هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

إنّك قد عرفت (١) أنّ ولاية غير الحاكم لا تثبت إلّا في مقام يكون عموم (٢) عقلي (٣) أو نقلي (٤) يدلّ (٥) على رجحان التصدّي لذلك المعروف. أو يكون (٦) هناك دليل خاصّ يدلّ عليه (٧).

فما ورد (٨) فيه نصّ خاصّ اتّبع ذلك النصّ عموما (٩) أو خصوصا (١٠ ، فقد يشمل الفاسق ، وقد لا يشمل.

______________________________________________________

ففيه بحثان : الأوّل في تكليف الفاسق في عمل نفسه ، وأنّه هل يكون مأذونا من الشارع في التصدّي أم لا؟

والثاني : في حكم فعل الغير المترتب على فعل الفاسق. وسيأتي بيانهما إن شاء الله تعالى.

(١) في قوله في (ص ٢٠٤) : «نعم لو فرض المعروف» إلى قوله في (ص ٢٠٨) : «وبالجملة : تصرف غير الحاكم يحتاج إلى نصّ عقلي أو عموم شرعي ، أو خصوص في مورد جزئي».

(٢) هذا إشارة إلى ما تقدّم توضيحه بقولنا : «ثانيهما أن يدل ..».

(٣) كلزوم حفظ النفس المحترمة من الهلاك ، كبيرا كان أو صغيرا ، توقّف على التصرف في مال الغير أم لا ، عادلا كان الحافظ أم فاسقا.

(٤) كالآية الشريفة ، وما روي من : أنّ كل معروف صدقة.

(٥) خبر قوله : «يكون» أي : يكون العموم دالّا على رجحان التصدّي .. إلخ.

(٦) معطوف على قوله : «يكون» وهذا إشارة الى ما تقدم بقولنا : «أحدهما : أن يدلّ دليل خاص ..» وإنّما قدّمناه في التوضيح ـ مع تأخر ذكره في المتن ـ لأجل وضوح حكمه ، وعدم بسط المقال فيه ، كما سيظهر في المتن.

(٧) الضمير راجع إلى «ولاية» فالأولى تأنيثه ، أو إرجاعه إلى : تولّي غير الحاكم.

(٨) هذا بيان حكم ما إذا ورد دليل ـ في واقعة خاصة ـ على التولية.

(٩) المراد به عمومه للعدل وغيره ، بقرينة قوله : «فقد يشمل الفاسق».

(١٠) أي : اختصاص الدليل الوارد بالعدل ، بقرينة قوله : «وقد لا يشمل».

٢٢١

وأمّا (١) ما ورد فيه العموم (٢) فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق (٣) وتكليفه (٤) بالنسبة إلى نفسه ، وأنّه (٥) هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا؟ وقد (٦) يكون بالنسبة إلى ما يتعلّق من فعله (٧) بفعل غيره إذا لم يعلم (٨) وقوعه على وجه المصلحة ، كالشراء (٩) منه مثلا.

أمّا الأوّل (١٠ ، فالظاهر جوازه ، وأنّ العدالة ليست معتبرة في منصب

______________________________________________________

(١) معطوف على «فما ورد». وضمير «فيه» في الموضعين راجع الى الموصول المراد به «المعروف».

(٢) كآية التعاون ، و «كل معروف صدقة» و «عون الضعيف من أفضل الصدقة».

(٣) هذا إشارة إلى البحث الأوّل ، وهو تكليف الفاسق بالنسبة إلى عمل نفسه ، كجواز أن يصلّي على الميت.

(٤) هذا الضمير وضميرا «نفسه ، يكون» راجعة إلى الفاسق.

(٥) معطوف على «جواز» ومفسّر له ، والضمير للشأن ، ويمكن رجوعه الى الفاسق.

(٦) معطوف على «قد يقع» والأولى بالنظر إلى سوق البيان إبدال «يكون» ب «يقع».

وكيف كان فهذا إشارة إلى البحث الثاني ، وهو ترتب فعل الغير على فعل الفاسق الذي لم يعلم وقوعه على وجه المصلحة ، كالشراء من الفاسق.

(٧) أي : فعل الفاسق كالبيع المتعلّق بفعل غيره ، وهو الشراء.

(٨) أي : لم يعلم الغير وقوع فعل الفاسق على وجه المصلحة.

(٩) هذا مثال لفعل غيره ، كأنّه قيل : «بفعل غيره كالشراء منه».

(١٠) أي : البحث الأوّل ، وهو مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ، وحاصل ما أفاده : جواز مباشرة الفاسق بالنسبة إلى تكليف نفسه ، وعدم اعتبار عدالته في فعله المباشري ، وذلك لعموم أدلة ذلك المعروف الشامل للفاسق.

٢٢٢

المباشرة ، لعموم أدلّة فعل ذلك المعروف (١) ، ولو (٢) مثل قوله عليه‌السلام : «عون الضعيف من أفضل الصدقة» (١) ، وعموم (٣) قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢) ، ونحو (٤) ذلك.

وصحيحة (٥) محمّد بن إسماعيل السابقة ، قد عرفت (٦) أنّها محمولة على صحيحة عليّ بن رئاب المتقدّمة ، بل (٧) موثّقة زرعة وغير ذلك

______________________________________________________

(١) كالصلاة على الميّت ، التي لا تعتبر العدالة فيمن يصلّيها.

(٢) وصلية ، أي : ولو كان الدليل مثل قوله عليه‌السلام .. إلخ.

(٣) معطوف على «قوله» في : «مثل قوله».

(٤) كقوله تعالى (تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) فإنّ هذه العمومات ظاهرة في عدم اعتبار العدالة في المباشر ، فيجوز للفاسق مباشرة الفعل.

(٥) مبتدء ، خبره «قد عرفت» وهذا دفع وهم. أمّا الوهم فحاصله : أنّه كيف يجوز للفاسق التصدي للأمور التي لا تحتاج إلى إذن الفقيه؟ مع دلالة صحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدمة في (ص ٢١٠) على اعتبار العدالة ، بناء على إرادة العدالة من الوجوه الأربعة المذكورة للمماثلة.

(٦) وأمّا دفع الوهم ، فحاصله : أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل ـ بناء على إرادة العدالة من وجوه المماثلة محمولة على صحيحة علي بن رئاب. المتقدمة في (ص ٢١٥) التي أريد فيها الأمانة من العدالة.

(٧) معطوف على «صحيحة» يعني : بل يحمل صحيحة محمّد بن إسماعيل أيضا على موثقة زرعة المذكورة في (ص ٢١٧) بناء على إرادة الأمانة من كلمة «ثقة» لا إرادة الاحتمال الآخر ، وهي العدالة التي هي من وجوه المماثلة في صحيحة محمّد بن إسماعيل

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ١٠٨ ، الباب ٥٩ من أبواب جهاد العدو ، ح ٢ ، ومتن الحديث فيه «عونك للضعيف ..».

(٢) سورة الانعام ، الآية ١٥٢ ، الإسراء ، الآية ٣٤.

٢٢٣

ممّا سيأتي (١).

ولو ترتّب حكم الغير (٢) على الفعل الصحيح منه ـ كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له (٣) ـ

______________________________________________________

المتقدمة.

فالنتيجة : أنّ الشرط في تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين هو الأمانة لا العدالة.

(١) كحسنة الكابلي الآتية.

(٢) أي : غير الفاسق المتصدّي للفعل كصلاة الميت ، وحاصله : أنّه لو ترتّب حكم الغير كسقوط التكليف عنه على الفعل الصحيح الصادر عن الفاسق ، وشكّ ذلك الغير في صحّة الفعل الصادر عن الفاسق ، فالظاهر سقوط الصلاة عن الغير ، لجريان أصل الصحة في فعل الفاسق ، لأنّه مسلم.

وبيانه : أنّ مثل الصلاة على الميت واجب كفائي على المكلفين ، ويسقط بإتيان بعضهم لو صدر منه صحيحا ، فإن أحرزت الصحة بالعلم أو الاطمئنان أو بأمارة شرعية ، فلا شبهة في سقوط التكليف عن الآخرين بما أتى به الفاسق.

وإن شكّ في صحة فعله ـ مع العلم بصدوره ـ أمكن الحكم بتحقق الامتثال استنادا إلى أصالة الصحة في فعل المسلم. فيكون المقام نظير الموضوعات المركّبة التي يحرز بعض أجزائها بالوجدان ، وبعضها بالتعبد ، كالضمان المترتب على وضع اليد على مال الغير بدون رضاه ، وكان الاستيلاء معلوما ، وشك في طيب نفس المالك ، فيستصحب عدم رضاه وعدم طيب نفسه ، ويترتب عليه الحكم بالضمان.

وكذا الحال في المقام ، لفرض أنّ الفاسق صلّى على الميت ، وشكّ في صحته وفساده ، ومقتضى أصل الصحة الحكم بصحته ، ويترتب عليه سقوط التكليف الكفائي عن الآخرين.

هذا كلّه لو أحرز صدور الفعل ، وكان الشك متمحضا في صحته. وأمّا لو شك في أصل الفعل وأخبر الفاسق بالصلاة على الميت فقبول إخباره مشكل.

(٣) أي : للميت ، وضمير «منه» راجع إلى الفاسق.

٢٢٤

فالظاهر (١) سقوطها (٢) عن غيره إذا علم صدور الفعل منه وشكّ في صحته.

ولو شكّ (٣) في حدوث الفعل منه وأخبر به ، ففي قبوله إشكال (٤).

وأمّا الثاني (٥) فالظاهر اشتراط العدالة فيه ، فلا يجوز الشراء منه وإن ادّعى كون البيع مصلحة ، بل يجب أخذ المال من يده.

______________________________________________________

(١) جواب «لو» في قوله : «ولو ترتب».

(٢) أي : سقوط صلاة الميت عن غير الفاسق إذا علم الغير صدور الفعل من الفاسق ، وشكّ في صحة الفعل الصادر من الفاسق ، فإنّه يبنى على صحتها ، حملا لفعل المسلم على الصحيح.

والحاصل : أنّه لا يعتبر عدالة المباشر بالنسبة إلى فعل نفسه.

(٣) يعني : ولو شكّ الغير في صدور الفعل من الفاسق ، وأخبر الفاسق بصدور الفعل منه ، ففي قبول إخباره إشكال.

(٤) هذا الإشكال ناش من : أنّ إخباره فعل من أفعاله ، وعند الشك في الصحة ـ التي هي صدقة ـ يجب حمله على الصحة ، أي البناء على مشروعية خبره وصدقه.

ومن : أنّ إخباره نبأ ، فتشمله آية النبإ الآمرة بالتبيّن فيه. وبعد إحراز صدقة ـ أي مطابقته للواقع ـ يقبل ، ويترتب عليه أثره.

(٥) هذا إشارة إلى البحث الثاني. وهو : حكم فعل الفاسق إن كان متعلّقا بفعل غيره ، كما إذا تصدّى للأمر الحسبي كبيع مال اليتيم مع رعاية مصلحته ، فمثل هذا التصرف يتعلق بالغير ، لأن تمليك مال اليتيم بعوض منوط بتملك الغير له حتى يحلّ له التصرف فيه.

وحاصل ما أفاده في هذا البحث هو : أنّ الظاهر اشتراط العدالة فيه ، فلا يجوز شراء مال الطفل وسائر القاصرين من الفاسق وإن ادّعى كون البيع مصلحة للقاصر. وذلك لوجهين :

أحدهما : صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة في (ص ٢١٨) المتضمنة لقوله : «وقام عدل في ذلك». بل وموثقة زرعة المتقدمة في (ص ٢١٧) بناء على إرادة العدالة من الوثاقة.

٢٢٥

ويدلّ عليه (١) ـ بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدّمة ، بل (٢) وموثّقة زرعة ، بناء على إرادة العدالة من الوثاقة ـ : أنّ (٣) عموم أدلّة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنه بمجرّد تصرّف الفاسق ، فإنّ وجوب إصلاح مال اليتيم (٤) ومراعاة غبطته لا يرتفع عن الغير بمجرّد تصرّف الفاسق.

ولا يجدي هنا (٥) حمل فعل المسلم على الصحيح ،

______________________________________________________

(١) أي : على اشتراط العدالة في المتصدّي لأمور القاصرين.

(٢) أشار به إلى : أنّ في موثقة زرعة احتمالا آخر ، وهو : إرادة الوثاقة والاطمئنان لا العدالة. فالموثقة دليل على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي لأمور القاصرين بناء على إرادة العدل من الثقة.

والظاهر أنّ «بل» هنا إمّا لمجرّد العطف ، وإمّا للانتقال من دلالة الصحيحة إلى دلالة الموثقة ، فإن الانتقال من غرض إلى غرض آخر ـ لا الإبطال ـ عدّ معنى لهذا الحرف (١).

(٣) جملة «انّ» مع اسمها وخبرها مرفوعة محلّا ، لكونها فاعلا لقوله : «ويدل عليه».

وهذا ثاني وجهي اعتبار العدالة في المتصدّي لأمور القاصرين بالنسبة إلى ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح الصادر من العامل ، كسقوط صلاة الميّت عن غير المصلّي.

ومحصل هذا الوجه الثاني : أنّ الفاسق وإن جاز له التصرف بمقتضى عموم أدلة القيام بذلك المعروف ـ كبيع مال اليتيم ـ إلّا أنّه لا يسقط تكليف السائرين بإصلاح مال اليتيم بمجرّد تصرف الفاسق ، مع الشك في كون تصرفه إصلاحا لمال المولّى عليه القاصر. وأصالة الصحة لا تثبت كون التصرف إصلاحا لمال الطفل حتى يجوز للمشتري الشراء ، لأنّ الشك هنا في أصل الوجود ، لا في صحة الموجود ، حيث إنّ المأمور به هو الإصلاح الذي يكون مشكوك الوجود ، والأصل المصحّح لا يثبت أصل الوجود.

فالنتيجة : أنّ مجرد تصرف الفاسق لا يرفع التكليف عن الغير.

(٤) أو غيره من القاصرين ، فإنّ وجوب إصلاح ما لهم ثابت على الكل كفاية.

(٥) أي : بيع الفاسق وشراء الغير منه. وهذا إشارة إلى وهم ودفع.

__________________

(١) راجع مغني اللبيب ، ج ١ ، ص ١٥٢.

٢٢٦

كما في مثال الصلاة المتقدّم (١) لأنّ (٢) الواجب هناك هي صلاة صحيحة ، وقد علم صدور أصل الصلاة من الفاسق ، وإذا شكّ في صحّتها أحرزت (٣) بأصالة الصحّة.

وأمّا الحكم فيما نحن فيه (٤) ، فلم يحمل على التصرّف الصحيح ، وإنّما حمل على موضوع هو إصلاح المال ، ومراعاة الحال ، والشكّ في أصل تحقّق ذلك (٥) ، فهو (٦) كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشك فيها.

______________________________________________________

أمّا الوهم فهو : أنّ الفاسق بمقتضى إسلامه يحمل فعله على الصحيح ، كما في المثال المتقدم وهو الصلاة. وحينئذ إذا حمل بيعه على الصحيح سقط وجوب القيام بالمعروف عن العادل.

(١) في (ص ٢٢٤) بقوله : «ولو ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح منه كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له» فقوله : «كما» مثال للمنفي وهو إجداء أصالة الصحة.

(٢) هذا دفع التوهم المزبور ، ومحصّله : أنّه فرق بين الصلاة وبين إصلاح مال اليتيم ، وهو ما أشرنا إليه من : أنّ الشك في المثال المتقدم شك في صحة الموجود ، والمفروض أنّ الأثر ـ وهو السقوط عن غير الفاسق ـ منوط بصحة الصلاة. أي صلاة الميت. وصحتها تحرز بأصل الصحة في فعل المسلم ، فتسقط عن غير الفاسق.

وهذا بخلاف المقام ، فإنّ الواجب ـ وهو إصلاح مال القاصرين ـ مشكوك الوجود ، وأصالة الصحة لا تثبت الوجود ، بل تثبت وصفه وهو صحته ، ولا تثبت شيئا خارجيا كإصلاح مال القاصرين إلّا بناء على القول بالأصل المثبت.

(٣) يعني : أحرزت صحتها بأصالة الصحة الجارية في فعل المسلم.

(٤) وهو ارتفاع وجوب إصلاح مال اليتيم عن غير الفاسق ، فلم يحمل على التصرف الصحيح حتى تجري فيه أصالة الصحة ، بل حمل على موضوع وهو إصلاح المال ، والشكّ فيه شك في أصل وجوده ، فهو نظير إخبار الفاسق بأصل الصلاة مع شك الغير في صدقه. وقد تقدم في (ص ٢٢٥) الإشكال في قبوله.

(٥) أي : في تحقق الموضوع أعني به إصلاح المال الذي هو المعروف الواجب على الكل.

(٦) أي : فالشكّ في تحقق الموضوع ، وهو إصلاح المال ، كإخبار الفاسق بأصل

٢٢٧

وإن شئت قلت (١) إنّ شراء مال اليتيم لا بدّ أن يكون مصلحة له (٢) ، ولا يجوز (٣) [ولا يحرز] ذلك (٤) بأصالة صحّة البيع من البائع ، كما لو شكّ

______________________________________________________

الصلاة أي بوجودها مع شكّ الغير في وجودها في عدم حمل خبره على الصحة ، فلا يقال : إنّ ما أخبر به من وقوع الصلاة صحيح.

(١) ظاهر العبارة تقريب منع أصالة الصحة في المقام ممّا يكون حكم الغير معلّقا على موضوع الإصلاح. وتوضيحه : أنّ من يشتري من الفاسق ما بيده من مال اليتيم ـ مثلا ـ يتصرّف في هذا المال بقبوله لإنشاء البائع ، ولا بدّ من إحراز وقوع القبول على وجه يكون أصلح بحال اليتيم ، فلو شك هذا المشتري في كون هذه المعاملة أحسن بحال اليتيم لم يجده إجراء أصالة الصحة في إيجاب البائع ، لأنّها لا تثبت إلّا صحة الإيجاب صحّة تأهليّة بحيث لو لحقه القبول لترتّب عليه النقل والانتقال. وبما أن المشتري شاكّ في تحقق المصلحة في هذا العقد ـ المؤلّف من الإيجاب والقبول ـ لم يكن له سبيل إلى إحراز كون قبوله واقعا على وجه أحسن حتى يترتب عليه أثره ، وهو الحكم بحصول النقل.

هذا ما أفاده المحقق الايرواني قدس‌سره في توضيح العبارة ، وجعلها وجها آخر للمنع من التمسك بأصالة الصحة هنا ، وقال : إنّه يمنع من ترتيب الأثر في كل مقام اشترك الشرط بين اثنين ، كالنقل المنوط بصحة الإيجاب والقبول ، المفروض اشتراطهما ـ في العقد على مال اليتيم ـ برعاية المصلحة (١).

(٢) أي : لليتيم ، ولا يحرز كون شراء المال ذا مصلحة لليتيم بإجراء أصل الصحة في إيجاب البائع ، كما أنّه لا يحرز بلوغ البائع ـ عند شك المشتري فيه ـ بأصالة الصحة ، بل يجري فيه استصحاب عدم البلوغ.

(٣) كذا في نسختنا ، والظاهر كما في بعض النسخ المصححة «ولا يحرز».

(٤) أي : كون شراء مال اليتيم ذا مصلحة.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥٩.

٢٢٨

المشتري في بلوغ (١) البائع ؛ فتأمّل (٢).

نعم (٣) (*) لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير ،

______________________________________________________

(١) حيث إنّ المشكوك فيه شرط صحة البيع ، وهو بلوغ البائع ، ومن المعلوم قصور أصل الصحة عن إثباته.

(٢) لعلّه إشارة إلى الفرق بين ما نحن فيه ـ وهو الشراء من الفاسق ـ وبين الشك في بلوغ البائع. ومحصل الفرق بينهما : أنّ مجرى أصالة الصحة هو العمل الذي يشكّ في أنّ عامله هل أتى به ناقصا بمعنى أنّه ترك شيئا نسيانا من أجزائه وشرائطه أم أتى به تامّا؟ فالشك يكون في أمر اختياري له من الفعل والترك.

وأمّا إذا كان المشكوك فيه أمرا غير اختياري كالبلوغ ، فلا تجري فيه أصالة الصحة.

وعليه فلا يجري أصل الصحة في الشك في البلوغ ، بل يجري فيه استصحاب عدم البلوغ. ويجري فيما نحن فيه ، وهو البيع مع مراعاة إصلاح مال اليتيم ، فإنّه أمر اختياري للبائع ، فتجري فيه أصالة الصحة.

ويحتمل أن يكون الأمر بالتأمل إشارة إلى ما قيل : من جريان أصل الصحة في البلوغ وغيره ، كما اختاره المصنف قدس‌سره في الأصول (١).

(٣) هذا استدراك على عدم جريان أصالة الصحة في مسألة شراء مال اليتيم من

__________________

(*) لا يخفى أنّ مقتضى قوله قدس‌سره : «والشك في أصل تحقق ذلك» إلى قوله : «ولا يجوز ذلك بأصالة صحة البيع من البائع» عدم جريان أصالة الصحة فيما أفاده بقوله : «نعم ..» لأنّ كلّا من الإيجاب والقبول لا بدّ أن يكون إصلاحا للمال. فالشك في الإصلاح بالنسبة إلى كلّ من الإيجاب والقبول شك في وجود الموضوع ، فلا تجري أصالة الصحة في شي‌ء منهما.

__________________

(١) راجع فرائد الأصول ، ج ٣ ، ص ٣٦٠ ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، ١٤١٩.

٢٢٩

لم يلزم الفسخ (١) مع المشتري وأخذ (٢) الثمن من الفاسق ، لأنّ (٣) مال اليتيم الذي يجب إصلاحه وحفظه من التلف لا يعلم أنّه (٤) الثمن أو المثمن ، وأصالة صحّة المعاملة من الطرفين يحكم بالأوّل (٥) ، فتدبّر (٦).

______________________________________________________

الفاسق ، والغرض جريان أصل الصحة في مسألة أخرى ، وهي : وجدان ثمن مال الصغير في يد الفاسق ، فإنّ مقتضى أصالة الصحة ـ الجارية في بيع الفاسق مال الصغير وشرائه ـ كون مال الصغير هو الثمن ، ومال المشتري هو المثمن. فليس لشخص ثالث ـ أي ما عدا المتبايعين ـ إلزام البائع الفاسق على الفسخ مع المشتري ، وأخذ الثمن من البائع الفاسق ، واسترداد المبيع من المشتري ، ودفع الثمن إليه.

(١) لعل الأولى التعبير عن «الفسخ» بالاسترداد من المشتري ، لاختصاص الفسخ بحلّ العقد الصحيح ، إلّا أن يراد نتيجة الفسخ ، وهي استرداد المثمن من المشتري ، والأمر سهل.

(٢) معطوف على «الفسخ» يعني : لم يلزم الفسخ ، ولم يلزم أخذ الثمن من الفاسق حفظا لمال الصغير. والوجه في عدم لزوم الفسخ وأخذ الثمن من البائع الفاسق هو : أنّه لا يعلم أنّ مال اليتيم الذي يجب على الكل إصلاحه وحفظه من التلف هو المبيع الذي عند المشتري حتى يجب استرداده ، فالشبهة موضوعية لدليل وجوب إصلاح مال اليتيم.

ومعه لا وجه للاستدلال به لوجوب استرداد المبيع من المشتري ، بل مقتضى أصالة الصحة في المعاملة هو كون الثمن مال اليتيم.

(٣) تعليل لقوله : «لم يلزم الفسخ» وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «والوجه في عدم لزوم .. إلخ» ، وقوله : «لا يعلم» خبر «لأنّ».

(٤) أي : مال اليتيم. وهذا إشارة إلى كون الشبهة مصداقية ، فلا يصح الاستدلال بدليل وجوب حفظ مال اليتيم على لزوم استرداد المبيع من المشتري ودفع الثمن إليه.

(٥) وهو كون الثمن مال اليتيم.

(٦) لعله إشارة إلى الفرق بين هذه الصورة الجارية فيها أصالة الصحة ، والصورة السابقة التي لا تجري فيها أصالة الصحة.

وحاصل الفرق بينهما هو : أنّ إصلاح مال اليتيم شرط في صحة كلّ من الإيجاب والقبول ابتداء ، إذ كل منهما يتصرف في مال اليتيم بإعطاء البائع وأخذ المشتري ، ولذا

٢٣٠

ثمّ إنّه حيث ثبت جواز تصرّف المؤمنين ، فالظاهر (١) أنّه على وجه التكليف

______________________________________________________

لو وقعت المبايعة بين شخصين ، وشكّ شخص ثالث في صحتها فله إجراء أصالة الصحة في فعلهما ، بخلاف ما نحن فيه ، لعدم وقوع قبول بعد حتى يجري فيه أصل الصحة. وجريانه في الإيجاب لا يجدي ، لأنّ أثره الصحة التأهلية أي الصالحة لانضمام القبول الصحيح إليه ، لا الصحة الفعلية.

هل يجوز لبعض المؤمنين مزاحمة غيره أم لا؟

(١) هذه الجهة الرابعة من جهات البحث في مسألة ولاية عدول المؤمنين ، وهي : أنّه لو أقدم بعضهم على إنجاز فعل ـ ممّا يصدق عليه عنوان «المعروف» ـ فهل يجوز لمؤمن آخر مزاحمته ومنعه من الإقدام أم لا؟

ومحصل ما أفاده قدس‌سره : أنّ منع المزاحمة مبني على كون جواز تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين حكما وضعيّا أعني به الولاية المفوّضة من الامام عليه‌السلام أو من الفقيه. كما أن مبنى جواز المزاحمة هو ظهور الدليل في التكليف بمعنى أنّه يجب على المؤمنين القيام بالمعروف أو يستحب.

فهنا احتمالان ، واختار المصنف الثاني ، وأنّه ليس لعدول المؤمنين ولاية أصلا ، لا بعنوان النيابة ولا بعنوان آخر ، وإنّما هو تكليف محض ، فلا وجه لمنع المزاحمة أصلا.

ولعلّ وجهه تيقّنه ممّا دلّ على جواز تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين ، فإنّ الولاية خلاف الأصل ، والدليل قاصر عن إثباتها لهم. فالمتيقن هو جواز التصدّي ، إمّا وجوبا كما في الصلاة على ميّت لا وليّ له ، ونحوه ممّا وجب كفاية. وإمّا ندبا كما في التصرف في مال اليتيم بقصد الاسترباح والاستمناء له استنادا إلى كونه إعانة على البرّ ، إذ الآية ـ كما قيل ـ لا تدل على الوجوب ، بل على الجواز أو الاستحباب ، لو صدق على ذلك عنوان «الإعانة على البرّ».

وعلى هذا فجواز تصدّي عدول المؤمنين يكون في الأثر نظير ولاية الأب والجد على الصغير ، في أنّه يجوز لكلّ منهما التصرّف بما يكون صلاحا له ، فلو أراد الأب مثلا بيع

٢٣١

الوجوبيّ أو الندبيّ ، لا على وجه النيابة من حاكم الشرع ، فضلا (١) عن كونه على وجه النصب من الإمام ، فمجرّد (٢) (*) وضع العدل يده على مال اليتيم

______________________________________________________

شي‌ء من أمواله جاز للجدّ مزاحمته قبل تصدّي الأب. فكذا لو أقدم المؤمن العدل على إنجاز واقعة جاز للعدل الآخر منعه ، وتصدّي الأمر بنفسه بزعم كون فعله أصلح من فعل الغير. لما عرفت من أن دليل جواز تصدّي المؤمنين ـ تكليفا ـ يعمّ الجميع على نهج واحد ، ولا مرجّح لسبق بعضهم ، هذا.

وقد فرّع المصنف قدس‌سره فرعين على جواز المزاحمة ، وسيأتي بيانهما.

(١) يعني لا ولاية هناك بالنسبة إلى المؤمن العدل ، لا من جهة النيابة العامة عن الفقيه الجامع للشرائط الذي له الولاية ـ بناء على ولايته على الأمور الحسبية كما تقدم ـ ولا على وجه الولاية المستقلة بالنصب من قبل المعصوم عليه‌السلام.

فإن كان جواز تصدّي العدول على وجه النيابة عن الفقيه الذي هن الولي الشرعي فحكمها زوالها بموت الفقيه. وإن كان على وجه النصب من قبل الامام عليه‌السلام كان ولاية مستقلة ناشئة من النصب ، وهي باقية بعد موت الامام عليه‌السلام.

وبهذا ظهر الوجه في التعبير ب «فضلا» لأن عدم كون المؤمن العدل نائبا عن الفقيه الذي هو الولي يقتضي هنا ـ بالأولوية ـ انتفاء ولايته المستقلة من جهة كونه منصوبا من قبله عليه‌السلام.

(٢) هذا متفرع على كون تصدّيهم على وجه التكليف ، لا على وجه النيابة ، إذ

__________________

(*) الظاهر أن جواز تصدي مؤمن آخر للواقعة مع تصدي مؤمن لها قبل ذلك وعدم جواز التصدي لها ـ بناء على كون جواز تصدي المؤمنين لأمور القصّر على وجه التكليف لا على وجه النيابة ـ مبنيّ على إطلاق دليل جواز التصدي وعدمه.

فعلى الأوّل يجوز التصدي للواقعة مع تصدي مؤمن آخر لها قبله.

وعلى الثاني لا يجوز ذلك.

فمجرد كون جواز تصدي المؤمنين من باب التكليف ـ لا من باب الولاية ـ لا يوجب منع المؤمن الآخر عن التصدي للواقعة التي وضع قبله مؤمن يده عليها.

٢٣٢

لا يوجب (١) منع الآخر ومزاحمته (٢) بالبيع ونحوه.

ولو (٣) نقله بعقد جائز ، فوجد الآخر المصلحة في استرداده ، جاز الفسخ إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع (٤) ، أو بجعلهما (٥) مع جعله لليتيم [للصغير] أو مطلق وليّه من غير تخصيص بالعاقد.

______________________________________________________

لو كان على وجه الولاية والنيابة أمكن أن يقال : إنّه بمجرّد وضع يد مؤمن على الواقعة يخرج المولّى عليه عن عنوان «من لا ولي له» فلا يبقى موضوع لتصدّي مؤمن آخر للواقعة.

(١) خبر «فمجرد».

(٢) معطوف على «منع» والضمير راجع الى الآخر.

(٣) هذا أوّل الفرعين ، والأولى إبدال «الواو» بالفاء ، بأن يقال : «فلو نقله» لأنه من فروع جواز منع الآخر ومزاحمته بالبيع ونحوه. يعني : ولو نقل العدل مال اليتيم بعقد جائز ، فوجد مؤمن آخر المصلحة في استرداده ، ففي جواز الفسخ وعدمه تفصيل بين صور المسألة ، وهي :

الاولى : أن يكون تزلزل العقد لأجل الخيار المجعول بحكم الشارع كخيار المجلس والحيوان والعيب والغبن.

الثانية : أن يكون تزلزل العقد لأجل خيار الشرط الثابت بجعل المتبايعين للصغير ، أو لمطلق الوليّ عليه.

ففي هاتين الصورتين يجوز للعدل الآخر الفسخ ، لصدق «الوليّ» عليه.

الثالثة : أن يكون تزلزل البيع لأجل خيار الشرط المجعول لخصوص العاقد ، لا لمطلق الولي ، فلا يمضي فسخ العدل الآخر ، ولا يجوز استرداد مال اليتيم ممّن انتقل إليه.

(٤) كخيارات : المجلس والحيوان والعيب والغبن.

(٥) معطوف على «بأصل» يعني : أو كان الخيار ثابتا بجعل المتبايعين ، مع جعل الخيار للصغير أو لوليّه مطلقا من غير خصوصية للعاقد ، إذ مع اختصاص الخيار بالمتعاقدين أو أحدهما ـ وعدم الخيار للصغير ولا لمطلق وليّه حتى يجوز لمؤمن آخر

٢٣٣

ولو (١) [وأمّا لو] أراد بيعه من شخص وعرّضه لذلك ، جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة ، وإن كان في يد الأوّل (٢).

وبالجملة (٣) فالظاهر أنّ حكم عدول المؤمنين لا يزيد على حكم الأب والجدّ من حيث جواز التصرّف لكلّ منهما ما لم يتصرّف الآخر.

وأمّا حكّام (٤) الشرع ، فهل هم كذلك (٥)؟ فلو عيّن فقيه من يصلّي على الميّت الذي لا وليّ له ، أو من (٦) يلي أمواله ، أو وضع (٧) اليد على مال يتيم ، فهل يجوز للآخر مزاحمته أم لا؟

______________________________________________________

فسخه ـ لا وجه لجواز فسخ غيرهما ممّن لا خيار له ، ولا للصغير المولّى عليه.

(١) معطوف على قوله : «ولو نقله» وهذا ثاني الفرعين المترتبين على كون تصدّي المؤمنين من باب التكليف لا النيابة والولاية ، ومحصله : أنّه لو أراد مؤمن بيع مال اليتيم ، وعرّضه لذلك ، جاز لمؤمن آخر بيع ذلك المال من شخص آخر إذا اقتضت المصلحة ذلك وإن كان المال في يد المؤمن الأوّل.

(٢) أي : المؤمن الأوّل الذي أراد بيع مال اليتيم وعرّضه لذلك.

(٣) يعني : وخلاصة البحث ـ في مزاحمة عدول المؤمنين ـ : أنّه يجوز التصرف لكل واحد من المؤمنين ما لم يتصرف الآخر فحكم عدول المؤمنين حكم الأب والجدّ في عرضيّة الولاية.

حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر

(٤) وهم الفقهاء العدول ، فهل هم كعدول المؤمنين في جواز التصرف لكلّ منهم ما لم يتصرف الآخر؟ فتجوز المزاحمة بينهم ، أم لا؟

(٥) أي : مثل عدول المؤمنين في جواز المزاحمة ، فعليه لو عيّن فقيه مؤمنا يصلّي على ميّت لا وليّ له ، أو عيّن من يلي أموال ميّت لا وليّ له ، أو وضع اليد على مال يتيم ، فهل يجوز لفقيه آخر مزاحمة هذا الفقيه أم لا؟

(٦) معطوف على الموصول في «من يصلّي».

(٧) معطوف على «عيّن» أي : فلو وضع فقيه يده على مال يتيم .. إلخ.

٢٣٤

الذي (١) ينبغي أن يقال : إنّه إن استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدّم (٢) ، جاز المزاحمة قبل وقوع التصرّف اللازم (٣) ، لأنّ (٤) المخاطب بوجوب إرجاع الأمور إلى الحكّام هم العوامّ ، فالنهي (٥) عن المزاحمة يختصّ بهم.

______________________________________________________

(١) هذا مختار المصنف قدس‌سره في المقام ، وهو التفصيل بلحاظ دليل الولاية. ومحصّله : أنّه إن كان مستند ولاية الفقيه هو صدر التوقيع ـ أي مع الغض عن التعليل ـ وهو قوله عليه‌السلام : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» جازت المزاحمة قبل تحقق العقد الذي لا يمكن فسخه وحلّه كالبيع اللازم ، إذ مع وقوعه ينتفي الموضوع لتصرف غيره. ولا يدلّ التوقيع على حرمة مزاحمة ففيه لمثله ، لأنّ المخاطب بوجوب الرجوع إلى الرواة هم العوامّ ، فلا يجوز لهم مزاحمة الفقهاء ، بل يجب عليهم تفويض الأمر إلى الفقهاء.

والحاصل : أنّ التوقيع يدلّ على أنّ كلّ واحد من الفقهاء حجّة على العوام ، ولا يدلّ على حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر نفيا وإثباتا أصلا. وعليه فكل واحد من الفقهاء حجة على العوام في عرض واحد ، كولاية الأب والجدّ.

(٢) في (ص ١٧٢) المتضمن لقوله : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا».

(٣) التقييد ب «اللازم» لأجل انتفاء الموضوع ، كالبيع اللازم الموجب لانتقال مال الطفل إلى المشتري ، بخلاف ما لو كان التصرف جائزا كالبيع الخياري ، لبقاء موضوع المزاحمة كما تقدم في مزاحمة عدول المؤمنين بعضهم بعضا.

(٤) تعليل لجواز المزاحمة ، وحاصله : أنّ المزاحمة المنهي عنها ـ بمقتضى التوقيع ـ مختصة بالعوامّ ، ولا تشمل الحكّام.

(٥) أي : النهي عن المزاحمة للفقيه ـ كالأمر بإرجاع الوقائع إلى الفقيه ـ مختص بالعوامّ المخاطبين بقوله «عجّل الله تعالى فرجه الشريف» : «فارجعوا» فيختص النهي عن المزاحمة بهم ، فلا يجوز للعوامّ أن يزاحموا الفقهاء في الحوادث الواقعة ، بل يجب عليهم إرجاعها إليهم. وأمّا الحكام فمقتضى التوقيع المتقدم كون كلّ منهم حجة من الإمام عليه‌السلام على الخلق. نظير ولاية كلّ من الأب والجدّ على الطفل. وحيث إنّ التوقيع لا يدلّ على

٢٣٥

وأمّا الحكّام فكلّ منهم حجة من الإمام عليه‌السلام ، فلا يجب (١) (*) على كلّ واحد منهم إرجاع الأمر الحادث إلى الآخر ، فيجوز له (٢) مباشرته وإن كان الآخر دخل فيه (٣) ، ووضع يده عليه (٤). فحال كلّ منهم حال كلّ من الأب والجدّ في أنّ النافذ تصرّف السابق (**).

______________________________________________________

حكم المزاحمة جوازا ومنعا اقتضت حجية كلّ منهم جواز المزاحمة بينهم ، كجوازها للأب والجدّ.

(١) لما مرّ آنفا من أنّ المخاطب بالإرجاع هم العوامّ ، فيجوز لكلّ واحد من الفقهاء مباشرة الحادثة الواقعة ، لأنّهم المراجع في الحوادث الواقعة. وجواز المزاحمة مبنى على إطلاق دليل تصدّيهم للوقائع وعدمه. فيجوز التصدي لكلّ منهم سواء تصدّى غيره للواقعة أم لا. ومع إهمال الدليل مقتضى الأصل عدم النفوذ.

(٢) أي : لكلّ واحد من الحكام مباشرة الأمر الحادث.

(٣) أي : دخل الحاكم الآخر في الأمر الحادث قبل هذا الحاكم ، ولم يأت بالعمل تماما وأتى به الحاكم الثاني ، فالمتّبع هو حكم الحاكم الثاني. فحكم حكّام الشرع حكم الأب والجدّ في جواز المزاحمة.

والحاصل : أنّ التصرف النافذ هو التصرف التام سواء سبقه غيره بإيجاد المقدمات أم لا.

(٤) أي : على الأمر الحادث ، ولكن لم يتم العمل ، إذ مع الإتمام لا يبقى موضوع لإقدام الغير.

__________________

(*) لم يظهر وجه هذا التفريع على حجية كل واحد في ولاية عدول المؤمنين من الحكّام منه صلوات الله عليه. وإنّما المتفرع عليه هو قوله : «فيجوز له مباشرته» لأنّ أثر حجية كلّ منهم جواز تصدّي كلّ واحد منهم للواقعة ، لا عدم وجوب إرجاع كلّ واحد منهم الواقعة إلى الآخر. نعم لازم هذا الجواز عدم وجوب إرجاع كلّ منهم الحادثة إلى آخر.

(**) لعلّ الأولى إبدال العبارة هكذا : «تصرف الآتي بتمام الواقعة ، سواء سبقه غيره أم لحقه بإيجاد المقدمات أم لا» إذ لو لم يكن تصرف السابق تامّا ـ أي : لم يأت بتمام الواقعة ،

٢٣٦

ولا عبرة (١) بدخول الآخر في مقدّمات ذلك وبنائه (٢) على ما يغاير تصرّف الآخر. كما يجوز (٣) لأحد الحاكمين تصدّي المرافعة قبل حكم الآخر ، وإن حضر المترافعان عنده ، وأحضر الشهود ، وبنى على الحكم (٤).

وأمّا (٥) لو استندنا في ذلك إلى عمومات النيابة ، وأنّ فعل الفقيه كفعل

______________________________________________________

(١) لأنّه بعد إتمام الواقعة ينتفي موضوع الولاية لغيره ، فلا أثر لما أتى به من المقدمات.

(٢) معطوف على «دخول» وضميره راجع إلى «الآخر».

(٣) هذا معادل قوله : «فيجوز له مباشرته» ولكن لم يظهر مغايرته لما قبله ، لأنّ المستفاد من كليهما واحد ، وهو تصدّي أحد الحاكمين للحكم وإن شرع الآخر في مقدمات الحكم من إحضار المترافعين والشهود. ولا بدّ من التأمل في العبارتين حتى يظهر مراده قدس‌سره منهما.

(٤) ولم يحكم بعد ، وحينئذ حكم الحاكم الآخر ، وهذا الحكم نافذ.

(٥) هذا معادل قوله : «إن استندنا في ولاية الفقيه إلخ» وحاصله : أنّ الظاهر حرمة المزاحمة إن استندنا في ولاية الفقيه إلى عمومات النيابة (١) نظير «العلماء ورثة الأنبياء» و «العلماء أمناء الرسل» و «مجاري الأمور بيد العلماء» وغيرها ، وأنّ فعل الفقيه كفعل الإمام ونظره كنظره ، في عدم جواز التعدي عنه ، لكونه مرجعا في الأمور الحادثة. وذلك بشهادة جعل رواة الحديث حججا من قبله ، لا من قبله تعالى ، إذ لم يقل : «فإنهم حجج الله» فإضافة حجية الفقهاء الى نفسه المقدسة تقتضي كون الفقيه كالإمام في حرمة

__________________

وأتى بتمامها غيره ـ كان النافذ عمل المؤمن الآتي بتمامه ، ولا أثر للمقدمات التي أتى بها غيره ، ولم يتمّ الواقعة.

__________________

(١) المتقدمة مع مصادرها في ص ١٥٤ ـ ١٥٩.

٢٣٧

الإمام ، ونظره (١) كنظره الذي لا يجوز التعدّي عنه ـ لا (٢) من حيث ثبوت الولاية

______________________________________________________

مزاحمة أحد له.

وعليه فلا تجوز مزاحمة الفقيه الذي دخل في مقدمات التصرف ولكن لم يتصرف بعد ، لأنّ دخوله في المقدمات ـ كدخول الامام عليه‌السلام فيها ـ في عدم جواز المزاحمة. فأدلة النيابة لا تشمل التصرف المزاحم لتصرفه عليه‌السلام ، بل يعدّ ردّا له عليه‌السلام ، وهو حرام ، لأنّ الرّاد عليه كالرّاد على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله.

(١) معطوف على «فعل الفقيه» يعني : وأنّ نظر الفقيه كنظر الإمام عليه‌السلام الذي لا يجوز التعدي عنه.

(٢) يعني : ليس منشأ عدم جواز مزاحمة الحكام هو ثبوت ولاية الفقيه على الأنفس والأموال حتى يقال بعدم ثبوتها له ، ونتيجة عدم ثبوتها جواز المزاحمة. وتوضيح ما أفاده : أن مستند ولاية الفقيه إن كان عمومات النيابة عن المعصوم عليه‌السلام وتنزيل فعله منزلة فعله عليه‌السلام ففيه احتمالان :

أحدهما : نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام في ولايته على الأموال والأنفس ، يعني : أن مثل قوله عليه‌السلام «مجاري الأمور بيد العلماء» يدلّ على نيابة العالم عن المعصوم في ولايته المطلقة إلّا ما أخرجه الدليل. وهذا الاحتمال قد تقدم في بحث ولاية الفقيه منعه ؛ لقوله هناك : «لكن الانصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها الجزم بأنّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية ، لا كونهم كالنبي والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين في كونهم أولى الناس في أموالهم» فلاحظ (ص ١٦٠).

ثانيهما : نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام بمعنى لزوم إرجاع الأمور العامة والحوادث إلى الفقيه على ما يستفاد من التعليل بقوله عليه‌السلام : «فإنّهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله» وليس معنى حجيّة الفقهاء من قبله عليه‌السلام ولايتهم على الأموال والأنفس. وبناء على هذا الاحتمال يقال بمنع المزاحمة.

والمتحصل : أنّ الاستناد هنا إلى عمومات النيابة ليس عدولا عمّا تقدم في بحث

٢٣٨

له (١) على الأنفس والأموال حتّى يقال : إنّه قد تقدّم عدم ثبوت عموم يدلّ على النيابة في ذلك (٢). بل (٣) من حيث وجوب إرجاع الأمور الحادثة إليه المستفاد (٤) من تعليل الرجوع فيها إلى الفقيه بكونه حجة منه عليه‌السلام على الناس ـ

______________________________________________________

ولاية الفقيه من منع الولاية المطلقة. ووجه عدم كونه عدولا : أنّ لعموم النيابة احتمالين ، والممنوع هو الاحتمال الأوّل ، دون الثاني.

وعليه نقول : إنّ عمومات النيابة تقتضي منع مزاحمة فقيه لمثله.

(١) أي : للفقيه.

(٢) أي : في المذكور من الأنفس والأموال.

(٣) معطوف على «لا» فكأنّه قال : «ونظره كنظره عليه‌السلام الذي لا يجوز التعدي عنه ، وذلك لوجوب إرجاع الحوادث .. إلخ».

(٤) نعت ل «وجوب» وحاصله : أنّ وجوب إرجاع الوقائع الحادثة إلى الفقيه يستفاد من التعليل له بقوله عليه‌السلام : «فإنّهم حجّتي عليكم» حيث إنّه يدلّ على وجوب الإرجاع إليه عليه‌السلام ابتداء ، ثم إلى من جعله حجة من قبله للمرجعية ، وهم الفقهاء الإمامية أيّدهم الله تعالى ، وشكر مساعيهم.

فإن قلت : إنّ استناد المصنف قدس‌سره إلى التوقيع على كلّ واحد من التقديرين ـ وهما استفادة عموم النيابة من التوقيع ، واستفادته من سائر أدلة ولاية الفقيه الّتي من جملتها التعليل الوارد في التوقيع ـ لا يخلو من تناف ، فإنّ مدلول التوقيع واحد لا تعدد فيه ، فإمّا أن يستند إليه في الفرض الأوّل الذي جوّز مزاحمة الفقهاء فيه ، وإمّا في الفرض الثاني الذي منع من تزاحمهم.

قلت : لا تنافي في كلام المصنف ظاهرا ، وذلك لأنّ غرضه من قوله : «ان استندنا الى مثل التوقيع المتقدم» هو صدر التوقيع الآمر للعوام بإرجاع الحوادث إلى رواة الحديث. كما أنّ غرضه من قوله : «وأما لو استندنا» هو التعليل. ولا مانع من اشتمال كل جملة من التوقيع على أمر غير ما يتكفله الجملة الأخرى.

٢٣٩

فالظاهر (١) عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر ، ووضع يده عليه ، وبنى فيه (٢) بحسب نظره على (٣) تصرّف وإن لم يفعل نفس ذلك التصرّف ،

______________________________________________________

هذا ما أفاده الفقيه المامقاني قدس‌سره لدفع التنافي (١) (*). ويرتفع به شبهة المنافاة بين قوله : «ان استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدم» وبين قوله : «المستفاد من تعليل الرجوع فيها الى الفقيه بكونه حجّة منه عليه‌السلام على الناس».

فما في حاشية العلامة الشهيدي قدس‌سره من «أن نظر المصنف في عمومات النيابة ليس إلى التوقيع كما قد يتوهم» (٢). غير ظاهر جدّا ، لعدم ذكر التعليل في ما عدا التوقيع ، فلا بدّ من حلّ التنافي بما أفاده في غاية الآمال ، فلاحظ وتدبّر.

(١) جواب «أمّا» في قوله : «وأمّا لو استندنا» وحاصله : أنّه مع استناد ولاية الفقيه إلى عمومات النيابة يكون الظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي وضع يده على أمر وبنى على إنفاذه بما يقتضيه نظره.

والدليل على منع المزاحمة أمران. أحدهما : أنّ دخول الفقيه في أمر كدخول الامام عليه‌السلام في عدم جواز المزاحمة معه. فالمستفاد من العمومات بنظر المصنف أن الفقهاء نوّاب الامام عليه‌السلام في الوقائع الحادثة ، وحكم النائب حكم المنوب عنه في عدم جواز المزاحمة.

والأمر الثاني اختلال النظام ، وسيأتي تقريبه في (ص ٢٤٤).

(٢) هذا الضمير وضمير «عليه» راجعان إلى «أمر».

(٣) متعلق بقوله : «بنى» والضمائر المستترة في «دخل ، وضع ، بنى» راجعة إلى الفقيه.

__________________

(*) إلّا أن يقال : إنّ هذا وإن تمّ بحسب الكبرى ، لكن تطبيقه على المقام مشكل ، من جهة أن الذيل تعليل لنفس الأمر بالرجوع إلى رواة الحديث ، المذكور في الصدر. فاستفادة حرمة المزاحمة من التعليل وسكوت الإرجاع عنها خفيّة ، ولا بدّ من مزيد التأمل.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٤٢٢.

(٢) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ، ص ٣٣٥.

٢٤٠