هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الولاية. فعلى الأوّل يجوز ، وعلى الثاني لا يجوز.

ولعلّ الأولى ابتناء الجواز وعدمه على إطلاق الدليل أحواليّا وعدمه ، سواء أكان التّصدي على وجه التكليف أم على وجه الوضع.

وإن لم يكن للدليل إطلاق أحوالي ، بأن كان مهملا من هذه الجهة أي المزاحمة ، فهل يستصحب جواز التصدي الذي كان له قبل تصدي الآخر للواقعة؟ أو يقال بعدم الجواز اقتصارا في تخصيص عموم ما دلّ على عدم ولاية أحد على غيره على ما هو المتيقن ، وهو ولاية كل واحد من المؤمنين إن لم يسبقه غيره ، فولاية كلّ منهم مقيّدة بعدم سبق الآخر.

وهذا هو الأظهر ، لقيام الدليل الاجتهادي على المورد. ومعه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي ، وهو الاستصحاب.

ومع الغضّ عن هذا البيان يمكن أن يقال : إنّه في الأمور الحسبية التي لا يرضى الشارع بإهمالها وتعطيلها إذا أقدم مؤمن على إنجاز الواقعة خرجت عن الإهمال ، فلا يجوز لغيره الإقدام على إنفاذها ، لعدم إحراز رضا الشارع بذلك ، الذي هو الدليل على وجوب التصدي.

فالمتحصل : عدم جواز المزاحمة.

وهنا بيان آخر ، وهو أنّ ولاية الفقيه تارة تستفاد من صدر التوقيع المتضمن لإرجاع الناس في الوقائع الحادثة إلى الرواة الفقهاء ، واخرى من ذيله ، وهو قوله عليه‌السلام : «فإنّهم حجتي عليكم» وثالثة من سائر الأدلة.

أمّا الصدر فمقتضاه لزوم الرجوع إلى الفقهاء ، وإيكال الحادثة الواقعة إليهم ، وعدم مزاحمته. ولا دلالة فيه على حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر. لكن مقتضى مرجعية كل واحد من الفقهاء في عرض واحد جواز المزاحمة كالأب والجد.

وأمّا الذيل أعني به «فإنّهم حجّتي عليكم» المعلّل به الصدر ـ وهو الأمر برجوع الناس إلى الفقهاء الذين هم رواة حديثهم عليهم‌السلام في الحوادث الواقعة ـ فيدلّ بلحاظ إضافتهم إلى نفسه المقدّسة على نيابتهم عنه عليه‌السلام. فالذّيل بلحاظ هذه الإضافة يصير وزانه وزان غيره

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

من أدلة النيابة. ويقتضي الذيل ما تقتضيه تلك الأدلة من أنّ نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام وصيرورته بمنزلته توجب أن يكون الردّ عليه ردّا على الامام عليه‌السلام ، ومزاحمته مزاحمة له عليه‌السلام. وهذا أثر نيابته ، لا مجرد مرجعيته وولايته المستفادة من صدر التوقيع.

وبالجملة : فالمستفاد من صدر التوقيع مرجعية الفقيه في الوقائع الحادثة ، ومن الذيل الذي هو علّة للصدر كون الفقيه نائبا عنه «عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلّى عليه» ومقتضى النيابة عدم جواز المزاحمة ، لأنّ المفروض أنّ كل واحد من الفقهاء نائب عنه عليه‌السلام ، فمزاحمة فقيه لمثله كالمزاحمة مع الامام عليه‌السلام في عدم الجواز.

ولا بأس بهذا الاستظهار ، كما لا بأس بهذا السند. وإن قيل : إنّ إسحاق بن يعقوب مجهول لا نعرفه في الرجال ، وذلك لإمكان استظهار وثاقته من رواية الكليني عنه ، ومن رواية المشايخ الثلاثة عنه ، بل ومن نفس متن التوقيع أيضا. وتقدّم في (ص ١٦٤) ما يتعلّق بالسند ، فراجع.

فالمتحصل : اعتبار التوقيع الشريف سندا ودلالة. والمستفاد منه عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله. ولا يلاحظ مزاحمة إمام لمثله حتى يقال : إنّ حرمتها غير ثابتة ، فكذلك مزاحمة أحد الفقهاء لمثله ، وعلى هذا فحرمة المزاحمة بين نوابه عليه‌السلام أيضا غير ثابتة.

وجه عدم اللحاظ عدم تعدد الإمام في عصر واحد على مذهبنا من أنّ في كل عصر إماما واحدا.

هذا مضافا إلى عدم علمنا بتكاليف الأئمة عليهم‌السلام ، فلا وجه لأن يقال : إن حرمة مزاحمة إمام لمثله غير معلومة ، وكذا مزاحمة الفقهاء الّذين هم نوّابه عليه‌السلام.

فالمتحصل : حرمة المزاحمة بين الحكّام.

ثمّ إنّ التمسك بالعمومات المشار إليها في التوضيح مثل «العلماء ورثة الأنبياء» على نيابة الفقهاء عن الامام عليه‌السلام كما صنعه المصنف قدس‌سره غير ظاهر ، لعدم إحراز كونها في مقام بيان هذه الجهة ، بل سيقت لبيان علوّ مقام العلماء ، وكونهم مراجع للأنام. وأمّا نيابتهم عن الأئمة عليهم الصلاة والسّلام فلا تظهر من تلك العمومات.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فالنتيجة : عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله ، لأنّه مقتضى النيابة عن الامام على ما هو ظاهر ذيل التوقيع.

فتلخص من جميع ما ذكرناه في مزاحمة الأولياء جوازها في ولاية الأب والجدّ وفي ولاية عدول المؤمنين ، وعدم جوازها في ولاية الفقهاء ، والله العالم.

وأمّا الجهة الخامسة ـ وهي اشتراط ولاية غير الأب والجد بملاحظة الغبطة لليتيم وعدمه ـ فحاصل الكلام فيها : أنّ فيه وجهين بل قولين :

أحدهما : عدم الاعتبار ، لإطلاق دليل الولاية.

والآخر اعتبارها ، لعدم الإطلاق ، ولزوم الاقتصار على المتيقن ، وهو ملاحظة الغبطة ، ولأصالة عدم الولاية فيما عدا القدر المتيقّن ، وهو ملاحظة الغبطة.

وهذا القول منسوب إلى الأكثر ، بل في مفتاح الكرامة «أنّه إجماعي» بل في التذكرة في كتاب الحجر «أنّه اتفاقي بين المسلمين» يعني : لا خصوص الشيعة ، بل قد تقدم في المتن تصريح الشيخ والحلّي باعتبار ملاحظة الغبطة في الأب والجدّ أيضا.

وكيف كان فقد استدلّ على اعتبار الغبطة في غير الأب والجدّ بقوله سبحانه : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والاستدلال بها يتوقف على التكلّم في مقامين الأوّل في مرحلة الثبوت ، والثاني في مرحلة الإثبات.

أما المقام الأوّل ، فملخصه : أنّ في «لا» الناهية احتمالين أحدهما : المولوية ، والآخر : الإرشادية ، وفي كلمة «القرب» احتمالات أربعة ، وكذا في معنى كلمة «أحسن» احتمالات أربعة ، تعرّض لها المصنف قدس‌سره وأوضحناها في التوضيح ولا نعيدها ، ومجموع احتمالات القرب والأحسن الحاصلة من ضرب أربعة «القرب» في أربعة «الأحسن» ستة عشر احتمالا.

٢٨٣

مسألة (١)

يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم

______________________________________________________

نقل العبد المسلم إلى الكافر

(١) الغرض من عقد هذه المسألة في مباحث شروط المتعاقدين هو استناد بطلان «بيع العبد المسلم من الكافر» إلى فقدان شرط من شروطهما ، وهو إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم من المتعاقدين. وإن كان من الممكن ـ كما قيل ـ جعله من شروط العوضين ، بأن يقال : إنّ شرط صحة بيع العبد المسلم هو إسلام من ينتقل إليه العبد ، كشرطية معلومية العوضين ومقدورية تسليمهما.

لكن الأظهر كونه من شرائط المتعاقدين لا العوضين ، لأنّ الشرط الذي هو الإسلام قائم بمن ينتقل إليه العبد من المتعاقدين ، فإنّ الشرط يضاف إلى ما يقوم به قياما صدوريّا أو حلوليّا كمعلوميّة العوضين ، فيقال إنّها من شرائط العوضين ، أي من الشروط القائمة بالعوضين.

وعليه فإسلام من ينتقل إليه العبد المسلم يعدّ من شرائط المتعاقدين كما هو صريح قوله : «يشترط في من ..» لا العوضين.

وكيف كان فقد تعرّض المصنف قدس‌سره تبعا للقوم للبحث عن جهات :

الاولى : في العقد على العبد المسلم بنقل العين أو المنفعة ، أو غيرهما. وما استدل به على المنع.

الثانية : في ما يراد بالكافر في هذه المسألة.

الثالثة : في الموارد المستثناة من تملّك الكافر للعبد المسلم.

الرابعة : في جواز تملّك الكافر للعبد المسلم ابتداء بسبب قهري ، ولكنّه يجبر على

٢٨٤

ـ ثمنا (١) أو مثمنا (٢) ـ أن يكون مسلما ، فلا (٣) يصحّ نقله إلى الكافر عند أكثر علمائنا ، كما في التذكرة ، بل عن الغنية «عليه (٤) الإجماع» ، خلافا للمحكي في التذكرة عن بعض علمائنا (٥) (١) ،

______________________________________________________

بيعه. وسيأتي الكلام في كلّ منها بتبع المتن إن شاء الله تعالى.

والكلام فعلا في الجهة الاولى ، وقد تعرّض فيها أوّلا لحكم تملك الكافر لرقبة العبد ابتداء بالشراء أو بالبيع ، ثم بالاتهاب ونحوه ، وثانيا لتملك منفعته بالإجارة ، وثالثا لجعله وثيقة عند الكافر على دين ، ورابعا للانتفاع به عارية ، وخامسا لجعله وديعة عند الكافر ، وسادسا لحكم أن يوقف الكافر عبده على كافر أو على مسلم. هذا.

وبدأ المصنف قدس‌سره بحكم نقل رقبة العبد المسلم إلى كافر بالشراء ، كما سيظهر.

(١) بأن ينتقل العبد المسلم إلى الكافر بعنوان الثمن ، كما إذا باع الكافر دكّانه بإزاء العبد المسلم ، فإنّه انتقل إلى الكافر ثمنا أي عوضا عن مبيعه وهو دكّانه.

(٢) بأن ينتقل العبد المسلم إلى الكافر مثمنا ، كما إذا اشترى العبد المسلم بمائة دينار ، فإنّه انتقل إلى الكافر مثمنا.

(٣) هذا متفرّع على شرطيّة إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم ، فبطلان بيع العبد المسلم من الكافر مستند إلى انتفاء شرط صحّته ، وهو إسلام من ينتقل إليه.

(٤) أي : على عدم صحة نقله إلى الكافر.

(٥) لم أقف على القائل بعينه ، وعبّر المحقق عنه ب «وقيل : يجوز ولو كان كافرا ، ويجبر على بيعه من مسلم» (٢). والأصل في ذلك دعوى شيخ الطائفة الخلاف في المسألة بقوله : «وفيه خلاف» (٣).

ويظهر من تعبير العلامة «واحتج الآخرون» (٤) أن القائل بالجواز غير واحد من

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ (ج ١٠ ، ص ١٩) الطبعة الحديثة.

(٢) الغنية ، ص ٢١٠ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٥ ، قال : «وفي الغنية الإجماع عليه».

(٣) المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٦٧ ، شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٦.

(٤) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٩.

٢٨٥

وسيأتي عبارة الإسكافي (١) في المصحف.

واستدلّ المشهور (٢) تارة بأنّ (٣)

______________________________________________________

أصحابنا ، واحتمل الصحة في النهاية (١).

وعليه فالمسألة ذات قولين : أحدهما ـ وهو المشهور ـ عدم الجواز ، والآخر : الجواز والإجبار على البيع.

(١) المذكورة في مسألة بيع المصحف الآتية المشعرة بجواز رهن العبد الكبير ، حيث إنّه خصّص عدم جواز الرهن عند الكافر بالصغير من الأطفال ، فلاحظ (ص ٣٧٨).

وكيف كان فلا يدل جواز رهن الكبير ـ بعد تسليم ظهور كلامه فيه ـ على جواز بيعه.

أدلة المشهور على بطلان النقل

(٢) أي : استدلّ المشهور ـ وهو القول بعدم صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر ـ بوجوه :

الأوّل : الملازمة بين الاستدامة والابتداء. توضيحه : أنّه منع من ملكية العبد المسلم للكافر استدامة ، كما إذا أسلم عبد المولى الكافر ، ولذلك يجبر مولاه على بيعه من المسلمين ، لما ورد في خبر حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ان أمير المؤمنين عليه صلوات الله أتي بعبد ذميّ قد أسلم ، فقال : اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقرّوه عنده» (٢).

وكذلك منع عن إحداث ملكية العبد المسلم للكافر. فإنّ النهي عن إبقائه عند الكاف يدلّ على مبغوضية بقائه عند الكافر. ولمّا لم يكن للبقاء خصوصية كان الحدوث كالبقاء مبغوضا أيضا. فنقله إلى الكافر منهي عنه ، والنهي يوجب الفساد. فالنهي عن الإبقاء كالنهي عن إبقاء النجاسة في المسجد في الدلالة على النهي عن الإحداث.

(٣) هذا أوّل الوجوه المستدلّ بها على قول المشهور ، وقد مرّ تقريبه بقولنا : «توضيحه : أنه منع من ملكية العبد المسلم للكافر استدامة .. إلخ» وهو مذكور في

__________________

(١) نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٦.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٨٢ ، الباب ٢٨ من أبواب عقد البيع ، ح ١ ، وج ١٦ ، ص ٦٩ ، الباب ٧٣ ، ح ١.

٢٨٦

الكافر يمنع من استدامته (١) ، لأنّه (٢) لو ملكه قهرا بإرث ، أو أسلم (٣) في ملكه ، بيع (٤) عليه ، فيمنع من ابتدائه كالنكاح (٥).

واخرى (٦) بأنّ الاسترقاق سبيل على المؤمن ، فينتفي بقوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١).

______________________________________________________

التذكرة بقوله : «ولأنه يمنع استدامة ملكه فيمنع من ابتدائه كالنكاح» (٢).

(١) أي : من استدامة ملك العبد المسلم للكافر.

(٢) هذا بيان وجه منع الاستدامة ، أي : لأنّ الكافر لو ملك العبد المسلم قهرا بإرث ـ كما إذا ورثه كافر من كافر ـ كان على المسلمين إجباره على البيع ، ولكن مات قبل تحقق البيع ، فانتقل إلى وارثه الكافر ، لعدم وارث مسلم له ، فحينئذ يجبر الوارث الكافر على بيع العبد المسلم الذي انتقل إليه بالإرث.

(٣) معطوف على «ملكه» يعني : أو أسلم العبد في ملك الكافر ، فإنّ العبد المسلم في هاتين الصورتين ـ اللتين هما من صغريات كون العبد المسلم ملكا للكافر استدامة ـ يباع على مالكه.

(٤) جواب الشرط في قوله : «لو ملكه» يعني : بيع العبد المسلم على الكافر.

(٥) أي : كحرمة نكاح الكافر بالمسلمة ابتداء كما هو واضح ، واستدامة كارتداد الزوج المسلم ، فإنّه يمنع بقاءها على الزوجية.

(٦) هذا ثاني الوجوه التي استدلّ بها المشهور على عدم صحة بيع العبد المسلم من الكافر ، وتقريبه : أنّ تملك الكافر للمسلم استرقاق له ، والاسترقاق سبيل للكافر على المؤمن وسلطنة له عليه ، وهو منفي بالآية المباركة (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). والمستدل بهذه الآية هو شيخ الطائفة والعلامة وغيرهما ، وفي الجواهر بعد ذكر الآية الشريفة : «الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك» (٣).

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٤٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ١٩.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٥ ، راجع المبسوط ، ج ٢ ، ص ١٦٧ ، التذكرة ، ج ١٠ ، ص ١٩ ، نهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٤٥٦ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٧٥.

٢٨٧

وبالنبوي (١) المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعملهم (٢) ـ واستدلالهم (٣) به

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «بأنّ الاسترقاق» وهذا ثالث الوجوه التي استدلّ بها على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر ، والمستدل هنا بهذا النبوي صاحب الجواهر وغيره.

(٢) وبشهرته بين الفريقين على ما شهد به الأعلام. ويظهر من تعبير الشيخ الصدوق قدس‌سره الجزم بنسبة الجملة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنه قال : وقال عليه‌السلام : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (١).

وعلى هذا فهو من المراسيل المعتبرة الّتي يصحّ الاستناد إليها.

وتقريب الاستدلال به : أنّ مالكية الكافر للمسلم علوّ على المسلم ، والإسلام ينفيه. بل هذا أولى من الاستدلال به على عدم جواز إعلاء بناء الكافر على بناء المسلم كما هو ظاهر ، إذ ليس في مجرد علوّ دار الكافر على دور المسلمين سلطنة واستيلاء له عليهم. بخلاف مالكية الكافر لرقبة العبد المسلم ، أو لمنافعه بالإجارة ، أو للانتفاع به بالعارية ، فإنّها علوّ له على المسلم ، لاستحقاقه الاستخدام والأمر والنهي.

وعليه فالحديث بمقتضى حذف المتعلّق يفيد نفي كافة أنحاء علوّ الكفر على الإسلام حتى لو كان علوّه من جهة إباحة ارتفاع بناء دار الكافر الذمي على أبنية المسلمين. فهو ممنوع ومحرّم.

ولمّا كان المعتبر علوّ الإسلام فلذا استدلّوا بالنبوي على حرمة المساواة أيضا. وبهذا ظهر وجه تعبير المصنف قدس‌سره ب «بل».

(٣) معطوف على «عملهم» ومبيّن له ، وقوله : «المنجبر» صفة للنبوي. ومقصوده قدس‌سره أن هذا النبوي وإن لم يذكر له سند في طرقنا ، وإنّما أرسله الصدوق قدس‌سره في الفقيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن هذا الإرسال غير قادح في الوثوق بصدوره ، وذلك لأنّ جماعة من الفقهاء أسندوه إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موارد متعددة بعنوان «لقوله» أو «قال» ممّا يكشف عن الاطمئنان بكونه كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسننقل بعض عبائرهم.

نعم لو عبّروا عنه ب «لما روي عنه» أمكن التشكيك في إحراز الصدور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٣٧٦ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، ح ١١.

٢٨٨

في موارد متعددة (١) حتّى (٢) في عدم جواز علوّ بناء الكافر على بناء المسلم ، بل عدم

______________________________________________________

(١) منها : ما لو دبّر الكافر عبده ، فأسلم العبد ، فإنّه يباع عليه العبد سواء رجع السيد عن تدبيره ، أم لا. واستدل شيخ الطائفة قدس‌سره عليه بالإجماع والأخبار ، ثم قال : «وأيضا قوله عليه‌السلام : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ولو لم يبع عليه ، وكان لمولاه عليه طاعة لكان قد علاه وهو كافر ، وذلك ينافي الخبر» (١).

ووافقه العلّامة بقوله : «والمعتمد الأوّل ، لما تقدم» (٢).

وكذا استدلّ غيرهما على إلزام الكافر بالبيع بهذا النبوي ، فراجع (٣).

ومنها : عدم إرث الكافر من المسلم ، قال شيخ الطائفة قدس‌سره : «لا يرث الكافر المسلم بلا خلاف. وعندنا : أنّ المسلم يرث الكافر .. دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ..» (٤).

ومنها : عدم ولاية الكافر على المسلم في النكاح ، سواء أكان أبا أو جدّا أو غيرهما ، قال الشهيد الثاني قدس‌سره في شرح قول المحقق : «إذا كان الولي كافرا فلا ولاية له» ما لفظه : «وشمل إطلاق المصنف ما لو كان المولّى عليه مسلما وكافرا. والأمر في الأوّل واضح ، والحكم به إجماعي. ويدل عليه ـ مضافا إلى ما سبق ـ قوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (٥).

ومنها : غير ذلك من الفروع التي استندوا في نفي ولاية الكافر على المسلم ـ حتى مثل انتفاع المستعير بخدمة العبد المسلم ـ إلى هذا النبوي.

(٢) هذا أيضا من الفروع التي استدلّوا عليها بالنبوي. قال شيخ الطائفة قدس‌سره في حكم إحداث أهل الذمة دورا ما لفظه : «فأمّا المحدثة ، فهو أن يشتري عرصة يستأنف فيها بناء ، فليس له أن يعلو على بناء المسلمين ، لقوله عليه‌السلام : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. فإن

__________________

(١) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٤١٨ ، المسألة : ٢٠.

(٢) مختلف الشيعة ، ج ٨ ، ص ٩١.

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٣٠ ، مسالك الأفهام ، ج ١٠ ، ص ٣٨٦.

(٤) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٤١٨ ، المسألة : ٢٠ من كتاب الفرائض ، وكذا استدل به هنا في المسالك ج ١٣ ، ص ٢٠ ، وفي جواهر الكلام ، ج ٣٤ ، ص ٢١٦.

(٥) مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ١٦٧ ، جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ١٠٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢٠٦.

٢٨٩

جواز مساواته ـ وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» ، ومن المعلوم أنّ ما نحن فيه أولى بالاستدلال عليه (١) به.

لكن الإنصاف (٢) أنّه لو أغمض النظر عن دعوى الإجماع المعتضد بالشهرة (٣) واشتهار (٤) التمسّك بالآية

______________________________________________________

ساوى بناء المسلمين ولم يعل عليه ، فعليه أن يقصره عنه. وقيل يجوز ذلك. والأوّل أقوى» (١).

ونحوه كلام العلامة في التذكرة. وقال أيضا في منع المساواة بعد الاستدلال بالخبر : «ومع تسويغ المساواة لا يتحقق علوّ الإسلام» فراجع (٢).

(١) أي : على ما نحن فيه ـ وهو بيع العبد المسلم من الكافر ـ به ، أي بالنبوي المرسل المزبور.

(٢) هذا شروع في تضعيف الوجوه المذكورة التي استدلّ بها المشهور على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر. تقريبه : أنّه لو أغمض عن دعوى الإجماع ـ المعتضد بالشهرة ، واشتهار التمسك بآية نفي السبيل على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر ـ لم تصلح الوجوه المذكورة لإثبات القول المشهور. فالعمدة في دليل هذا الحكم هو الإجماع المذكور. وسيأتي وجه الاشكال فيها.

(٣) كما في الجواهر ، لقوله ـ في مقام تخصيص العمومات الحاكمة بصحة بيع العبد المسلم من الكافر ـ «بالإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة ..» (٣).

(٤) كذا في بعض النسخ ، وفي نسختنا العطف ب «أو» والأولى ما أثبتناه ، وهو معطوف على «الشهرة» يعني : المعتضد بالشهرة وباشتهار التمسك بآية نفي السبيل على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر.

ويمكن عطفه على «دعوى» والغرض من العطف دعوى أمرين أحدهما : كون الإجماع معتضدا بالشهرة ، وثانيهما : شهرة التمسك بالآية على الحكم.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٤٦.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٩ ، ص ٣٤٤ ، ونحوه في : مختلف الشيعة ، ج ٤ ، ص ٤٤٤ ، جامع المقاصد ، ج ٣ ، ص ٤٦٣ ، جواهر الكلام ، ج ٢١ ، ص ٢٨٤.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٣٤.

٢٩٠

ـ حتّى (١) أسند في كنز العرفان (١) إلى الفقهاء ، وفي غيره إلى أصحابنا ـ لم يكن (٢) ما ذكروه من الأدلّة خاليا عن الإشكال في الدلالة (٣).

أمّا قياس (٤) حكاية الابتداء على الاستدامة ، فغاية توجيهه (٥) أنّ المستفاد (٦)

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ اشتهار التمسك بالآية على عدم الجواز يكون بمثابة أسند الفاضل المقداد قدس‌سره هذا التمسك إلى الفقهاء ، وأسند في غير كنز العرفان إلى أصحابنا ، ففي زبدة البيان «واحتج به أصحابنا» (٢). وفي الجواهر «الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك» (٣) أي على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر.

(٢) جواب «لو» في قوله : «لو أغمض» ، والمراد بالأدلة هي الأدلة الثلاثة المتقدّمة للمنع.

(٣) يعني : في الدلالة على المقصود ، وهو عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر ، وزيّف المصنف الوجوه التي احتجّ بها المشهور على عدم الجواز.

(٤) هذا أوّل تلك الوجوه ، ووجّهه أوّلا بنحو يصحّ الاستدلال به على عدم الجواز ، ثم ضعّفه.

أمّا التوجيه فتوضيحه : أنّ وجه دلالة المنع عن الاستدامة على عدم جواز النقل ابتداء هو : أنّ المنع عن الاستدامة يدلّ عرفا على عدم رضا الشارع بأصل وجوده مطلقا ، من غير فرق بين الحدوث والبقاء ، كدلالة أمر المولى بإخراج شخص من الدار أو بإزالة النجاسة عن المسجد ، فإنّه يدلّ عرفا على عدم جواز الإدخال ، لمبغوضية وجوده للمولى ، بلا فرق بين الحدوث والبقاء.

(٥) أي : توجيه قياس حكاية الابتداء على الاستدامة.

(٦) هذا تقريب كيفية منع الاستدامة ، وقد مرّ آنفا بقولنا : «أمّا التوجيه فتوضيحه .. إلخ».

__________________

(١) كنز العرفان ، ج ٢ ، ص ٤٤.

(٢) زبدة البيان ، ص ٤٣٩.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٣٤.

٢٩١

من منع الشارع عن استدامته عدم (١) رضاه بأصل وجوده (٢) حدوثا وبقاء ، من غير مدخليّة لخصوص البقاء ، كما لو أمر المولى بإخراج أحد من الدار ، أو بإزالة النجاسة عن المسجد ، فإنّه يفهم (٣) من ذلك عدم جواز الإدخال.

لكن (٤) يرد عليه : أنّ هذا (٥) إنّما يقتضي كون عدم الرضا بالحدوث على نهج عدم الرضا (٦) بالبقاء. ومن المعلوم أنّ عدم رضاه بالبقاء مجرّد تكليف بعدم إبقائه ،

______________________________________________________

(١) خبر «إنّ» يعني : أنّ المستفاد من منع الشارع عن الاستدامة هو عدم رضا الشارع بأصل وجود كون المسلم ملكا للكافر حدوثا وبقاء من دون دخل للبقاء فيه ، لأنّ مقتضى مبغوضية أصل الوجود عدم خصوصية للبقاء في الحكم.

(٢) أي : وجود كون المسلم ملكا للكافر.

(٣) أي : يفهم عرفا من أمر المولى بإخراج أحد من الدار ـ أو بإزالة النجاسة عن المسجد ـ عدم جواز الإدخال.

(٤) وأمّا تضعيف التوجيه المزبور فتوضيحه : أنّ قياس الابتداء على الاستدامة ـ الموجب لبطلان النقل الابتدائي ، وعدم مالكية الكافر للعبد المسلم ـ إنّما يصحّ بناء على كون الإسلام في المقيس عليه رافعا لملكية المسلم للكافر ، ومخرجا له عن ملكه ، حتى يكون مانعا عن دخوله في ملك الكافر ابتداء ، وموجبا لبطلان نقله الابتدائي.

وأمّا بناء على كون الإسلام في المقيس عليه ـ وهو إسلام العبد بعد كفره ـ موجبا لوجوب إخراجه عن ملك الكافر تكليفا مع بقاء الحكم الوضعي ـ وهو ملكيّته للكافر ـ فلا يصح ، إذ غاية ما يدلّ عليه قياس الابتداء على الاستدامة هي النهي التكليفي عن النقل مع صحة العقد الناقل الموجب لحدوث الملكية للكافر. والمستفاد من النص هو الثاني ، لعدم حكمهم بزوال ملك الكافر عن عبده المسلم بمجرّد إسلامه. فالإستدلال بقياس الابتداء على الاستدامة ـ على بطلان النقل الابتدائي ـ في غير محله.

وقد اتضح بما ذكرناه أنّ قوله : «على نهج» بيان لكبرى مماثلة الحدوث والبقاء ، وقوله : «من المعلوم» بيان لصغرى المماثلة وهي مجرد التكليف ، مع أن كلامنا في الحكم الوضعي.

(٥) أي : التوجيه المزبور لقياس الحدوث بالبقاء.

(٦) أي : عدم رضا الشارع بالبقاء.

٢٩٢

وبإخراجه عن ملكه (١). وليس معناه (٢) عدم إمضاء الشارع بقاءه (٣) حتّى يكون العبد المسلم خارجا بنفسه (٤) شرعا عن (٥) ملك الكافر ، فيكون (٦) عدم رضاه بالإدخال

______________________________________________________

(١) أي : ملك الكافر ، وضميرا «إبقائه ، إخراجه» راجعان الى العبد المسلم.

(٢) أي : معنى عدم رضا الشارع بالبقاء هو عدم إمضائه بقاءه ، الموجب لزوال ملك الكافر.

(٣) أي : بقاء العبد في ملك الكافر ، والمراد بعدم إمضاء الشارع بقاءه هو خروجه بمجرّد الإسلام عن ملك الكافر بدون الحاجة إلى بيع ونحوه من النواقل الشرعية. وهذا هو الحكم الوضعي.

لكنه ليس بمراد ، لعدم ذهاب أحد إلى خروجه عن ملك الكافر بمجرّد الإسلام ، بل العبد الذي أسلم في ملك الكافر باق على ملكه ، ولا يخرج عن ملكه إلّا بأحد النواقل الشرعية.

(٤) أي : بمجرد الإسلام بدون ناقل شرعي.

(٥) متعلّق ب «خارجا».

(٦) هذا متفرع على بقاء العبد ـ الذي أسلم ـ على ملك مولاه الكافر ، والنهي عن إبقاءه تحت يده مجرّد حكم تكليفي لا يترتب عليه حكم وضعي ، وهو خروج العبد عن ملك الكافر.

هذا حال النهي عن الإبقاء. ومثله عدم رضا الشارع بالإدخال ، فإنّ النهي عن الإدخال نهي تكليفي محض ، وذلك لا ينافي الحكم الوضعيّ وهو صحة النقل الابتدائي.

فتلخص : أنّ قياس الابتداء بالاستدامة لا يجدي في إثبات الحكم الوضعي أعني به فساد نقل العبد المسلم إلى الكافر ابتداء ، وإنّما يجدي في النهي عنه تكليفا والنهي لا يوجب الفساد الذي هو مذهب المشهور.

نعم لو دلّت روايات النهي عن البقاء على خروج العبد المسلم عن ملك الكافر بالانعتاق ، لدلت أيضا على عدم حدوث الملك للكافر ابتداء. لكنّه ليس كذلك ، لما عرفت من أنّها متعرضة للحكم التكليفي ، وهو حرمة الإبقاء في ملك الكافر.

٢٩٣

على هذا الوجه (١) ، فلا يدلّ (٢) على عدم إمضائه (٣) لدخوله في ملكه (٤) ليثبت بذلك (٥) الفساد (*).

______________________________________________________

(١) خبر «فيكون» والمراد بهذا الوجه هو النهي التكليفي لا الوضعي.

فالنتيجة : أنّ نقل العبد المسلم إلى الكافر حرام ، لا باطل.

(٢) يعني : فلا يدلّ عدم رضا الشارع بإدخال العبد المسلم كإبقائه على الحكم الوضعي ـ وهو عدم إمضائه لدخوله في ملك الكافر ابتداء ـ حتى يثبت به فساد المعاملة كما هو المشهور.

(٣) أي : إمضاء الشارع ، وضمير «لدخوله» راجع الى العبد المسلم.

(٤) أي : في ملك الكافر.

(٥) أي : بعدم إمضاء الشارع فساد النقل إلى الكافر.

__________________

(*) وفيه : أنه يمكن أن يقال ـ كما قيل ـ : إنّ النهي عن الحدوث وإن كان تكليفيا كما أفاده قدس‌سره ، إلّا أنّه لرجوعه إلى ناحية المسبّب ـ وهو ملكية العبد المسلم للكافر ـ يدلّ لا محالة على الفساد كما ثبت في علم الأصول ، وهو مختاره فيه أيضا. وليس النهي عن المسبّب كالنهي عن السبب في عدم الدلالة على الفساد كالبيع وقت النداء. ومن المعلوم أنّ النهي عن إبقاء العبد المسلم بعد إسلامه عند الكافر ليس إلّا لأجل مبغوضية المسبب وهو تملك الكافر له ، وهذه المبغوضية توجب دلالة النهي على الفساد.

ويؤيّده : أنّ فساد البيع المنهي عنه حدوثا ممّا تقتضيه شرطية إسلام من انتقل إليه العبد المسلم ، وإلّا لم يكن شرطا. وهذا خلف. بل هذه الشرطية تقتضي خروج العبد إذا أسلم عن ملك مولاه الكافر ، كعدم دخوله في ملكه.

لكن هذا الاحتمال ـ وهو رجوع النهي إلى المسبّب الذي مقتضاه فساد البيع ـ وإن كان في نفسه صحيحا ، لكنه مخالف للنص والإجماع على بقاء العبد بعد إسلامه على ملك الكافر ، غاية الأمر أنّه يجب على المسلمين إخراجه عن ملكه بإجبار الكافر على نقله إلى المسلمين ببيع أو غيره من النواقل الشرعية.

فالحقّ ما أفاده المصنف من كون النهي تكليفيا فقط من دون استتباعه للحكم

٢٩٤

والحاصل (١) أنّ دلالة النهي عن الإدخال في الملك تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء في الدلالة (٢) على إمضاء الشارع لآثار المنهيّ عنه ، وعدمه (٣) ، والمفروض انتفاء الدلالة في المتبوع (٤).

وممّا ذكرنا (٥) يندفع التمسّك للمطلب بالنصّ الوارد في عبد كافر أسلم ، فقال

______________________________________________________

(١) يعني : وحاصل الإشكال ـ الذي أوردوه على توجيه قياس الابتداء على الاستدامة ـ هو : تبعيّة دلالة النهي عن إدخال العبد المسلم في ملك الكافر لدلالة النهي عن الإبقاء ، في الدلالة على إمضاء الشارع لآثار البقاء الذي هو المنهي عنه وعدمه.

(٢) متعلق ب «تابعة» ومبيّن للمراد من تبعية دلالة النهي عن الإدخال لدلالة النهي عن الإبقاء.

(٣) معطوف على «إمضاء» يعني : ودلالة النهي عن الإدخال تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء على عدم إمضاء الشارع آثار المنهي عنه ـ وهو البقاء ـ حتى يخرج العبد بإسلامه عن ملك الكافر ، ويكون الدخول مثله في عدم حصول الملك الابتدائي.

وعلى تقدير إمضاء الشارع آثار البقاء يكون الإدخال في ملك الكافر مثله في تحقق الملك الابتدائي ، وكون النهي عن الدخول نهيا تكليفيا فقط.

(٤) وهو الإبقاء. فصار المتحصل : حرمة بيع العبد المسلم من الكافر لا بطلانه ، كحرمة المتبوع وهو الإبقاء ، وعدم زواله بمجرّد إسلام العبد عند الكافر.

(٥) من منع قياس الابتداء بالاستدامة. والمتمسّك غير واحد ، فراجع الحدائق والجواهر (١).

__________________

الوضعي. فبيعه من كافر ابتداء صحيح ، غاية الأمر أنّه حرام.

وتوهم «لغويّة جعل الملكية للكافر مع فرض وجوب الإخراج عن ملكه كما هو مقتضى كلام المصنف قدس‌سره ، حيث إنّه جعل النهي عن إبقائه في ملك الكافر تكليفا محضا» فاسد ، لأنّ اللغوية إنّما تلزم مع نفي جميع آثار الملكية ، دون بقاء بعضها كانتقاله إلى ورثته ، وأداء ديونه منه ، ولا تلزم مع نفي بعض آثار الملكية كحجره عن التصرفات مباشرة.

فالمتحصل : أنّ ما أفاده في المتن ـ من كون النهي تكليفا محضا غير مستتبع للحكم الوضعي ـ متين.

__________________

(١) راجع الحدائق ، ج ١٨ ، ص ٤٢٦ ، وجواهر الكلام ، ج ٢٢ ، و ٣٣٤.

٢٩٥

أمير المؤمنين عليه‌السلام : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقرّوه عنده» (١) (*) بناء (١) على أنّ تخصيص البيع بالمسلمين ـ في مقام البيان والاحتراز (٢) ـ يدلّ (٣) على المنع من بيعه من الكافر ، فيفسد.

توضيح الاندفاع (٤) أنّ التخصيص بالمسلمين إنّما هو من جهة أنّ الداعي

______________________________________________________

(١) هذا تقريب الاستدلال على البطلان ، توضيحه : أنّ تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان يدلّ على فساد البيع من المشتري الكافر ، وإلّا لم يكن وجه للتقييد بالمسلمين وهذا التقييد يدلّ على المنع من بيعه من غير المسلمين ، لفساده وعدم ترتب الملكية عليه ، فيتم حينئذ الاستدلال بهذا النصّ على فساد بيع العبد المسلم من الكافر.

(٢) معطوف على «البيان» يعني : وفي مقام الاحتراز عن بيع العبد المسلم من غير المسلمين.

(٣) خبر «ان» في قوله قدس‌سره : «ان تخصيص البيع».

(٤) هذا توضيح قوله : «يندفع التمسك» ومحصل وجه الاندفاع هو : أنّ التخصيص بالمسلمين ليس لأجل اختصاص مورد الصحة ببيعه من المسلمين حتى يدلّ على شرطية إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم ، ويكون بيعه من الكافر فاسدا ، لفقدان الشرط وهو إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم. بل لأجل الإشارة إلى أنّ الداعي إلى الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر ، غايته أنّها لا تحصل إلّا ببيعه من المسلمين.

__________________

ثم إنّه على تقدير دلالة النصوص على فساد بيع العبد المسلم من الكافر تكون تلك النصوص مخصّصة للعمومات الدالة على صحة البيع ، ومقيّدة لمطلقاتها ، لأخصية النصوص منها كما لا يخفى.

(*) عدّ هذا النصّ دليلا مستقلّا للمشهور غير ظاهر ، بل هو دليل على أوّل أدلة المشهور ، وهو قياس الحدوث بالبقاء ، حيث إنّ هذا النصّ يدلّ على حرمة الإبقاء الذي هو المقيس عليه ، فلاحظ.

وكيف كان فمورد الاستدلال جملتان ، إحداهما «فبيعوه من المسلمين» وثانيتهما : «ولا تقرّوه عنده» فإنّهما تدلّان على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر.

__________________

(١) تقدم مصدره في ص ٢٨٦.

٢٩٦

على الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر ، والنهي (١) عن إبقائه (٢) عنده ، وهي (٣) لا تحصل بنقله إلى كافر آخر ، فليس تخصيص المأمور به (٤) لاختصاص مورد الصحّة به (٥) ، بل لأنّ الغرض (٦) من الأمر لا يحصل إلّا به (*) ، فافهم (٧).

______________________________________________________

(١) الأولى تقديمه ـ على تقدير ثبوته في النسخة الأصلية ـ على قوله : «هي إزالة ملك الكافر» بأن يقال : «إنّ الداعي على الأمر بالبيع والنهي عن إبقائه عنده هي إزالة ملك الكافر» والمظنون أن التقديم من الناسخ. وعلى هذا يكون «والنهي» معطوفا على «الأمر بالبيع» عطفا تفسيريا.

(٢) أي : إبقاء العبد المسلم عند الكافر.

(٣) أي : وإزالة ملك الكافر لا تحصل بنقل العبد المسلم إلى كافر آخر ، بل لا بدّ من نقله إلى مسلم.

(٤) وهو بيع العبد المسلم من المسلمين.

(٥) أي : بكون مورد صحة البيع خصوص البيع من المسلمين ، حتى يثبت مدّعى المشهور ، وهو شرطية إسلام من انتقل إليه العبد المسلم.

(٦) وهو إزالة ملك الكافر لا يحصل إلّا ببيع العبد المسلم من المسلمين.

(٧) لعلّه إشارة إلى : أنّه لا وجه لاستفادة الاختصاص بالمسلمين إلّا التشبث بمفهوم الوصف حتى يدلّ على عدم صحة بيعه بغير المسلمين ، ويصح الاستدلال به على اعتبار الإسلام في من ينتقل إليه العبد المسلم.

أو إشارة إلى : أنّ الأمر بإزالة الملك مستلزم لبطلان البيع ، لصيرورته سفهيّا. فالنهي وإن كان تكليفيا ، لكنه يوجب الفساد.

إلّا أن يقال : إنّ المراد بالسفاهة ما يكون سفاهة عرفا مع الغض عن حكم

__________________

(*) بل يحصل الغرض ـ وهو إزالة ملك الكافر ـ بعتقه أو وقفه ، بناء على صحتهما من الكافر ، فلا يتوقف حصول هذا الغرض على بيعه من المسلمين. فاستفادة الانحصار ببيعه من المسلمين ـ حتى يكون دليلا على قول المشهور ـ منوطة بمفهوم الوصف على القول به.

٢٩٧

وأمّا الآية (١) فباب الخدشة فيها واسع : تارة من جهة دلالتها في نفسها (٢) ولو (٣) بقرينة

______________________________________________________

الشارع ، لأنّ السفاهة من الألفاظ التي يرجع فيها إلى العرف ، فلا بدّ أن تكون المعاملة سفهية مع الغض عن حكم الشارع بوجوب الإزالة.

(١) هذا شروع في الخدشة في الاستدلال بآية نفي السبيل لمذهب المشهور ، ولا يخفى أن للمصنف قدس‌سره خدشات ثلاث في الاستدلال بالآية الشريفة.

الخدشة الاولى : أنّ إرادة الملكية من السبيل ـ كما هو مبنى استدلال المشهور بالآية على اعتبار الإسلام في من ينتقل إليه العبد المسلم ـ تستلزم تخصيصها بموردين حكي الإجماع على مالكية الكافر للعبد المسلم فيهما.

أحدهما : الملك الابتدائيّ القهريّ ، كانتقال العبد المسلم إلى الكافر بالإرث وإن أجبر على بيعه من الراغب في شرائه ، ومع عدمه يحال بين العبد ومولاه الكافر الى أن يوجد الراغب.

وثانيهما : الملك الاستدامي ، كما لو أسلم العبد عند مولاه الكافر ، أو ارتدّ المولى بعد كونه هو وعبده مسلمين.

ففي هذين الموردين يملك الكافر العبد المسلم ، ولا بدّ من تخصيص الآية ، بأن يقال : «لن يجعل الله الكافر مالكا للمسلم إلّا في هذين الموردين» مع وضوح إباء الآية المباركة عن التخصيص. ووجه الإباء عنه ظهورها في كون الإيمان تمام العلّة في الحكم بنفي السبيل ، ويمتنع انفكاكه عنه.

وعلى هذا لا بدّ من إرادة معنى آخر من الآية المباركة حتى لا يلزم منه التخصيص أصلا ، بأن تكون في مقام بيان شرف الإيمان ونفي السلطنة على المؤمن في الآخرة.

(٢) يعني : مع الغضّ عن الرواية الواردة في تفسيرها ، وهي رواية العيون الآتية.

(٣) وصلية ، يعني : ولو كانت دلالة نفس الآية بقرينة السياق.

وليس المراد من قوله : «ولو بقرينة سياقها» الإشارة إلى أنّ منع دلالة الآية على الملك ـ مع الغضّ عما ورد في تفسيرها ـ يستند إلى أمور ثلاثة. أحدها عدم دلالتها في نفسها ، ثانيها : إباء سياقها. ثالثها : قرينة ما قبلها الدال على نفي السبيل في الآخرة.

٢٩٨

سياقها (*) الآبي (١) عن التخصيص ، فلا بدّ (٢) من حملها على معنى لا يتحقّق فيه تخصيص ، أو بقرينة (٣) ما قبلها الدالّة على إرادة [أنّ] نفي الجعل في الآخرة.

واخرى (٤) من حيث تفسيرها (٥) في بعض الأخبار بنفي الحجّة للكفّار على

______________________________________________________

(١) المراد بالسياق الآبي عن التخصيص هو ما يذكره بعد أسطر بقوله : «في الآية الشريفة المسوقة لبيان أن الجعل شي‌ء لم يكن ولن يكون .. إلخ» فإنّ كلمة «لن» لنفي التأييد الناشئ هنا عن احترام المؤمن وشرفه. وهذا لا يقيّد بحال دون حال.

فالنتيجة : أنّ هذه الآية المباركة ـ بناء على إرادة الملك من السبيل ـ لا تدلّ على قول المشهور.

(٢) هذه نتيجة إشكال التخصيص مع فرض إرادة الملك من السبيل وإبائه عن التخصيص ، يعني : فلا بدّ من حمل الآية على معنى لا يرد فيه تخصيص.

(٣) معطوف على «قرينة سياقها» يعني : أنّه لا يراد من السبيل المنفي الملكية ، أمّا لسياقها الآبي عن التخصيص اللازم هنا ، إذ المفروض ملك الكافر للمسلم في موردين تقدّما بقولنا : «فإنّ الكافر يملك العبد المسلم في هذين الموردين». وإمّا لقرينة ما قبل هذه الآية ، وهو قوله تعالى (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فإنّ نفي السبيل في الآخرة أجنبي عن الملكية المبحوث عنها في المقام.

(٤) هذه هي الخدشة الثانية ، وهذه الخدشة كالأولى راجعة إلى دلالة الآية.

(٥) قال في مجمع البيان : «قيل فيه أقوال : أحدها : أنّ المراد لن يجعل الله لليهود على المؤمنين نصرا ولا ظهورا عن ابن عباس.

وقيل : (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) بالحجة وإن جاز أن يغلبوهم

__________________

(*) لا يخفى أنّ سياقها يأبى عن التخصيص مطلقا سواء أريد من السبيل في الآية المباركة خصوص الملك أم مطلق تسلط الكافر على المؤمن ولو بغير الملك ، كما إذا استقرض من الكافر ، فإنّه يتسلط على المؤمن بالمطالبة ، بل بالحبس إذا كان مماطلا مع يسره وقدرته على الأداء. فلا محيص عن حمل الآية على معنى يسلم من التخصيص الذي يأباه سياقها.

٢٩٩

المؤمنين ، وهو ما روي في العيون عن أبي الحسن عليه‌السلام ردّا على من زعم أنّ المراد بها (١) نفي تقدير الله سبحانه بمقتضى الأسباب العاديّة تسلّط الكفّار على المؤمنين ، حتّى أنكروا لهذا المعنى الفاسد الذي لا يتوهّمه ذو مسكة أنّ الحسين بن علي عليهما‌السلام لم يقتل ، بل شبّه لهم (٢) ،

______________________________________________________

بالقوة. لكن المؤمنين منصورون بالدلالة والحجة ، عن السدّي والزجاج والبلخي. قال الجبائي : ولو حملناه على الغلبة لكان ذلك صحيحا ، لأنّ غلبة الكفّار للمؤمنين ليس ممّا فعله الله ، فإنّه لا يفعل القبيح. وليس كذلك غلبة المؤمنين للكفار ، فإنّه يجوز أن ينسب إليه سبحانه.

وقيل : لن يجعل لهم في الآخرة عليهم سبيلا ، لأنّه مذكور عقيب قوله : فالله يحكم بينكم يوم القيامة. بيّن الله سبحانه أنّه إن يثبت لهم سبيل على المؤمنين في الدنيا بالقتل والقهر والنهب والأسر وغير ذلك من وجوه الغلبة ، فلن يجعل لهم يوم القيامة عليهم سبيلا بحال» (١).

(١) أي : بآية نفي السبيل ، فإنّهم جعلوا السبيل المنفي : القدرة التكوينية العاديّة ، يعني : أنّ الكافرين ليس لهم قدرة وتسلط خارجي على المؤمنين.

والشاهد لإرادة الحجة من الآية الشريفة قول مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في الرواية المزبورة : «وأمّا قوله عزوجل (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ، فإنّه يقول : لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة» وهذه الجملة ردّ على من زعم أنّ المراد بنفي السبيل نفي القدرة التكوينية.

(٢) لكن يرد على من زعم ذلك المعنى الفاسد أنّ الشبيه الذي قتل في كربلاء ـ وهو حنظلة بن سعد الشامي ـ كان مؤمنا.

إلّا أن يقال : انّهم لا يعتقدون بإيمان حنظلة الذي هو من شهداء كربلاء ، لكنه كما ترى.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ١٢٨.

٣٠٠