هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

ضرر فلا» الحديث (١) (١).

بناء (٢) على أنّ المراد من منفعة الدخول

______________________________________________________

(١) وتتمة الحديث : «وقال عليه‌السلام : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ، فأنتم لا يخفى عليكم ، وقد قال الله عزوجل (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).

(٢) غرضه أنّ الاستدلال بهذه الحسنة على كون مناط حرمة التصرف هو الضرر أي المفسدة ـ دون أن يكون مناط الجواز وجود النفع ـ مبنيّ على أن يراد من منفعة الدخول على الأيتام ما يساوي عوض ما يتصرفونه من مال اليتيم ، إذ لو أريد بها ما هو أزيد ممّا يساويه لكان دليلا على اعتبار المصلحة ، لا على كفاية عدم المفسدة كما هو المقصود. فيراد بالذيل «وإن كان فيه ضرر فلا» عم مساواة المال الذي يبذله المتصرفون للمال الذي تصرفوه من الأيتام.

فالمراد بالصدر المساواة لمال الأيتام ، وبالذليل عدم المساواة له. فلا تنافي بين الصدر والذيل ، إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة من الصدر ، وعدم كفاية عدم الضرر ، وإرادة الضرر من الذيل ، وإناطة حرمة التصرف بالضرر ، فيتعارض الصدر والذّيل في تصرّف لا يضرّ ولا ينفع ، إذ مقتضى حرمة التصرف عدم جوازه ، لعدم المنفعة ، ومقتضى الذيل جوازه ، لعدم الضرر ، فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية على هذا المورد.

وبعبارة أخرى : انّ جوابه عليه‌السلام مؤلف من جملتين شرطيتين :

إحداهما : قوله عليه‌السلام : «ان كان في دخولكم منفعة لهم فلا بأس» وهي ظاهرة في إناطة جواز الأكل من مال اليتيم بوصول نفع إليه. ومفهومها وجود البأس عند عدم عود النفع والزيادة في المال ، سواء أكان العائد إلى اليتيم مساويا لما أكله القيّم أم أقل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ژ ٧ ص ١٨٤ ، الباب ٧١ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١ رواه ثقة الإسلام في الكافي عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : «قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام .. إلخ» ولا ريب في صحة السند إلى عبد الله. والتعبير بالحسنة لأجل كونه إماميا ممدوحا بما لم يبلغ حدّ الوثاقة ، كقول النجاشي : «كان عبد الله وجها عند أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، ووصّى به علي بن يقطين .. إلخ» مضافا إلى رواية بعض أصحاب الإجماع عنه ، فلاحظ ترجمته في معجم رجال الحديث ، ج ١٠ ، ص ٣٧٩

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانيتهما : قوله عليه‌السلام : «وإن كان فيه ضرر فلا» وهذه الشرطية ظاهرة في وجود البأس والمنع عن الأكل الموجب للنقص في مال اليتيم ، ومفهومها جواز الأكل غير المضرّ بحاله ، سواء أكان ما يعود إلى اليتيم من البدل مساويا لذلك الطعام أم أزيد.

ثم إن في قوله عليه‌السلام في الصدر ـ وهو أولى الشرطيتين ـ «ان كان في دخولكم عليهم منفعة» احتمالين :

الاحتمال الأوّل : أن يكون المنفعة الواردة ما يقابل النقص والضرر ، سواء أكان هناك زيادة أم لا ، فكأنّه عليه‌السلام قال : «إن كان ما تبذلونه لليتيم بدل الطعام وخدمة خادمهم لا يقلّ ماليّته عمّا طعمتوه فلا بأس» وعلى هذا يكون مفهوم الجملة الشرطية : وجود البأس في مورد واحد ، وهو كون البدل الواصل الى اليتامى أقلّ ممّا صرفه القيّم من طعامهم. وهذا المفهوم مطابق لمنطوق الشرطية الثانية الحاكمة بالبأس في مورد تضرّر اليتيم.

وبناء على هذا الاحتمال يتّجه ما أراده المصنف قدس‌سره من أن حسنة الكابلي تدل على كفاية عدم الإفساد في مال اليتيم في جواز التصرف ، وتوجب ترجيح الاحتمال الرابع في الحسن ، وهو ما لا حرج ولا قبح فيه.

الاحتمال الثاني : أن يكون «النفع» بمعنى خصوص الزيادة ، لا المساوي ، فمعنى المنطوق : جواز الأكل من مال اليتيم بشرط أن يعود منفعة إليه ، بأن يكون البدل أزيد ممّا استفادة القيّم من الطعام والخدمة.

وعليه يدلّ المفهوم على حرمة التصرف في صورتين :

إحداهما : كون المبذول مساويا لما انتفع به القيّم.

وثانيتهما : كونه أقلّ منه. وهذه الصورة الثانية موافقة لمنطوق الشرطيّة الثانية.

ولكن الصورة الأولى مخالفة له ، فيقع التعارض بين إطلاق مفهوم الشرطية الأولى المانع عن التصرّف لو لم ينتفع به اليتيم حتى في صورة المساواة. وبين مفهوم الشرطية الثانية الظاهر في جواز التصرّف غير المضرّ وإن لم ينتفع به.

وهذا الاحتمال الثاني يوجب إجمال الرواية ـ لو لم يرجّح أحد الاحتمالين على الآخر ـ ويتعيّن الرجوع إلى دليل آخر كإطلاق «الأحسن» في الآية المباركة.

٢٦٢

ما يوازي (١) عوض ما يتصرّفون من مال اليتيم عند دخولهم ، فيكون المراد بالضرر في الذيل (٢) أن لا يصل (٣) إلى الأيتام ما يوازي ذلك ، فلا تنافي (٤) بين الصدر والذيل على ما زعمه بعض المعاصرين (٥) من أنّ الصدر دالّ على إناطة الجواز بالنفع ، والذيل (٦) دالّ على إناطة الحرمة بالضرر ، فيتعارضان في مورد يكون التصرّف غير نافع ولا مضرّ.

وهذا (٧) منه مبنيّ على أنّ المراد بمنفعة الدخول (٨) النفع الملحوظ بعد وصول

______________________________________________________

(١) أي : يساوي عوض ما صرفوه من طعام الأيتام في المالية. فإن كانت منفعة دخولهم على الأيتام مساوية لمالية ما انتفعوا به من طعام الأيتام جاز الدخول معهم ، وإلّا فلا يجوز الدخول معهم.

(٢) وهو «وإن كان فيه ضرر فلا».

(٣) خبر «فيكون» وقوله «ما يوازي» فاعل «لا يصل».

(٤) قد تقدّم تقريب المنافاة بقولنا : «إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة».

(٥) وهو ـ كما في حاشية العلامة السيد الاشكوري قدس‌سره ـ صاحب الجواهر (١).

(٦) معطوف على «الصدر».

(٧) أي : التنافي بين الصدر والذيل بمن بعض المعاصرين مبنيّ على أن يراد بالمنفعة : الزائد على المال المساوي لمالية الطعام الذي تصرف فيه الداخلون على الأيتام. فمدلول الرواية حينئذ إناطة جواز التصرف في مال اليتيم بالمصلحة أي المنفعة ، وهي ما زاد على مالية مال اليتيم. فإذا كانت مالية الطعام الذي تصرّف فيه الداخلون على اليتيم درهما مثلا ، وبذل المتصرف فيه درهما ونصفا جاز ذلك. وإن لم يكن كذلك ، بأن كان مساويا لماليته ـ فضلا عن نقصان ماليته عنه ـ لم يجز ذلك.

(٨) أي : منفعة الدخول على الأيتام هو النفع الملحوظ زائدا على ما يوازي مال

__________________

(١) بغية الطالب ، ج ١ ، ص ١٣٠ ، لكن لم أظفر به في الجواهر في مظان التعرض له ، كالزكاة والبيع والقرض والرهن والوصية ولا بد من مزيد التتبع.

٢٦٣

ما بإزاء مال اليتيم إليه (١) ، بمعنى (٢) أن تكون المنفعة في معاوضة ما (٣) يتصرّف من مال اليتيم بما (٤) يتوصّل (*) إليهم من ماله ، كأن يشرب ماء فيعطي فلسا بإزائه ، وهكذا (٥).

______________________________________________________

اليتيم ، كالنفع الملحوظ في المعاملات ، فإنّ المراد به ما يزيد على رأس المال.

(١) متعلق ب «وصول» وضميره راجع إلى اليتيم.

(٢) هذا مفسّر لقوله : «ان المراد بمنفعة الدخول .. إلخ» ومحصله : كون المعاملة الواقعة بين ما يتصرّفون فيه من مال اليتيم ـ وبين المال الذي يبذله المتصرفون عوضا عنه ـ معاملات ذات منفعة ، كالمثال المتقدم آنفا ، وهو الدرهم والدرهم ونصفه.

(٣) أي : مال اليتيم كالماء في مثال المتن ، فإنه يتصرف فيه بالشرب ، وحاصله : أن تكون المعاوضة بين ما يتصرّفونه من مال اليتيم ـ وبين المال الذي يبذله المتصرفون بإزائه ـ معاملة نافعة كسائر المعاملات الرابحة.

(٤) متعلق ب «معاوضة» فكأنّه قيل بمعاوضة الماء بالفلس ، يعني : مع فرض أكثرية مالية الفلس من مالية الماء.

(٥) يعني : وهكذا بقية أموال اليتيم من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها.

__________________

(*) لا تخلو العبارة من سوء التأدية ، فإنّ المقصود منها هو لحاظ المنفعة في المعاوضة بين الماء الذي هو مال اليتيم وبين الفلس الذي هو مال الشارب. فحقّ العبارة أن تكون هكذا : في معاوضة ما يتصرّف من مال اليتيم كالماء بالفلس الذي يصل إلى اليتيم من مال المتصرف وهو الشارب في المثال.

وبالجملة : فلا بدّ أن تكون هذه المعاوضة ذات منفعة أي زائدة على رأس المال ، لا مساوية له.

٢٦٤

وأنت خبير (١) بأنّه لا ظهور (٢) للرواية (*) حتّى يحصل التنافي.

وفي رواية (٣) ابن المغيرة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ لي ابنة أخ يتيمة ، فربّما اهدي لها الشي‌ء فآكل منه ، ثمّ أطعمها بعد ذلك الشي‌ء من مالي ، فأقول : يا ربّ هذا

______________________________________________________

(١) غرضه دفع التعارض الذي زعمه بعض معاصري المصنف بين صدر الرواية وذيلها ، وقد تقدم تقريب التعارض في (ص ٢٦١) بقولنا : «إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة من الصدر .. إلخ».

(٢) هذا دفع التعارض ، وحاصله : أنّه لا ظهور في قوله عليه‌السلام : «إن كان في دخولكم عليهم منفعة» في اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم.

ولعلّ وجه منع الظهور هو التصريح بأحد فردي مفهوم الشرطية ـ أعني قوله عليه‌السلام : «وان كان فيه ضرر فلا» إذ لو أريد بالمنفعة المصلحة كان لمفهوم الشرطية فردان :

أحدهما : كون التصرف في مال اليتيم ضررا أي نقصا في ماله.

والآخر : عدم كون التصرف نافعا ولا ضارّا ، كما إذا بيع برأس المال ، فلا ربح ولا خسران.

والتصريح بالفرد الأوّل قرينة على إرادة عدم الضرر من المنفعة. فلا تهافت بين الصدر والذيل. هذا كلّه ما يتعلق بدلالة حسنة الكاهلي على كفاية عدم المفسدة. وستأتي الرواية الثانية.

(٣) معطوف على قوله : «ففي حسنة الكاهلي».

__________________

(*) منع الظهور خلاف الإنصاف ، فإنّ الاستعمالات المتعارفة تشهد بذلك ، إذ لا يقال : «إنّ معاملاتنا في هذه السنة كانت رابحة أو نافعة» إلّا إذا وقعت زائدة على رأس المال ، فلا بدّ في رفع اليد عن هذا الظهور من قرينة على عدم حجيته ، لا رفع اليد عن أصله ، مع انفصال القرينة.

ويمكن أن يدّعى كون غلبة النفع والضرر في المعاملات ، وندرة المعاملات الواقعة على رؤوس الأموال من غير زيادة ونقصان موجبة لعدم انعقاد الإطلاق في القضية الشرطية ،

٢٦٥

بهذا (١) ، قال عليه‌السلام : لا بأس» (١).

فإنّ (٢) ترك الاستفصال عن مساواة العوض وزيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة (*).

______________________________________________________

(١) كذا في النسخة ، وفي الوسائل : «بذا».

(٢) هذا تقريب الاستدلال بالرواية على عدم اعتبار المصلحة ، وكفاية عدم المفسدة في التصرف في مال اليتيم ، وحاصله : أنّ ترك الاستفصال من مساواة عوض ما أكله ـ ممّا أهدي إلى اليتيمة ـ وزيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة ، وهو عدم المفسدة الذي أراده المصنف قدس‌سره من رواية أبي المغيرة.

__________________

حتى يشمل المعاملات التي لا تضرّ ولا تنفع كي يقع التعارض فيها بين الصدر والذّيل.

فاستظهار معاصر الشيخ من إرادة ظاهر المنفعة صحيح بدون لزوم التعارض المزبور ، لأنّ الغلبة تمنع من إرادة الإطلاق الناشئ من التعارض. فالرواية متكفلة لحكم قسمين من المعاملة ، وهما : المعاملة الرابحة ، والمعاملة الخاسرة ، وأنّ الجائز هو الرابحة ، والباطل هو الخاسرة.

(*) بل يدلّ على عدم اعتبار المساواة أيضا ، لشمول الإطلاق الناشئ عن ترك الاستفصال لجميع الصور ، من المساواة والزيادة والنقيصة.

إلّا أن يقال : إنّ ظهور «المعاوضة» المستفادة من قول السائل : «يا ربّ هذا بهذا» في صورة تساوي المالين ، أو أكثرية العوض من المعوّض في المالية يمنع شمول الإطلاق لصورة النقصان.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٨٤ ، الباب ٧١ ، من أبواب ما يكتسب به ، ح ٢ ، رواه ثقة الإسلام عن محمد ابن يحيى عن محمد بن الحسين ، عن ذبيان بن حكيم الأزدي ، عن علي بن المغيرة ، والتعبير بالرواية لضعفها من جهة ذبيان ، لعدم التوثيق وإن روى الثقات عنه.

٢٦٦

إلّا (١) أن يحمل (*) على الغالب من (٢) كون التصرّف في الطعام المهدي إليها وإعطاء (٣) العوض بعد ذلك أصلح (٤) ، إذ (٥) الظاهر أنّ الطعام المهدي إليه (٦) [إليها] هو المطبوخ وشبهه.

وهل يجب (٧) مراعاة الأصلح أم لا؟ وجهان. قال الشهيد رحمه‌الله في القواعد :

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «يدل» وحاصله : المنع عن دلالة ترك الاستفصال على عدم اعتبار الزيادة. ووجه المنع هو كون الغلبة مانعة عن الإطلاق الشامل لعدم الزيادة ، وذلك لأنّ الغالب كون العوض عن الطعام المطبوخ المهدي إلى اليتيمة أصلح وأزيد ممّا أكله. وهذه الغلبة تمنع الإطلاق الشامل لعدم الزيادة ، فترك الاستفصال لا يدلّ على عدم اعتبار الزيادة.

(٢) بيان للغالب ، وضمير «إليها» راجع إلى اليتيمة.

(٣) معطوف على «التصرف» والمشار إليه في «ذلك» هو التصرف.

(٤) خبر «كون التصرف».

(٥) تعليل للأصلحية ، فإنّ تعويض الطعام وشبهه من الفواكه أحسن ، لكونه في معرض الفساد.

(٦) كذا في نسختنا ، والصواب كما في بعض النسخ المصححة «إليها» لرجوع الضمير إلى اليتيمة.

(٧) هذا إغماض عن أمرين : أحدهما : ما استظهره من حسنة الكاهلي من كون المدار في حرمة التصرف هو الضرر ، وفي جوازه عدم الضرر.

ثانيهما : ما استظهره أوّلا بقوله : «ومن احتمالات الأحسن الاحتمال الثاني» وهو التفضيل المطلق المتقدم في (ص ٢٥٥) ، فبناء على اعتبار مصلحة المولّى عليه يتّجه الاستشهاد بذيل كلام الشهيد من وجوب مراعاة الأصلح وعدمه.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الرواية ـ بناء على هذا الحمل ـ تكون على خلاف المطلوب أدلّ ، لأنّ مورد الرواية حينئذ هو أصلحية التصرف ، وعدم كفاية عدم المفسدة في جواز التصرف في مال اليتيم. وهو خلاف المقصود.

٢٦٧

هل يجب على الوليّ مراعاة المصلحة في مال المولّى عليه ، أو يكفي نفي المفسدة؟ يحتمل الأوّل (١) لأنّه (*) منصوب لها ، ولأصالة (٢) بقاء الملك على حاله ، ولأنّ (٣) النقل والانتقال لا بدّ لهما من غاية ، والعدميّات (٤) لا تكاد (**) تقع غاية.

وعلى هذا (٥) هل يتحرّى الأصلح (٦) أم يكتفي بمطلق المصلحة؟

______________________________________________________

(١) وهو مراعاة المصلحة ، لوجوه :

أحدها : أنّ الولي منصوب لمراعاة مصلحة المولّى عليه. فإنّ المتيقن من ولايته المجعولة من قبل الشارع هو صورة كون تصرفه في مال المولّى عليه مصلحة له.

(٢) ثانيها : أنّ مقتضى الأصل العملي ـ وهو أصالة الفساد الجارية في العقود ـ هو بقاء ملك كلّ من العوضين على ملك مالكه في صورة عدم المصلحة ، وأنّ ملك المولّى عليه لم ينتقل عنه.

(٣) ثالثها : أنّ عدم المفسدة من الأعدام غير القابلة لأن تكون غاية للشي‌ء ، فلا يصلح أن يكون عدم المفسدة غاية لبيع مال اليتيم ، بل لا بدّ أن تكون الغاية أمرا وجوديّا.

(٤) التي منها عدم المفسدة ، فلا تقع غاية لشي‌ء من بيع وغيره.

(٥) أي : وبناء على اعتبار وجود المصلحة في التصرف في مال اليتيم هل تعتبر المرتبة العالية من المصلحة أم مرتبة ما منها؟

وبعبارة أخرى : هل تعتبر المصلحة المطلقة ، أم مطلق المصلحة؟

(٦) وهو المصلحة المطلقة ، وهذا مورد الاستشهاد بكلام الشهيد قدس‌سره لقوله :

__________________

(*) فيه ما أفاده المحقق القمي قدس‌سره من أنّه أوّل الدعوى ، وأنّ المسلّم كونه منصوبا لدفع المفسدة وحفظ ماله عن التلف (١).

(**) هذا في الأعدام المطلقة. وأمّا الأعدام المضافة ـ كعدم الخسارة في بيع مال

__________________

(١) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٩٣ (الطبعة الحجريّة).

٢٦٨

فيه (١) وجهان. نعم ، لمثل (٢) ما قلنا ، لا (٣) لأنّ (٤) ذلك لا يتناهى (*).

وعلى كلّ تقدير (٥) لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة ، لم يجز العدول عن الأصلح.

______________________________________________________

«وهل يجب مراعاة الأصلح؟».

(١) أي : في وجوب تحرّي الأصلح وجهان : أحدهما الوجوب ، والآخر عدمه.

(٢) هذا وجه وجوب تحرّي الأصلح المدلول عليه بقوله : «نعم» ومحصل هذا الوجه ـ المشار إليه بقوله : «لمثل ما قلنا» ـ هو ما ذكره من الوجوه الثلاثة لاعتبار أصل المصلحة بقوله : «لأنه منصوب لها ، ولأصالة بقاء الملك .. إلخ».

(٣) هذا معادل قوله : «نعم» فكأنه قيل : «فيه وجهان ، أحدهما : نعم يعني : يجب التحرّي ـ والآخر : لا ، يعني : لا يجب التحرّي للأصلح».

(٤) تعليل لقوله ، «لا» ومحصله : أنّ الأصلح من الكلّيات المشكّكة التي لا تتناهى أفرادها ، إذ الأصلح في هذا المكان شي‌ء ، وفي غيره شي‌ء آخر. وفي هذه المملكة شي‌ء ، وفي غيرها شي‌ء آخر ، وهكذا. فإنّ الأصلح يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة ، فأفراد الأصلح غير متناهية عرفا.

(٥) أي : سواء قلنا باعتبار الأصلحية أم بكفاية أصل المصلحة يترتب عليه : أنّه لو ظهر الأصلح والمصلحة ـ كما إذا فرض أنّ مال المولّى عليه يباع بدينارين في مكان ، وبدينار في موضع آخر قريب منه ـ لم يجز العدول عن الأوّل إلى الثاني ، لكونه إفسادا لمال المولّى عليه ، أو لكون المعاملة سفهيّة.

__________________

يكون معرضا لتنزّل السعر ـ فتقع غاية ، فإنّ هذا العدم يكون غرضا وداعيا عقلائيا للبيع حتى لا يرد على المالك خسارة.

(*) مجرّد عدم التناهي العرفي ـ ما لم يصل إلى حدّ العسر والحرج ـ لا يسقط وجوب التحرّي شرعا. فلعلّ التعليل بالعسر أولى من التعليل بعدم التناهي. ولا يبعد أن يكون هذا الذي ذكرناه مراده قدس‌سره.

٢٦٩

ويترتّب على ذلك (١) أخذ الوليّ بالشفعة للمولّى عليه حيث لا مصلحة ولا مفسدة (٢) ، وتزويج (٣) المجنون حيث لا مفسدة ، وغير ذلك» انتهى (١).

والظاهر (٤) أنّ فعل الأصلح ـ في مقابل ترك التصرّف رأسا ـ غير لازم ، لعدم الدليل عليه (٥). فلو (٦) كان مال اليتيم

______________________________________________________

(١) أي : على نزاع كفاية عدم المفسدة أو اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم ، فعلى القول بكفاية عدم المفسدة يجوز للولي الأخذ بالشفعة فيما إذا باع شريك اليتيم في الدار مثلا نصيبه منها على أجنبي.

وعلى القول باعتبار وجود المصلحة فيه لا يجوز للولي الأخذ بالشفعة إن لم يكن مصلحة له في الأخذ بالشفعة.

(٢) لصدق «عدم المفسدة» فيما لم يكن فيه صلاح وفساد.

(٣) معطوف على «أخذ» يعني : ويترتب على النزاع المذكور أيضا جواز تزويج الولي المجنون إن لم يكن فيه مفسدة ، بناء على كفاية عدم المفسدة. وعدم الجواز إن لم يكن فيه مصلحة بناء على اعتبار المصلحة فيه.

(٤) غرض المصنف قدس‌سره أنّ المراد بالأصلح ـ بناء على وجوبه ـ هو فعله ، في مقابل التصرفات الوجودية كالبيع والإجارة وغيرهما. وأما فعله في مقابل ترك التصرف فيه رأسا ـ بأن يبقى مال اليتيم عنده ، ولا يتصرف فيه ـ فغير لازم ، لعدم الدليل على فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف فيه رأسا.

نعم يتجه ذلك بناء على المعنى الرابع للقرب ، وهو عدم كل أمر اختياري ـ من فعل أو ترك ـ إلّا أن يكون أحسن من غيره.

(٥) أي : على فعل الأصلح ، في مقابل ترك التصرّف.

(٦) هذا متفرع على عدم لزوم فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا ، وحاصله : أنّه لو كان مال اليتيم موضوعا عند الولي ، وكان الاتّجار به أصلح من ترك

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٣٥٢ ، القاعدة : ١٣٣.

٢٧٠

موضوعا عنده (١) ، وكان الاتّجار به أصلح منه ، لا يجب (٢) [لم يجب] إلّا إذا قلنا بالمعنى الرابع من معاني القرب في الآية ، بأن (٣) يراد : لا تختاروا في مال اليتيم أمرا من الأفعال أو التروك إلّا أن يكون (٤) أحسن من غيره.

وقد عرفت (٥) الإشكال في استفادة هذا المعنى ، بل (٦) الظاهر التصرّفات الوجوديّة ، فهي (٧) المنهيّ عن جميعها ، لا ما (٨) كان أحسن من غيره (٩) ومن الترك ،

______________________________________________________

التصرف ، لم يجب الاتّجار به إلّا بناء على القول بالمعنى الرابع من معاني القرب في آية (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والمراد بالمعنى الرابع هو الذي تقدم في (ص ٢٥١).

(١) أي : عند الولي ، وضمير «به» راجع الى مال اليتيم.

(٢) جواب «فلو كان» وضمير «منه» راجع إلى ترك التصرف.

(٣) هذا بيان المعنى الرابع للقرب ، وقد تقدم توضيحه.

(٤) يعني : إلّا أن يكون ذلك الأمر المختار أحسن من غيره.

والحاصل : أنّه بناء على رابع معاني القرب يجب الاتّجار به ، ولا يجوز ترك التصرف.

(٥) يعني : ولكن قد عرفت الإشكال ـ في (ص ٢٥٩) بقوله : «لكن الإنصاف أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح .. إلخ» ـ في استفادة هذا المعنى الرابع للقرب.

لكنّه أيّده بقوله : «وإن كان الذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع ومقصوده من مثل هذا الكلام .. إلخ».

(٦) يعني : بل الظاهر من المعاني الأربعة المتقدمة للقرب هو المعنى الثالث أعني التصرفات الوجودية ، لا ما هو أعمّ منها ومن الترك.

(٧) يعني : فالتصرفات الوجودية هي المنهيّ عنها ، لا كلّ أمر اختياريّ من فعل أو ترك.

(٨) معطوف على التصرّفات الوجوديّة.

(٩) أي : من الأمر الوجودي والترك ، بل الظاهر هو خصوص الأمور الوجودية.

٢٧١

فلا (١) يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك.

نعم (٢) ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة.

وأمّا (٣) إذا كان في الترك مفسدة ، ودار الأمر بين أفعال ـ بعضها (٤) أصلح من بعض ـ فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه ، بل ربما يعدّ العدول (٥) في بعض المقامات إفسادا ، كما إذا اشتري في موضع بعشرة ، وفي موضع آخر قريب منه بعشرين ، فإنّه يعدّ بيعه في الأوّل إفسادا للمال ، [و] لو ارتكبه عاقل عدّ سفيها ليست فيه ملكة إصلاح المال.

______________________________________________________

(١) يعني : فلا يشمل ثالث معاني القرب ـ في قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وهي التصرفات الوجودية ـ ما إذا كان هناك فعل أحسن من الترك. فإذا كان بيع مال اليتيم أحسن من تركه ، لم يجب حينئذ العدول ، عن الترك إلى الفعل.

(٢) إشارة إلى دفع ما يتوهم في المقام ، وهو : أنّه إذا لم يشمل القرب الترك ، واختصّ بالتصرفات الوجودية ، فلازم ذلك جواز الترك وإبقاء مال اليتيم بحاله ، ولو كان في الترك مفسدة.

وحاصل دفع هذا التوهم : أنّ هذا الترك حرام بدليل آخر غير الآية الشريفة ، فإنّ جواز الترك الموجب للفساد ينافي تشريع الولاية ، إذ الغرض من تشريعها حفظ مال اليتيم ودفع المفسدة عنه.

(٣) غرضه أنّه إذا دارت الأصلحية بين التصرفات الوجودية مع كون الترك مفسدة فظاهر الآية ـ بناء على كون القرب في الآية المباركة بمعناه الثاني ، وهو التجنب وعدم القرب منه إلّا إذا كان القرب أحسن ـ عدم جواز العدول عنه.

(٤) الجملة مجرورة محلّا صفة ل «أفعال» وقوله : «فظاهر» جواب «وأمّا».

(٥) أي : يعدّ العدول عن بعض الأفعال في بعض المقامات إفسادا كمثال المتن ، وهو ما إذا اشتري مال اليتيم في موضع بعشرة دراهم ، وفي موضع آخر قريب منه بعشرين

٢٧٢

وهذا (١) هو الذي أراده الشهيد بقوله : «ولو ظهر في الحال .. إلخ».

نعم (٢) قد لا يعدّ العدول من (٣) السفاهة ، كما لو كان بيعه مصلحة (٤) ، وكان بيعه في بلد آخر أصلح مع إعطاء الأجرة منه (٥) أن ينقله إليه ، والعلم (٦) بعدم الخسارة ، فإنّه قد لا يعدّ ذلك (٧) سفاهة.

______________________________________________________

درهما ، فإنّ بيعه بعشرة يعدّ إفسادا لمال اليتيم. ولو ارتكبه عاقل عدّ سفيها ، كما يعدّ البيع سفهيّا. وهذا خلاف الغرض من تشريع الولاية على اليتيم.

(١) أي : عدّ العدول عن الأصلح إلى المصلحة في بعض المقامات إفسادا لمال اليتيم هو المقصود من كلام الشهيد قدس‌سره في (ص ٢٦٩) بقوله : «وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة لم يجز العدول عن الأصلح».

(٢) يعني : قد لا يعدّ العدول عن الأصلح من السفاهة حتى لا يجوز العدول ، كما إذا كان بيع مال اليتيم في بلده مصلحة كبيعه فيه بدينارين ، وفي بلد آخر ـ إذا نقل المتاع إليه بأجرة من مال اليتيم ـ بأربعة دنانير. فإن كانت الأجرة دينارا ، ووضعت عن أربعة دنانير ، زاد دينار واحد على دينارين ، فأصلحية بيعه في غير بلد اليتيم من بيعه في بلده تكون بدينار. ولا يعدّ هذا العدول من السفاهة.

(٣) متعلّق ب «يعدّ» لا ب «العدول».

(٤) أي : مصلحة في بلد اليتيم ، وكان بيعه في بلد آخر غير بلد اليتيم أصلح.

(٥) أي : مع إعطاء الأجرة من مال اليتيم إن كان في نقله اجرة ، مع العلم بعدم الخسارة بسبب النقل كالمثال المزبور.

(٦) معطوف على «إعطاء» يعني : مع إعطاء الأجرة ، ومع العلم بعدم الخسارة.

(٧) أي : لا يعدّ بيع مال اليتيم في البلد الأوّل سفاهة.

وبعبارة أخرى : ليس العدول ـ عن البلد الآخر ـ إلى بيعه في البلد الأوّل سفاهة.

٢٧٣

لكن ظاهر الآية وجوبه (١) (*).

______________________________________________________

(١) أي : وجوب البيع في البلد الآخر ، وذلك لعدم كفاية مجرّد عدم السفاهة في صحة البيع في هذا المقام ، إذ المدار على كونه أصلح من غيره ، فالأصلحية معتبرة في بيع مال اليتيم.

__________________

(*) ينبغي التكلم في جهات :

الأولى : في بيان الموضوع ، وهو عدول المؤمنين.

الثانية : في دليل الحكم أعني به الولاية التي هي حكم مجعول شرعي وضعي.

الثالثة : في اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين ، وعدمه.

الرابعة : في متعلق الولاية.

الخامسة : في اعتبار المصلحة فيما يتصدّاه المؤمن وعدمه.

السادسة : في حكم تزاحم الولايتين.

أمّا الجهة الأولى : فنخبة الكلام فيها : أنّه قال في مجمع البحرين : «والايمان لغة هو التصديق المطلق اتفاقا من الكل ، ومنه قوله تعالى (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ، وشرعا على الأظهر هو التصديق بالله بأن يصدّق بوجوده وبصفاته وبرسله ، بأن يصدّق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله وبكتبه» إلى ان قال : «وفي الحديث : وقد سئل عليه‌السلام عن أدنى ما يكون العبد مؤمنا؟ فقال : يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، ويقرّ بالطاعة ، ويعرف إمام زمانه ، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن» الى ان قال : «قال المحقق الشيخ علي رحمه‌الله : المؤمن من كان يعتقد اعتقاد الإمامية وإن لم يكن عنده دليل» (١).

وحيث إنّ الولاية حكم شرعي ، فلا بدّ من إثباتها بالدليل ، ومع الشك يجري أصل البراءة.

وعليه فإذا شكّ في ولاية غير الإمامي الاثني عشري ـ سواء أكان من المخالفين أم من

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٦ ، ص ٢٠٤ ـ ٢٠٦.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فرق الشيعة ـ جرت فيه أصالة عدم الولاية.

وبالجملة : فموضوع هذه الولاية هو المؤمن الاثني عشري.

وأمّا الجهة الثانية فهي : أنّهم استدلوا على ولاية عدول المؤمنين بوجوه :

أحدها : قوله تعالى «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى».

ثانيها : قول مولانا الصادق عليه‌السلام : «والله في عون المؤمن» المذكور في المتن ، وفي التوضيح.

ثالثها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل معروف صدقة».

ولا يرد على الاستدلال بها : أنّها في مقام الترغيب في فعل المعروف ، والتعاون على البرّ والتقوى ، من دون بيان المصداق. فالتمسك بها فيما إذا شك في كونه معروفا وصدقة غير صحيح عند الأصوليين ، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، هذا.

وجه عدم الورود : أنّ ألفاظ العون والصدقة والبرّ والتقوى ليس لها حقائق شرعية ، والمراد بها هي معانيها العرفية الواضحة ، من دون أن يكون فيها إجمال ، فلا شبهة في مفاهيمها حتى يتصوّر فيها شبهة كي يكون التمسك بتلك الأدلة تشبّثا بها في الشبهة الموضوعية.

نعم هنا شبهة اخرى وهي : أنّ مقتضى هذه الأدلة مساواة المكلفين من الفقهاء وعدول المؤمنين في مباشرة أمور القاصرين ، وعرضيّة ولاية المؤمنين لولاية الفقهاء ، وعدم توقف ولايتهم على تعذر الفقهاء.

اللهم إلّا أن يقال بتسالم الأصحاب على عدم نفوذ تصرفات عدول المؤمنين مع وجود الحاكم ، وتقدمه عليهم.

فصار المتحصل : صحة الاستدلال بالوجوه الثلاثة المتقدمة مع هذا التسالم.

فالنتيجة : نفوذ مباشرة عدول المؤمنين لأمور القاصرين ، إلّا إذا كان هناك حاكم ، فإنّه لا بد حينئذ من مباشرته ، أو الاستيذان منه.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الجهة الثالثة ، فحاصل الكلام فيها : أنّه قد استدلّ على اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين بصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة في المتن (ص ٢١٠) بتقريب : أنّ محتملات المماثلة أربعة : أحدها : المماثلة في التشيع ، ثانيها : المماثلة في الفقاهة ، ثالثها : المماثلة في الوثاقة ، رابعها : المماثلة في العدالة. حيث إنّهما كانا من ثقات الشيعة وعدولهم.

والاحتمال الأوّل غير مراد قطعا ، لعدم كفاية مجرّد التشيع في الولاية.

والاحتمال الثاني أيضا غير مراد ، لأنّ مفهومه ينفي ولاية المؤمنين مع تعذر الفقيه ، ويسقطها ، مع أنّه ليس كذلك ، لولايتهم مع تعذر الفقيه.

فيدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين. والنسبة بينهما وإن كانت عموما من وجه ، إلّا أنّ العدل أيضا لا بدّ أن يراعي المصلحة. فالعدالة هنا أخصّ من الوثاقة. ففي الدوران بينهما تقدم العدالة ، لتيقنها في الخروج عن مقتضى أصالة عدم الولاية مع الغضّ عن التصريح باعتبار العدالة في صحيحة إسماعيل بن سعد المذكورة في المتن. وإلّا فبها يقيّد صحيحة علي بن رئاب وموثقة زرعة الظاهرتان في كفاية الوثاقة ، لأنّهما قابلتان للتقييد بالعدالة.

ومنه يظهر أنّ العدالة شرط تعبدي لولاية المؤمنين بمعنى موضوعيتها ، كاعتبارها في إمام الجماعة.

والحاصل : أنّ الروايات بين ما يدلّ على كفاية الوثاقة ، وما يدلّ على اعتبار العدالة. وإطلاق الوثاقة قابل للتقييد بالعدالة ، فيقيّد به ، وإن كانت النسبة بين العدالة والوثاقة عموما من وجه ، وذلك لأنّ العدالة نصّ أو أظهر من الوثاقة ، فتحمل الوثاقة المستفادة من صحيحة عليّ بن رئاب وموثقة زرعة ـ المذكورتين في المتن ـ على العدالة.

ولو فرض التعارض بين الروايات ، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي ، فمقتضى الأصل اعتبار العدالة في المؤمنين المباشرين لأمور القاصرين ، لأنّه المتيقن في الخروج عمّا دلّ على عدم ولاية أحد على غيره.

فالمتحصل : اعتبار العدالة في المؤمن المباشر لأمور القاصرين ، وفاقا للأكثر ، وخلافا للآخرين.

ثم إنّ المصنف قدس‌سره استظهر من صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ـ من الوجوه

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأربعة للمماثلة ـ العدالة ، وأنّ المعتبر في ولاية المؤمنين هي العدالة. ثم استظهر من بعض الروايات كفاية الأمانة في ولاية المؤمنين ، وجعلها مفسّرة لاعتبار الوثاقة التي هي الاحتمال الثاني من الاحتمالات الأربعة في المماثلة. والمراد من بعض الروايات صحيحة علي بن رئاب وموثقة زرعة المذكورتان في المتن (ص ٢١٥ ـ ٢١٧) هذا.

لكن لا يخلو هذا الاستظهار من المناقشة. إذ في صحيحة علي بن رئاب : أنّ الظاهر من الولي المذكور فيها هو الولي الشرعي ، بقرينة قوله عليه‌السلام : «باع عليهم ونظر لهم» حيث إنّ نفوذ البيع وثبوت الأجر للبائع الولي لا يناسب إلّا الولي الشرعي ، وهو المنصوب من الحاكم الشرعي ، إذ المفروض أنّ المورّث لم يوص. فحينئذ لا تكون هذه الصحيحة نحن فيه ، لأنّ المنصوب أو المأذون من الحاكم كنفس الحاكم في تقدم رتبة ولايته على ولاية المؤمنين ، وكلامنا في ولاية المؤمنين لا في ولاية الحاكم ، فهذه الصحيحة أجنبيّة عمّا نحن فيه.

هذا مضافا إلى أنّ المصنف قدس‌سره يريد أن يجعل هذه الصحيحة مفسّرة للاحتمال الثاني من الوجوه الأربعة للمماثلة المذكورة في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع أعني به الوثاقة ، والمستفاد من الصحيحة هي الأمانة ، والنسبة بينها وبين الوثاقة هي العموم من وجه ، لاجتماعهما في من يكون ثقة في جميع أفعاله وأقواله ، فإنّه أمين وثقه. وافتراقهما في من يكون أمينا في أموال الناس فقط ، فإنّه أمين غير ثقة ، وفي من يكون ثقة في الأقوال وغير أمين في الأموال ، فإنّه ثقة غير أمين. فتفسير الوثاقة بالأمانة مع هذه النسبة لم يظهر له وجه.

بل يمكن أن يقال : إنّ الصحيحة في مقام بيان اعتبار كون تصرف الولي مصلحة للورثة من غير نظر إلى كون الولي عادلا أو ثقة أو أمينا ، فينبغي عدّ هذه الصحيحة من أدلة اعتبار المصلحة في تصرفات الولي ، لا في ما يعتبر في الولي من الوثاقة أو غيرها.

وبالجملة : فالمناقشة في صحيحة عليّ بن رئاب ترجع إلى وجوه ثلاثة :

أحدها : كون الولي شرعيا ، وهو أجنبي عما نحن فيه من ولاية المؤمنين.

ثانيها : عدم مساواة الأمانة والوثاقة حتى تفسّر الوثاقة بالأمانة.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثالثها : أنّ الصحيحة في مقام بيان ما يعتبر في متعلق الولاية ، لا ما يعتبر في نفس الولي من الوثاقة أو غيرها. هذا ما يتعلّق بصحيحة ابن رئاب.

وأمّا موثقة زرعة فهي وإن اشتملت على كلمة «الثقة» إلّا أنّ موردها هو القسمة التي هي تمييز الحصص وإفرازها ، ومن المعلوم مغايرة القسمة للمعاملات الناقلة. ومورد البحث جميع التصرفات المتعلقة بأموال القاصرين ، فالموثقة أخص من المدّعى.

فالمتحصل : أنّ شيئا من صحيحة ابن رئاب وموثقة زرعة لا يصلح لترجيح الاحتمال الثاني ـ وهو الوثاقة ـ من الاحتمالات الأربعة في المماثلة.

فالإنصاف : أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع مجملة ، لعدم اتضاح وجه المماثلة ، وعدم صلاحية صحيحة ابن رئاب وموثقة زرعة لرفع إجمالها كما مرّ آنفا. فلا بدّ من الرجوع إلى دليل آخر في اعتبار العدالة أو غيرها في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين ، هذا.

ويمكن أن يستدلّ على اعتبار العدالة فيهم بصحيحة إسماعيل بن سعد المذكورة في المتن ، إذ فيها قول مولانا الرضا عليه الصلاة والسّلام : «فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع ، وقام عدل في ذلك» ودلالتها على اعتبار العدالة في المتصدّي للبيع واضحة.

وقد يورد عليه بأنّ المراد بالعدل كون التصرف عدلا لا جورا ، إذ لو كان المراد به كون المتصرف عدلا فلا بدّ أن يقال : «عادل» بصيغة الفاعل ، وتبديل «وقام» ب «كان» وتبديل «في ذلك» ب «بذلك» بأن يقال : «وكان عادلا بذلك» فالعدل صفة التصرف لا المتصرّف.

وعليه فلا تدلّ هذه الصحيحة على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي لأمور القاصرين.

لكن الحقّ صحة الاستدلال بها. أمّا استعمال العدل في الشخص فهو في غاية الكثرة في الإطلاقات المتعارفة ، بحيث لا تحتاج إرادته من لفظ العدل إلى قرينة حتى يحمل بدونها على معناه المصدري.

وببيان آخر : ظهور لفظ «العدل» في الشخص العادل بمثابة يمنع إرادة معناه المبدئي

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا بالقرينة.

وأمّا إبدال «في» بالباء ، فليس بلازم ، لمجي‌ء «في» بعد مادة القيام كثيرا ، فيصحّ أن يقال : إنّ فلانا قام في الحرب مع الكفار.

وبالجملة : فالاستدلال بهذه الصحيحة على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدي لأمور القاصرين وجيه.

نعم يبقى هنا شي‌ء ، وهو : أنّ العدالة المعتبرة فيما نحن فيه هل هي على نحو الموضوعية كالعدالة المعتبرة في إمام الجماعة والشاهد ، أم على نحو الطريقية؟ مقتضى القاعدة في كلّ ما يؤخذ في الخطابات هو الموضوعية ، بمعنى كونه بذاته مطلوبا لا بعنوان كونه حاكيا عن الغير ، ومرآتا له ، فإرادته بهذا النحو محتاجة إلى القرينة.

ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالعدالة هنا هي الطريقيّة ، لقرائن موجودة في نفس الروايات : إحداها وثانيتها : ما في صحيحة علي بن رئاب من قوله عليه‌السلام : «ونظر لهم» وقوله : «الناظر فيما يصلحهم».

وثالثتها : ما في موثقة زرعة من قوله : «ان قام رجل ثقة قاسمهم» إذ المراد من يوثق به ويطمئن بفعله. فالمدار في صحة تصرفات المؤمن في مال الصغير وغيره هو كونها مصلحة ، فلا بدّ في ترتيب الأثر على تصرفاته من إحراز كون التصرف صلاحا للقاصر. فاعتبار العدالة أو الوثاقة إنّما هو لإحراز الصلاح. فالعدالة أخذت طريقا لإحراز كون التصرف صلاحا للقاصر.

ثم إنّ المصنف ـ بعد أن اختار كفاية الأمانة في المؤمن المتصدي لأمور القاصرين ـ قال : «والذي ينبغي أن يقال .. إلخ» وحاصله : أنّ الموارد التي يجوز فيها التصرف لغير الفقيه إن كان دليلها خاصّا به فهو المتّبع ، سواء أكان عامّا لكلّ من العادل والفاسق ، أم خاصّا بالعادل ، وإن كان عاما كآية التعاون و «كل معروف صدقة» ونحوهما ، ففيه تفصيل ، وهو : أنّ الفاسق لولايته كالعادل يكون تصرفه نافذا.

ولو ترتّب حكم الغير كسقوط التكليف الكفائي عنه ـ كصلاة الميت إذا أتى بها الفاسق على الوجه الصحيح ـ سقط وجوبها الكفائي عن غيره.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا تصرّف الفاسق في مال اليتيم ، فسقوط وجوب إصلاح ماله عن سائر المكلفين منوط بإحراز كون تصرف الفاسق إصلاحا لمال اليتيم. فالشك في صحة إيجابه البيع شك في وجود الإصلاح ، ولا تجري فيه أصالة الصحة ، لجريانها في صحة الموجود لا في أصل الوجود. نظير شك المشتري في بلوغ البائع في عدم جريان أصالة الصحة. هذا ملخص ما أفاده في قوله : «والذي ينبغي أن يقال» إلى «فتأمل».

لكن يتوجه عليه : أنّ إصلاح مال اليتيم ليس مقوّما للبيع العرفي حتى يكون الشك فيه شكّا في وجود البيع ، ولا تجري فيه أصالة الصحة ، لأنّ البيع العرفي ـ وهو مبادلة مال بمال ـ موجود في بيع الفاسق مال اليتيم ولو بدون الإصلاح ، فالإصلاح شرط شرعي كسائر الشروط الشرعية التي تجري فيها أصالة الصحة عند الشك فيها.

وعليه ففي شك المشتري في إصلاح البائع الفاسق مال الطفل في إيجاب البيع تجري أصالة الصحة ، كجريانها في ما أفاده بقوله : «نعم لو وجد في يد الفاسق» وهو ما إذا شكّ ثالث في كون البيع ـ إيجابا وقبولا ـ إصلاحا لمال الطفل ، فإنّ مقتضى الاشكال المتقدم أعني به كون الشك في وجود المأمور به ـ وهو إصلاح المال ، ولذا لا تجري فيه أصالة الصحة ـ هو عدم جريانها في كلتا المسألتين ، لاشتراكهما في الإشكال ، أي : كون الشك في وجود المأمور به الذي هو إصلاح المال ، ضرورة توقف إصلاحه على كل من الإيجاب والقبول ، وعدم حصوله بالإيجاب فقط.

فالحقّ جريان أصالة الصحة في كلا الفرعين بعد فرض ولاية الفاسق كالعادل على أمور القاصرين ، لأنّ الشك في وجود الشرط الشرعي وهو الإصلاح.

وأمّا الشك في بلوغ البائع ، فلو لم يجز فيه أصل الصحة ، فذلك لأجل عدم كون البلوغ من الأمور الاختيارية المشكوكة التي تجري فيها أصل الصحة. هذا تمام الكلام في الجهة الثالثة المتعلقة بالعدالة.

وأمّا الجهة الرابعة الراجعة إلى جواز المزاحمة وعدمه ، فحاصل الكلام فيها : أنّ المصنف قدس‌سره ابتنى الجواز وعدمه على كون التصدي على نحو التكليف أو الوضع وهو

٢٨٠