة ـ ومحصله : أنّ المراد بالمؤمنين في آية نفي السبيل ما يعم السنّي الفاقد للولاية ، ولا يختص بالشيعي ، وذلك لأنّه مسلم ، فيعلو ولا يعلى عليه. واختصاص إطلاق «المؤمن» على الشيعي صار من زمان الصادقين عليهما‌السلام. فالمؤمن الذي يطلق على الشيعي إمّا منقول ، وإمّا مشترك لفظي ، وإمّا مجاز مشهور ، والثاني غير بعيد.

__________________

(*) هذه الحكومة غير ظاهرة ، لتوقفها على عموم دليل تنزيل الأطفال منزلة البالغين. ولم نعثر ـ إلى الآن ـ على هذا الدليل. والمتيقن هو ثبوت بعض الأحكام للأطفال كالنجاسة ، والتبعية في السّبي. فآية نفي السبيل لا تشمل أطفال الكفار ، فنقل العبد المسلم إلى طفل الكافر بتوسط وليّه المسلم لا بأس به. نعم يشكل ذلك إذا كان بتوسط وليّه الكافر ، لتحقق السبيل حينئذ للكافر على المؤمن.

٣٢٧

لأنّه مسلم (١) ، فيعلو ولا يعلى عليه.

والمؤمن (٢) في زمان نزول آية «نفي السبيل» لم يرد به (٣) إلّا المقرّ بالشهادتين.

ونفيه (٤) عن الأعراب «الّذين قالوا آمنّا» بقوله (٥) تعالى (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (١) إنّما (٦) كان لعدم اعتقادهم بما أقرّوا (٧). فالمراد بالإسلام

______________________________________________________

وعليه فالعبد المسلم ـ سواء أكان إماميّا أم عاميّا ـ يحرم بيعه من الكافر.

(١) حيث إنّه مقرّ بالشهادتين ، وهو المناط في إسلام شخص.

(٢) مبتدء خبره جملة «لم يرد» وهذا إشارة إلى إشكال ودفع. أمّا الإشكال فهو : أنّ المذكور في آية نفي السبيل هو المؤمن المغاير للمخالف ، فبأيّ وجه يشمل المخالف ، ويقال : بعدم جواز انتقال العبد السّنّي إلى الكافر؟

وأمّا الدفع فهو : أنّ المراد بالمؤمن في زمان نزول الآية هو المقرّ بالشهادتين ، فالمسلم أعمّ مطلقا من المؤمن المصطلح الحادث ، إذ كلّ مؤمن مسلم ، ولا عكس.

(٣) أي : بالمؤمن في آية نفي السبيل. وهذا إشارة إلى الدفع الّذي اتضح بقولنا : «واما الدفع فهو ان المراد .. إلخ».

(٤) مبتدء خبره جملة «إنما كان» أي : ونفي الإيمان عن الأعراب. ثم إنّ هذا إشارة إلى وهم ودفع. ومحصل الوهم هو : أنّ إرادة المقرّ بالشهادتين فقط من المؤمن في آية نفي السبيل ـ بدون زيادة الاعتراف بالإمامة على ذلك ـ تنافي نفي الإيمان عن الأعراب الذين قالوا : آمنّا واعترفنا بالشهادتين ، بقوله تعالى (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ).

(٥) متعلق ب «نفيه».

(٦) هذا دفع الوهم المذكور ، وحاصله : أنّ نفي الإيمان عن الأعراب ليس لبيان الفرق بين الايمان والإسلام ، بل نفيه عنهم إنّما هو لأجل عدم اعتقادهم بما أقرّوا به ، فالمنفي هو الاعتقاد بالشهادتين ، والمثبت هو التلفّظ بهما.

(٧) كذا في النسخ ، والمناسب إضافة «به» إليه حتى يتحقق العائد إلى الموصول في «بما».

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٤.

٣٢٨

هنا (١) أن يسلم نفسه لله ورسوله في الظاهر لا الباطن. بل (٢) قوله تعالى (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) دلّ على أنّ ما جرى على ألسنتهم من الإقرار بالشهادتين كان إيمانا في خارج القلب.

والحاصل : أنّ الإسلام والإيمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد (٣).

وأمّا (٤) ما دلّ على كفر المخالف بواسطة إنكار الولاية ، فهو (٥) لا يقاوم

______________________________________________________

(١) أي : في آية نفي السبيل ، فالإسلام مع عدم اعتقادهم بما أقرّوا به من الشهادتين ظاهريّ لا باطني ، بأن يسلّموا أنفسهم لله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الظاهر وعند الناس ، لا الباطن.

(٢) يعني : بل يطلق الإيمان أيضا على الإسلام الصوري على ما يستفاد من قوله تعالى (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) حيث إنّ الجاري على ألسنتهم من الشهادتين إيمان في خارج القلب ، كما أنّ الاعتقاد بالشهادتين إيمان في داخل القلب. فكل من المتلبّس بالايمان اللساني والقلبي موضوع لنفي السبيل المذكور في الآية الشريفة ، لكون كل منهما مؤمنا. فالمؤمن في الآية هو المقرّ بالشهادتين سواء أكان إيمانه قلبيا أم لسانيا.

(٣) وهو الإقرار بالشهادتين مطلقا سواء أكان مع الاعتقاد بهما أم بدونه.

(٤) إشارة إلى إشكال ، وهو : أنّ تعميم المسلم للمخالف لكونه مقرّا بالشهادتين ينافي ما دلّ من الروايات على كفر المخالف بسبب إنكاره للولاية كما ذهب إليه جمع (١) استنادا إلى النصوص المستفيضة ، مثل ما رواه ثقة الإسلام بسنده عن مولانا الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام. قال : «إنّ الله عزوجل نصب عليّا عليه‌السلام علما بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن جهله كان ضالّا ، ومن نصب معه شيئا كان مشركا ، ومن جاء بولايته دخل الجنة» (٢) لظهور كفر المنكر ـ بقرينة مقابلته لضلالة الجاهل ـ في جحود الحقّ عنادا واستكبارا بعد قيام الأدلة عليه في ذلك.

(٥) هذا جواب «أمّا» وجواب الإشكال المذكور ، وحاصله : أنّ تلك الروايات الدالة على كفر المخالفين لا تصلح للمعارضة ولا تقاوم مع ما دلّ على إسلام المخالف

__________________

(١) راجع الحدائق الناضرة ، ج ٥ ، ص ١٧٥ ـ ١٨٨.

(٢) الكافي ، ج ١ ، ص ٤٣٧ ، كتاب الحجة ، باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية ، ح ٧.

٣٢٩

بظاهره لما دلّ على جريان جميع أحكام الإسلام عليهم (١) ، من (٢) التناكح والتوارث ، وحقن الدماء ، وعصمة الأموال ، وأنّ (٣) الإسلام ما عليه جمهور الناس.

______________________________________________________

لكونه مقرّا بالشهادتين ، وجريان جميع أحكام الإسلام عليه ، وأنّ الإسلام ما عليه جمهور الناس ، وهم المخالفون.

وجه عدم المقاومة : أنّ الكفر مقابل للإسلام ، ولهما بحسب الآيات والروايات معان متعددة. فقد يطلق الإسلام على مجرّد إظهار الشهادتين ، والكفر المقابل له ـ الموضوع لآثار شرعية كالنجاسة وعدم التوارث وغير ذلك ـ هو الشرك والتهوّد والتنصّر.

وقد يطلق على ما يرادف الإيمان ـ وهو التصديق القلبي ـ مضافا إلى الإقرار باللسان. والكفر المقابل له شامل لمن يظهر الشهادتين.

وقد يطلق على غير ذلك ، كما أنّ للإيمان إطلاقات.

ومن المعلوم أن الآثار المترتبة على الكفر بالمعنى الأوّل ـ وهو المقابل للإسلام بالإقرار اللساني ـ لا تترتب على الكفر بالمعنى الثاني ، لتعدد الموضوع حسب الفرض.

وعليه فتكفير منكر مطلق الامام عليه‌السلام لا يكفي بنفسه للحكم بترتب أحكام الكافر بالمعنى الأوّل ـ عليه (١).

هذا مع الغض عمّا قيل من : أنّ لسان ما دلّ على كفر المخالف لسان التنزيل في الآثار الأخروية ، كما تدلّ عليه رواية حمران الآتية ، فيكون أجنبيّا عن الأحكام الشرعية الدنيوية (٢) ، ولا حاجة حينئذ إلى الجمع الدلالي بين النصوص ، أو تضعيف أخبار النجاسة بإعراض الأصحاب عنها ، ونحوه.

(١) أي : على المخالفين ، وكان الأولى إفراد الضمير ، لرجوعه إلى المخالف.

(٢) بيان لأحكام الإسلام.

(٣) معطوف على «جريان».

__________________

(١) راجع جواهر الكلام ، ج ٦ ، ص ٦٠.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٦٣.

٣٣٠

ففي رواية حمران بن أعين : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الإيمان ما استقرّ في القلب (*) وأفضى به (١) إلى الله تعالى ، وصدّقه (٢) العمل بالطاعة لله ، والتسليم. لأمر الله. والإسلام (٣) ما ظهر من قول أو (٤) فعل ، وهو (٥) الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه (٦) جرت المواريث ، وجاز (٧) النكاح ، واجتمعوا (٨) على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ فخرجوا بذلك (٩) من الكفر ، وأضيفوا إلى الإيمان .. إلى أن قال (١٠ فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي‌ء من

______________________________________________________

(١) أي : بلغ وانتهى به إلى الله تعالى.

(٢) أي : وصدّق الايمان العمل ، فالإيمان اعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.

(٣) معطوف على «الايمان» وحاصله : أنّ الإسلام هو العمل الجوارحي من قول ، وهو الإقرار بالشهادتين ، وفعل وهو الإتيان بالصلاة وسائر العبادات.

(٤) كذا في المصدر وبعض النسخ ، وفي نسختنا العطف بالواو ، وهو غير موافق لما في الكافي.

(٥) أي : والإسلام ، فإنّه هو الإسلام الذي عليه جميع فرق المسلمين.

(٦) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى الإسلام.

(٧) كذا في الكافي ، وبعض النسخ المصححة ، وما في نسختنا «من جازت» خطأ.

(٨) معطوف على «حقنت» يعني : وبالإسلام حقنت الدماء واجتمعوا على الصلاة والزكاة.

(٩) أي : بالإسلام خرجوا من الكفر وأضيفوا إلى الإيمان.

(١٠) أي : قال الراوي : فهل للمؤمن .. إلخ. والمراد بالفضائل ظاهرا المستحبات ،

__________________

(*) فالإيمان على هذا من صفات النفس ، بخلاف الإسلام ، فإنّه من صفات الجوارح ، لكونه من السّلم والانقياد ، كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام : «والإسلام ما ظهر من قول وفعل» فليس الإسلام والايمان بمعنى واحد ، ومن الألفاظ المترادفة كما هو صريح قوله : «والحاصل أن الإسلام والايمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد».

٣٣١

الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟ قال : (١) لا [بل] (٢) هما يجريان في ذلك (٣) مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم في إعمالهما ، وما يتقرّبان به إلى الله تعالى» (١).

ومن جميع ما ذكرنا (٤) ظهر أنّه لا بأس ببيع المسلم من المخالف ولو كان

______________________________________________________

وبالأحكام التكاليف الإلزامية.

(١) يعني : قال الامام عليه الصلاة والسلام : هما ـ أي المؤمن والمسلم ـ يجريان .. إلخ.

(٢) كذا في نسختنا ، وليس في الكافي كلمة «بل».

(٣) حاصله : أنّه لا فضل للمؤمن على المسلم في الخطابات الإلهية ، وإنّما الفضل له في آثار الأعمال في الآخرة.

(٤) أي : ظهر من جميع ما ذكرنا ـ من أنّ الإسلام ما عليه جمهور الناس ، وأنّ الإسلام ما ظهر من قول وفعل ـ أنّ العبد المسلم السّنّي لا يصح نقله إلى الكافر ببيع وغيره ، كعدم صحة نقل العبد المسلم الشيعي إلى الكافر ، من دون تفاوت بينهما.

وهذا الذي ذكرناه يظهر من عبارة المصنف قدس‌سره وإن لم يصرّح به هنا ، والذي صرّح به هنا هو : أنّ مقتضى ما ذكره من معنى الإسلام ، وأنّه الإقرار بالشهادتين هو كون المخالف مسلما ، فيجوز بيع المملوك الشّيعي من مسلم مخالف وإن كان المبيع جارية ، إذ المفروض إسلام كليهما.

نعم إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لروايات تأتي الإشارة إليها اقتضت فحواها حرمة بيع الجارية المؤمنة من الكافر.

توضيح الفحوى : أنّ تزويج المخالف بالمؤمنة تسليط منه على بضعها فقط ، فإذا حرم التسليط على بضعها كذلك بالزواج حرم تسليط المخالف عليها بالشراء بالأولوية ، لأنّه بالشراء يصير مالكا لها مسلّطا على جميع شؤونها الحياتية ، وتقع هي تحت سيطرة تمام أوامره ونواهيه. وهذا أعظم سبيل للمخالف على المؤمنة ، فتكون هذه الفحوى دليلا على حرمة نقل المملوك الشيعي إلى السني بعد عدم الفصل بين العبد والأمة.

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٦ ، ح ٥.

٣٣٢

جارية (١) ، إلّا (٢) إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف ، لأخبار دلّت على ذلك (٣) ، فإنّ فحواها (٤) (*)

______________________________________________________

(١) يعني : ولو كان المبيع المسلم جارية مؤمنة ، فإنّه يجوز بيعها من المخالف ، وهو المسلم السّني.

(٢) استثناء من قوله : «لا بأس ببيع المسلم من المخالف». أي : إلّا إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة الشيعية من المسلم المخالف ، كما نقله في الجواهر عن أستاذه كاشف الغطاء من «أنه لا يبعد اشتراطه ـ أي اشتراط الإيمان بالمعنى الأخص وهو الاعتقاد بالولاية ـ في الإماء ، لظاهر بعض النصوص» ثم أشار صاحب الجواهر إلى نصوص النكاح. وهو وإن لم يلتزم به لكنه جعله موافقا للاحتياط الذي لا ينبغي تركه (١).

نعم اختار السيد العاملي المنع استنادا إلى العلة المنصوصة ، فقال : «والعلة المنصوصة في عدم تزويج المؤمنة من المخالف تدل على ذلك» (٢) ويحتمل إرادة كلّ من المساواة والأولوية.

(٣) أي : على حرمة التزويج المزبور وبطلانه. فمن تلك الأحاديث رواية الفضيل بن يسار : «قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نكاح الناصب ، فقال : لا والله ما يحلّ. قال فضيل : ثم سألته مرّة أخرى ، فقلت : جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال : والمرأة عارفة؟ قلت : عارفة ، قال : إنّ العارفة لا توضع إلّا عند عارف» (٣). ودلالة ذيل هذا الحديث على حرمة تزويج المؤمنة بالمخالف ـ أي السّني ـ ظاهرة.

(٤) أي : فحوى تلك الأخبار تدلّ على المنع عن بيع الجارية المؤمنة من المخالف

__________________

(*) قد يورد على هذه الفحوى بأنّ المحرّم إن كان هو السلطنة على الوطي في الزواج كانت الفحوى في محلّها ، لأنّ السلطنة على الوطي في المورد أقوى ، لكونها بزيادة

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٨.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٤٢٤ ، الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ، الحديث ٥ ، ونحوه الحديث ٣ ، وفيه «ولا يتزوج المستضعف مؤمنة».

٣٣٣

تدلّ على المنع من بيع الجارية المؤمنة (١).

لكن (٢) الأقوى عدم التحريم.

ثمّ إنّه قد أستثني (*) من عدم جواز تملّك الكافر (٣) للعبد المسلم مواضع :

______________________________________________________

وقد مرّ تقريب الفحوى بقولنا : «توضيح الفحوى : أنّ تزويج المخالف .. إلخ».

ويمكن أن يكون وجه الأولوية أنّ المملوكة تأخذ من دين سيّدها أكثر مما تأخذه الزوجة من دين زوجها ، فحرمة تملك المخالف لها أولى من تزويجها ، فتأمّل.

(١) أي : بيع الجارية المؤمنة من المخالف.

(٢) هذا مختار المصنف المنسوب إلى المشهور. وعليه فلا مجال للفحوى المزبورة.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية ، وسيأتي البحث في مستثنيات حرمة تملك الكافر للعبد المسلم.

موارد جواز تملك الكافر للعبد المسلم

(٣) يعني : بناء على مذهب المشهور من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، يستثنى من عدم الجواز مواضع. وهذا بيان لثالثة جهات البحث في هذه المسألة.

__________________

ملك الرقبة. وأمّا إن كان المحرّم عنوان الزّواج لا حكمه ـ وهو جواز الوطي ـ والمفروض أن حقيقة الزواج مغايرة للمملوكيّة وغير موجودة فيها ، فلا مساواة فضلا عن الأولوية ، هذا (١).

ويمكن أن يقال : إنّ الزّواج وإن كان حقيقة غير المملوكية ، لكن لمّا كان أظهر آثاره جواز الوطي ، فمنصرف الدليل هو الوطي ، فتصحّ حينئذ دعوى الفحوى ، بأن يقال : إن لم يكن وطؤها بالزواج جائزا فعدم جوازه بالملك أولى ، فليتأمّل.

(*) التعبير بالاستثناء لا يخلو من المسامحة ، لأنّه إخراج حكمي ، كإخراج «زيد» من «القوم» في قوله : «جاء القوم إلّا زيدا» فإنّ «زيدا» خارج عن حكم القوم وهو المجي‌ء ، لا عن أصل الموضوع وهو القوم. فلو كان الملك الآنيّ التطرقي غير الملك المستقر الذي هو موضوع عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم كان الإخراج موضوعيا لا حكميّا حتى يكون من باب الاستثناء.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ٢٣٤.

٣٣٤

منها (١) ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق ، بأن يكون ممّن ينعتق على الكافر قهرا واقعا كالأقارب (٢) ، أو ظاهرا (٣) كمن أقرّ بحرّية مسلم ثمّ اشتراه ، أو بأن (٤) يقول الكافر للمسلم : «أعتق عبدك عنّي بكذا» فأعتقه. ذكر ذلك العلّامة

______________________________________________________

(١) أي : من تلك المواضع المستثناة ـ من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ـ ما إذا كان شراؤه مستعقبا لانعتاقه ، والمذكور في الموضع الأوّل موارد ثلاثة :

أوّلها : من ينعتق على المشتري قهرا واقعا كالعمودين ، فإذا اشترى الكافر أباه المسلم أو ولده ، ملكه بالشراء ، ولكن ينعتق عليه. وحيث إنّ العتق متوقف على الملك ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا عتق إلّا بعد ملك» (١) فلا بدّ من دخول العبد المسلم في ملك أبيه أو ولده حتى ينعتق فهذا من موارد تملّك الكافر للعبد المسلم أو الأمة المسلمة.

(٢) كالعمودين : الآباء والأولاد. وهذا الانعتاق قهري واقعي ليس باختيار مالكه الذي اشتراه.

(٣) معطوف على «واقعا» يعني : أنّ انعتاق الأقارب حكم واقعي. وهذا مورد ثان من الموضع الأوّل ممّا استثنى من عدم تملك الكافر للمسلم ، وهو : ما إذا أقرّ كافر بحريّة عبد مسلم ، ثم اشتراه من مولاه ليستنقذه من ذلّ العبودية ، ويستخرجه من سجن الرقية.

وهذا البيع صحيح للاستنقاذ ، بمعنى : أنّ الكافر المشتري يملك هذا المسلم الذي أقرّ بحرّيّته ، لاستنقاذه على حسب إقراره بالحرية.

وهذا الانعتاق حكم ظاهري مستند إلى إقرار المشتري بحرّيّة المسلم الذي اشتراه من مولاه.

(٤) معطوف على قوله : «بأن يكون» وهذا مورد ثالث من الموضع الأوّل ممّا استثني من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، وحاصله : أنّه إذا قال الكافر لمسلم : «أعتق عبدك المسلم عنّي بدينار» مثلا ، فأعتقه ، صحّ بيعه ، لوكالته في بيع العبد من الكافر ، ثم وكالته عن الكافر في عتقه. كلّ ذلك بدلالة الاقتضاء كما قرّر في محلّه.

وبالجملة : فصار العبد ملكا للكافر ، ولذا صحّ عتقه عنه أيضا ، فالكافر يصير

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٧ ، الباب ٥ من أبواب العتق ، ح ٢.

٣٣٥

في التذكرة (١) ، وتبعه جامع المقاصد والمسالك.

والوجه في الأوّل (١) واضح ، وفاقا للمحكي (٢) عن (٢) الفقيه والنهاية والسرائر مدّعيا (٣) عليه الإجماع ، والمتأخّرين كافّة ، فإنّ (٤) مجرّد الملكيّة غير

______________________________________________________

مالكا للعبد المسلم ، ثم يعتق. فهذا أيضا من الموارد المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، والملكية في هذه الموارد الثلاثة استطراقية.

(١) وهو كون العبد المسلم ممّن ينعتق على الكافر قهرا واقعا كالأقارب. وجه الوضوح : أنّ العتق منوط بالملك ، فلا بدّ أن يصير الكافر مالكا للعبد حتى ينعتق.

فالوجه في تملك الكافر للعبد المسلم في الفرض الأوّل ـ وهو الانعتاق القهري على الكافر ـ واضح.

(٢) قال في مفتاح الكرامة : «وفي المقنعة والنهاية والسرائر والشرائع والتذكرة والإرشاد وشرحه لفخر الإسلام : أنه يملك من ينعتق عليه. فإذا اشتراه انعتق عليه في الحال».

(٣) حال من صاحب السرائر ، وقوله : «والمتأخرين» معطوف على «للمحكي» يعني : وفاقا للمتأخرين كافّة.

(٤) هذا بيان لوجه وضوح صحة الشراء ، تقريبه : أنّ الملكية التطرقية التي لا استقرار لها ليست منهيّا عنها ، لعدم كونها سبيلا منفيّا بالآية المباركة ، فلا وجه لعدم جوازها.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢٠ و ٢١ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٢ و ٦٣ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٧.

(٢) الحاكي عن هذه الكتب ـ ما عدا الفقيه ـ هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٧ ، ولعلّ الفقيه تصحيف «المقنعة».

وعلى كلّ فلاحظ المقنعة ، ص ٥٩٩ ، النهاية ، ص ٤٠٨ و ٥٤٠ ، السرائر ، ج ٢ ، ص ٣٤٣ ، وفيه دعوى الإجماع ، وج ٣ ، ص ٧ ، شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٦ ، مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٩ ، إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦٠ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٢ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٧ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٤٤.

٣٣٦

المستقرّة لا يعدّ سبيلا ، بل (١) لم يعتبر الملكية إلّا مقدّمة للانعتاق.

خلافا للمحكيّ (١) عن المبسوط والقاضي ، فمنعاه (٢) ، لأنّ الكافر لا يملك حتّى ينعتق ، لأنّ التملّك بمجرّده سبيل (*) ، والسيادة علوّ.

______________________________________________________

(١) غرضه من هذا الإضراب إخراج الملكية التطرقية عن موضوع آية نفي السبيل ، بتقريب : أنّ المراد بالسبيل هي الملكية المستقرة التي تترتب عليها السلطنة الاعتبارية والخارجية. وهذه الملكية مفقودة في تملك الكافر للمسلم المتعقب بالانعتاق.

لكن على هذا لا ينبغي أن تعدّ هذه الملكية التطرقية الآنية من المواضع المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، لأنّها ليست تلك الملكية التي أريدت من السبيل المنفي في الآية المباركة.

(٢) يعني : أنّهما قدس‌سرهما منعا شراء الكافر العبد المسلم الذي ينعتق عليه ، معلّلين له : بأنّ الكافر لا يملك المسلم حتى ينعتق ، لأنّ التملك بنفسه أي إضافة الملكية بمجرّدها سبيل منفي بالآية. وسيادة الكافر على المسلم علوّ منفي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه».

__________________

(*) بل السبيل عليه ، لا له على المسلم ، ضرورة أنّه بمجرّد دخوله في ملك الكافر يخرج عن ملكه ، فلا يشمله ما استدلّ به على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر من آية نفي السبيل ، والرواية المرويّة عن المولى أمير المؤمنين عليه وعلى أولاده المعصومين أفضل صلوات المصلّين.

أمّا الآية فلأنّ المراد بالملكية فيها هو الملكية المستقرة التي يترتب عليها الآثار ، والسلطنة الاعتبارية والخارجية. وأمّا الملكية التي تزول بمجرد حدوثها ولا تبقى ، فلا توجب سبيلا للكافر على المسلم ، بل توجب سبيلا عليه ، لا له.

وأمّا الرواية المتقدمة (في ص ٢٩٦) المشتملة على قوله عليه‌السلام : «ولا تقرّوه عنده»

__________________

(١) الحاكي هو العلامة في المختلف ج ٥ ، ص ٥٩ ، ولاحظ : المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٦٨ ، جواهر الفقه ، ص ٦٠ ، المسألة : ٢٢٢.

٣٣٧

إلّا (١) أنّ الإنصاف أنّ السلطنة غير متحقّقة في الخارج ، ومجرّد (٢) الإقدام على شرائه لينعتق منّة من الكافر على المسلم ، لكنّها (٣) غير منفيّة.

وأمّا الثاني (٤) ، فيشكل بالعلم بفساد البيع على تقديري الصدق والكذب (٥) ،

______________________________________________________

(١) هذا إشكال على التعليل المزبور «لأن الكافر لا يملك» وحاصل الاشكال : أنّ السلطنة المنفيّة في الآية غير متحققة في الملك التطرّقي إذ لا أثر له إلّا الانعتاق ، ولا يترتب عليه سلطنة أصلا ، والمفروض أنّ المنهي عنه هي الملكية التي يترتّب عليها السلطنة ، فلا تشملها الآية المباركة.

(٢) مبتدء خبره «منّة» وهذا اعتراض من الخصم ، وحاصله : أنّ السلطنة وإن لم تكن متحقّقة ، إلّا أنّ منّة الكافر على العبد المسلم ـ بسبب شرائه لينعتق ـ متحقّقة ، وهي كالسلطنة منفيّة ومانعة عن تملك الكافر.

(٣) هذا دفع الاعتراض المزبور ، ومحصله : أنّ المنّة متحققة ، لكنها ليست كالسلطنة منفيّة حتى تمنع تملك الكافر.

(٤) وهو كون الشراء مستعقبا للانعتاق ظاهرا ـ كالكافر الذي أقرّ بحرّية مسلم ثم اشتراه ـ فيشكل خروجه عن عدم جواز تملك الكافر للمسلم ، لأنّ خروجه عنه منوط بصحة البيع حتى يصير الكافر مالكا للمسلم ، ثم ينعتق عليه. والمفروض وجود العلم التفصيلي بفساد البيع ، إمّا لخلل في أحد العوضين وهو المبيع ، لحريته على تقدير صدق إقراره بحرّيته ، والحرّ ليس قابلا للبيع. وإمّا لخلل في أحد المتعاقدين ، وهو المشتري ، لكونه كافرا ، والكافر لا يملك المسلم ، فلا يتصور صورة صحيحة لهذا البيع.

(٥) أي : تقديري صدق إقرار الكافر بحرّية المسلم الذي يشتريه ، وكذبه.

__________________

فلأنّ المنهي عنه فيها هو استقرار العبد المسلم تحت يد الكافر ، والمفروض أنّه لا استقرار لملكية المسلم للكافر ، بل بمجرد حدوثها تزول.

ولو شكّ في شمول الآية والرواية للمورد فالمرجع عمومات صحة البيع ، دون الآية والرواية ، لكون الشبهة فيهما في تخصيصهما لتلك العمومات زائدا على المتيقن.

٣٣٨

لثبوت (١) الخلل : إمّا في المبيع ، لكونه حرّا ، أو في المشتري ، لكونه كافرا (٢) ، فلا يتصوّر صورة صحيحة لشراء من أقرّ بانعتاقه (٣). إلّا أن يمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي (٤) (*)

______________________________________________________

(١) تعليل للعلم بفساد البيع ، وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «إمّا لخلل في المبيع لحريته».

(٢) والكافر لا يملك المسلم.

(٣) يعني : فلا يتصوّر خروج شراء «من أقرّ الكافر بحريته» من عدم جواز تملك الكافر للمسلم.

(٤) وهو العلم الإجمالي بخلل في المبيع ، أو في المشتري.

والمراد بقوله : «مثل هذا العلم الإجمالي» هو : ما إذا علم إجمالا بخطاب مردّد بين خطابين ، كما إذا علم أنّ هذا المائع إمّا خمر وإمّا خلّ مملوك للغير ، فيعلم حينئذ بخطاب مردّد بين «اجتنب عن الخمر ، ولا تغصب» فهذا العلم الإجمالي غير منجّز على مذهب بعض كصاحب الحدائق (١).

وإنّما المنجّز عنده هو العلم التفصيلي بخطاب ومتعلقة ، وتردّد مورده بين شيئين. كما إذا علم بنجاسة أحد الإنائين ، فإنّ العلم بخطاب «وجوب الاجتناب عن النجس» تفصيلي ، وموضوعه مردّد بين إنائين. فالإجمال يكون في مورد الخطاب لا في نفسه ولا في متعلقة.

والمقام نظير القسم الأوّل ، إذ الخطاب فيه مردّد بين خطابين ، وهما : «لا يجوز شراء الحرّ ، ولا يجوز تملك الكافر العبد المسلم» ومثل هذا العلم الإجمالي لا أثر له.

__________________

(*) قد يقال في وجه منع هذا العلم الإجمالي بأنّه لا علم بفساد البيع على كل تقدير ، بل على تقدير خاصّ ، وهو تقدير الحرية واقعا ، لأنّه على هذا الفرض لا يصلح للملكية.

وأمّا على تقدير كذب الإقرار ورقيّة المبيع ، فهو صالح للملكية بدون مانع ، إذ المانع ـ وهو السبيل ـ مفقود ، حيث إنّ الملكية الواقعية المحكومة ظاهرا بعدمها للمقرّ ليست سبيلا

__________________

(١) الحدائق الناضرة ، ج ١ ، ص ٥١٧.

٣٣٩

فتأمّل (١).

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه إشارة إلى عدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين العلم التفصيلي بالخطاب وتردد موضوعه بين شيئين ، وبين تردد الخطاب بين خطابين ، كما تعرض له

__________________

له على المسلم ، فلا مانع من بيعه ، فيصحّ بيعه من البائع ، لحجية يده على الملكية ظاهرا ، وعدم قدح إقرار المقرّ بالحرّية في ذلك ، لكونه إقرارا في مال الغير ظاهرا على ما تقتضيه اليد ، ويصحّ الشراء أيضا من المشتري ، لعدم مانع وهو السبيل ، فيخرج الثمن من كيسه واقعا وظاهرا ، ويدخل في ملكه المبيع واقعا لا ظاهرا ، لأنّه مقتضى إقراره الذي أثره عدم صيرورته مالكا للمقرّ به ظاهرا.

وهذا التقريب غاية ما يمكن أن يقال في وجه استثناء المورد الثاني من موارد عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم (١).

لكن يشكل ما ذكر ـ من صحة البيع وصيرورة الثمن ملكا للبائع وخروجه عن ملك المشتري واقعا وظاهرا ـ بما حاصله : أنّ ملكيّة الثمن واقعا وظاهرا للبائع مترتبة على البيع المنوط بالقصد ، كغيره من العقود التابعة للقصود ، ومن المعلوم فقدان قصد البيع مع إقرار المشتري بعدم قابلية المقرّ به للبيع ، فلا يتحقق البيع الناقل. وبدون البيع لا ينتقل الثمن إلى البائع ، فيكون إعطاء الثمن إلى البائع لاستنقاذ الشخص عن الرقية الصورية ، لا بعنوان كونه ثمنا.

نعم يد البائع لكونها أمارة على الملكية ـ إن لم يكن عالما بخلافه ـ توجب تمشّي قصد إيجاب البيع منه. إلّا أنّه لا يتمشى قصد الشراء من المشتري لاعترافه. ومن المعلوم اعتبار حصول القصد من كلا المتعاقدين ، لتقوم العقد عرفا بقصدهما معا.

فالمتحصل : أنّه لم يثبت كون المورد الثاني ـ وهو إقرار المشتري الكافر بحرّيّة المسلم المحكوم ظاهرا بالرقية ـ من المواضع المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، لعدم البيع الموجب للملكية مطلقا من الاستطراقية والاستقرارية.

فما في تقرير المحقق النائيني «من أنّ الحكم فيه ـ أي في المورد الثالث ـ أيضا هو الصحة» (٢) غير ظاهر.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ٢٣٤.

(٢) المكاسب والبيع ، بقلم العلامة الآملي قدس‌سره ، ج ٢ ، ص ٣٥٣.

٣٤٠