هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٦

«وتوقّف زاعما أنّه لا يقدر على مخالفة الأصحاب» هذا (*).

ولكن الأقوى (١) كفاية عدم المفسدة ، وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم (٢) ،

______________________________________________________

(١) هذا مختار المصنف قدس‌سره ، ومحصله : أنّ الأقوى من الوجوه الثلاثة وسطها ، وهو كفاية عدم المفسدة في صحة تصرفات الأب والجدّ ، وعدم إناطتها بالمصلحة ، فضلا عن الأصلح.

(٢) كالشيخ الفقيه كاشف الغطاء ونجله صاحب أنوار الفقاهة والمحقق القمي. ففي كشف الغطاء : «ولولاية الإجبار كولاية الأب والجدّ ما ليس لغيرها ، فلا يعتبر فيها سوى عدم الفساد .. إلخ» ونحوه في شرح القواعد.

لكنّه قال ـ بعد ترجيح هذا القول على مراعاة المصلحة ـ ما لفظه : «والاقتصار على ما ذكره الفقهاء وتنزيل الروايات أوفق في النظر ، وأسلم من الخطر ..» (١).

وقال في أنوار الفقاهة : «وبحكم المالك : الأب النسبي .. والجدّ للأب .. فإنّ لهما معا .. ولاية إجبارية لا تراعى بالمصلحة. نعم لو أفسدا بطل تصرفهما فيما أفسدا به ..» (٢).

وقال المحقق القمي : «فنصب الولي إنما هو لأجل دفع الفساد وحفظ المال .. وفي خصوص الأب والجد دائرة الرخصة أوسع ، إذ لم يشترط فيه الملاءة كما بيّناه في المناهج

__________________

(*) الظاهر أنّ منشأ مناقشة العلامة قدس‌سره المقتضية للذهاب إلى ولاية الأب والجدّ ـ حتى مع المفسدة ـ هو الروايات الدالة على أنّ مال الولد للوالد. فكلّ تصرف ولو مع المفسدة من الأب والجدّ في مال الصغير جائز ، ولا يشترط فيه المصلحة.

لكن فيه : أنّه يقيّد بما إذا كانت المفسدة من جهة نفقة الأب والجدّ ، لا مطلقا ، فلا يعمّ جميع موارد المفسدة كالبيع بما دون ثمن المثل.

__________________

(١) كشف الغطاء (الطبعة الحجرية) البحث الثاني والأربعون من المقدمة ، شرح القواعد (مخطوط) الورقة ٧١

(٢) أنوار الفقاهة ، مجلّد المتاجر ، ص ١٠٠ (مخطوط).

١٠١

لمنع (١) دلالة الروايات (٢) على أكثر من النهي عن الفساد ، فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدّمة (٣) الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد وماله.

وأمّا الآية الشريفة ، فلو سلّم دلالتها (٤)

______________________________________________________

في كتاب المكاسب ، والغنائم في كتاب الزكاة ..» فراجع (١).

وقال صاحب الجواهر قدس‌سره ـ بعد المناقشة في الإجماع على اعتبار المصلحة ـ ما لفظه : «فإنّ النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما ـ أي للأبوين ـ والمعاملة ، وتقويم الجارية ، ونحو ذلك من غير اعتبارها ـ أي المصلحة ـ» إلى أن قال : «نعم قد يفهم في خصوص الأبوين التوسعة لهما ، مع أن الأحوط فيهما وفي غيرهما مراعاة المصلحة ، كما اعترف به الأستاد في شرحه» (٢).

وعلى هذا فلم يظهر ترجيح القول بكفاية عدم المفسدة من صاحب الجواهر (٣).

(١) تعليل لقوله : «لكن الأقوى» ومحصله : أنّ الروايات لا تدلّ على أكثر من النهي عن الفساد أي التصرف المقرون بالفساد ، فالمنهي عنه هو التصرف الفاسد. فعدم المفسدة كاف في صحة تصرف الأب والجد في مال الطفل ، وليس صحته مشروطة بالمصلحة فضلا عن الأصلح.

(٢) وهي : رواية الحسين بن أبي العلاء ، وصحيحة أبي حمزة الثمالي المتقدمتان.

(٣) وهي رواية سعيد بن يسار وصحيحة محمد بن مسلم ورواية محمّد بن سنان.

وهذه الأخبار مطلقة شاملة للوجوه الثلاثة من الأصلح والمصلحة وعدم المفسدة ، ولم يخرج منها إلّا صورة المفسدة ، فيجوز التصرف مع عدم المفسدة وإن لم يكن مصلحة.

(٤) أي : دلالة الآية على اعتبار المصلحة. غرضه من قوله : «فلو سلم» ما قيل أوّلا : من أنّه لا نسلّم دلالة الآية على اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم ، إمّا

__________________

(١) جامع الشتات (الطبعة الحجرية) ج ١ ، ص ١٩٢ و ١٩٣.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٣٢.

(٣) لاحظ ج ١٥ ، ص ٢٢ ، وج ٢٥ ، ص ١٦٥ وج ٢٨ ، ص ٢٩٧.

١٠٢

فهي (١) مخصّصة بما دلّ على ولاية الجدّ وسلطنته الظاهرة (٢) في أنّ له أن يتصرّف في مال طفله بما ليس فيه مفسدة له ، فإنّ (٣) ما دلّ على ولاية الجدّ في النكاح معلّلا بأنّ

______________________________________________________

لانصرافها إلى الأجانب ، وعدم شمولها للأجداد. وإمّا لاحتمال عدم صدق اليتيم على الطفل مع حياة جدّه.

مع أنّ كلمة «أحسن» في الآية الشريفة ليست مسوقة لبيان معناها التفضيلي ، بل سيقت لبيان غيره وهو الحسن المراد به عدم الحرج ، والتصرف غير المفسد حسن. وهذا يلائم عدم المفسدة.

وعليه فلا تدلّ الآية على اعتبار المصلحة في نفوذ تصرّف الولي في مال اليتيم.

وثانيا : ـ بعد تسليم دلالتها على اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم ـ أنّها مخصّصة بأدلة جواز تصرف الجدّ في مال الطفل مع عدم المفسدة. ومقتضى هذا التخصيص كفاية عدم المفسدة في جواز تصرف الجد في مال الطفل ، وعدم اعتبار المصلحة في جوازه.

(١) يعني : فالآية مخصّصة ، هذا هو الجواب الثاني المذكور آنفا بقولنا : «وثانيا بعد تسليم دلالتها .. إلخ».

(٢) الظاهر أنه نعت ل «ما الموصول» المراد به الأدلة ، وهي الإطلاقات الدالة على ثبوت الولاية. وليست «الظاهرة» صفة ل «سلطنته» لعدم ذكرها في الأدلة ، وإن كانت محتملة ، لاستفادة السلطنة من تلك الأدلة وإن لم تشتمل هي على لفظ السلطنة.

(٣) تعليل للظهور في أنّ للجدّ التصرف في مال الطفل بما ليس فيه مفسدة لمال الطفل ، وظهور الأدلة في جواز تصرف الجدّ في مال ولد ولده ـ بما ليس فيه مفسدة ـ إنّما هو بعد تقييدها بما دلّ على عدم جواز الإسراف ، ضرورة أنّها مع الغضّ عن هذا التقييد تعمّ جميع الصور حتى صورة وجود المفسدة.

ثم إنّ المصنف قدس‌سره استظهر ولاية الجدّ ـ بما ليس فيه مفسدة ـ من طوائف ثلاث من النصوص.

الاولى : ما دلّ على ولاية الجدّ في التزويج ، وتقدّم ما يختاره على ما يختاره الأب ،

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته ، فهوي أن يزوّج أحدهما ، وهوى أبوه الآخر ، أيّهما أحقّ أن ينكح؟ قال : الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية ، لأنّها وأباها للجدّ» (١) بتقريب : أنّ مورد السؤال دوران أمر تزويج البنت بين من يهواه الجدّ ، ومن يهواه الأب مع فرض عدم سبق عقد أحدهما عليها. وأجاب عليه‌السلام بتقديم رأي الجدّ ، معلّلا بأنّ البنت وأباها يتعلقان بالجدّ. ومن المعلوم أنّ أولوية الجدّ بأمر النكاح تقتضي أولويته من الأب في الأموال. نعم لا بدّ من تقييد إطلاق ولاية كل منهما ، بما لا يترتب عليه مفسدة كما لا يخفى.

الثانية : ما دلّ على أنّ الولد وماله للأب ، وهو النبوي المشهور المتقدم في عدة من النصوص : «أنت ومالك لأبيك».

وهذه الجملة تارة تدلّ بالمطابقة على جواز تصرّف الوالد في مال ولده ، كما في الأخبار التي استند الأئمة عليهم الصلاة والسلام إلى النبوي لإثبات مشروعية أخذ الوالد من أموال ولده ، كقول أبي عبد الله عليه‌السلام في رواية محمّد بن مسلم : «والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء .. وذكر ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لرجل : أنت ومالك لأبيك» فيجوز تصرف الأب في مال ابنه مطلقا وإن لم يكن فيه مصلحة ، نعم يقيّد الجواز بالتصرف المفسد.

واخرى بالفحوى ، بتقريب : أنّ سلطنة الجدّ على تزويج بنت ابنه تقتضي ـ بالأولوية القطعية ـ سلطنته على التصرف في الأموال. وهذه الولاية غير مقيدة بالغبطة والمصلحة ، فهي ثابتة مطلقا وإن لم تكن بصلاح المولّى عليه ، نعم يقيّد بما لا فساد فيه.

وتستفاد هذه الفحوى من رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّي لذات يوم عند زياد بن عبد الله إذ جاء رجل يستعدي على أبيه ، فقال : أصلح .. الأمير ، إنّ أبي زوّج ابنتي بغير إذني. فقال زياد لجلسائه الّذين عنده : ما تقولون في ما يقول هذا الرجل؟ فقالوا : نكاحه باطل. قال : ثمّ أقبل عليّ ، فقال : ما تقول يا أبا عبد الله ، فلمّا سألني

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١٩ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ح ٨.

١٠٤

البنت وأباها للجدّ (١). وقوله (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك»

______________________________________________________

أقبلت على الّذين أجابوه ، فقلت لهم : أليس في ما تروون أنتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّ رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك؟ قالوا : بلى. فقلت لهم : فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه ، ولا يجوز نكاحه؟ قال : فأخذ بقولهم ، وترك قولي» (١).

واستشهاد الامام عليه‌السلام بكلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهر في كون «مالك» بفتح اللام ، لكونه عليه‌السلام بصدد إثبات ولاية الجدّ على تزويج البنت ، وهو فعل متعلق بالبضع ، لا المال المعهود.

الثالثة : ما دلّ على ثبوت الولاية للجدّ على تزويج بنت ابنه ، ولم يعلّل بما علّل به في معتبرة علي بن جعفر المتقدمة ، ويتم ولايته في أموال الصغير بالفحوى ، كمعتبرة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه. ولابنه أيضا أن يزوّجها. فقلت : فإن هوى أبوها رجلا ، وجدّها رجلا؟ فقال : الجدّ أولى بنكاحها» (٢).

والحاصل : أنّ النصوص المتقدمة بطوائفها الثلاث تثبت ولاية الجدّ على التصرف في أموال الطفل مطلقا وإن لم يكن أحسن بحال المولّى عليه. فالآية الشريفة الناهية عن القرب بمال اليتيم إلّا بالتي هي أحسن تخصّص بهذه الأخبار الظاهرة في نفوذ التصرف ما لم يستلزم النقص والفساد ، وأما الصلاح والأصلح فغير معتبر ، هذا.

(١) هذا إشارة إلى الطائفة الأولى ممّا يصلح للتصرف في ظاهر الآية ، واختصاص القرب المنهي عنه بما يستلزم الفساد.

(٢) معطوف على الموصول في «ما دلّ» أي : فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. ، وهذا إشارة إلى الطائفة الثانية ، وهي استشهاد الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام بالحديث النبوي على نفوذ تصرف الأب في مال ولده.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١٨ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث : ٥.

(٢) المصدر ، ص ٢١٧ ، الحديث : ١.

١٠٥

خصوصا (١) مع استشهاد الإمام عليه‌السلام به (٢) في مضيّ نكاح الجدّ بدون إذن الأب ، ردّا على من أنكر ذلك (٣) ، وحكم (٤) ببطلان ذلك من (٥) العامّة في مجلس بعض الأمراء (٦) ، وغير ذلك (٧) ، يدلّ (٨) على ذلك (٩).

مع (١٠) أنّه لو سلّمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجدّ ،

______________________________________________________

(١) وجه الخصوصية ما عرفته آنفا من أنّ ولاية الجدّ على البضع ـ المدلول عليها بالنبوي ـ تقتضي ولايته على المال بالفحوى.

(٢) أي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك».

(٣) أي : أنكر مضيّ نكاح الجد بدون إذن الأب ، والمنكر علماء العامة المجالسون للوالي.

(٤) معطوف على «أنكر» يعني : وحكم ذلك المنكر ببطلان نكاح الجدّ بدون إذن الأب.

(٥) هذا بيان ل «من» الموصول في قوله : «من أنكر».

(٦) هو زياد بن عبد الله المذكور في رواية عبيد بن زرارة المتقدمة.

(٧) أي : غير ما دلّ على ولاية الجد معلّلا ، وغير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» وهذا الغير إشارة إلى الطائفة الثالثة ممّا يقتضي تخصيص الآية الشريفة.

(٨) هذا خبر «إنّ» في قوله : «فإنّ ما دلّ» المتقدم في (ص ١٠٣).

(٩) أي : على كفاية عدم المفسدة في تصرفات الجد في مال الطفل.

(١٠) هذا جواب ثالث عن الاستدلال بالآية على رعاية مصلحة الصغير.

وحاصله : أنّه لو سلّمنا عدم تخصيص آية «ولا تقربوا» بما دلّ على جواز تصرف الجدّ في مال الطفل مع عدم المفسدة ، وقلنا بشمول إطلاق النهي في الآية المباركة مع دلالتها على اعتبار المصلحة للجدّ أيضا ، وجب الاقتصار على التصرف ذي المصلحة في الجد دون الأب ، إذ لا تشمله الآية ، لعدم اليتم مع وجود الأب ، فحينئذ يجوز للأب التصرف في مال طفله ولو بدون المصلحة. فلزوم مراعاة المصلحة ثابت في الجد دون الأب.

١٠٦

دون الأب. ودعوى (١) عدم القول بالفصل ممنوعة (٢) ، فقد حكي عن بعض (٣)

______________________________________________________

(١) الغرض من هذه الدعوى إثبات التساوي بين الأب والجدّ في عدم جواز التصرف في مال الطفل إلّا مع المصلحة استنادا إلى عدم القول بالفصل ، بدعوى : أنّه لم يفصّل بين تصرف الأب والجد في مال الطفل ، فلزوم مراعاة المصلحة ثابت في حقّ كلّ من الأب والجدّ ، ولا يختص بالجد.

(٢) خبر «دعوى» ودفع لها ، وحاصله : وجود القول بالفصل بينهما عن بعض متأخري المتأخرين ، حيث قال ذلك البعض بجواز اقتراض الأب المعسر ـ المحتاج ـ من مال الصغير ، دون الجدّ ، فإنّه لا يجوز له ذلك.

(٣) وهو المحقق الثاني قدس‌سره ، أفاد ذلك في شرح قول العلامة : «ولو ضمن ـ أي الولي ـ واتّجر لنفسه وكان مليّا ملك الربح ، واستحب له الزكاة. ولو انتفى أحدهما ضمن ، والربح لليتيم ولا زكاة» (١) فإنّ مقتضى إطلاق «الولي» عدم الفرق بين الأب والجدّ في الضمان على تقدير الإعسار ، كما يضمن غير الولي لو اتّجر بمال الطفل مع الملاءة. وعلّق عليه المحقق الثاني بقوله : «يستثنى من ذلك الأب وإن كان معسرا» (٢).

وظاهره اختصاص الأب ـ من سائر الأولياء ـ بحكم ، وهو جواز الاقتراض من مال ولده والاتّجار به وعدم ضمانه. ومقتضى هذه العبارة القول بالفصل بين الأب والجدّ ، فلا يجوز للجدّ المعسر أن يقترض من مال الطفل ليتّجر به ، بل يضمنه لو تلف.

وكيف كان فيكفي في منع دعوى الإجماع المركّب وجود القول بالفصل بين تصرف الأب والجدّ. وعليه فلا وجه لما تقدم في (ص ٩٦) في الاستدلال بالآية الشريفة من دعوى عدم القول بالفصل.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ١ ، ص ٣٢٩.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٣ ، ص ٥ ، ولاحظ أيضا مفتاح الكرامة ، ج ٣ ، ص ٧ ، في اشتراط الملاءة ، لكنّه سوّى بين الأب والجد ، كما نسبه صاحب المدارك أيضا إلى المتأخرين ، فراجع ج ٥ ، ص ١٩ ، مع اقتصار المحقق الكركي على الأب خاصة.

١٠٧

متأخّري المتأخّرين القول بالفصل بينهما (١) في الاقتراض مع عدم اليسر.

ثمّ (٢) لا خلاف ظاهرا ـ كما ادّعي (٣) ـ في أنّ الجدّ وإن علا يشارك الأب في الحكم (٤).

______________________________________________________

(١) أي : بين الأب والجدّ. هذا تمام الكلام في الفرع الثاني وهو اشتراط صحة التصرف بالمصلحة أو بعدم المفسدة.

مشاركة الجدّ وإن علا للأب

(٢) هذا إشارة إلى فرع ثالث ممّا يتعلق بولاية الأب والجد على التصرف في أموال الصغير ، وهو تعدّي الحكم إلى أب الجدّ وجدّ الجد ، كما إذا كان للطفل أب وهو زيد ، وجدّ وهو عمرو ، وأب جدّ وهو بكر ، وجدّ جدّ وهو بشر ، فإنّه لا ريب ـ كما تقدم ـ في ثبوت الولاية لزيد وعمرو ، وهل يشارك بكر وبشر زيدا في الولاية وجواز المزاحمة كما جاز للجدّ وهو عمرو؟ أم أنّها مختصة بالجدّ الداني أعني عمرا؟

اختار المصنف وفاقا لغيره مشاركة أب الجدّ وجدّ الجد لوالد الطفل في ثبوت الولاية لهما على الصغير ، واستدلّ عليه ـ بعد حكاية الإجماع ـ بطائفتين من الأخبار ، وسيأتي بيانهما.

قال في الجواهر : «ثم إن الظاهر ثبوت جميع ما عرفت من الأحكام للجدّ ـ وإن علا ـ مع الأب ، للصدق ، فيندرج في جميع ما عرفته من الأدلة» (١).

(٣) المدّعي لعدم الخلاف هو السيّد المجاهد قدس‌سره ، لقوله : «المراد بالجدّ هنا أب الأب وإن علا ، كما صرّح به في التذكرة والروضة والمسالك والكفاية والرياض ، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه» (٢).

(٤) وهو جواز التصرف في مال الصغير مع عدم المفسدة.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢١٠ ، ولكنه تنظر فيه في كتاب الحجر ، فراجع ج ٢٦ ، ص ١٠٢.

(٢) المناهل ، ص ١٠٥.

١٠٨

ويدلّ عليه (١) ما دلّ على أنّ الشخص وماله ـ الذي منه مال ابنه ـ لأبيه ، وما دلّ (٢) على أنّ الولد ووالده لجدّه.

ولو فقد (٣) الأب وبقي الجدّ ،

______________________________________________________

(١) أي : ويدلّ على أنّ الجدّ ـ وإن علا ـ يشارك الأب في الحكم ما دلّ .. إلخ. وهذا إشارة إلى الطائفة الاولى ، وهي رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «فقلت لهم : فكيف يكون هذا هو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه؟» فإنّه عليه‌السلام استظهر من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» أمرين :

أحدهما : كون مال الولد للوالد.

وثانيهما : كون نفس الإنسان وما بيده من المال ملكا لوالده ، أي لجدّ المولّى عليه.

وكذا يقال بالنسبة إلى أب الجدّ ، فإنّ جدّ الصغير وما بيده من أموال نفسه وولده وحفيده كلّها لأب الجدّ. ولو كان جدّ الجدّ حيّا كانت له الولاية على أب الجدّ وأولاده.

(٢) معطوف على «ما دلّ» وهذا إشارة إلى الطائفة الثانية ، وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام المعلّلة بأنّ «الجارية وأباها للجدّ». فكذا يقال بمقتضى معمّميّة التعليل : إنّ الجدّ وولده وبنت ولده يكونون لأب الجدّ ، وهكذا بالنسبة إلى جدّ الجدّ.

وعلى هذا فلو هوى أب الجارية أن يزوّجها من رجل ، وهوى جدّ جدّها تزويجها من رجل آخر لم يكن عبرة بقول الأب. هذا في النكاح. وتثبت الولاية على الأموال بالفحوى ، كما تقدم في (ص ١٠٤).

لو فقد الأب وبقي الجدّ الأدنى والأعلى

(٣) هذا فرع رابع ممّا يتعلق بولاية الأب والجدّ ، وهو حكم ولاية الأجداد عند فقد الأب ، كما إذا كان لزيد ولد وأب وجدّ ـ وهو والد أبيه ـ ومات زيد ، فهل تكون ولاية ولد زيد لوالد زيد الذي هو جدّ الولد ، أم لوالد والد زيد ، الذي هو جدّ زيد؟ فيه قولان ، قال السيد المجاهد : «وهل الأجداد في مرتبة واحدة ، فكلّهم أولياء بالاستقلال ، أولا؟ بل الأقرب إلى الأب يمنع الأبعد. صرّح بالثاني في جامع المقاصد والمسالك

١٠٩

فهل أبوه وجدّه [أو جدّه (١)] يقوم مقامه (٢) في المشاركة أو يخصّ هو (٣) بالولاية؟ قولان : من (٤) ظاهر أنّ الولد ووالده لجدّه ، وهو المحكيّ عن ظاهر جماعة ،

______________________________________________________

والكفاية. ويظهر الأوّل من إطلاق الشرائع والنافع والتبصرة والإرشاد والتحرير والقواعد والتذكرة والدروس واللمعة وكنز العرفان والروضة والرياض» (١).

ومورد كلامه قدس‌سره وإن كان تزاحم الأجداد من دون تعرّض لموت الأب ، إلّا أنّ المقصود بيان من يقدّم قوله من الأجداد ، ولا فرق فيه بين وجود الأب وفقده بعد ثبوت أولوية الجدّ من الأب.

(١) اختلفت النسخ في عطف الجدّ على الأب بالواو ، وب «أو» ففي النسخة المصححة المعتمد عليها العطف ب «أو» ويكون مقصود المصنف قدس‌سره بيان أنّ أب المفقود تثبت له الولاية بالأصالة على ما تقدّم من كون الجدّ كالأب وليّا على الصغير ، ولكن هل تختص الولاية به؟ لفرض فقد الأب فيستقل بالتصرف ، أم يشاركه غيره ، وهذا الغير إمّا أب الجدّ وإمّا جدّ الجدّ.

وعلى هذا فالأنسب بسياق العبارة إرجاع ضميري «أبوه ، جدّه» إلى «الجدّ» ليكون الغرض تحديد من يشارك جدّ الطفل. ولو أرجعنا الضميرين إلى الأب المفقود لزم كون أحد المشاركين هو أب الأب ، من دون ذكر للمشارك ، مع أنّ أب الأب ـ وهو جدّ الطفل ـ له شركة في الولاية لو لم يختصّ بها. وعليك بالتأمل في العبارة.

(٢) أي : مقام الأب المفقود.

(٣) أي : أب المفقود ـ أعني به جدّ الصغير ـ يختصّ بالولاية.

(٤) هذا دليل ولاية أبي الميت وجدّه على الطفل ، وحاصله : أنّ مقتضى ما دلّ على أنّ «الولد ووالده لجدّه» هو كون ولاية الطفل لأبي الميت وجدّه ، كما حكي عن جماعة.

قال في الجواهر : «لكن قد يظهر من خبر عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام أولوية

__________________

(١) المناهل ، ص ١٠٥ ، وهو المراد من الحاكي في قول الماتن : «المحكي عن جماعة».

١١٠

ومن (١) أنّ مقتضى قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (١) كون القريب أولى بقريبه من البعيد. فنفى (٢) ولاية البعيد ، وخرج منه (٣) الجدّ (٤) مع الأب ، وبقي الباقي (٥).

______________________________________________________

الجدّ ، باعتبار ولايته على الأب الذي هو ابنه بلا واسطة أو بوسائط» (٢).

(١) هذا دليل القول الثاني ، وهو : اختصاص الولاية بأبي الميت الذي هو الجدّ الأدنى للطفل ، ومحصل هذا الدليل : أنّ مقتضى قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) أولوية القريب من البعيد ، والقريب هنا هو أبو الميت الذي هو الجدّ الأوّل للطفل ، فإنّه أقرب إلى الطفل من جدّ الميت الذي هو الجدّ الثاني للطفل.

فإن قلت : الآية الشريفة ـ بمقتضى كون الأولوية فيها تعيينية لا تفضيلية ـ تنفي ولاية البعيد مع وجود القريب ، ولازمه عدم مشاركة الجدّ أصلا للأب ، لظهور الآية في اختصاص القريب بالولاية ، ومن المعلوم أنّ القريب إلى الطفل هو الأب ، ومعه لا وجه لولاية الجدّ أصلا ، سواء أكان هو الأدنى أم الأعلى.

قلت : نعم ، الأولوية التعيينية تنفي ولاية ما عدا الأب ، حتى الجدّ القريب ، لكن النصوص أخرجت هذا الجدّ من العموم ، وحكمت بولايته على الحفيد ، وأمّا سائر الجدود فلا ولاية لهم بمقتضى الآية.

(٢) يعني : فنفى قوله تعالى ولاية البعيد ، أي : الجدّ العالي ، وهو جدّ الأب المتوفّى.

(٣) أي : خرج من عموم قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) وقد عرفت توضيح هذا الخروج بقولنا : «ان قلت .. قلت».

(٤) أي : جدّ الصغير ، إذ له الولاية المشتركة مع أب الطفل لو كان الأب حيّا.

(٥) وهو أبو الجدّ وجدّ الجدّ ، فإنّه لا ولاية لهم ، لأنّ القريب إلى المولّى عليه هو الجدّ الأدنى لا سائر الجدود.

__________________

(١) الأنفال ، الآية ٧٥ ، الأحزاب ، الآية ٦.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢١١.

١١١

وليس (١) المراد من لفظ «الأولى» التفضيل مع الاشتراك في المبدء ، بل هو نظير قولك : «هو أحقّ بالأمر من فلان» ونحوه (٢). وهذا (٣) محكيّ عن جامع المقاصد والمسالك والكفاية.

______________________________________________________

(١) هذا دفع توهم ، وهو : أنّ الآية تدلّ على ولاية اولي الأرحام ، الّذين منهم جدّ الأب ، مع أحقيّة بعضهم ـ وهو أب الأب ـ وهذا ضدّ المقصود ، أعني به نفي الولاية عن جدّ الأب ، وإثباته لأبيه.

ومحصل الدفع : أنّ هذا التوهم ناش من إرادة المعنى التفضيلي من كلمة «أولى» لكنه ليس كذلك ، لإرادة التعيين منها ، كما في آية الإرث ، وكما في قولك : «فلان أحقّ بالخلافة من فلان» وكقوله عليه‌السلام : «فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» وكما في الزوجة المتوفى عنها زوجها بعد العدة من قوله عليه‌السلام : «هي أملك بنفسها» فإنّ صيغة التفضيل يراد منها أصل الوصف ، من دون النظر إلى زيادته بالنسبة إلى فرد آخر.

(٢) نظير قوله تعالى حكاية عن يوسف على نبينا وآله وعليه‌السلام «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ» فإنّ «الأحبّ» منسلخ عن المعنى التفضيلي ، وإلّا يلزم حبّه عليه‌السلام بما أرادته تلك المرأة منه ، ويوسف عليه‌السلام منزّه عن ذلك.

(٣) يعني : وهذا القول الثاني حكاه السيد المجاهد قدس‌سره ـ في عبارته المنقولة آنفا ـ عن المحقق والشهيد الثانيين والفاضل السبزواري. قال في المسالك : «وأمّا إقامة الجدّ مع أبيه مقام الأب مع الجدّ فعدمه أقوى».

ولم أجد تصريح المحقق الثاني بالعدم ، وإنما قال : «وهل يكون للجدّ الأعلى مع الجدّ الأدنى ولاية؟ فيه نظر» (١). ولعل السيد المجاهد ظفر بكلام آخر في جامع المقاصد أو فوائده على الشرائع أو غيره ، فنسب القول بالعدم إليه. كما لم أجد في الكفاية ـ بعد التتبع في البيع والحجر والوصية والنكاح ـ ما يدلّ على المطلب ، فراجع.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ١٧١ ، جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٨٧.

١١٢

وللمسألة (١) مواضع أخر تأتي إن شاء الله (*).

______________________________________________________

(١) أي : ولمسألة ولاية الأب والجدّ على الطفل مواضع أخر كالزكاة والحجر والنكاح ، فما تقدّم من الأبحاث ليس استقصاء لجميع أطراف المسألة ، فلاحظ.

__________________

(*) ينبغي قبل التعرض لأدلة ولاية الأب على الصغير بيان ما هو الأصل في المسألة ، فنقول وبه نستعين :

لا إشكال في أنّ مقتضى الأصل عدم سلطنة أحد على غيره ، لا في نفسه ولا في ماله. وأمّا بعد أن ثبتت بإطلاق أدلتها ، فلو شك في اعتبار شي‌ء في ولاية الأب والجدّ فمقتضى الإطلاقات عدم اعتباره.

فالمراد بالأصل هو الإطلاق اللفظي ، لا الأصل العملي كما هو ظاهر المتن ، وذلك لأنّ الأصل العملي يقتضي عدم نفوذ التصرف في مال أحد بلا وجه شرعي. فالأصل يثبت اعتبار العدالة في الولي ، لأنّ المتيقّن من التصرف هو تصرف العادل ، ولا يثبت عدم اعتبارها بالأصل. وعطف «الإطلاقات» على الأصل كالنص في أنّ المراد بالأصل هو الأصل العملي.

لكن لم يظهر المراد منه ، إذ لو أريد به أصالة عدم اشتراط الولاية بالعدالة ، فإن رجعت إلى إطلاق أدلة الولاية فليست دليلا على حدة في مقابل الإطلاق. وإن رجعت إلى غيره فلا أصل له ، لحكومة ما دلّ على عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه.

وبالجملة : فالدليل على عدم اعتبار العدالة هو إطلاق أدلة الولاية. ومع الغض عنه يقتضي الأصل العملي اعتبارها.

ثم إنّه قد استدل على الولاية بأخبار مستفيضة مشتملة على طوائف أشير إليها في التوضيح.

ونوقش في الاستدلال بها. أمّا في الطائفة الاولى وهي نصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه فبأخصيّتها من المدّعى ، وعدم المجال لدعوى عدم الفرق بين موردها وبين غيره. وذلك لاحتمال كون جواز التقويم لأجل احتياجه إلى الجارية ، كما في الإنفاق على نفسه ، هذا.

لكن هذه المناقشة مندفعة ، إذ في أخصيّتها أوّلا : أنّ تقويمها قيمة عدل يدلّ على لزوم

١١٣

.................................................................................................

__________________

حفظ ماليّة مال الصغير عادلة على الولي ، وهو الأب. وهذا هو الضابط والمعيار في جواز تصرفه في مال الطفل ، فلا خصوصية في الموارد.

وثانيا : أنّه لا وجه للحمل على الحاجة أوّلا ، لكونه خلاف الظاهر ، بل السؤال عن حكم العنوان الأوّلي دون الثانوي الاضطراري.

وبعبارة أخرى : وقع السؤال عن جواز وطئها بالعنوان الأوّلي.

وثانيا : أنّه لا دليل على كون حاجته مجوّزة للتقويم المزبور.

هذا كله مضافا إلى : أنّه بعد تسليم الأخصية لا مانع من التعدّي عن مورده بالأولوية ، لأهمية البضع من المال. فالتمسك بنصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه لإثبات ولاية الأب على الطفل في محلّه ، هذا.

وأما في الطائفة الثانية ـ وهي أخبار الوصية ـ فبعدم دلالتها على جواز تصرف الوصي في مال كان للصغير في حال حياة الأب ـ كإرثه من أمّه ، لأنّها إنّما تدل على جواز تصرفه في مال يملكه الطفل من تركة أبيه ، هذا.

لكن فيه : أنّ ظاهر قول السائل : «وبمال لهم» هو التوصيف الفعلي ، وكون الظرف مستقرّا ، يعني : وبمال ثابت لهم ، لا بمال يحصل لهم بموت أبيه. فتدلّ هذه الطائفة على جواز تصرف الوصي في مال الطفل في حال حياة الموصى ، لا بعد موته حتى يقال : إنّ تصرف الوصي في مال الطفل هو تصرف الوصي بالتسبيب.

وأمّا الطائفة الثالثة ـ وهي أخبار التجارة بماله ـ فبما مرّ في الطائفة الثانية من عدم دلالتها على التجارة بمال الطفل زمان حياة أبيه ، وإنّما تدل على جواز التجارة بماله بعد موت أبيه ، وهذا تصرف من أبيه ، للوصية الموجبة لاتصال تصرفات حياته بتصرفاته بعد موته.

لكن قد عرفت ما فيه.

وأمّا الطائفة الرابعة ـ التي لا بدّ من البحث في مفادها حتى يتضح صحة الاستدلال بها على ثبوت ولاية الأب والجد على الطفل وعدم ثبوتها ـ فهي على صنفين :

أحدهما : ما يدلّ على حلية مال الولد للوالد مثل معتبرة محمّد بن مسلم عن

١١٤

.................................................................................................

__________________

الصادق عليه‌السلام ، قال : «سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه؟ قال : يأكل منه ما شاء بغير سرف. وقال في كتاب على عليه‌السلام : إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ..» (١) الحديث ، وغير ذلك من الروايات.

وثانيهما : ما يدل على : أنّ مال الولد للوالد بدون ذكر الولد ، كرواية يسار ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أيحجّ الرجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم. قلت : يحجّ حجة الإسلام وينفق منه؟ قال : نعم بالمعروف. ثم قال : نعم يحج منه وينفق منه ، إنّ مال الولد للوالد» (٢).

أو مع ذكر الولد ، كما في النبوي المعروف في رجل استعدى أباه : «أنت ومالك لأبيك» وقد وقع في جملة من الأخبار (٣).

أمّا الصّنف الأوّل فالظاهر أنّه ليس في مقام إثبات الولاية للأب على ابنه ، بل سيق لبيان جواز أخذ الأب مقدار نفقته من مال ولده ، لأنّه مع فقره ممّن تجب نفقته على الولد الغني. فهو أجنبي عن مسألة ولاية الأب عليه.

وأمّا الصّنف الثاني فلا بد من التكلم فيه حتى يظهر حقيقة الحال ، فنقول وبه نستعين : إنّ اللام في نفسها في «لأبيك» تصلح للملك والولاية والسلطنة على الانتفاع بالولد وبماله ، لكن لا يمكن إرادة الملك منها هنا ، إذ المفروض حرّية الولد وعدم صيرورته ملكا لأحد. وكذا ماله المضاف إليه ، فإنّه لا يعقل كون مال واحد في زمان واحد مضافا بهذه الإضافة بنحو الاستقلال إلى شخصين.

وحمل اللّام على الولاية ينافيه ورود «لأبيك» تارة في خصوص الولد الكبير ، لعدم ولاية الأب على ولده الكبير ولا على ماله شرعا قطعا ، وإخراج المورد قبيح. واخرى في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ١ ونحوه الحديث : ٢.

(٢) المصدر ، الحديث : ٤.

(٣) المصدر ، ص ١٩٧ ، الحديث ٨ و ٩.

١١٥

.................................................................................................

__________________

الأعم منه ومن الصغير.

وحمل اللام على السلطنة على الانتفاع به وبماله لا يثبت الولاية ، وينافيه تقويم الجارية على نفسه بمعنى بيعها من نفسه ، لأنّ مجرد الانتفاع بالولد وماله لا يوجب سلطنته على بيع ماله ، بل صحة بيعه منوطة بولايته ، إذ يعتبر في المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالكين أو مأذونين من الشارع ، كالأب والجد والفقيه الجامع للشرائط.

ولأجل الإشكال على حمل اللام على المعاني المذكورة التجأ بعض إلى حمل اللام على معنى يناسب جميع الموارد من الولد الكبير الرشيد ، ووجوب الإعطاء على الولد مقدار حاجة الوالد ، وعدم حبس الأب بإتلافه مال الولد وإن كان كبيرا ، وولاية الأب على جميع التصرفات الراجعة إلى الولد وماله إذا كان صغيرا. وذلك المعنى المناسب هو جعل اللام للتعليل ، والغرض منه الإشارة إلى كون الولد موهوبا للأب ، وأنّ الأب من معدّات تكوّن الولد ووجوده ، فللأب دخل إعدادي في تكوين الولد.

فكلّ ما للولد ـ كنفسه ـ من آثار وجود الأب وتكوّن الولد من الأب ، وكونه من آثار وجوده يوجب ترتب آثار شرعية عليه ، من جواز الانتفاع بماله إذا كان فقيرا ، ومن عدم جواز حبسه بإتلاف ماله ولده وإن كان كبيرا ، ومن ولايته على جميع التصرفات الراجعة إلى ولده وماله إذا كان صغيرا.

كما يدلّ عليه مكاتبة محمّد بن سنان : «انّ الرضا عليه‌السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : وعلّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه ـ وليس ذلك للولد ـ لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزوجل (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ، مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا ، والمنسوب إليه والمدعوّ له ، لقوله عزوجل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ). ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك. وليس للوالدة مثل ذلك ، لا تأخذ من ماله شيئا إلّا بإذنه أو بإذن الأب. ولأنّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد ، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث : ٩.

١١٦

.................................................................................................

__________________

ولو نوقش في هذا المعنى لكلمة اللام «بأنّ الحمل على أمر تكويني إخبار عن أمر خارجي ، لا إنشاء حكم شرعي كما هو وظيفة الشارع» فغايته أنّه يصير هذا الكلام مجملا ، وهو لا يقدح في الاستدلال بسائر جمل الروايات الظاهرة في الولاية المشتملة على «أنت ومالك لأبيك».

مضافا إلى : ما تقدم في الطائفة الاولى والثانية من إنّها ظاهرة في ثبوت الولاية للأب ، فلا ينبغي الإشكال في ثبوت الولاية للأب على ولده الصغير.

ثم إن هنا أمور ينبغي التنبيه عليها :

التنبيه الأوّل : أنّه هل يعتبر العدالة في ولاية الأب على التصرف في مال الطفل أم لا؟ المنسوب إلى المشهور العدم ، لوجوه :

الأوّل : الأصل. وقد تقدم أنّ الأصل يقتضي اعتبار العدالة ، اقتصارا في مخالفة الأصل على القدر المتيقن ، وهو كون الولي عادلا.

وقد يقرر الأصل بوجوه :

منها : أنّ الأصل عدم تعلق الجعل الشرعي بقيد الولاية المجعولة شرعا قطعا. نظير الشك في جعل قيد في المركّبات الارتباطية كالصلاة ، فكما يجري الأصل هناك ، فكذلك هنا.

وفيه : أنّ أصالة عدم تعلق الجعل الشرعي بقيد الولاية لا يثبت كون الأب وليّا مطلقا وإن لم يكن عادلا إلّا على القول بالأصل المثبت.

إلّا أن يقال : إنّ إثبات شرط للمركّب أو نفيه عنه بالبراءة ليس مثبتا ، كاستصحاب الطهارة ، فإنّ من يستصحبها يصير واجدا للشرط ، وأثره جواز الصلاة مع هذه الطهارة المستصحبة. وليس عنوان «المتطهّر» موضوعا للحكم حتى يقال : إنّه لا يثبت باستصحاب الطهارة إلّا على القول بالأصل المثبت.

١١٧

.................................................................................................

__________________

لا يقال : إنّ أصالة عدم شرطية العدالة في الولاية تعارض بأصالة عدم جواز التصرف في مال الطفل. فالمرجع حينئذ أصالة عدم الولاية ، أو عدم نفوذ معاملة الأب في مال الطفل ، كما هو مقتضى أصالة الفساد.

فإنّه يقال : الشك في نفوذ المعاملة وفسادها ناش من الشك في شرطية العدالة وعدمها في الولاية. ومع جريان أصالة عدم الشرطية فيها يرتفع الشك في صحة المعاملة وفسادها. ومن الواضح حكومة الأصل السببي على المسببي.

ومنها : استصحاب عدم شرطية العدالة أزلا.

وفيه : عدم اعتبار الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، لما فيه من الإشكالات المذكورة في محلها.

ومنها : غير ذلك من الوجوه المقررة في الأصل غير الخالية عن الإشكال.

ثم إنّ التشبّث بالأصل إنّما يصحّ بعد فرض عدم الدليل الاجتهادي ، إذ معه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي كما لا يخفى.

الوجه الثاني : الإطلاقات التي تقدّمت جملة منها.

قيل : ويمكن أن يراد بها الأعم الشامل لإطلاقات العقود ، لشمول «العقد» لما إذا صدر من الأب والجدّ غير العادلين في مال الطفل.

لكن الظاهر أنّ إطلاقات العقود سيقت لبيان حكم آخر ، وهو نفوذ العقود ولزومها ، وليست في مقام بيان ما يعتبر في المتعاقدين حتى يكون لها إطلاق من هذه الجهة.

الوجه الثالث : نفي الخلاف كما عن المفاتيح من قوله : «ويشترط فيهما الإسلام والعقل لا العدالة ، بلا خلاف. وقيل : بل يجوز ولاية الكافر إذا كان المولّى عليه كافرا ولم يكن له وليّ مسلم. وهو حسن».

١١٨

.................................................................................................

__________________

لكن يشكل الاعتماد على ما ادعى عليه من نفي الخلاف مع وجود المخالف ، والقول باعتبار العدالة في الأب والجدّ كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الرابع : السيرة القطعية المستمرة من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زماننا على عدم التفتيش عن كيفية تصرفات آباء الأطفال والأجداد في أموالهم ، وعدم معاملة الأجنبي معهم حتى يثبت عدالتهم هذا.

وقيل : باعتبار العدالة فيهما كما عن الوسيلة والإيضاح ، فاستدل في الأخير بما حاصله : أنه يستحيل من الحكيم تعالى شأنه أن يجعل فاسقا خائنا وليّا على القاصر الذي لا يستطيع على إصلاح أموره ، فلا بدّ أن يكون الوليّ عادلا ليكون أمينا صائنا لنفس الطفل وماله.

وفيه : أنّ مقتضى هذا الوجه اعتبار الأمانة في الولي ، لا اعتبار العدالة فيه إلّا على نحو الموضوعية كإمام الجمعة والجماعة. وذلك غير ثابت.

واستدل له أيضا بآية الركون الى الظالم.

وفيه : أنّ الظاهر إرادة حكّام الجور من الظالم أوّلا. وعدم صدق الركون الى الظالم على ولي الطفل ثانيا. وعدم كون المعاملة بمال الطفل معاملة بمال الغير ، بل معاملة بمال نفسه بمقتضى «أنت ومالك لأبيك» ثالثا.

فتلخص ممّا ذكرنا : عدم نهوض دليل معتدّ به على اعتبار العدالة ، في الأب والجد ، هذا.

التنبيه الثاني : هل يعتبر في تصرف الأب والجد في مال الطفل المصلحة؟ أو عدم المفسدة ، أم لا يعتبر شي‌ء منهما ، فيصح التصرف حتى مع المفسدة ، وجوه.

قد يوجه الأخير بإطلاق الأدلة ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» و «أنّ الولد وماله موهبة من الله سبحانه لأبيه» كما ورد في التعليل المروي عن مولانا الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه : أنّ علة تحليل مال الولد لوالده هي كون الولد موهوبا للوالد ، كما في قوله

١١٩

.................................................................................................

__________________

تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ومثل هذا الإطلاق ينفي اعتبار وجود المصلحة وعدم المفسدة.

كما يوجّه اعتبار عدم المفسدة بما يقيّد إطلاق أدلة الولاية ، كصحيحة أبي حمزة الثمالي ورواية أبي الحسين بن أبي العلاء المذكورتين في المتن ، فإنّهما ظاهرتان في تحديد التصرف في مال الطفل ، وأنّه لا بدّ أن لا يكون موجبا للفساد ، بقرينة الاستشهاد بالآية المباركة. فالتصرف في مال الطفل إن كان مقرونا بالفساد لا ينفذ ولا يصح ، هذا.

ويوجّه اعتبار المصلحة في صحة تصرف الأب والجد في مال الطفل بوجوه :

الأوّل : الأصل ، إذ المتيقن من جواز التصرف في مال الغير هو التصرف الذي يكون مصلحة للطفل.

الثاني : قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فإنّ الأحسن إن أريد به معناه التفضيلي فيدل على اعتبار الأصلح فضلا عن المصلحة وإن أريد به غير معناه التفضيلي فالظاهر أنّ المراد بالحسن هو المصلحة.

الثالث : أنّ دليل ولاية عدول المؤمنين يدلّ على اعتبار المصلحة في ولايتهم. والظاهر أنّ المناط فيها ـ وهو قصور الطفل عن إدارة شؤونه وحفظ مصالحه ـ موجود في ولاية الأب والجدّ ، مع عدم دليل يدل في المقام على خلافه. ولا بدّ من الإشارة إلى روايات الباب حتى يظهر ما هو الحق والصواب ، فنقول وبه نستعين :

إنّ الأخبار على طوائف :

منها : ما تشتمل على قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» الوارد في كل من التصرف الاعتباري كالتزويج ، كروايتي عبيد بن زرارة وعلي بن جعفر تعليلا لنفوذ تزويج الجد ، وتقدمه على الأب «بأنّ الأب وماله لوالده» أو «أنّ الابنة ووالدها لجدّها» ، والتصرف الخارجي في مال الطفل ، كرواية العلل المتقدمة في (ص ٩١) ورواية سعيد بن يسار المتقدمة في (ص ٩٠) الدالتين على جواز الأخذ من مال الولد للوالد ، ورواية محمّد بن مسلم المتقدمة في (ص ٨١) المتضمنة لإذن الأب في المضاربة ، ومقتضى عموم التعليل

١٢٠