هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

يجوز أخذ (١) الزكوات والأخماس من الممتنع وتفريقها في أربابها (٢).

وكذا (٣) بقية وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟ فيه وجهان. وجه (٤) الجواز ما ذكرنا (٥) ، ولأنّه (٦) لو منع من (٧) ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال (٨) ، وهي مطلوبة لله تعالى.

وقال بعض متأخّري العامّة (١) : إنّ (٩) القيام بهذه المصالح (١٠)

______________________________________________________

ولايتهم هل تعمّ آخذ الزكوات والأخماس ممّن يمنعها ولا يؤدّيها إلى أهلها بلا عذر شرعي؟ أم تختص هذه الولاية بالفقيه.

(١) الموجود في نسخة القواعد المطبوعة «قبض» بدل «أخذ».

ثم إن في بعض نسخ القواعد «وصرفها» بدل «وتفريقها».

(٢) أي : أرباب الزكوات والأخماس ، وهم مستحقوها من السادة والفقراء.

(٣) يعني : وهل يجوز لعدول المؤمنين سائر وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟

(٤) في القواعد : «ووجه الجواز».

(٥) من قوله تعالى «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» وقوله عليه‌السلام : «والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل معروف صدقة».

(٦) هذا دليل ثان للجواز ، وحاصله : أنّه لو منع عدول المؤمنين من أخذ الزكوات والأخماس لفاتت مصالح صرفها ، وهي انتظام أمور معاشهم الموجب لقدرتهم على أداء وظائفهم الفردية والاجتماعية.

(٧) كلمة «من» غير موجودة في القواعد.

(٨) وهي الزكوات والأخماس ، والحال أنّ تلك المصالح مطلوبة لله تعالى شأنه.

(٩) في القواعد : «لا شك أنّ».

(١٠) وهي : انتظام أمور السادة والفقراء ، وتمكّنهم من أداء ما عليهم من الوظائف من تسديد حوائجهم المادية ، والإنفاق على من يعولونه ، وغيرهما.

__________________

(١) هو كما في هامش القواعد. عز الدين بن عبد السلام في قواعد الأحكام ، ج ١ ، ص ٨٢.

٢٠١

أهمّ (١) من ترك (٢) تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقّها ، ويصرفونها إلى غير مستحقّها.

فإن توقّع (٣) إمام يصرف ذلك في وجهه ، حفظ المتمكّن (٤) تلك الأموال (٥) إلى حين تمكّنه من صرفها إليه (٦). وإن يئس (٧) من ذلك كما في هذا الزمان (٨) ، تعيّن صرفه على الفور في مصارفه ، لما في إبقائه (٩)

______________________________________________________

(١) في بعض نسخ القواعد «أتم» بدل «أهم».

(٢) أي : من إبقاء الزكوات والأخماس بأيدي الظلمة ، وهم أرباب الأموال التي تعلّق بها الأخماس والزكوات ، فإنّ منعهما عن مستحقيهما ظلم وجور منهم على السادة والفقراء.

ثم إنّ التعبير بالأهمّ مسامحة ، لأنّ إبقاء تلك الأموال بأيدي المالكين ظلم ، لا أنّه مهمّ حتى يكون صرفها في مصارفها أهمّ. فالأولى التعبير بالمهمّ.

(٣) الظاهر ـ كما سيأتي من المصنف قدس‌سره ـ أن هذه الجملة إلى آخر العبارة كلام الشهيد لا بعض العامة.

(٤) أي : المتمكن من حفظ الأموال يحفظها إلى زمان تمكنه من صرفها إلى الإمام عليه‌السلام ، ومع اليأس من الوصول إليه عليه‌السلام ـ كما في زمان الغيبة الكبرى ـ وجب فورا صرفها في مصارفها الشرعية.

(٥) وهي الأخماس والزكوات ، وضمير «صرفها» راجع الى الأخماس والزكوات.

(٦) أي : إلى «امام» وضمير «تمكنه» راجع إلى المتمكن ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل.

(٧) معطوف على «فإن توقع» يعني : وإن يئس ولم يتوقع الوصول إلى الإمام عليه‌السلام تعيّن .. إلخ.

(٨) وهو زمان الغيبة الكبرى ، عجّل الله تعالى فرج صاحبها وجعلنا فداه.

(٩) أي : لما في إبقاء المال ـ وهو الخمس والزكاة ـ من التغرير أي : التعريض للهلاك والتلف.

٢٠٢

من (١) التغرير وحرمان مستحقّيه (٢) [مستحقه] من (٣) تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه.

ولو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتّى يصل إليهم ، ومع اليأس يتصدق بها (٤) عنهم (٥) ، وعند العامّة تصرف في المصارف العامّة (٦)» انتهى (١).

والظاهر أنّ قوله : «فإن توقّع إلى آخره» من كلام الشهيد رحمه‌الله (٧).

ولقد أجاد (٨) فيما أفاد ، إلّا أنّه لم يبيّن وجه عدم الجواز (٩).

ولعلّ وجهه (١٠ أنّ مجرّد كون هذه الأمور من «المعروف» لا ينافي اشتراطها

______________________________________________________

(١) هذا تفسير «ما» الموصول ، وقوله : «وحرمان» معطوف على التغرير.

(٢) كذا في نسختنا ، ولكن في القواعد وفي بعض نسخ الكتاب «مستحقه» بالإفراد.

(٣) متعلق ب «حرمان» يعني : وحرمان مستحقّي الخمس والزكاة من أخذهما فورا مع إلجاء حاجتهم إلى أخذهما فورا.

(٤) هذا الضمير وضميرا «حفظها ، لأربابها» راجعة إلى أموال.

(٥) أي : عن أربابها ومالكيها. وفي القواعد زيادة كلمة «ويضمن».

(٦) كبناء المساجد والمدارس والقناطر ونحوها من المصالح العامة.

(٧) يعني : لا من كلام بعض متأخري العامة ، فقوله : «فإن توقع» من تتمة قول الشهيد : «وهل يجوز أخذ الزكوات والأخماس» ووجه الظهور : أنّ توقّع إمام يصرف الحقوق الشرعية في مواردها بعيد عن مذهب العامة في الخلافة والزعامة.

(٨) يعني : أجاد الشهيد فيما أفاده من وجوب حفظ الأموال إلى زمان يمكن إيصالها إلى الإمام عليه‌السلام ، ومع عدم إمكانه ـ كما في هذا الزمان لغيبته عليه‌السلام عن أعيننا ـ تصرف في مطلق الأمور الخيرية والمصالح العامة.

(٩) أي : وجه عدم جواز أخذ الزكوات والأخماس من الممتنع ، وتفريقهما في أربابهما.

(١٠) يعني : ولعلّ وجه عدم الجواز ـ الذي لم يذكره الشهيد قدس‌سره ـ هو : أنّ مجرّد كون

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٤٠٦ ـ ٤٠٨.

٢٠٣

بوجود الإمام أو نائبه ، كما في قطع الدّعاوي ، وإقامة (١) الحدود. وكما في التجارة بمال الصغير الذي له أب وجدّ ، فإنّ كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاصّ (٢).

نعم (٣) لو فرض «المعروف» على وجه يستقلّ العقل بحسنه

______________________________________________________

الأمور المزبورة من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الإمام عليه‌السلام أو نائبه ـ ولو العامّ ـ وهو الفقيه الجامع للشرائط. لإمكان الجمع بين كون فعل معروفا في نفسه وبين إيكاله إلى نظر الإمام عليه‌السلام أو نائبه.

وعليه فيكون جمع الزكاة والحقوق الشرعية نظير فصل الخصومة وإقامة الحدود والتجارة بمال الصغير ، فإنّ هذه الأمور الثلاثة ممّا لا ريب في مطلوبيّتها شرعا ، مع اعتبار كون المتصدّي لها هو الامام عليه‌السلام أو الفقيه الجامع للشرائط. ويشك في صدق «المعروف» عليها لو صدرت من غيرهما.

ومعه لا وجه للتمسك بالدليل مع عدم إحراز الموضوع من الخارج ، لعدم تكفل الدليل الوارد بلسان القضية الحقيقية لتعيين موضوع نفسه ، وهو واضح.

(١) معطوف على «قطع» وقوله : «وكما في» معطوف على قوله : «كما في».

(٢) وهو الإمام عليه‌السلام ، والأولى تأنيث ضمير «وكوله» لرجوعه الى ما ذكره من الأمور الثلاثة من قطع الدعاوي وما بعده ، كتأنيث الضمير في «كونها ، اشتراطها» إلّا أن يرجع ضمير «وكوله» إلى المعروف والأمر سهل.

(٣) استدراك على عدم منافاة مجرّد معروفية هذه الأمور لاشتراطها بوجود الامام عليه‌السلام ، وغرضه من هذا الاستدراك استثناء صورتين ـ من موارد المعروف ـ يجوز لغير الحاكم الشرعي التصدي لهما.

الاولى : أن يكون «المعروف» من المستقلّات العقلية ، كحفظ اليتيم نفسا ومالا ، بحيث يكون رجحانه ومصلحته أهمّ من مفسدة التصرف في مال اليتيم ، ففي مثله لا يناط جواز التصدّي بإذن شخص خاصّ.

وبالجملة : إن كان المعروف من المستقلّات العقلية لا تحتاج مباشرته إلى إذن الامام عليه‌السلام ، لفرض استقلال العقل بحسنه.

٢٠٤

مطلقا (١) كحفظ اليتيم من الهلاك الّذي (٢) يعلم رجحانه (٣) على مفسدة التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، صحّ (٤) المباشرة بمقدار (٥) يندفع به الضرورة.

أو فرض (٦) على وجه يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحد. إلّا (٧) أنّه خرج

______________________________________________________

(١) يعني : سواء أكان الإمام حاضرا أم غائبا ، وأمكن الاستيذان منه أم لا.

(٢) صفة ل «حفظ».

(٣) أي : رجحان حفظ اليتيم ـ من الهلاك ـ على مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه. يعني : إذا كان حفظ اليتيم عن الهلاك منوطا ببذل ماله ، فيجوز هذا التصرف المالي ، لرجحان حفظه عن التلف على مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(٤) جواب «لو» في قوله : «لو فرض» غرضه : أنّه تصحّ المباشرة بمقدار دفع الضرورة بلا إذن أحد.

(٥) التقييد بهذا المقدار للتنبيه على أنّه مورد حكم العقل المستقل ، دون غيره.

(٦) معطوف على قوله : «لو فرض» وهذا استدراك آخر على أنّ مجرّد معروفية هذه الأمور لا ينافي اشتراطها بوجود الامام عليه‌السلام.

ومحصل هذه الصورة الثانية : أنّ «المعروف» وإن لم يكن من المستقلّات العقلية ، لورود مطلوبيّته في الخطاب الشرعي ، إلّا أنه يجوز لكلّ أحد مباشرته ، إذ يستفاد من الدليل جواز ذلك ، سواء أمكن إرجاع الواقعة إلى الإمام عليه‌السلام أو الفقيه أم لا. نعم إطلاق هذا الدليل النقلي يقيّد بما دلّ على ولاية الفقيه مع إمكان الرجوع إليه والاستيذان منه.

وبالجملة : انّ معروفية الشي‌ء المعروف لا تنافي توقفها على مباشرة شخص خاص أو إذنه. كما أنه لا تتوقف معروفيته على إذن أحد في الصورتين المتقدمتين ، وهما استقلال العقل بحسن فعل مطلقا ، ودلالة دليل المعروف على جواز تصدّيه لكلّ أحد من غير إذن شخص خاص.

(٧) استدراك على عدم الاحتياج إلى مباشرة شخص خاص أو إذنه ، ومحصله : أنّ ولاية غير الحاكم من المؤمنين لمّا كانت مترتبة على ولاية الحاكم ، فمع التمكن منه لا بدّ من الرجوع إليه حتى يباشر ذلك المعروف ، أو يأذن لغيره في التصدّي له.

٢٠٥

ما لو تمكّن من الحاكم ، حيث دلّت الأدلّة على وجوب إرجاع الأمور إليه (*) وهذا (١) كتجهيز الميّت (**) وإلّا (٢) فمجرّد كون التصرّف معروفا لا ينهض في تقييد ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال أحد أو نفسه.

ولهذا (٣) لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له

______________________________________________________

(١) أي : المعروف الذي يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحد ، كتجهيز الميّت. ولعل الأولى ذكر قوله : «وهذا كتجهيز الميّت» قبل قوله : «الا انه خرج ما لو تمكن».

(٢) أي : وإن لم يكن المعروف ممّا يستقلّ بحسنه العقل مطلقا ، أو لم يكن دليل المعروف دالّا على جواز تصدّيه لكل أحد ، لم يصلح مجرّد كون التصرف معروفا لتقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال الغير أو على نفسه. فلا بدّ في تقييد الإطلاق المزبور من كون المعروف على أحد هذين الفرضين : من استقلال العقل بالحسن مطلقا ، أو دلالة دليل المعروف على جواز تصدّيه لكل أحد.

(٣) يعني : ولأجل عدم كون مجرّد المعروف مقيّدا لإطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على أموال الناس ، لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له ، وهو مالك المبيع فضولا ، مع

__________________

(*) يمكن أن يدّعى تخصيص هذه الأدلة بدليل المعروف الدال على جواز تصدّيه لكلّ أحد ، لأخصيّته من تلك الأدلة ، فيجب الرجوع إلى الحاكم في كل معروف إلّا المعروف الذي دلّ دليله على جواز تصدّيه لكلّ أحد.

إلّا أن يقال : بحكومة تلك الأدلة على دليل ذلك المعروف ، فلا تلاحظ النسبة حينئذ بينهما.

(**) كون هذا مثالا للمعروف الذي يدلّ دليله على جواز تصدّيه لكلّ أحد مبني على عدم ولاية الوارث على تجهيز الميت ، وكونه كالأجانب في هذا التكليف.

لكن هذا الاحتمال في غاية الوهن.

إلّا أن يراد بجواز تصدّيه لكلّ أحد صورة فقدان الولي ، أو تعذر الاستيذان منه ، فإنّ جميع المؤمنين حينئذ في تجهيز الميت سواء ، من غير فرق بين الفقيه وغيره.

٢٠٦

بمجرّد كونه (١) معروفا ومصلحة ، ولا يفهم (٢) من أدلّة المعروف ولاية للفضولي على المعقود عليه (٣) ، لأنّ (٤) المعروف هو التصرّف في المال أو النفس على الوجه المأذون فيه من المالك أو العقل (٥) أو الشارع (٦) من (٧) غير جهة نفس أدلّة المعروف.

______________________________________________________

كون البيع من المعروف ومصلحة للمالك. فلو كان صرف كون البيع مصلحة للمالك كافيا في صحته ونفوذه ـ لكونه معروفا ـ لزم القول باستغناء مثل هذا البيع عن الإجازة ، بدعوى : أنّ الشارع ندب إلى كلّ ما هو معروف ، الصادق على هذا العقد الفضولي. مع أنه لا سبيل للالتزام به أصلا.

(١) أي : كون عقد الفضولي.

(٢) يعني : ولا يفهم أيضا من أدلة المعروف : ولاية للعاقد الفضولي على المعقود عليه.

(٣) وهو المال الذي عقد عليه الفضولي.

(٤) تعليل لعدم نهوض مجرد كون التصرف معروفا على تقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال غيره أو نفسه. ولعدم انفهام ولاية الفضولي على المال المعقود عليه فضولا من أدلة المعروف.

ومحصل التعليل : أنّ مجرّد التصرف ليس معروفا ، ولا دليله دالّا على جواز تصدّيه لكل أحد حتى يصلح لتقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال غيره أو نفسه. وذلك لأنّ المعروف ليس مجرّد التصرف في المال أو النفس ، بل هو التصرف المأذون فيه من قبل أحد الثلاثة : المالك أو العقل أو الشرع. فالمأذون فيه من ناحية المالك كما في عقد الفضولي ، فإنّ معروفيته منوطة بإجازة مالك المال الذي وقع عليه العقد.

(٥) كاستقلال العقل بنجاة اليتيم من الهلاك المنوطة بالتصرف في ماله أو مال غيره.

(٦) كقوله تعالى (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) وقوله عليه‌السلام : «كلّ معروف صدقة» وغيرهما.

(٧) متعلق بمحذوف وهو المأذون ، غرضه : أنّ إذن الشارع في المعروف لا بدّ أن يكون من غير أدلة المعروف ، لما مرّ آنفا من عدم دلالة دليل المعروف على ولاية التصرف لأحد على غيره.

٢٠٧

وبالجملة (١) تصرّف غير الحاكم يحتاج إلى نصّ عقليّ ، أو عموم شرعيّ ، أو خصوص في مورد جزئي (٢) ، فافهم (٣).

بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولّى المصلحة عند فقد الحاكم ، كما هو (٤) ظاهر أكثر الفتاوى ، حيث يعبّرون بعدول المؤمنين.

______________________________________________________

(١) يعني : وملخص الكلام في ولاية عدول المؤمنين : أنّ تصرف غير الحاكم الشرعي في أموال الناس منوط بنصّ عقليّ كما في المستقلات العقلية ، أو عموم شرعي كآية التعاون على البرّ والتقوى ، و «عون المؤمن» وغيرهما ممّا تقدّم في (ص ١٩٥) أو دليل خاص شرعي في مورد جزئي كتجهيز الميت.

(٢) كدليل تجهيز الميّت الدالّ على جواز التصدي لتجهيز الميت لكلّ أحد من دون توقفه على إذن شخصي.

(٣) لعله إشارة إلى : أنّ ما تقدّم في الاستدراك من قوله : «وإلّا فمجرّد كون التصرف معروفا .. إلخ» منوط بكون «المعروف» هو التصرف المأذون عقلا أو شرعا. إذ يشكل التمسك بما دلّ على فعل المعروف ، من جهة الشك في الصدق. وأما بناء على إرادة ما يراه العرف العام معروفا وحسنا عندهم ـ في قبال المنكر والقبيح بنظرهم ـ لم تتجه شبهة صدق «المعروف» على بعض الأفعال حتى مع عدم إدراك العقل حسنه ، وعدم ورود دليل شرعي خاص عليه.

اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي

(٤) أي : اشتراط العدالة في ولاية المؤمنين ظاهر أكثر الفتاوى ، لتعبيرهم بعدول المؤمنين. وهذا شروع في ثالثة جهات البحث في المسألة.

ولا يخفى أنّ في بعض العبائر «من يوثق به» كما في كلام المحقق (١) ، أو «من يوثق بدينه وأمانته» كما عبّر به المحقّق الأردبيلي قدس‌سره (٢) ، وفي بعضها «عدول المؤمنين» كما في كلام الشهيد الثاني قدس‌سره ـ في مسألة ظهور عجز الوصيّ عن العمل بالوصية وفقد الحاكم المتمكن من الضمّ إليه ـ حيث قال : «فيجب على عدول المؤمنين الانضمام إليه

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٥٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ٢٣٢.

٢٠٨

وهو (١) مقتضى الأصل (*)

______________________________________________________

ومساعدته» (١). وعبّر في موضع آخر ب «من يوثق به» مع إرادة العادل منه ، لقوله بعده : «وتطرّق محذور التصرف في مال الطفل يندفع بوصف العدالة في المتولّي المانع له من الإقدام على ما يخالف مصلحته» (٢) ونحوه كلام جمع آخر ، فراجع (٣).

(١) أي : اعتبار العدالة مقتضى الأصل الأوّلي ، وهو عدم صحة تصرفات الفاسق في مال أحد ، إذ الجاري في الشك في صحة تصرف في المال هو أصالة الفساد.

فالمراد بالأصل هو العملي ، والتمسك به منوط بعدم وفاء الأدلة الاجتهادية بشي‌ء من الاشتراط وعدمه.

ويحتمل ـ كما قيل ـ إرادة الأصل اللفظي ، مثل ما ورد بلسان العموم على حرمة التصرف في مال الغير إلّا بإذنه ، سواء أكان المالك شخصا أم جهة كالسادة والفقراء مما يتوقف على ولاية المتصرّف على تلك الجهة.

وبناء على هذا الاحتمال يكون الفارق بين الأصل وما سيأتي من صحيحة ابن بزيع هو أنّها دليل بالخصوص على عدالة المؤمن المتصرف ، بخلاف الأصل المستفاد من عموم «لا يحل».

__________________

(*) وقد يقال : إنّه مقتضى عموم قوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرء إلّا بطيب نفسه» و «لا يجوز لأحد التصرف في مال الغير إلّا بإذنه».

لكن الظاهر أنّ مورد التشبث بهما هو ما إذا كان الشك في الاذن وطيب النفس ممّن يكون إذنه وطيب نفسه دخيلين في صحة التصرف ونفوذه. وأمّا من لا يكون كذلك ، بأن كان وجود إذنه كعدمه ـ كالطفل ونحوه من القاصرين ـ فالتمسك بالخبرين لبطلان التصرف محل التأمل.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٦ ، ص ٢٥٩.

(٢) المصدر ، ص ٢٦٥.

(٣) الحدائق ج ١٨ ، ص ٣٢٣ و ٤٠٣ و ٤٤٤ ، رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٥٩ ، ج ١٠ ، ص ٣٤٨ الطبعة الحديثة ، مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٥٧ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٢ وج ٢٨ ، ص ٤٣٠.

٢٠٩

ويمكن أن يستدلّ عليه (١) ببعض الأخبار أيضا (٢).

ففي صحيحة محمد بن إسماعيل : «رجل مات من أصحابنا بغير وصية (٣) ، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد (٤) القيّم بماله ، وكان الرّجل خلّف ورثة صغارا ومتاعا وجواري. فباع عبد الحميد المتاع ، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ ، إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّة ، وكان قيامه فيها بأمر القاضي ، لأنّهنّ فروج. قال (٥) [فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام فقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ولا يوصي إلى أحد ، ويخلّف جواري ، فيقيم القاضي رجلا منّا فيبيعهنّ ، أو قال : يقوم بذلك رجل منّا ـ ، فيضعف قلبه ، لأنّهنّ فروج] (٦) ، فما ترى في ذلك؟ قال : فقال عليه‌السلام : إذا كان القيّم [به] (٧) مثلك أو [و] مثل عبد الحميد فلا بأس» (٨)

______________________________________________________

وعلى كلّ فينبغي الإمعان فيما أفاده المصنف قدس‌سره هنا وفي مسألة ولاية الأب والجد ، حيث تمسّك هناك بالأصل لنفي اعتبار العدالة ، وجعل مقتضاه هنا الاشتراط.

(١) أي : على اشتراط العدالة في ولاية المؤمنين كما هو مقتضى بعض الأخبار.

(٢) أي : كما اقتضى الأصل اشتراط العدالة.

(٣) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في الوسائل : «إنّ رجلا من أصحابنا مات ولم يوص».

(٤) كذا في الوسائل نقلا عن الكافي والتهذيب ، ولكن الموجود في زيادات التهذيب «عبد الحميد بن سالم» (١). وكذا فيه «وكان رجلا» بدل «وكان الرّجل».

(٥) في التهذيب «قال محمّد» يعني ابن بزيع ، وكذا فيه «ولم يكن» بدل «إذ لم يكن».

(٦) هذه الجملة لم ترد في عدة من نسخ الكتاب. وفي التهذيب بعد قوله : فقلت : «جعلت فداك». وفيه أيضا «فلا يوصي» بدل «ولا يوصي».

(٧) نقلا من الوسائل ومن بعض نسخ الكتاب.

(٨) أي : فلا بأس ببيع الجواري. والمستفاد من جوابه عليه‌السلام ـ لأجل مفهوم الجملة الشرطية ـ وجود البأس لو كان المتصدّي غير مماثل لابن بزيع أو لعبد الحميد ، بناء على

__________________

(١) تهذيب الأحكام ، ج ٩ ، ص ٢٤٠ ، باب من الزيادات في الوصية ، ح ٢٥.

٢١٠

الخبر (١) (١).

بناء (٢) (*) على أنّ المراد من المماثلة أمّا المماثلة في التشيّع ، أو في الوثاقة

______________________________________________________

كون المماثلة المعتبرة هي المماثلة في مجرد العدالة ، أو الوثاقة ، فلو اعتبرت المماثلة في الفقاهة والنيابة العامة عن المعصوم عليه‌السلام كانت الصحيحة نافية لولاية المؤمن العامي العدل ، وسيأتي بيان المحتملات.

(١) كذا في نسختنا المعوّل عليها ، ولا حاجة إلى هذه الكلمة ، إذ المنقول تمام الخبر لا بعضه.

(٢) قيد لقوله : «ويمكن أن يستدل عليه ببعض الأخبار» يعني : أنّ الاستدلال بهذه الصحيحة مبنيّ على المماثلة بين القيّم وبين محمّد بن إسماعيل أو عبد الحميد ، فلا بدّ من بيان المراد بهذه المماثلة ، فنقول : إنّ محتملات المماثلة أربعة :

أحدها : التشيع.

ثانيها : الوثاقة الموجبة لرعاية غبطة اليتيم وإن لم يكن القيّم شيعيّا.

ثالثها : الفقاهة.

رابعها : العدالة.

والوجه في تطرّق هذه الاحتمالات إجمال المماثلة والمشابهة ، من جهة اجتماعها في محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

__________________

(*) هذا التعبير لا يخلو من مسامحة ، إذ المقصود إثبات شرطية عدالة المؤمن ـ المتصدي للأمور الحسبية ـ بقوله عليه‌السلام : «إن كان القيّم مثلك .. فلا بأس» وهذا مبني على كون المشابهة والمماثلة في خصوص العدالة ، لأجنبية سائر المحتملات عن المدّعى.

فلعلّ الأولى أن يقال : «إنّ المماثلة تحتمل وجوها أربعة ، وبناء على إرادة العدالة يتم الاستدلال ..» والأمر سهل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٠ ، الباب ١٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ٢.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى أنّ الاستدلال منوط بكون الامام عليه‌السلام في مقام بيان الحكم الكلّي ، لا في مقام الإذن لمثل عبد الحميد في القيمومة كما هو محتمل أيضا ، لكونه من شؤون الإمامة أيضا ، إلّا أنّ المصنف أهمل هذه الجهة اتكالا على ظهور الكلام في بيان الحكم الإلهي.

ثم إن الظاهر أن عبد الحميد المنصوب قيّما هو ابن سالم العطار كما في وصايا التهذيب ، وهذا لا يعارض عدم تصريح ثقة الإسلام قدس‌سره في الكافي باسم أبيه. فلا يدور الأمر بينه وبين عبد الحميد بن سعد البجلي الكوفي الذي نقل النجاشي أن له كتابا ولكنه لم يوثق وذلك لتعيّنه هنا بتصريح شيخ الطائفة باسم أبيه كما تقدم في (ص ٢١٠).

ثم إنّ عبد الحميد بن سالم العطار ، عدّ من أصحاب الصادق والكاظم والرضا والجواد عليهم الصلاة والسلام ، وهو كوفي ثقة ، على ما يستفاد من كلام النجاشي في ترجمة ابنه محمّد ، حيث قال : «محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر ، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين ، له كتاب النوادر .. إلخ» بناء على ما يقتضيه عطف «وكان» على «روى عبد الحميد» خلافا لما يظهر من بعض من جعل التوثيق راجعا إلى محمّد (١).

وكيف كان فيكفي في إثبات وثاقته وجلالته صحيحة ابن بزيع التي جوّز الإمام الجواد عليه الصلاة والسلام فيها قيمومته ، وجعله قرينا وعدلا لابن بزيع الذي هو من الفقهاء الثقات ، ومن مشايخ الفضل بن شاذان ، وممّن له كتاب (٢).

وأمّا استبعاد بقاء عبد الحميد إلى زمان إمامة الجواد عليه‌السلام فلا وجه له ، أمّا أولا :

فلأنه لم يثبت روايته عن الامام الصادق عليه‌السلام ، بل الظاهر كما تقدم في كلام النجاشي أنه من أصحاب الكاظم عليه‌السلام.

__________________

(١) لاحظ ترجمته في معجم رجال الحديث ، ج ١٥ ، ص ٩٥ ـ ٩٦ و ١٠٠.

(٢) معجم رجال الحديث ، ج ٩ ، ص ٢٧٤ و ٢٧٥.

٢١٢

وملاحظة مصلحة اليتيم وإن لم يكن شيعيّا ، أو في الفقاهة (١) بأن يكون من نوّاب الإمام عموما في القضاء بين المسلمين ، أو في العدالة (٢).

والاحتمال الثالث (٣) مناف لإطلاق المفهوم الدالّ على ثبوت البأس مع عدم الفقيه ولو مع تعذّره. وهذا (٤) بخلاف الاحتمالات الأخر ،

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «في التشيع» كعطف «في الوثاقة» عليه.

(٢) معطوف على «في التشيع».

(٣) وهو الفقاهة. ووجه تضعيف الاحتمال الثالث هو : أنّ مفهومه وهو «إن لم يكن القيّم مثلك أو مثل عبد الحميد في الفقاهة ففيه بأس» يشمل بإطلاقه عدم وجود الفقيه. مع أنّه لا بأس حينئذ بتصدي غير الفقيه. فلا يراد هذا الاحتمال الثالث المستلزم لتقييد إطلاق المفهوم ، بأن يقال : إنّ البأس مقيّد بوجود ففيه أمكن الوصول إليه.

(٤) أي : احتمال المعنى الثالث ـ المستلزم لتقييد إطلاق المفهوم. وهو البأس بصورة التمكن من الوصول الى الفقيه ـ يكون بخلاف الاحتمالات الثلاثة الأخر ، حيث إنّ مفهومها

__________________

وثانيا : أنه لو كان عمره عند وفاة الصادق عليه‌السلام خمسا وعشرين سنة مثلا ، وكان الفاصل بين وفاة الصادق عليه‌السلام وابتداء إمامة الجواد عليه‌السلام ستا أو سبعا أو ثماني وخمسين سنة ، وأدرك شيئا من زمان إمامة الجواد عليه‌السلام ، صحّ عدّه من أصحاب الجواد عليه‌السلام ، لبلوغ عمره يومئذ حدود تسعين سنة. وهذا عمر عادي.

هذا مضافا إلى ما أفاده بعض الأعاظم قدس‌سره من أن السائل ـ وهو محمّد بن إسماعيل بن بزيع ـ سأل الإمام عليه‌السلام عن كبرى المسألة التي ابتلي بها عبد الحميد بن سالم. ومن الممكن أن السؤال كان بعد وفاة عبد الحميد بزمان (١).

وعليه فالظاهر وثاقة الرجل ، وأمّا فقاهته فلم أظفر بها في ترجمته فالمماثلة في الفقاهة غير ثابتة.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ، ج ٩ ، ص ٢٧٥.

٢١٣

فإنّ (١) البأس ثابت للفاسق أو الخائن أو المخالف (٢) وإن تعذّر غيرهم (٣) ، فتعيّن أحدها الدائر (٤) بينها ، فيجب الأخذ في مخالفة الأصل (٥)

______________________________________________________

سليم من التقييد.

والحاصل : أنّه إذا دار الأمر بين تقييد مفهوم ورفع اليد عن إطلاقه ـ كما في المعنى الثالث ـ وبين إبقاء مفهوم على إطلاقه وعدم تقييده ـ كما في الاحتمال الأوّل والثاني والرابع لمعنى المماثلة ـ تعيّن الثاني ، وهو عدم التقييد ، وإبقاء المفهوم على إطلاقه ، كما في الاحتمالات الثلاثة الأخر.

(١) هذا تعليل لبقاء المفهوم في الاحتمالات الثلاثة على إطلاقه وعدم تقييده ، وذلك لثبوت البأس في المفهوم عند فقد المماثلة. فإن كان القيّم فاسقا في قبال العادل ـ الذي هو مثل ابن بزيع أو مثل عبد الحميد ـ ففي ولايته بأس.

وإن كان خائنا في قبال كونه ثقة فكذلك ، أي في ولايته لأمور القاصرين بأس.

وإن كان مخالفا في قبال كونه شيعيّا ففي ولايته بأس.

فالبأس موجود في المفهوم على الاحتمالات الثلاثة من دون لزوم تقييده بشي‌ء. بخلاف المفهوم بناء على إرادة الفقاهة من المماثلة كما مرّ آنفا.

(٢) هذا في مقابل الشيعي ، والخائن في مقابل الثقة ، والفاسق في مقابل العادل.

(٣) أي : غير الشيعي والثقة والعادل ، وهو الفقيه. غرضه أنّه مع تعذر إرادة الفقيه من المماثلة يتعيّن أحد الثلاثة ، وهي الشيعي والثقة والعادل ، لسلامة مفهومها عن التقييد. بخلاف إرادة الفقاهة من المماثلة ، فإنّ مفهومها يقيّد بالتمكن من الفقيه ، يعني : فيه بأس مع التمكن من الفقيه ، وعدم البأس مع عدم التمكن من الفقيه.

(٤) صفة لقوله : «أحدها» وضميرا «أحدها ، بينها» راجعان إلى الاحتمالات الأخر ، وهي الثلاثة التي هي غير الفقاهة من وجوه المماثلة.

(٥) اللفظي ، والعملي إن وصلت النوبة إليه. أمّا الأوّل فهو المستفاد من مثل قوله «عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا فداه» :«لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه».

وأمّا الثاني فهو أصالة عدم ولاية أحد على غيره. أو أصالة الفساد وعدم ترتب

٢١٤

بالأخصّ (١) منها وهو العدل.

لكن (٢) الظاهر من بعض الروايات (٣) كفاية الأمانة وملاحظة مصلحة اليتيم ، فيكون (٤) مفسّرا للاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة (٥).

ففي صحيحة علي بن رئاب (٦) «رجل مات وبيني وبينه قرابة ، وترك أولادا صغارا ، ومماليك (٧) [غلمانا] وجواري ، ولم يوص ، فما ترى (٨) فيمن يشتري منهم الجارية ويتّخذها (٩) أمّ ولد؟ وما ترى في بيعهم؟

______________________________________________________

أثر على تصرفه الاعتباري من عقد أو إيقاع إن لم تجر أصالة عدم ولاية أحد على غيره.

(١) والأخصّ من تلك الاحتمالات الثلاثة الأخر هو العدل ، لأنّه شيعي وثقة ، بخلافهما ، فإنّهما أعم منه للثقة غير العادل كبعض العامة ، والشيعي غير العادل كفسّاق الشيعة.

(٢) هذا عدول من المصنف قدس‌سره عمّا أفاده ـ من اعتبار العدالة في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين ـ إلى الإكتفاء بالأمانة ، وعدم اعتبار العدالة.

(٣) وهو صحيحة علي بن رئاب وموثقة زرعة المذكورتان في المتن.

(٤) يعني : فيكون بعض الروايات مفسّرا للاحتمال الثاني وهو المماثلة في الوثاقة.

(٥) وهي صحيحة محمّد بن إسماعيل المذكورة في (ص ٢٠٥).

(٦) في الوسائل هكذا : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل ..».

(٧) هذه الكلمة غير موجودة في النسخة التي بأيدينا ، ولكن أثبتناها لوجودها في الوسائل ، بل في وصاياه زيادة كلمة «له» بعد «مماليك» واختلاف في بعض ألفاظ الرواية ، ولكن ما في المتن أقرب إلى ما نقله صاحب الوسائل في كتاب البيع.

(٨) هذا سؤال عن حكم شراء الجارية للاستيلاد ، لا للتجارة كما أنّ قوله : «وما ترى في بيعهم» سؤال عن حكم البيع من المتصدّين له.

(٩) كذا في نسختنا ، ولكن في بيع الوسائل ووصاياه «فيتخذها» بمعنى : يجعلها أمّ ولد.

٢١٥

قال (١) [فقال :] «إن كان لهم وليّ (*) يقوم بأمرهم ، باع عليهم ونظر لهم وكان (٢) مأجورا [فيهم]. قلت : فما ترى (٣) فيمن يشتري منهم الجارية ويتّخذها (٤) أمّ ولد؟ فقال (٥) لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم بأمرهم (٦) الناظر فيما يصلحهم (٧) ، وليس (٨) لهم (٩) أن يرجعوا

______________________________________________________

(١) يعني : قال علي بن رئاب : فقال الامام عليه‌السلام. ولم ترد كلمة «فقال» في نسختنا ، كما لم ترد «قال» في وصايا الوسائل. وإنّما ورد «قال فقال» في بيع الوسائل.

(٢) هذا مطابق لما في الوسائل ، وفي وصاياه «كان» بدون «الواو» ، وفي نسختنا «كان مأجورا» بحذف العاطف ، وكذا كلمة «فيهم».

(٣) كذا في نسختنا ، بالفاء وهو موافق لما في بيع الوسائل ، ولكن في الوصايا «ما ترى».

(٤) كذا في نسختنا ، ولكن في موضعين من الوسائل «فيتخذها».

(٥) هذا مطابق لما في بيع الوسائل ، وفي الوصايا «قال».

(٦) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في الموضعين من الوسائل «القيّم لهم» بدل «القيّم بأمرهم». وعلى كلّ فالظرف متعلق ب «القيّم».

(٧) المستفاد منه اعتبار المصلحة في متعلق ولايته ، وأنّ عدم المفسدة غير كافية. وهذه الجملة هي المقصودة من نقل الصحيحة للاستشهاد بها على كفاية وثاقة المؤمن المتصدّي للأمر الحسبي ، وعدم خيانته.

(٨) هذا مطابق لما في وصايا الوسائل ، وإلّا ففي البيع «فليس».

(٩) يعني : وليس للصغار ـ بعد صيرورتهم كبارا ـ أن يرجعوا ، بأن يعترضوا على القيّم فيما فعله ، وأن يبطلوا عقوده وتصرفاته.

__________________

(*) إلّا أن المراد بالوليّ فيه ظاهرا هو الولي الشرعي ، بقرينة صحة عمله مع الأجر ، إذ ليس لعمل الوليّ غير الشرعي صحة ، ومن المعلوم أنّ الولي الشرعي هو المأذون من الفقيه الشيعي. ومعه لا تصل النوبة إلى ولاية المؤمنين المتأخرة عن ولاية الفقيه ، فيخرج عمّا نحن فيه ، ويصير أجنبيّا عنه.

٢١٦

فيما فعله (١) القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم» (١) الخبر (٢).

وموثقة (٣) زرعة عن سماعة «في (٤) رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار ، من (٥) غير وصيّة ، وله خدم ومماليك (٦) كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك (٧)؟

قال : إن قام رجل ثقة قاسمهم (٨) ذلك

______________________________________________________

(١) كذا في نسخ الكتاب ، ولكن في بيع الوسائل «فيما صنع» وفي وصيته «عمّا صنع» فالموجود في المتن مخالف لما نقله صاحب الوسائل في البيع والوصايا.

(٢) لا حاجة إلى هذه الكلمة ، إذ المذكور تمام الحديث لا بعضه.

(٣) عطف على : صحيحة علي بن رئاب.

(٤) كذا في النسخ ، وفي الوسائل «سألته عن رجل» وجملتا «وله بنون ، وله خدم» حاليّتان للرجل الميّت.

(٥) متعلق بقوله : «مات» ويستفاد من هذه الموثقة الإكتفاء بالأمانة ، لقوله عليه‌السلام في الجواب : «إن قام رجل ثقة».

(٦) في بعض نسخ الكتاب زيادة «وعقر» ـ بفتح العين ـ المراد به المنزل والقصر.

ولكن الموجود في الوسائل «وعقد». والظاهر أنه ـ كصرد ـ جمع «عقدة» بمعنى الضيعة كما في بعض كتب اللغة ، ففي اللسان : «وقال ابن الأنباري : قولهم : لفلان عقدة ، العقدة عند العرب الحائط الكثير النخل ، ويقال للقرية الكثيرة النخل : عقدة ..» (٢).

وعليه فالمراد بالسؤال : أنّ الميّت ورّث عقارا وقرى معمورة.

(٧) كذا في أكثر النسخ ، ولكن في الوسائل والكافي وغيرهما زيادة كلمة«الميراث».

(٨) فالمنطوق يدل على اعتبار وثاقة من يقوم بأمر التقسيم لئلّا يجحف ، كما أن

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٦٩ ، الباب ١٥ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١ ، وج ١٣ ، ص ٤٧٤ ، الباب ٨٨ من أبواب الوصايا ، ح ١.

(٢) لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٢٩٩ ، ونحوه في مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ١٠٤.

٢١٧

كلّه فلا بأس» (١) بناء على أنّ المراد من يوثق به ويطمئنّ بفعله عرفا وإن لم يكن فيه ملكة العدالة (١) (*).

لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدلّ على اشتراط تحقّق عنوان العدالة (٢) ، قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل يموت بغير وصيّة ، وله ولد صغار

______________________________________________________

مفهوم الشرط يدل على وجود البأس في تصدّي غير الثقة والأمين.

(١) وذلك مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام : «ثقة» لأعميّة الثقة من العادل. فالمستفاد من هذه الموثقة كفاية الوثاقة في المتصدّي لأمور القاصرين.

وأما بناء على اعتبار الوثاقة في الدين ـ كما ورد في الصلاة خلف من تثق بدينه ـ فهي بمعنى العدالة ، لا أعم منها.

(٢) بعد أن أثبت كفاية الوثاقة في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين ، استدرك

__________________

(*) لكن مورد الموثقة قسمة الميراث ، لا التصرفات الأخر التي هي مورد البحث. ولعلّ للقسمة التي هي تمييز سهام المالكين خصوصية ليست في انتقال سهامهم ، فلا قطع بعدم الخصوصية حتى يصحّ التعدي عن القسمة إلى المعاملات الناقلة للسهام.

والحاصل : أنّه أخصّ من المدّعى ، للاختصاص بالقسمة.

وأمّا صحيحة علي بن رئاب فموردها وإن كان هو التصرف الاعتباري ، لكن ظاهرها كون الولي القائم بأمرهم شرعيا. فإن كان كذلك فهو أجنبي عما نحن فيه ، لكون الولي المنصوب من الفقيه الإمامي مقدّما على المؤمنين ، لتقدم ولاية الحاكم والمنصوب من قبله عليهم.

وعلى هذا فتخرج هذه الصحيحة عن مورد البحث ، وهو ولاية المؤمنين ، وتكون أجنبية عنه. فلا يناسب ترجيح الاحتمال الثاني ـ وهو الوثاقة ـ بهذه الصحيحة وموثقة زرعة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٧٤ ، الباب ٨٨ من أحكام الوصايا ، ح ٢ ، الكافي ، ج ٧ ، ص ٦٧ ، باب من مات بغير وصية وله وارث ، ح ٣.

٢١٨

وكبار ، أيحلّ شراء شي‌ء من خدمه ومتاعه من غير أن يتولّى القاضي بيع ذلك؟ فإن تولّاه قاض قد تراضوا به ولم يستخلفه (١) الخليفة (٢) ، أيطيب الشراء منه (٣) أم لا؟ قال (٤) عليه‌السلام : إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك» (٥) (١).

______________________________________________________

وقال : لكنّه يظهر من بعض النصوص اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين ، كصحيح إسماعيل بن سعد عن مولانا الرضا عليه الصلاة والسلام المذكور في المتن.

ولا يخفى أنّ هذه الصحيحة تتضمن أحكاما ثلاثة سألها إسماعيل بن سعد عن الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه ، فقال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل مات بغير وصية .. وعن الرجل يموت ..» الى آخر ما في المتن ، واقتصر المصنف على نقل السؤال الثالث المتكفل جوابه عليه‌السلام لاعتبار العدالة.

(١) كذا في النسخ ، ولكن في الكافي «ولم يستأمره» وفي الوسائل والتهذيب «ولم يستعمله» ومعناه لم يجعله خليفة أو أميرا أو عاملا.

(٢) أي : الخليفة بالحقّ ، فاللام للعهد الذهني. وكذا المراد من القاضي في قول السائل «من غير أن يتولّى القاضي».

(٣) أي : من القاضي الذي لم يستخلفه الخليفة بالحقّ ، بل تراضى الورثة بالقاضي المزبور.

(٤) كذا في النسخ ، وفي الوسائل «فقال» ، وهو الأنسب بالسؤال أوّلا والجواب ثانيا.

(٥) أي : في البيع. وهذا مورد الاستشهاد ، فإنّ هذه الصحيحة تدلّ على اعتبار العدالة في القيّم على أموال اليتيم ، وعدم كفاية مجرّد الوثاقة والأمانة فيه ، خلافا لما مرّ من الكفاية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٦٩ ، الباب ١٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١ ، الكافي ، ج ٧ ، ص ٦٧ ، باب من مات على غير وصية وله وارث صغير ، ح ١ ، تهذيب الأحكام ، ج ٩ ، ص ٢٣٩ ، باب الزيادات من الوصية ، ح ٢٠.

٢١٩

هذا ، والذي ينبغي أن يقال (١)

______________________________________________________

(١) هذا رأي المصنف قدس‌سره حول اعتبار العدالة وعدمه في ولاية المؤمن في الأمر الحسبي عند تعذر الفقيه الجامع للشرائط ، وأنّه هل يجوز للفاسق التصدي له أم لا؟ وقد عرفت إلى هنا الاستدلال على اعتبار العدالة بوجهين ، وهما الأصل والنصوص بعد الجمع بينها.

وحاصل ما أفاده : أنّه قد ظهر ممّا تقدم أنّ ولاية المؤمن ثابتة في موردين :

أحدهما : أن يدلّ دليل على تصدّي المؤمن لمورد خاصّ من موارد المعروف ، كدليل تجهيز الميت ، الشامل للعدول والفساق. ولا ريب في صحة عمل الفاسق حينئذ.

وهذا بخلاف ما لو اقتضى الدليل تصدّي خصوص العدل للأمر الحسبي ، مثل ما تقدم في صحيحة سعد من قول مولانا الامام الرضا عليه‌السلام : «فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل بذلك» لظهور مفهوم الجملة الشرطية في البأس عن نفوذ البيع لو كان البائع فاسقا. وعليه ففي مورد قيام الدليل الخاص على التصدي يكون هو المعوّل في عموم الولاية للفاسق ، أو اختصاصها بالعدل.

ثانيهما : أن يدلّ دليل عامّ على جواز قيام كلّ واحد من المكلّفين بالأمر ، سواء العدل والفاسق. وهذا العموم قد يكون شرعيا كالآية المباركة الآمرة بالإعانة على البرّ والتقوى ، وما روي من أن «كل معروف صدقة» فالإعانة على البرّ وفعل المعروف مطلوبة من الكلّ ، ويكون تصدّي غير الفقيه للموارد لأجل دخولها في هذه العمومات الشاملة للفاسق أيضا.

وقد يكون عقليّا ، كلزوم إنجاء الطفل من الهلاك حتى لو توقف على التصرف في مال الغير بدون رضاه ، لاستقلال العقل به بالنسبة إلى كلّ من العدل والفاسق.

أمّا المورد الأوّل ـ وهو نهوض دليل بالنسبة إلى مورد خاص ـ فالمتّبع نفس الدليل ، فإن كان مقتضاه مطلوبية الفعل من كلّ أحد صحّ من الفاسق أيضا. وإن كان مفاده قيام العدل به لم يصحّ من غيره.

وأمّا المورد الثاني ـ وهو العموم الدال على جواز العمل من الجميع حتى الفاسق ـ

٢٢٠