هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعضها كرواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام تضمّن آيتي الإطاعة وولاية الأمر ، قال : «ذكرت له عليه‌السلام قولنا في الأوصياء : أنّ طاعتهم مفترضة. قال : فقال :

نعم هم الّذين قال الله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) وهم الّذين قال الله عزوجل (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٢)» (٣).

وقريب من ذلك سائر روايات الباب (٤).

وبين ما يدلّ على أنّ الأئمة عليهم‌السلام هم أهل الذكر الّذين أمر الله الخلق بسؤالهم ، كرواية عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه‌السلام «في قول الله عزوجل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٥) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الذّكر أنا ، والأئمة أهل الذكر. وقوله عزوجل (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) (٦). قال أبو جعفر عليه‌السلام : نحن قومه ، ونحن المسؤولون (٧).

وكرواية عبد الرحمن بن كثير ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، قال : الذكر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن أهله المسؤولون. قال : قلت : قوله : وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ، قال : إيّانا عنى ، ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون» (٨).

وقريب منهما سائر روايات الباب (٩).

ومحصل ما يستفاد من مجموع روايات البابين : أمران :

__________________

(١) النساء ، الآية ٥٩.

(٢) المائدة ، الآية ٩١.

(٣) الكافي ، ج ١ ، ص ١٨٧ ، باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام ، ح ٧.

(٤) المصدر ، الحديث : ٨ و ١٠ و ١٢ وص ١٨٨ ، ح ١٢.

(٥) النحل ، الآية ٤٥.

(٦) الزخرف ، الآية ٤٣.

(٧) الكافي ، ج ١ ، ص ٢١٠ ، باب أنّ أهل الذّكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم‌السلام ، ح ١.

(٨) المصدر ، ح ٢.

(٩) المصدر ، ص ٢١١ ، ح ٣ و ٤ و ٧.

١٤١

القاصرين ، وإلزام الناس بالخروج عن الحقوق ، ونحو ذلك (١).

ويكفي في ذلك (٢) ما (٣) دلّ على أنّهم أولوا الأمر وولاته ، فإنّ الظاهر من

______________________________________________________

أحدهما : أنّ أهل الذكر في الكتاب العزيز هم الأئمة المعصومون «صلوات الله عليهم أجمعين».

والآخر : وجوب إطاعتهم على الخلق ، لأنّ الأمر بالسؤال عنهم عليهم‌السلام يستلزم وجوب قبول جوابهم. ولا يستفاد منها إلّا وجوب الإطاعة. ولا تدل على موضوع وجوبها ، وأنّه ممّا يستقل به الإمام عليه‌السلام أو ممّا يشترط في صحته إذنه عليه‌السلام.

ولعل مراد المصنف قدس‌سره بالأخبار الخاصة روايات اخرى.

ولعلّ ما يكون منها بكلمة «اللام» ـ نظير ما ورد في الحدود والتعزيرات من «أنّها لإمام المسلمين» ـ ظاهرا في الولاية بالمعنى الأوّل ، وهو الاستقلال بالتصرف ، لظهور اللام في الاختصاص. وما يكون منها بلفظ الأولوية أو الأحقية ونحوهما ـ نظير ما ورد في صلاة الجنائز من «أن سلطان الله أحقّ بها من كل أحد» ـ ظاهرا في الولاية بالمعنى الثاني ، وهو اشتراط تصرف الغير بإذنه ، لكون صلاة الميّت واجبة كفائيّا على الجميع ، وصحّتها من الغير مشروطة بإذن السلطان.

(١) كالتصرف فيما هو ملك المسلمين قاطبة كالأراضي الخراجية ، وغير ذلك ممّا علم بوجوب التصرف فيه أو بمشروعيته ، إذ مع العلم بمشروعيته والشك في إطلاقها أو اختصاصها بالإمام عليه‌السلام يكون مقتضى الأصل اعتبار إذنه عليه‌السلام ، لكون الشك في سقوط التكليف بعد العلم بثبوته ، وأصالة التعيينية تقتضيها ، فليتأمل (*).

(٢) أي : في عدم جواز الاستقلال لغيرهم عليهم‌السلام بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع التي لا يرضى الشارع بتعطيلها.

(٣) فاعل «يكفي» وقد ورد ذلك في نصوص كثيرة ، مثل ما رواه جابر الجعفي في

__________________

(*) وجهه : أنّه إن كان ذلك في زمان الحضور فلا بدّ من الرجوع إليه عليه‌السلام ، للتمكن من رفع الجهل بالرجوع إليه ، وإن كان ذلك في زمان الغيبة ، فيرجع إلى إطلاق الدليل إن كان. والّا فلا مانع من أصالة عدم اشتراط الإذن الحاكمة على أصالة الاشتغال ، لتسبّب الشك في الاشتغال عن الشك في الاشتراط الذي يرجع فيه إلى أصالة عدمه.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تفسيره عن جابر الأنصاري ، قال : «سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) عرفنا الله ورسوله ، فمن اولي الأمر؟ قال : هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم عليّ بن الحسين ، ثم محمّد بن على المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام. ثم الصادق جعفر بن محمّد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم عليّ بن موسى ، ثم محمّد بن علي ، ثم عليّ بن محمّد ، ثم الحسن بن عليّ ، ثم سميّي وكنيّي [وذو كنيتي] حجة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، الذي يفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته [وأوليائه] غيبة لا يثبت [فيها] على القول في إمامته ، إلّا من امتحن .. قلبه بالإيمان» (١).

وتقريب الاستدلال : أنّ إطاعة اولي الأمر خصوصا مع اقترانه بطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقتضي لزوم الرجوع إليهم في الأمور العامة الّتي يرجع فيها إلى من بيده أزمّة الأمور.

وليس المراد ما قيل : من خصوص الأمور الراجعة إلى السلطنة والخلافة ، بدعوى «ظهور الأمر في ـ أولي الأمر ـ في الخلافة حتى يختصّ ذلك بما يتعلّق بشؤون السلطنة ، كأخذ الخراج من الأراضي الخراجية ، وجمع العسكر ، وحفظ الثغور ، وتجهيز الجيوش ، وغير ذلك ممّا يتعلّق بأمر السلطنة والخلافة ، ولا يشمل كثيرا من الأمور غير المرتبطة بشؤون السلطنة ، كالتصرف في أموال القصّر والتصدي للأوقاف العامة التي ليس لها متولّ منصوص من قبل واقفيها ، وغير ذلك من الأمور الحسبية التي ليست هي من شؤون السلطنة ، وعليه فالدليل أخص من المدّعى ، لخروج هذه الأمور الحسبية عن مفاد آية اولى الأمر».

وذلك لما عرفت من ظهور إطاعة اولى الأمر في جميع الأمور سواء أكانت متعلقة بأمر الخلافة والسلطنة أم غيره. ولا تكون الإضافة إلى الأمر قرينة على إرادة خصوص

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٢٣ ، ص ٢٨٩ ، الباب ١٧ من كتاب الإمامة ، ح ١٦ ، رواه عن اعلام الورى والمناقب ، ولاحظ الحديث ٢ و ٣ و ١٣ و ١٧ و ٢٨ و ٢٩ و ٣٠ و ٤١ و ٤٨ و ٤٩ و ٥٣ و ٦٠ ، ولاحظ الكافي أيضا ، ج ١ ، ص ٢٠٥ باب أن الأئمة عليهم‌السلام ولاة الأمر.

١٤٣

هذا العنوان (١) عرفا من يجب الرجوع إليه في الأمور العامّة الّتي لم تحمل في الشرع على شخص خاصّ.

وكذا (٢) ما دلّ على وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث معلّلا «بأنّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله» (١) (*)

______________________________________________________

الأمور القائمة بالخلافة والسلطنة ، إذ مع الشك في قرينيّتها يتمسك بأصالة العموم أو الإطلاق الدافعة للشك في وجود القرينة وقرينية الموجود ، من دون فرق بينهما ، لحجية العام فيهما. وعدم رفع اليد عن الحجة إلّا بالحجة ، نظير حجية العام في المخصص المجمل المفهومي المردّد بين الأقل والأكثر ، كمفهوم «الفاسق» المردّد بين مرتكب مطلق المعصية ، ومرتكب الكبيرة ، فإنّه مع احتمال قرينية الفاسق بمعناه المطلق على التخصيص يتمسّك بالعام ، ولا يعبأ بهذا الاحتمال. فلا وجه لدعوى حجية العام في خصوص الشك في وجود القرينة.

(١) أي : عنوان اولى الأمر ، فإنّ الرجوع إلى هذا العنوان ظاهر في الرجوع إلى اولى الأمر في الأمور العامة التي لم تحمل على شخص خاص. وهذا يشمل الواجب الكفائي وغيره ، ولا يشمل الواجب العيني الذي حمل على كل شخص بعينه.

(٢) معطوف على «ما دلّ على أنّهم أولو الأمر» وهذا هو الدليل الثاني على الولاية بالمعنى الثاني ، وحاصله : أنّ التعليل في التوقيع الرفيع «بأن رواة الحديث ـ المراد بهم الفقهاء ـ حجتي عليكم وأنا حجة الله» يدلّ على أنّ الامام عليه‌السلام هو المرجع الأصلي في

__________________

(*) قد يقال : «الحجيّة تكون في تبليغ أمر ، فيختص مدلولها في المقام بتبليغ الأحكام الشرعية ، ولا يشمل التصرفات الشخصية في الأموال والنفوس ، أو تصدّي المصالح العامة من الحكومة وفصل الخصومة ، أو إجراء الحدود ، فإنّ كلّ ذلك أجنبي عن مفهوم الحجية التي هي من الاحتجاج .. إلى أن قال : فالتوقيع الشريف أجنبي عن المدّعى» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٩ ، رواه عن الصدوق في إكمال الدين وعن الشيخ في الغيبة.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٥٦.

١٤٤

فإنّه دلّ على أنّ الإمام هو المرجع الأصلي (*).

______________________________________________________

الحوادث ، وأنّ الفقهاء ـ وهم الرواة المذكورون في التوقيع الشريف ـ منصوبون من قبله عليه‌السلام. والمراد بالحوادث هي الأمور التي تحتاج إلى الرأي والنظر ، كامور القاصرين ، وتصدّي الأوقاف التي لا متولّي لها.

وليس المراد بها المسائل الشرعية ، بأن يكون الرواة أي الفقهاء مراجع في أحكامها.

إذ فيه أوّلا : أنّ المناسب حينئذ أن يقول عليه‌السلام : «فإنهم حجج الله» كما يقال : الامناء على أحكامه ، أو على حلاله وحرامه».

__________________

أقول : لازم ما أفاده قدس‌سره الالتزام بكون «الحجة» في قوله عليه‌السلام : «وأنا حجة الله» بمعنى التبليغ فقط ، مع شيوع إطلاق الحجة عليه وعلى كل واحد من الأئمة المعصومين «عليهم الصلاة والسلام». ولا وجه للتفكيك في معنى كلمة «الحجة» في التوقيع بين إطلاقها على الإمام عليه‌السلام وعلى الرواة. فهل يمكن أن يقال : إنّ المراد بقوله عليه‌السلام : «وأنا حجة الله» خصوص تبليغ الأحكام؟

فليس المراد بالحجة معناها اللغوي ، بل معناها العرفي العام الموجب لإرادة معنى واحد من الحجة فيه عليه‌السلام وفي سائر الأئمة عليهم‌السلام وفي الرواة. والفرق إنّما هو في الإضافة ، حيث إنّ حجيّة الإمام عليه‌السلام مضافة إلى الله سبحانه وتعالى ، كما قال عجّل الله تعالى فرجه الشريف : «وأنا حجة الله» وحجية الرواة مضافة إلى نفسه المقدسة ، لقوله صلوات الله عليه : «فإنّهم حجتي عليكم» ومن وحدة مفهوم الحجة عرفا في حجية الامام والرواة ينفتح باب بحث ولاية الفقيه ، ويثبت له ما للإمام عليه‌السلام من الولاية العامة ، إلّا ما خرج بالدليل ، فتأمّل جيّدا.

(*) لكن قد يدّعى إجمال «الحوادث» بتقريب : أنّ اللّام للعهد ، فهو إشارة إلى الحوادث المذكورة في السؤال ، وتلك الحوادث مجهولة لنا ، لعدم وصول الأسئلة إلينا ، فالتوقيع لإجماله يسقط عن الاعتبار.

وفيه : أنّ توصيف الحوادث ب «الواقعة» يدفع هذه الدعوى ، إذ المراد بالواقعة ما يقع

١٤٥

وما (١) عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في علل حاجة الناس إلى الإمام عليه‌السلام ، حيث قال بعد ذكر جملة من العلل :

______________________________________________________

وثانيا : أنّ رجوع الجاهل الى العالم أمر ارتكازي عقلائي لا يحتاج إلى السؤال خصوصا من مثل إسحاق بن يعقوب حتى يجعله من المسائل التي أشكلت عليه. بخلاف الرجوع في المصالح العامة ، إذ يمكن أن لا يكون كلّ أحد مرجعا فيها ، بأن يوكّل شخصا معيّنا من ثقاته للنظر في تلك الوقائع. ولذا سأله عن ذلك ، فأجاب عليه‌السلام بالرجوع إلى الرواة وهم الفقهاء ، لا الرواة من حيث هم رواة ، وإلّا كان المناسب أن يقول عليه‌السلام : «فارجعوا فيها إلى رواياتنا» ، لأنّها المرجع الأصلي حينئذ. والنظر إلى الرواة طريقي.

(١) معطول على «ما دلّ على أنّهم أولوا الأمر» وهذه الرواية كغير واحدة من الروايات تدلّ على الولاية التشريعية للإمام عليه‌السلام بكلام معنييها ، من ولايته عليه‌السلام بالاستقلال كالأمور القائمة بالسلطنة والخلافة ، ومن ولايته عليه‌السلام على الاستيذان منه في بعض الأفعال ، مع أنّ المصنف جعل هذه الرواية من أدلّة الولاية بالمعنى الثاني ، فلاحظ قوله قدس‌سره : «وأمّا بالمعنى الثاني أعني اشتراط تصرف الغير بإذنهم .. إلخ».

__________________

في المستقبل ، فليس اللام للعهد ، بل للاستغراق ، هذا.

مضافا إلى : أنّه يمكن أن يقال : إنّ أصالة العموم تدفع الشك في وجود القرينة وقرينية الموجود ، وترفع الإجمال ، فيكون المراد كلّ حادثة ، سواء أكانت ممّا يرجع فيه إلى الامام عليه‌السلام بالاستقلال ، أم ممّا يرجع فيه إليه للاستيذان منه ، لتوقف صحة العمل على إذنه. فلا يختص التوقيع بالولاية بمعناها الثاني ، كما هو ظاهر كلام المصنف قدس‌سره ، بل يشملها بكلا معنييها ، لأنّ الرجوع إلى الفقيه أعمّ ممّا يكون له الولاية عليه بالاستقلال ، أو يكون إذنه شرطا في صحة عمل الغير.

وبالجملة : عموم «الحوادث» المحلّى باللام ، وإطلاق الرجوع يقتضيان إرادة الولاية بكلا معنييها.

١٤٦

«ومنها : أنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملّة من الملل عاشوا وبقوا (١) إلّا بقيّم ورئيس ، لما لا بدّ لهم منه في أمر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق بما (٢) يعلم أنّه (١) لا بدّ لهم منه ، ولا قوام لهم إلّا به» (٣).

هذا ، مضافا (٢) إلى ما ورد في خصوص الحدود (٣) والتعزيرات (٤) والحكومات (٥) ،

______________________________________________________

(١) الضمير للشأن ، وضميرا «منه ، به» راجعان إلى القيّم.

(٢) هذا دليل آخر على الولاية بالمعنى الثاني ، وهو : اشتراط صحة عمل الغير بإذنه عليه‌السلام.

لكن الولاية في الحدود والتعزيرات ونحوهما إنّما هي بمعنى الاستقلال بالتصرف ، لا بالمعنى الثاني المزبور. نعم تكون ولايته على صلاة الجنازة بالمعنى الثاني.

(٣) كقوله عليه‌السلام في معتبرة بريد بن معاوية الواردة في حدّ المحارب : «ذلك إلى الإمام يفعل ما يشاء». الحديث (٤).

(٤) مثل ما رواه سماعة في تعزير شهود الزور : «يجلدون حدّا ليس له وقت ، فذلك إلى الإمام» (٥).

(٥) كقول أبي عبد الله عليه‌السلام : «اتّقوا الحكومة ، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين لنبيّ [كنبيّ] أو وصيّ نبيّ» (٦).

__________________

(١) كذا في النسخة ، وفي العلل : «بقوا وعاشوا».

(٢) كذا في النسخة ، وفي المصدر «مما يعلم».

(٣) علل الشرائع ، ص ٢٥٣ ، الباب ١٨٢ ، ذيل الحديث : ٩ ، ورواه في البحار عنه وعن عيون أخبار الرضا ، فراجع ، ج ٢٣ ، ص ٣٢ ، باب الاضطرار إلى الحجة ، ح ٥٢.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٥٣٣ ، الباب ١ من أبواب حدّ المحارب ، ح ٢.

(٥) المصدر ، ص ٥٨٤ ، الباب ١١ ، الحديث : ١.

(٦) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٦ ، الباب ٣ من أبواب صفات القاضي.

١٤٧

و «أنّها لإمام المسلمين (*)». وفي (١) الصلاة على الجنائز من (٢) «أنّ سلطان الله أحقّ بها (٣) من كلّ أحد» وغير ذلك (٤)

______________________________________________________

(١) معطوف على «في» في قوله : «في خصوص الحدود» يعني : وما ورد في الصلاة على الجنائز.

(٢) بيان ل «ما ورد في الصلاة».

(٣) أي : بالصلاة ، وكلمة «من كل أحد» غير موجودة في النصوص وإن كانت مستفادة من حذف المفضّل عليه في ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا حضر سلطان من سلطان الله فهو أحقّ بالصلاة عليها إن قدّمه وليّ الميت ، وإلّا فهو غاصب» (١).

ودلالة هذه الرواية على ما رامه المصنف قدس‌سره من اشتراط صحة الصلاة على الجنازة بإذن الإمام عليه‌السلام ـ ولو في خصوص فرض تقديم وليّ الميت ـ واضحة.

وفي رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحقّ الناس بالصلاة عليها» (٢). وظاهر إطلاق «الأحقيّة» عدم اشتراطها بتقديم وليّ الميت وإذنه. والتفصيل موكول إلى محلّه.

(٤) من الأمور الحسبية التي يتوقف جواز تصدّيها على إذنهم «صلوات الله عليهم». وأمّا الأمور الراجعة إلى السلطنة فهي من الولاية بمعنى الاستقلال.

__________________

(*) قد مرّ في بعض الحواشي المتعلقة بالمقام : أنّ أدلة الولاية ان كانت مشتملة على كلمة (اللام) نظير «أنّها لإمام المسلمين» فهو ظاهر في الولاية بمعناها الأوّل.

وإن كانت بكلمة «الأولى والأحق» ونحوهما ممّا يدلّ على الاشتراك في المبدء فهو ظاهر في الولاية بالمعنى الثاني.

ومنه يظهر : أنّ ما أفاده المصنف قدس‌سره ـ من أدلة الولاية بالمعنى الثاني ـ لا يختصّ بها ، بل يعمّ الولاية بكلا معنييها ، فتأمّل في عباراته.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٢ ، ص ٨٠١ ، الباب ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة ، ح ٤.

(٢) المصدر ، ح ٣.

١٤٨

ممّا يعثر عليه المتتبّع (١).

______________________________________________________

(١) مثل ما ورد في حكم الزوجة المفقود زوجها ـ مع انقطاع خبره وعدم إنفاق وليّ الزوج عليها ـ من : أنّها ترفع أمرها إلى الامام. ففي موثق سماعة : «وإن لم تعلم أين هو من الأرض كلّها ، ولم يأتها منه كتاب ولا خبر ، فإنّها تأتي الإمام ، فيأمرها أن تنتظر أربع سنين .. فإن لم تجد له أثرا حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشرا ، ثم تحلّ للأزواج ..» (١).

وقال في الجواهر : «إنّ ظاهر هذه النصوص انحصار تدبير أمرها في زمان انبساط يد الإمام عليه‌السلام لا حال قصورها ..» (٢).

وفي بعض النصوص التعبير «بالوالي والسلطان» بدل «الامام» لكنه غير قادح في المقصود ، لورود نظير ذلك في ما يتعلق بالحدود والتعزيرات أيضا ، مع أنّ المصنف جعلها من أدلة ولاية الإمام العامة.

وما ورد في تقسيم الخمس بين الأصناف ، كقوله عليه‌السلام في معتبرة البزنطي : «أرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يصنع؟ أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الامام» (٣).

وما ورد في الأنفال من قوله عليه‌السلام : «وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» (٤).

وما ورد في إجبار المولى على أحد الأمرين ـ من الرجوع أو الطلاق ـ مثل ما عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل له حظيرة من قصب ، ويجعله [ويحبسه] فيها ، ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلّق» (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٩٠ ، الباب ٤٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ٢ وبمضمونه نصوص اخرى وردت في ج ١٥ ، ص ٣٨٩ الباب ٢٣ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) الجواهر ، ج ٣٢ ، ص ٢٩٠.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٢ ، الباب ٢ من أبواب قسمة الخمس ، ح : ١.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٤ ، الباب ١ من أبواب الأنفال ، ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، ص ٥٤٥ ، الباب ١١ من أبواب الإيلاء ، ح ١ ، ونحوه سائر أخبار الباب ، فراجع. والخطيرة «الموضع الذي يحاط بالقصب والخشب .. تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد والريح» لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٠٣ وقريب منه في مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٢٧٣.

١٤٩

وكيف (١) كان فلا إشكال في عدم جواز التصرّف في كثير من الأمور العامّة (٢) بدون إذنهم ورضاهم (٣). لكن لا عموم (٤) يقتضي أصالة توقّف كلّ تصرّف على الإذن.

نعم (٥) الأمور التي يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم ، لا يبعد الاطّراد

______________________________________________________

وكقوله عليه‌السلام في الحكم بالهلال : «ذاك إلى الإمام ، إن صمت صمنا» (١) بعد وضوح كون التقية في تطبيق العنوان على مثل الدوانيقي اللعين ، وليس التقية في ثبوت أصل المنصب للإمام الحق ، كما قرر في محلّه.

(١) يعني : سواء أكان الدليل وافيا بإثبات ولاية الإمام عليه‌السلام في بعض الموارد الخاصة أم غير واف به ، فإنّه لا إشكال في ثبوت ولايته عليه‌السلام في كثير من الأمور العامة ، وحرمة تصدّي الغير بدون إذنه.

(٢) دون الأمور الشخصية الراجعة إلى العباد بأشخاصهم كواجباتهم العينية ، ومعاملاتهم من عقودهم وإيقاعاتهم.

(٣) أي : بدون إذن الأئمة عليهم‌السلام ورضاهم. والوجه في عدم جواز التصرف بدون إذنهم «صلوات الله عليهم» هو امتناع الرجوع ـ في عدم اعتبار الإذن ـ إلى أصالة عدم الاشتراط ، إذ المفروض إمكان إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه‌السلام ، كعدم الرجوع إلى إطلاق دليل لو كان للزوم الفحص عن المقيّد.

وبالجملة : فاللازم حينئذ الاحتياط ، وعدم الرجوع إلى أصالة عدم الاشتراط.

(٤) يعني : لا عموم في شي‌ء من أدلة تلك الأمور العامة يقتضي أصالة توقف كل تصرف على الإذن حتى يرجع إليها عند الشك في اعتبار الإذن.

(٥) استدراك على قوله : «لكن لا عموم» وحاصله : أنّه وإن لم يكن هنا دليل يقتضي عموم توقف كل تصرف على الإذن. إلّا أنّه تمكن دعوى اطّراد الإذن في كل أمر يرجع فيه كلّ قوم إلى الرئيس ، بأن يكون ذلك الأمر من وظائف وخصائص اولي الأمر ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٧ ، ص ٩٥ ، الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ٥.

١٥٠

فيها (١) بمقتضى كونهم (٢) أولى الأمر وولاته ، والمرجع (٣) الأصليّ في الحوادث الواقعة ، والمرجع في غير ذلك (٤) من موارد الشك (٥) إلى (٦) إطلاقات تلك التصرّفات إن وجدت على الجواز (٧) أو المنع ، وإلّا (٨) فإلى الأصول العملية.

لكن حيث كان الكلام في اعتبار إذن الإمام أو نائبه الخاصّ مع التمكّن منه (٩)

______________________________________________________

دون الرّعية ، فإنّ مقتضى اختصاصه بوليّ الأمر عدم جواز تصرف غيره بدون إذنه «سلام الله عليه».

(١) هذا الضمير وضمير «فيها» المتقدم راجعان إلى : الأمور.

(٢) أي : الأئمة عليهم‌السلام ، فإنّهم رؤساء ، لكونهم اولى الأمر وولاته.

(٣) معطوف على «اولي الأمر» يعني : بمقتضى كون الأئمة المرجع الأصلي.

(٤) أي : في غير تلك الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلى رئيسهم. والأولى أن يقال : «تلك» بدل «ذلك».

(٥) أي : الشك في اعتبار إذن الإمام عليه‌السلام في صحة تصرف الغير وعدمه.

(٦) خبر «والمرجع» توضيحه : أنّ الأمور إن كانت ممّا يرجع فيه كل قوم إلى رئيسهم توقّف صحّتها على الإذن. وإن لم تكن من تلك الأمور ، وشكّ في اعتبار الإذن فيها ، فيرجع فيها إلى أدلة تلك التصرفات. فإن وجد فيها إطلاق يدل على جواز تصرف الغير بدون الإذن ، أو يدلّ على عدم جواز تصرف الغير بدون إذنه عليه‌السلام فهو المتّبع.

وإن لم يوجد فيها إطلاق ، وشكّ في اعتبار الإذن فيها فالمرجع الأصل العمليّ. وهو أصالة عدم اعتبار الإذن.

لكن المفروض في المقام هو التمكّن من الرجوع إلى الإمام عليه‌السلام أو نائبه الخاص ، وإزالة الشبهة ، فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي الذي لا يرجع إليه مع وجود الدليل. فلا بد في إحراز صحة العمل من الاحتياط.

(٧) أي : جواز تصرف الغير بدون إذنه عليه‌السلام ، أو منع التصرف بدون الإذن.

(٨) أي : وإن لم توجد إطلاقات على الجواز أو المنع ، فيرجع إلى الأصول العملية.

(٩) أي : من الرجوع إلى كل واحد من الإمام أو نائبه الخاص.

١٥١

لم يجز إجراء الأصول ، لأنّها (١) لا تنفع مع التمكّن من الرجوع إلى الحجّة ، وإنّما تنفع (٢) مع عدم التمكّن من الرجوع إليها (٣) لبعض العوارض.

وبالجملة : فلا يهمّنا التعرّض لذلك (٤) ، إنّما المهمّ التعرّض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدّمين (٥) ، فنقول :

أمّا الولاية (٦) على الوجه الأوّل ـ أعني استقلاله في التصرّف ـ فلم يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيّل (٧) من أخبار واردة في شأن العلماء ،

______________________________________________________

(١) أي : لأنّ الأصول لا تجري مع التمكن من الرجوع إلى الحجة ورفع الشبهة بها.

(٢) يعني : وإنّما تنفع الأصول العملية مع عدم التمكن من الرجوع إلى الحجة.

(٣) أي : إلى الحجة لبعض العوارض كالتقية ، أو الحبس الموجب لحرمان الشيعة عن التشرف بمحضره الشريف.

(٤) أي : لثبوت ولاية الإمام عليه‌السلام بل لا ينبغي لنا التعرض لذلك.

(٥) وهما : الاستقلال في التصرف ، واشتراط تصرف الغير بإذنه.

(٦) المراد بالولاية التي يبحث عن ثبوتها للفقيه وعدمه هو الاعتبارية التشريعية دون التكوينية التي هي من لوازم ذواتهم النورية ، وليست من المناصب المجعولة الشرعية ، ولا ملازمة بينهما ، ولذا لا تكون الولاية التكوينية للفقيه ، وليس لأحد ادّعاء ذلك ، وإن قلنا بثبوت الولاية المجعولة شرعا له.

كما أنّه لا سنخية بينهما ، لكون التكوينية حقيقية ، والتشريعية اعتبارية ، فهما متباينتان. فلا يقال : إنّ الولاية التكوينية التي هي أشد تستلزم الولاية التشريعية التي هي أضعف بالأولوية. بل ثبوتها محتاج الى الدليل ، ولا تثبت بالأولوية المذكورة ، لتوقفها على اندراجها تحت حقيقة واحدة ليجري فيها التشكيك بالشدة والضعف.

ما استدل به على ولاية الفقيه بمعنى الاستقلال في التصرف

(٧) المتخيّل هو الفاضل النراقي قدس‌سره ، حيث إنّه جعل وظيفة الحاكم الشرعي في مقامين : «أحدهما : أنّ كلّ ما كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام فهو للفقهاء ، إلّا ما أخرجه الدليل. وثانيهما : أنّ كل فعل متعلّق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم ، ولا بدّ من الإتيان به

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا مفرّ منه ، إمّا عقلا ، أو عاد من جهة توقف أمور المعاد أو المعاش لواحد أو جماعة عليه ، وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به. أو شرعا من جهة ورود أمر به ، أو إجماع ، أو نفي ضرر أو إضرار ولم يجعل وظيفته لمعيّن واحد أو جماعة ، ولا لغير معيّن ـ أي واحد ـ لا بعينه بل علم لابديّة الإتيان به أو الإذن فيه ، ولم يعلم المأمور به ولا المأذون فيه فهو وظيفة الفقيه ، وله التصرف فيه والإتيان به» (١).

ثم استدلّ على ثبوت المنصب الأوّل للفقيه بالإجماع الذي نصّ به كثير من الأصحاب ، بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات. وبالتصريح به في الأخبار من كونه وارث الأنبياء أو أمين الرسل .. وغيرهما ممّا سيذكره المصنّف عنه.

ووافقه صاحب العناوين قدس‌سره في أصل الدعوى ، اعتمادا على الإجماع وعلى بعض النصوص التي استند إليها في العوائد ، وسيأتي ذكرها في المتن وإن ناقش في جملة منها بقصور الدلالة.

واستظهر صاحب العناوين هذه الولاية العامة من كلمات الأصحاب بالتتبّع في أبواب متفرقة ، لا بأس بالإشارة إلى جملة منها ، كدفع ما بقي من الزكاة في يد ابن السبيل بعد الوصول إلى بلده إلى الحاكم.

ووجوب دفع الزكاة ابتداء أو بعد الطلب إليه.

وولايته في مال الامام عليه‌السلام.

وتوقف إخراج الودعي الحقوق على إذنه.

وتوقف حلف الغريم على إذنه.

وولايته في أداء دين الممتنع من ماله.

وفي القبض في الوقف على جهات عامّة.

وفي بيع الوقف حيث يجوز ولا وليّ له.

وفي بيع الرهن المتسارع إليه الفساد بإذنه.

وفي إجبار الوصيّين على الاجتماع.

وفي ضمّ المعين إلى الوصي العاجز.

__________________

(١) عوائد الأيام ، ص ٥٣٦.

١٥٣

مثل (١) «أنّ (٢) العلماء ورثة الأنبياء ، وأنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ولكن أورثوا أحاديث من أحاديثهم (*) ،

______________________________________________________

وفي فرض المهر لمفوّضة البضع ، وغيرها من الفروع. فراجع (١).

وإن كان قدس‌سره قد جمع فيها بين ولاية الفقيه بمعنى استقلاله في التصرف وبين توقف تصدّي الغير على إذنه ، وكان ينبغي الفرق بين المقامين ، فراجع العوائد والعناوين متأمّلا فيهما.

(١) بيان ل «ما» وحاصله : أنّه لا عموم في البين يثبت الولاية بمعناه الأوّل بنحو الضابط الكلي إلّا ما يتخيل من أخبار واردة في شأن العلماء ، استدل بها بعض على ولاية الفقيه ، وقد نقل المصنف قدس‌سره جملة من تلك الأخبار.

(٢) وهو ما رواه في الكافي وأمالي الصدوق بأسانيد عديدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وأنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به ، وأنّه يستغفر لطالب العلم من في السماء» إلى أن قال : «وأنّ العلماء ورثة الأنبياء ، أنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ، ولكن ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر».

تقريب الاستدلال به هو : أنّ قاعدة الإرث تقتضي انتقال كل ما للمورّث من مال

__________________

(*) لا يخفى أنّ إطلاق الوراثة وإن كان مقتضيا لانتقال جميع ما للمورّث إلى الوارث ، إلّا أنّ الإطلاق هنا غير مراد قطعا ، للتصريح بأنّ الموروث ليس هو الدينار والدرهم ، بل ميراث الأنبياء هو العلم ، فلا يدلّ هذا الحديث على ثبوت شي‌ء من الولاية بمعنييها للفقيه أصلا.

وليس عدم دلالته على ولاية الفقيه لأجل إرادة الأئمة عليهم‌السلام من العلماء ، وذلك لما في نفس الحديث من «أنّ الملائكة لتضع أجنحتها ..» فإنّ هذه الجملة وما بعدها قرينة قطعية على عدم إرادة الأئمة الأطهار عليهم‌السلام من العلماء. وتبيّن أيضا المراد من الوراثة ، وأنّها هي العلم دون غيره من الولاية على الأنفس والأموال التي هي مورد البحث.

__________________

(١) العناوين ، ج ٢ ، ص ٥٦٢ و ٥٦٣.

١٥٤

فمن أخذ بشي‌ء منها أخذ بحظّ وافر» (١).

و «أنّ (١) العلماء أمناء الرسل».

______________________________________________________

أو حقّ أو غيرهما إلى الوارث. فالولاية المطلقة التي هي للأنبياء تنتقل الى العلماء الّذين هم ورثتهم هذا.

لكن فيه : أنّ الحديث يبيّن موضوع الوارثة وهو خصوص العلم ، فلا إطلاق في الوراثة حتى يشمل الولاية ، فهو أجنبيّ عن ثبوت الولاية في الأنفس والأموال.

(١) معطوف على قوله : «ان العلماء ورثة الأنبياء» ولم أجد في عدة من كتب الأخبار رواية باللفظ المذكور في المتن ، وإن روي ذلك في بعض كتب العامة.

ولعلّ المصنف قدس‌سره جمع بين روايتين أوردهما الفاضل النراقي ، إحداهما : رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «العلماء أمناء» (٢).

والأخرى رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل : يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال : اتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم» (٣).

تقريب الاستدلال به : أنّ الأمين هو الحافظ لما أودع عنده ، والودائع التي أودعت عند العلماء من الرّعية هو جميع الشؤون المتعلقة بالرّعية ، فالعلماء أمناء على جميع أمورهم وحفظ مصالحهم ودفع مفاسدهم ، والولاية من أعظم تلك الشؤون ، هذا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٥٣ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٢ ، لكن الموجود في الوسائل عن الكافي : «وذاك أن الأنبياء» نعم ورد في رواية القداح عن الصادق عن رسول الله أنه قال : «وأن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورّثوا .. دينارا ولا درهما ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» البحار ، ج ١ ، ص ١٦٤ ، الباب ٢ من أبواب العلم وآدابه ، فراجع. واقتصر الفاضل في العوائد على الجملة الاولى وهي : «العلماء ورثة الأنبياء ..» والظاهر أنّ المصنف جمع بين الروايتين ، فلاحظ.

(٢) أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٣٣ باب صفة العلم وفصله وفضل العلماء ، ح ٥.

(٣) المصدر ، ص ٤٦ ، باب المستأكل بعلمه والمباهي به ، ح ٥ ، ورواه في مستدرك الوسائل عن نوادر الراوندي ، فراجع ، ج ١٣ ، ص ١٢٤ ، الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٨.

١٥٥

وقوله (١) عليه‌السلام : «مجاري الأمور بيد العلماء بالله ، الأمناء على حلاله وحرامه» (١).

______________________________________________________

وفيه : أنّ الظاهر كون المراد بالأمانة هو الدين أعني به الأحكام ، والعلماء أمناء الرسل في تبليغ الأحكام إلى الرعية ، واتّباع السلطان يوجب الخيانة ، ولذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاحذروهم على دينكم» أي : أحكامكم ، لصيرورتهم خائنين.

(١) معطوف على «أن» فهو مجرور بإضافة «مثل» إليه ، وهو ما روي عن مولانا الامام الشهيد أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه : «مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله والامناء على حلاله وحرامه ، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة ، وما سلبتم ذلك إلّا بتفرقكم عن الحق ، واختلافكم في السنة بعد البيّنة الواضحة. ولو صبرتم على الأذى وتحمّلتم المئونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد ، وعنكم تصدر ، وإليكم ترجع. ولكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم ، وأسلمتم أمور الله في أيديهم ..» الحديث.

تقريب الاستدلال به : أنّ عطف «الأحكام» على «الأمور» ظاهر في المغايرة. كما أنّ المراد بالعلماء هم الفقهاء دون الأئمة المعصومين «صلوات الله عليهم أجمعين» لشهادة أكثر الجمل المذكورة فيه بذلك كما هو واضح لا يحتاج إلى البيان. فاحتمال إرادة الأئمة عليهم‌السلام من العلماء ـ كما قيل ـ ضعيف غايته.

فيدلّ الحديث على أنّ مجاري الأمور المتعلقة بالحكومة الإسلامية ـ وكذا الأحكام الشرعية ـ يلزم أن تكون بيد العلماء ، حيث إنّ الظاهر وقوع الجملة الخبرية في مقام الإنشاء.

وبالجملة : فظهور الحديث في ولاية الفقيه ممّا لا ينبغي إنكاره. نعم ضعف سند الرواية يمنع الاعتماد عليها.

__________________

(١) تحف العقول طباعة طهران عام ١٣٧٧ ، ص ٢٣٨ من كلام سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه أو أمير المؤمنين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورواه عنه في البحار ، ج ١٠ ، ص ٨٠ ، ح ٢٧.

١٥٦

وقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل» (١).

وفي المرسلة (٢) المرويّة في الفقه الرضويّ : «إنّ منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل» (٢).

وقوله (٣) عليه‌السلام في نهج البلاغة : «أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به ، (إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) الآية» (٣).

______________________________________________________

(١) عدّ من أدلة ولاية الفقيه هذا النبوي ، والظاهر أنّ وجه الشبه فيه ليس هو الولاية على الأموال والأنفس ، لعدم ثبوتها في حق أنبياء بني إسرائيل ، فإنّهم كما قيل كانوا مبلّغين لشريعة موسى عليه‌السلام. وعليه فوجه الشبه هو الفضيلة وعلوّ الدرجات.

ويؤيّده ما روي من : «أنّ العلماء أفضل من أنبياء بني إسرائيل».

(٢) يعني : وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرسلة المروية في الفقه الرضوي. ودلالة هذا الرضوي على ولاية الفقيه في زمان عدم بسط يد الامام عليه‌السلام ظاهرة. لكنها منوطة بثبوت الولاية على الأنفس والأموال لأنبياء بني إسرائيل ، وذلك غير ثابت. مضافا إلى ضعف السند.

ثم إنّ الأولى بمقتضى السياق أن يقال : «وقوله في المرسلة» ولعلّ حذف كلمة «قوله» لكون المرسلة من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا.

(٣) هذا أيضا معطوف على «أنّ العلماء» أي : مثل قول أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» وتقريب دلالته : أنّ مقتضى أولوية الأعلم بالأنبياء هو ثبوت جميع ما للأنبياء عليهم‌السلام من الشؤون المتعلقة برسالتهم ـ التي منها الولاية على الأمّة ـ لأعلم الناس بما جاؤوا به ، فإنّ الولاية التشريعية المجعولة من الشارع التي هي المبحوث عنها تكون من جملة ما جاء به

__________________

(١) عوالي اللئالى ، ج ٤ ، ص ٧٧ ، ح ٦٧ ، وعنه في البحار ، ج ٢ ، ص ٢٢ ، ح ٦٧ ، وعنه ونقله المحدث النوري في المستدرك ج ١٧ ، ص ٣٢٠ ، ح ٣٠ عن العلامة في التحرير ، ج ١ ، ص ٣. ولكن ما في العوائد يختلف عمّا في المتن يسيرا ، لقوله : «ما رواه في جامع الأخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : أفتخر يوم القيامة بعلماء أمّتي فأقول : علماء أمّتي كسائر الأنبياء قبلي» عوائد الأيام ، ص ٥٣٢.

(٢) الفقه المنسوب الى الامام الرضا عليه الصلاة والسلام ، ص ٣٣٨ ، وعنه في البحار ، ج ٧٨ ، ص ٣٤٦.

(٣) نهج البلاغة ، ص ٤٨٤ ، باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام الحكمة ٩٦ ، والآية من سورة آل عمران : ٦٨.

١٥٧

وقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا : «اللهم ارحم خلفائي. قيل : ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال : الّذين يأتون بعدي ويروون حديثي وسنّتي» (١).

وقوله (٢) عليه‌السلام في مقبولة ابن حنظلة : «قد جعلته عليكم حاكما» (٢).

______________________________________________________

الأنبياء عليهم‌السلام ، فجميع ما جاؤوا به من عند الله تعالى ثابت لأعلم الناس. فدعوى ظهور هذا الكلام في ثبوت الولاية قريبة جدّا.

لكن فيه : أنّه راجع إلى ولاية الأئمة عليهم‌السلام لا الفقيه ، لأنّ أعلم الناس بما جاء به الأنبياء عليهم‌السلام ليس إلّا الأئمة الأطهار «عليهم صلوات الله الملك الغفار». فينبغي أنّ يعدّ هذا من أدلة ولايتهم عليهم‌السلام لا ولاية الفقيه.

(١) تقريب الاستدلال به : أنّ الخلافة وإن كانت من الكلّيّات المشكّكة ، إلّا أنّ مقتضى إطلاقها وعدم تقييدها بشأن خاص ـ كالقضاء بين الناس في قطع الدعاوي والخصومات ـ هو ثبوت الولاية المطلقة الشرعية التي كانت للنبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخلفائه عليهم‌السلام. والمراد بالخليفة كان واضحا ، ولذا لم يسأل الراوي عن مفهومها ، وسأل عن أوصاف الخليفة وعلائمها.

فلا يرد عليه : «أنّه في مقام بيان أنّ الخلفاء هم الرواة ، وليس في مقام بيان ما فيه الخلافة ، فيؤخذ القدر المتيقن وهو تبليغ الأحكام ونقل الأحاديث». وذلك لما عرفت من وضوح معنى الخليفة عرفا. وأمّا توصيفهم بأنّهم يروون حديثي فلأجل إخراج العلماء الّذين لا يستندون في علمهم إلى أحاديثهم عليهم‌السلام ، بل يستندون إلى الأقيسة والاستحسانات.

وبالجملة : فدلالة هذا الحديث على ولاية الفقيه مطلقا إلّا ما خرج لا بأس بها ، والله العالم.

(٢) هذا أيضا معطوف على «أنّ العلماء» والاستدلال بالمقبولة على ولاية الفقيه منوط بعدم إرادة القاضي من الحاكم ، وإلّا كان مساوقا لقوله عليه‌السلام : «قاضيا» في مشهورة أبي خديجة. ومن المعلوم إطلاق الحاكم على القاضي كثيرا ، كما يظهر من الوسائل في كتاب القضاء ، ومن تفسير الحكّام في الآية الشريفة (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ) بما في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٧.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٩٨ ـ ٩٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.

١٥٨

وفي مشهورة أبي خديجة : «جعلته عليكم قاضيا» (١).

وقوله (١) عجّل الله فرجه : «هم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله» (٢).

______________________________________________________

المكاتبة من أنّه عليه‌السلام كتب بخطّه : «الحكام القضاة». فالمستفاد المتيقن من المقبولة والمشهورة هو منصب القضاء ، دون الولاية المطلقة للفقيه (*).

(١) يدل هذا التوقيع الشريف على أنّ الراوي ـ المراد به الفقيه ـ هو المرجع والحاكم في كلّ حادثة يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم. ومن المعلوم أنّ في «الحوادث» السياسيات والشرعيات. ولا فرق فيها بين ما يرتبط بشخص خاصّ أو بنظام المجتمع كالمعاهدة مع الأجانب في إخراج المعادن وإجراء عقد الذمة وأخذ الجزية من أهل الذمة ، وغير ذلك ممّا يرجع فيه إلى الحكومة. وهذا معنى كون الفقيه حاكما مطلقا من ناحية من هو حجة من الله تعالى ومسلّط على عوالم الوجود كلّها ، أرواحنا فداه وعجّل

__________________

(*) إلّا أن يقال : انّ لفظ «الحاكم» في صدر المقبولة ظاهر في السلطان الذي يحكم بين الناس بالسيف والسّوط ، وليس ذلك شأن القاضي. فالحاكم وإن أطلق أحيانا على القاضي ، إلّا أنّ المراد به هنا هو السلطان بقرينة العطف الظاهر في المغايرة في كلام السائل ، حيث قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا تنازعا في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان ، أو إلى القضاة أيحلّ ذلك؟» والامام عليه‌السلام قرّره على ذلك.

والحاصل : أنّ مغايرة المعطوف والمعطوف عليه قرينة على عدم إرادة القاضي من السلطان ، فإذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا. وجعل السلطان حاكما ظاهر في الولاية العامة الموجبة لإقامة الجمعة وإجراء الحدود ، وأخذ الزكاة قهرا ، ونظم البلاد ، وغير ذلك ممّا هو شأن الحكومة ، دون القاضي.

وعليه فما ذكرناه في (ص ١٣٥) من قولنا : «لكن الظاهر أنّ هذه الروايات الثلاث في مقام جعل منصبي القضاء والإفتاء للفقيه دون الولاية المطلقة .. إلخ» لا يخلو من شي‌ء ، فإنّ الأوفق بالقواعد العربية ما ذكرناه هنا ، فتأمّل جيّدا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٦.

(٢) إكمال الدين ، ص ٤٨٤ ، الباب ٤٥ ، ح ٤ ، وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠١ ، ح ٩ ، رواه عن إكمال الدين والغيبة.

١٥٩

إلى غير ذلك ممّا يظفر به المتتبّع (١).

لكنّ الإنصاف بعد ملاحظة سياقها ـ أو صدرها أو ذيلها ـ يقتضي الجزم بأنّها (٢) [١] في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية ،

______________________________________________________

الله عزوجل فرجه الشريف. وإشكال إجمال الحوادث قد تقدم مع دفعه في التعاليق السابقة ، فلاحظ (ص ١٤٥ ـ ١٤٦).

فالمتحصل : أنّ كل ما ثبت لحجة الله تعالى ثبت للفقهاء الّذين هم حجج حجة الله ، والتفاوت بينه أرواحنا فداه وبين الفقهاء إنّما هو في إضافة الحجية ، لأنّها بالنسبة إليه عليه‌السلام مضافة إلى الله تعالى ، لقوله صلوات الله عليه : «وأنا حجة الله». وبالنسبة إلى الفقهاء مضافة إلى نفسه المقدسة ، لقوله عليه‌السلام : «فإنّهم حجّتي عليكم». والظاهر بحسب الفهم العرفي أنّه لا تفاوت بينهما بحسب الحكم ، فلا يوجب اختلاف الإضافة اختلافا في مفهومها ولا في حكمها.

(١) ممّا جعله الفاضل النراقي قدس‌سره في عداد الأدلة.

مثل ما رواه الكراجكي عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنه قال : «الملوك حكّام على الناس ، والعلماء حكّام على الملوك» (١).

وما رواه الشهيد قدس‌سره في المنية «أنه تعالى قال لعيسى : عظّم العلماء ، واعرف فضلهم ، فإنّي فضّلتهم على جميع خلقي إلّا النبيّين والمرسلين ، كفضل الشمس على الكواكب ، وكفضل الآخرة على الدنيا ، وكفضلي على كل شي‌ء» (٢). وغيرهما ، فراجع العوائد (٣).

(٢) أي : بأنّ الروايات المذكورة. وغرض المصنف قدس‌سره بيان ما استفاده من تلك الروايات ، وتضعيف ما تخيّله البعض من دلالتها على ولاية الفقيه المطلقة.

__________________

(*) لكن ظاهر بعضها كالتوقيع الرفيع ثبوت الولاية المطلقة للفقيه كما أشرنا إليه في التوضيح ، حيث إنّ التفاوت في إضافة الحجية ، وذلك لا يوجب تفاوتا في مفهومها ولا في حكمها ، فكل ما يثبت للحجة «صلوات الله عليه» من التبليغ والولاية يثبت للفقيه إلّا ما خرج بالدليل.

__________________

(١) كنز الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٣.

(٢) منية المريد ، ص ١٢١.

(٣) عوائد الأيام ، ص ٥٣١ ـ ٥٣٣.

١٦٠