هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

لأنّ (١) دخوله فيه كدخول الإمام عليه‌السلام ، فدخول الثاني (٢) فيه وبناؤه على تصرّف آخر مزاحمة (٣) له ، فهو (٤) كمزاحمة الإمام عليه‌السلام ، فأدلّة (٥) النيابة عن الإمام عليه‌السلام لا تشمل (٦) ما كان فيه مزاحمة الإمام عليه‌السلام.

فقد ظهر ممّا ذكرنا (٧) : الفرق (٨) بين الحكّام وبين الأب والجدّ ، لأجل الفرق بين كون كلّ واحد منهم حجّة (٩) ،

______________________________________________________

(١) أي : لأنّ دخول الفقيه في أمر .. إلخ ، وهذا تعليل لقوله : «فالظاهر».

(٢) أي : دخول الفقيه الثاني في أمر وبناؤه على تصرف آخر مزاحمة للفقيه الأوّل الذي دخل في الأمر.

(٣) خبر قوله : «فدخول الثاني» وضمير «له» راجع الى الفقيه الأوّل.

(٤) أي : مزاحمة الفقيه الثاني للفقيه الأوّل تكون كمزاحمة الإمام عليه‌السلام. والأولى تأنيث الضمير.

(٥) مبتدء خبره «لا تشمل» وهذا إشارة إلى وهم ودفع. أمّا الأوّل فهو : أنّ إطلاق أدلة النيابة كاف في جواز المزاحمة ، لأنّ مقتضى إطلاقها ولاية كل فقيه ، سواء دخل غيره في إنفاذ الواقعة أم لا ، ولازم ذلك جواز المزاحمة.

(٦) وأمّا الثاني ـ وهو الدفع ـ فحاصله : أنّ أدلة النيابة لا تشمل صورة المزاحمة ، لأنّ مقتضى النيابة كون النائب كالمنوب عنه في الحكم. ومن المعلوم عدم جواز مزاحمة المنوب عنه وهو الامام عليه‌السلام ، فكذا نائبه ، فلا يجوز مزاحمة الفقيه إذا دخل في إنفاذ الواقعة.

(٧) من جواز المزاحمة بناء على الاستناد في ولاية الفقيه إلى مثل صدر التوقيع المتقدم ، وعدم جوازها بناء على الاستناد في ولايته إلى عموم أدلة النيابة.

(٨) فاعل «ظهر» وملخص الفرق بينهما هو : أنه بناء على استناد ولاية الفقيه الى صدر التوقيع تكون ولايته كولاية الأب والجدّ في جواز المزاحمة ، وبناء على استنادها إلى عمومات أدلة النيابة لا تجوز المزاحمة.

(٩) كما هو مقتضى التوقيع ، فتجوز المزاحمة كولاية الأب والجد. وهذا هو الحكم

٢٤١

وبين كون كلّ واحد منهم (١) نائبا.

وربما يتوهّم (٢) كونهم حينئذ (٣) كالوكلاء المتعدّدين في أنّ بناء واحد منهم (٤) على أمر مأذون فيه لا يمنع (٥) الآخر عن تصرّف مغاير لما بنى عليه الأوّل.

ويندفع (٦) بأنّ الوكلاء إذا فرضوا (٧) وكلاء في نفس التصرّف ـ لا في

______________________________________________________

الثاني أعني به كون الفقيه حجة.

(١) أي : من الفقهاء نائبا ، فإنّ مقتضى النيابة عدم جواز المزاحمة. وهذا هو الحكم الأوّل ، وهما من اللّف والنشر المشوّش ، فالأوّل للثاني ، والثاني للأوّل.

(٢) بعد أن رجّح المصنف قدس‌سره منع مزاحمة حاكم لآخر ، تعرّض لبيان توهّمين ربما يظهر منهما جواز المزاحمة ، ثم ردّهما.

ومحصل التوهّم الأوّل : أنّ حكم الحكّام حكم الوكلاء المتعددين في أنّ أحد الوكلاء إذا أقدم على أمر مأذون فيه من ناحية الموكّل جاز لغيره من الوكلاء أن يقدم على أمر مغاير لما أقدم عليه الوكيل الأوّل.

(٣) أي : حين كون الحكام نوّابا كالوكلاء المتعددين.

(٤) أي : من الوكلاء ، وضمير «كونهم» راجع الى الحكّام.

(٥) خبر «أنّ» يعني : أنّ بناء أحد الوكلاء على أمر ـ مأذون فيه من ناحية الموكّل ـ لا يمنع الوكيل الآخر عن تصرف مغاير للتصرف الذي بنى عليه الوكيل الأوّل.

(٦) يعني : ويندفع هذا التوهم بما محصّله : أنّ الوكلاء على قسمين :

أحدهما : أن يكونوا وكلاء عن شخص في نفس التصرف دون مقدماته ، كما لو كانوا وكلاء عن شخص في بيع داره فقط ، لا في مقدماته من المقاولة وغيرها. فما لم يتحقق البيع لا مانع من إقدام أحد الوكلاء على ذلك التصرف. فيحصل التعارض بينه وبين من أقدم قبله ، ويكون النفوذ لأسبق التصرفين. ومع فرض التقارن يسقط كلاهما عن الاعتبار ، لمقارنة السببين في التأثير.

وبالجملة : ففي هذا القسم الأوّل لا مانع من التزاحم.

(٧) هذا إشارة إلى القسم الأوّل من قسمي الوكلاء.

٢٤٢

مقدّماته ـ فما (١) لم يتحقّق التصرّف من أحدهم كان الآخر مأذونا في تصرّف مغاير (٢) وإن بنى عليه الأوّل ودخل فيه.

أمّا (٣) إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد بحيث يكون إلزامهم كإلزامه ودخولهم في الأمر كدخوله ، وفرضنا (٤) أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل ، والتعدّي عمّا بنى هو (٥) عليه مباشرة أو استنابة ، كان (٦) حكمه حكم ما نحن فيه (٧) من غير زيادة ولا نقيصة.

______________________________________________________

(١) الجملة جواب «إذا فرضوا» وضمير «أحدهم» راجع إلى الوكلاء.

(٢) أي : مغاير لتصرف الوكيل السابق ، وإن بنى الأوّل على التصرف ودخل فيه.

(٣) هذا ثاني قسمي الوكلاء ، وهو : أنّهم إذا كانوا وكلاء عن شخص واحد في التصرف ومقدماته أيضا كبيع داره مع مقدماته كالمقاولة ـ بحيث يكون فعلهم كفعله وإلزامهم كإلزامه ودخولهم في الأمر كدخوله فيه ، ولم يدلّ دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل ، والتعدّي عما بنى هو عليه مباشرة أو استنابة في إنفاذ الواقعة ـ كان حكم هؤلاء الوكلاء حكم ما نحن فيه في عدم جواز المزاحمة.

(٤) معطوف على «فرضوا» والغرض من قوله : «فرضنا» بيان حكم ما نحن فيه ، وهو : أنّه بناء على كون الحكّام وكلاء عن المعصوم عليه‌السلام في نفس التصرف ـ لا في خصوص مقدماته ـ فإنّما تكون وكالتهم محدودة بعدم المخالفة للإمام عليه‌السلام الذي وكّلهم.

وحيث إن كل واحد منهم وكيل عنه عليه‌السلام لم تجز المزاحمة ، لكونها ممنوعة ، لمزاحمته عليه‌السلام.

(٥) أي : الموكّل ، وضمير «عليه» راجع الى الموصول في «ما بنى» المراد به التصرف.

(٦) جواب قوله : «إذا فرضوا» ومرجع ضمير «حكمه» حكميّ ، أي : حكم فرض تنزيل الوكلاء بمنزلة الموكّل ـ في كون دخولهم في الأمر كدخول الموكّل فيه ـ يكون حكم ما نحن فيه.

(٧) يعني : كان حكم كل واحد من الوكلاء حكم كل واحد من الفقهاء النائبين عن

٢٤٣

والوهم (١) إنّما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعدّدين المتعلّقة (٢) بنفس ذي المقدّمة ، فتأمّل (٣).

هذا كلّه ، مضافا (٤) إلى لزوم اختلال نظام المصالح (*) المنوطة (٥) إلى الحكّام ،

______________________________________________________

الامام عليه‌السلام في عدم جواز المزاحمة بلا زيادة ولا نقيصة.

(١) يعني : والوهم المذكور ـ وهو قياس الحكّام بالوكلاء المتعددين ـ إنّما نشأ من لحاظ التوكيلات المتعارفة المتعلقة بنفس ذي المقدمة ، المستلزم لجواز المزاحمة في المقدمات ، وكون النفوذ للعقد السابق.

(٢) نعت لقوله : «التوكيلات».

(٣) لعله إشارة إلى : أنّ أدلة النيابة كأدلّة الوكالة لا تدلّ أيضا إلّا على النيابة في نفس ذي المقدمة ، فحال الحكّام حال الوكلاء المتعددين في التوكيلات المتعارفة في تعلق توكيلهم بنفس ذي المقدمة ، فيقع التعارض بينهم ، ويكون النفوذ للسابق منهم.

(٤) هذا دليل آخر على عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في واقعة لإنفاذها كما أشرنا إليه في (ص ٢٤٠) وخلاصة هذا الدليل : لزوم اختلال نظام المصالح ، الراجع تشخيصها ورعايتها في الوقائع الحادثة إلى الفقهاء العدول ، لاختلاف أنظارهم في تشخيصها الموجب لاختلال نظام المصالح ، ولا يناط نظامها إلّا بعدم المزاحمة ، وكون ولاية الفقيه من باب النيابة حتى لا تجوز المزاحمة ، لا من باب الحجية حتى تجوز المزاحمة.

(٥) صفة للمصالح ، فإنّ تشخيص المصالح يكون منوطا بنظر الحكّام ، ولعلّ الأولى تبديل «الى الحكام» ب «بالحكام».

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا الدليل لو تمّ اقتضى أن تكون ولاية المؤمنين كولاية الفقهاء في عدم جواز المزاحمة. مع أنّهم قالوا بجوازها ، ويكون ولايتهم كولاية الأب والجدّ في جواز المزاحمة ، وأنّ النافذ هو التصرف السابق.

إلّا أن يقال : بعدم الولاية للمؤمنين ، وأنه ليس لهم إلّا الوجوب التكليفي. لكن محذور اختلال نظام المصالح لا يندفع بالوجوب التكليفي ، بل يندفع بعدم جواز المزاحمة.

٢٤٤

سيّما في مثل هذا الزمان الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكّام ممّن يدّعي الحكومة.

وكيف كان فقد تبيّن ممّا ذكرنا (١) [١] عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كلّ إلزام قوليّ (٢) أو فعليّ (٣) يجب الرجوع فيه إلى الحاكم ، فإذا (٤) قبض مال اليتيم من شخص أو عيّن شخصا لقبضه ، أو جعله ناظرا عليه (٥) ، فليس (٦) لغيره من الحكّام مخالفة نظره ، لأنّ (٧) نظره كنظر الإمام عليه‌السلام.

______________________________________________________

(١) من كون ولاية الفقيه من باب النيابة ، فلا تجوز مزاحمته ، لكونها مزاحمة للإمام عليه‌السلام. لا من باب الحجية حتى تجوز المزاحمة لحجيّة كل واحد من الفقهاء حينئذ.

(٢) كحكمه في المرافعات بأنّ هذا المال لزيد ، أو كون الحبوة أربعة أشياء ، أو بأن هذا اليوم أوّل الشهر.

(٣) كشروع فقيه في تجهيز ميّت لا وليّ له ، فلا تجوز لحاكم آخر مزاحمته.

(٤) هذا مثال لحرمة المزاحمة ، فإذا قبض حاكم مال القاصر ـ كاليتيم والمجنون ـ من شخص ، أو عيّن شخصا لقبض مال القاصر ، أو جعله ناظرا على مال اليتيم مثلا ، فليس لحاكم آخر مخالفة نظره.

(٥) أي : على مال اليتيم.

(٦) جواب «فإذا قبض» وضميرا «لغيره ، نظره» راجعان إلى الحاكم الذي قبض مال اليتيم.

(٧) تعليل لعدم جواز مخالفة نظر الحاكم الذي قبض مال اليتيم ، أو عيّن شخصا لقبضه. ومحصل التعليل هو كون نظر هذا الحاكم نظر الإمام عليه‌السلام ، إذ المفروض أنّ الحاكم نائبه عليه الصلاة والسلام.

__________________

(*) لم يختر سابقا عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر .. إلخ بل ذكره بنحو الفرض والتقدير ، حيث قال في (ص ٢٤٠) : «فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر ووضع يده عليه» جوابا لقوله في (ص ٢٣٧) : «وأمّا لو استندنا في ذلك على عمومات النيابة ..» فلاحظ.

٢٤٥

وأمّا (١) جواز تصدّي مجتهد لمرافعة تصدّاها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض (٢) عنها ـ بل بنى على الحكم فيها (٣) ـ فلأنّ (٤) وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم.

ثمّ إنّه (٥) هل يشترط في ولاية غير الأب والجدّ ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا؟

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى التوهم الثاني المشار إليه (ص ٢٤٢) وهو : أنّ ما اخترتم ـ من عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله ـ ينافي ما اختاره الفقهاء «رضوان الله تعالى عليهم» من جواز تصدّي مجتهد للحكم في مرافعة تصدّاها مجتهد آخر ، ولكنه لم يحكم فيها بعد. فجواز الحكم من المجتهد اللّاحق مزاحمة للمجتهد السابق الذي دخل في الواقعة بانيا على الحكم فيها ، وعدم الإعراض عنها ، إذ مع الإعراض تنتفي المزاحمة.

(٢) يعني : لم يعرض المجتهد الأوّل الذي بنى على الحكم في المرافعة.

(٣) هذا الضمير وضميرا «عنها ، فيها» راجعة إلى المرافعة.

(٤) جواب «وأمّا» ودفع للتوهم المذكور ، وحاصله : أنّه لا يلزم التزاحم في مورد التوهم المزبور ، لأنّ التزاحم فرع تعدد الحكم بتعدد الحكّام ، والمفروض أنّ وجوب الحكم على الحاكم في المرافعات مشروط بسؤال من له الحكم. ولمّا عدل من له الحكم عن الحاكم الأوّل إلى الحاكم الثاني ، فلا وجوب على الحاكم الأوّل حتى يلزم تعدد الحكم الموجب للتزاحم ، بل وجوب الحكم مختص حينئذ بالحاكم الثاني ، لاختصاص سؤال الحكم به.

فالنتيجة : عدم لزوم التزاحم في مورد الإشكال.

اشتراط المصلحة في غير الأب والجد وعدمه

(٥) الضمير للشأن ، وهذا إشارة إلى الجهة الخامسة من جهات البحث في مسألة ولاية المؤمنين. وهي : أنّه هل يعتبر في ولاية غير الأب والجد ـ وهم الفقهاء وعدول المؤمنين ـ ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا؟

وأما مراعاة غبطة الصغير في الأب والجدّ فقد سبق الكلام فيه مبسوطا ، فراجع (ص ٨٩).

٢٤٦

ذكر الشهيد في قواعده : أنّ فيه وجهين (١)

______________________________________________________

(١) أي : أنّ في ولاية غير الأب والجدّ وجهين. وهذا نقل كلام الشهيد بالمعنى ، وسيأتي نصّ عبارته في (ص ٢٦٨) فلاحظ.

وكيف كان فلعلّ وجه الاشتراط أنّ المتقين من ولاية غير الأب والجدّ هو صورة ملاحظة غبطة المولّى عليه.

ووجه العدم هو إطلاق دليل الولاية ، وتقييده محتاج إلى الدليل.

ولا يخفى أنّ مورد كلام الشهيد قدس‌سره الآتي هو مطلق الولي الشامل للأب والجدّ أيضا ، إذ مقصوده من الولي هو من يقوم مقام المالك ، كما تعرّض له قبل هذه القاعدة بقوله : «وحكم المالك : الأب والجد ، والوكيل ، والوصي ، والحاكم ، والأمين .. وبعض المؤمنين في مال الطفل عند تعذر الولي ..» (١).

وعليه يكون مورد الوجهين ـ من اعتبار مراعاة المصلحة وعدمه ـ جميع الأولياء حتى الأب والجدّ. ولكن شيخنا الأعظم قدس‌سره لمّا تعرّض في ولاية الأب والجد لهذا البحث مفصّلا ، فلذا خصّ الكلام هنا بما عداهما ، لا للفرق بين ولايتهما وبين سائر الأولياء من الفقهاء والعدول.

ولعلّ المصنف استظهر عدم شمول «الولي» في عبارة القواعد للأب والجد ، بقرينة التعليل بقوله : «لأنه منصوب لها – أي لرعاية مصلحة المولّى عليه» (٢) بأن يقال : إنّ ولاية الأب والجد قهرية لا تتوقف على النصب ، بخلاف الوصي والفقيه وعدول المؤمنين.

وهذا المعنى ذكره السيد العلامة في العناوين جازما به ، حيث قال : «لكن كلام الأصحاب في اشتراط المصلحة في تصرف الولي مطلق. نعم ذكر عدم اشتراطها في الإجباري الشهيد رحمه‌الله في قواعده» (٣).

والظاهر أنّ منشأ النسبة هو ما سيأتي نقله من القواعد ، إذ لم جد تعرّضه لهذا

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٣٥١.

(٢) المصدر ، ص ٣٥٢.

(٣) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٦٠.

٢٤٧

ولكن ظاهر كثير من كلماتهم أنّه (١) لا يصحّ إلّا مع المصلحة ، بل في مفتاح الكرامة : «أنّه إجماعي» (١).

وأنّ (٢) الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيّا بين المسلمين (٣).

وعن شيخه (٤) في شرح القواعد : «أنّه (٥) ظاهر الأصحاب».

وقد عرفت (٦) تصريح الشيخ والحلّي بذلك حتّى في الأب والجدّ (٢).

______________________________________________________

البحث في موضع آخر منه. ولكن قد عرفت في أوّل بحث الولاية أنّ نفوذ تصرف الأب والجدّ ـ كغيرهما ـ منوط بالجعل ، ولا يكفي تكوّن الولد منهما في ولايتهما عليه قهرا وإجبارا.

(١) أي : تصرف غير الأب والجدّ ـ من الفقهاء وعدول المؤمنين في مال اليتيم ـ لا يصح إلّا مع المصلحة ، بل ذكر السيد في مفتاح الكرامة : أنّ اعتبار ملاحظة المصلحة إجماعي.

(٢) معطوف على قوله : «إنّه إجماعي».

(٣) يعني : بين جميع المسلمين ، لا خصوص الشيعة.

(٤) أي : شيخ السيد صاحب مفتاح الكرامة ، وهو الفقيه الجليل الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء قدس‌سره (٣).

(٥) أي : اشتراط ملاحظة المصلحة ظاهر الأصحاب.

(٦) يعني : في بحث ولاية الأب والجدّ. أمّا تصريح الشيخ فهو ما نقل عنه المصنف في (ص ٩٧) بقوله : «فقد صرّح به في محكي المبسوط ، حيث قال : ومن يلي أمر الطفل والمجنون خمسة .. إلخ».

وأمّا تصريح ابن إدريس فعند نقله عنه في (ص ٩٨) : «وقال الحلّي في السرائر :

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢١٧.

(٢) تقدمت المصادر في ص ٩٦ و ٩٩ و ١٠٠ فراجع.

(٣) شرح القواعد ، ص ٧١ (مخطوط).

٢٤٨

ويدلّ عليه (١) ـ بعد ما عرفت (٢) من أصالة عدم الولاية لأحد على أحد ـ عموم (٣) قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١).

وحيث إنّ توضيح معنى الآية على ما ينبغي لم أجده (٤) في كلام أحد من المتعرّضين لبيان آيات الأحكام ، فلا (٥) بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام (٦) ، فنقول : إنّ القرب في الآية يحتمل معاني أربعة :

الأوّل : مطلق (٧) التقليب والتحريك حتّى من مكان إلى آخر ، فلا يشمل مثل إبقائه على حال أو عند أحد.

______________________________________________________

لا يجوز للوليّ التصرف في مال الطفل» الى آخر عبارته.

(١) أي : ويدلّ على اشتراط ملاحظة الغبطة لليتيم بعد الأصل ـ وهو أصالة عدم الولاية لأحد على أحد ـ عموم قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) على ما سيأتي من توضيح الاستدلال به إن شاء الله تعالى.

(٢) يعني في قوله في (ص ١٣٠) : «مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشي‌ء من الوجوه ..».

(٣) فاعل قوله : «يدل» وهذا دليل اشتراط ملاحظة المصلحة لليتيم.

(٤) خبر «أنّ توضيح».

(٥) جواب الشرط في «وحيث إنّ».

(٦) أي : مقام الاستدلال بالآية المباركة على اشتراط ملاحظة الغبطة في مال اليتيم.

وقد فصّل المصنف قدس‌سره البحث حول الآية الشريفة بالنظر في مقامين : أحدهما : مقام الثبوت وما يتطرق من الاحتمالات فيها ، وهي ستة عشر احتمالا ، وثانيهما : مقام الإثبات والاستظهار.

والبحث في المقام الأوّل يتم بالنظر في كلمتين ، وهما : القرب و «الأحسن» كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

(٧) المراد به ـ بعد عدم إرادة القرب المكاني ـ مطلق الأمر الوجودي المتعلّق بمال

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٣٤.

٢٤٩

الثاني (١) وضع اليد عليه (٢) بعد أن كان بعيدا عنه ومجتنبا ، فالمعنى : تجنّبوا عنه ولا تقربوه إلّا إذا كان القرب أحسن ، فلا يشمل (٣) حكم ما بعد الوضع.

الثالث (٤) ما يعدّ تصرّفا عرفا ـ كالاقتراض والبيع والإجارة وما أشبه ذلك (٥) ـ فلا يدلّ (٦) على تحريم إبقائه بحاله تحت يده

______________________________________________________

اليتيم ، وإن كان مجرّد نقله من مكان الى آخر ، فيندرج فيه كل تصرف خارجي كالأكل والشرب واللبس وغيرها ، واعتباريّ كالبيع والإجارة ونحوهما. ولا يشمل التقليب الأمر العدمي كإبقاء المال على ما هو عليه وصفا ومكانا ، وعدم تعلق فعل به ، إذ التقليب أمر وجودي ، ولا يشمل العدمي ، وهو ترك القرب حتى لو ترتب تضرر اليتيم على هذا الترك ، لفرض اختصاص المدلول بالتقليب والتصرف.

(١) توضيحه : أنّ الأقرب إلى القرب المكاني ـ الذي لا يراد قطعا ـ هو مسّه ووضع اليد عليه. ويراد التصرف العرفي المحرّم بالأولوية ، إذ حرمة ما لا يعدّ تصرفا عرفا تستلزم حرمة ما يعد تصرفا عرفا بطريق أولى.

(٢) هذا الضمير وضمائر «لا تقربوه ، عنه» في الموضعين راجعة إلى مال اليتيم.

(٣) يعني : فلا يشمل قوله تعالى «وَلا تَقْرَبُوا» حكم ما بعد الوضع. وجه عدم شموله له : أنّ المنهي عنه هو الوضع ، واستفادة حكم ما بعد الوضع محتاجة إلى دليل آخر.

هذا لكنك قد عرفت إمكان استفادته بالأولوية.

ثم إنّ المعنى الأوّل أعمّ من الثاني ، لأنّ التقليب أعم من التصرف العرفي وغيره. بخلاف مجرّد وضع اليد عليه ، فإنّه ليس تصرفا عرفا.

(٤) حاصل هذا الاحتمال : أنّ المراد بالقرب المنهي عنه هو التصرف العرفي ، والظاهر أنّه أعم من الاعتباري كالأمثلة المذكورة في المتن ـ من الاقتراض والبيع والإجارة ـ والخارجي كالأكل والشرب واللبس والافتراش.

(٥) كالمضاربة والمزارعة والمساقاة.

(٦) يعني : فلا يدل قوله تعالى «وَلا تَقْرَبُوا» على تحريم إبقائه بحاله ، لأنّ الإبقاء

٢٥٠

ـ إذا كان التصرّف فيه (١) أحسن منه ـ إلّا بتنقيح المناط.

الرابع (٢) مطلق الأمر الاختياريّ المتعلّق بمال اليتيم ، أعمّ (٣) من الفعل (٤) والترك (٥) ، والمعنى : لا تختاروا في مال اليتيم ـ فعلا أو تركا ـ إلّا ما كان أحسن من غيره. فيدلّ (٦) على حرمة الإبقاء

______________________________________________________

ـ وهو ترك التصرف ـ أمر عدمي ، وليس أمرا وجوديّا. كما أنّه لا يدلّ على وجوب القرب إليه بوجه أحسن ، لأنّ مدلوله عدم جواز القرب إلى مال اليتيم بوجه غير أحسن.

والحاصل : أنّ الآية الشريفة لا تدلّ على وجوب التصرف في مال اليتيم ـ إذا كان أحسن من تركه ـ إلّا بتنقيح المناط ، بأن يقال : إنّ مناط التصرف في مال اليتيم هو ملاحظة المصلحة ، فإن كان بيعه أحسن من الإجارة مثلا وجب بيعه ، وإن كان بيعه أحسن من إبقائه بحاله تحت يده وجب البيع أيضا.

(١) أي : التصرف في مال اليتيم أحسن من الإبقاء بحاله تحت يده.

(٢) محصل هذا الاحتمال الرابع هو : أنّ المراد بالقرب المنهي عنه مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم سواء أكان فعلا اعتباريّا كالبيع والإجارة ، أم خارجيا كالأكل والشرب واللبس ، أم أمرا عدميا كإبقاء مال اليتيم بحاله تحت يده.

والحاصل : أنّ المراد بالقرب في الاحتمال الرابع هو كل أمر اختياري وجودي أو عدمي متعلق بمال اليتيم. والمراد بالعدمي ما يرجع إلى الوجودي كالإبقاء والاستمرار ، إذ لا جامع بين الوجود والعدم.

ثم إنّ هذا المعنى الرابع أعم من جميع المعاني الثلاثة المتقدمة ، لشموله لكلّ من الوجودي والعدمي ، والتصرف الخارجي والاعتباري.

(٣) حال من «الأمر الاختياري».

(٤) سواء أكان خارجيا كالأكل والشرب أم اعتباريا كالبيع كما تقدم آنفا.

(٥) كإبقاء مال اليتيم بحاله تحت يده.

(٦) يعني : فيدلّ النهي في «لا تقربوا» بالدلالة اللفظية على حرمة الإبقاء في الفرض المزبور ، وليست دلالته بتنقيح المناط الذي هو جهة الدلالة في المعنى الثالث.

٢٥١

في الفرض المذكور (١) ، لأنّ (٢) إبقاءه قرب له بما ليس أحسن.

وأمّا لفظ «الأحسن» (٣) في الآية ، فيحتمل (٤) أن يراد به ظاهره من التفضيل ، ويحتمل (٥) أن يراد به الحسن.

وعلى الأوّل (٦)

______________________________________________________

(١) وهو كون التصرف في مال اليتيم أحسن من إبقائه بحاله.

(٢) تعليل للنهي عن الإبقاء تحت اليد ، وحاصله : أنّ الإبقاء قرب للمال بما ليس أحسن ، وهو حرام.

(٣) بعد أن بيّن محتملات القرب أراد أن يذكر محتملات «الأحسن» حتى يظهر تقريب الاستدلال بالآية المباركة ، ومحتملاته أربعة أيضا كما سيظهر.

(٤) هذا أحد المعاني المحتملة في كلمة «الأحسن» وحاصله : أن يراد ما هو ظاهره من التفضيل.

(٥) هذا ثاني معاني «الأحسن» وهو إرادة معناه منسلخا عن التفضيل ، وهو الحسن. فكأنّه قيل : «ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالكيفية التي هي حسنة». وهذا التجريد هو ما أفاده المحقق نجم الأئمة الشارح الرضي الأسترابادي قدس‌سره بقوله : «واعلم أنّه يجوز استعمال ـ أفعل ـ عاريا عن اللام والإضافة ومن ، مجرّدا عن معنى التفضيل ، مؤوّلا باسم الفاعل والصفة المشبهة ، قياسا عند المبرّد وسماعا عند غيره ، وهو الأصح .. وتقول : الأحسن والأفضل بمعنى الحسن والفاضل» (١).

(٦) وهو إرادة التفضيل من كلمة «أحسن» ومحصله : أنّه بناء على إرادة معنى التفضيل من كلمة «أحسن» يحتمل وجهان في المفضّل عليه :

أحدهما : أن يكون ذلك ترك الأحسن ، بمعنى كون بيع مال اليتيم أحسن من تركه.

ثانيهما : أن يكون المفضّل عليه أعم من تركه وغيره من التصرفات ، كما إذا كان بيع

__________________

(١) شرح الكافية في النحو ، ج ٢ ، ص ٢١٧ ، المطبوعة بطهران بالاوفست على طبعة عام ١٣١٦.

٢٥٢

فيحتمل (١) التصرّف الأحسن من تركه ، كما يظهر من بعض ، ويحتمل (٢) أن يراد به ظاهره وهو الأحسن مطلقا من تركه ومن غيره من التصرّفات.

______________________________________________________

مال اليتيم أحسن بقول مطلق ، بأن يكون أحسن من تركه ومن كلّ تصرف غير البيع.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل الذي تقدّم بقولنا : «أحدهما أن يكون ذلك ترك الأحسن».

وهذا الاحتمال حكاه الفاضل النراقي قدس‌سره بقوله : «قيل» (١).

ويظهر من صاحب الجواهر قدس‌سره اختياره ، حيث إنّه بعد نفي إرادة ما هو الأحسن بقول مطلق ـ أي الفرد الأعلى من التصرف الذي لا أحسن منه ، ضرورة اقتضاء ذلك تعطيل مال الطفل ، إذ ما من حسن إلّا وهناك أحسن منه ـ قال : «بل المراد مطلق الأحسن من عدم القرب». ثم جعل لازمه التخيير بين أفراد التصرف وإن تفاوتت من حيث كون بعضها صالحا وبعضها أصلح ، فراجع (٢).

(٢) معطوف على قوله : «فيحتمل» في قوله : «فيحتمل التصرف» وهذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدم آنفا بقولنا : «ثانيهما أن يكون المفضّل عليه أعم من ..».

ويظهر من الفاضل النراقي قدس‌سره اختيار هذا الاحتمال ، من باب الجمع بين الآية الشريفة وما دلّ على جواز بيع الحاكم ، حيث إنّ الآية خصّصت بالمخصص المجمل المنفصل ـ وهو دليل ولاية الحاكم ـ ولم يعلم أنّ الخارج من الآية هو الأكثر أعني به التصرف الأولى من الترك حتى يكتفى بأصل وجود المصلحة في التصرف ، أم أنّ الخارج هو الأقل وهو التصرف الأحسن مطلقا أي : من الترك ومن سائر أفراد التصرف ، فراجع العوائد متأملا في العبارة (٣).

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٥٦٠ ، والظاهر أن القائل هو المحقق الأردبيلي في زبدة البيان ، ص ٣٩٤.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ١٦١.

(٣) عوائد الأيام ، ص ٥٦١.

٢٥٣

وعلى الثاني (١) ، فيحتمل أن يراد ما فيه مصلحة ، ويحتمل (٢) أن يراد به ما لا مفسدة فيه ، على ما قيل (٣) من أنّ أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله.

ثم (٤) إنّ الظاهر من احتمالات «القرب»

______________________________________________________

(١) معطوف على «وعلى الأول» توضيحه : أنّه بناء على الاحتمال الثاني ـ وهو تجريد الأحسن عن معنى التفضيل ـ يحتمل أيضا فيه وجهان :

أحدهما : أن يراد به ما فيه مصلحة وإن كان هناك ما هو أصلح منه ، كما إذا بيع مال اليتيم بثمن رابح ، مع إمكان بيعه بثمن أزيد منه.

وثانيهما : أن يراد به ما لا مفسدة فيه ، كما إذا كان في بيع مال اليتيم مصلحة ، وفي إجارته عدم المفسدة. فعلى الاحتمال الثاني ـ وهو عدم المفسدة ـ تجوز إجارته ولا يجب البيع. وعلى الاحتمال الأوّل يجب البيع ولا تجوز الإجارة.

(٢) معطوف على «فيحتمل» وإشارة إلى الوجه الثاني الذي تقدم بقولنا : «وثانيهما : أن يراد به ما لا مفسدة فيه ..» ، هذا.

ثمّ إنّ الاحتمالات الحاصلة من ضرب أربعة «القرب» في أربعة «الأحسن» ستة عشر احتمالا.

(٣) لعلّ مقصوده ما حكاه الشهيد الثاني قدس‌سره عن الجمهور في معنى الحسن والقبيح ، من قوله : «أو أنّ ما نهى الشارع عنه فهو قبيح ، وإن لم ينه عنه فهو حسن ، سواء أمر به كالواجب والمندوب ، أم لا كالمباح» (١).

وعلى هذا فلو انسلخ «الأحسن» في الآية المباركة عن التفضيل ، ولم يعتبر في صدقه النفع والمصلحة ، كفى فيه عدم استلزام التصرف في مال اليتيم للمفسدة ، فيجوز القرب فيما يخلو من النفع والضرّ. هذا كله ما يتعلق بالمقام الأوّل وهو بيان محتملات الآية المباركة.

(٤) بعد بيان الاحتمالات الراجعة إلى كلمة القرب والأحسن ثبوتا أراد أن يبيّن مقام الإثبات والاستظهار ، ومحصل ما أفاده هو : أنّ الظاهر من الاحتمالات المذكورة للقرب هو المعنى الثالث أعني به التصرف عرفا. ومن احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال

__________________

(١) تمهيد القواعد ، ص ٤١ ، القاعدة : ٥.

٢٥٤

هو الثالث (١) ، ومن احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال الثاني (٢) ، أعني التفضيل المطلق (٣).

وحينئذ فإذا (٤) فرضنا أنّ المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم ، فبعناه بعشرة دراهم ، ثمّ فرضنا أنه لا يتفاوت لليتيم إبقاء الدراهم أو جعلها دينارا ، فأراد الوليّ جعلها دينارا ، فلا يجوز ، لأنّ هذا التصرّف (٥) ليس أصلح من تركه ، وإن (٦) كان

______________________________________________________

الثاني أعني به التفضيل المطلق. فالمعنى حينئذ : «لا تتصرّفوا في مال اليتيم بالبيع ونحوه إلّا إذا كان ذلك التصرف أحسن من غيره. سواء أكان ذلك الغير الذي هو المفضّل عليه تركه أم تصرفا آخر» فإذا فرض كون التصرف البيعي أحسن من إبقاء مال اليتيم الذي هو ترك البيع كان إبقاؤه حراما ، إذ المفروض كون بيعه أحسن من غيره ، سواء أكان ذلك الغير إبقاء أم تصرفا كالإجارة والقرض والمضاربة وغيرها.

(١) وهو الذي أفاده في (ص ٢٥٠) بقوله : «الثالث : ما يعدّ تصرّفا عرفا كالاقتراض».

(٢) أي : الاحتمال الثاني من الاحتمالين المتطرقين في الاحتمال الأوّل ، وهو قوله : «ويحتمل أن يراد ظاهره وهو الأحسن مطلقا من تركه ومن غيره من التصرفات».

(٣) وهو أن يكون المفضّل عليه أعم من تركه ومن غيره من الأضداد الوجودية.

(٤) أي : وحين كون القرب بمعنى التصرف وكون الأحسن بمعنى التفضيل المطلق ، فإذا .. إلخ. وغرضه بيان ما يتفرع على الاستظهار من الكلمتين ، وحاصله : أنّه إذا اقتضت المصلحة بيع مال اليتيم ، فبيع بعشرة دراهم ، وفرض عدم التفاوت بحال اليتيم بين إبقاء الدراهم وبين تبديلها بدينار ، وأراد الولي إبدالها بدينار ، لم يجز هذا التبديل ، لأنّه تصرف ليس أصلح من تركه. إذ المفروض عدم التفاوت لليتيم بين الدراهم والدينار.

(٥) وهو جعل الدراهم العشرة دينارا ، وقوله : «لأنّ» تعليل لعدم جواز تبديل الدراهم بدينار ، وقد مرّ تقريبه بقولنا : «لأنّه تصرف وليس أصلح من تركه .. إلخ».

(٦) وصلية ، وكأنّه دفع توهم ، وهو : أنّه إذا كان بيع مال اليتيم بالدينار من أوّل الأمر جائزا ، فلا مانع من جعل مال اليتيم دينارا في المعاملة الثانية أيضا. هذا

٢٥٥

يجوز لنا من أوّل الأمر بيع المال بالدينار ، لفرض (١) عدم التفاوت بين الدراهم والدينار بعد تعلّق المصلحة بجعل المال نقدا.

أمّا (٢) لو جعلنا الحسن بمعنى ما لا مفسدة فيه (٣) ، فيجوز.

وكذا (٤) لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع ، لأنّا إذا فرضنا أنّ القرب يعمّ إبقاء

______________________________________________________

هذا تقريب التوهم.

وأمّا دفعه فهو : أنّ المصلحة اقتضت تبديل مال اليتيم الذي كان عروضا بالدراهم. وأمّا تبديل الدراهم بالدينار فليس فيه مصلحة ، فلا يجوز ، لأنّه أيضا معاملة جارية في مال اليتيم يتوقف صحتها على المصلحة ، والمفروض عدمها ، لما مرّ من مساواة الدينار والدراهم. وعدم التفاوت بينهما لليتيم.

(١) تعليل لجواز بيع المال ابتداء بالدينار ، وحاصله : وجود المصلحة في تبديل العروض بالنقد ، وهو الجامع بين الدرهم والدينار فيجوز. وبعد حصول التبديل بأحد الفردين ـ وهي الدراهم ـ وعدم المصلحة في تبديل هذا الفرد من جامع النقد بفرده الآخر وهو الدينار لا يجوز هذا التبديل الثاني الذي هو معاملة جديدة ، لتوقف صحتها على المصلحة المفقودة بالفرض.

(٢) غرضه أنّه يجوز تبديل الدراهم بالدينار بناء على جعل «الحسن» بمعنى ما لا مفسدة فيه ، بداهة أنّه يجوز تبديل الدراهم بالدينار في المثال المذكور ، فيجوز التبديل حينئذ.

(٣) وهو ما أفاده بقوله في (ص ٢٥٤) :«ويحتمل أن يراد به ما لا مفسدة فيه».

(٤) يعني : وكذا يجوز تبديل الدراهم العشرة بالدينار بناء على جعل «القرب» بالمعنى الرابع ، وهو مطلق الأمر الاختياري المتعلّق بمال اليتيم. والوجه في ذلك تعليله بقوله : «لأنّا إذا فرضنا ..».

وحاصله : أن القرب حسب الفرض يعمّ إبقاء مال اليتيم على حاله ، كما هو مقتضى الاحتمال الرابع من محتملات القرب ، فيجوز تبديل الدراهم بالدينار ، إذ المفروض كون «الأحسن» جعل المال العروض نقدا ، من غير فرق بين فرديه وهما الدينار

٢٥٦

مال اليتيم على حاله كما هو الاحتمال الرابع (١) ، فيجوز (٢) التصرّف المذكور (٣) ، إذ (٤) بعد كون «الأحسن» هو جعل مال اليتيم نقدا ، فكما أنّه مخيّر في الابتداء (٥) بين جعله دراهم أو دينارا ، لأنّ (٦) القدر المشترك (٧) أحسن من غيره ، وأحد الفردين فيه (٨) لا مزيّة لأحدهما (٩) على الآخر ، فيخيّر ، فكذلك (١٠ بعد جعله دراهم إذا كان كلّ من

______________________________________________________

والدرهم. ولذا كان الولي من أوّل الأمر مخيّرا بين بيع مال اليتيم بالدرهم أو الدينار. وهذا التخيير باق بعد التبديل بالدرهم ، فيجوز حينئذ بيع الدراهم بالدينار ، لعدم تفاوت في تبديل مال اليتيم بين الدراهم والدينار.

(١) وهو كل أمر اختياري متعلّق بمال اليتيم ، سواء أكان فعلا أم تركا ، وهو إبقاء المال على حاله من دون تعلق فعل اختياري منه بالمال ، فالتبديل بالدينار إبقاء مال اليتيم ـ وهو النقد المشترك بين الدراهم والدينار ـ بحاله.

(٢) جواب الشرط في «إذا فرضنا».

(٣) وهو تبديل الدراهم بالدينار.

(٤) تعليل لجواز التصرف المذكور ، وقد اتّضح بقولنا : إذ المفروض كون الأحسن .. إلخ.

(٥) وهو بيع المال العروض بالدراهم.

(٦) تعليل لقوله : «فكما أنّه مخيّر في الابتداء».

(٧) المراد به النقد الجامع بين الدرهم والدينار ، فإنّ هذا القدر المشترك أحسن من غيره ، أي من غير القدر المشترك أعني به بيع العروض بمثله لا بالنقد.

(٨) أي : في القدر المشترك ، وهو عنوان النقد ، فإنّه لا مزيّة لأحد فرديه ـ وهما الدرهم والدينار ـ على الآخر.

(٩) كذا في النسخ ، والأولى تبديله ب «له».

(١٠) هذا معادل قوله : «فكما أنّه مخير» يعني : فكما أنّ الوليّ مخيّر في الابتداء ، فكذلك بعد جعل المال العروض دراهم ، إذا كان كلّ من إبقاء الدراهم وإبدالها بالدينار مصداقا للقرب بمعناه الرابع المتقدّم.

٢٥٧

إبقاء الدراهم على حالها وجعلها دينارا قربا (١) ، والقدر (٢) المشترك أحسن من غيره ، فأحد (٣) [وأحد] الفردين لا مزيّة فيه على الآخر ، فهو مخيّر بينهما (٤).

والحاصل (٥) أنّه كلّما يفرض التخيير بين تصرّفين في الابتداء ، لكون القدر المشترك (٦) بينهما أحسن ، وعدم (٧) مزيّة لأحد الفردين ، تحقّق (٨) التخيير لأجل ذلك

______________________________________________________

(١) أي : قربا بالمعنى الرابع ، وهو تعلق كل أمر اختياري بمال اليتيم وإن كان تركا كإبقاء مال اليتيم بحاله.

(٢) معطوف على «كل» يعني : وكان القدر المشترك بين الدراهم والدينار أحسن من غيره.

(٣) كذا في نسختنا ، وفي بعض النسخ «وأحد» وهو أولى ، لكونه تتمة لأحسنيّة القدر المشترك ، لا نتيجة له ، وإنّما نتيجته قوله : «فهو مخيّر».

(٤) أي : بين الفردين من طبيعة النقد ، وهما الدراهم والدينار.

(٥) هذا خلاصة ما تقدم من استظهار الاحتمال الثالث أو الرابع في القرب ، واستظهار التفضيل المطلق في «الأحسن».

يعني : وحاصل الكلام في مثل بيع الدراهم بالدينار هو : أن أحسنية الجامع بين الفردين مع تساويهما ـ وعدم مزية لأحد فرديه على الآخر ـ كما توجب التخيير ابتداء بين الفردين ، كذلك توجبه استدامة.

فعلى هذا يجوز بيع الدراهم ـ التي كانت ثمنا لبيع المال العروض ـ بالدينار ، لكون الدينار فردا لطبيعة النقد التي كانت أحسن في بيع العروض بالدراهم. فأحسنية الجامع توجب استمرار التخيير وبقاءه. حتى بعد بيع العروض بالدراهم.

(٦) وهو جامع النقد المشترك بين الدراهم والدينار الذي كان بيع المال العروض به أحسن من بيعه بغير النقد.

(٧) معطوف على «لكون» يعني : لأحسنية القدر المشترك ، ولعدم مزية أحد فردي الجامع حتى يمنع ذلك عن التخيير.

(٨) جواب «كلما» يعني : تحقّق التخيير لأجل عدم المزية لأحد الفردين استدامة.

٢٥٨

استدامة (١) ، فيجوز العدول من أحدهما بعد فعله (٢) إلى الآخر إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم ، وإن كان فيه (٣) نفع يعود إلى المتصرّف.

لكن (٤) الإنصاف أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث ، وإن (٥) كان الذي يقتضيه التدبّر (*) في غرض الشارع ومقصوده

______________________________________________________

(١) أي : من حيث الاستدامة ، فهو تمييز ل «التخيير».

(٢) أي : بعد فعل أحدهما. والأولى أن يقال : بعد البيع به إلى الآخر إذا كان العدول من أحد الفردين كالدراهم إلى الفرد الآخر كالدينار مساويا لبقاء مال اليتيم ، بمعنى عدم تفاوت حال اليتيم بين تبديل ماله بالدراهم أو الدينار.

(٣) يعني : وإن كان في العدول عن أحد الفردين نفع يعود إلى المتصرف ، وهو المشتري للدراهم. كما إذا كان اشتراء متاع بالدراهم ذا ربح كثير.

(٤) استدراك على قوله : «وكذا لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع» وحاصله : أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث الذي يقتضيه مناسبة الحكم للموضوع.

وعليه فالظاهر من احتمالات القرب هو المعنى الثالث أعني به التصرف العرفي.

(٥) وصليّة ، وقوله : «الذي» اسم «كان» وخبره جملة : «أن لا يختاروا» وغرضه : أنّ المعنى الرابع للقرب وإن كان مرجوحا في نظر العرف ، لكنّه قريب بالنظر إلى غرض الشارع ومقصوده في التصرف في مال اليتيم ، فغرض الشارع أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم شيئا من الفعل والترك إلّا ما كان أحسن من غيره.

فيستفاد من قول المصنف قدس‌سره «وان كان الذي يقتضيه التدبر .. إلخ» ميلة إلى المعنى الرابع من معاني القرب ، لموافقته لغرض الشارع بعد أن جعله مرجوحا في نظر العرف.

__________________

(*) لكن مجرد هذا التدبر لا يوجب المصير إلى المعنى الرابع ما لم يكن اللفظ ظاهرا فيه عرفا ، إلّا إذا قام دليل على ذلك ، ولو كان ذلك قرينة عقلية حافّة بالكلام.

٢٥٩

من مثل هذا الكلام (١) أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم إلّا ما كان أحسن من غيره.

نعم (٢) ، ربما يظهر من بعض الروايات أنّ مناط حرمة التصرّف هو الضرر ، لا أنّ مناط الجواز هو النفع.

ففي حسنة الكاهلي ، قال (٣) لأبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّا لندخل (٤) على أخ لنا في بيت أيتام ، ومعه خادم لهم ، فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم (٥) ، وربما طعمنا فيه (٦) الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ قال عليه‌السلام (٧) : إن كان في دخولكم عليهم (٨) منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان فيه

______________________________________________________

(١) وهو قوله سبحانه (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فعلى هذا يكون غرض الشارع ومقصوده المعنى الرابع للقرب.

(٢) استدراك على ما مال إليه من اعتبار المصلحة ـ وهي التفضيل المطلق ـ في مال اليتيم ، وعدول عنه ، واختيار للمعنى الثاني من معاني القرب ، وهو اعتبار عدم المفسدة.

والوجه في هذا الاستدراك هو ما يظهر من بعض الروايات كحسنة الكاهلي ورواية ابن المغيرة من كون مناط حرمة التصرف في مال اليتيم هو الضرر ، فجواز التصرف منوط بعدم المفسدة لا وجود المصلحة.

(٣) كذا في نسختنا ، ولكن في الوسائل : «قال : قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام».

(٤) كذا في نسختنا ، وفي الوسائل : «ندخل».

(٥) هذا الضمير وضمائر «لهم ، بساطهم ، مائهم» راجعة إلى «أيتام».

(٦) أي : في بيت الأيتام ، وضمير «وفيه» راجع الى الطعام ، يعني : وفي طعام صاحبنا شي‌ء من طعام الأيتام.

(٧) كذا في النسخة ، وفي الوسائل : «فقال».

(٨) أي : إن كان في دخولكم على الأيتام منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان في دخولكم على الأيتام ضرر عليهم ففيه بأس.

٢٦٠