هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

ورفع كعيسى «على نبيّنا وآله وعليه‌السلام» (١).

وتعميم (٢) الحجّة

______________________________________________________

(١) لا بأس بنقل نصّ رواية العيون ممّا يتعلّق بالمقام ، وهو أنّ الهروي ـ والظاهر أنّه عبد السلام بن صالح ـ قال : «قلت : يا ابن رسول الله وفيهم ـ أي في سواد الكوفة ـ قوم يزعمون أنّ الحسين بن علي عليه‌السلام لم يقتل ، وأنّه القي شبهه على حنظلة بن أسعد الشامي ، وأنّه رفع إلى السماء ، كما رفع عيسى بن مريم عليهما‌السلام ، ويحتجون بهذه الآية (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

فقال : كذبوا ، عليهم غضب الله ولعنته ، وكفروا بتكذيبهم لنبيّ الله في إخباره بأنّ الحسين بن علي عليهما‌السلام سيقتل. والله لقد قتل الحسين ، وقتل من كان خيرا من الحسين ، أمير المؤمنين والحسن بن علي. وما منّا إلّا مقتول ، وأنا والله لمقتول بالسّمّ باغتيال من يغتالني ، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول الله أخبره به جبرئيل عن ربّ العالمين.

وأما قول الله عزوجل (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) فإنّه يقول : ولن يجعل الله لكافر على مؤمن حجّة. ولقد أخبر الله عزوجل من كفّار قتلوا النبيّين بغير الحقّ ، ومع قتلهم إيّاهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة» (١).

(٢) مبتدء خبره قوله : «لا يخلو». وهذا إشارة إلى كلام صاحب العناوين وغيره ممّن أيّد استدلال المشهور بالآية الشريفة على منع بيع العبد المسلم من الكافر ، والغرض منه دفع الخدشة الثانية المتقدمة بقوله : «واخرى».

وبيانه : أنّ صاحب الحدائق قدس‌سره اعترض على المشهور المستدلّين بالآية الشريفة بوجوه ثلاثة ، وثالثها هو الاستشهاد بخبر العيون على أنّ السبيل المنفي في الآية المباركة ليس بمعنى السلطنة والملك ، فقال : «والخبر كما ترى صريح في تفسير السبيل المنفي في الآية بالحجة والدليل» (٢).

وأجاب صاحب العناوين قدس‌سره عنه ـ انتصارا للمشهور ـ بوجوه عديدة أشار المصنف قدس‌سره إلى اثنين منها :

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ٢ ، ص ٢٠٣ ، طبعة طهران عام ١٣٧٧ ، عنه في البحار ، ج ٤٤ ، ص ٢٧١ ، ح ٤.

(٢) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٢٤ و ٤٢٥.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجه الأوّل : أنّ تفسير «السبيل» بالحجة ـ كما في الخبر ـ لا ينافي التمسك بالآية ، إذ للحجة معنى عام يشمل الملكية ، ولا ينحصر معناها في البرهان والدليل ، فالحجة «ما تكون به الغلبة للكافر على المسلم» ومن المعلوم أنّ الملكية إذا كانت سبيلا كانت ممّا به غلبة الكافر على المسلم في تصرفه كيف يشاء.

وعلى هذا فتملك الكافر للعبد المسلم وسلطنته على الاستخدام والأمر والنهي حجة له على المسلم ، فتكون منفيّة بمقتضى الآية. قال في العناوين : «مضافا إلى أنّا نقول : إنّ الكافر لو كان مالكا للمسلم ونحو ذلك من طرق السّبل الذي تنفيها القاعدة لكان ذلك أيضا من أعظم الحجج للكافر على المسلم ، فإنّ حجه الملك والولاية من أعظمها. فالخبر الدال على نفي الحجة دال على ذلك ـ أي نفي الملك والولاية ـ أيضا ، فلا تذهل» (١).

وبهذا الوجه دفع صاحب الجواهر أيضا كلام صاحب الحدائق ، فقال : «يدفعها ـ أي يدفع المناقشة ـ صحة الاستدلال بها على هذا التقدير ، ضرورة كون الدخول في الملك أعظم حجة له عليه» (٢).

الوجه الثاني : أن «السبيل» وإن فسّر بالحجة ، وأنّها ليست مطلق ما يكون به الغلبة ، بل هي الغلبة في مورد المخاصمة والمحاجّة ، فلا تشمل الملكية ، ولكن نقول : ليس الخبر في مقام حصر السبيل المنفي في خصوص الحجة ، بل الخبر ـ لخصوصية المورد ـ طبّق السبيل العامّ على أحد أفراده ، وهو البرهان والدليل ، ومن المعلوم أنّ المورد لا يخصّص عموم الوارد. قال في العناوين : «والجواب أوّلا : أن السبيل المنفي عام شامل للحجة وغيرها ، والخبر لم يدلّ على الانحصار ، فنقول بدخوله في العموم ، غايته أنّ ذلك هو المورد ، وهو لا يخصّص .. فحمل الخبر على بيان أحد أفرادها أجود كما هو الغالب في أخبار التفاسير» (٣).

والفرق بين الوجهين : أن الأوّل مبني على ترادف «السبيل والحجة» بمقتضى ظاهر الخبر ، ولكن يدّعى أنّ الحجة غير منحصرة في البرهان والدليل ، بل يشمل

__________________

(١) العناوين للعلامة السيد مير فتاح الحسيني المراغي ، ج ٢ ، ص ٣٥٨.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٦.

(٣) العناوين للعلامة السيد مير فتاح الحسيني المراغي ، ج ٢ ، ص ٣٥٨.

٣٠٢

على معنى (١) يشمل الملكية ، أو [و] تعميم (٢) السبيل على وجه يشمل الاحتجاج والاستيلاء ، لا يخلو (٣) عن تكلّف.

وثالثة (٤) من حيث تعارض عموم الآية مع عموم ما دلّ على صحّة البيع (١) ووجوب الوفاء بالعقود (٢) ، وحلّ أكل المال بالتجارة (٣) ، وتسلّط الناس على أموالهم (٤) ،

______________________________________________________

الملكية والسلطنة أيضا. والوجه الثاني مبني على إنكار الترادف ، وجعل الحجة من أفراد معنى السبيل ، ومن المعلوم أنّ تفسير العامّ ببعض أفراده غير قادح في عموم ذلك العامّ ، فللسبيل معنى عام يشمل الاحتجاج والاستيلاء الملكي معا. هذا كلّه في توضيح الوجهين ، وسيأتي مناقشة المصنف فيهما ، وتثبيت قصور دلالة الآية على المقام.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل. وقد عرفت اختيار صاحب الجواهر له أيضا.

(٢) هذا إشارة إلى الوجه الثاني ، وقد تقدم الفرق بينه وبين الوجه الأوّل.

(٣) خبر قوله «وتعميم» ودفع للوجهين. أمّا الأوّل ، ففيه : أنّ الملكية إضافة خاصّة بين المال والمالك ، وهي تنشأ بالإنشاء. و «الحجة» ظاهرا هي الغلبة على الخصم في مورد المخاصمة ، لا مطلق ما يكون به الغلبة على أحد ولو لم تكن مخاصمة.

مضافا إلى : أنّ هذا المعنى العام للحجة مستلزم لتخصيص نفي جعل الملكية للكافر بالملك الابتدائي القهري والملك الاستدامي المتقدمين سابقا ، والمفروض أنّ الآية آبية عن التخصيص كما مرّ آنفا.

وأمّا الوجه الثاني ففيه أيضا : أنّ أصل معنى السبيل هو السلطنة ، فتعميمه إلى ما ورد في الخبر من الاحتجاج وإقامة الدليل ـ حتى يتطابق المدّعى والدليل ـ غير ظاهر.

(٤) هذه هي الخدشة الثالثة ، توضيحها : أنّه ـ بعد الغضّ عن المناقشتين المتقدمتين الراجعتين إلى دلالة الآية الشريفة ، وتسليم دلالتها على عدم جعل ملكية العبد المسلم

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٧٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية ١.

(٣) سورة النساء ، الآية ٢٩.

(٤) عوالي اللئالي ، ج ١ ، ص ٢٢٢ ، ح ٩٩.

٣٠٣

وحكومة (١) الآية عليها غير معلومة (٢) (*). وإباء (٣) سياق الآية عن التخصيص

______________________________________________________

للكافر ـ يرد على الاستدلال بها : أنّها تعارض العمومات الدالة على صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر ، والنسبة بينهما عموم من وجه ، لاجتماعهما في بيع العبد المسلم من الكافر ، فإنّ آية نفي السبيل تقتضي فساده ، والعمومات تقتضي صحته. وافتراق العمومات في بيع العبد المسلم من المسلم. وافتراق الآية في الملك القهري ، إذ العمومات ناظرة إلى الملك الاختياري. والمعارضة تسقط المتعارضين ، وتصل النوبة إلى الأصل العملي الذي هو أصالة الفساد في العقود.

فالنتيجة : بطلان نقل المسلم إلى الكافر كما هو المشهور ، وهذا ضدّ مقصود المصنف قدس‌سره من إثبات صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر.

(١) مبتدء ، وخبره «غير معلومة» والغرض من هذا الكلام دفع إشكال المعارضة ، بتقريب : أنّ آية نفي السبيل حاكمة على عمومات الصحة ، وتقدّم عليها ، ولا تلاحظ نسبة العموم من وجه بينهما. وهذه الحكومة توجب صحة الاستدلال بالآية على مذهب المشهور ، وهو عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكفار.

(٢) لأنّ المصنف قدس‌سره يعتبر في الحكومة تعرّض الحاكم بمدلوله اللفظي لما يراد من المحكوم ، وهو مفقود هنا. ومع عدم الحكومة لا يصحّ الاستدلال بالآية على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر ، لمعارضتها مع عمومات الصحة.

(٣) مبتدء ، وخبره «يقرّب» توضيح ما أفاده في المناقشة الثالثة هو : أنّ مجرد التعارض ـ وعدم الحكومة على عمومات الصحة ـ لا يكفي في سقوط المتعارضين حتى يرجع إلى أصالة الفساد التي هي المرجع في العقود وخيرة المشهور. بل مدار سقوطهما على إمكان تخصيص كلّ من المتعارضين بالمجمع ، وإخراجه عن كلّ منهما ، وعدم رجحان

__________________

(*) لا ينبغي الإشكال في الحكومة ، لما قرّر في محلّه من عدم اعتبار دلالة الحاكم لفظا على ما يراد من المحكوم. لكنه مع ذلك لا يستقيم الاستدلال بالآية على عدم تملك الكافر للعبد المسلم ، لأجل إباء الآية عن التخصيص ، مع القطع بتخصيصها بموارد يكون الكافر مالكا فيها للعبد المسلم.

٣٠٤

ـ مع وجوب الالتزام به (١) في طرف الاستدامة ، وفي (٢) كثير من الفروع في الابتداء ـ يقرّب (٣) (*) تفسير السبيل بما لا يشمل الملكيّة ، بأن يراد من السبيل السلطنة ،

______________________________________________________

لتخصيص أحدهما بالخصوص على الآخر. ك «أكرم العلماء ولا تكرم الأمراء» فإنّ مورد اجتماعهما ـ وهو العالم الأمير ـ يمكن إخراجه عن كلّ من هذين الدليلين من دون رجحان لأحدهما بالخصوص على الآخر.

والمفروض فقدان هذا الشرط ـ وهو عدم رجحان أحد التخصيصين على الآخر ـ هنا ، وذلك لإباء الآية المباركة عن التخصيص ، مع وضوح تخصيصها بالملك الابتدائي القهري كالإرث ، والاستدامي كإسلام العبد مع مولاه الكافر ، أو ارتداد مولاه مع إسلام العبد.

وهذا الإباء مع هذين التخصيصين ـ بل وغيرهما من الفروع ـ يكشف إنّا عن عدم إرادة الملك من السبيل ، بل المراد من السبيل المنفي في الآية المباركة نفس السلطنة. ومن المعلوم أنّ نفيها لا ينفي الملكية ، بل تجتمع الملكية مع عدم السلطنة كما في المحجورين ، فإنّهم مع كونهم مالكين لأموالهم محجورون عن التصرف فيها.

وعليه فالكافر يمكن أن يكون مالكا للعبد المسلم مع عدم سلطنته عليه. فالآية أجنبية عن نفي الملكية ، ولا تعارضها عمومات صحة العقود ، لأنّ الآية لا تنفي الملكية حتى تعارضها أدلة ترتب الملكية على العقود الصحيحة.

(١) أي : الالتزام بالتخصيص في طرف الاستدامة.

(٢) معطوف على «في» يعني : مع وجوب الالتزام بالملك في طرف الابتداء ، كالتملك القهري بالإرث ، وكصحة بيعه على من ينعتق عليه. وما لو قال الكافر للمسلم : «أعتق عبدك عنّي» لتملكه آنا ، وما لو اشترط على الكافر عتقه حين البيع.

(٣) خبر قوله : «وإباء» والتفسير بما لا يشمل الملكية يسقط الاستدلال بالآية

__________________

(*) نعم لا إشكال في كونه مقرّبا لتفسير «السبيل» بغير الملكية. لكنه لا يناسب ذكره هنا ، أي في إشكال المعارضة ، لأنّ فرض الإشكال إنّما هو بناء على إرادة نفي الملك من عدم السبيل حتى يعارض العمومات الدالة على تحقق الملك. وما ذكره من قوله : «يقرّب تفسير

٣٠٥

فيحكم بتحقّق الملك وعدم تحقّق السلطنة ، بل يكون محجورا عليه (١) مجبورا على بيعه (٢).

وهذا (٣) وإن اقتضى التقييد في إطلاق ما دلّ على استقلال الناس في أموالهم ، وعدم حجرهم بها (٤).

لكنّه (٥) مع ملاحظة وقوع

______________________________________________________

على عدم مالكية الكافر للعبد المسلم ، ويخرج الآية المباركة عن موضوع التعارض ، لتعدد الموضوع ، لأنّ موضوع العمومات هو الملكية ، وموضوع الآية هو السلطنة. وبينهما عموم من وجه.

(١) أي يكون المالك الكافر كسائر المحجورين المالكين لأموالهم.

(٢) أي : يجبر الكافر على بيع العبد المسلم من مسلم.

(٣) يعني : تحقق الملك للكافر بدون السلطنة له على العبد المسلم. وهذا إشارة إلى دفع وهم.

أمّا الوهم فهو : أنّ الآية وإن كانت سليمة من التخصيص مع إرادة الملك بدون السلطنة ، إلّا أنّ لازمه تقييد إطلاق دليل السلطنة ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلطون على أموالهم» الدال على عدم حجرهم وعدم جبرهم على بيعها.

وبالجملة : يلزم ارتكاب خلاف ظاهر دليل على كل حال ، إمّا تخصيص الآية ، وإمّا تقييد إطلاق دليل السلطنة ، هذا. وأمّا دفع الوهم فسيأتي.

(٤) مرجع الضمير حكمي ، وهو ما يوجب الحجر من الصغر والجنون والسفه وغيرها.

(٥) أي : ولكنّ التقييد ، وهذا دفع الوهم ، وحاصله : تقديم التقييد على التخصيص فيما إذا دار الأمر بينهما ، لكثرة تقييد إطلاق دليل السلطنة ، كحجر المالك القاصر لصغر ،

__________________

السبيل ..» إنكار لإرادة الملك من السبيل.

فالأولى ذكر قوله : «يقرّب» وما قبله في الخدشة الأولى الراجعة إلى دلالة الآية الشريفة ، فلاحظ.

٣٠٦

مثله (١) كثيرا في موارد الحجر على المالك أهون من ارتكاب التخصيص في الآية المسوقة (٢) لبيان أنّ الجعل شي‌ء لم يكن ولن يكون ، وأنّ (٣) نفي الجعل ناش عن احترام المؤمن الذي لا يقيّد بحال دون حال.

هذا ، مضافا (٤) إلى أنّ استصحاب الصحّة في بعض المقامات يقتضي الصحّة ، كما (٥) إذا كان الكافر مسبوقا بالإسلام ـ بناء على شمول الحكم (٦) لمن كفر عن الإسلام ـ أو كان (٧) العبد مسبوقا بالكفر ، فيثبت (٨) في غيره بعدم الفصل.

______________________________________________________

أو جنون ، أو سفه ، أو فلس ، أو زمن.

فالنتيجة : أنّ التقييد أهون من التخصيص في الآية.

(١) أي : مثل هذا التقييد ، و «أهون» خبر «لكنه».

(٢) هذه قرينة السياق التي أشار إليها في الخدشة الأولى بقوله في (ص ٢٩٩) : «ولو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص».

(٣) معطوف على «أنّ الجعل» والمراد نفي جعل السبيل مؤبّدا ، ومنشؤه احترام المؤمن الذي هو ثابت دائما ، وليس مقيّدا بحال دون حال ، ولذا يكون عدم السبيل آبيا عن التخصيص.

(٤) يعني : ويدلّ على صحة بيع العبد المسلم من المشتري الكافر ـ مضافا إلى الأدلة السابقة ـ استصحاب الصحة في بعض الموارد ، وقد ذكر المصنف قدس‌سره لذلك موردين.

(٥) هذا هو المورد الأوّل ، وتقريبه : أنّ هذا الكافر المشتري المسبوق بالإسلام كان قبل كفره يصحّ بيع العبد المسلم منه ، وبعد كفره كما كان ، والاستصحاب هنا تعليقيّ.

(٦) وهو عدم صحة بيع العبد المسلم من الكافر الذي يكون كفره بارتداده عن الإسلام.

(٧) معطوف على «كان» في قوله «إذا كان الكافر .. إلخ» وهذا هو المورد الثاني ، وتقريبه : أنّ عبدا كافرا إذا أسلم ، فقبل إسلامه كان بيعه من الكافر صحيحا ، ونشكّ في صحة بيعه منه بعد إسلامه ، فنستصحب الصحّة السابقة ، وهذا الاستصحاب أيضا تعليقي.

(٨) أي : فيثبت جواز بيع العبد المسلم من الكافر ـ في غير مورد استصحاب

٣٠٧

ولا (١) يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد (٢) ، لأنّ (٣) استصحاب الصحّة مقدّم عليها (*) فتأمّل (٤) (**).

______________________________________________________

الصحة ـ بعدم القول بالفصل بين مورد الاستصحاب وغيره ، فمن قال بالجواز في مورد الاستصحاب قال به في سائر الموارد.

(١) إشارة إلى وهم ودفعه. أمّا الوهم فهو : أنّ أصالة الفساد ـ أي : استصحابه ـ يعارض استصحاب الصحة ، كما إذا كان الكافر أصليّا والعبد مسلما ، فيثبت الفساد في غيره بعدم الفصل. فاستصحاب الفساد يعارض استصحاب الصحة في مورده ، وفي غيره بعدم الفصل.

(٢) الظاهر كون العبارة «في غير هذين الموردين» لأنّهما موردا الاستصحاب.

(٣) وأمّا دفع الوهم الذي أشير إليه بقوله : «لأن استصحاب الصحة» فحاصله : أنّ أصالة الصحة حاكمة على أصالة الفساد ، وإلّا تلزم لغوية جعلها ، وذلك لوجود أصالة الفساد أعني به بقاء كل مال على ملك مالكه في جميع موارد أصالة الصحة.

ويمكن أن يكون وجه تقدمها على أصالة الفساد كونها أصلا موضوعيا ، لجريانها في السبب الناقل لإثبات تماميته. بخلاف أصالة الفساد ، فإنّها أصل حكمي مثبت لبقاء المالين على ملك مالكيهما.

(٤) لعلّه إشارة إلى منع الحكومة ، لعدم تسبّب أحد الشكّين عن الآخر ، كتسبّب

__________________

(*) لا يخفى أنّه يقع الكلام في أنّ الإسلام شرط أو الكفر مانع ، وتظهر الثمرة في الشك. فعلى المانعية يمكن إحراز عدم المانع ـ أعني الكفر ـ بأصالة العدم ، فإذا شكّ في كفر من يشتري العبد المسلم أمكن إحراز عدمه بالأصل المزبور. بل يكون هذا المورد من صغريات قاعدة المقتضي والمانع.

وبناء على شرطية إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم لا بدّ من إحرازه في صحة البيع ، وبدونه لا يحكم بصحته.

(**) لم يتعرّض المصنف قدس‌سره للخدشة في الاستدلال بالنبوي «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» ولعلّه اتكالا على ما تقدم من المناقشة في الاستدلال بآية نفي السبيل. أو لأنّ

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الشك في طهارة الثوب المتنجس ـ المغسول بالماء المستصحب الطهارة ـ عن الشك في طهارة الماء الذي غسل به الثوب.

أو إلى عدم جريان استصحاب الصحة ، لتبدّل الموضوع ، حيث إنّ الكفر والإيمان أخذا في الأحكام بنحو الموضوعية ، نظير المسافر والحاضر ، فإنّ جواز شراء العبد المسلم مختصّ بالمسلم ، فإذا زال الإسلام فلا مجال لاستصحاب الصحة ، لتبدل الموضوع ، وهو إسلام المشتري بالكفر. وكذلك العبد الذي يجوز بيعه من الكافر فإنّما هو لأجل الكفر ، فإذا زال وأسلم العبد فقد تبدّل الموضوع ، فلا يجري استصحاب الصحة.

__________________

الجملة خبريّة ، ولا موجب لحملها على الإنشاء والنهي عن علوّ الكافر على المسلم بشي‌ء من الأسباب.

مع أنّ الحمل على الإنشاء لا يخلو من محذور ، للزوم التخصيص مع إباء السياق عنه ، أو لأنّه لا يجدي في إثبات بطلان نقل العبد المسلم الى الكافر. وبيانه على ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره : أن الجملة إن كانت مسوقة لنفي كلّ ما كان مصداقا للعلوّ من المجعولات الشرعية كالملكية والزوجية والسلطنة فكأنه قيل : «ان المجعولات الشرعية الموجبة للعلوّ ثابتة في حق المسلم على الكافر ، دون العكس» فالخبر وإن كان متكفلا لعدم تملك الكافر للعبد المسلم بالبيع وشبهه. ولكن يرد عليه أوّلا لزوم تخصيصه بموارد ثبوت الملكية للكافر على ما تقدم.

وثانيا : أنّه لا يلتئم مع استدلال غير واحد من الفقهاء به في باب الجهاد على منع علوّ بناء دار الكافر على دار المسلم ، والوجه فيه : أن المفروض إرادة نفي العلو من حيث المجعول الشرعي. وأمّا إعلاء البناء خارجا فليس من مصاديق العلو المنفي شرعا. وجواز الإعلاء وإن كان قابلا للنفي ، إلّا أنه ليس مصداقا للعلوّ. وسلطنة الكافر على إعلاء بنائه سلطنته على فعله لا على سلطنة المسلم ليكون مصداقا للعلو على المسلم.

وإن كانت الجملة مسوقة للحكم بعدم العلوّ على المسلم ـ بأنحاء العلوّ الاعتباري والتكويني ـ فتدل على عدم تملك الكافر للمسلم ابتداء ، وعلى وجوب إزالته عند ثبوته بإرث وشبهه. وعلى عدم سلطنة الكافر على المسلم ، وعلى عدم جواز إعلاء بنائه على بناء المسلم ، إلّا أنّه لا يجدي في إثبات فساد بيع العبد المسلم من الكافر ، لعدم اقتضاء حرمته

٣٠٩

ثمّ إنّ الظاهر (١) أنّه لا فرق بين البيع وأنواع التمليكات كالهبة والوصيّة.

______________________________________________________

أو إلى : أنّ عدم القول بالفصل لا يكفي في التعدّي من موردي استصحاب الصحة إلى سائر الموارد ، إذ المجدي في التعدّي هو قيام الحجة على التلازم بين الحكمين واقعا كالقصر والإتمام. وذلك مفقود هنا ، لكون الأحكام في المقام ظاهرية ، لا واقعية ، والتفكيك فيها كثير ، كالتوضؤ غفلة بماء مردّد بين الماء والبول ، فإنّ طهارة الأعضاء تلازم ارتفاع الحدث. مع أنّهم يفتون ببقاء الحدث وطهارة الأعضاء ، لاستصحابهما.

مضافا إلى : أنّ مرجع عدم القول بالفصل إلى إثبات حكم موضوع لموضوع آخر ، وهو قياس باطل ، كما قيل ، فليتأمّل.

هذا تمام الكلام في حكم نقل رقبة العبد المسلم إلى الكافر بالبيع أو الشراء ، وسيأتي حكم نقلها بمثل الهبة والصلح والوصية.

نقل العبد المسلم الى الكافر بغير البيع

(١) وجه هذا الظهور هو وجود ملاك جعل نفي السبيل ـ أعني به احترام المؤمن ـ

__________________

المولوية للفساد ، سواء أكان تعلق النهي بعنوان المعاملة مثل «لا تبع العبد المسلم من الكافر» أم بعنوان عام وهو العلوّ المنطبق على التملك (١).

ولو كان النهي عن المسبّب بالنقل ـ وهو التملك كما سيأتي في (ص ٣٦١) ـ لاقتضى الفساد. فالأولى منع كون اعتبار الملكية علوّا كما لو ورث الكافر المصحف ، أو وضع عند مسلم إلى أن يوجد الراغب في الشراء منه.

هذا كله بناء على دلالة الجملة على الإنشاء ، لو تعذر الأخذ بظاهره من الاخبار بعلوّ معالم الدين الحنيف وموافقتها للفطرة الإلهية ، وقوّة حجته. ولصاحب العناوين قدس‌سره بحث مفصّل حول مدلول هذا الحديث ، فراجعه (٢).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

(٢) العناوين ، ج ٢ ، ص ٣٥٣ ـ ٣٥٦.

٣١٠

وأمّا تمليك المنافع (١) (*) ففي الجواز مطلقا (**) كما يظهر من التذكرة (١).

______________________________________________________

في جميع أنحاء التمليكات من الهبة والوصية والصلح وغيرها ، فإنّ احترام المؤمن وكرامته ينافي المسبّب وهو التمليك ، من غير فرق بين أسبابه كالبيع وغيره.

مضافا إلى دلالة قوله عليه‌السلام : «لا تقرّوه عنده» وقوله عليه‌السلام : «بيعوه من المسلمين» على عدم جواز تملك الكافر للمسلم مطلقا ، سواء أكان قراره عند الكافر بالشراء من مسلم أم بسائر نواقل الأعيان.

هذا كله في تمليك رقبة العبد للكافر ، وسيأتي الأمر الثالث وهو حكم إجارته من الكافر.

تمليك منافع المسلم للكافر

(١) هذا في قبال نقل رقبة العبد إلى الكافر ، يعني : تمليك منافع المسلم من الكافر ، بأن يؤجر الحرّ المسلم نفسه من الكافر ، أو يؤجّر السيد عبده المسلم من الكافر لإنفاذ أعماله وقضاء حوائجه ، فهل يكون هذا التمليك جائزا أم لا؟ فيه أقوال أربعة كما ستأتي.

والمراد بقوله : «مطلقا» ما يقابل التفصيل الآتي بقوله : «أو مع وقوع الإجارة .. إلخ».

__________________

(*) يعني : منافع العبد المسلم. ولا يخفى أنّ هذا العنوان لا يصلح أن يكون مصبّ الأقوال الأربعة التي ذكرها في المتن ، لأنّ منها التفصيل بين كون الأجير المسلم حرّا وبين كونه عبدا ، بجواز الإجارة في الأوّل دون الثاني. بل لا بدّ أن يكون المصبّ عمل المسلم حتى يصحّ انقسامه إلى الأقسام المذكورة.

(**) لا يخفى أنّه بناء على إرادة السلطنة من «السبيل» دون الملك ، لا بدّ من صحة تمليك المنافع ، لأنّه ليس بأولى من تمليك العين ، إذ المفروض أنّ الملك بدون السلطنة ليس سبيلا منفيّا عنه فضلا عن تعلق الحق وعن تمليك المنافع.

فالبحث هنا ليس في الكبرى ، بأن يقال : إن آية نفي السبيل لا تشمل جميع أقسام

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢١.

٣١١

ومقرّب النهاية (١) (١) ، بل ظاهر المحكيّ عن الخلاف (٢) ، أو مع (٢) وقوع الإجارة على الذمّة كما عن الحواشي وجامع المقاصد والمسالك (٣) (٣) ،

______________________________________________________

ولا يخفى أنّ تمليك العين بنفسه بدون السلطنة إن لم يكن سبيلا منفيا شرعا ، فلا بدّ أن يكون تمليك المنافع جائزا مطلقا.

(١) يعني : جعل العلّامة قدس‌سره الجواز أقرب ، حيث قال في النهاية : «يجوز أن يستأجر الكافر المسلم ، على عمل في الذمة .. وإن وقعت على العين فالأقرب الجواز ، حرّا كان الأجير أو عبدا ، لأنّها لا تفيد ملك الرقبة ، ولا تسلّطا تامّا ، بل نفسه في يده أو يد مولاه. وإنّما يستوفى منفعته بعوض. ويحتمل البطلان .. إلخ».

(٢) هذا مقابل قوله : «مطلقا» وحاصله : أنّ جواز تمليك المنافع للكافر مشروط بوقوع الإجارة على الذمة ، بأن يستأجر المسلم لعمل كالخياطة مطلقا مباشرة أو تسبيبا ، بخلاف ما إذا استؤجر لعمل مباشرة ، فإنّ المستأجر في الأوّل ليس له سلطنة على الأجير ، بخلاف الثاني ، فإنّ للمستأجر سلطنة عليه لاستيفاء حقه منه مباشرة.

(٣) قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «وفي حكم البيع ـ أي في البطلان ـ الإجارة الواقعة

__________________

السبيل ، وأنّ بعضها خارج عنها ، بل يكون البحث صغرويا ، وفي تمييز السبيل عن غيرها.

وعلى هذا فلا بدّ من التأمّل في أنحاء الإجارات حتى يتميّز السبيل عن غيرها. فنقول : إنّ في إجارة الأموال قد تكون العين تحت يد المستأجر كالدكان والدار ، وقد لا تكون تحت يده كالسفينة والسيارة والطائرة ، والسبيل في الأوّل صادق دون الثاني.

وكذا الحال في إجارة الأعمال ، فإنّها تارة تقتضي كون العامل تحت استيلاء الكافر المستأجر سواء أكان الأجير حرّا أم عبدا كالإجارة المطلقة الشاملة لجميع منافع الأجير حرّا كان أم عبدا. واخرى لا تقتضيه ، فينبغي التفصيل بين موارد الإجارة كما سيأتي في (ص ٣١٨).

__________________

(١) نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٧.

(٢) الخلاف ، ج ٣ ، ص ١٩٠ ، كتاب البيوع ، المسألة : ٣١٩ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨.

(٣) الحاكي عن حواشي الشهيد وعن جامع المقاصد والمسالك هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨ ، ولاحظ جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٣ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٧.

٣١٢

أو مع (١) كون المسلم الأجير حرّا [كما عن ظاهر الدروس] (٢) ، أو المنع (٣) مطلقا [كما (٤) هو ظاهر القواعد (٥) ومحكيّ الإيضاح] أقوال (٦).

أظهرها الثاني (٧) ،

______________________________________________________

على عينه. أمّا على ذمّته فالأجود الصحة».

(١) معطوف على «أو مع» وهذا إشارة إلى قول ثالث في المسألة وحاصله : جواز تمليك منافع المسلم للكافر إذا كان الأجير حرّا ، وأمّا إذا كان عبدا فلا يجوز.

وحكي هذا القول عن الدروس ، ولعلّه استفيد من قوله ـ بعد منع إجارة العبد المسلم من الكافر مطلقا ـ «وجوّزها ـ أي الإجارة ـ الفاضل في الذمة. والظاهر أنّه أراد إجارة الحرّ المسلم» وقال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره بعد حكاية العبارة : «ويلوح منه الفرق بين إجارة الحرّ والعبد» (١).

(٢) هذه الجملة شطب عليها في نسختنا ، وأثبتناها لذكرها في نسخ اخرى ، ولا بأس به ، لتعرض الشهيد قدس‌سره له في الدروس.

(٣) معطوف على «الجواز» في قوله : «ففي الجواز مطلقا». والحاصل : أنّ الأقوال في تمليك منافع المسلم للكافر أربعة ، أوّلها الجواز مطلقا ، وثانيها : المنع مطلقا ، وثالثها : الجواز مع وقوع الإجارة على الذمة ، دون العين. ورابعها : الجواز مع كون الأجير حرّا.

(٤) هذه الجملة أيضا شطب عليها في نسختنا ، ولا بأس بذكرها كما في الجملة السابقة.

(٥) قال في القواعد : «وهل يصحّ له استيجار المسلم أو ارتهانه؟ الأقرب المنع» وقال السيد العاملي في شرحه : «ومقتضى العبارة في الاستئجار المنع مطلقا سواء كانت في الذمة أو على عين كما هو خيرة الإيضاح والدروس» (٢).

(٦) مبتدء مؤخّر لقوله : «ففي الجواز مطلقا».

(٧) وهو وقوع الإجارة على الذمة ، كما إذا آجر مسلم نفسه لخياطة ثوب لكافر ، أو آجر السيد عبده المسلم كذلك.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٩.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٣ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٨.

٣١٣

فإنّه (١) كالدين ليس ذلك سبيلا ، فيجوز.

ولا فرق (٢) بين الحرّ والعبد ، كما هو (٣) ظاهر إطلاق كثير : كالتذكرة وحواشي الشهيد وجامع المقاصد ، بل ظاهر المحكيّ عن الخلاف نفي الخلاف فيه ، حيث قال فيه : «إذا استأجر كافر مسلما (٤) لعمل في الذّمّة صحّ ، بلا خلاف. وإذا استأجره مدّة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا (٥) صحّ أيضا عندنا» انتهى (١).

______________________________________________________

والوجه في الجواز : أنّ مجرد اشتغال ذمة مسلم لكافر ليس سبيلا له على مسلم ، وإنّما تكون هذه الإجارة كاقتراض المسلم من الكافر في عدم كونه سبيلا للكافر عليه كاقتراض مسلم من مثله.

(١) يعني : فإنّ وقوع الإجارة على الذمة يكون كالدين في عدم كونه سبيلا للكافر على المسلم.

(٢) يعني : ولا فرق في صحة الإجارة من الكافر بين كون الأجير المسلم حرّا وعبدا ، إذ بعد فرض عدم كون الإجارة على الذمة سبيلا منفيّا لا وجه للتفصيل بين كون الأجير حرّا وعبدا ، ولا لتخصيص الجواز بالحرّ كما كان ظاهر الدروس.

(٣) يعني : كما أنّ عدم الفرق بين الحرّ والعبد ظاهر إطلاق كثير من الفقهاء. بل في خلاف الشيخ قدس‌سره نفي الخلاف في هذا الإطلاق. لا أنّ الإطلاق ظاهر كثير كالتذكرة.

وعليه فقوله : «كالتذكرة و..» بيان للكثير. قال العلامة : «يجوز أن يستأجر الكافر مسلما في ذمته ..» والشاهد في إطلاق «مسلما» وشموله للحر والعبد.

(٤) فإنّ إطلاق قوله : «مسلما» يشمل الحرّ والعبد ، فهو منشأ قوله : «ظاهر إطلاق كثير كالتذكرة .. إلخ».

(٥) هذا هو العمل المباشري المقابل لوقوع الإجارة في الذمة الذي قال فيه في الخلاف : «صح بلا خلاف» لظهور قوله : «ليعمل عملا» في العمل مباشرة. فالإجارة على

__________________

(١) تقدمت المصادر آنفا.

٣١٤

وادّعى (١) في الإيضاح «أنّه لم ينقل من الأمّة فرق بين الدين وبين الثابت في الذمّة بالاستيجار».

خلافا للقواعد وظاهر الإيضاح ، فالمنع مطلقا (٢) ، لكونه سبيلا.

وظاهر الدروس التفصيل بين العبد والحرّ ، فيجوز في الثاني دون الأوّل ، حيث ذكر بعد أن منع إجارة العبد المسلم للكافر مطلقا (٣) ، قال (٤) «وجوّزها الفاضل ، والظاهر (٥) أنّه أراد إجارة الحرّ المسلم» انتهى (١).

______________________________________________________

عمل مباشريّ صحيحه أيضا عند الأصحاب كما في الخلاف ، لظهور قوله : «عندنا» في الإجماع لكن لا إجماع مع كون المسألة خلافية.

(١) الغرض من نقل كلام الإيضاح تأييد ما اختاره من القول الثاني ، وهو وقوع الإجارة في ذمة المسلم ، لا وقوعها على المسلم مباشرة. وحاصله : أنّ اشتغال ذمّة المسلم للكافر بسبب الإجارة يكون كاشتغال ذمته للكافر بسبب الاقتراض منه في الجواز وعدم الاشكال ، لعدم كون مجرّد اشتغال ذمة المسلم للكافر سبيلا له عليه.

هذا ما استدل به فخر الدين قدس‌سره للقول بالجواز ، ولكنه لم يرتضه ، لذهابه إلى المنع في الإجارة والرهن معا ، فلاحظ.

(٢) يعني : سواء أوقعت الإجارة على الذمة أم على وجه المباشرة ، لكون الإجارة مطلقا سبيلا. وسواء أكان الأجير حرّا أم عبدا ، وهذا الإطلاق يكون في قبال تفصيل الدروس بين العبد والحرّ بالجواز في الثاني دون الأوّل.

(٣) سواء أوقعت الإجارة على العين أم على الذمة.

(٤) يعني قال الشهيد قدس‌سره في الدروس : «وجوّز الفاضل الإجارة». والعبارة لا تخلو من سماجة ، وكان الأولى بسلاستها أن يقول المصنف : «حيث قال بعد أن منع .. : وجوّزها ..» إذ لا حاجة إلى الجمع بين الذّكر والقول.

(٥) هذا أيضا كلام الشهيد ، وغرضه توجيه كلام الفاضل ـ وهو العلامة قدس‌سره ـ بأنّه أراد إجارة الحرّ المسلم دون العبد المسلم ، فحينئذ يتفق الفاضل والشهيد بناء على ما استظهره الشهيد من عبارته في جواز استيجار الحرّ المسلم.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٩.

٣١٥

وفيه (١) نظر ، لأنّ ظاهر الفاضل في التذكرة جواز إجارة العبد المسلم مطلقا (*) ولو كان على العين.

نعم (٢) يمكن توجيه الفرق بأنّ يد المستأجر على الملك (٣) الذي ملك منفعته. بخلاف الحرّ ، فإنّه لا يثبت للمستأجر يد عليه ولا على منفعته ، خصوصا (٤) لو قلنا

______________________________________________________

(١) يعني : وفي استظهار الدروس جواز استيجار الحرّ المسلم من كلام الفاضل ـ دون العبد المسلم ـ نظر وإشكال. وجه النظر : أنّ الفاضل في كتاب التذكرة ذكر ما ظاهره جواز إجارة العبد المسلم من الكافر ، ومع هذا الظهور كيف يستظهر من عبارته جواز إجارة الحرّ المسلم دون العبد المسلم؟

(٢) استدراك على ما أورده على الشهيد بقوله : «وفيه نظر ، لأنّ ظاهر الفاضل ..». وحاصله : أنّه يمكن توجيه الفرق ـ بين جواز إجارة الحرّ المسلم وعدمه في العبد المسلم ـ بأنّ يد المستأجر ثابتة على الملك الذي ملك منفعته ، ويترتب عليه آثار اليد. وهذا يكون في العبد المسلم ، وهو سبيل منفي بالآية المباركة. بخلاف الحرّ ، فإنّه لا يدخل تحت اليد لا نفسا ولا منفعة حتى يثبت للمستأجر سبيل على الأجير ، ولذا يجوز للكافر استيجار الحرّ المسلم دون العبد المسلم.

(٣) خبر قوله : «أن يد» أي : أن يد المستأجر الكافر ثابت على العبد المسلم.

(٤) وجه الخصوصية : أنّه لا ملكية للمنفعة حينئذ حتى يقال : إنّ الكافر لا يملك منفعة الحرّ.

__________________

(*) قد يقال : إنّه لا مورد لبيان هذا الإطلاق ، لأنّ محلّ البحث هو التعميم والتخصيص من حيث الحرّية والعبودية ، لا من حيث وقوع الإجارة على العين أو الذمة ، لتقدم بحثه سابقا ، هذا (١).

لكنّه لا ضير في بيان هذا الإطلاق بعد وضوح كون التعميم والتخصيص من حيث مورد الإجارة أيضا محلّ البحث والخلاف ، وإن كان خارجا عن جهة البحث ، وهي التعميم والتخصيص من حيث الحرية والعبودية.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٦٢.

٣١٦

بأنّ إجارة الحرّ تمليك الانتفاع لا المنفعة (*) ، فتأمّل (١).

______________________________________________________

(١) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في ثبوت السلطنة ـ التي هي السبيل ـ بين تمليك المنفعة وتمليك الانتفاع.

أو إشارة إلى : أنّه لا يبقى حينئذ فرق بين الإجارة والإعارة.

إلّا أن يقال : إنّ في الإعارة ليس إلّا مجرد الإذن والإباحة في الانتفاع من دون تمليك. بخلاف الإجارة ، فإنّها تمليك المنفعة أو الانتفاع.

أو إشارة إلى : أنّ الاستيلاء المقصود في المقام غير اليد التي يكون إخبار ذيها حجة ، فإنّ تلك اليد مختصة بالمملوك. وأمّا الاستيلاء الذي يكون مقدمة لاستيفاء المال فهو ثابت على كلّ من الحرّ والعبد.

هذا ما يتعلق بإجارة العبد ، وسيأتي الكلام في الأمر الرابع ، وهو حكم جعله رهنا بيد الكافر.

__________________

(*) لا يخفى أنّه بناء على إرادة السلطنة من السبيل المنفي في الآية المباركة ـ والبناء على إبائها عن التخصيص ـ لا بدّ أن يكون النزاع في جواز إجارة العبد المسلم وإعارته وغيرهما من الكافر صغرويّا ، إذ المفروض إباء السبيل عن التخصيص ببعض أفراده حتى يكون النزاع كبرويّا. فاللازم تنقيح الصغرى ، وتعيين ضابط لها حتى يظهر حال الأقوال فيها ، فنقول وبه نستعين :

إنّ السبب الموجب لارتباط الكافر اعتبارا بالمسلم تارة يكون مقتضيا لاستيلائه على المسلم ، فلا يصح. واخرى : لا يكون مقتضيا لذلك ، فيصح بلا إشكال.

ويتطرّق هذان النحوان في باب الإجارة ، فإجارة الأعيان قد تقتضي استيلاء المستأجر عليها كإجارة الدار والدكّان ونحوهما من الأعيان التي يستوفي المستأجر منفعتها إذا كانت تحت يده ، وقد لا تقتضي الإجارة استيلاء المستأجر عليها ، كإجارة السيارة والسفينة للحمل.

وكذلك إجارة الأعمال ، فإنّها قد تقتضي استيلاء المستأجر الكافر على الأجير المسلم كالإجارة المتعلقة بجميع منافع المسلم حرّا كان أو عبدا ، بحيث يملك الكافر جميع منافع

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المسلم ، فإنّ هذه الإجارة سبيل له على الأجير المسلم حرّا كان أو عبدا ، فلا تصح.

وكذا الأجير الخاص ، كما لو استأجر الكافر مسلما لعمل خاص كخياطة ثوب بمباشرته ، بحيث لا يكون للأجير أن يعمل في مدة الإجارة لغير المستأجر الكافر ، فإنّه سبيل له على المسلم ، فلا تصح هذه الإجارة.

وقد لا تقتضي إجارة الأعمال استيلاء المستأجر الكافر على المسلم ، كما إذا استأجر الكافر مسلما لعمل في ذمّته كخياطة ونجارة. أو آجر السيد عبده كذلك ، فإنّ هذه الإجارة لا توجب سبيلا للكافر على المسلم ، بل هي نظير الاقتراض من الكافر في أنّ مجرد مطالبة دينه من المسلم المقترض منه لا يكون سبيلا له على المسلم.

وبالجملة : فلا محيص عن مراعاة هذا الضابط في غير الإجارة من العقود أيضا. فكلّ عقد يقتضي استيلاء الكافر على المسلم لا يصحّ ، لكونه سبيلا له على المسلم. وكلّ عقد لا يقتضي ذلك ـ ولو بمعونة الشرط كارتهان العبد المسلم عند الكافر بشرط أن يكون عند مسلم ـ يصح ، لعدم كونه سبيلا على المؤمن.

وعليه فإطلاق عقد الرهانة يقتضي أن تكون العين المرهونة عند المرتهن وثيقة لدينه ، فلا يصح هذا الرهن. وأمّا مع شرط كون المرهونة عند المسلم فيصح الرهن.

والمراد باقتضاء العقد دلالة العقد بذاته أو بمعونة الشرط على معنى يستلزم سلطنة الكافر على المؤمن أو عدمها ، كاقتضاء إطلاق عقد الرهن لكون العين المرهونة عند المرتهن وثيقة لدينه. وهذا يقتضي سلطنة الكافر على المسلم ، وهي سبيل منفي بالآية الشريفة. كما أنّ شرط كون الرهينة عند مسلم لا عند المرتهن الكافر يوجب انتفاء سلطنة الكافر عليه.

فالنتيجة : أنّ الارتهان عند الكافر غير صحيح على الأوّل ، لكونه سبيلا له على المؤمن ، وصحيح على الثاني ، لانتفاء السبيل فيه.

ولو شكّ في تحقق السبيل في بعض العقود ، كإجارة الأموال فيما إذا توقف استيفاء المستأجر منفعة العين كالدكان على أن تكون بيده ، لاحتمال كون هذه اليد سلطنة منفية بالآية الشريفة ، وكونها وسيلة لأخذ حقّه ، نظير مطالبة الدائن دينه من المديون في عدم كون ذلك سلطنة له على المديون ، فالمرجع ـ بعد عدم أصل موضوعي ـ هو أصالة عدم مانعية هذه اليد

٣١٨

وأمّا (١) الارتهان عند الكافر ، ففي جوازه مطلقا (٢) كما عن ظاهر نهاية الإحكام (٣) ،

______________________________________________________

رهن العبد المسلم عند الكافر

(١) أي : جعل العبد المسلم عند الكافر وثيقة للدّين. وهذا رابع الأمور المتعلقة بالعبد المسلم من حيث العقد عليه مع الكافر ، وهو جعله رهنا للدين. وفيه وجوه ـ بل أقوال ـ أربعة كما نقله المصنف قدس‌سره عن الأصحاب.

(٢) هذا الإطلاق في قبال التفصيل الآتي بين وضع العبد تحت يد الكافر ، فلا يجوز الرهن ، وبين وضعه عند مسلم إلى أداء الدين ، فيجوز.

(٣) قال العلّامة قدس‌سره فيه : «يصحّ للكافر أن يرتهن العبد المسلم ، إذ لا تسلط فيه عليه» (١).

__________________

التي يتوقف عليها استيفاء منفعة الدار أو الدكان.

ومثل إيداع العبد المسلم عند الكافر في الجواز وعدم المنع ـ لعدم كونه سبيلا للكافر على المسلم ـ توكيل مسلم كافرا في بيع العبد المسلم من مسلم ، أو شرائه له. وكذا في غيره من سائر التجارات. وكذا في استيفاء الديون والحقوق للدّيّان وذوي الحقوق ، فإنّ ذمة المسلم إذا اشتغلت بمال للكافر بسبب بيع السلف أو النسية أو الاقتراض أو غيرها يجوز للكافر استيفاء ما في ذمة المسلم مباشرة وتسبيبا ولو بتوكيل كافر مثله.

وليست هذه التسليطات سبيلا منفيّا ، لعدم كونها سلطنة على التصرف في رقبة العبد ، بل ليس له إلّا حقّ المطالبة بتفريغ ذمته عن مال الغير ، كمطالبة مسلم من مثله ، فلا مانع من تفويض هذا الحق إلى كافر مثله ، هذا في الديون.

وأمّا الحقوق كالخيار والشفعة وغيرهما ، فلا مانع أيضا من أن يوكّل المسلم أو الكافر المستحق لها كافرا مثله في استيفائها.

وبالجملة : فكل ما يجوز للكافر مباشرة يجوز له تسبيبا. فإذا كان لكافر حقّ الشفعة على مسلم جاز له أن يوكّل كافرا في استيفائه منه. وإذا كان حق الشفعة لمسلم ووكّل كافرا في استيفائه ، فأولى بالجواز ، لأنّ السبيل لمسلم على مسلم.

__________________

(١) نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٨ ، والحاكي عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٩.

٣١٩

أو المنع (١) كما في القواعد والإيضاح ، أو التفصيل (٢) بين ما لم يكن تحت يد الكافر ، كما إذا وضعاه (٣) عند مسلم كما عن ظاهر المبسوط والقواعد والإيضاح في كتاب الرهن (٤) ، والدروس وجامع المقاصد والمسالك (١) ، أو التردّد (٥) كما عن التذكرة ،

______________________________________________________

(١) معطوف على «جوازه» وظاهره المنع مطلقا أيضا ، كما تقدم نقل عبارة بيع القواعد في (ص ٣١٣) (٢).

(٢) معطوف أيضا على «جوازه» وهذا قول ثالث في المسألة.

(٣) يعني : كما إذا وضع المولى والكافر المقرض العبد المسلم عند مسلم ، حتى لا يكون للكافر الدائن يد على العبد المسلم.

(٤) التقييد بكتاب الرهن للتنبيه على تعدد رأي العلامة وفخر المحققين في جواز رهن العبد المسلم عند الكافر ، ففي كتاب البيع من القواعد رجّحا المنع مطلقا ، كما تقدم آنفا ، وفي كتاب الرهن منه يستفاد التفصيل المذكور في المتن. قال : «ولا ـ أي : ولا يصح رهن ـ العبد المسلم أو المصحف عند الكافر ، فإن وضعا على يد مسلم فالأقرب الجواز» (٣). ورجّحه المحقق الثاني ، ومنع ما تقدم في بيع القواعد ، فراجع.

(٥) معطوف أيضا على «جوازه» يعني : أو التردد في جواز ارتهان العبد المسلم عند الكافر وعدمه ، والتوقف في حكم المسألة.

ولم أقف على تردّد العلامة في التذكرة بعد ملاحظة البيع والرهن ، ولا في مفتاح الكرامة. ولعلّ المصنف استظهر ذلك من عدم ترجيح أحد الوجهين ، حيث قال : «في صحة ارتهان الكافر المسلم وجهان للشافعي ، وسيأتي» (٤). ولكنه منع ذلك في باب

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٨٣ ، ولاحظ : المبسوط ، ج ٢ ، ص ٢٣٢ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٣٩٠ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٣ ، وج ٥ ، ص ٥١ ، مسالك الأفهام ، ج ٤ ، ص ٢٤.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٧ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٣.

(٣) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١١٠ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١١.

(٤) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٢١ (الطبعة الحديثة) ج ١ ، ص ٤٦٣ (الطبعة الحجرية) وكذلك ج ٢ ، ص ١٩.

٣٢٠