هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

الولاية على هذه (١) وغيرها ثابتة للإمام عليه‌السلام بالأدلّة المتقدّمة (٢) المختصّة به ، مثل آية أولى بالنّاس من أنفسهم (١). وقد تقدّم (٣) أنّ إثبات عموم نيابة الفقيه عنه في هذا النحو (٤) من الولاية على الناس ـ ليقتصر في الخروج عنه (٥) على ما خرج بالدليل ـ دونه خرط القتاد.

وبالجملة (٦) فهاهنا مقامان :

______________________________________________________

(١) أي : الأمور المذكورة من الحدود وتزويج الصغيرة وغيرها.

(٢) وهي الكتاب والسنة والإجماع والعقل. وهذه الولاية هي الولاية المطلقة الثابتة للإمام عليه‌السلام بالخصوص دون غيره ، فإنّها ثابتة له ، ومختصة به عليه‌السلام بمثل قوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ).

(٣) في (ص ١٦٣) بقوله : «وبالجملة فأقامه الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام إلّا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد».

لا يقال : إنّ الآية المذكورة تثبت ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومفروض الكلام هو ولاية الإمام عليه‌السلام.

فإنّه يقال : قد ثبت بالأدلة أنّ الامام كالنبيّ عليهما‌السلام في الولاية المطلقة بلا كلام ولا إشكال.

(٤) وهو الولاية العامّة كولاية الإمام عليه‌السلام على الناس حتى يكون الخروج عن عمومها محتاجا إلى الدليل الخاصّ ، كغيره من العمومات.

(٥) أي : عن عموم ولاية الفقيه الجامع للشرائط.

(٦) وحاصل الكلام : أنّ في ولاية الفقيه بالمعنى الثاني ـ وهو توقف تصرف الغير على إذنه ـ مقامين ثبوتا :

أحدهما : وجوب إيكال المعروف المأذون فيه ـ أي المعروف الذي ثبت إيجاد مشروعيته في الخارج ـ إلى الفقيه ، على ما مرّ منه في (ص ١٦٤).

__________________

(١) الأحزاب ، الآية ٦ ، وهي : «النبي أولى بالمؤمنين» لا «بالناس» كما في المتن.

١٨١

أحدهما : وجوب إيكال المعروف المأذون (*) فيه إليه (١) لتقع (٢) خصوصيّاته (٣) عن نظره ورأيه (٤) كتجهيز الميّت الذي لا وليّ له ، فإنّه يجب (٥) أن تقع خصوصيّاته (٦) ـ من (٧) تعيين الغاسل والمغسل ، وتعيين شي‌ء من تركته للكفن ، وتعيين المدفن ـ عن (٨) رأي الفقيه.

الثاني (٩) : مشروعيّة تصرّف خاصّ في نفس أو مال أو عرض.

______________________________________________________

(١) متعلق ب «إيكال» والضمير راجع الى الفقيه.

(٢) تعليل لوجوب إيكال المعروف الى الفقيه.

(٣) هذا الضمير وضمير «فيه» راجعان الى المعروف.

(٤) هذا الضمير وضمير «نظره» راجعان إلى الفقيه.

(٥) أي : يجب بمقتضى ولايته ـ أي : توقف المعروف على إذنه ـ أن تقع عن إذنه خصوصيات التجهيز الذي هو من المعروف الذي ثبتت مشروعيّة إيجاده في الخارج.

(٦) أي : خصوصيات التجهيز.

(٧) بيان ل «خصوصياته».

(٨) متعلق ب «تقع».

(٩) أي : المقام الثاني من مقامي ولاية الفقيه ثبوتا هو : استقلاله بتصرف خاص في نفس ، كإجراء حدّ أو في مال كبيع مال غائب ، أو في عرض كتزويج صغيره لا وليّ لها. والأنسب بالسياق أن يقول : «ثانيهما» في مقابل «أحدهما».

__________________

(*) لعلّ الأولى تبديله ب «المعروف المحتاج إلى إذن الفقيه» أو ب «المعروف الذي ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج» حيث إنّه مورد ولاية الفقيه ، إذ لو كان المراد بالمأذون فيه مشروعية إيجاد المعروف لغير الفقيه لم يصحّ جعله بنحو الإطلاق موردا لولاية الفقيه ، كالمستحبات من الصدقات وغيرها ممّا ليس موردا لولايته حتى يجب إيكاله إلى الفقيه ، لما مرّ مرارا من أنّ مورد ولاية الفقيه الجامع للشرائط هو كلّ معروف ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج بحيث لا يرضى الشارع بتركه ، حتى لو لم يكن فقيه وجب على المؤمنين إيجاده.

١٨٢

والثابت (١) بالتوقيع وشبهه هو الأوّل دون الثاني ، وإن كان الإفتاء في المقام الثاني بالمشروعيّة وعدمها أيضا من وظيفته (٢) ، إلّا أنّ المقصود عدم دلالة الأدلّة السابقة (٣) على المشروعيّة.

نعم (٤) لو ثبتت أدلّة النيابة عموما تمّ (٥) ما ذكر (٦).

ثمّ إنّه قد اشتهر في الألسن وتداول في بعض الكتب رواية (٧) «أنّ السلطان وليّ من لا وليّ له».

______________________________________________________

(١) هذا مقام الإثبات ، وحاصله : أنّ الثابت بأدلة ولاية الفقيه من توقيع إسحاق بن يعقوب المتقدم في (ص ١٧٢) وغيره من أدلتها هو المقام الأوّل الذي ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج ، دون المقام الثاني الذي لم تثبت مشروعيّته كذلك ، وإن كان الحكم بمشروعيّته وعدمها أيضا من وظائف الفقيه ، إلّا أنّ أدلة الولاية التي هي من أدلة الأحكام الثانوية تقصر عن الدلالة على الأحكام الأولية ، فلا بدّ من استنباط المشروعية وعدمها من أدلة أخرى.

(٢) أي : وظيفة الفقيه.

(٣) أي : أدلة ولاية الفقيه من التوقيع الرفيع وغيره.

(٤) استدراك على قوله : «إلّا أنّ المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة». وحاصل الاستدراك : أنّ أدلة النيابة إن كان لها عموم بأن تدلّ على عموم النيابة للفقيه ـ بمعنى دلالتها على أنّ كلّ ما ثبت من الولاية للإمام عليه‌السلام ثابت للفقيه ـ جاز للفقيه أن يتصرف في الأنفس والأموال والأعراض ، ولا نحتاج في إثبات مشروعيتها إلى أدلة أخرى ، بل نفس عموم أدلة النيابة كاف في إثباتها.

(٥) جواب «لو ثبتت» و «عموما» تمييز ل «ثبتت» أي : من جهة عمومها.

(٦) من مشروعية المقام الثاني من الولاية ـ وهي استقلال الفقيه بالتصرف في الأنفس والأعراض والأموال ـ بسبب عمومات أدلة الولاية.

وبالجملة : فمشروعية المقام الثاني من الولاية منوطة بعموم دليل الولاية.

(٧) فاعل «اشتهر وتداول» وهذه الرواية عدّها الفاضل النراقي قدس‌سره من أدلة ولاية الفقيه ، لقوله : «السابعة عشر ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتب الخاصة والعامة أنّه قال :

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

السلطان وليّ من لا وليّ له».

واستدلّ به في المستند على ولاية الحاكم على تزويج فاسد العقل ، فقال : «والمراد من له السلطنة ، والنائب العام كذلك» (١).

وذكره العلّامة والشهيد الثاني وغيرهما قدس‌سرهم ، واعتمد عليه في الجواهر ، فراجع (٢). قال العلّامة في أولياء العقد : «ولا نعلم خلافا بين العلماء في أنّ للسلطان ولاية تزويج فاسد العقل ، وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيده وأصحاب الرأي. لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السلطان وليّ من لا ولي له» ثم قال : «قد بيّنا أنّ المراد بالسلطان هو الإمام أو حاكم الشرع ، أو من فوّضا إليه. وليس لوليّ البلد ولاية النكاح ، لأنّ الولاية عندنا مشروطة بإذن الإمام أو نائبه».

وقال السيد العلامة المراغي قدس‌سره قدس‌سره في العناوين : «ومنها ـ أي من أدلة ولاية الفقيه ـ ما دلّ على أنّ العلماء أولياء من لا ولي له ..» (٣). ولكن لم أظفر في الكتب الفقهية ولا في إرشاد الديلمي على هذا المتن ، ولعلّه قدس‌سره ظفر بذلك أو نقله بالمعنى.

وكيف كان فلا ريب في أنّ المراد بالسلطان هو من له السلطنة الحقة على غيره ، لبدلية «اللام» عن المضاف إليه المحذوف ، وهو الله عزوجل ، فهو نظير ما تقدم في (ص ١٤٨) من التصريح بالمضاف إليه كما في رواية السكوني : «إذا حضر سلطان من سلطان الله فهو أحقّ بالصلاة عليه». ومن المعلوم أنّ جعل السلطنة للولي الجائر لا يلائم هذه الإضافة.

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٥٣٤ ، مستند الشيعة ، ج ١٦ ، ص ١٤٣ ، ووردت هذه الجملة في إرشاد القلوب للديلمي قدس‌سره في ما يراد من كلمة «الولي» فقال : «كقولهم : لا نكاح إلّا بولي ، والسلطان وليّ من لا وليّ له» وظاهر العطف صدور الجملتين من المعصوم عليه‌السلام ، فلاحظ : إرشاد القلوب ، ج ٢ ، ص ٢٥٢. ونقل عن جملة من كتب العامة كمسند احمد وسنن أبي داود والبيهقي وغيرها ، فراجع هامش المسالك والعوائد.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٥٩٢ (الحجرية) ، مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ١٤٧ ، كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ١٠ (الحجرية) ، جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ١٨٨.

(٣) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٧٠

١٨٤

وهذا (١) أيضا بعد

______________________________________________________

ولكن اختلف الفقهاء قدس‌سرهم في أنّ من له الولاية على غيره هل هو خصوص الإمام الأصل أي المعصوم عليه‌السلام ، أم عموم من له السلطنة الحقة ، فيشمل الفقيه المأمون؟ مقتضى كلام غير واحد ـ من توقف ولاية الفقيه في بعض الموارد كقبض سهم الامام عليه‌السلام من الخمس ، وتزويج البالغ غير الرشيد ونحوهما ـ هو الاختصاص. قال السيد الطباطبائي قدس‌سره : «ويزوّجهما مع فقدهما ـ أي : فقد الأب والجدّ ـ مع الغبطة إجماعا ، لأنّه ـ أي الحاكم ـ وليّهما في المال ، فيتولّى نكاحهما». ثم استدل بالنبوي ، وقال : «ويلحق به ـ أي بالسلطان ـ نوّابه لعموم أدلة النيابة» (١).

ومقتضى كلام جماعة ـ ممّن عدّ هذا الحديث دليلا على ولاية الحاكم الشرعي ـ هو الثاني ، كما استفيد من عبارة التذكرة ، والمسالك والعوائد والعناوين. وعليه فيكون للسلطان فردان :

أحدهما : الإمام المعصوم عليه‌السلام ، لكونه المصداق الأتم لمن جعلت له الولاية والسلطنة على غيره.

وثانيهما : الفقيه العادل. ومن المعلوم أنّ الاستدلال به على ولاية الفقيه ـ في ما كان للإمام المعصوم عليه‌السلام ولاية عليه ـ منوط بظهوره في الاحتمال الثاني ، هذا.

(١) ناقش المصنف قدس‌سره في الاستدلال بها الحديث بوجهين ، الأوّل : وهنها سندا ومضمونا. والثاني ظهور لفظ «السلطان» في الإمام المعصوم عليه‌السلام.

أمّا الوجه الأوّل فتوضيحه : أن سند الحديث ضعيف بالإرسال ، ومن المعلوم أنّ الاعتماد عليه منوط بانجبار ضعفه بعمل المشهور ، وهو لا يخلو من تكلّف ، لعدم انحصار ما يدلّ على ولاية الإمام عليه‌السلام في الموارد الخاصة في هذا المرسل. ومعه لا سبيل لإحراز استنادهم إليه ليندرج في موارد الجبر بالعمل ، كما استندوا إلى مثل حديث «على اليد» و «الناس مسلّطون» ونحوهما من المراسيل المعمول بها.

هذا مضافا إلى احتمال عدم كون جملة «السلطان وليّ من لا وليّ له» نصّ كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه منقول بالمعنى كبعض القواعد الفقهية المتصيّدة من النصوص ، مثل

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١١ ، ص ١٠٠.

١٨٥

الانجبار (١) سندا أو مضمونا (٢)

______________________________________________________

«من حاز ملك» ولعلّ الأصل فيها «العلماء أولياء من لا وليّ له» كما عبّر به في العناوين ، ثم نقل رواية تحف العقول ، وهي قوله عليه‌السلام : «مجاري الأمور بيد العلماء بالله».

وكلمة «العلماء» وإن كانت شاملة للفقهاء ، بل هي ظاهرة فيهم بدوا ، إلّا أنّه يحتمل قويّا اختصاصها في هذه الرواية بالمعصوم عليه‌السلام ، لما تفطّن له المحقق الخراساني قدس‌سره ، بشهادة سائر فقرات الرواية «الّتي سيقت في مقام توبيخ الناس على تفرقهم عنهم عليهم‌السلام ، حيث إنّ تفرقهم عنهم صار سببا لغصب الخلافة ، وزوالها عن أيدي من كانت مجاري الأمور بأيديهم» (١) فلاحظ تمام الخبر في تحف العقول ، وما فيه من القرينة المتصلة على إرادة أئمة الهدى عليهم‌السلام ، دون الفقهاء وتقدّم بعضه في (ص ١٥٦).

والغرض من ذلك كله : أنّه لا سبيل لإحراز صدور نفس كلمة «السلطان» منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقال بصدقه على كلّ من الامام المعصوم والفقيه العادل.

وأمّا الوجه الثاني ، فتوضيحه : أنّه ـ بعد تسليم جبر ضعف السند والمضمون ، وأنّ الصادر هو «السلطان» ـ يمنع من صدقه على الفقيه ، إذ المتبادر منه هو الإمام الأصل ، كما اعترف به غير واحد منهم صاحب الحدائق (٢) ، ولذا تمسّك صاحب الرياض لإثبات ولاية الفقيه على النكاح بما دلّ على نيابته عنه عليه‌السلام ، لا بشمول لفظ «السلطان» للحاكم. ولا أقلّ من الشك في الصدق ، ومعه لا مجال للاستدلال.

وعليه فالولاية للإمام عليه‌السلام ، وإثباتها للفقيه محتاج إلى أدلة عموم النيابة كالمقبولة وغيرها ممّا تقدم في (ص ١٦٩ ـ ١٧٠) وصرّح المصنف هناك بأنّ استفادة عموم ولاية الحاكم الشرعي منها دونها خرط القتاد.

(١) هذا إشارة إلى أوّل وجهي الإشكال في الاستدلال بالمرسلة ، وهو الوهن سندا ومضمونا.

(٢) منشأ الترديد هو الشك في كون متن الحديث نفس العبارة المذكورة ، فالحديث منقول باللفظ ، أو مضمونها ، فالحديث منقول بالمعنى.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٩٤.

(٢) الحدائق الناضرة ، ج ٢٣ ، ص ٢٣٩.

١٨٦

يحتاج (١) إلى أدلّة عموم النيابة. وقد عرفت (٢) ما يصلح أن يكون دليلا عليه ، وأنّه (٣) لا يخلو عن وهن في دلالته ، مع (٤) قطع النظر عن السند ، كما اعترف به (٥) جمال المحقّقين في باب الخمس بعد الاعتراف بأنّ المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نوّاب الإمام عليه‌السلام.

______________________________________________________

وعن بعض نسخ المتن العطف بالواو بدل «أو» فإن كان هذا صحيحا فالرواية موهونة من جهتين سندا ومضمونا. أمّا الأوّل فلأنّها مرسلة. وأمّا الثاني فلكونها منقولة بالمعنى.

(١) خبر «وهذا» وهو إشارة إلى ثاني وجهي المناقشة. وقد عرفت آنفا وجه الحاجة إلى أدلة عموم النيابة ، وأنّ الحديث على فرض اعتباره لا يدلّ على ولاية الفقيه أصلا ، بل على ولاية الإمام عليه‌السلام.

(٢) يعني : وقد عرفت في بيان أدلة ولاية الفقيه ما يصلح أن يكون دليلا على عموم ولايته وما لا يصلح لذلك.

(٣) معطوف على «ما» الموصول ، يعني : وقد عرفت أنّ ما استدلّ به على عموم نيابة الفقيه لا يخلو عن وهن في دلالته ، واستشهد المصنف قدس‌سره لهذا الوهن بكلام جمال المحققين والمحقق الكركي قدس‌سرهما.

(٤) يعني : مضافا إلى ضعف سند ما استدلّ به على الولاية العامة للفقيه.

(٥) أي : كما اعترف بما ذكر ـ من وهن الدلالة وضعف السند ـ جمال المحققين واستادهم الآقا جمال الخوانساري قدس‌سره في باب الخمس ، حيث إنّه جعل مستند المشهور من كون الفقهاء نوّابا للإمام عليه‌السلام مقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبي خديجة ، وناقش فيهما سندا ، لكنه جبر ضعف السند بعمل المشهور بهما ، فقال في المقبولة : «وبالجملة : فهذه الرواية مع ما فيها من ضعف السند قد تلقّاها الأصحاب بالقبول .. فاعتقدوا أنّ ضعفها منجبر بذلك» وكذلك جبر ضعف سند رواية أبي خديجة بعمل الأصحاب.

ثم ناقش في دلالتهما على نيابة الفقهاء عنه عليه‌السلام بقوله : «ثم إنّ غاية ما يدلّ عليه

١٨٧

ويظهر ذلك (١) من المحقّق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج (١) في مسألة جواز أخذ الفقيه أجرة أراضي الأنفال (٢) من المخالفين كما يكون ذلك (٣) للإمام عليه‌السلام إذا ظهر (٤) ، للشك (٥) في عموم النيابة.

وهو (٦) في محلّه.

______________________________________________________

الروايتان وجوب العمل بحكم الفقهاء من أصحابنا في المنازعات والخصومات. وأمّا كونهم وكلاء لهم في ضبط أموالهم وحقوقهم ـ كما توهمه عبارة الشارح ـ فلا دلالة لهما عليه ..» الى أن قال : «وللمناقشة فيها مجال ، والله يعلم» فراجع (٢).

(١) أي : يظهر من المحقق الثاني قدس‌سره أيضا الوهن في دليل عموم نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام ، قال قدس‌سره : «فإن قيل : فهل يجوز لمن استجمع صفات النيابة حال الغيبة جباية شي‌ء من ذلك ـ أي الخراج ـ قلنا : إن ثبت أنّ جهة نيابته عامّة احتمل ذلك. وإلى الآن لم نظفر بشي‌ء فيه ، وكلام الأصحاب قد يشعر بالعدم ، لأنّ هذا خاصّة الامام ..».

(٢) التي هي مال الإمام عليه‌السلام. فإن ثبت نيابة الفقيه عن الامام عليه‌السلام في كلّ ما له عليه‌السلام جاز للفقيه إيجار أرض الأنفال ـ المختصة بالإمام عليه‌السلام ـ من المخالف.

(٣) أي : جواز أخذ أجرة أراضي الأنفال ـ من المخالفين ـ للإمام عليه‌السلام.

(٤) يعني : إذا ظهر الحجة المنتظر «عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا فداه».

(٥) تعليل لوهن ما استدلّ به على ولاية الفقيه ، فإنّ هذا الوهن يوجب الشك في عموم ولايته ، الموجب للشك في جواز أخذه لاجرة أراضي الأنفال من المخالفين.

(٦) أي : الشك في عموم نيابة الفقيه المذكور في كلام المحقق الثاني في محله. وهذا أحد المواضع التي ذكر المصنف قدس‌سره فيها تردّده في الولاية العامة.

__________________

(١) كذا في نسخ الكتاب ، والمعروف تسميتها ب «قاطعة اللجاج» كما عبّر عنها المصنف غير مرة في مسألة جوائز السلطان ، طبعت ضمن رسائل المحقق الكركي ، ج ١ ، ص ٢٥٧

(٢) حاشية الروضة ، ص ٣٢٠ ، الروضة البهية ، ج ١ ، ص ١٨٣ ، طبعة عبد الرحيم.

١٨٨

ثمّ (١) إنّ قوله عليه‌السلام : «من لا وليّ له» في المرسلة المذكورة ليس مطلق من

______________________________________________________

فتحصّل : أنّ الاستدلال بالمرسلة المتقدمة على ولاية الفقيه ـ كما ذهب إليه جمع من الأصحاب ـ ممنوع.

(١) غرضه قدس‌سره بيان التفاوت بين مدلولي التوقيع الرفيع وهذه المرسلة ـ لو سلّم دلالتها على ولاية التصرف للمعصوم عليه‌السلام ، وببركة أدلة خلافة الفقيه عنه عليه‌السلام تثبت له أيضا ـ ومحصّله : أن «من لا وليّ له» الذي يكون السلطان وليّا له ، هل هو الفاقد للولي على نحو السلب المقابل للإيجاب ، وإن لم يكن من شأنه جعل وليّ له؟ أم هو المولّى عليه الذي له قابلية نصب وليّ له شرعا ، فعدم الوليّ يكون في قبال الملكة.

فبناء على الأوّل تشمل ولاية السلطان للبالغ العاقل الذي له سلطنة تامّة على أموره ، وليس لأحد ولاية عليه. والوجه في ثبوت ولاية السلطان بالنسبة إلى هذا البالغ هو صدق «أنّه لا وليّ له» فيكون السلطان وليّه.

وبناء على الاحتمال الثاني تختص الولاية والسلطنة بمن له شأنية نصب وليّ له. ومن المعلوم أنّ البالغ المزبور غير قابل لجعل وليّ له ، فتختص المرسلة بمورد الشأنية لأن يكون له وليّ.

وهذا المطلب صرّح به الفاضل النراقي أيضا في نفي ولاية الحاكم ـ بالاستقلال ـ على نكاح الكبير ، حيث قال : «إن معناه أنه ـ أي السلطان ـ وليّ من لا وليّ له ويحتاج إلى الولي ، لا أنه وليّ من لا وليّ له سواء كان محتاجا إلى الولي أم لا» (١).

وكيف كان فهذه الشأنية على أنحاء ، فتارة تكون بحسب الشخص. وهذا لا يفرض فيما نحن فيه ، لعدم مورد للولاية على شخص بخصوصه بحيث لا يتعدّى عنه إلى غيره.

نعم يكون ذلك في غير المقام ، كعدم اللحية في زيد الكوسج ، فإنّه يتعدّى إلى غيره ممّن هو مثله.

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٥٧٦.

١٨٩

لا وليّ له ، بل المراد عدم الملكة ، يعني : أنّه وليّ من من شأنه أن يكون له وليّ بحسب شخصه أو صنفه أو نوعه أو جنسه (١). فيشمل (٢) الصغير الذي مات أبوه ، والمجنون بعد البلوغ (٣) ، والغائب (٤) والممتنع (٥) والمريض (٦) والمغمى عليه ، والميّت الذي لا وليّ له ، وقاطبة (٧) المسلمين إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة ،

______________________________________________________

واخرى تكون بحسب الصنف كعدم السواد في الزّنجي.

وثالثة تكون بحسب النوع كالعمى ، فإنّه عدم البصر فيمن من شأنه أن يكون بصيرا بحسب النوع.

ورابعة تكون بحسب الجنس ، كعمى العقرب ، فإنّ شأن العقرب أن يكون بصيرا بحسب الجنس.

(١) هذه الضمائر الستة من «شأنه» إلى «جنسه» راجعة إلى الموصول في «من من».

(٢) يعني : فيشمل من من شأنه أن يكون له وليّ الصغير الذي مات أبوه ، فإنّ له شأنية أن يكون له وليّ يحفظ مصالحه. وهذا مثال للصنف.

(٣) هذا مثال للنوع ، والتقييد ب «بعد البلوغ» لأجل عدم ولاية الفقيه على المجنون المتصل جنونه بالبلوغ ، وإنّما ولايته للأب والجدّ.

(٤) هذا أيضا مثال للنوع ، والمراد به الغائب عن ماله بحيث لا يقدر على التصرف فيه.

(٥) هذا أيضا مثال للنوع ، والمراد به من يمتنع عن أداء دين الغير أو حقّه مع التمكّن منه.

(٦) الذي لا يقدر على إدارة شؤونه. وهذا والمغمى عليه أيضا مثالان للنوع. ويمكن أن يكونا مثالين للصنف. وكذا الميت الذي لا وليّ له ، إذ لو كان له وليّ خاصّ لا تصل النوبة إلى السلطان الذي هو الولي العام.

(٧) معطوف على «الصغير» يعني : فيشمل «من شأنه أن يكون له وليّ» الصغير وقاطبة المسلمين إذا كان لعمومهم ملك كالأرض المفتوحة عنوة المعمورة حال الفتح. وهذا مثال للجنس.

١٩٠

والموقوف (١) عليهم في الأوقاف العامّة (٢) ، ونحو ذلك.

لكن (٣) يستفاد

______________________________________________________

(١) معطوف على المفتوح عنوة.

(٢) كالوقف على الفقهاء أو الفقراء ونحوهما.

والحاصل : أن «السلطان» إن كان مختصّا بالمعصوم فتثبت له الولاية بهذه المرسلة ، وبأدلة النيابة تثبت للفقيه. وإن كان شاملا للفقيه من أوّل الأمر ثبتت له الولاية بها بلا حاجة إلى أدلة النيابة.

(٣) غرضه قدس‌سره إبداء الفرق بين ما يستفاد من التوقيع الرفيع الآمر بإرجاع الحوادث إلى الرواة وبين هذه المرسلة ـ مع كون مدلولها ثبوت ولاية التصرف للسلطان على من له شأنية نصب وليّ له ـ بعد اشتراكهما في دلالتهما على ولاية الفقيه.

ومحصّل الفرق أمران ، أحدهما : أنّ إضافة كلمة «وليّ» إلى «من لا وليّ له» ظاهرة في كونها لامية أي : «وليّ لمن لا وليّ له» و «اللام» هنا للانتفاع ، فتدل المرسلة على مشروعية كل شي‌ء فيه مصلحة المولّى عليه ومنفعته. وهذا بخلاف التوقيع ، إذ ليس فيه إضافة حتى يستفاد منه هذا العموم ، بل تختص ولاية رواة الأحاديث بالواقعة التي يجب إرجاعها إليهم.

ثانيهما : أنّ مقتضى المرسلة استقلال السلطان بالتصرف في ما يتعلّق بالمولّى عليه ، سواء ارجع إليه شي‌ء من أمور المولّى عليه أم لا ، والوجه في استقلاله هو كفاية قابلية نصب وليّ للشخص في ثبوت المنصب للسلطان ، ولم يشترط ولايته بكون ذلك التصرف من الأمور الحسبية التي لا بدّ من تحققه والقيام به ، بل يجوز للولي التصدي وإن لم تكن هناك ضرورة للمولّى عليه تقتضي التصرف ، كما إذا لم يترتب ضرر على تركه.

وهذا بخلاف التوقيع الرفيع الظاهر في جواز تصدّي الفقيه للأمر بعد الرجوع إليه في خصوص ما أنيط بإذن الإمام عليه‌السلام ، ولا يدلّ على استقلاله في التصرف.

وبناء على ما ذكر ـ من أعمية مدلول المرسلة من التوقيع ـ فيجوز للفقيه تزويج الصغيرة الفاقدة للأب والجدّ والوصي من قبل أحدهما ، مع اقتضاء مصلحتها له. وكذا يجوز له بيع مال الغائب إن كان فيه مصلحته وإن لم يتضرر بترك البيع. وهكذا سائر

١٩١

منه (١) ما لم يكن [لم يمكن] يستفاد من التوقيع المذكور (*) ، وهو (٢) الإذن في فعل

______________________________________________________

التصرفات المشروعة التي لم يدلّ التوقيع على استقلال الحاكم فيها بدون سبق إرجاعها إليه.

(١) أي : من حديث «السلطان ولي من لا ولي له» أو من المرسلة بناء على تأنيث الضمير كما في بعض النسخ.

(٢) أي : وما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور هو الإذن في فعل كل مصلحة لهم.

__________________

(*) أورد المحقق الايرواني قدس‌سره عليه بالتهافت بين ملاحظة نسبة المرسلة مع التوقيع وبين ما تقدم في المناقشة من استظهار اختصاص «السلطان» بالمعصوم عليه‌السلام.

وجه التنافي : أنه بناء على الاختصاص به عليه‌السلام تكون النسبة بين الروايتين التباين ، لا الأعمية ، لأنّ الولاية في المرسلة للسلطان ، وفي التوقيع لرواة الحديث ، ومع تعدد الموضوع لا وجه لملاحظة النسبة. وبناء على أعمية السلطان من الفقيه يتجه بيان النسبة ولكنه عدول عمّا ناقش به في الاستدلال من اختصاص المرسلة بالمعصوم عليه‌السلام (١).

أقول : الأمر كما أفاده قدس‌سره من التهافت ظاهرا لكن لا يبعد أن يكون كلام المصنف بعد المناقشة : «ثم إن قوله : من لا وليّ في المرسلة المذكورة .. إلخ» ناظرا إلى الإغماض عن الخدشة ، وتسليم دلالتها على ولاية الفقيه مماشاة لمن استدلّ به.

نعم إشكال التهافت وارد على مثل الفاضل النراقي قدس‌سره في العوائد ، حيث انه ـ كما عرفت في التوضيح ـ عدّها من أدلة ولاية الفقيه ، المستلزم لجعل «السلطان» أعم من المعصوم عليه‌السلام والفقيه ، إذ الغرض من عدّ الأدلة وفاء كلّ منها بالمطلوب. ولكنه في ذكر بعض موارد ولايته ـ وهو النكاح ـ قال : «وما يمكن أن يستدلّ به للثبوت .. النبوي المشهور بضميمة عموم النيابة المتقدم ثبوته» (٢) فإنه كالصريح في اختصاص السلطان بالمعصوم عليه‌السلام. وعلى تقدير الاختصاص يشكل عدّ المرسلة من أدلة الولاية ، لاحتياجها حينئذ إلى ضمّ أدلة عموم النيابة.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥٨.

(٢) عوائد الأيام ، ص ٥٦٧.

١٩٢

كلّ مصلحة لهم ، فثبت به (١) مشروعيّة ما لم يثبت مشروعيّته بالتوقيع المتقدّم ، فيجوز (٢) له القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين.

نعم (*) ليس له فعل شي‌ء لا يعود مصلحته إليهم ، وإن كان ظاهر «الوليّ» يوهم ذلك (٣) ، إذ (٤) بعد ما ذكرنا

______________________________________________________

(١) أي : بما روي من قوله عليه‌السلام : «السلطان وليّ من لا وليّ له».

(٢) هذا متفرع على جواز تصدي السلطان لكل شي‌ء فيه مصلحة للمولّى عليه من الصغير والمجنون والغائب ، وسائر الطوائف المذكورين.

(٣) أي : يوهم كون الولي وليّا على المولّى عليه ـ من الصغير والمجنون وغيرهما ـ في كل عمل وإن لم يكن فيه مصلحة للمولّى عليه.

(٤) تعليل لقوله : «نعم ليس له فعل شي‌ء» وحاصل التعليل : أنّه ـ بعد أن تبيّن المراد بالولي ، وهو القائم بمصالح من يحتاج إلى الولي ـ لا بدّ أن يكون حافظا لمصالح المولّى عليه ، وغير متجاوز عنها ، وليس وليّا إجباريا حتى يكون أمره نافذا عليه مطلقا وإن لم يكن ذا مصلحة.

وبالجملة : فيستفاد من هذه المرسلة أمران :

أحدهما : جواز تصدّي الولي لكلّ أمر فيه مصلحة للمولّى عليه.

والآخر : عدم توقف جواز تصديه على الرجوع إليه ، بل يجوز له ذلك وإن لم يرجع المولّى عليه ـ أو غيره ـ إلى الولي.

__________________

(*) الأولى إبدال «نعم» بالواو أو الفاء ، بأن يقال : «وليس ـ أو فليس ـ له فعل شي‌ء .. إلخ» إذ مقتضى ما أفاده من دلالة المرسلة على اعتبار وجود المصلحة في ما تصدّاه من أمور المولّى عليه هو عدم جواز تصدي الولي لما ليس فيه مصلحة للمولّى عليه. ومن المعلوم أنّ المناسب حينئذ هو «فاء» التفريع ، أو «الواو» عطفا على «فيجوز» دون الاستدراك بكلمة «نعم».

والأولى من ذلك أيضا أن يقال : «ولا يجوز له فعل شي‌ء ..».

١٩٣

ـ من (١) أنّ المراد ب «من لا وليّ له» من من شأنه أن يكون له وليّ ـ يراد به (٢) كونه ممّن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه ، لا بمعنى أنّه ينبغي أن يكون عليه وليّ ، له (٣) عليه ولاية الإجبار بحيث يكون تصرّفه ماضيا عليه (٤).

والحاصل (٥) أنّ الوليّ المنفيّ هو الوليّ للشخص لا عليه ، فيكون المراد بالوليّ المثبت ذلك (٦) أيضا. فمحصّله : أنّ الله جعل الوليّ ـ الذي يحتاج إليه الشخص وينبغي أن يكون له ـ هو السلطان (٧) ، فافهم (٨).

______________________________________________________

(١) بيان ل «ما» الموصول.

(٢) يعني : بعد ما ذكرنا من .. إلخ يراد ب «من لا وليّ له» كونه ممّن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه. لا أنّه ينبغي أن يكون على المولّى عليه وليّ يكون لذلك الولي على المولّى عليه ولاية الإجبار ، بحيث يكون تصرفه ماضيا مطلقا وإن لم يكن مصلحة لمن يلي أمره.

(٣) أي : للولي ، وهو متعلق بمحذوف ، نعت ل «ولي» وضمير «عليه» راجع إلى «من» المراد به المولّى عليه ، يعني : أن يوصف هذا الولي بأن يكون له على المولّى عليه ولاية الإجبار ، بأن يمضي تصرفه مطلقا وإن لم يكن هذا مصلحة له.

(٤) أي : على المولّى عليه مطلقا.

(٥) يعني : وحاصل البحث في حديث «السلطان وليّ من لا وليّ له» أنّ المراد بالولي إثباتا ونفيا هو الولي للشخص أي لحفظ مصالحه وجلب منافعه ، لا على الشخص أي على ضرره. والولي الذي جعله الله تعالى ونصبه لمصالح من يحتاج إلى الولي هو السلطان.

فهذا الحديث حاكم على أصالة عدم الولاية التي تقدّمت في أوائل بحث الولاية ، ومبيّن للموضوع ، وهو الولاية لمصالح الشخص لا لمضارّه.

(٦) أي : الولي للشخص ، لا عليه.

(٧) مفعول «جعل» كأنه قيل : جعل الله الوليّ الكذائي هو السلطان. والضمير للفصل ، مثل : جعلت زيدا هو الحاكم.

(٨) يحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ جعل الولي للشخص ـ لا عليه ـ مبني على كون

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اللام في حديث «من لا وليّ له» للنفع ، في مقابل الضرر. وأمّا إذا كان اللّام للصلة كقوله : «الامام وارث من لا وارث له» فلا يستفاد منه اختصاص الولاية بخصوص مصالح المولّى عليه ، ولا قرينة على كون اللام للنفع ، كوقوعه في مقابل «على» المستعمل في الضرر.

مع أنّ لازمه عدم ثبوته ولاية الفقيه في موارد كون التصرف موجبا لتضرر المولّى عليه ونقص ماله ، منها : أداء دين في ذمة الصغير والمجنون والمغمى عليه والمريض والممتنع ، واستيفاء حقوق الناس من أموالهم.

ومنها : الحجر على المفلّس ومنعه من التصرف في ماله.

ومنها : التصرف في مال الغائب بالإنفاق على زوجته ، ونحوها ممّا يكون ولاية التصرف مستلزما للضرر ، ولم ينتفع به ، مع وضوح عدم الالتزام بهذا اللازم.

وعليه فاستفادة الاختصاص المزبور من هذا الحديث مشكلة. كإشكال استفادته من الأدلة السابقة ، بل مقتضى إطلاقها ثبوت الولاية مطلقا ـ من غير فرق بين المصالح وغيرها ـ ما لم يشمله دليل نفي الضرر. إلّا أن يمنع الإطلاق ويدّعى انصراف الأدلة إلى خصوص منافع المولّى عليه ، أو إلى ما لا ضرر فيه ، كبيع ماله بثمن مساو له في المالية.

١٩٥

مسألة :

في ولاية (١) عدول المؤمنين

______________________________________________________

٣ ـ ولاية عدول المؤمنين

(١) التي هي متأخرة عن ولاية الفقيه التي تقدمت في المسألة السابقة ، ولم يشر المصنف قدس‌سره هنا إلى كون المسألة خلافيّة أم اتفاقية ، ولكن ظاهر صاحب العناوين تعدد الأقوال ، لقوله : «إذا تعذّر الأولياء أو فقدت حتى الحاكم ، فهل الولاية للعدول مطلقا ، أو ليس لهم مطلقا ، أو في ما لا يمكن التأخير فيه لهم ولاية ، دون غيره ..؟ وجوه ، بل أقوال». ثم جعل البحث في مقامين :

أحدهما : في جواز تصرف العدول في ما هو وظيفة الحاكم لو كان موجودا مع ضيق الوقت وعدم إمكان التفصّي.

وثانيهما : في وجوب مباشرة العدول في الفرض المزبور ، فراجع (١).

ونقل السيد الفقيه العاملي قدس‌سره قولين في المسألة :

أحدهما : المشهور ، بل عن الحدائق الإجماع عليه.

والآخر : عدم ولاية ما عدا الفقيه ، نقله عن ابن إدريس وغيره (٢).

وكيف كان فقد استقصى المصنف قدس‌سره البحث في هذه المسألة بالنظر في جهات سيأتي بيانها بالترتيب ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٨٠ و ٥٨١.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٢٥٧ و ٢٥٨.

١٩٦

اعلم أنّ ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه ، وهو (١) ما كان تصرّفا مطلوب الوجود للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول ، فالظاهر جواز تولّيه (٢) لآحاد المؤمنين ، لأنّ (٣) المفروض كونه مطلوبا

______________________________________________________

الاولى : في متعلق الولاية.

الثانية : في الدليل على ثبوت هذا الحكم الوضعي المجعول للمؤمن العدل.

الثالثة : في اعتبار العدالة في المؤمن المتولّي للمعروف.

الرابعة : في أنّ جواز تصرف المؤمن تكليف وجوبي أو ندبي ، وليس على وجه النيابة عن الفقيه.

ويتفرّع عليه جواز مزاحمة مؤمن لمثله في التصدّي للمعروف.

الخامسة : في اشتراط ولاية المؤمن برعاية مصلحة المولّى عليه ، وعدمه.

ثم تعرّض بالتفصيل لما يراد من آية (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وكان مقتضى الترتيب تقديم البحث عمّن هو موضوع للولاية ـ والخصوصيات الدخيلة فيه كالعدالة ـ على بيان الدليل على الحكم. والأمر سهل.

(١) يعني : وما ذكرناه هو التصرف الذي يكون مطلوبا للشارع بحيث لا يرضى بتركه ، كالتصرف في أموال القصّر والأوقاف العامة الفاقدة لمتولّ خاصّ وعامّ ، وهو الفقيه الجامع للشرائط ، وغيرهما من الأمور المعبّر عنها بالأمور الحسبية.

(٢) أي : تولّي ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع ، وحاصله : أنّ الظاهر جواز تولّي آحاد المؤمنين للتصرف المطلوب للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول ، إذ مع إمكان الوصول إليه لا تصل النوبة إلى المؤمنين. وكذا مع إمكان الوصول إلى وكيله والمأذون من قبله.

(٣) تعليل لجواز تولّي المؤمنين ، وحاصله : أنّ المفروض كون ذلك التصرف مطلوبا للشارع ، بحيث لا يرضى بتعطيله. ومقتضى مطلوبيّته للشارع وعدم رضاه بتركه هو لزوم فعله على كل حال. فإن كان الفقيه موجودا فهو المتصدّي له ، وإلّا فعدول المؤمنين.

١٩٧

للشارع غير مضاف إلى شخص (١). واعتبار (٢) نظارة الفقيه فيه ساقط (٣) بفرض التعذّر. وكونه (٤) شرطا مطلقا له ـ لا شرطا اختياريا ـ مخالف (٥) لفرض العلم

______________________________________________________

ويدلّ على مطلوبية وجوده شرعا قوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١) وغيره من الآيات الشريفة. وكذا النصوص المتضافرة ، مثل ما روي عن القمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أيّها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقرّبا أجلا ، ولم يباعدا رزقا» الحديث (٢).

(١) كالأمور التي علم من الشارع مطلوبيتها له في جميع الأزمان ، ولم يدلّ دليلها على صدورها من شخص خاص. فإن كان الفقيه موجودا تعيّن هو للقيام بها ، إمّا لولايته عليها بأدلتها العامة ، وإمّا لتعيّنه من بين المسلمين ، وإمّا لعدم لزوم الهرج والمرج.

وإن لم يكن الفقيه موجودا جاز لغيره من المؤمنين القيام به.

(٢) إشارة إلى وهم ودفعه. أمّا الوهم فهو : أنّه مع فرض اعتبار نظر الفقيه في ذلك التصرف كيف يجوز لغيره التصرف في ذلك الأمر؟ هذا.

وأمّا دفعه فهو : أنّ تعذر الوصول إلى الفقيه أسقط اعتبار نظره في ذلك التصرف ، وسوّغ تصرف غيره.

(٣) خبر «اعتبار» و «الباء» في «بفرض» للسببيّة ، ودفع للتوهم.

(٤) أي : وكون اعتبار نظارة الفقيه شرطا مطلقا للتصرف مخالف .. إلخ. وهذا إشكال على سقوط اعتبار نظر الفقيه بالتعذر.

ومحصل الإشكال : أنّه على فرض كون نظر الفقيه شرطا مطلقا ـ غير مقيّد بحال الاختيار حتى يسقط اعتباره في حال التعذر ـ لم يجز لأحد التصدي لذلك التصرف.

(٥) خبر «وكونه» ودفع للإشكال ، وحاصله : أنّ إطلاق شرطية نظر الفقيه حتى مع تعذره مخالف للعلم بكون ذلك التصرف مطلوب الوجود مطلقا حتى مع تعذر

__________________

(١) آل عمران ، الآية ١٠٤.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٩٩ ، الباب ١ من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ، ح ٢٤.

١٩٨

بكونه (١) مطلوب الوجود مع تعذّر الشرط (٢) ، لكونه (٣) من المعروف الذي أمر بإقامته في الشريعة.

نعم (٤) لو احتمل كون مطلوبيّته مختصّة بالفقيه أو الإمام ، صحّ الرجوع إلى أصالة عدم المشروعية ، كبعض مراتب النهي عن المنكر ، حيث إنّ إطلاقاته (٥) لا تعمّ ما إذا بلغ حدّ الجرح.

قال الشهيد رحمه‌الله في قواعده (٦) «يجوز للآحاد مع تعذّر الحكّام تولية آحاد التصرّفات الحكميّة (٧)

______________________________________________________

الشرط ، وذلك لأجل كون ذلك التصرف من المعروف الذي أمر الشارع بإقامته في الشريعة. ومع هذا العلم كيف تصح دعوى إطلاق شرطية نظارة الفقيه؟

(١) الضمير راجع إلى الموصول في قوله : «ما كان تصرفا».

(٢) وهو نظارة الفقيه.

(٣) أي : لكون «ما كان تصرفا» من المعروف. وهذا تعليل لقوله : «لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود» ومحصله ـ كما أشرنا إليه ـ : أنّه مع العلم بكون ذاك التصرف كحفظ مال القصّر مطلوب الوجود للشارع حتى مع تعذر الفقيه ، لا بدّ من جواز تصدّي آحاد المؤمنين له.

(٤) استدراك على قوله : «لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود» وحاصله : أنّه لو لم يحصل العلم بكون ذلك التصرف مطلوبا للشارع مطلقا ، واحتمل اختصاص مطلوبيته بالإمام أو الفقيه ، صحّ الرجوع حينئذ إلى أصالة عدم المشروعية.

(٥) أي : إطلاقات النهي عن المنكر.

(٦) الظاهر أنّ الغرض من بيان كلام الشهيد رحمه‌الله هو كون ولاية عدول المؤمنين ثابتة عند الأصحاب مع تعذر الفقهاء ، بمعنى ترتب ولايتهم وتأخّرها عن ولاية الحكّام ، لا عرضيتها لها.

وتعرّض الشهيد قدس‌سره لمتعلق ولاية آحاد المؤمنين أيضا ، كما سيأتي التنبيه عليه.

(٧) بكسر «الحاء» أي : التصرفات المقرونة بالحكمة والمصلحة.

١٩٩

على الأصح (١) ، كدفع ضرورة اليتيم (٢) ، لعموم (٣) (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (١) ، وقوله (٤) عليه‌السلام : «والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (٢) ، وقوله (٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كلّ معروف صدقة» (٣).

وهل (٦)

______________________________________________________

(١) ومقابل الأصحّ هو : عدم جواز تولّي آحاد المؤمنين لتلك التصرّفات.

(٢) نظير بيع ما يحتاج إليه اليتيم من أمواله.

(٣) استدلّ الشهيد قدس‌سره على ولاية عدول المؤمنين بوجوه :

الأوّل : قوله تعالى شأنه (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) ، بتقريب : أنّ دفع ضرورة اليتيم إعانة على البرّ ، فهو ممّا ندب الشارع إليه ، والمخاطب بالتعاون عامّة المكلفين بلا خصوصية للفقيه.

(٤) هذا هو الوجه الثاني ، والحديث في المصدر هكذا : «والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه».

وفي المستدرك : «وعن القطب الراوندي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» (٤).

وعلى كلّ فظهور الحديث في الحثّ والترغيب على إعانة المؤمن ممّا لا ينكر.

(٥) معطوف على «عموم» أو على «تعاونوا» وهذا هو الوجه الثالث ممّا استدل به الشهيد قدس‌سره. وتقريبه : ترتب أثر الصدقة ـ وهو الأجر ـ على فعل المعروف كدفع ضرورة اليتيم. وبما أنّ الصدقة متمشية من العالم والعامي ، فكذلك ما جعله الشارع بمنزلته في الأجر.

(٦) أي : لعدول المؤمنين. هذا راجع إلى متعلق ولاية عدول المؤمنين ، وحاصله : أنّ

__________________

(١) المائدة ، الآية ٣.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٥٨٦ ، الباب ٢٩ من أبواب فعل المعروف ، ح ٢.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٥٢١ ، الباب ١ ، من أبواب فعل المعروف ، ح ٢.

(٤) مستدرك الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٤٢٩ ، الباب ٣٤ من أبواب فعل المعروف ، ح ١٠.

٢٠٠